تفسير ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )

إنضم
15/02/2009
المشاركات
32
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
العمر
55

تفسير ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
نبي الهدى والرحمة القائل فيما صح عنه :
أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ..

وبعد :
أيها الأحبة الكرام ..
هذا عرض سريع لتفسير قول الله تعالى :

( .. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) المائدة-44

وبيان الإختلاف الواقع فيما نقل عن ابن عباس في تفسيرها ..
وكذلك فيمن علق عليها بما يخص قضية الحاكمية والتكفير ..
فأقول والله المستعان وعليه التكلان :

أولا : مناسبة نزول الآيات من سورة المائدة

في المسند ومعجم الطبراني عن ابن عباس :

إن الله عز وجل أنزل : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) و { الظالمون } و { الفاسقون } .
قال ابن عباس : أنزلها الله في الطائفتين من اليهود .....
ثم قال : فيهما والله نزلت وإياهما عنى الله عز و جل .

الحديث رواه أحمد 1/246 والطبراني في الكبير 3/95 بطوله وحسنه شعيب الأرنؤوط والألباني في الصحيحة 6/111.

وقد صح أيضا عن أبي مجلز أن مناسبة نزولها في اليهود كما سيأتي ..

وهو الصحيح المتبادر من ظاهر وتركيب السياق القرآني ..
قال تعالى :

( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )

ومع ذلك .. فهناك قاعدة مشهورة تقول :
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ..
ولذلك أردف رواية ابن عباس برواية حذيفة وهي الآتية ..

رواية حذيفة في تفسير الآية

قال الإمام الحاكم في المستدرك :
حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ثنا محمد بن عبد السلام ثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأ جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن همام قال :

كنا عند حذيفة فذكروا : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )
فقال رجل من القوم : إن هذا في بني إسرائيل !!
فقال حذيفة : نعم الأخوة بنو إسرائيل إن كان لكم الحلو ولهم المر ، كلا والذي نفسي بيده حتى تحذو السنة بالسنة حذو القذة بالقذة .

رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/342) وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه ، وقال الذهبي قي التلخيص : صحيح على شرط البخاري ومسلم .
ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده ( 6463 ) ..

فخرجنا من هذا العرض السريع أن مناسبة نزولها في اليهود من أهل الكتاب الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم ..
ولكن هذا لا يمنع – حسب القواعد العلمية لتفسير القرآن – الحكم بعموم لفظها كما ذكر ابن جرير الآثار في تفسيرها وهو الآتي :

تفسير ابن جرير للآية

قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسير الآية :

يقول تعالى ذكره :
ومن كتم حُكم الله الذي أنزله في كتابه وجعله حكمًا يين عباده ، فأخفاه وحكم بغيره ، كحكم اليهود في الزانيين المحصنين .. ووو.. ( فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) هؤلاء الذين لم يحكموا بما أنزل الله في كتابه ، ولكن بدَّلوا وغيروا حكمه ، وكتموا الحقَّ الذي أنزله في كتابه ( هُمُ الْكَافِرُونَ ) يقول : هم الذين سَتَروا الحق الذي كان عليهم كشفه وتبيينُه ، وغطَّوه عن الناس ، وأظهروا لهم غيره ، وقضوا به ، لسحتٍ أخذوه منهم عليه . اهـ
ثم ذكر آثارا كثيرة أن المراد بهذه الآيات الثلاث من سورة المائدة اليهود وكل الكفار ..

ثم قال : وقال بعضهم : عنى بـ " الكافرين "، أهل الإسلام ، وبـ " الظالمين " اليهود ، وبـ " الفاسقين " النصارى ، ورواه عن الشعبي بتسع روايات عنه ..
ثم قال : وقال آخرون : بل عنى بذلك : كفرٌ دون كفر ، وظلمٍ دون ظلم ، وفسقٌ دون فسق .
ثم روى خمسة آثار عن عطاء قوله : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ، قال :
كفر دون كفر ، وفسق دون فسق ، وظلم دون ظلم . وإسناده صحيح .
وروى بسنده عن سفيان ، عن سعيد المكي ، عن طاوس :
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) ، قال :
ليس بكفرٍ ينقل عن الملّة . وإسناده صحيح أيضاً .

( ثم ذكر آثار ابن عباس وستأتي بالتفصيل )

ثم قال : وقال آخرون : بل نزلت هذه الآيات في أهل الكتاب ، وهى مرادٌ بها جميعُ الناس ، مسلموهم وكفارهم .
ثم ذكر آثار عن إبراهيم والحسن وغيرهما ..
ثم قال : وقال آخرون : معنى ذلك :
ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به ، فأما الظلم والفسق ، فهو للمقرِّ به .
ثم روى عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة وستأتي روايته .

ثم خلص ابن جرير من هذه الجولة بكلام نفيس هو كالختام لهذا التقرير ..
فقال رحمه الله وأثابه :
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال : نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب ، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت ، وهم المعنيُّون بها . وهذه الآيات سياقُ الخبر عنهم، فكونُها خبرًا عنهم أولى ..
فإن قال قائل : فإن الله تعالى ذكره قد عمَّ بالخبر بذلك عن جميع منْ لم يحكم بما أنزل الله ، فكيف جعلته خاصًّا ؟
قيل : إن الله تعالى عَمَّ بالخبر بذلك عن قومٍ كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين ، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكمَ ، على سبيل ما تركوه ، كافرون . وكذلك القولُ في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به ، هو بالله كافر ، كما قال ابن عباس ، لأنه بجحوده حكم الله بعدَ علمه أنه أنزله في كتابه ، نظير جحوده نبوّة نبيّه بعد علمه أنه نبيٌّ . اهـ
وظهر من قوله الأخير أن حكم الآية العموم وإن كان سبب نزولها خاص .

ثانيا : تخريج أثر ابن عباس

والآن جاء الدور للكلام على أثر ابن عباس المختلف فيه وهو قوله في تفسير الآية : كفر دون كفر ..
وأرى أن المشكلة فيمن تطرق لهذا الموضوع أنه يتشبث بخبر ابن عباس وحده ويتجاهل الأخبار الأخرى عن طاووس وعطاء وأبي مجلز وهم من ثقات التابعين والعلماء الربانيين ..
وكأن هؤلاء التابعين بمعزل عن تفسير كلام الله وتطبيق شرعه ..
والكلام على حجية تفسير التابعين قتل بحثا ..
وإنما يعنينا هنا دراسة تلك الآثار لنخرج منها بسبيل ..

رواية هشام بن حجير في قول ابن عباس: كفر دون كفر.

فروى الحاكم في المستدرك (2/343) والبيهقي في سننه الكبرى ( 8/20) وغيرهما من طريق سفيان بن عيينة ، عن هشام بن حجير ، عن طاوس ، عن ابن عباس أنه قال :
إنه ليس بالكفر الذي يذهبون ( أي الخوارج ) إليه ، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) كفر دون كفر .

وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الذهبي : صحيح
وضعفه البعض لضعف ابن حجير :

ترجمته هشام بن حجير

ذكر الذهبي في ( من تكلم فيه وهو موثق 1/187) قال : ضعفه أحمد وابن معين ووثقه غيرهما .
وقال ابن عيينة : لم نكن نأخذ عن هشام بن حجير ما لا نجده عند غيره .
وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ، وذكره العقيلي في الضعفاء ..
وقد خولف في لفظه فقد رواه المروزي وابن جرير وعبد الرزاق في المصنف عن ابن عباس قال : هي به كفر.

وعلى من نقل تضعيف هشام بن حجير ألا ينسى أنه من رجال الصحيحين وإن رووا عنه مقرونا بغيره ، فقد قال الإمام الذهبي في الموقظة :
فكل من روى له البخاري ومسلم فقد جاوز القنطرة .
ولا ينسى كذلك أنه قد وثقه ابن حبان والعجلي وابن سعد والذهبي ..
ومن قال ابن حبان لا يعتمد على توثيقة لأنه رمي بالتساهل !!
قلنا إنما تساهله في توثيق المجاهيل .. وهو من الأئمة المتقدمين ومن المعتمد على كلامهم في التوثيق والتضعيف .

وارتضى هذا الأثر جماعة لا يحصون كثرة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير إلى علماء عصرنا رحمهم الله تعالى ..

فقال الإمام الألباني في الصحيحة (6/113) :
كفر دون كفر : صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم .. اهـ

فكأنه ارتضى قول من وثق ابن حجير عمن ضعفه ، أو لما له من شواهد عن غيره .. فالله أعلم .

وفي تفسير ابن أبي حاتم ( رقم 6467 ) من طريق ابن حجير أيضا :
في قوله : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )
قال : ليس هو بالكفر الذي يذهبون إليه .

ولكن هذا القول صحيح في معناه وله شواهد أخرى عن ابن عباس وغيره ..
ومن الشواهد على صحة ما جاء عن ابن عباس في تفسيرها ما سيأتي وننتظر التعليق عليه بعد سرده ..

1- قوله عن الآية : أنزلها الله في الطائفتين من اليهود .....

ثم أقسم على ذلك فقال :
فيهما والله نزلت وإياهما عنى الله عز و جل .
والحديث رواه أحمد 1/246 والطبراني في الكبير 3/95 بطوله وحسنه شعيب الأرنؤوط والألباني في الصحيحة 6/111.

2- قوله : هي به كفر :

روى الإمام الطبري في تفسيره (10/355) عن عطاء بن أبي رباح وطاووس بن كيسان اليماني بأسانيد صحيحة ..
وروى من طريق هناد السري وابن وكيع ..
( وأولاد وكيع ثلاثة : سفيان - ومليح - وعبيد بن وكيع - وهو أحسنهم )
كلاهما عن سفيان الثوري الإمام عن معمر بن راشد وهو من أقرانه ..
عن ابن طاوس وهو عبد الله بن طاووس ثقة ..
عن أبيه طاووس بن كيسان اليماني ..
عن شيخه ابن عباس الحبر والبحر ، في قوله تعالى :
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) قال :
هي به كفر ، وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله .
وقيل الجملة الأخيرة مدرجة من كلام طاووس أو ابنه كما سيأتي تحريره .

3- قوله : هي كبيرة :

روى ابن أبي حاتم في تفسيره (6468 ) قال :
حدثنا الحسن بن أبي الربيع ..
( وقد قال ابن أبى حاتم : سمعت منه مع أبى ، و هو صدوق .
و ذكره ابن حبان في كتاب " الثقات " وقال الذهبي محدث صدوق. )
ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن ابن طاووس ، عن أبيه قال :
سئل ابن عباس في قوله :
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )
قال : هي كبيرة ..
قال ابن طاووس : وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .
وروي عن عطاء أنه قال : كفر دون كفر . اهـ

قلت : قول ابن عباس : هي كبيرة أي أنه ليس بكفر يخرج من الملة ..
وقول ابن طاووس رواه الطبري بسند صحيح وسيأتي ..
أما ما جاء عن عطاء فقد رواه الطبري عنه أيضا .. وهو الآتي :

4- قول عطاء : كفر دون كفر :

روى الطبري من طريق سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قوله :
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )
قال : كفر دون كفر ، وفسق دون فسق ، وظلم دون ظلم .
وسنده صحيح

5- قول طاووس :

قال ابن جرير الطبري : حدثنا هنادٌ قال ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ثنا أبي عن سفيان عن سعيد المكي عن طاوس في قوله تعالى :
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )
قال : ليس بكفرٍ ينقل عن الملة . وسنده صحيح .
وقال الإمام عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال :
سئل ابن عباس عن قوله ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) قال : هي به كفر .. قال ابن طاوس :
وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .. وسنده صحيح .
فأفاد هذا : أن في طريق سفيان عن معمر ، جعل الكلام كله لابن عباس ..
وطريق عبد الرزاق عن معمر فصل كلام ابن عباس عن ابن طاووس ..
وعبد الرزاق أوثق الناس عن معمر وكلامه المقدم عند الاختلاف .
روى ابن عساكر ( تاريخ دمشق 36/169) من طريق حنبل قال :
سمعت أحمد بن حنبل يقول :
إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق .
فالظاهر قول ابن عباس : هي به كفر . والزيادة لابن طاووس .
وقد يقال : هذا لا يعد اختلافاً فقد رواها معمر مرة من كلام ابن عباس ومرة من كلام طاوس ، وطاووس هو التلميذ النجيب لابن عباس فالاحتمال كبير في أن يكون رواها عنه .. فالله أعلم .

6- رواية علي بن أبي طلحة

قال ابن جرير الطبري حدثنا المثنى ثنا عبد الله بن صالح ( كاتب الليث ضعيف ) قال ثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) قال :
من جحد ما أنزل فقد كفر ، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق .
وعلي بن أبي طلحة ( وهو سالم بن المخارق ) مختلف فيه وتفسيره عن ابن عباس من طريق مجاهد وغيره ولم يذكرها ..
وقد أثنى عليها الإمام أحمد في كلمته المشهورة واعتمد البخاري عليه في التفسير كثيرا .
وهي كالشاهد لما مر من آثار عن ابن عباس وعطاء وطاووس ..

7- رواية أبي مجلز :

ومن هذه الروايات التي تؤيد صحة قول ابن عباس :
ما رواه الطبري في تفسيره ( رقم : 12025 و 12026) عن عمران بن حدير : قال :
أتى أبا مجلز ( وهو لاحق بن حميد الشيباني السدوسي وهو تابعي ثقة )
ناس من بني عمرو بن سدوس ( وهو من الإباضية الخوارج على الأغلب )
فقالوا : يا أبا مجلز ، أرأيت قول الله ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) أحق هو ؟
قال : نعم ..
قال : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْظالمُونَ ) أحق هو ؟
قال : نعم ، قالوا :
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفاسقُونَ ) أحق هو ؟
قال : نعم .
قال : فقالوا : يا أبا مجلز ، فيحكم هؤلاء بما أنزل الله ؟
قال : هو دينهم الذي يدينون به ، وبه يقولون ، وإليه يدعون ، فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبا ،
فقالوا : لا والله ، ولكنك تفرق ! ( أي تخاف )
قال : أنتم أولى بهذا مني ! لا أرى ، وإنكم ترون هذا ولا تحرجون !
ولكنها أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك ، أو نحوا من هذا .

قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله : إسناداه صحيحان .

وقال الشيخ محمود شاكر فيما نقله عنه أخيه المحدث :
ومن البين أن الذين سألوا أبا مجلز من الإباضية ، إنما كانوا يريدون أن يلزموه الحجة في تكفير الأمراء . اهـ

التعليق على هذه الروايات :

وضح أن المروي عن ابن عباس مطلق ، ومقيد ..
المطلق قوله : هي كفر - أو - هي به كفر .. وهذا لا يختلف في صحته .
والمقيد قوله : كفر دون كفر أو – ليس بالكفر الذي يذهبون إليه ..
وهذا متكلم فيه ولكن يؤيده قوله في رواية ابن أبي حاتم : هي كبيرة .
وسندها صحيح كما أسلفنا ..
فالأولى للجمع حمل الطلق على المقيد فيتضح المقصود ..
وهو ما تشهد له الروايات الأخرى عن طاووس وعطاء وأبي مجلز وغيرهم ..

فإن قال قائل : قوله في الآية ( فأولئك هم الكافرون ) معرفة بالألف واللام فالمراد الكفر الأكبر إلا إذا جاءت قرينة تصرفه عن ظاهره ..
قلنا : القرينة أن أصل الآيات نزلت في اليهود كما في سياقها الوارد ، فللعمل بها وتطبيقها في الملة الإسلامية لابد من التفصيل المنقول عن السلف في تفسيرها ، وهاهو بين يديك أعلاه ..

كلام العلماء

والمشهور المنقول عن أئمة أهل السنة قديما وحديثا ، أن معنى هذا كلام ابن عباس ( كفر دون كفر ) صحيح ثابت وإن لم ينقل فيه الإجماع ..
وهو قول حكاه ابن جرير : قال : وقال آخرون معنى ذلك ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به ، فأما الظلم والفسق ، فهو للمقرِّ به .
وقال أيضا فيما نقلناه أعلاه :
إن الله تعالى عَمَّ بالخبر بذلك عن قومٍ كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين ، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكمَ ، على سبيل ما تركوه ، كافرون . وكذلك القولُ في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به ، هو بالله كافر . اهـ

ومن أهم الأقوال في هذا الموضوع :

رأي شيخ الإسلام ابن تيمية

وهذا المعتقد بهذا التفصيل هو المنقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع كثيرة من مجموع الفتاوى : فقال (3/267) :

وَالْإِنْسَانُ مَتَى حَلَّلَ الْحَرَامَ - الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ - أَوْ حَرَّمَ الْحَلَالَ - الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ - أَوْ بَدَّلَ الشَّرْعَ - الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ - كَانَ كَافِرًا مُرْتَدًّا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ .
وَفِي مِثْلِ هَذَا نَزَلَ قَوْلُهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) أَيْ هُوَ الْمُسْتَحِلُّ لِلْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ . اهـ

وقال في موضع آخر (7/312 ) :
وَإِذَا كَانَ مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ : إنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ : إنَّهُ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَكُفْرٌ لَيْسَ هُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابُهُ فِي قَوْله تَعَالَى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) قَالُوا : كَفَرُوا كُفْرًا لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ وَقَدْ اتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ . اهـ

قلت نقل قول الإمام أحمد عن الشالنجي في مجموع الفتاوى (7/254) :
قال الإمام أحمد في كلام له :
وَمِنْ نَحْوِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ :
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) ..
فَقُلْت لَهُ ( الشالنجي ) : مَا هَذَا الْكُفْرُ ؟
قَالَ ( أحمد ) : كُفْرٌ لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ مِثْلَ الْإِيمَانِ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ ؛ فَكَذَلِكَ الْكُفْرُ حَتَّى يَجِيءَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيه . اهـ

وجاء في تفسير الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى (7/23) :
فإذا قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد قال : سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ؟ والكافر ليس أخاً للمؤمن ؟
فالجواب أن يقال :
إن الكفر الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام هو كفر دون كفر ، فليس كل ما أطلق الشرع عليه أنه كفر يكون كفراً ، فهنا صرح الله - عز وجل - بأن هاتين الطائفتين المقتتلتين إخوة لنا مع أن قتال المؤمن كفر.
فيقال : هذا كفر دون كفر ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : اثنتان في الناس هما بهما كفر : الطعن في النسب ، والنياحة على الميت .
ومعلوم أن الطاعن في النسب والنائح على الميت لا يكفر كفراً أكبر ، فدل ذلك على أن الكفر في شريعة الله في الكتاب وفي السنة كفران : كفر مخرج عن الملة ، وكفر لا يخرج عن الملة . اهـ

وفي تفسير شيخ السلفية عبد الرحمن السعدي (1/233) :
( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) قال ابن عباس : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق ، فهو ظلم أكبر ، عند استحلاله ، وعظيمة كبيرة عند فعله غير مستحل له.

وفي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ( 12 / 280 ) قال :
وأما الذي قيل فيه : إنه كفر دون كفر .. إذا حاكم إلى غير اللّه مع اعتقاده أنه عاص وأن حكم اللّه هو الحق ، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها .
أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر ، وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل فهذا كفر ناقل عن الملة .

كلام الشيخ محمود شاكر

وجاء في كلام نفيس للشيخ محمود محمد شاكر رحمه الله تعالى في التعليق على تفسير الطبري :
أن الحاكم الذي حكم في قضية بعينها بغير حكم الله فيها ، فإنه إما أن يكون حكم بها وهو جاهل ، فهذا أمره أمر الجاهل بالشريعة .
وإما أن يكون حكم بها هوى ومعصية ، فهذا ذنب تناله التوبة ، وتلحقه المغفرة .
وإما أن يكون حكم بها متأولا حكما خالف به سائر العلماء ، فهذا حكمه حكم كل متأول يستمد تأويله من الإقرار بنص الكتاب ، وسنة رسول الله .
وأما أن يكون كان في زمن أبي مجلز أو قبله أو بعده حاكم حكم بقضاء في أمر ، جاحدا لحكم من أحكام الشريعة ، أو مؤثرا لأحكام أهل الكفر على أحكام أهل الإسلام ، فذلك لم يكن قط .
فلا يمكن صرف كلام أبي مجلز والإباضيين إليه .
فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في غير بابهما ، وصرفهما إلى غير معناهما ، رغبة في نصرة سلطان ، أو احتيالا على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله وفرض على عباده ، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله : أن يستتاب ، فإن أصر وكابر وجاحد حكم الله ، ورضي بتبديل الأحكام ، فحكم الكافر المصر على كفره معروف لأهل هذا الدين .
وكتبه محمود محمد شاكر . اهـ

وقد بوب الإمام البخاري في جامعه الصحيح :
( باب كفران العشير وكفر دون كفر ) .
ونقل ابن حجر عن القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه أن مراد المصنف أن يبين أن الطاعات كما تسمى إيمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا ..
لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد الكفر المخرج من الملة ..
قال : ويؤخذ من كلامه مناسبة هذه الترجمة لأمور الإيمان من جهة كون الكفر ضد الإيمان وأما قول المصنف وكفر دون كفر فأشار إلى أثر رواه أحمد في كتاب الإيمان من طريق عطاء بن أبي رباح وغيره .. اهـ

الختام وهو التفصيل

فقد قال قوم : إن الحاكم والمشرع بغير ما أنزل اله لا يكون كافرا كفرا أكبر بل هو كفر دون كفر .. وكفر لا ينقل عن الملة .
وقال آخرون بضده وهو :
إن الحاكم والمشرع بغير ما أنزل الله يكون كافرا كفرا أكبر ينقل عن الملة ...
والحق في المسألة التفصيل ،، وهو :
إن كان مبدلا بالكلية أو جاحدا للشرع أو مستحلا لحكم غيره أو مفضلا ومستحسنا للحكم الوضعي عليه ، يكفر كفرا أكبر يخرج به من الملة ..
وإن كان في مسألة أو مسائل مضطرا أو مقهورا مع علمه بأحقية حكم الله فهو عاص مرتكب لكبيرة ، ومرتكب الكبيرة على مذهب أهل السنة لا يخرج من الملة ولا تنطبق عليه أحكام الكفار ..
وإن كان لا يمكن محو لفظ الكفر عنه بعد إذ أطلقه الله ورسوله عليه كما قال ابن القيم في رسالته حكم تارك الصلاة .

فالمحققون من أهل السنة يرون أن الحاكم بغير ما أنزل الله لا يكفر كفرا يخرج من الملة إلا إذا جحد ما أنزل الله أو استحل القوانين الوضعية أو بدل حكم الله بالكلية ..
وهو قول إمامي العصر الشيخ الألباني والشيخ ابن باز رحمهما الله وهذا هو الحق الذي لا مرية .

فتوى ابن عثيمين في واضعي القوانين الوضعية :

قال رحمه الله :
ولهذا نرى أن الذين يضعون قوانين تخالف الشريعة ليحكم بها بين عباد الله وفي عباد الله ، نرى أنهم على خطر عظيم سواء حكموا أو لم يحكموا ..
ونرى فرقا بين شخص يضع قانونا يخالف الشريعة ليحكم الناس به ، وشخص آخر يحكم في قضية معينة بغير ما أنزل الله ، لأن من وضع قانونا ليسير الناس عليه وهو يعلم مخالفته للشريعة ولكنه أراد أن يكون الناس عليه فهذا كافر كفرا أكبر مخرج من الملة ، ولكن من حكم في مسألة معينة يعلم فيها حكم الله ولكن لهوى في نفسه فهذا ظالم أو فاسق ، وكفره إن وصف بالكفر . اهـ
من لقاءات الباب المفتوح ( 1/ 186) ط دار البصيرة ، اللقاء السادس ..
ولابد لنا من التفرقة بين من يدرس القوانين الوضعية في الجامعة وبين من يشرع القوانين الوضعية لتحل محل شرع وحكم الله .
وأخيرا : من أراد التوسع فليرجع إلى كتب العقيدة ليرى كلام العلماء عن أنواع الكفر الستة وهي :
كفر التكذيب – كفر الجحود - كفر العناد – كفر النفاق - كفر الإعراض – كفر الشك ..
وسيجد التفصيل في نوعي الكفر الأكبر المخرج من الملة والكفر الأصغر غير المخرج من الملة ..
وتفصيلهم على ما أطلقوا عليه : الكفر العملي والكفر الإعتقادي ..
فهذا المقال لا يتسع لشرح ذلك ..
وعلى من يتهم علماء العصر بأنهم مرجئة أن يتقي الله عز وجل ..
وليراجع كتب العقيدة ليعرف رأي علماء أهل السنة ..
ومن لا يطرق الباب من الخارج سيقتحم السراب ..

وأخيرا : أنبه على خطورة التكفير

إياكم إخواني والخوض في مسائل التكفير .. فإنها والله الداهية الكبرى ..

في صحيح البخاري من حديث ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ... ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله ..

وفي الصحيحين : أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ..

وقال التابعي الجليل العلاء بن زياد فيما نقل عنه ::
ما يضرك شهدت على مسلم بالكفر أو قتلته .

وقال أبو حامد الغزالي وهي من درره ومما صح عنه :
الخطأ في ترك ألف كافر في الحياة ، أهون من الخطأ في سفك دم أمريء مسلم بتكفيره ..

وقال القرطبي أبو عبد الله :
وباب التكفير باب خطير ، أقدم عليه كثير من الناس فسقطوا ، وتوقف فيه الفحول فسلموا ، ولا نعدل بالسلامة شيئا .

ومن درر شيخ الإسلام ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم الحراني قوله :
من ثبت إسلامه بيقين ، لم يزل ذلك عنه بالشك . اهـ

والشك حاصل بالاختلاف المنثور في كتب طلاب العلم وردودهم على بعضهم البعض وتنابزهم بالألقاب ، وسب بعضهم بعضا ..
نسأل الله السلامة والعصمة من دماء المسلمين ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..
وأستغفر الله من الخطأ والزلل .
 
بورك فيك بحث طيب وجهد أحييك عليه ..
والتكفيير باب عظيم وخصوصا المعين .. نعوذ بالله من القول دون علم ..
 

أخي الكريم وأستاذي .. أبو مجاهد العبيدي ..
أسعدني مرورك جدا ..
وقرأت ملفك وتعليقك .. جزاك الله خيرا كثيرا ونفع بك ..

وإن كان مقالي حديثي أكثر منه تفسيري مع الاختصار الشديد ، ومقالك تفسيري أكثر منه حديثي مع التفصيل والتوسع ، تربت يداك ..

فأرى ( حسب رؤيتي ) أننا اجتمعنا على نتيجة واحدة إن شاء الله ، وهي تقرير مذهب أهل السنة .

وأعجبني ختامك جدا ..

وهو قولك :
والأقرب إلى الصواب – فيما ظهر لي – هو أن الكفر هنا هو الكفر الأكبر المخرج من الملة ، وأن المعنيّين بالآية هم اليهود أصالة ، ومن فعل فعلهم فلم يحكم بما أنزل الله رداً لحكم الله ، أو استخفافاً به ، أو تفضيلاً لغيره عليه ، أو اعتقاداً لعدم وجوبه .
أو يقال : إن الآية على عمومها وظاهرها ، تقرر أن كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر وتبقى بعض الحالات المعينة لا يحُكم فيها بالكفر على من لم يحكم بما أنزل الله في وقائع معينة لقيام مانع من موانع الحكم بتكفيره ، أو لعدم توفر الشروط اللازمة حتى يحكم بكفره ؛ وذلك بناءً على القاعدة المعروفة : أن من فعل فعلاً يوجب الكفر فلا يحكم بكفره حتى تتوفر الشروط ، وتنتفي الموانع . والله أعلم .

لكن أعلق على قولك :
لأنه قد ثبت عن ابن عباس أنه قال في الآية : من جحد ما أنزل الله فقد كفر ، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق . اهـ
وفي الهامش قلت :
أخرجه ابن جرير في تفسيره 10/357 ، وإسناده حسن كما في التفسير الصحيح للدكتور حكمت بن بشير بن ياسين 2/184 . اهـ

أقول :
تحسين الدكتور حكمت بشير وتقريرك عليه ليس بجيد ..

فالأثر رواه ابن جرير الطبري من طريق علي بن أبي طلحة وأنت تعلم ما في هذا ..
والاحتجاج بقول الإمام أحمد في صحيفة علي بن أبي طلحة ليست قاطعة في صحتها كما هو ظاهر ، ويقال لما ينقله البخاري في تفسيره عن ابن عباس من طريقه أيضا لا يعد تصحيحا ..
أضف إلى هذا أنه في ترجمته عند ابن حجر والذهبي أنه صدوق قد يخطئ ، ونقل الأخير عن أحمد قوله : له منكرات .

أو دعنا من ذا .. فالطبري رواه من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث وفيه غفلة ولين ولا يحتمل مثله تفرده بهذا اللفظ ..
وإلا !! كان الاحتجاج بأثر هشام بن حجير أولى منه قبولا ..

وأعتذر على التعقيب ..
فأنت في مقام الأستاذية وأنا الطالب الجهول ..
فاغفر لي تسوري وتطفلي ..
بارك الله فيك وسدد خطاك ..
 
عودة
أعلى