تفكرات في تناسب آيات !

إنضم
04/08/2006
المشاركات
133
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
فلسطين
السلام عليكم
كنت ألقيت في رمضان دروسًا تفكرية في سورة النبأ، وذلك بناء على أن المراد بالنبأ البعث لا القرآن كما قاله بعضهم.
ومما استلهمته من ملكتي المتواضعة في استنباط العلاقات بين الآيات ما يلي (والكلام مختصر):
لما ذكر الله تعالى تساؤل الكافرين عن يوم البعث وتضمن ذلك تكذيبهم به حشد الآيات الدالة على وجود يوم البعث،
وابتدأ ذكر الآيات والآلاء بقوله سبحانه: ((ألم نجعل الأرض مهادا. والجبال أوتادا)) وذلك لأن الأرض أصل الإنسان ((منها خلقناكم))، إذ إنه لما كان الإنسان هو المخاطب بالآيات الدالة على قدرة الله بدأ بذكر أصل الإنسان. وبدأ بذكر المسبب الذي هو تمهيد الأرض قبل السبب الذي هو الجبال، وذلك للتشويق.
ثم ثنى بذكر صفة من صفات الإنسان نفسه بقوله: ((وجعلنا نومكم سباتًا))، فتحقق بهذا ذكر المتفرع عن الأصل، وتحقق الإشارة البليغة إلى كون الإنسان إنما خلق من الأرض التي يدوسها بقدميه.
وبعد أن ذكر أصل الإنسان ثم ذات الإنسان ذكر ما يحيط به من الآيات، فقال: ((وجعلنا الليل لباسًا)).
وبدأ بالليل لأنه الأصل، ثم أتبعه بذكر االنهار لأنه عارض عليه فقال: ((وجعلنا النهار معاشًا)).
 
ثم أراد سبحانه ذكر سبب وجود آية النهار ونعمته على طريقة المسبب قبل السبب، ولما كانت الشمس هي سبب النهار وكانت الشمس غير مستقلة عن المنظومة السماوية الفلكية البديعة ذكر تلك المنظومة أولا بقوله: ((وجعلنا فوقكم سبعًا شدادا)) أي شدادًا في الخلق والإتقان بكل ما فيهما، ثم ذكر من هذه المنظومة العظيمة سبب وجود النهار فقال: ((وجعلنا سراجًا وهاجًا)).
وانظر الآن إلى هذا الخلوص الانسيابي العجيب من بين ثنايا ذكر آيات ونعم دالة على قدرة الله عمومًا إلى ذكر آيات ونعم دالة على قدرة الله عمومًا وعلى قدرته على إحياء الموتى خصوصًا. قال سبحانه: ((وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا)) وذلك أن إحياء الأرض بسبب المطر من الحجج القرآنية المفضلة في إثبات البعث والنشور كما لا يخفى على من له دراية بمحاجة القرآن. قال تعالى: ((ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى..)).
وإنما ذكر آية المطر بعد آية الشمس لأنه لا مطر إلا بواسطتها.
 
ثم ذكر ما ينتج عن إنزال المطر وهو إنبات النبات فقال سبحانه: ((لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا)) وذكر الحب قبل النبات لأنه قوت الإنسان، ثم ذكر النبات وهو طعام البهائم لأن الحيوان من أنفع المسخرات للإنسان بعد القوت الأساسي، فهو يشكل معظم الثروة الغذائية، وهو الوسيلة الطبيعية الوحيدة لقطع الأسفار البعيدة، وهو مصدر الجلود والأصواف، فهو إذًا مصدر أساسي للطعام واللباس والوسيلة الوحيدة للضرب في الأرض.
ثم ذكر الجنات بما فيها من سائر أنواع الثمار وبما فيها من الجمال والترفيه، لأن ذلك شيء مكمل للحاجيات الأساسية.

وبعد عرض مشهد نزول المطر وإنبات النبات استعمل حسن التخلص، فانتقل انتقالا شديد البراعة إلى ذكر يوم البعث، كأنه ذكر الآية تلو الآية على قدرة الله حتى بلغ الذورة رويدًا رويدًا، وحين بلغ بذكر المطر وإخراج النبات الذروة في الاحتجاج أعقبه على الفور بذكر المحتج له وهو وجود يوم البعث لا محالة.
والعجيب أنه لم يقل إن يوم البعث/الإخراج/النشور/القيامة... كان ميقاتًا. ولكنه قال: ((إن يوم الفصل كان ميقاتًا)) إيذانًا بحل الغموض والإشكال الذي استهلت به السورة حيث قال: ((الذي هم فيه مختلفون)) أي بعضهم كافر به وبعضهم شاك فيه وبعضهم آمن به، فلما كان محور بداية السورة الاختلاف وأرجئ حل هذا الاختلاف إلى مقطع آخر من السورة لم يهمله سبحانه فقال: ((إن يوم الفصل..)) إِشارة إلى أن يوم القيامة فيه الفصل بين المختلفين وفيه إحقاق الحق وإبطال الباطل ((إن ربك يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون)).

[الكلام في الفقرة الأخيرة مأخوذة فكرته من تفسير الأستاذ الدكتور مصطفى المشني في إحدى محاضراته بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية]

هذا وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا.
 
الأخ المكرم مهند حفظك الله: فتح الله لك ، ولو أنك راجعت كتاب نظم الدرر للبقاعي، ومفاتح الغيب للرازي، والتحرير والتنوير لابن عاشور، فعلك تجد شيئا آخر.
وإذا رغبت أن تخوض غمار المناسبات فقبل أن تذكرت اجتهادك فيما وصلت إليه من المناسبات، حبذا أن تقرأ ما جاء في تفسير الايات، وتنظر: هل يتوافق ما خطر لك مع المعنى المتفق عليه عند اهل التفسير، ةالاستعانة بالكتب ذكرت تنور الطريق.
وآجرك الله وسدد خطاك
 
عودة
أعلى