إسلام حريدي
New member
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]الحمد لله على أن بين للمستهدين معالم مراده، ونصب لجحافل المستفتحين أعلام أمداده فأنزل القرآن قانونا عاما معصوما، وأعجز بعجائبه فظهرت يوما فيوما، وجعله مصدقا لما بين يديه ومهيمنا، وما فرط فيه من شئ يعظ مسيئا ويعد محسنا، حتى عرفه المنصفون من مؤمن وجاحد، وشهد له الراغب والمحتار والحاسد، فكان الحال بتصديقه أنطق من اللسان، وبرهان العقل فيه أبصر من شاهد العيان، وأبرز آياته في الآفاق فتبين للمؤمنين أنه الحق، كما أنزله على أفضل رسول فبشر بأن لهم قدم صدق، فبه أصبح الرسول الأمي سيد الحكماء المربين، وبه شرح صدره إذ قال إنك على الحق المبين ، فلم يزل كتابه مشعا نيرا، محفوظا من لدنه أن يترك فيكون مبدلا ومغيرا.[1][/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]أما بعد:[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]فهذا تلخيص للمقدمات العشر في علوم القرآن التي قدَّم بها العلامة ابن عاشور لتفسيره "التحرير والتنوير"، انتقيتها لنفسي حين إعدادي لمذكرة تخرُّجٍ حوله، وقد سبقَ لـ/د.محمد بن إبراهيم الحمد وأن استلَّ مختارات من هذه المقدمات في كتابه "المدخل لتفسير التحرير والتنوير"، لكنَّ استلاله -حفظه الله- كان من باب التمثيل، وسبق كذلك وأن اختصرها صالح بن علي العَوْد، لكن ترك فوائد تتعلق بعلوم القرآن، وقد حاولت أن أجمع بين الطريقتين مع استدراك ما فات، إذ جعلت التلخيص على شكل نقاط، واجتهدت أن لا أغفل ما له تعلق بعلوم القرآن علاقة مباشرة.
هذا وإن في هذه المقدمات أمورًا لا تسلَّم، وتحتاج إلى مزيد بحث ونظر، فأنبه على هذه المواضع لتكون محلا للنقاش والمباحثة، وأبدأ بالتمهيد الذي وضعه ابن عاشور لتفسيره -كالتعريف به-، فبالله التوفيق:[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]تمهيد:[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]قال رحمه الله:
1. فجعلت حقا عليَّ أن أبدي في تفسير القرآن نكتا لم أر من سبقني إليها، وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارة لها وآونة عليها، فإن الاقتصار على الحديث المعاد، تعطيل لفيض القرآن الذي ما له من نفاد، ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين: رجل معتكف فيما شاده الأقدمون، وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون، وفي كلتا الحالتين ضر كثير، وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير، وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده، وحاشا أن ننقضه أو نبيده، عالما بأن غمض (كذا، ولعله: غمص) فضلهم كفران للنعمة، وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة، فالحمد لله الذي صدق الأمل، ويسر إلى هذا الخير ودل.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]2. والتفاسير وإن كانت كثيرة فإنك لا تجد الكثير منها إلا عالة على كلام سابق بحيث لا حظَّ لمؤلفه إلا الجمع على تفاوت بين اختصار وتطويل. وإن أهم التفاسير تفسير "الكشاف"، و "المحرر الوجيز" لابن عطية، و "مفاتيح الغيب" لفخر الدين الرازي، و"تفسير البيضاوي" الملخَّص من "الكشاف" ومن "مفاتيح الغيب" بتحقيق بديع، وتفسير الشهاب الآلوسي، وما كتبه الطيبي والقزويني والقطب والتفتازاني على "الكشاف"، وما كتبه الخفاجي على "تفسير البيضاوي"، وتفسير أبي السعود، وتفسير القرطبي، والموجود من تفسير الشيخ محمد بن عرفة التونسي من تقييد تلميذه الأبي، وهو بكونه تعليقا على تفسير ابن عطية أشبه منه بالتفسير، لذلك لا يأتي على جميع آي القرآن وتفاسير الأحكام، وتفسير الإمام محمد بن جرير الطبري، وكتاب "درة التنزيل" المنسوب لفخر الدين الرازي، وربما ينسب للراغب الأصفهاني، ولقصد الاختصار أُعرض عن العزو إليها.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]3. وقد ميزت ما يفتح الله لي من فهم في معاني كتابه وما أجلبه من المسائل العلمية، مما لا يذكره المفسرون، وإنما حسبي في ذلك عدم عثوري عليه فيما بين يدي من التفاسير في تلك الآية خاصة، ولست أدَّعي انفرادي به في نفس الأمر، فكم من كلام تنشئه تجدك قد سبقك إليه متكلم، وكم من فهم تستظهره وقد تقدمك إليه متفهم، وقديما قيل: هل غادر الشعراء من متردم.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]4. إن معاني القرآن ومقاصده ذات أفانين كثيرة بعيدة المدى مترامية الأطراف موزعة على آياته، فالأحكام مبينة في آيات الأحكام، والآداب في آياتها، والقصص في مواقعها، وربما اشتملت الآية الواحدة على فنين من ذلك أو أكثر.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]5. وقد نحا كثير من المفسرين بعض تلك الأفنان، ولكن فنًّا من فنون القرآن لا تخلو عن دقائقه ونكته آية من آيات القرآن، وهو فنُّ دقائق البلاغة هو الذي لم يخصه أحد من المفسرين بكتاب كما خصوا الأفانين الأخرى، من أجل ذلك التزمت أن لا أغفل التنبيه على ما يلوح لي من هذا الفن العظيم في آية من آي القرآن كلما ألهمته بحسب مبلغ الفهم وطاقة التدبر.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]6. وقد اهتممت في تفسيري هذا ببيان وجوه الإعجاز ونكت البلاغة العربية وأساليب الاستعمال، واهتممت أيضا ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض، وهو منزع جليل قد عني به فخر الدين الرازي، وألف فيه برهان الدين البقاعي كتابه المسمى "نظم الدرر في تناسب الآي والسور" إلا أنهما لم يأتيا في كثير من الآي بما فيه مقنع، فلم تزل أنظار المتأملين لفصل القول تتطلع.
أما البحث عن تناسب مواقع السور بعضها إثر بعض، فلا أراه حقا على المفسر.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]7. ولم أغادر سورة إلا بينت ما أحيط به من أغراضها لئلا يكون الناظر في تفسير القرآن مقصورا على بيان مفرداته ومعاني جمله كأنها فقر متفرقة تصرفه عن روعة انسجامه وتحجب عنه روائع جماله.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]8. واهتممت بتبيين معاني المفردات في اللغة العربية بضبط وتحقيق مما خلت عن ضبط كثير منه قواميس اللغة.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]9. وعسى أن يجد فيه المطالع تحقيق مراده، ويتناول منه فوائد ونكتا على قدر استعداده، فإني بذلت الجهد في الكشف عن نكت من معاني القرآن وإعجازه خلت عنها التفاسير، ومن أساليب الاستعمال الفصيح ما تصبو إليه همم النحارير، بحيث ساوى هذا التفسير على اختصاره مطولات القماطير، ففيه أحسن ما في التفاسير، وفيه أحسن مما في التفاسير.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]10. وسميته تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد، من تفسير الكتاب المجيد . (قوله: تنوير العقل الجديد، أيسلم له هذا التعبير؟)[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]واختصرت هذا الاسم باسم: "التحرير والتنوير من التفسير" وها أنا أبتدئ بتقديم مقدمات تكون عونا للباحث في التفسير، وتغنيه عن معاد كثير.
[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]ـــــــــــــــــــــــــالمقدمة الأولى : في التفسير والتأويل وكون التفسير علما[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]1. التفسير مصدر فسر بتشديد السين الذي هو مضاعف فسر بالتخفيف من بابي نصر وضرب الذي مصدره الفسر، وكلاهما فعل متعد فالتضعيف ليس للتعدية.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]2. والفسر: الإبانة والكشف لمدلول كلام أو لفظ بكلام آخر هو أوضح لمعنى المفسر عند السامع.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]3. التفسير في الاصطلاح نقول: هو اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن وما يستفاد منها باختصار أو توسع.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]4. موضوع التفسير: ألفاظ القرآن من حيث البحث عن معانيه، وما يستنبط منه.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]5. تمايز العلوم بتمايز الموضوعات، وحيثيات الموضوعات.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]6. والتفسير أول العلوم الإسلامية ظهورا، إذ قد ظهر الخوض فيه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]7. ثم اشتهر فيه بعد من الصحابة علي وابن عباس وهما أكثر الصحابة قولا في التفسير، وزيد بن ثابت وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم، وكثر الخوض فيه، حين دخل في الإسلام من لم يكن عربي السجية، فلزم التصدي لبيان معاني القرآن لهم، وشاع عن التابعين وأشهرهم في ذلك مجاهد وابن جبير.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]8. وهو أيضا أشرف العلوم الإسلامية ورأسها على التحقيق.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]9. وأما تصنيفه فأول من صنف فيه عبد الملك بن جريج المكي المولود سنة 80 هـ والمتوفي سنة 149 هـ.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]10. وهنالك رواية مقاتل ورواية الضحاك، ورواية علي بن أبي طلحة الهاشمي كلها عن ابن عباس، وأصحها رواية علي بن أبي طلحة، وهي التي اعتمدها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه فيما يصدر به من تفسير المفردات على طريقة التعليق.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]11. تلاحق العلماء في تفسير القرآن وسلك كل فريق مسلكا يأوي إليه وذوقا يعتمد عليه.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]12فمنهم من سلك مسلك نقل ما يؤثر عن السلف، وأول من صنف في هذا المعنى، مالك ابن أنس، وكذلك (كذا، ولعل الصواب: ذكر ذلك) الداودي تلميذ السيوطي في طبقات المفسرين، وذكره عياض في المدارك إجمالا، وأشهر أهل هذه الطريقة فيما هو بأيدي الناس محمد بن جرير الطبري.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]13. ومنهم من سلك مسلك النظر كأبي إسحاق الزجاج وأبي علي الفارسي.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]14. معنى التأويل الفرق بينه وبين التفسير:[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]· من العلماء من جعلهما متساويين، وإلى ذلك ذهب ثعلب وابن الأعرابي وأبو عبيدة، وهو ظاهر كلام الراغب.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]· ومنهم من جعل التفسير للمعنى الظاهر والتأويل للمتشابه.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]· ومنهم من قال: التأويل صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل لدليل فيكون هنا بالمعنى الأصولي.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]وهذه كلها اصطلاحات لا مشاحة فيها إلا أن اللغة والآثار تشهد للقول الأول، لأن التأويل مصدر أوله إذا أرجعه إلى الغاية المقصودة، والغاية المقصودة من اللفظ هو معناه وما أراده منه المتكلم به من المعاني، فساوى التفسير، على أنه لا يطلق إلا على ما فيه تفصيل معنى خفي معقول...[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]تنبيه: كون ابن جرير الطبري -رحمه الله- سلك مسلك التفسير بالمأثور لا يعني أنه كان مجرد ناقل ومسند، بل كانت له في تفسيره ترجيحات بناها على قواعد متينة في علم التفسير[2]، بخلاف من اقتصر على النقل كابن أبي حاتم في تفسيره، والله أعلم. (يتبع)[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من مقدمة ابن عاشور لتفسيره ص5
(2) أفاد هذا بمعناه د. مساعد الطيار في بعض كتبه ودروسه.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]
[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]أما بعد:[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]فهذا تلخيص للمقدمات العشر في علوم القرآن التي قدَّم بها العلامة ابن عاشور لتفسيره "التحرير والتنوير"، انتقيتها لنفسي حين إعدادي لمذكرة تخرُّجٍ حوله، وقد سبقَ لـ/د.محمد بن إبراهيم الحمد وأن استلَّ مختارات من هذه المقدمات في كتابه "المدخل لتفسير التحرير والتنوير"، لكنَّ استلاله -حفظه الله- كان من باب التمثيل، وسبق كذلك وأن اختصرها صالح بن علي العَوْد، لكن ترك فوائد تتعلق بعلوم القرآن، وقد حاولت أن أجمع بين الطريقتين مع استدراك ما فات، إذ جعلت التلخيص على شكل نقاط، واجتهدت أن لا أغفل ما له تعلق بعلوم القرآن علاقة مباشرة.
هذا وإن في هذه المقدمات أمورًا لا تسلَّم، وتحتاج إلى مزيد بحث ونظر، فأنبه على هذه المواضع لتكون محلا للنقاش والمباحثة، وأبدأ بالتمهيد الذي وضعه ابن عاشور لتفسيره -كالتعريف به-، فبالله التوفيق:[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]تمهيد:[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]قال رحمه الله:
1. فجعلت حقا عليَّ أن أبدي في تفسير القرآن نكتا لم أر من سبقني إليها، وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارة لها وآونة عليها، فإن الاقتصار على الحديث المعاد، تعطيل لفيض القرآن الذي ما له من نفاد، ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين: رجل معتكف فيما شاده الأقدمون، وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون، وفي كلتا الحالتين ضر كثير، وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير، وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده، وحاشا أن ننقضه أو نبيده، عالما بأن غمض (كذا، ولعله: غمص) فضلهم كفران للنعمة، وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة، فالحمد لله الذي صدق الأمل، ويسر إلى هذا الخير ودل.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]2. والتفاسير وإن كانت كثيرة فإنك لا تجد الكثير منها إلا عالة على كلام سابق بحيث لا حظَّ لمؤلفه إلا الجمع على تفاوت بين اختصار وتطويل. وإن أهم التفاسير تفسير "الكشاف"، و "المحرر الوجيز" لابن عطية، و "مفاتيح الغيب" لفخر الدين الرازي، و"تفسير البيضاوي" الملخَّص من "الكشاف" ومن "مفاتيح الغيب" بتحقيق بديع، وتفسير الشهاب الآلوسي، وما كتبه الطيبي والقزويني والقطب والتفتازاني على "الكشاف"، وما كتبه الخفاجي على "تفسير البيضاوي"، وتفسير أبي السعود، وتفسير القرطبي، والموجود من تفسير الشيخ محمد بن عرفة التونسي من تقييد تلميذه الأبي، وهو بكونه تعليقا على تفسير ابن عطية أشبه منه بالتفسير، لذلك لا يأتي على جميع آي القرآن وتفاسير الأحكام، وتفسير الإمام محمد بن جرير الطبري، وكتاب "درة التنزيل" المنسوب لفخر الدين الرازي، وربما ينسب للراغب الأصفهاني، ولقصد الاختصار أُعرض عن العزو إليها.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]3. وقد ميزت ما يفتح الله لي من فهم في معاني كتابه وما أجلبه من المسائل العلمية، مما لا يذكره المفسرون، وإنما حسبي في ذلك عدم عثوري عليه فيما بين يدي من التفاسير في تلك الآية خاصة، ولست أدَّعي انفرادي به في نفس الأمر، فكم من كلام تنشئه تجدك قد سبقك إليه متكلم، وكم من فهم تستظهره وقد تقدمك إليه متفهم، وقديما قيل: هل غادر الشعراء من متردم.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]4. إن معاني القرآن ومقاصده ذات أفانين كثيرة بعيدة المدى مترامية الأطراف موزعة على آياته، فالأحكام مبينة في آيات الأحكام، والآداب في آياتها، والقصص في مواقعها، وربما اشتملت الآية الواحدة على فنين من ذلك أو أكثر.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]5. وقد نحا كثير من المفسرين بعض تلك الأفنان، ولكن فنًّا من فنون القرآن لا تخلو عن دقائقه ونكته آية من آيات القرآن، وهو فنُّ دقائق البلاغة هو الذي لم يخصه أحد من المفسرين بكتاب كما خصوا الأفانين الأخرى، من أجل ذلك التزمت أن لا أغفل التنبيه على ما يلوح لي من هذا الفن العظيم في آية من آي القرآن كلما ألهمته بحسب مبلغ الفهم وطاقة التدبر.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]6. وقد اهتممت في تفسيري هذا ببيان وجوه الإعجاز ونكت البلاغة العربية وأساليب الاستعمال، واهتممت أيضا ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض، وهو منزع جليل قد عني به فخر الدين الرازي، وألف فيه برهان الدين البقاعي كتابه المسمى "نظم الدرر في تناسب الآي والسور" إلا أنهما لم يأتيا في كثير من الآي بما فيه مقنع، فلم تزل أنظار المتأملين لفصل القول تتطلع.
أما البحث عن تناسب مواقع السور بعضها إثر بعض، فلا أراه حقا على المفسر.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]7. ولم أغادر سورة إلا بينت ما أحيط به من أغراضها لئلا يكون الناظر في تفسير القرآن مقصورا على بيان مفرداته ومعاني جمله كأنها فقر متفرقة تصرفه عن روعة انسجامه وتحجب عنه روائع جماله.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]8. واهتممت بتبيين معاني المفردات في اللغة العربية بضبط وتحقيق مما خلت عن ضبط كثير منه قواميس اللغة.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]9. وعسى أن يجد فيه المطالع تحقيق مراده، ويتناول منه فوائد ونكتا على قدر استعداده، فإني بذلت الجهد في الكشف عن نكت من معاني القرآن وإعجازه خلت عنها التفاسير، ومن أساليب الاستعمال الفصيح ما تصبو إليه همم النحارير، بحيث ساوى هذا التفسير على اختصاره مطولات القماطير، ففيه أحسن ما في التفاسير، وفيه أحسن مما في التفاسير.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]10. وسميته تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد، من تفسير الكتاب المجيد . (قوله: تنوير العقل الجديد، أيسلم له هذا التعبير؟)[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]واختصرت هذا الاسم باسم: "التحرير والتنوير من التفسير" وها أنا أبتدئ بتقديم مقدمات تكون عونا للباحث في التفسير، وتغنيه عن معاد كثير.
[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]ـــــــــــــــــــــــــالمقدمة الأولى : في التفسير والتأويل وكون التفسير علما[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]1. التفسير مصدر فسر بتشديد السين الذي هو مضاعف فسر بالتخفيف من بابي نصر وضرب الذي مصدره الفسر، وكلاهما فعل متعد فالتضعيف ليس للتعدية.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]2. والفسر: الإبانة والكشف لمدلول كلام أو لفظ بكلام آخر هو أوضح لمعنى المفسر عند السامع.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]3. التفسير في الاصطلاح نقول: هو اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن وما يستفاد منها باختصار أو توسع.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]4. موضوع التفسير: ألفاظ القرآن من حيث البحث عن معانيه، وما يستنبط منه.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]5. تمايز العلوم بتمايز الموضوعات، وحيثيات الموضوعات.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]6. والتفسير أول العلوم الإسلامية ظهورا، إذ قد ظهر الخوض فيه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]7. ثم اشتهر فيه بعد من الصحابة علي وابن عباس وهما أكثر الصحابة قولا في التفسير، وزيد بن ثابت وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم، وكثر الخوض فيه، حين دخل في الإسلام من لم يكن عربي السجية، فلزم التصدي لبيان معاني القرآن لهم، وشاع عن التابعين وأشهرهم في ذلك مجاهد وابن جبير.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]8. وهو أيضا أشرف العلوم الإسلامية ورأسها على التحقيق.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]9. وأما تصنيفه فأول من صنف فيه عبد الملك بن جريج المكي المولود سنة 80 هـ والمتوفي سنة 149 هـ.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]10. وهنالك رواية مقاتل ورواية الضحاك، ورواية علي بن أبي طلحة الهاشمي كلها عن ابن عباس، وأصحها رواية علي بن أبي طلحة، وهي التي اعتمدها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه فيما يصدر به من تفسير المفردات على طريقة التعليق.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]11. تلاحق العلماء في تفسير القرآن وسلك كل فريق مسلكا يأوي إليه وذوقا يعتمد عليه.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]12فمنهم من سلك مسلك نقل ما يؤثر عن السلف، وأول من صنف في هذا المعنى، مالك ابن أنس، وكذلك (كذا، ولعل الصواب: ذكر ذلك) الداودي تلميذ السيوطي في طبقات المفسرين، وذكره عياض في المدارك إجمالا، وأشهر أهل هذه الطريقة فيما هو بأيدي الناس محمد بن جرير الطبري.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]13. ومنهم من سلك مسلك النظر كأبي إسحاق الزجاج وأبي علي الفارسي.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]14. معنى التأويل الفرق بينه وبين التفسير:[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]· من العلماء من جعلهما متساويين، وإلى ذلك ذهب ثعلب وابن الأعرابي وأبو عبيدة، وهو ظاهر كلام الراغب.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]· ومنهم من جعل التفسير للمعنى الظاهر والتأويل للمتشابه.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]· ومنهم من قال: التأويل صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل لدليل فيكون هنا بالمعنى الأصولي.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]وهذه كلها اصطلاحات لا مشاحة فيها إلا أن اللغة والآثار تشهد للقول الأول، لأن التأويل مصدر أوله إذا أرجعه إلى الغاية المقصودة، والغاية المقصودة من اللفظ هو معناه وما أراده منه المتكلم به من المعاني، فساوى التفسير، على أنه لا يطلق إلا على ما فيه تفصيل معنى خفي معقول...[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]تنبيه: كون ابن جرير الطبري -رحمه الله- سلك مسلك التفسير بالمأثور لا يعني أنه كان مجرد ناقل ومسند، بل كانت له في تفسيره ترجيحات بناها على قواعد متينة في علم التفسير[2]، بخلاف من اقتصر على النقل كابن أبي حاتم في تفسيره، والله أعلم. (يتبع)[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من مقدمة ابن عاشور لتفسيره ص5
(2) أفاد هذا بمعناه د. مساعد الطيار في بعض كتبه ودروسه.[/FONT]
[FONT=Conv_UthmanTN1Ver10]
[/FONT]