إيكو مصباح الدين
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وبه نستعين على أمور الدنيا والدين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فهذا تقرير موجز عن كتاب " أحكام القرآن " لابن الفرس الغرناطي :
أ. التعريف بالكتاب .
طبع الكتاب أول مرة بدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان عام 1989م (سورة البقرة وآل عمران) ، إلا أنها طبعة غير تامة.
وطبع مؤخراً بتمامه في ثلاث أجزاء :
الجزء الأول: بتحقيق الدكتور طه بن علي بوسريح، من سورة الفاتحة إلى نهاية البقرة .
والجزء الثاني: بتحقيق الدكتورة منجية بنت الهادي النفزي السوايحي، من سورة آل عمران إلى سورة المائدة.
والجزء الثالث: بتحقيق الدكتور صلاح الدين بو عفيف، من سورة الأنعام إلى نهاية القرآن
وأصل هذا التحقيق للكتاب كان ثلاث رسائل للدكتوراه قدمت لكلية الشريعة وأصول الدين، بجامعة الزيتونة، بتونس.
وهي الطبعة الأولى ، بدار ابن حزم – لبنان ، سنة الطبع : 1427 هـ – 2006 م .
ب. التعريف بالمؤلف .
اسمه ونسبه : هو الإمام الفقيه الحافظ أبو محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد الخزرجي الغرناطي الأندلسي المالكي، المعروف بابن الفرس .
مولده : ولد بغرناطة سنة 525 هـ .
شيوخه : أخذ العلم عن كثير من العلماء . فأخذ عن أبي الوليد بن بقوة ، وأبي محمد بن أيوب ، وأبي عامر بن شروية ، وأبي الوليد بن الدباغ ، وأبي الحسن بن هذيل ، وأبي بكر بن المخلوف ، وغيرهم.
تلاميذه : الحافظ أبو محمد القرطبي ، وأبو علي الرندي ، وأبو الربيع بن سالم ، وأبو الحسن علي بن محمد الغافقي ، وأبو عبد الله الأزدي ، وغيرهم .
مؤلفاته : كان الكتاب " أحكام القرآن " من أشهر مؤلفاته ، وقد ألفه وهو ابن خمسة وعشرين عاما . واختصر بعض كتب العلماء ، كالأحكام السلطانية للماوردي، وكتاب النسب لأبي عبيد القاسم بن سلام، وناسخ القرآن ومنسوخه لابن شاهين ، وكتاب المحتسب لابن الجني .
ج. منهجه في تفسيره :
أما منهجه العام : فيفسر الآيات في كل سورة من سور القرآن الكريم ، التي فيها أحكام ، أو ناسخ أو منسوخ .
وأما منهجه الخاص : فهو منهج التفسير الفقهي، اعتنى فيه المصنف باستنباط الأحكام الفقهية من القرآن الكريم وفق المذاهب الفقهية. وهو من أبرز التفاسير الفقهية التي عرفها تاريخ المدرسة المالكية الأندلسية.
وفاته : توفي الشيخ عبد المنعم رحمه الله تعالى عند صلاة العصر من يوم الأحد : الرابع من جمادى الآخر سنة 597 هـ على أرجح الأقوال .
د. بعض مميزات الكتاب :
1. الاستيعاب لجميع سور القرآن من الفاتحة إلى المعوذتين .
2. التوسع أكثر في بيان الأحكام الفقهية الواردة في السور الثمانية الأولى: من البقرة إلى التوبة، وكذلك سورة النور ، ثم أوجز في باقي السور تبعاً لما تحمله كل سورة من مضامين فقهية .
3. الاقتصار في إيراده للأحكام الفقهية التي جمعها على ما هو أظهر تعلقاً، وأبين استنباطاً.
4. عمل جاهداً على بيان اختلاف أهل العلم في المسائل الفقهية ليتجلى لطالب العلم ما اتفقوا عليه من الأحكام، وما اختلفوا فيه.
5. الإنصاف والبعد عن التعصب . إذ مع كونه شيخ المالكية في زمانه، بل ومن المحققين في المذهب ، لم يتردد أن يرجح رأي غيره من العلماء، كلما ظهر له الدليل، وقويت عنده الحجة. مثال ذلك : رأى الإمام مالك أن الاعتمار في السنة لا يكون إلا مرة واحدة ، ولكنه رجح جوازه في جميع الأوقات ، وهذا مذهب المواز والشافعي. حيث قال : وظاهر قوله تعالى : ﮱ ﯓ ﯔ حجة للقول الثاني عندي ، لأنها عامة لجميع الأوقات . ( 1/234 ).
6. ضَمَّن كتابه جملة من القواعد والضوابط الأصولية والفقهية، بل إنه جاوز ذلك إلى الفروع والمسائل التفصيلية في كثير من المناسبات .
7. انصب جل اعتنائه في تفسير الآيات على الأحكام و الناسخ والمنسوخ . فإذا كان في الآية أحكام أو ناسخ ومنسوخ ، ذكرها ، وإلا قال : وهي مكية وليس فيها أحكام ولا نسخ. ( كما في الصفحة : 36 ، و612 ، 615 ، 620 ، وغيرها ).
8. عرْضه المسائل بصيغة الاستفهام ، لشد اهتمام القارئ أو السامع إليها .
كقوله : اختلف هل هو حكاية قول الكفار أو هو خبر من الله تعالى ؟ ( 1 / 44 ).
وقوله : وهنا مسألة اختلف الناس فيها ، هل الصالحون من الناس والأنبياء ، أفضل من الملائكة ؟ أم الملائكة أفضل من كل خلق ؟ ( 1 / 54 ) .
وقوله : اختلف العلماء في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة ؟ ( 1 / 78 ).
9. الترجيح وبيان الصحيح في كثير من المسائل المختلف فيها .
المثال :
- في قوله تعالى : ﭢ ﭣ ﭤ البقرة : 3 ، قال : وقال الضحاك : هي كل نفقة. وهذا هو الصحيح .
- وقوله في الفطر للمسافر : واختلفوا في سفر المباحات كالتجارة ، والمحرمات على قولين : أحدهما الجواز، والآخر المنع. والقول بالجواز في سفر المباحات أرجح ، والقول بالمنع في سفر المحرمات أرجح . ( 1/ 189 ).
- وقوله : وقد اختلف في متعة هذه والتي طلقت قبل الدخول وقبل التسمية أيهما أوجب ؟ على أربعة أقوال...، ثم قال : ولكل قول منها حضّ من النظر، وأبينها ما ذهب إليه مالك رحمه الله. (1/357 ).
هذا، وقد تمسّك بمذهب الإمام مالك أحيانا ، وذلك مثل قوله : واختلفوا في الأفضل من الإفراد والتمتع ، والقران على أربعة أقوال ...ثم قال في الترجيح : والأصح من جهة الخبر عن النبي أنه أفرد ، ويعضّدِه تأويل من تأول الإتمام في الآية على أنه إفراد . ( 1 / 231).
هـ. بعض الملاحظات على الكتاب .
1. لم يبين المصنف رحمه الله المراد من آيات الأحكام عنده في مقدمته .
2. استدلاله بالأحاديث مع قلة الاعتناء بصحتها أو ضعفها ولم ينتهج منهجا معينا فيه .
- فكان يذكر الحديث ولا يسنده إلى أحد ولا يبين درجته ( 1/56 ،1/158، 2/34 )، أو أسنده إلى بعض الرواة ولم يبين درجته (1/ 47)، أو أسنده وبين درجته ( 1/86).
- وربما حكم بصحة الحديث والصحيح خلافه . ومثال ذلك :
قوله : وجاء عنه عليه السلام في حديث صحيح خرجه الترمذي في ((حد الساحر ضربة بالسيف)) قال المحقق بعد أن خرّج الحديث وذكر كلام العلماء فيه : ومنه تعلم أن قول المؤلف رحمه الله إن الحديث صحيح غير صحيح . ( 1 / 86 ).
وقوله : وقد جاء في الخبر الصحيح : أن بلالا ابن الحرث قال لرسول الله : يا رسول الله ، فسخ لنا الحج خاصة أم لمن بعدنا ؟ فقال : (( لا ، بل لنا خاصة )). قال المحقق : وهو حديث قد أطبق الحفاظ على تضعيفه ونكارته . ( 1/ 246 ).
3. لوحظ على المصنف رحمه الله في تفسيره لصفة الله : " استوى " بعض الملاحظات ، منها :
- نسبته التشبيه إلى جماعة من أهل الحديث ، ولم يسمِّ أحدا منهم ، والمعروف عنهم الأخذ بظاهر الآية .
- نسبته إلى الطبري رحمه الله ما لم يقله ، وذلك قوله : وقيل : علا أمره وقدرته وسلطانه وهو اختيار الطبري . والصحيح أن الطبري قال: " وأوْلى المعاني بقول الله جل ثناؤه : ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ : علا عليهن وارتفع، فدبرهنّ بقدرته، وخلقهنّ سبع سموات. والعجبُ ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله : ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، هربًا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه -إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك- أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها - إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر. ثم لم يَنْجُ مما هرَب منه ! (تفسير الطبري :1/430 ). وقد ذكر المحقق عذر المصنف فيه ( 1/50).
- أنه لم يقتد فيه بمذهب إمامه الإمام مالك رحمه الله تعالى ، وقد كان منهجه واضحا جليا ، فقد قال رحمه الله للذي سأله عن الاستواء: " الاستواء معلوم ، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا صاحب سوء، فأخرجوه عني ".
4. حكمه بالشذوذ على مذهب بعض العلماء في جواز فسخ الحج إلى العمرة، والصواب أنه مذهب مشهور ، بل هو الأقرب إلى السنة . قال : " وأما ابن عباس فلم ير ذلك خاصا بالنبي ....، ورأى أنه جائز أن يفسخ الحج في العمرة ، وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وأهل الظاهر ، وهو شذوذ من القول ". وقد نبه المحقق على ذلك . ( 1/229).
هذا ، ولم يذكر المصنف رحمه الله تعالى كلاما عن آية الصفات في غير هذا الموضع . وليس الغرض من التفصيل هنا الانتقاص من المصنف رحمه الله ، فقد روي عن إسماعيل القاضي قوله : " ...وما من عالم إلا وله زلة ، ومن جمع زلل العلماء وأخذ بها ذهب دينه " .
و. بعض الملاحظات على المحققين .
لوحظ على المحققين بعض الاختلافات في منهج التحقيق للكتاب ، منها :
1. عمل المحققين في الكتاب .
- ما عمله المحقق للجزء الأول : قارن بين نسخ المخطوطات ، وخرج الأحاديث وبيّن حكمها، ونبّه على بعض الأخطاء الحاصلة من المؤلف في كثير من الجوانب ، وذكر مراجع الأقوال في الهامش ، ولم يترجم الأعلام .
- أما المحقق للجزء الثالث : فاكتفى بمقارنة النسخ ، وعزو الأحاديث إلى مصادرها ، وترجمة الأعلام، وذكر بعض مراجع الأقوال في الهامش ، وذكر عدد آيات الأحكام التي تكلم فيها المؤلف ، وقال : أوصلها ابن الفرس إلى كذا آية .
- واقتصرت المحققة للجزء الثاني على مقارنة النسخ ، وعزو الأحاديث إلى مصادرها، وترجمة الأعلام، وربما كررت الترجمة مرتين ، كترجمة علي . ( ص 347 و 352 ).
2. تخريج الأحاديث .
أما المحقق للجزء الأول ، فقد خرج الأحاديث تخريجا جيدا ، وذكر درجة الحديث وحكم عليه في الغالب . بينما اقتصر محققا الجزء الثاني والثالث على عزو الأحاديث إلى مصادرها ، دون البيان لدرجتها أو الحكم عليها .
3. ذكر المناهج في التحقيق .
ذكر المحقق للجزء الأول منهجه في التحقيق بوضوح ، والمحقق للجزء الثالث ذكره باختصار ، ولم تذكر المحققة للجزء الثاني منهجها أو عملها في التحقيق .
فائدة : بعض الكتب التي نقل عنها المصنف ونقلت عنه :
أ. بعض الكتب التي نقل عنها المصنف في كتابه :
1. أحكام القرآن للقاضي إسماعيل البغدادي (ت 282هـ).
2. أحكام القرآن: لأبي الحسن علي بن محمد المعروف بالكيا الهراسي ( ت 504 هـ ).
3. المحرر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز : لأبي محمد عبد الحق ابن عطية ( ت 542هـ ).
4. أحكام القرآن : لأبي بكر بن محمد ابن العربي (ت 543هـ).
ب. بعض العلماء الذين نقلوا عن المصنف في كتبهم :
1. التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور : لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي ، نقل قول ابن الفرس في 56 موضعا ( تقريبا ).
2. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني : لأبي الفضل محمود الألوسي ، في 26 موضعا .
3. محاسن التأويل : لمحمد جمال الدين القاسمي ، في 24 موضعا .
الحمد لله رب العالمين ، وبه نستعين على أمور الدنيا والدين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فهذا تقرير موجز عن كتاب " أحكام القرآن " لابن الفرس الغرناطي :
أ. التعريف بالكتاب .
طبع الكتاب أول مرة بدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان عام 1989م (سورة البقرة وآل عمران) ، إلا أنها طبعة غير تامة.
وطبع مؤخراً بتمامه في ثلاث أجزاء :
الجزء الأول: بتحقيق الدكتور طه بن علي بوسريح، من سورة الفاتحة إلى نهاية البقرة .
والجزء الثاني: بتحقيق الدكتورة منجية بنت الهادي النفزي السوايحي، من سورة آل عمران إلى سورة المائدة.
والجزء الثالث: بتحقيق الدكتور صلاح الدين بو عفيف، من سورة الأنعام إلى نهاية القرآن
وأصل هذا التحقيق للكتاب كان ثلاث رسائل للدكتوراه قدمت لكلية الشريعة وأصول الدين، بجامعة الزيتونة، بتونس.
وهي الطبعة الأولى ، بدار ابن حزم – لبنان ، سنة الطبع : 1427 هـ – 2006 م .
ب. التعريف بالمؤلف .
اسمه ونسبه : هو الإمام الفقيه الحافظ أبو محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد الخزرجي الغرناطي الأندلسي المالكي، المعروف بابن الفرس .
مولده : ولد بغرناطة سنة 525 هـ .
شيوخه : أخذ العلم عن كثير من العلماء . فأخذ عن أبي الوليد بن بقوة ، وأبي محمد بن أيوب ، وأبي عامر بن شروية ، وأبي الوليد بن الدباغ ، وأبي الحسن بن هذيل ، وأبي بكر بن المخلوف ، وغيرهم.
تلاميذه : الحافظ أبو محمد القرطبي ، وأبو علي الرندي ، وأبو الربيع بن سالم ، وأبو الحسن علي بن محمد الغافقي ، وأبو عبد الله الأزدي ، وغيرهم .
مؤلفاته : كان الكتاب " أحكام القرآن " من أشهر مؤلفاته ، وقد ألفه وهو ابن خمسة وعشرين عاما . واختصر بعض كتب العلماء ، كالأحكام السلطانية للماوردي، وكتاب النسب لأبي عبيد القاسم بن سلام، وناسخ القرآن ومنسوخه لابن شاهين ، وكتاب المحتسب لابن الجني .
ج. منهجه في تفسيره :
أما منهجه العام : فيفسر الآيات في كل سورة من سور القرآن الكريم ، التي فيها أحكام ، أو ناسخ أو منسوخ .
وأما منهجه الخاص : فهو منهج التفسير الفقهي، اعتنى فيه المصنف باستنباط الأحكام الفقهية من القرآن الكريم وفق المذاهب الفقهية. وهو من أبرز التفاسير الفقهية التي عرفها تاريخ المدرسة المالكية الأندلسية.
وفاته : توفي الشيخ عبد المنعم رحمه الله تعالى عند صلاة العصر من يوم الأحد : الرابع من جمادى الآخر سنة 597 هـ على أرجح الأقوال .
د. بعض مميزات الكتاب :
1. الاستيعاب لجميع سور القرآن من الفاتحة إلى المعوذتين .
2. التوسع أكثر في بيان الأحكام الفقهية الواردة في السور الثمانية الأولى: من البقرة إلى التوبة، وكذلك سورة النور ، ثم أوجز في باقي السور تبعاً لما تحمله كل سورة من مضامين فقهية .
3. الاقتصار في إيراده للأحكام الفقهية التي جمعها على ما هو أظهر تعلقاً، وأبين استنباطاً.
4. عمل جاهداً على بيان اختلاف أهل العلم في المسائل الفقهية ليتجلى لطالب العلم ما اتفقوا عليه من الأحكام، وما اختلفوا فيه.
5. الإنصاف والبعد عن التعصب . إذ مع كونه شيخ المالكية في زمانه، بل ومن المحققين في المذهب ، لم يتردد أن يرجح رأي غيره من العلماء، كلما ظهر له الدليل، وقويت عنده الحجة. مثال ذلك : رأى الإمام مالك أن الاعتمار في السنة لا يكون إلا مرة واحدة ، ولكنه رجح جوازه في جميع الأوقات ، وهذا مذهب المواز والشافعي. حيث قال : وظاهر قوله تعالى : ﮱ ﯓ ﯔ حجة للقول الثاني عندي ، لأنها عامة لجميع الأوقات . ( 1/234 ).
6. ضَمَّن كتابه جملة من القواعد والضوابط الأصولية والفقهية، بل إنه جاوز ذلك إلى الفروع والمسائل التفصيلية في كثير من المناسبات .
7. انصب جل اعتنائه في تفسير الآيات على الأحكام و الناسخ والمنسوخ . فإذا كان في الآية أحكام أو ناسخ ومنسوخ ، ذكرها ، وإلا قال : وهي مكية وليس فيها أحكام ولا نسخ. ( كما في الصفحة : 36 ، و612 ، 615 ، 620 ، وغيرها ).
8. عرْضه المسائل بصيغة الاستفهام ، لشد اهتمام القارئ أو السامع إليها .
كقوله : اختلف هل هو حكاية قول الكفار أو هو خبر من الله تعالى ؟ ( 1 / 44 ).
وقوله : وهنا مسألة اختلف الناس فيها ، هل الصالحون من الناس والأنبياء ، أفضل من الملائكة ؟ أم الملائكة أفضل من كل خلق ؟ ( 1 / 54 ) .
وقوله : اختلف العلماء في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة ؟ ( 1 / 78 ).
9. الترجيح وبيان الصحيح في كثير من المسائل المختلف فيها .
المثال :
- في قوله تعالى : ﭢ ﭣ ﭤ البقرة : 3 ، قال : وقال الضحاك : هي كل نفقة. وهذا هو الصحيح .
- وقوله في الفطر للمسافر : واختلفوا في سفر المباحات كالتجارة ، والمحرمات على قولين : أحدهما الجواز، والآخر المنع. والقول بالجواز في سفر المباحات أرجح ، والقول بالمنع في سفر المحرمات أرجح . ( 1/ 189 ).
- وقوله : وقد اختلف في متعة هذه والتي طلقت قبل الدخول وقبل التسمية أيهما أوجب ؟ على أربعة أقوال...، ثم قال : ولكل قول منها حضّ من النظر، وأبينها ما ذهب إليه مالك رحمه الله. (1/357 ).
هذا، وقد تمسّك بمذهب الإمام مالك أحيانا ، وذلك مثل قوله : واختلفوا في الأفضل من الإفراد والتمتع ، والقران على أربعة أقوال ...ثم قال في الترجيح : والأصح من جهة الخبر عن النبي أنه أفرد ، ويعضّدِه تأويل من تأول الإتمام في الآية على أنه إفراد . ( 1 / 231).
هـ. بعض الملاحظات على الكتاب .
1. لم يبين المصنف رحمه الله المراد من آيات الأحكام عنده في مقدمته .
2. استدلاله بالأحاديث مع قلة الاعتناء بصحتها أو ضعفها ولم ينتهج منهجا معينا فيه .
- فكان يذكر الحديث ولا يسنده إلى أحد ولا يبين درجته ( 1/56 ،1/158، 2/34 )، أو أسنده إلى بعض الرواة ولم يبين درجته (1/ 47)، أو أسنده وبين درجته ( 1/86).
- وربما حكم بصحة الحديث والصحيح خلافه . ومثال ذلك :
قوله : وجاء عنه عليه السلام في حديث صحيح خرجه الترمذي في ((حد الساحر ضربة بالسيف)) قال المحقق بعد أن خرّج الحديث وذكر كلام العلماء فيه : ومنه تعلم أن قول المؤلف رحمه الله إن الحديث صحيح غير صحيح . ( 1 / 86 ).
وقوله : وقد جاء في الخبر الصحيح : أن بلالا ابن الحرث قال لرسول الله : يا رسول الله ، فسخ لنا الحج خاصة أم لمن بعدنا ؟ فقال : (( لا ، بل لنا خاصة )). قال المحقق : وهو حديث قد أطبق الحفاظ على تضعيفه ونكارته . ( 1/ 246 ).
3. لوحظ على المصنف رحمه الله في تفسيره لصفة الله : " استوى " بعض الملاحظات ، منها :
- نسبته التشبيه إلى جماعة من أهل الحديث ، ولم يسمِّ أحدا منهم ، والمعروف عنهم الأخذ بظاهر الآية .
- نسبته إلى الطبري رحمه الله ما لم يقله ، وذلك قوله : وقيل : علا أمره وقدرته وسلطانه وهو اختيار الطبري . والصحيح أن الطبري قال: " وأوْلى المعاني بقول الله جل ثناؤه : ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ : علا عليهن وارتفع، فدبرهنّ بقدرته، وخلقهنّ سبع سموات. والعجبُ ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله : ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، هربًا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه -إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك- أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها - إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر. ثم لم يَنْجُ مما هرَب منه ! (تفسير الطبري :1/430 ). وقد ذكر المحقق عذر المصنف فيه ( 1/50).
- أنه لم يقتد فيه بمذهب إمامه الإمام مالك رحمه الله تعالى ، وقد كان منهجه واضحا جليا ، فقد قال رحمه الله للذي سأله عن الاستواء: " الاستواء معلوم ، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا صاحب سوء، فأخرجوه عني ".
4. حكمه بالشذوذ على مذهب بعض العلماء في جواز فسخ الحج إلى العمرة، والصواب أنه مذهب مشهور ، بل هو الأقرب إلى السنة . قال : " وأما ابن عباس فلم ير ذلك خاصا بالنبي ....، ورأى أنه جائز أن يفسخ الحج في العمرة ، وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وأهل الظاهر ، وهو شذوذ من القول ". وقد نبه المحقق على ذلك . ( 1/229).
هذا ، ولم يذكر المصنف رحمه الله تعالى كلاما عن آية الصفات في غير هذا الموضع . وليس الغرض من التفصيل هنا الانتقاص من المصنف رحمه الله ، فقد روي عن إسماعيل القاضي قوله : " ...وما من عالم إلا وله زلة ، ومن جمع زلل العلماء وأخذ بها ذهب دينه " .
و. بعض الملاحظات على المحققين .
لوحظ على المحققين بعض الاختلافات في منهج التحقيق للكتاب ، منها :
1. عمل المحققين في الكتاب .
- ما عمله المحقق للجزء الأول : قارن بين نسخ المخطوطات ، وخرج الأحاديث وبيّن حكمها، ونبّه على بعض الأخطاء الحاصلة من المؤلف في كثير من الجوانب ، وذكر مراجع الأقوال في الهامش ، ولم يترجم الأعلام .
- أما المحقق للجزء الثالث : فاكتفى بمقارنة النسخ ، وعزو الأحاديث إلى مصادرها ، وترجمة الأعلام، وذكر بعض مراجع الأقوال في الهامش ، وذكر عدد آيات الأحكام التي تكلم فيها المؤلف ، وقال : أوصلها ابن الفرس إلى كذا آية .
- واقتصرت المحققة للجزء الثاني على مقارنة النسخ ، وعزو الأحاديث إلى مصادرها، وترجمة الأعلام، وربما كررت الترجمة مرتين ، كترجمة علي . ( ص 347 و 352 ).
2. تخريج الأحاديث .
أما المحقق للجزء الأول ، فقد خرج الأحاديث تخريجا جيدا ، وذكر درجة الحديث وحكم عليه في الغالب . بينما اقتصر محققا الجزء الثاني والثالث على عزو الأحاديث إلى مصادرها ، دون البيان لدرجتها أو الحكم عليها .
3. ذكر المناهج في التحقيق .
ذكر المحقق للجزء الأول منهجه في التحقيق بوضوح ، والمحقق للجزء الثالث ذكره باختصار ، ولم تذكر المحققة للجزء الثاني منهجها أو عملها في التحقيق .
فائدة : بعض الكتب التي نقل عنها المصنف ونقلت عنه :
أ. بعض الكتب التي نقل عنها المصنف في كتابه :
1. أحكام القرآن للقاضي إسماعيل البغدادي (ت 282هـ).
2. أحكام القرآن: لأبي الحسن علي بن محمد المعروف بالكيا الهراسي ( ت 504 هـ ).
3. المحرر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز : لأبي محمد عبد الحق ابن عطية ( ت 542هـ ).
4. أحكام القرآن : لأبي بكر بن محمد ابن العربي (ت 543هـ).
ب. بعض العلماء الذين نقلوا عن المصنف في كتبهم :
1. التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور : لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي ، نقل قول ابن الفرس في 56 موضعا ( تقريبا ).
2. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني : لأبي الفضل محمود الألوسي ، في 26 موضعا .
3. محاسن التأويل : لمحمد جمال الدين القاسمي ، في 24 موضعا .