مقتطفات من الكتاب
مقتطفات من الكتاب
الاستعـــــــــــــــــــاذة
قال تعالى: "
فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [1] " .
لا يهمنا في هذا السياق أصل كلمة "الشيطان" واشتقاقها وجذورها ... بقدر ما يهمنا المقصود بها،
والمهم الذي يجب أن نعلمه ولا نجهله هو أن الشيطان مخلوق وعدو حقيقي وليس مجرد فكرة ترمز للشر, والتي نجح هذا المخلوق في تمريرها وإقناع أكثر الخلق بها
.
- الشّيطان عدوّ حقيقي وتاريخي:
ولمعرفة قصص هذه العداوة علينا بالبداية، ورأس الخيط في سورة البقرة
[2], فَفيها دراية وكفاية:
- "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ " :
وشاءت حكمة ربّك أن يجعل خليفة في الأرض، إنسانًا مخلوقًا من طينها؛ ولمّا علمت الملائكة بذلك، امتعضت لهذا الخبر لأنّ الله علّمها من قبل أنّ هذا المخلوق قادر على أن يفسد فيها (العبث بالرّزق) ، ويسفك الدّماء (العبث بالأمن ) .
- "وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ " :
وجعل الله هذا المخلوق قادرا على التعلّم، وربط المعلومات والتدبّر على خلاف الملائكة.
- "قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ " :
وأقرّت الملائكة بعجزها وعلمت أنّ علمها محدّد من قبل الله) لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ( ، لا يتطوّر ولا يتغيّر.
- "قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ " :
وعلى خلاف الملائكة، فإنّ الإنسان ليس قادرا على التعلّم فَحسب، بل له الميزة والقدرة على استعمال المعلومات الأوّلية ) الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا( وربطها لاستنتاج معلومات أخرى )يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ) .
وهنا أقيمت الحجّة على الملائكة ) فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ( لتفهم حكمة الله من جعل الإنسان خليفة في الأرض بالرّغم من قدرته على الإفساد في الرّزق والإخلال بالأمن.
- "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ " :
أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة بالسّجود لآدم، وهو سجود استحقاق للأفضليّة القائمة على العلم لتكون الملائكة في خدمته.
واستجابت الملائكة لأمر ربّها بعد إقامة الحجّة عليها بفوز آدم في الامتحان )أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ( وأقرّت بالنّتيجة.
في حين رفض إبليس السّجود )إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَر ( ظنّا منه أنّه أحقّ من آدم بهذا التّكريم، وأبى أن يكون في خدمة الإنسان المخلوق. ولم يفهم أنّ وظيفة الخلافة في الأرض تستوجب جسدا من تراب من جنس الأرض، علاوة على القدرة على التعلّم وإمكانيّة ربط المعلومات واستنتاج العلوم.
وكان الكبر سببا في إغواء إبليس، عليه اللعنة، وإدراك الحكمة الإلهيّة والعدل الإلهي في جعل الإنسان دون غيره صالحا لهذه المهمّة. فإياّكم والكبر.
- "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ " :
بعد تحديد الوظائف وإقامة الحجّة في الملأ الأعلى على أحقيّة آدم في الخلافة في الأرض والحكمة الإلهية منها؛ يبدأ فصل جديد في حياة آدم يُعلّمه فيه ربّه ويُهيّئه للخلافة القائمة على الرّزق والأمن. ويتمّ ذلك عبر اتباع المنهج القائم على الأوامر(اسْكُنْ … وَكُلَا… ) والنّواهي (وَلَا تَقْرَبَا … فَتَكُونَا …) .
- "فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ " :
وهنا يواصل إبليس الشّيطان كبره وكفره وعصيانه بعدم الخضوع لآدم (السّجود) ؛ عاملا على إثبات عدم أحقيّة آدم الإنسان في الخلافة بجرّه إلى المعصية. ويزداد إبليس بُعدا عن منهج الله بالعمل عكس هذا المنهج وحثّ الآخرين على الخروج عن طاعة الله وأوامره (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا ...) .
ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة) وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (وهكذا تنطلق رحلة العالمين من الجنّ والإنس (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ) فوق الأرض جزاءً بما كسب كلّ واحد من المعصية؛ إبليس اللعين جرّاء كبره وكفره وعمله على قطع الرّزق والأمن على الإنسان، وآدم جرّاء عدم طاعته لأمر ربّه واتّباع هوى نفسه وتصديق عدوّه.
وتخرج الملائكة من السّباق آمنة مطمئنّة لأنّها عرفت حدّها (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ) فأطاعت ربّها (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ) . ثمّ تتواصل رحلة ليبلوكم أيّهم أحسن.
- "فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " :
وبفضل من الله ورحمة لمخلوقه الضّعيف الذّي خلقه بيديه، ألهمه كلمات أخذ بهنّ آدم ليفتح بهنّ باب التّوبة والرّجوع إلى الله بعد المعصية، إنّه هو التوّاب الرّحيم.
- "قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " :
وكذلك كانت مشيئة الله أن ينتهي المقرّ الأوّل (الجنّة ) ويهبط الجميع منه، ولا عودة إليه لا من آدم وإبليس ولا ذرياتهم من بعدهم (اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ) ، ولكن رحمة الله واصلة متواصلة، كما ألهم آدم كلمات فأتمهنّ فتاب عليه، ولم يحرم الذرية من بعده من الإنس وكذلك من الجن من كلمات (الكتب السماويّة ) فيهنّ هدى ومنهج من تبعه فاز بالأمن )فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ( وتنعّم بالرّزق )وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( في الدّنيا والآخرة.
- "وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " :
ومن لم يتبع الهدى المنزّل في كتاب الله، وأبى إلاّ أن يكفر ويكذّب آيات الله ويتّبع طريق إبليس، (أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون) .
[1] النحل 98
[2] البقرة 30-39