تلخيص (2) : تلخيص كتاب/رسم المصحف وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن لعبد الفتاح شلبي

إنضم
28/02/2013
المشاركات
30
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
* حصري لملتقى الانتصار للقرآن الكريم

----
بيانات الكتاب
اسم الكتاب / رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريمدوافعها، ودفعها
المؤلف / عبد الفتاح إسماعيل شلبي
نشر / مكتبة وهبة، الطبعة الرابعة 1419هـ 1991م
حجم الكتاب / 128 صفحة


التلخيص :

تقديم
الموضوع – أهدافه – منهج البحث فيه – مصادره:
هذا بحث يعالج رسم المصحف، ومكانته في الاحتجاج للقراءات، وقد دفع المؤلف إلى معالجة هذا الموضوع رأي قرأه للعالم المستشرق: (إجنتس حولدتسيهر) في كتابه: «مذاهب التفسير الإسلامي» مفاده: أن الخط العربي الذي كتبت به المصاحف لخلوه من النقط والشكل – كان سببًا في اختلاف القراءات، وقد أدى إلى اختلافات نحوية ومعنوية أيضًا..

1- رسم المصحف
ما المراد بالرسم؟ وماذا يعنون بالمصحف؟
الرسم: أصله الأثر، والمراد أثر الكتابة في اللفظ، وهو تصوير الكلمة بحروف هجائها بتقدير الابتداء بها، والوقوف عليها.
والمراد بالمصحف: المصاحف العثمانية التي أجمع عليها الصحابة([1]).
وقد جمع أبو بكر القرآن مشتملًا على سبعة الأحرف التي أذن الله عز وجل للأمة في التلاوة بها، ولم يخص حرفا بعينه، ثم كان لكثير من أئمة الصحابة مصاحف... ثم كان لزوجات النبي مثل ذلك.. ثم كان للتابعين من أمثال عطاء مثل ذلك... مما جعل الرجال يختلفون في القراءة.. ويختلف القراء من أهل العراق والشام... حتى جمع عثمان رضي الله عنه الأمة على حرف واحد، ورسم واحد، وبعث بها إلى الأمصار...
ومن أمثلة ما ورد في مصاحف الصحابة، والتي يعد من القراءات الشاذة، في قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} في مواسم الحج([2]).

نماذج من كتاب المقنع في رسم مصاحف الأمصار
باب ذكر ما رسم في المصاحف بالحذف والإثبات
ذكر ما حذفت منه الألف اختصارًا:
مثل قوله تعالى: {وما يخدعون}، {وإذ وعدنا}، {فأخذتكم الصعقة}، {بل ادّرك علمهم}.

فصل
قال أبو عمر: وأجمع كتاب المصاحف على حذف الألف من الرسم بعد يا التي للنداء وبعدها التي للتنبيه اختصارًا، مثل: {يايها الناس}، {يارض}، {ياولي الألباب}...
وكذلك أجمعوا على حذف الألف في قوله: {الرحمن} حيث وقع. وفي قوله: {ذلك}، و{ذلكم}، و{أولئك}.

باب ذكر ما حذفت منه الياء اجتزاء بكسر ما قبلها منها
قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري النحوي: والياءات المحذوفات من كتاب الله عز وجل اكتفاء بالكسرة منها على غير معنى نداء.. مثل: {فإيّي فارهبون}، {فإيّي فاتقون}، {دعوة الداع إذا دعان}، {واتقون يا أولي الألباب}...
قال أبو بكر: فهذه الحروف الياء ساقطة منها في المصحف، والوقف عليها بغير ياء..
فصل
قال أبو عمرو وكل اسم مخفوض أو مرفوع آخره ياء ولحقه التنوين فإن المصاحف اجتمعت على حذف تلك الياء بناء على حذفها من اللفظ في حال الوصل لسكونها وسكون التنوين بعدها، مثل: {غير باغ ولا عاد، من هاد، من وال، من واق، من راق}، وشبهه...

باب ذكر ما حذفت منه الواو اكتفاء بالضمة منها أو لمعنى غيره
قال ابن الأنباري: وحذفت الواو من أربعة أفعال مرفوعة، أولها في سبحان: {ويدع الإنسان بالشر}، وفي عسق: {ويمح الله الباطل}، وفي القمر: {يدع الداع}، وفي العلق: {سندع الزبانية}.
قال أبو عمرو: وكذلك اتفقت على حذف الواو من قوله في التحريم: {وصلح المؤمنين}.

باب ذكر ما رسم بإثبات الألف على اللفظ أو المعنى
روى عن أبو عبيد القسم بن سلام قال: رأيت في الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه في البقرة: {اهبطوا مصرًا}بالألف، وفي يوسف: {ءايات للسائلين} بالألف والتاء، وفي الكهف {لكنا هو الله} بالألف.. وشبهه.

فصل
ولا خلاف ترد بينها في زيادة الألف بعد الميم في قوله: {مائة} و{مائتين} حيث وقعا ولم تزد في قوله {فئة} {فئتين}، وكذلك زيدت بعد الواو في قوله عز وجل: {الربوا}في جميع القرآن، وفي قوله: {إن امرؤا هلك}... وشبهه مما رسمت الهمزة المتطرفة المضمومة فيه واوا على مراد الوصل للمشابهة التي بين هذه الواو في هذه المواضع وبين واو الجمع وواو الأصل في الفعل من حيث وقعت طرفا كهن.

فصل
قال أبو عمرو: واتفق كتاب المصاحف على رسم ألف بعد الواو صورة للهمزة في قوله في المائدة {أن تبوأ باثمي}، وفي القصص {لتنوأ بالعصبة}...
واتفقوا على أن رسموا ألفا بعد الشين في قوله: {النشأة}.
واختلفت المصاحف في قوله في الأحزاب: {يسئلونك عن أنبائكم}.

فصل
قال أبو عمرو: واجتمع أيضًا كتاب المصاحف على رسم النون الخفيفة ألفا، كما في يوسف: {وليكونا من الصغرين}، وفي العلق {لنسفعًا بالناصية}، وذلك على مراد الوقف، وكذلك رسموا النون ألفًا لذلك في قوله تعالى {وإذا لا يلبثون}.
وشبهه من لفظه حيث وقع، وكذلك رسموا التنوين نونًا في قوله: {وكأين} حيث وقع.
قال أبو عمرو وكذلك رسموا كل ما كلن على وزن فعال بفتح الفاء وبكسرها، وعلى وزن فاعل نحو: (ظالم ، كاتب ، شاهد). وعلى وزن فعَّال نحو (خوان، ختار، كفار)، وعلى وزن فعلان نحو (بنيان ، طغوان)، وكذلك ما أشبهه مما ألفه زائدة للبناء، وكذلك إن كانت منقلبة من ياء أو من واو حيث وقع.

باب ذكر ما رسم بإثبات الياء على الأصل
اعلم أن الياء التي هي لام الفعل، والزائدة التي للإضافة أثبتت في الرسم في كل المصاحف في أربعين موضعا، منها: {واخشوني ولأتم}، و{فإن الله يأتي بالشمس}، و{لئن لم يهدني الله}.
قال أبو عمرو فهذه –الأربعين موضعًا- جميع ما وجدته من هذا الباب مرسومًا في الخط وثابتًا في التلاوة بإجماع من القراءة مما يشاكل في اللفظ والمعنى مما حذفت منه الياء.

فصل
وكل ياء سقطت من اللفظ لساكن لقيها في كلمة أخرى فهي ثابتة في الرسم نحو قوله: {يؤتي الحكمة}، و{وما تغني الآيات والنذر}، و{يلقي الروح}، وما كان مثله حاشى خمسة عشر موضعًا من ذلك، فإن المصاحف اتفقت على حذف الياء فيها، وقد تقدم ذكرها في جملة الياءات المحذوفات..

باب ذكر ما رسم في المصاحف من هاءات التأنيث بالتاء على الأصل أو مراد الوصل

ذكر الرحمة
حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن القسم النحوي قال: وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "الرحمة" فهو بالهاء يعني في الرسم إلا سبعة أحرف: في البقرة: {أولئك يرجون رحمت الله}، وفي الأعراف: {إن رحمة الله قريب من المحسنين}، وفي هود {رحمت الله وبركاته}، وفي مريم {ذكر رحمت ربك}، وفي الروم {إلى ءاثر رحمت الله}، وفي الزخرف {أهم يقسمون رحمت ربك}، وفيها: {ورحمت ربك خير مما يجمعون}.


ذكر المرأة:
قال وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر "المرأة" فهو بالهاء إلا سبعة أحرف: في آل عمران: {إذ قالت امرأت عمران}، ويوسف: {امرأت العزيز تراود}، و{قالت امرأت العزيز}، والقصص: {وقالت امرأة فرعون}، والتحريم: {امرأت نوح وامرأت لوط}، و{امرأت فرعون}.


جولدتسيهر والقراءات
يقرر جولدتسيهر في كتابه "المذاهب الإسلامية" أن القراءات ترجع في معظمها إلى أن الخط العربي كان غفلًا من النقط والحركات... إضافة إلى أن الخط العربي من خصائصه أن الرسم الواحد للكلمة الواحدة قد يقرأ بأشكال مختلفة تبعًا للنقط، كما أن عدم وجود الحركات النحوية يمكن أن يجعل للكلمة خالات مختلفة..
وضرب أمثلة لألفاظ وقع فيها اختلاف بين القراء نتيجة تجرد المصحف من النقط {ونادى أصحاب الأعراف رجالًا يعرفونهم بسيمهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون}، وفي قراءة: "تستكثرون".
ومثال عدم وجود الحركات النحوية: {وَمَن عِندَهُ علم الكتاب}، قرأ البعض {ومِن عِندِه علم الكتاب}..

أدلة من التاريخ والنقل
أولًا: إن رجع الاختلاف إلى خاصية الخط العربي، وإغفاله من النقط والشكل خطأ في الرأي وباطل في التوجيه.. ألم ترو الروايات تتداول قبل تدوين المصاحف؟! ثم ألم ترهم كيف كانوا يتحرون ويتثبتون؟!
أو لم يكن القرآن محفوظًا في الصدور قبل جمع القرآن؟!
فلم يمكن اختلاف القراءات بين قراء الأمصار راجعًا إلى رسم المصحف.

ثانيًا: يظهر أن هؤلاء أجروا القرآن الكريم مجرى ما وقع في التصحيف من كلام العرب شعرًا ونثرًا، والتي وقف العلماء في وجهها بالمرصاد، فإذا كان موقفهم كذلك من هؤلاء فماذا ترى موقفهم بجانب كتاب الله الكريم والمصحفين فيه؟

ثالثًا: لو كانت القراءة تابعة للرسم كما يقول: "جولدتسيهر" لصحت كلقراءة يحتملها رسم المصحف، ولكن الأمر على غير ذلك، فإن بعض ما يحتمل الرسمصحيح مثل "مسسوا"، وبعضه مردود مثل قراءة حماد الراوية: "أباه" في سورةالتوبة3، وقراءة: "وما كنتم تستكثرون" في سورة الأعراف4، مع أن هذه القراءةقد استشهد بها "جولدتسيهر" على ما ذهب إليه؟!
فالأصل أن الرسم تابع للرواية والنقل، وأن القراءة منقولة من أفواه الرجال الحفظة، لا كما يقلب هؤلاء.



الاحتجاج لكلمات خالية من الضبط والنقط:
- حتى يطَّهَّرن" [آية: 222]:
بفتح الطاء والهاء وتشديدهما، قرأهاحمزة والكسائي وعاصم ياش؛ لأنّ معناه: حتى يتطهرن بالماء وأراد الاغتسال؛لأنهن ما لم يغتسلن فهُنّ في حكم الحُيّض في كثير من الأشياء، ويؤيد ذلكأنهم أجمعوا على {تَطَهَّرْنَ} في قوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَفَأْتُوهُنَّ}، فكما أن ذلك لا يكون إلاّ الاغتسال، فكذلك ينبغي أن يكونمعنى هذا أيضًا.
وقرأ الباقون {حَتَّى يَطْهُرْنَ} بسكون الطاء وضمالهاء، ومعناه: حتى ينقطع دم حيضهن، ويجوز أن يكون {يَطْهُرْنَ} أيضًابمعنى "يَطَّهَّرْن" لأنهن إِنما يطهرنَ طهرًا تامًّا إذا اغتسلْن.

قراءات يحتملها الرسم صحيحة في اللغة، ولكن لم يقرأ بها:
وهنا نقيم الحجة بأن القراءة سنّة متبعة، جرت على الرواية والأثر..
فأولًا: أننا نجد حرفًا يتكرر في القرآن الكريم برسم واحد لا يختلفالسور التي ورد فيها، ومع ذلك نجد القرّاء يختلفون في قراءته في بعضالمواضع، ويتفقون فيها على البعض الآخر : {مَالِكَ الْمُلْكِ} و {مَلِكِ النَّاسِ} من المِلْك لا منالمُلْك على حين يختلفون في {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فتقرأ بإثباتالألف وإِسقاطها، مع أن رسم الكلمات: مالك يوم الدين، ومالك الملك، وملكالناس في المصحف، واحد غير مختلف.
وثانيًا: وهناك ما هو أشد اتصالًا بالأثر، وأقوى احتجاجًا بأن القراءةسنّة: ذلك ما تجوِّز اللغة والصناعة النحوية نطقه بأوجه مختلفة، ومع هذا لميقرأ القراء إلا بوجه واحد من هذه الوجوه.
جاء في البحر المحيط: قالابن عطية: "أجمع القراء على ضم الميم من {مُكْثٍ} في قوله: {وَقُرْآنًافَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} مع أن اللغة تجوز في الميم من مكث: الضم والفتح والكسر"، ولم يقرأ واحد من القراء الأربعة عشر إلا {مُكْثٍ} بضم الميم.
وثالثا: بل، إن بعض هؤلاء الأئمة كان له اختيار في القراءة على مذاهبالعربية5، وعلى قياسها ولكنه جانب الأثر في اختياره، فلم توثق قراءته من أجل ذلك. من هؤلاء عيسى بن عمر البصري الثقفي، صاحب الإكمال والجامع؛كان الغالب عليه حب النصب إذا وجد لذلك سبيلا منه، قرأ: "وَالسَّارِقَوَالسَّارِقَةَ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا"، وقرأ: {الزَّانِيَةَوَالزَّانِيَ} ، ولم يقرأ أحد من القراء العشرة، بل القراء الأربعةبعدهم، بشيء من ذلك.
ورابعًا: ولو كان الأمر راجعا إلى رسم المصحف، لصحت كل قراءة يحتملهاالرسم ما دامت موافقة لوجه من وجوه العربية، ولكن الأمر جرى على غير ذلك.
وخامسًا: اختلف القراء في: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} في لقمان، {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُالْغَيْثَ} في عسق، فمن قرأ بالتشديد حجته قوله تعالى: {وَالَّذِي نَزَّلَمِنَ السَّمَاءِ مَاءً} ، ومن ترك التشديد حجته قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}.
وسادسًا: نجد إماما من الأئمة، اشتغل بالنحو فصار فيه مقدما، واشتغلبالقراءات حتى عد من القراء السبعة، ومع ذلك تجده يخالف قارئا مذهبهنحويا، قال ابن خالويه: "وأدغم أبو عمرو وحده الراء في اللام: "من يغفر لكم" وما شاكله في القرآن، وهو ضعيف عند البصريين".
وسابعًا: أن القراءة لا تجري على الأفشى في اللغة، والأقيس في العربية، ومن هنا قال ابن فيره: "وما لقياس في القراءة مدخل".
وثامنًا: على أنه ربما رجح إمام من الأئمة السبعة جانب الرواية علىمرسوم المصحف، فيأخذ بالأولى؛ لأنها ثابتة عنده بالنقل والأخذ عن شيوخهالذين اتصل سندهم بقراءة الرسول؛ ذلك ما روى ورش عن نافع: "إنما أنا رسولربك ليهب لك"، مع أنها مرسومة في المصحف: {لِأَهَبَ لَكِ}.

خاتمة:
وأرجو -بعد هذه الأدلة على أن القراءة سنة- أرجو أن يُقرأ هذا النصان:
النص الأول: وهو صريح بأن القراءة سنة يرجع فيها إلى السماع من الشيوخ، والرواية، حدث ابن أخي الأصمعي -عبد الرحمن، وكان ثقة فيما يرويه عن عمه، وعنغيره- قال الأصمعي: قلت لأبي عمرو بن العلاء: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ} فيموضع {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ} في موضع، أيعرف هذا؟
فقال: ما يعرف إلا أن يسمع من المشايخ الأولين!
أما النص الآخر، وهو دليل يوضح بجلاء ألا علاقة بين نشأة القراءات وخلوّ المصحف العثماني من الضبط، قال الأصمعي: قلت لأبي عمرو بن العلاء: من يقول: "مُرْية"؟ قال: "بنو تميم". قلتُ، والقائل الأصمعي: أيهما أكثر في العرب؟ قال: مُرْية. قلت: فلأي شيء قرأتَ: {مِرْيَةٍ} ؟ قال: كذلك "أُقْرِئتها هناك" يعني: على شيوخ الحجاز.

في القراءات المتخالفة بلاغة:
في قوله تعالى: "بِكُلّ سَحِرٍ" في الأعراف وفي يونس، وقد رسمت فيهابغير ألف، فقرأ حمزة والكسائي وخلف: "سحَّار" على وزن فعّال في الموضعين،وقرأ الباقون في السورتين: {سَاحِرٍ} على وزن فاعل، واتفقوا على حرفالشعراء أنه {سَحَّارٍ} -رسمت الألف بعد الحاء في الشعراء- واختلافهم فيالأعراف ويونس، واتفاقهم على التي في الشعر أمر يقتضيه المقام -دع ما يشيرإليه الرسم-؛ لأنه في الشعراء جواب لقول فرعون فيما استشارهم فيه من أمرموسى بعد قوله: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} فأجابوه بما هو أبلغ منقوله رعاية لمراده، بخلاف التي في الأعراف، فإن ذلك جواب لقولهم، فتناسباللفظان. وأما التي في يونس، فهي أيضا جواب من فرعون لهم حيث قالوا: {إِنَّهَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ} فرفع مقامه عن المبالغة.

رسم المصحف وموقف قدامى النحويين والقراء منه:
وقف القدامى من المحتجين للقراءات -نحويين وقراء- من رسم المصحف مواقف مختلفات، فمنهم من ينظر إليه، ويستعين به، ويعتمد عليه... ومنهم من لا يعتمد عليه، سالكا سبيل أهل الرأي في الاحتجاج..
فمثلا سيبويه كان يحتجّ لبعض الأوجه الإعرابية في القراءات بما هو مرسوم في بعضالمصاحف؛ ففي حديثه عن قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}. زعم هارون أنها في بعض المصاحف: "ودوا لو تدهن فيدهنوا".
وفي الاحتجاج بالرسم يقول أبو بكر بن مجاهد: "قرأ ابن عامر وحده: {قَالُوا اتَّخَذَاللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام".

تقويم آراء القدماء من النحويين والقراء:
وإذا وصلت إلى تقويم آراء القدامى أقول:
أما سيبويه فقد كان على حق؛ لأنه حين احتج بمصحف ابن مسعود، ومصحف أُبي مثلًا، احتج بما هو جائز في العربية، موثق بالأسانيد.. أما القراءات التي يحتملها الرسم العثماني وكانت ترجع في أساسها الأولإلى السنة على النحو الذي فصلت في قول الزجاج بالأثر، فلا داعي لإقحامالاحتجاج برسم المصحف فيها، فالنص على ذلك أمر لا ضرورة له.

الاختيار عند القراء:
وإذ انتهيت هنا في الرد على "جولدتسيهر" إلى أن القراءة أساسها التلقي والرواية، أود أن أشير إلى موضوع اختيار القراء.. فقد كان لعبد الله بن قيس التابعي اختيار في القراءة.
وشيبة كان يقول: "انظر ما يقرأ أبو عمرو مما يختار لنفسه، فإنه سيصير للناس إسنادًا". "وكان الكسائي يتخير القراءات؛ فأخذ من قراءة حمزة بعضها، وترك بعضًا".
وأنتهي إلى تسجيل هذه النتيجة وهي "أن ما كان من هذه الاختيارات مبينًاعلى التلقي والرواية، موافقًا للعربية، ورسم المصحف الإمام؛ أخذ به، وإلارُدّ كما رُدّ اختيار كثير من الأئمة في النحو واللغة وعلوم القرآن".


الحقائق الكبرى في البحث:
أولًا: المراد بالمصحف، المصحف الإمام الذي أمر بكتابته سيدنا عثمان، وأجمع عليه الصحابة.
ثانيًا: كانت المصاحف في عهد أبي بكر وعمر مشتملة على الأحرف السبعة التي أذن الله للأمة التلاوة بها.
ثالثًا: المخالفة المردودة هي التي تخالف مصحف عثمان بزيادة عليه، أو نقص منه، أو تبديل فيه.
رابعًا: القراءات سنة متبعة، أساسها التلقي والرواية.
خامسًا: يجوز الاحتجاج على الأوجه الإعرابية بما جاء في مرسوم المصاحف في عهد أبي بكر وعمر.
سادسًا: لا داعي إلى القول برسم المصحف في الاحتجاج فيما يغني عنه القياس.
سابعًا: لا صلة بين مذاهب القراء في الإمالة ورسم المصحف.
ثامنًا: جعل القراء رسم المصحف ركنًا من أركان القراءة الصحيحة.
تاسعًا: الاختيار الصحيح في القراءة مقيد بأن يكون المختار من أهله،ووافق فيه اللفظ والحكاية طريق النقل والرواية، ورسم المصحف الإمام.

ملاحق البحث:
الملحق الأول: قبسات من الإبانة في سبب اختلاف القراءة
وفيه أُورد ما ذكره مكي بن أبي طالب في كتابه "الإبانة عن معاني القراءات" في سبب اختلاف القراءة فيما يحتمله خط المصحف.

لملحق الثاني: مقتبسات تتصل بموضوعات البحث من الإبانة
وأوردفيه أسئلة ثلاثة ذكرها مكي بن أبي طالب في كتاب "الإبانة" وأجاب عنها ... وهذه الأسئلة وأجوبتها تتصل بموضوع هذا الكتاب الاتصال الوثيق.
وها هي ذي الأسئلة الثلاثة:
ما الذي يقبل من القراءات الآن فيقرأ به؟
وما الذي لا يقبل، ولا يقرأ به؟
وما الذي يقبل ولا يقرأ به؟

الملحق الثالث: أمثلة لاختلاف القراءة في سورة الحمد من الإبانة لمكى بن أبي طالب القيسى
وأورد فيه ما ذكره مكي بن أبي طالب من أمثلة لاختلاف القراء في سورة الفاتحة.

الملحق الرابع: دفع شبهات أثارها المغرضون
و في هذا الملحق دفع عن بعض الشبهات التي أثارها المغرضون حول كتابة المصحف،واتخذوها دليلًا لهم على وقوع اللحن في القرآن، ووسيلة إلى الطعن في كتابالله.. وسيأتي تعرض لها في تعقيبات على هذا الموضوع ..


الملحق الخامس: هل يلتزم رسم المصحف العثماني؟
هذاسؤال أجاب عنه بعض العلماء بالإيجاب، موجبين التزام الرسم العثماني الذيجاء في المصحف الإمام، ورأوا أنه لا بد من اتباعه والتقيد به.
وهناك فريق آخر رأى أنه يجوز كتابة المصحف بالرسوم الإملائية المعروفة للناس.
وزارة التربية والتعليم بمصر، ورسم المصحف:
وقد رأت وزارة التربيةوالتعليم أخيرًا أن يكتب ما يرد في الكتب المدرسية بالرسم الإملائيالمعروف. كما رأينا ما يعرض في "التليفزيون" من آي الذكر الحكيم مكتوبًابما تعارف عليه الناس في زماننا من رسم إملائي وبالخط الرقعي، وبحواشٍ تفسرالكلمات التي قد تغمض على العامة من الناظرين والسامعين، بل كتب للمكفوفينبالرسم البارز على طريقة "بريل" ولم يعترض على هذا علماؤنا والقائمون مناعلى سدانة هذا الدين.


[1])) انظر: ص211، لطائف الإشارات في علم القراءات، لشهاب الدين أبي العباس القسطلاني.

[2])) مصحف عبد الله بن الزبير، وابن عباس. انظر: المصاحف للسجستاني 82.



 
عودة
أعلى