محمد البويسفي
New member
- إنضم
- 02/03/2006
- المشاركات
- 60
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
بسم اله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المصطفى الأمين اللهم افتح لنا أبواب الرحمة وأنطقنا بالحكمة واجعلنا من الراشدين فضلا منك ونعمة.
أما بعد:
فقد كان من تجليات فضل القرآن علينا إن استنهض المسلمين للكتابة والتدوين والإبحار في محيطات العلم، إذ أول الكتابات العربية والإسلامية كان سببها خدمة كتاب الله تعالى. وبقيت تلك الكتابات تترى على مستويات شتى؛ فهما لكتاب الله تعالى، ودفاعا عنه...ومن هذه الكتب نجد كتب معاني القرآن بتعدد مسمياتها، تصب في مجال واحد هو شرح مفردات ألفاظ القرآن ؛ تسهيلا لفهمه واستيعابا لمعانيه.
والتأليف في هذا المجال بدأ مبكرا في تاريخ المكتبة التفسيرية، لحاجة الناس إليه إذ هم ليسوا على درجة واحدة في فهم كتاب الله تعالى، ومما زاد في إلحاح الحاجة إليه هو دخول أقوام جدد في الإسلام عند اتساع الفتح الإسلامي، فأصبح في مرتبة الضروريات من حيث الأولوية في العلوم الشرعية.
ومن الأعلام البارزين في هذا المجال نجد الراغب الأصفهاني-’- في كتابه (معجم مفردات ألفاظ القرآن) الذي هو موضوع العرض.
لأهمية موضوعه وبراعة صاحبه وتفوقه على أقرانه في مجال التصنيف في الموضوع اخترت هذا الكتاب لألقي نظرة عليه.
ومعلوم أن أي منهج لأي مؤلف إنما تؤخذ من طريقين:
1. إما أن يصرح به صاحبه في مقدمة الكتاب، فيِؤخذ منها.
2. وإما من خلال استقراء الكتاب وتتبع جزئيا ته بين دفتيه.
وصاحب الكتاب لم يصرح بمنهجه في المقدمة. إلا إشارة عارضة لاتفي بالغرض إطلاقا. لذلك استقريت بعض معالم منهجه من خلال مثن الكتاب. لا أقول قد أحطت بها، وإنما التقطت بعض معالمها فقط، لطبيعة العرض الذي هو تقرير عن كتاب؛ لذلك كان تصميم العرض على الشكل التالي:
بعد المقدمة، أعطيت بطاقة تعريفية للكتاب، ثم عرضت إلى موضوعه بعجالة. هذا في المبحث الأول. أما في الثاني فقد تناولت منهج المؤلف في التأليف. وفي الثالث تطرقت إلى مصادر الكتاب. وأبديت ملاحظاتي على الكتاب فكان بذلك المبحث الرابع. أما الأخير فقد بينت القيمة العلمية للكتاب. وهذا بيان ما أجملته:
المبحث الأول
البطاقة التقنية للكتاب
عنوان الكتاب : معجم مفردات ألفاظ القران
اسم المؤلف : الراغب الأصفهاني(ت 503)
دار النشر : دار الفكر, بيروت, لبنان
زمن التأليف: نهاية القرن الخامس و بداية القرن السادس
تحقيق: نديم مرعشلي
المجال المعرفي الذي ينتمي إليه الكتاب: معاني القران
مضمون الكتاب
الكتاب يقع في مجلد واحد من الحجم الكبير, عدد صفحاته 728 صفحة.
تجد في بدايته مقدمة المحقق، تحدث فيها عن أهمية اللغة العربية التي هي وعاء التراث العربي الإسلامي، وتكلم عن موضوع التحقيق بإيجاز وزعن قيمته العلمية ثم عرف بالمؤلف وآثاره الفكرية، وأخيرا تحدث عن طريقته ومنهجه في التحقيق.
بعد مقدمة المحقق تجد مقدمة المؤلف تكلم فيها عن عظمة القرآن الكريم وأنه مصدر النور والهداية، لكن ليس كل الناس مؤهلون للنهل من معينه الذي لا ينضب، بل لابد من صفاء القلب ونقاوة النفس من كل الأمراض، ثم نبه إلى أن أول ما يحتاج إليه من علوم القرآن هو العلوم اللفظية، التي ترتكز على تحقيق الألفاظ المفردة، وهذه الأخيرة هي ما يعين على فهم القرآن، بعد ذلك تحدث عن منهجه في تأليف الكتاب لكن باقتضاب شديد.
الكتاب لا يحتوي على فصول، ولا مباحث كما عهدنا في باقي الكتب الأخرى، وإنما نوعية الكتاب معجمية لذلك تجد بعد المقدمة مباشرة باب حرف الألف، وتدخل تحته كل المفردات التي تبتديء بحرف الألف. بعد ذلك تجد حرف الباء، وهكذا إلى آخر حرف من الحروف الهجائية.
بعد ذلك تجد التحقيقات الفنية التي قام بها المؤلف.فجاء الكتاب بسبعمائة وثمانية وعشرون صفحة منها خمسمائة وثمانية وسبعون صفحة للمعجم والباقي خصصت للتحقيقات الفنية، ثم ذيله بفهرس.
المبحث الثاني
في منهج التأليف:
رتب المِؤلف-’-معجمه هذا ترتيبا الفبائيا، أولا في تبويب الكتاب: الألف أولا ثم الباء ثم التاء... وهكذا. ثم في ترتيب الكلمات: فاء الفعل ثم عينه ثم لامه. مثلا:
في باب الألف: "أب"، "أتى"،" أثاث"، "اجر"،" أحد"...
في باب الباء:" بأس"، "بتر"،" بث"،" بجس"،" بخع"، "بدر"...
في باب الجيم :"جبت"، "جبر"،" جبل"،" جبن"، "جبه"،...
في ترتيبه لأبواب الحروف يقدم باب الواو على باب الهاء.وهذا الترتيب الألفبائي يكون في أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد.هذا من حيث الترتيب المنهجي لأبواب الكتاب وترتيب الكلمات، أما من حيث طريقته في شرح مفردات ألفاظ القرآن فهو يعطي المعنى اللغوي، أي أصل الوضع في اللغة، ثم يعدد المعاني التي يفيدها اللفظ حسب استعماله في الآية القرآنية.
أما الاستشهاد:فيستشهد بالقرآن الكريم إذا كانت تلك اللفظة المراد شرحها في آية أخرى وفي سياق آخر بنفس المعنى لكنه أوضح. كما أنه يستشهد بالأحاديث النبوية وأقوال الصحابة، وهذا يوجد خاصة عندما يذهب إلى معنى اصطلاحي أو شرعي، ثم يستشهد بأبيات من الشعر الذي هو ديوان العرب. كما أنه يستشهد بالأمثال المشهورة.
و هذا الأمر لا نجده عند شرحه لكل لفظة من ألفاظ القران, بل قد يكتفي بالشرح اللغوي من غير استشهاد بغير القران, مثلا عند شرحه لفظة "النبز" قال:« النبز التلقيب، قال:ولا تنابزوا بالألقاب » هنا أوجز إيجازا و لم يأتي بشاهد من اللغة أو غيرها, ولعله وضح المعنى فلم يشأ الإطناب. لكن في مواضع أخرى من الكتاب لا يكتفي بالشرح اللغوي بل يتعداه إلى المعنى الاصطلاحي و الشرعي, مثال هدا الأخير في شرحه للفظة "توب"، قال:« والتوبة في الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة, وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة فمتى اجتمعت هده الربع فقد كمل شرائط التوبة » .
و في شرحه لألفاظ القرآن يعتني كثيرا بالقراءات القرآنية, فلا يكتفي بالقراءة الواحدة وإنما يتعداها إلى غيرها من القراءات الثابتة عن الرسول(ص), فعندما شرح القدر قال:« و القدر وقت الشيء المقدر له, والمكان المقدر له. قال: إلى قدر معلوم و قال: فسالت أودية بقدرها أي بقدر المكان المقدر لها لأن يسعها,و قرئ"بقدرها"-بسكون الدال و كسر الياء-أي تقديرها(..)و قدرت عليه الشيء ضيقته كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بغير حساب, قال: و من قدر عليه رزقه أي ضيق, وقال: يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر وقال: فظن أن لن نقدر عليه ، أي لن نضيق عليه. وقرئ لن نقدر عليه » - بتشديد الراء و كسرها- وظاهر أن بتعدد القراءات تتعدد المعاني, فكان حكيما إذ ذكر القراءات.
و عند وقوفه على مفردة اختلف الصحابة أو التابعين في معناها نجده يعدد أقوال الصحابة أو التابعين أو هما معا في المسألة فيرجح رأيا أو ينشئ آخر مستقلا به؛ فعند شرحه للفظة "قر" قال في قوله تعالى فمستقر و مستودع:« قال ابن مسعود مستقر في الأرض و مستودع في القبور.و قال ابن عباس مستقر في الأرض و مستودع في الأصلاب.و قال الحسن مستقر في الآخرة و مستودع في الدنيا. وجملة الأمر أن كل حال ينقل عنها للإنسان فليس بالمستقر التام» . نلاحظ أنه تجاوز أقوال الصحابة والتابعين و أنشأ رأيا خاصا به, طبعا لما كان اجتهاده منهم (ض) و ليس نقلا عن الرسول(ص). والذي يبدو أنه كان موفقا في رأيه.
فالرجل ليس متضلعا في اللغة فقط، كما يبدو من خلال عنوان الكتاب؛ بل له الدلو المعلى في العلوم الشرعية أيضا؛ وتعالى ننظر في شرحه للفظة" شبه" حيث نجده لبس رداء الأصوليين وصار يقلب المعنى ويعمل فيها قواعد أصول الفقه، فكأنك أمام كتاب أصولي. قال:« والمتشابه من القرآن ما أشكل تفسيره لمشبهته بغيره، إما من حيث اللفظ أو من حيث المعنى، فقال الفقهاء: المتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده، وحقيقة ذلك أن الآيات عن اعتبار بعضها ببعض –ثلاثة أضرب محكم على الإطلاق، ومتشابه على الإطلاق، ومحكم من وجه ومتشابه من وجه. فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب:
1. متشابه من جهة اللفظ فقط.
2. ومتشابه من جهة المعنى فقط.
3. ومتشابه من جهتهما.
والمتشابه من جهة اللفظ ضربان:
1. أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة(...).
2. والثاني يرجع إلى جهة الكلام المركب، وذلك على ثلاثة أضرب...» .
كما تجده فقيها أحيانا أخرى، يستنبط الأحكام الفقهية ويرد على الفقهاء ويخطئ بعضهم، وسلاحه في ذلك اللغة؛ وهذا ما نجده عند شرحه للفظة "طهر" يقول:« وأنزلنا من السماء ماء طهورا قال الشافعي رضي الله عنه: الطهور بمعنى المطهر، وذلك لا يصح من حيث اللفظ لأن فعولا لا يبنى من أفعل وفعل، إنما يبنى ذلك من فعل. وقيل إن ذلك اقتضى التطهير من حيث المعنى، وذلك أن الطاهر ضربان- ضرب لا يتعداه الطهارة كطهارة الثوب فإنه طاهر غير مطهر به، فوصف الله تعالى الماء بأنه طهور تنبيها على المعنى» .
كما أنه-’- يحذو في شرحه لألفاظ القرآن حذو التفسير الموضوعي؛ لأنه عمد فيما ذهب إليه إلى جمع الآيات ذات الموضوع الواحد ففسرها. فجاء ترتيب مصنفه بحسب ما يأتي به التفسير الموضوعي للقرآن الكريم.
و نعطي هنا مثالا و هو شرحه للفظة "البصر" قال« البصر يقال للجارحة الناظرة نحو قوله تعالى كلمح البصر و إّذ زاغت الأبصار و للقوة التي فيها, ويقال: لقوة القلب المدركة-بصيرة و بصر، نحو قوله تعالى . فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (..) أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني أي على معرفة و تحقق و قوله: بل الإنسان على نفسه بصيرة أي تبصره فتشهد له و عليه من جوارحه بصيرة تبصره فتشهد له و عليه يوم القيامة كما قال:"تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم و أنبتنا فيها من كل زوج يهيج تبصرة أي تبصرة و تبيانا(..) ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم أيجعلون بصراء بأثرهم » .
ذكر هنا جميع الآيات التي ذكرت فيها لفظة " البصر" ثم شرحها و أعطى المعاني التي تفيدها حسب موضعها و سياقها في الآية.
المبحث الثالث
مصادر الكتاب:
الذي يظهر من خلال تصفح و قراءة الكتاب أن مراجعه بالأساس اللغة العربية خاصة ما كان منها نظما فيأتي به شاهدا على المعنى الذي ساقه المؤلف, ثم أقوال الصحابة والتابعين و بعض المفسرين و إن لم يذكر أسماءهم, وكثيرا ما يورد القول بصيغة التمريض وفي استعمالها عند العلماء إشارة إلى عدم الرضا و الاطمئنان بصحة ما أوردوه.
و في مجال اللغة أخذ بنسبة كبيرة عن أحمدا بن خليل الفراهدي و بأقل منها عن سيبويه.
المبحث الرابع
ملاحظات حول الكتاب:
الذي يلاحظ على الكتاب أن الكاتب قليلا ما يسند الأقوال إلى أصحابها و لعله لا يطمئن إلى ما ذهب إليه أصحاب تلك الأقوال. و أيضا لا يوثق و لا يذكر سلسلة السند في الأحاديث النبوية و أقوال الصحابة و التابعين و لو ذكر ذلك لكان أفضل . وهذا الأمر ينطبق كذلك على عمل المحقق الذي لم يخرج الأحاديث أ يتأكد من صحتها أو يذكر الشعراء المستشهد بشعرهم و هذا العمل نجده عند بعض المحققين عند تحقيقهم الكتب.
الذي يلاحظ على المؤلف هو تأثير عقيدته عليه عند تفسير آيات الصفات خاصة, فقد أول صفة الاستواء بالاستيلاء و المجيء بمجيء أمر الله و ليس بذاته,كما في الاستهزاء و اليد ,و الذي يبدو أنه أشعري العقيدة و الله أعلم.
كان أحرى به أن ينطلق من اللفظة القرآنية ومدلولاتها اللغوية لا أن يصرفها عن معناها الظاهر لتوافق ما اعتقده قبل.
ويلاحظ عليه أنه يدرج بعض الأسماء الأعجمية تحت أكثر من جذر، ك"جالوت" أورده تحت جذري"جلت"و"جال " في آن واحد.
ويلحق بعض الجذور بغيرها، وكان الأجدر فصلها وقد فعل المحقق ذلك(أنظر مقدمة المحقق).
وهذه الملاحظات لا تنقص من قيمة الكتاب العلمية وأهميته في المكتبة التفسيرية.
المبحث الخامس
في القيمة العلمية للكتاب:
للكتاب قيمة علمية كبيرة تتجلى في اهتدائه إلى مفاتح النص القرآني، وهي مفردات الألفاظ التي لا يستغني عنها مشتغل بكتاب الله تعالى، فامتلاك المفاتيح وضبطها يسهل عملية الولوج ومن دخل في كتاب الله بعقله وفكره اهتدى، ومن اهتدى عاش حياة طيبة ملؤها السعادة والهناء، وهذه هي الطريقة الوحيدة الأسلم والأيسر لفهم كتاب الله تعالى، وهي الخطوة الأولى واللبنة الأساس التي لايمكن الاستغناء عنها، والا يكون الواحد منا يدور حول النص وهو يظن أنه يغوص في أعماقه.
ثم تتجلى كذلك في طريقة ترتيبه الألفبائي- فاء الفعل ثم عينه ثم لامه. اهتدى إلى هذه الطريقة وهو في نهاية القرن الخامس وبداية السادس الهجري، أي في وقت مبكر جدا، وهي الطريقة المعتمدة حاليا في القرن الخامس عشر الهجري. فهذا سبق علمي كبير إن دل على شيء فإنما يدل على علو الراغب –’- في مجال التصنيف والتأليف، وهي طريقة تسهل على القارئ البحث عن مفردات الألفاظ القرآنية، ومعرفة معانيها بيسر وسهولة.
كما تتجلى أيضا في شرحه لمفردات ألفاظ القرآن شرحا يفي بالغرض من غير إفراط أو تفريط، بحسب سياقها في الآية. ولاغرو فالرجل خبير باللغة العربية وفنون استعمالها عند العرب. كما أن له مصاحبة طويلة لكتاب الله تعالى، ظهر هذا جليا في شرحه لألفاظ القرآن. ومن خلال كتبه التي ألفها. وله إلمام بعلم الفقه وأصوله، وعلم القراءات.يوظف كل مالديه من امكانات علمية في شرحه للألفاظ القرآنية.
ولهذا تبدو شخصيته العلمية حاضرة بقوة في الشرح اللغوي وتوجيه الفهم. وفي المنهجية التي اتبعها.وهو في هذا مبدع رائد غير مسبوق.
وهذا الكتاب موجه لعموم الناس بإمكانهم أن يستفيدوا منه، غير مقتصر على الخاصة فقط كما هو حال بعض الكتب الأخرى.
والمصنف أقرب إلى التفسير منه إلى المعجم.
محمد البويسفي طالب باحث
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المصطفى الأمين اللهم افتح لنا أبواب الرحمة وأنطقنا بالحكمة واجعلنا من الراشدين فضلا منك ونعمة.
أما بعد:
فقد كان من تجليات فضل القرآن علينا إن استنهض المسلمين للكتابة والتدوين والإبحار في محيطات العلم، إذ أول الكتابات العربية والإسلامية كان سببها خدمة كتاب الله تعالى. وبقيت تلك الكتابات تترى على مستويات شتى؛ فهما لكتاب الله تعالى، ودفاعا عنه...ومن هذه الكتب نجد كتب معاني القرآن بتعدد مسمياتها، تصب في مجال واحد هو شرح مفردات ألفاظ القرآن ؛ تسهيلا لفهمه واستيعابا لمعانيه.
والتأليف في هذا المجال بدأ مبكرا في تاريخ المكتبة التفسيرية، لحاجة الناس إليه إذ هم ليسوا على درجة واحدة في فهم كتاب الله تعالى، ومما زاد في إلحاح الحاجة إليه هو دخول أقوام جدد في الإسلام عند اتساع الفتح الإسلامي، فأصبح في مرتبة الضروريات من حيث الأولوية في العلوم الشرعية.
ومن الأعلام البارزين في هذا المجال نجد الراغب الأصفهاني-’- في كتابه (معجم مفردات ألفاظ القرآن) الذي هو موضوع العرض.
لأهمية موضوعه وبراعة صاحبه وتفوقه على أقرانه في مجال التصنيف في الموضوع اخترت هذا الكتاب لألقي نظرة عليه.
ومعلوم أن أي منهج لأي مؤلف إنما تؤخذ من طريقين:
1. إما أن يصرح به صاحبه في مقدمة الكتاب، فيِؤخذ منها.
2. وإما من خلال استقراء الكتاب وتتبع جزئيا ته بين دفتيه.
وصاحب الكتاب لم يصرح بمنهجه في المقدمة. إلا إشارة عارضة لاتفي بالغرض إطلاقا. لذلك استقريت بعض معالم منهجه من خلال مثن الكتاب. لا أقول قد أحطت بها، وإنما التقطت بعض معالمها فقط، لطبيعة العرض الذي هو تقرير عن كتاب؛ لذلك كان تصميم العرض على الشكل التالي:
بعد المقدمة، أعطيت بطاقة تعريفية للكتاب، ثم عرضت إلى موضوعه بعجالة. هذا في المبحث الأول. أما في الثاني فقد تناولت منهج المؤلف في التأليف. وفي الثالث تطرقت إلى مصادر الكتاب. وأبديت ملاحظاتي على الكتاب فكان بذلك المبحث الرابع. أما الأخير فقد بينت القيمة العلمية للكتاب. وهذا بيان ما أجملته:
المبحث الأول
البطاقة التقنية للكتاب
عنوان الكتاب : معجم مفردات ألفاظ القران
اسم المؤلف : الراغب الأصفهاني(ت 503)
دار النشر : دار الفكر, بيروت, لبنان
زمن التأليف: نهاية القرن الخامس و بداية القرن السادس
تحقيق: نديم مرعشلي
المجال المعرفي الذي ينتمي إليه الكتاب: معاني القران
مضمون الكتاب
الكتاب يقع في مجلد واحد من الحجم الكبير, عدد صفحاته 728 صفحة.
تجد في بدايته مقدمة المحقق، تحدث فيها عن أهمية اللغة العربية التي هي وعاء التراث العربي الإسلامي، وتكلم عن موضوع التحقيق بإيجاز وزعن قيمته العلمية ثم عرف بالمؤلف وآثاره الفكرية، وأخيرا تحدث عن طريقته ومنهجه في التحقيق.
بعد مقدمة المحقق تجد مقدمة المؤلف تكلم فيها عن عظمة القرآن الكريم وأنه مصدر النور والهداية، لكن ليس كل الناس مؤهلون للنهل من معينه الذي لا ينضب، بل لابد من صفاء القلب ونقاوة النفس من كل الأمراض، ثم نبه إلى أن أول ما يحتاج إليه من علوم القرآن هو العلوم اللفظية، التي ترتكز على تحقيق الألفاظ المفردة، وهذه الأخيرة هي ما يعين على فهم القرآن، بعد ذلك تحدث عن منهجه في تأليف الكتاب لكن باقتضاب شديد.
الكتاب لا يحتوي على فصول، ولا مباحث كما عهدنا في باقي الكتب الأخرى، وإنما نوعية الكتاب معجمية لذلك تجد بعد المقدمة مباشرة باب حرف الألف، وتدخل تحته كل المفردات التي تبتديء بحرف الألف. بعد ذلك تجد حرف الباء، وهكذا إلى آخر حرف من الحروف الهجائية.
بعد ذلك تجد التحقيقات الفنية التي قام بها المؤلف.فجاء الكتاب بسبعمائة وثمانية وعشرون صفحة منها خمسمائة وثمانية وسبعون صفحة للمعجم والباقي خصصت للتحقيقات الفنية، ثم ذيله بفهرس.
المبحث الثاني
في منهج التأليف:
رتب المِؤلف-’-معجمه هذا ترتيبا الفبائيا، أولا في تبويب الكتاب: الألف أولا ثم الباء ثم التاء... وهكذا. ثم في ترتيب الكلمات: فاء الفعل ثم عينه ثم لامه. مثلا:
في باب الألف: "أب"، "أتى"،" أثاث"، "اجر"،" أحد"...
في باب الباء:" بأس"، "بتر"،" بث"،" بجس"،" بخع"، "بدر"...
في باب الجيم :"جبت"، "جبر"،" جبل"،" جبن"، "جبه"،...
في ترتيبه لأبواب الحروف يقدم باب الواو على باب الهاء.وهذا الترتيب الألفبائي يكون في أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد.هذا من حيث الترتيب المنهجي لأبواب الكتاب وترتيب الكلمات، أما من حيث طريقته في شرح مفردات ألفاظ القرآن فهو يعطي المعنى اللغوي، أي أصل الوضع في اللغة، ثم يعدد المعاني التي يفيدها اللفظ حسب استعماله في الآية القرآنية.
أما الاستشهاد:فيستشهد بالقرآن الكريم إذا كانت تلك اللفظة المراد شرحها في آية أخرى وفي سياق آخر بنفس المعنى لكنه أوضح. كما أنه يستشهد بالأحاديث النبوية وأقوال الصحابة، وهذا يوجد خاصة عندما يذهب إلى معنى اصطلاحي أو شرعي، ثم يستشهد بأبيات من الشعر الذي هو ديوان العرب. كما أنه يستشهد بالأمثال المشهورة.
و هذا الأمر لا نجده عند شرحه لكل لفظة من ألفاظ القران, بل قد يكتفي بالشرح اللغوي من غير استشهاد بغير القران, مثلا عند شرحه لفظة "النبز" قال:« النبز التلقيب، قال:ولا تنابزوا بالألقاب » هنا أوجز إيجازا و لم يأتي بشاهد من اللغة أو غيرها, ولعله وضح المعنى فلم يشأ الإطناب. لكن في مواضع أخرى من الكتاب لا يكتفي بالشرح اللغوي بل يتعداه إلى المعنى الاصطلاحي و الشرعي, مثال هدا الأخير في شرحه للفظة "توب"، قال:« والتوبة في الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة, وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة فمتى اجتمعت هده الربع فقد كمل شرائط التوبة » .
و في شرحه لألفاظ القرآن يعتني كثيرا بالقراءات القرآنية, فلا يكتفي بالقراءة الواحدة وإنما يتعداها إلى غيرها من القراءات الثابتة عن الرسول(ص), فعندما شرح القدر قال:« و القدر وقت الشيء المقدر له, والمكان المقدر له. قال: إلى قدر معلوم و قال: فسالت أودية بقدرها أي بقدر المكان المقدر لها لأن يسعها,و قرئ"بقدرها"-بسكون الدال و كسر الياء-أي تقديرها(..)و قدرت عليه الشيء ضيقته كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بغير حساب, قال: و من قدر عليه رزقه أي ضيق, وقال: يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر وقال: فظن أن لن نقدر عليه ، أي لن نضيق عليه. وقرئ لن نقدر عليه » - بتشديد الراء و كسرها- وظاهر أن بتعدد القراءات تتعدد المعاني, فكان حكيما إذ ذكر القراءات.
و عند وقوفه على مفردة اختلف الصحابة أو التابعين في معناها نجده يعدد أقوال الصحابة أو التابعين أو هما معا في المسألة فيرجح رأيا أو ينشئ آخر مستقلا به؛ فعند شرحه للفظة "قر" قال في قوله تعالى فمستقر و مستودع:« قال ابن مسعود مستقر في الأرض و مستودع في القبور.و قال ابن عباس مستقر في الأرض و مستودع في الأصلاب.و قال الحسن مستقر في الآخرة و مستودع في الدنيا. وجملة الأمر أن كل حال ينقل عنها للإنسان فليس بالمستقر التام» . نلاحظ أنه تجاوز أقوال الصحابة والتابعين و أنشأ رأيا خاصا به, طبعا لما كان اجتهاده منهم (ض) و ليس نقلا عن الرسول(ص). والذي يبدو أنه كان موفقا في رأيه.
فالرجل ليس متضلعا في اللغة فقط، كما يبدو من خلال عنوان الكتاب؛ بل له الدلو المعلى في العلوم الشرعية أيضا؛ وتعالى ننظر في شرحه للفظة" شبه" حيث نجده لبس رداء الأصوليين وصار يقلب المعنى ويعمل فيها قواعد أصول الفقه، فكأنك أمام كتاب أصولي. قال:« والمتشابه من القرآن ما أشكل تفسيره لمشبهته بغيره، إما من حيث اللفظ أو من حيث المعنى، فقال الفقهاء: المتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده، وحقيقة ذلك أن الآيات عن اعتبار بعضها ببعض –ثلاثة أضرب محكم على الإطلاق، ومتشابه على الإطلاق، ومحكم من وجه ومتشابه من وجه. فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب:
1. متشابه من جهة اللفظ فقط.
2. ومتشابه من جهة المعنى فقط.
3. ومتشابه من جهتهما.
والمتشابه من جهة اللفظ ضربان:
1. أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة(...).
2. والثاني يرجع إلى جهة الكلام المركب، وذلك على ثلاثة أضرب...» .
كما تجده فقيها أحيانا أخرى، يستنبط الأحكام الفقهية ويرد على الفقهاء ويخطئ بعضهم، وسلاحه في ذلك اللغة؛ وهذا ما نجده عند شرحه للفظة "طهر" يقول:« وأنزلنا من السماء ماء طهورا قال الشافعي رضي الله عنه: الطهور بمعنى المطهر، وذلك لا يصح من حيث اللفظ لأن فعولا لا يبنى من أفعل وفعل، إنما يبنى ذلك من فعل. وقيل إن ذلك اقتضى التطهير من حيث المعنى، وذلك أن الطاهر ضربان- ضرب لا يتعداه الطهارة كطهارة الثوب فإنه طاهر غير مطهر به، فوصف الله تعالى الماء بأنه طهور تنبيها على المعنى» .
كما أنه-’- يحذو في شرحه لألفاظ القرآن حذو التفسير الموضوعي؛ لأنه عمد فيما ذهب إليه إلى جمع الآيات ذات الموضوع الواحد ففسرها. فجاء ترتيب مصنفه بحسب ما يأتي به التفسير الموضوعي للقرآن الكريم.
و نعطي هنا مثالا و هو شرحه للفظة "البصر" قال« البصر يقال للجارحة الناظرة نحو قوله تعالى كلمح البصر و إّذ زاغت الأبصار و للقوة التي فيها, ويقال: لقوة القلب المدركة-بصيرة و بصر، نحو قوله تعالى . فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (..) أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني أي على معرفة و تحقق و قوله: بل الإنسان على نفسه بصيرة أي تبصره فتشهد له و عليه من جوارحه بصيرة تبصره فتشهد له و عليه يوم القيامة كما قال:"تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم و أنبتنا فيها من كل زوج يهيج تبصرة أي تبصرة و تبيانا(..) ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم أيجعلون بصراء بأثرهم » .
ذكر هنا جميع الآيات التي ذكرت فيها لفظة " البصر" ثم شرحها و أعطى المعاني التي تفيدها حسب موضعها و سياقها في الآية.
المبحث الثالث
مصادر الكتاب:
الذي يظهر من خلال تصفح و قراءة الكتاب أن مراجعه بالأساس اللغة العربية خاصة ما كان منها نظما فيأتي به شاهدا على المعنى الذي ساقه المؤلف, ثم أقوال الصحابة والتابعين و بعض المفسرين و إن لم يذكر أسماءهم, وكثيرا ما يورد القول بصيغة التمريض وفي استعمالها عند العلماء إشارة إلى عدم الرضا و الاطمئنان بصحة ما أوردوه.
و في مجال اللغة أخذ بنسبة كبيرة عن أحمدا بن خليل الفراهدي و بأقل منها عن سيبويه.
المبحث الرابع
ملاحظات حول الكتاب:
الذي يلاحظ على الكتاب أن الكاتب قليلا ما يسند الأقوال إلى أصحابها و لعله لا يطمئن إلى ما ذهب إليه أصحاب تلك الأقوال. و أيضا لا يوثق و لا يذكر سلسلة السند في الأحاديث النبوية و أقوال الصحابة و التابعين و لو ذكر ذلك لكان أفضل . وهذا الأمر ينطبق كذلك على عمل المحقق الذي لم يخرج الأحاديث أ يتأكد من صحتها أو يذكر الشعراء المستشهد بشعرهم و هذا العمل نجده عند بعض المحققين عند تحقيقهم الكتب.
الذي يلاحظ على المؤلف هو تأثير عقيدته عليه عند تفسير آيات الصفات خاصة, فقد أول صفة الاستواء بالاستيلاء و المجيء بمجيء أمر الله و ليس بذاته,كما في الاستهزاء و اليد ,و الذي يبدو أنه أشعري العقيدة و الله أعلم.
كان أحرى به أن ينطلق من اللفظة القرآنية ومدلولاتها اللغوية لا أن يصرفها عن معناها الظاهر لتوافق ما اعتقده قبل.
ويلاحظ عليه أنه يدرج بعض الأسماء الأعجمية تحت أكثر من جذر، ك"جالوت" أورده تحت جذري"جلت"و"جال " في آن واحد.
ويلحق بعض الجذور بغيرها، وكان الأجدر فصلها وقد فعل المحقق ذلك(أنظر مقدمة المحقق).
وهذه الملاحظات لا تنقص من قيمة الكتاب العلمية وأهميته في المكتبة التفسيرية.
المبحث الخامس
في القيمة العلمية للكتاب:
للكتاب قيمة علمية كبيرة تتجلى في اهتدائه إلى مفاتح النص القرآني، وهي مفردات الألفاظ التي لا يستغني عنها مشتغل بكتاب الله تعالى، فامتلاك المفاتيح وضبطها يسهل عملية الولوج ومن دخل في كتاب الله بعقله وفكره اهتدى، ومن اهتدى عاش حياة طيبة ملؤها السعادة والهناء، وهذه هي الطريقة الوحيدة الأسلم والأيسر لفهم كتاب الله تعالى، وهي الخطوة الأولى واللبنة الأساس التي لايمكن الاستغناء عنها، والا يكون الواحد منا يدور حول النص وهو يظن أنه يغوص في أعماقه.
ثم تتجلى كذلك في طريقة ترتيبه الألفبائي- فاء الفعل ثم عينه ثم لامه. اهتدى إلى هذه الطريقة وهو في نهاية القرن الخامس وبداية السادس الهجري، أي في وقت مبكر جدا، وهي الطريقة المعتمدة حاليا في القرن الخامس عشر الهجري. فهذا سبق علمي كبير إن دل على شيء فإنما يدل على علو الراغب –’- في مجال التصنيف والتأليف، وهي طريقة تسهل على القارئ البحث عن مفردات الألفاظ القرآنية، ومعرفة معانيها بيسر وسهولة.
كما تتجلى أيضا في شرحه لمفردات ألفاظ القرآن شرحا يفي بالغرض من غير إفراط أو تفريط، بحسب سياقها في الآية. ولاغرو فالرجل خبير باللغة العربية وفنون استعمالها عند العرب. كما أن له مصاحبة طويلة لكتاب الله تعالى، ظهر هذا جليا في شرحه لألفاظ القرآن. ومن خلال كتبه التي ألفها. وله إلمام بعلم الفقه وأصوله، وعلم القراءات.يوظف كل مالديه من امكانات علمية في شرحه للألفاظ القرآنية.
ولهذا تبدو شخصيته العلمية حاضرة بقوة في الشرح اللغوي وتوجيه الفهم. وفي المنهجية التي اتبعها.وهو في هذا مبدع رائد غير مسبوق.
وهذا الكتاب موجه لعموم الناس بإمكانهم أن يستفيدوا منه، غير مقتصر على الخاصة فقط كما هو حال بعض الكتب الأخرى.
والمصنف أقرب إلى التفسير منه إلى المعجم.
محمد البويسفي طالب باحث