تلقيح الأفهام من قول الأعلام

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
جاء في كتاب المُحلى بالآثار لابن حزم الظاهري (المتوفى: 456هـ):
وَلَيْسَ جَمِيعُ السُّنَنِ مَذْكُورَةً فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَلَا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَالتَّعَلُّلُ بِهَا قَدَحٌ فِي جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ: أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا.
وَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ تُوجَدَ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَلَا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَلَيْسَتْ السُّنَنُ كُلُّهَا مَأْخُوذَةً مِنْ آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا مِنْ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا مِنْ حَدِيثٍ وَاحِدٍ.

وهذا بيان لمن يُلبس على الناس بآية أوبحديث قد يكون صحيحا دون أن يَضم إليه بقية الآيات والأحاديث .
وهؤلاء قال الله فيهم :
{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)}
 
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى في مسألة نقل الخلاف في الآراء :
وَلَكِنَّ نَقْلَ الْخِلَافِ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} .
فَقَدْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى الْأَدَبِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَتَعْلِيمِ مَا يَنْبَغِي فِي مِثْلِ هَذَا. فَإِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ضَعَّفَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثِ فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ؛ إذْ لَوْ كَانَ بَاطِلًا لَرَدَّهُ كَمَا رَدَّهُمَا ثُمَّ أَرْشَدَ إلَى أَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى عِدَّتِهِمْ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ فَيُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} فَإِنَّهُ مَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ إلَّا قَلِيلٌ مِنْ النَّاسِ مِمَّنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ فَلِهَذَا قَالَ: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} أَيْ لَا تُجْهِدْ نَفْسَك فِيمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَلَا تَسْأَلْهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا رَجْمَ الْغَيْبِ.
فَهَذَا أَحْسَنُ مَا يَكُونُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ: أَنْ تُسْتَوْعَبَ الْأَقْوَالُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ وَأَنْ يُنَبَّهَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهَا وَيُبْطَلَ الْبَاطِلُ وَتُذْكَرَ فَائِدَةُ الْخِلَافِ وَثَمَرَتُهُ؛ لِئَلَّا يَطُولَ النِّزَاعُ وَالْخِلَافُ فِيمَا لَا فَائِدَةَ تَحْتَهُ فَيَشْتَغِلُ بِهِ عَنْ الْأَهَمِّ فَأَمَّا مَنْ حَكَى خِلَافًا فِي مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ أَقْوَالَ النَّاسِ فِيهَا فَهُوَ نَاقِصٌ؛ إذْ قَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ فِي الَّذِي تَرَكَهُ أَوْ يَحْكِي الْخِلَافَ وَيُطْلِقُهُ وَلَا يُنَبِّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ فَهُوَ نَاقِصٌ أَيْضًا فَإِنْ صَحَّحَ غَيْرَ الصَّحِيحِ عَامِدًا فَقَدْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ أَوْ جَاهِلًا فَقَدْ أَخْطَأَ كَذَلِكَ مَنْ نَصَبَ الْخِلَافَ فِيمَا لَا فَائِدَةَ تَحْتَهُ أَوْ حَكَى أَقْوَالًا مُتَعَدِّدَةً لَفْظًا وَيَرْجِعُ حَاصِلُهَا إلَى قَوْلٍ أَوْ قَوْلَيْنِ مَعْنًى فَقَدْ ضَيَّعَ الزَّمَانَ وَتَكَثَّرَ بِمَا لَيْسَ بِصَحِيحِ فَهُوَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
 
جاء في جَامِعِ بَيَانِ الْعِلْمِ لابنِ عبد البرِ القرطبي (المتوفى: 463هـ):
قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: " إِنْ أَخَذْتَ بِرُخْصَةِ كُلِّ عَالِمٍ اجْتَمَعَ فِيكَ الشَّرُّ كُلُّهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ: «هَذَا إِجْمَاعٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ».
 
جاء في كتاب الموافقات للشاطبي (المتوفى: 790هـ) :
وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: "أَخْبَرَنِي الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: رَآنِي أَبِي وَأَنَا أُنْشِدُ الشِّعْرَ، فَقَالَ لِي: يَا بُنّي! لَا تُنْشِدِ الشِّعْرَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ! كَانَ الْحَسَنُ يُنْشِدُ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يُنْشِدُ. فَقَالَ لِي: أَيْ بُني! إِنْ أَخَذْتَ بَشرٍّ مَا فِي الْحَسَنِ وبشرٍّ مَا فِي ابْنِ سِيرِينَ اجْتَمَعَ فِيكَ الشرُّ كُلُّهُ".
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتيبة وَمَالِكٌ: "لَيْسَ أحدٌ مِن خَلْقِ اللَّهِ إِلَّا يُؤخذ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، إِلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم" .
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى تَتَبُّعِ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إِلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِسْقٌ لَا يحل. وَأَيْضًا؛ فَإِنَّهُ مؤدٍّ إِلَى إِسْقَاطِ التَّكْلِيفِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الْأَمْرِ مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّخْيِيرِ أَنَّ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَفْعَلَ إِنْ شَاءَ، وَيَتْرُكَ إِنْ شَاءَ وَهُوَ عَيْنُ إِسْقَاطِ التَّكْلِيفِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَقَيَّدَ بِالتَّرْجِيحِ فَإِنَّهُ مُتْبِعٌ لِلدَّلِيلِ؛ فَلَا يَكُونُ مُتَّبِعًا لِلْهَوَى وَلَا مُسْقِطًا لِلتَّكْلِيفِ.
فَإِذَا صَارَ الْمُكَلَّفُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ عَنَّتْ لَهُ يَتَّبِعُ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ، وَكُلَّ قَوْلٍ وَافَقَ فِيهَا هَوَاهُ؛ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ التَّقْوَى، وَتَمَادَى فِي مُتَابَعَةِ الْهَوَى، وَنَقَضَ مَا أَبْرَمَهُ الشَّارِعُ وَأَخَّرَ ما قدمه .
 
قال ابن القيم في إعلام الموقعين :
وَمِثَالُ هَذَا: أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ قَوْلٌ بِالْمَنْعِ وَقَوْلٌ بِالْإِبَاحَةِ، فَيُفْتِي ابْنَهُ وَصِدِّيقَهُ بِقَوْلِ الْإِبَاحَةِ وَالْأَجْنَبِيَّ بِقَوْلِ الْمَنْعِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ نَفْسَهُ؟ .
قِيلَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ غَيْرَهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ» فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ نَفْسَهُ بِمَا يُفْتِي غَيْرَهُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ نَفْسَهُ بِالرُّخْصَةِ وَغَيْرَهُ بِالْمَنْعِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ وَقَوْلٌ بِالْمَنْعِ أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ قَوْلَ الْجَوَازِ وَلِغَيْرِهِ قَوْلَ الْمَنْعِ، وَسَمِعْتُ شَيْخَنَا يَقُولُ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ يَقُولُ عَنْ بَعْضِ الْمُفْتِينَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ يَكُونُ عِنْدَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا الْجَوَازُ وَالثَّانِي الْمَنْعُ وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ فَالْجَوَازُ لَهُمْ وَالْمَنْعُ لِغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.
 
جاء في كتاب غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للسفاريني الحنبلي:
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَسَمِعْت أَبِي يَقُولُ سَمِعْت يَحْيَى الْقَطَّانَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ رَجُلا عَمِلَ بِكُلِّ رُخْصَةٍ بِقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي النَّبِيذِ , وَقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ , وَأَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ لَكَانَ فَاسِقًا .
جاء في سير أعلام النبلاء :
رَوَى أَبُو العَبَّاسِ بن سُرَيْج، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، قَالَ: وَدَخَلْتُ مرَّةً على المُعْتَضِدِ بِاللهِ أَحْمَد بن المُوَفَّق بِاللهِ الخَلِيْفَةِ، فَدَفَعَ إِليَّ كِتَاباً، فنظرتُ فِيْهِ، فَإِذَا قَدْ جَمَعَ لَهُ فِيْهِ الرُّخَص مِنْ زلل العُلَمَاء، فَقُلْتُ: مُصَنِّفُ هَذَا زِنْدِيْقٌ. فَقَالَ: أَلم تَصِحَّ هَذِهِ الأَحَادِيْث؟
قُلْتُ: بَلَى، وَلَكِنْ مَنْ أَبَاحَ المُسْكر لَمْ يُبح المُتْعَة، وَمَنْ أَبَاحَ المُتْعَة لَمْ يُبِحِ الغِنَاء، وَمَا مِنْ عَالِمٍ إِلاَّ وَلَهُ زَلَّة، وَمن أَخَذَ بِكُلِّ زَلَل العُلَمَاء ذهبَ دِينُه. فَأَمَرَ بِالكِتَابِ فَأُحْرِق.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ أَخَذَ بِنوَادِرِ العُلَمَاءِ، خَرَجَ مِنَ الإِسْلاَمِ.
 
جاء في كتاب الاعْتِصَام للشاطبي (المتوفى: 790هـ):
إنَّ الشَّرِيعَةَ قَدْ وَرَدَ طَلَبُهَا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ، وَلَا يَرْفَعُهَا عُذْرٌ إِلَّا الْعُذْرُ الرَّافِعُ لِلْخِطَابِ رَأْسًا، وَهُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ، فَلَوْ بَلَغَ الْمُكَلَّفُ فِي مَرَاتِبِ الْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ إِلَى أَيِّ رُتْبَةٍ بَلَغَ؛ بَقِيَ التَّكْلِيفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ إِلَى الْمَوْتِ.
وَلَا رُتْبَةَ لِأَحَدٍ يَبْلُغُهَا فِي الدِّينِ كَرُتْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رُتْبَةِ أَصْحَابِهِ الْبَرَرَةِ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ مِنَ التَّكْلِيفِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ؛ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآحَادِ؛ كَالزَّمِنِ؛ لَا يُطَالَبُ بِالْجِهَادِ، وَالْمُقْعَدِ؛ لَا يُطَالَبُ بِالصَّلَاةِ بِالْقِيَامِ، وَالْحَائِضِ؛ لَا تُطَالَبُ بِالصَّلَاةِ الْمُخَاطَبِ بِهَا فِي حَالِ حَيْضِهَا. . . . وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَمَنْ رَأَى أَنَّ التَّكْلِيفَ قَدْ يَرْفَعُهُ الْبُلُوغُ إِلَى مَرْتَبَةٍ مَا مِنْ مَرَاتِبِ الدِّينِ ـ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْإِبَاحَةِ ـ؛ كَانَ قَوْلُهُ بِدَعَةً مُخْرِجَةً عَنِ الدِّينِ.
 
جاء في كتاب الاعْتِصَام للشاطبي (المتوفى: 790هـ):
وَيُحْكَى عَنِ الشِّيعَةِ أَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْقَطَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَمَنْ دَانَ بِحُبِّهِمْ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ، وَأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ إِلَّا بِمَا تَطَوَّعُوا، وَأَنَّ الْمَحْظُورَاتِ مُبَاحَةٌ لَهُمْ كَالْخِنْزِيرِ وَالزِّنَا وَالْخَمْرِ وَسَائِرِ الْفَوَاحِشِ، وَعِنْدَهُمْ نِسَاءٌ يُسَمَّيْنَ النَّوَّابَاتِ يَتَصَدَّقْنَ بِفُرُوجِهِنَّ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ رَغْبَةً فِي الْأَجْرِ، وَيَنْكِحُونَ مَا شَاءُوا مِنَ الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأُمَّهَاتِ، لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ وَلَا فِي تَكْثِيرِ النِّسَاءِ. وَهَؤُلَاءِ الْعُبَيْدِيَّةُ الَّذِينَ مَلَكُوا مِصْرَ وَإِفْرِيقِيَّةَ.
وَمِمَّا يُحْكَى عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ ثَلَاثَةُ أَزْوَاجٍ وَأَكْثَرُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ يَسْتَدِلُّونَهَا وَتَنْسُبُ الْوَلَدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَهْنَأُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، كَمَا الْتَزَمَتِ الْإِبَاحِيَّةُ خَرْقَ هَذَا الْحِجَابَ بِإِطْلَاقٍ، وَزَعَمَتْ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ إِنَّمَا هِيَ خَاصَّةٌ بِالْعَوَّامِّ، وَأَمَّا الْخَوَاصُّ مِنْهُمْ فَقَدْ تَرَقَّوْا عَنْ تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ، فَالنِّسَاءُ بِإِطْلَاقٍ حَلَّالٌ لَهُمْ، كَمَا أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْكَوْنِ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ حَلَالٌ لَهُمْ أَيْضًا، مُسْتَدِلِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِخُرَافَاتِ عَجَائِزَ لَا يَرْضَاهَا ذُو عَقْلٍ: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] فَصَارُوا أَضَرَّ عَلَى الدِّينِ مِنْ مَتْبُوعِهِمْ إِبْلِيسُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ، كَقَوْلِهِ:
وَكُنْتُ امْرَأً مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ فَانْتَهَى ... بِيَ الْفِسْقُ حَتَّى صَارَ إِبْلِيسُ مِنْ جُنْدِي!
فَلَوْ مَاتَ قَبْلِي كُنْتُ أُحْسِنُ بَعْدَهُ ... طَرَائِقَ فِسْقٍ لَيْسَ يُحْسِنُهَا بَعْدِي!
 
قال ابن القيم رحمه الله في - جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام :
قَالَ تَعَالَى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَة أَنا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}
وَسَوَاء كَانَ الْمَعْنى أَنا وَمن اتبعني يَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَة أَو كَانَ الْوَقْف عِنْد قَوْله {أَدْعُو إِلَى الله} ثمَّ يَبْتَدِئ {على بَصِيرَة أَنا وَمن اتبعني} فالقولان متلازمان ,فَإِنَّهُ أمره سُبْحَانَهُ أَن يخبر أَن سَبيله الدعْوَة إِلَى الله فَمن دَعَا إِلَى الله تَعَالَى فَهُوَ على سَبِيل رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على بَصِيرَة وَهُوَ من أَتْبَاعه ,وَمن دَعَا إِلَى غير ذَلِك فَلَيْسَ على سَبيله وَلَا هُوَ على بَصِيرَة وَلَا هُوَ من أَتْبَاعه.
فالدعوة إِلَى الله تَعَالَى هِيَ وَظِيفَة الْمُرْسلين وأتباعهم وهم خلفاء الرُّسُل فِي أممهم وَالنَّاس تبع لَهُم وَالله سُبْحَانَهُ قد أَمر رَسُوله أَن يبلغ مَا أنزل إِلَيْهِ وَضمن لَهُ حفظه وعصمته من النَّاس وَهَكَذَا المبلغون عَنهُ من أمته لَهُم من حفظ الله وعصمته إيَّاهُم بِحَسب قيامهم بِدِينِهِ وتبليغهم لَهُم ,وَقد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتبليغ عَنهُ وَلَو آيَة ودعا لمن بلغ عَنهُ وَلَو حَدِيثا.
وتبليغ سنته إِلَى الْأمة أفضل من تَبْلِيغ السِّهَام إِلَى نحور الْعَدو لِأَن ذَلِك التَّبْلِيغ يَفْعَله كثير من النَّاس , وَأما تَبْلِيغ السّنَن فَلَا تقوم بِهِ إِلَّا وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وخلفاؤهم فِي أممهم ,جعلنَا الله تَعَالَى مِنْهُم بمنه وَكَرمه. وهم كَمَا الَ فيهم عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي خطبَته الَّتِي ذكرهَا ابْن وضاح فِي كتاب الْحَوَادِث والبدع لَهُ قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي امتن على الْعباد بِأَن جعل فِي كل زمَان فَتْرَة من الرُّسُل بقايا من أهل الْعلم يدعونَ من ضل إِلَى الْهدى ويصبرون مِنْهُم على الْأَذَى ويحيون بِكِتَاب الله أهل الْعَمى ,كم من قَتِيل لإبليس قد أحيوه وضال تائه قد هدوه , بذلوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ دون هلكة الْعباد فَمَا أحسن أَثَرهم على النَّاس وأقبح أثر النَّاس عَلَيْهِم ,يقبلونهم فِي سالف الدَّهْر وَإِلَى يَوْمنَا هَذَا فَمَا نسيهم رَبك {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} وَجعل قصصهم هدى وَأخْبر عَن حسن مقالتهم فَلَا تقصر عَنْهُم فَإِنَّهُم فِي منزلَة رفيعة وان أَصَابَتْهُم الوضيعة .
 
يقول الشوكاني رحمه الله في أدب الطلب ْ.....
فإن الأمور لا تكون طاعات بالتعب فيها والنصب وإيقاعها على أبلغ الوجوه.....
بل إنما تكون طاعات خالصة محضة مباركة نافعة بموافقة الشرع ، والمشي على الطريقة المحمدية.
 
جاء في الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية لعبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادي التميمي الأسفراييني، أبو منصور (المتوفى: 429هـ):
فى ذكر الباطنية وَبَيَان خُرُوجهمْ عَن جَمِيع فرق الإسلام......
اعلموا - أسعدكم الله- ضَرَر الباطنية على فِرق الْمُسلمين أعظم من ضَرَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى والمجوس, بل وأعظم من مضرَّة الدهرية وَسَائِر أَصْنَاف الْكَفَرَة , بل أعظم من ضَرَر الدَّجَّال الذى يظْهر فِي آخر الزَّمَان, لِأَن الَّذين ضلوا عَن الدّين بدعوة الباطنية من وَقت ظُهُور دعوتهم إلى يَوْمنَا أكثر من الَّذين يضلون بالدجال فى وَقت ظُهُوره, لَأن فتْنَة الدَّجَّال لَا تزيد مدَّتهَا على أربعين يَوْمًا, وفضائح الباطنية أكثر من عدد الرمل والقطر.
 
عودة
أعلى