علي هاني يوسف
New member
- إنضم
- 09/01/2008
- المشاركات
- 81
- مستوى التفاعل
- 2
- النقاط
- 8
[h=1]مقدمات السورة :[/h][h=1]تسميتها :[/h]سميت هذه السورة عند السلف { سورة الطور } دون واو .
[h=1]الأحاديث الواردة فيها :[/h]. وأخرج البخاري وغيره عن أم سلمة قالت : ( شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أشتكي[1] ! فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ، فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت ، يقرأ بالطور وكتاب مسطور )
وقال مالك ، عن الزهري ، عن محمد بن جُبَير بن مطعم ، عن أبيه : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، فما سمعت أحدا أحسن صوتا - أو قراءة - منه . أخرجاه من طريق مالك
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جبير بن مطعم قال : «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور »
[h=1]مقصود السورة :[/h][h=1]مقصد السورة في جملة : إثبات الوحي وتحقيق وقوع العذاب للمكذبين بالوحي وبما يخبر به وبمن أنزل عليه الوحي .[/h]مقصد السورة باختصار : الوحي وما يتعلق به من إثبات وتهديد لمكذبه وتبشير لمصدقه
فالسورة تركز على الوحي وإثبات الوحي وتتحداهم أن يأتوا بمثله وذكر أدلة الوحي وما يخبر به من التوحيد و غيره ودفع شبهات المكذبين بالوحي وبما جاء به ومن أنزل عليه وتهديد المكذبين به بالعذاب الدنيوي والأخروي المحقق الوقوع وتبشير المؤمنين بالوحي وما يخبر به المشفقين من العذاب والتصبير للنبي صاحب الوحي وناقله بأنه بأعيننا وماذا عليه أن يفعل في مقابل تكذيبهم من التسبيح والذكر والصلاة ه
ولذلك بدئت بالطور الذي أوحي لسيدنا موسى عنده وكان جواب القسم تحقيق العذاب { إن عذاب ربك لواقع} وختمت بالتبشير بعذاب أعدائه وحثه على ما يصبره ويثبته .
التفصيل لمقصد السورة :
· فكأن السورة تقول الوحي صادق وليس ببدع فهذه رسالة موسى ،فالذين يقولون كاهن ومجنون وساحر ويكذبون بالتوحيد ويشركون ونحو ذلك كاذبون معذبون دنيا وأخرى بعذاب واقع لا محالة فالبعث والجزاء الدنيوي والأخروي حق وعذابه شديد دنيا وأخرى ، فإياكم من إنكار الوحي والتوحيد والبعث و العذاب لظنكم العجز له سبحانه فدلائل قدرته عظمية مبثوثة ودلائل قدرته موجودة في الآفاق كالسماء والبحر المسجور.
· والله سبحانه عظيم خالق مدبر يخضع له كل شيء ، ومنهم الملائكة العظام ، وحق له ذلك فعظمته وخلقه للعالم لا سيما السقف المرفوع والبحر المسجور وغيرها
· فآمنوا برسالة رسوله ووحده واعبدوه وسبحوه وصلوا له في كل الأوقات لا سيما في الليل وأشفقوا في أهلكم وادعوه لتنالوا النعيم الدائم
· وتسميتها الطور أنسب اسم وأدله على مقصودها وهو الوحي وإثبات الوحي وما يتبعه قال المهايميّ : سميت به لأنه لما تضمن تعظيم مهبط الوحي ، فالوحي أولى بالتعظيم ، فيعظم الاهتمام بالعمل ـ ـ وهذا من أعظم مقاصد القرآن .
· وهذا أدق مما ذكر جماعة من المفسرين كالبقاعي والميزان وغيرهما :
· قال البقاعي :مقصودها تحقيق وقوع العذاب الذي هو مضمون الوعيد المقسم على وقوعه في الذاريات الذي هو مضمون الإنذار المدلول على صدقه في ق ، فإن وقوعه أثبت وأمكن من الجبال التي أخبر الصادق بسيرها ــ ـ وقد بان أن اسمها أدل ما يكون على ذلك بملاحظة القسم وجوابه حتى بمفردات الألفاظ في
· قال الطباطبائي :غرض السورة إنذار أهل التكذيب والعناد من الكفار بالعذاب الذي أعد لهم يوم القيامة فتبدأ بالإنباء عن وقوع العذاب الذي أنذروا به وتحققه يوم القيامة بأقسام مؤكدة وأيمان مغلظة ، وأنه غير تاركهم يومئذ حتى يقع بهم ولا مناص ثم تذكر نبذة من صفة هذا العذاب والويل الذي يعمهم ولا يفارقهم ثم تقابل ذلك بشمة من نعيم أهل النعيم يومئذ وهم المتقون الذين كانوا في الدنيا مشفقين في أهلهم يدعون الله مؤمنين به موحدين له . ثم تأخذ في توبيخ المكذبين على ما كانوا يرمون النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما أنزل عليه من القرآن وما أتى به من الدين الحق . و تختم الكلام بتكرار التهديد والوعيد وأمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتسبيح ربه . والسورة مكية كما يشهد بذلك سياق آياتها " اهـ.
[h=1]ارتباطها بما قبلها وبما بعدها :[/h]· هناك مناسبات كثيرة بين سورة الطور وسورة الذرايات التي قبلها :
· فمن مناسبة أولها لآخر ما قبلها اشتمال كل على الوعيد ففي الذاريات { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) } وفي الطور { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)}
· والسورتان الكريمتان متشابهتان في المطلع والمقطع(الخاتمة) فإن في مطلع كل منهما تأكيد حصول الوعود ثم البداية بتفصيل جزاء المكذبين ثم ذكر صفة حال المتقين وفي مقطع كل منهما الوعيد بحصول العذاب للمكذبين .
· كلا السورتين بدأت بآيات كونية عظيمة فالذاريات بالرياح وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) وفي بداية الطور { وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)} فذكر الطور والسقف المرفوع وهو السماء والبحر المسجور
· وكذلك الذاريات ركزت في البداية بالرزق المحسوس للأجسام والطور ركزت على الرزق الروحي وهو الوحي { والطور وكتاب مسطور} والذاريات ، والذاريات أكدت صدق وعود الله سبحانه الشاملة لوعود الدنيا والآخرة والرحمة والعذاب ثم خصت حصول يوم القيامة وسورة الطور ركزت على حدوث العذاب في يوم القيامة
· الذاريات ذكرت السماء ذات الحبك والطور ذكرت السماء باسم السقف المرفوع
· إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) إِ
· فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16
· تشابه كبير في الذاريات في قول مختلف وفي الطور في خوض يلعبون
· في الذاريات يكشف لهم عن حالهم في ذوقهم النار التي يكذبونها والاستهزاء والتهكم بهم وتأكيد حصولها وكذلك الطور تماما
· ولما بدأت الذاريات إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع فصلت في الموعودات من العذاب الدنيوي والرزق وغيرها وأما الطور فقد بدأت { إن عذاب ربك لواقع } فركزت على عذاب الآخرة
· لاحظ التشابه ففي كل من السورتين ذكر وصف أحوال المتقين وأعمالهم :
· في الذاريات : "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)"
· في الطور: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)}
· كلتا السورتين بدأت { إن المتقين في جنات } وكلتا السورتين { ما آتاهم ربهم } لكن أجملت الذاريات النعيم في { آخذين ما آتاهم ربهم } وفصلت الطور ما هو الذي آتاهم ربهم . كلتا السورتين ذكرت أعمالهم سورة الذاريات ذكرت قيامهم لليل واستغفارهم وأما الطور فذكرت كنا في أهلنا مشفقين وذكرت دعاءهم
· واختيار كل واحد مناسب لموضوع السورة سورة الذاريات ذكرت إعطاءهم للفقراء وهذا أنسب بعدم الخوف على الرزق الذي فصل في الذاريات
· مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ مناسبة للكتاب المسطور
· 19) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20){ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48)} وهذا مناسب ة { والسقف المرفوع والبحر المسجور } ذكرت آية سمائية وآية أرضية.
· كلتا السورتين بدأت بالقسم وقد سميّت الطور لأن الله تعالى بدأ بالقسم بجبل الطور وسميت الذاريات بذلك لأن الله تعالى بدأ فيها بالقسم بالذاريات ، والذاريات أقسم فيها بشيء واحد له أربع أوصاف { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (} وسورة الطور أقسمت بخمسة أشياء { وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ 6}
· كلتا السورتين ذكرت قصة تناسب موضوع السورة : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)} وفي الذاريات قصة سيدنا إبراهيم
· في كلتا السورتين تصبير النبي صلى الله عليه وسلم وحث على الاستمرار في الدعوة ففي الذاريات { فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فأخذناه } { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)} وفي الطور { فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)}
· وتوجد أمور كثيرة أخرى تركتها اختصارا كنفي الشرك والاستدلال بالمخلوقات على وجوب توحيده سبحانه ودفع الشبهات في عن الموضوع الذي تثبته كل سورة منهما وغير ذلك مما قال فيه الآلوسي : " ولا يخفى ما بين السورتين الكريمتين من الاشتراك في غير ذلك
[h=1]تناسب خواتيم الطور مع فواتح النجم[/h]ختم سورة الطور: بقوله سبحانه (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)) وجاءت السورة التي بعدها سورة النجم وبدأت (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)) إدبار النجوم والنجم إذا هوى أي إذا سقط وغرب، فإدبار النجوم هو النجم إذا هوى.
في خاتمة الطور: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) وأوائل سورة النجم في المعراج (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10))،قال السامرائي: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) لأنه بداية للذهاب إلى موطن التسبيح والتحميد وهو السماء العُلا. (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) ستذهب إلى الملأ الأعلى وهو المملوء بالتسبيح والتحميد. هذا ارتباط ظاهر: إدبار النجوم - والنجم إذا هوى، (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) كأنه توجيه له للاستعداد للذهاب إلى السموات العُلا.
[h=1]مكيتها :[/h]مكية بإجماع من المفسرين والرواة منهم ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم قال الآلوسي : ولم نقف على استثناء شيء منها.
[h=1]عدد آياتها : [2][/h]وهي تسع وأربعون آية في العد الكوفي والشامي ، وثمان وأربعون في البصري ، وسبع وأربعون في المدنيين والمكي (حجازي)
[h=1]عدد كلماتها :[/h]الخازن :( وثلاثمائة واثنتا عشرة كلمة وألف وخمسمائة حرف [3]
[h=1]مناسبة المطلع لجميع السورة :[/h]المطلع : الطور يمثل الاستشهاد على صحة الوحي الذي ينكرونه برسالة موسى عليه السلام وكلام الله مع موسى عليه السلام فذكر الطور يشير أن سيدنا محمدا ليس بدعا من الرسل وأن رسالته كذلك
ثم بعد أن أقسم بسيد الجبال واستدل على رسالة سيدنا محمد أقسم بسيد الكتب وهو القرآن الكريم على الأصح الذي موضوع السورة يدور حوله وحول ما أتى به من التوحيد والبعث والوعد والوعيد .
وأما البيت المعمور فهي تمثل عبادة العابدين المنقادين لله الخاضعين له فذكرت سيد البيوت بعد ذكر سيد الجبال وسيد الكتب وكأنها تقول لمن أعرض الله سبحانه غير محتاج لعبادتكم وأنتم الفقراء إليه ثم يقول لهم اقتدوا بملائكتي في عبادتي وتوحيدي وانظري لعظمتي التي خضعت له الملائكة العظام فأنا أستحق أن أوحد
وأما السقف المرفوع فتمثل عظمة الله سبحانه الذي يستحق أن يعبد ويوحد وهو الذي يستدل به العابدون على عظمة الله سبحانه ، والسماء المرفوعة فيها من عجائب الصنعة مالا يقادر قدره
وأما البحر المسجور فهو يمثل القوة العظيمة له سبحانه في الجمع بين الماء والنار وهذا يدل على عظمة كبيرة تحث العابدين على العمل وتهدد الكفار بعذاب النار الموجود في هذه السورة {والبحر المسجور} أنسب شيء يذكر مع السماء في مشهد . في انفساحه وامتداده . وهو آية فيها رهبة ولها روعة . تؤهلانه للذكر مع هذه المشاهد المقسم بها على الأمر العظيم
· و هذه مخلوقات أقسم الله بها تنبيهاً على عظمتها وتشريفاً ، وليكون ذلك سبب النظر فيها والاعتبار بها ، وذلك يؤول إلى الإيمان بالوحي والتوحيد والمعرفة بحقوق الله وتحقيق وتأكيد البعث ووقوع العذاب بالكافرين يوم البعث والجزاء فهي أمُورٌ عظِامٌ تنبئ عنْ عِظمِ قدرةِ الله تعالَى و كمال قدرته ، وصدق أخباره
· ويوجد تناسب بين ذكر الطور(جبل) حصل عنده وحي ، كتاب ، البيت (الذي للعبادة) ، السقف( السماء) يستدل به على عظمة المعبود ، والبحر المسجر تحته نار
ثم تعقيب ذلك بالعذاب وتأخير البحر المسجور ليعقبها العذاب
فذكر الوحي أولا وختم بالنار التي تحت البحر والعذاب مع الدلالة على القدرة في غاية البراعة
مع قصر الآيات التي فيها نغمة قوية كالقذائف المناسبة لدحض شبهات الشاكين
ثم ذكر السماء التي تمور بعد تسميتها السقف المرفوع
وذكر الجبال تسير والتعبير عنها بالجبال الدال على الضخامة بعد ذكره باسم الطور المناسب للوحي
ثم تكذيب المكذبين بعدما جاءهم الوحي المعبر عنه بالطور وكتاب مسطور وبعد عبادة العابدين فعبادتهم مستغنى عنها والله الغني وبعد ظهور الدلائل والأدلة المعبر عنها بالسقف المرفوع والبحر المسجور وبعد التهديد بالقوة على العذاب المعبر عنها كذلك بالبحر المسجور فتكذيبهم وخوضهم ولعبهم غريب وشاذ يستحق العذاب عليه وما أجمل ذكر جزاء المتقين الذين آمنوا بالوحي وعبدوا الله كعبادة الملائكة ودعوه وأشفقوا منه واستدلوا على قدرته بآياته وخافوا عذابه وقدرته على عذابهم
وما أنسب البدء بالطور وكتاب مسطور في الرد عليهم في قولهم كاهن ومجنون وشاعر وتقوله
وما أنسب ذكر البيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور في الدلالة على أنه سبحانه الخالق لهم المستحق أن يعبد وأنه تعالى أن يكون له شريك وأنهم لم يخلقوا أنفسهم ولا السماوات والأرض ولا يملكون شيئا من خزائنهما وأنه لا شريك له ولا ولد وأن كيدهم ضد من هذا خلقه وضد رسول من هذا خلقه
وما أنسب رد العجر على الصدر في فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون مع إن عذاب ربك لواقع
وكذلك ذكر التسبيح بحمد ربك وقيام الليل والتسبيح في الليل مع الطور الذي فيه تعبد موسى أربعين يوما وكلمه الله سبحانه وناجاه والبيت المعمور
وما أنسب ذكر إدبار النجوم مع السقف المرفوع .
قال سيد قطب : ( والطور . وكتاب مسطور . في رق منشور . والبيت المعمور . والسقف المرفوع . والبحر المسجور . إن عذاب ربك لواقع . ما له من دافع . يوم تمور السماء مورا . وتسير الجبال سيرا . فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون . يوم يدعون إلى نار جهنم دعا . هذه النار التي كنتم بها تكذبون . أفسحر هذا ? أم أنتم لا تبصرون ? اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا ، سواء عليكم ، إنما تجزون ما كنتم تعملون ) هذه الآيات القصيرة ، والفواصل المنغمة ، والإيقاعات الفاصلة ، تصاحب السورة من مطلعها . وهي تبدأ كلمة واحدة . ثم تصبح كلمتين . ثم تطول شيئا فشيئا حتى تبلغ في نهاية المقطع اثنتي عشرة كلمة . مع المحافظة الكاملة على قوة الإيقاع .
[h=1]مناسبة القسم لجواب القسم :[/h][h=1]الكلام على نغمة السورة وإيقاعاتها :[/h]هذه السورة تمثل حملة عميقة التأثير فى القلب البشري . ومطاردة عنيفة للهواجس والشكوك والشبهات والأباطيل التي تساوره وتتدسس إليه وتختبئ هنا وهناك في حناياه . ودحض لكل حجة وكل عذر قد يتخذه للحيدة عن الحق والزيغ عن الإيمان . . حملة لا يصمد لها قلب يتلقاها ، وهي تلاحقه حتى تلجئه إلى الإذعان والاستسلام ! وهي حملة يشترك فيها اللفظ والعبارة ، والمعنى والمدلول ، والصور والظلال ، والإيقاعات الموسيقية لمقاطع السورة وفواصلها على السواء . ومن بدء السورة إلى ختامها تتوالى آياتها كما لو كانت قذائف ، وإيقاعاتها كما لو كانت صواعق ، وصورها وظلالها كما لو كانت سياطا لاذعة للحس لا تمهله لحظة واحدة من البدء إلى الختام !
وتبدأ السورة بقسم من الله سبحانه بمقدسات في الأرض والسماء . بعضها مكشوف معلوم ! وبعضها مغيب مجهول : ( والطور . وكتاب مسطور . في رق منشور . والبيت المعمور . والسقف المرفوع ) . .
القسم على أمر عظيم رهيب ، يرج القلب رجا ، ويرعب الحس رعبا . في تعبير يناسب لفظه مدلوله الرهيب ؛ وفي مشهد كذلك ترجف له القلوب : ( إن عذاب ربك لواقع . ما له من دافع ، يوم تمور السماء مورا ، وتسير الجبال سيرا ) . .
وفي وسط المشهد المفزع نرى ونسمع ما يزلزل ويرعب ، من ويل وهول ، وتقريع وتفزيع : ( فويل يومئذ للمكذبين ، الذين هم في خوض يلعبون . يوم يدعون إلى نار جهنم دعا . هذه النار التي كنتم بها تكذبون . أفسحر هذا ? أم أنتم لا تبصرون ? اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا ، سواء عليكم ، إنما تجزون ما كنتم تعملون ) . .
هذا شوط من حملة المطاردة . يليه شوط آخر من لون آخر . شوط في إطماع القلوب التي رأت ذلك الهول المرعب - إطماعها في الأمن والنعيم . بعرض صورة المتقين وما أعد لهم من تكريم . وما هيئ لهم من نعيم رخي رغيد ، يطول عرضه ، وتكثر تفصيلاته ، وتتعدد ألوانه . مما يستجيش الحس إلى روح النعيم وبرده ؛ بعد كرب العذاب وهوله : ( إن المتقين في جنات ونعيم . فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم . كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون . متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين . والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ، وما ألتناهم من عملهم من شيء ، كل امرئ بما كسب رهين . وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون . يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم . ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون . وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون . قالوا : إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين . فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم . إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم ) . .
والآن وقد أحس القلب البشري سياط العذاب في الشوط الأول ؛ وتذوق حلاوة النعيم في الشوط الثاني . . الآن يجيء الشوط الثالث يطارد الهواجس والوساوس ؛ ويلاحق الشبهات والأضاليل ؛ ويدحض الحجج والمعاذير . ويعرض الحقيقة بارزة واضحة بسيطة عنيفة . تتحدث بمنطق نافذ لا يحتمل التأويل ، مستقيم لا يحتمل اللف والدوران . يلوي الأعناق ليا ويلجئها إلى الإذعان والتسليم . . ويبدأ هذا الشوط بتوجيه الخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ليمضي في تذكيره لهم ، على الرغم من سوء أدبهم معه ؛ وليقرعهم بهذا المنطق النافذ القوي المستقيم : فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون . أم يقولون : شاعر نتربص به ريب المنون ? قل : تربصوا فإني معكم من المتربصين . أم تأمرهم أحلامهم بهذا ? أم هم قوم طاغون ? أم يقولون تقوله ? بل لا يؤمنون . فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين . أم خلقوا من غير شيء ? أم هم الخالقون ? أم خلقوا السماوات والأرض ? بل لا يوقنون . أم عندهم خزائن ربك ? أم هم المصيطرون ? أم لهم سلم يستمعون فيه ? فليأت مستمعهم بسلطان مبين . أم له البنات ولكم البنون ? أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ? أم عندهم الغيب فهم يكتبون ? أم يريدون كيدا ? فالذين كفروا هم المكيدون . أم لهم إله غير الله ? سبحان الله عما يشركون . .
وعقب هذه الأسئلة المتلاحقة . بل هذه القذائف الصاعقة . التي تنسف الباطل نسفا ، وتحرج المكابر والمعاند ، وتخرس كل لسان يزيغ عن الحق أو يجادل فيه . . عقب هذا يصور تعنتهم وعنادهم في صورة الذي يكابر في المحسوس : ( وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا : سحاب مركوم ) . والفرق بين قطعة السماء تسقط وبين السحاب واضح ، ولكنهم هم يتلمسون كل شبهة ليعدلوا عن الحق الواضح .
هنا يلقي عليهم بالقذيفة الأخيرة . قذيفة التهديد الرعيب ، بملاقاة ذلك المشهد المرهوب ، الذي عرض عليهم في مطلع السورة : ( فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون . يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون ) . . كما يهددهم بعذاب أقرب من ذلك العذاب : ( وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ، ولكن أكثرهم لا يعلمون ) . .
ثم تختم السورة بإيقاع رضي رخي . . إنه موجه إلى الرسول الكريم الذي يقولون عنه : ( شاعر نتربص به ريب المنون ) . . ويقولون : كاهن أو مجنون . موجه إليه من ربه يسليه ويعزيه في إعزاز وتكريم . في تعبير لا نظير له في القرآن كله ؛ ولم يوجه من قبل إلى نبي أو رسول : ( واصبر لحكم ربك ، فإنك بأعيننا ، وسبح بحمد ربك حين تقوم ، ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم ) . .
إنه الإيقاع الذي يمسح على العنت والمشقة اللذين يلقاهما الرسول الكريم ، من أولئك المتعنتين المعاندين ، الذين اقتضت مواجهتهم تلك الحملة العنيفة من المطاردة والهجوم . .
[h=1]وَالطُّورِ (1)[/h][h=1]طور :[/h][h=1]المراد بالطور :[/h][h=1]القول الأول :[/h] النسفي ،البيضاوي الواحدي الآلوسي وابن عاشور البغوي و البقاعي و حبنكة و نوف البكالي سيد قطب الشنقيطي ابن القيم السعدي
· أقسم ربنا جل جلاله بالطور الذي كلم موسى عليه السلام بجانبه وأنزل عليه فيه الألواح المشتملة على أصول شريعة التوراة ، اقسم به تعظيما لشأنه وتشريفا له لفضله على الجبال، وتكريما وتذكيرا لما فيه من الآيات والدلالة على نبوة سيدنا محمد وصحة رسالته ، لما كانوا يقولون عما أتاهم به الرسول صلى الله عليه وسلم : إنه سحر خيال لا حقيقة له ، أقسم بالجبل الذي أنزل التوراة وكلم موسى عنده لأنهم كانوا يعظمون أهل الكتاب ويسألونهم والطور والتوراة التي أنزلت عنده وكلام الله لموسى أمور تعلمها بنو إسرائيل الذين يستنصحهم العرب ويسألونهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ويرضون بقولهم ، وقد نال ذلك الجبل من الأنوار والتجليات والفيوضات الإلهية ما جعله مكانا وبقعة مشرفة على سائر الجبال في بقاع الأرض .
· وسبق أن أقسم به في سورة التين مع ثلاثة من مهابط الوحي { بلاد التين والزيتون والبلد الامين }
· وهو طور سيناء أي الطور الموجود في برية وصحراء سيناء (سينين) التي هي بقعة في الأصل من الشام فهي من بلاد فلسطين في القديم ، وسناء اسم الصحراء أضيف إليه الطور يعرف به فإضافة الطور إلى سينين تعريف له ،، كما قيل جبلا طيّىء ، فأضيفا إلى طيىء ، وهذا الجبل في سيناء التي بين مصر(خليج السويس ) وأيلة ، (العقبة)، وهذا الجبل واقع في جنوب سيناء متمايلا إلى جهة الجنوب ، و(ال) فيه للعهد ، ثم صار علما بالغلبة على طور سينا الذي ناجى فيه موسى عليه السلام ، فكلمة (طور) تطلق على الجبل مطلقا فهو اسم جنس يطلق على كل جبل بالعربية ومنه قول العجاج :
دَانَى جنَاحَيْهِ مِنَ الطّورِ فَمَرّ تَقَضّيَ البازِي إذا البازِي كَسَرْ
ويطلق بالسريانية (طورا)[4] ، و الآرامية[5]، و العبرية[6]، النبطية ، و الكنعانية وقيل هو مما عرب والأصح أنه عربي الأصل لأن اللغات المذكورة هي لغات عربية قديمة وإن سموها اللغات السامية لاشتراكها في اصل واحد لكن هي عربية تطورت كما هو شأن اللغات قال ابن فارس : أصل يدل على الامتداد في شيء من مكان أو زمان قال في معجم البلدان : طور في كلام العرب الجبل وقال بعض أهل اللغة : لا يسمى طورا حتى يكون ذا شجر ولا يقال للأجرد طور قال المعجم الاشتقاقي في مادة ط ور : الأصل الواحد هو الامتداد حول الشيء أو بإزائه كطوار الدار والفناء وهو ما كان ممتدا معها من الفناء
· وقيل إنه لا يسمى طورا إلا إذا كان فيه نبات فهو الجبل ذو النبات ويرده قولهم (تورا بورا) أي الجبل البائر وقيل لا يسمى كذلك إلا إذا كان شديد الارتفاع
· يروى بعض الباحثين أنه المسمى الآن بجبل موسى [7]وهذا الجبل يوصف بأنه عظيم الارتفاع ومن غير الممكن تسلقه لأنه حاد الصخور وشديد الانحدار ولا يستطيع أحد أن يطيل النظر إليه دون ان تؤلمه عيناه لأنه شديد التوهج الضوئي
[h=1]القول الثاني : أنه جبل الطور قرب القدس[/h][h=1]القول الثالث : جبل بمدين[/h][h=1]القول الرابع : الطور اسم جنس لا جبل معين[/h]قال أبو حيان: الطور : الجبل ، والظاهر أنه اسم جنس ، لا جبل معين ، وفي الشأم جبل يسمى الطور ، وهو طور سيناء . ، قال الآلوسي رادا على أبي حيان مرجحا للأول : واستظهر أبو حيان أن المراد الجنس لا جبل معين ، وروى ذلك عن مجاهد . والكلبي ، والذي أعول عليه ما قدمته .
· الراجح : والأرجح أن المقصود به هو الطور المعروف في القرآن ، المذكور في قصة موسى - عليه السلام - والذي نزلت فوقه الألواح لأنه هو المراد في جميع المواضع التي ذكرت في القرآن وهو قول الجمهور الذي تشهد له السياقات القرآنية .
[h=1]الواوات التي في بداية السورة :[/h]السمين الحلبي قوله : { وَالطُّورِ } : وما بعدَه أقسامٌ جوابُها : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } ، والواواتُ التي بعد الأولى عواطفُ لا حروفُ قسمٍ لِما قَدَّمْتُه في أولِ هذا الموضوعِ عن الخليل.
قال ابن عاشور: والواوات التي في هذه الآية كلها واوات قسم لأن شأن القسم أن يعاد ويكرر ، ولذلك كثيراً ما يُعيدون المقسم به نحو قول النابغة :
والله والله لنعم الفتى وإنما يعطفون بالفاء إذا أرادُوا صفات المقسم به .
ويجوز صرف الواو الأولى للقسم واللاتي بعدها عاطفات على القسم ، والمعطوف على القسم قسم .
[h=1]يذكر علماء البلاغة في أوائل هذه السورة :[/h] النغمة الرصينة المتوازنة غير المتكلف [ والطور وكتاب مسطور في رق منشور ] ومثل [ إن عذاب ربك لواقع ، ما له من دافع ] وهو من المحسنات البدبعية .
[h=1]الطور لغة :[/h][h=1]الطور والجبل من حيث الاستعمال القرآني :[/h]القرآن الكريم من دقته المتناهية التي تشهد أنه أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض يستعمل مع كل قوم اللغة التي كانوا يتحدثون بها فيستعمل اليم مع بني إسرائيل وبعل بمعنى الزوج مع سيدنا إبراهيم وسيد بمعنى الزوج مع الهيكسوس { وألفيا سيدها لدى الباب} ويستعمل فوم مع بني إسرائيل وإلياسين وسينين والجبت وغيرها كثير ، فلذلك استعمل الطور مع سيدنا موسى ثم صار علما بالغلبة ، وأما الجبل فيستعمله في غير هذا لكن يبقى السؤال لم استعمل الجبل في الموضع الذي كان يستعمل فيه الطور في سورة الأعراف { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة } يجيب عن هذ ا السامرائي
قال السامرائي :قال تعالى في سورة البقرة { ورفعنا فوقكم الطور } { ورفعها فوقهم الطور بميثاقهم } في النساء {وقال في الأعراف { وإذ نتقنا الجبل } فاستعمل الطور في آيتي البقرة والنساء واستعمل الجبل في آية الأعراف ذلك أن التهديد في آية الأعراف أشد فاستعمل لفظ الجبل لفظة نتقنا لأن المقام في الأعراف مقام الإفاضة في ذم بني أسرائيل وبيان العقوبات و الجبل اسم لما طال وعظم من أوتاد الأرض ولا يشترط في الطور ذلك فالجبل أعظم من الطور ولذلك يجيء في مقام التهويل { قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل} فانظر كيف اختار لفظ الجبل على الطور للدلالة على عظم التجلي وأثره ولذلك أيضا ذكر لفظ الجبال دون الأطوار في مقام التهويل والتعظيم والدلالة على القدرة التي لا تحد فقال { ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا } { وإذا الجبال سيرت } { وا{ وإذ نتقنا فوقهم كأنه ظلة } " ااهـ ويؤكد ما قاله السامرائي ما قال البقاعي ":{ الجبل } عرفه لمعرفتهم به ، وعبر به لدلالة لفظه على الصعوبة والشدة دون الطور - كما في البقرة - لأن السياق لبيان نكدهم بإسراعهم في المعاصي الدالة على غلظ القلب قال ابن فارس : أصل واحد هو تجمع الشيء في ارتفاع فالجبل معروف والجبل الجماعة العظيمة الكثيرة ويقال للناقة العظيمة السنام جبلة
قال لسان العرب : الجبل اسم لكل وتد من أوتاد الأرض إذا عظم وطال قال التحقيق : الأصل الواحد في هذه المادة : هو ما يكون فطريا وعظيما فالقيدان [ الفطرة والعظمة ] مأخوذان في جميع مشتقاتها وإذا استقرأنا الآيات التي فيها الجبال نجدها ذكرت في الموارد التي تنفهم العظمة الطبيعية منها قال المعجم الاشتقاقي : الجبل اسم لكل وتد من أوتاد الأرض إذا عظم وطال من الأعلام والأطوار والمعنى المحوري : تجمع عظيم شديد الأثناء مع غلظ هيأة كالجبل والسنام"
وبهذا يظهر أن الجبل: اسم لما طال وعظم من أوتاد الأرض مع غلظ وهيأة والمادة تدل على : تجمع عظيم شديد الأثناء وصعوبة وشدة دون الطور .
[h=1]الآيات التي وردت فيها كلمة الطور :[/h]{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63}
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}
{ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}
{ وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (} {
{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ}
{ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ}
{ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْ}
{ وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي},
[h=1]بعض الآيات التي ورد فيها الجبال :[/h]{ وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا}
{ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}
{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَ}
{ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46}
{ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا}
{ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا}
{ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}
{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ}
{ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّاؤ
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105}
[h=1]ملحقان تتميما للفائدة :[/h][h=1]الملحق الأول: توضح معنى سيناء واشتقاقها وما يتبع ذلك :[/h][h=1]سيناء : اسم البرية التي فيها الجبل على الأصح كما هو كذلك وقد رجحه الزجاج والواحدي وجمهور العلماء[/h][h=1]اشتقاق سيناء وأصلها :[/h][h=1]القول الأول : وهو الأصح[/h]قال في تاريخ سينا : واما سيناء فلغة الحجر قيل سميت البلاد سيناء لكثرة جبالها وقيل اسم سيناء مأخوذ من السين بمعنى القمر في العبرانية لأن أهلها كانوا يعبدون القمر قديما
قال المعجم الاشتقاقي: قال الزجاج إن سيناء حجارة وهو اسم مكان ـ ثم قال بعد سرد الأقوال ـ وأوثق ما نخرج به أنه اسم علم للبقعة والشجرة التي تنبت بالدهن هي شجرة الزيتون وليست غريبة على تلك البقعة واما أن يكون اسم سينا او سينين معناه حسن أو مبارك فلا سبيل إلى تحقيقه وأما على قول الزجاج إن سيناء حجارة فهي قريبة من كلمة (سِنَّ) التي تعبر عن مادة صلبة لها جانب أو نتوء دقيق حاد والشائع في حجارة الجبال والصحراء أن تكون كذلك أو قريبا منه والمعنى المحوري : فيكون معنى التركيب الصحراء الحجرية أي التي تعلو وجهها الحجارة الدقيقة
[h=2]القول الثاني :[/h]نبطي سرياني حبشي ( سيناء ) بالحبشية هو الحسن أو المبارك من سيناء فمعنى طور سيناء : جبل البركة (الخير الكثير) أو جبل الحسن
استعمال سيناء وسينين :
البقاعي ولما كان السياق للإمداد بالنعم ، ناسبه المد فقال : { سيناء
البقاعي
ولما كان الكلام في التقويم ، كان المناسب له صورة جمع السلامة فقال تعالى : { سينين}
يقول علي هاني : وأيضا استعمال (ين) في اللغات القديمة يفيد التعظيم كما في { إل ياسين} لإلياس لما أراد سبحانه مدحه أضاف هذه الإضافة ، فلما كان المقام مقام مدح وتعظيم في سورة التين استعمله .
[h=1]معنى شجرة تخرج من طور سيناء :[/h][h=1]{ وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن} :[/h]وفي تخصيصها بالخروج منه ، مع خروجها من سائر البقاع قولان :
[h=1]القول الأول: لتعظيمها قال الآلوسي : ولعل جعله للتعظيم أولى فيكون هذا مدحاً لها باعتبار مكانها[/h][h=1]القول الثاني: لأنه المنشأ الأصلي لها لأن أصل الزيتون من الشام ، وأول ما نبت في الطور ، ومنه نُقل إلى سائر البلاد قال ابن عاشور : قيل هو اسم نبطي وقيل هو اسم حبشي ولا يصح . وإنما اغتر من قاله بمشابهة هذا الاسم لوصف الحَسَن في اللغة الحبشيَّة وهو كلمة سَناه ، ومثل هذا التشابه قد أثار أغلاطاً .[/h][h=1]تعريف بصحراء سيناء :[/h]قال في معجم البلدان : سينا اسم موضع بالشام يضاف إليه الطور ، وهو الجبل الذي كلم الله تعالى به موسى
قال في تاريخ سينا: شبه جزيرة سنيا أخذت شكل مثلث قعد على البحر المتوسط وانقلب على رأسه فدخل كالسفين في رأس البحر الأحمر وشطره شطرين وهما خليج العقبة وخليج السويس وشبه الجزيرة في الاصل هي البلاد الواقعة بين هذين الشطرين المعروفة الآن ببلد الطور ثم امتدت اداريا فشملت بلاد التيه ثم بلاد العريش في الشمال فأصبح حدها من الشمال البحر المتوسط ومن الغرب ترعة السويس وخليج السويس ومن الجنوب البحر الأحمر ومن الشرق خليج العقبة وينتهي عند رفح
قال التحقيق : الأصل الواحد في هذه المادة هو المعنى الواحد الاسمي وهو الأرض المحدودة من القطعة الواقعة بين أراضي الحجاز ومصر والقدر المسلم المقطوع فيه هو القطعة الواقعة فيما بين خليج السويس وخليج العقبة أي مجموع الأراضي من انتهاء البحر الأحمر إلى انتهاء الخليجين في جهتي الشرق والغرب متوسطة بينها فتشمل جبال الطور وبلادها وجبال التيه إلى بلدة أيلة شرقا والسويس غربا ولكن المتداول في العرف هو امتدادها إلى البحر الأبيض شمالا فتنتهي إلى بلدة رفح شرقا وإلى بور سعيد غربا ومجموع هذه القطعة الواسعة يقرب من 30 ألف كيلو متر مربع وفي هذه البقعة جبال مرتفعة كجبل الطور وجبل المناجاة وجبل الصفصافة وجبل سربال وجبل حمام موسى وغيرها وأشهرها جبل طور سيناء وإليه تنسب الجزيرة وهو واقع في وسط جهة الشمال من البحر الأحمر قريبا من مسافة أربعين ميلا
[h=1]الملحق الثاني:[/h][h=1]مبحث في العد لآيات القرآن الكريم :[/h]اعلم أن الأعداد التي يتداولها الناسويعدون بها في سائر الآفاق ستة، على عدد المصاحف الموجَّه بها إلى الأمصار على صح الأقوال فيها، ولذلك كان لأهل المدينة الشريفة عددان وواحد لأهل مكة وواحد لأهل الشام وواحد لأهل الكوفة وواحد لأهل البصرة.
العدد المدني الأول وهو غير منسوب إلى أحد بعينه وإنما نقله أهل الكوفة عن أهل المدينة مرسلا (أي غير مقيد عن أحد معين) ولم يسموا في ذلك أحدا وكانوا يأخذون به وإن كان لهم عدد مخصوص.، وقد وهم من نسب عدد المدني الأول إلى أبي جعفر وشيبة وعدد المدني الأخير إلى إسماعيل ابن جعفر. وكأن الذي أوقعه في ذلك ما ذكر في بعض الكتب من أن نافعا روى عنهما عدد المدني الأول وأن أبا عمرو عرض العدد المذكور على أبي جعفر فإن رواية ذلك عنهما لا تقتضي نسبته إليهما.قال أبو عمرو الداني : ذكر عدد الْمدنِي الأول وَهُوَ الْعدَد الَّذِي رَوَاهُ أهل الْكُوفَة عَن أهل الْمَدِينَة لم يسموا فِي ذَلِك أحدا بِعَيْنِه يسندونه إِلَيْهِ ذكر عدد الْمدنِي الْأَخير
العدد المدني الأخير منسوب إلى أبي جعفر بن يزيد بن القعقاع أحد العشرة وشيبة بن نصاح[8]. وقد رواه عنهما إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري بواسطة سليمان بن جماز ، و نسبته إلى إليهما أي إلى أبي جعفر وشيبة فهو مما لا ريب فيه قال أبو عمرو الداني ذكر عدد الْمدنِي الْأَخير: وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ إِسْمَاعِيل عَن ابْن جماز عَن شيبَة وَأبي جَعْفَر
العدد المكي وهو منسوب إلى عبد الله بن كثير أحد السبعة وهو يروي ذلك عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب
العدد الكوفي وهو مروي عن حمزة الزيات ، قال أبو عمرو الداني : العد الكوفي هو َ الْعدَد الَّذِي رَوَاهُ سليم وَالْكسَائِيّ عَن حَمْزَة وأسنده الْكسَائي إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَذكر سليم أَن حَمْزَة قَالَ هُوَ عدد أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَلَا أَشك فِيهِ عَن عَليّ إِلَّا أَنِّي أُجِيز عَنهُ.
قال في الإتقان : وأما العدد الكوفي فهو ما رواه الإمام الداني بسنده إلى حمزة بن حبيب الزيات والى سفيان الثوري، فأما حمزة فروى عن ابن أبي ليلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عليبن أبي طالب " اهـ
قال الفيروز آبادي عن العدد الكوفي أنه أعلى الأعداد سندا وأصحها سندا
العدد البصري وهو مروي عن عاصم الجحدري.
العدد الشامي : وأما عدد أهل الشام فرواه هارون بن موسى الأخفش وغيره ، عن عبد الله بن ذكوان وأحمد بن يزيد الحلواني وغيره ، عن هشام بن عمار، ورواه ابن ذكوان وهشام عن أيوب بن تميم القارئ عن يحيى بن الحارث الذماري قال هذا العدد الذي نعده عدد أهل الشام مما رواه المشيخة لنا عن الصحابة ورواه عبد الله بن عامر اليحصبي لنا وغيره عن أبي الدرداء
[h=1]ما الذي يعتمده القراء العشرة في العد:[/h]فحمزة والكسائي يعتبران العدد الكوفي
ورش يعتمد المدني الأخير فما يعده المدني الأخير رأس آية يعده ورش كذلك وما لا فلا، وأما أبو عمرو فيعتمد في عد رءوس الآي على العدد البصري،
وذهب الجعبري تبعا للداني إلى أن ورشا وأبا عمرو يعتمدان المدني الأول. والقول الأول الذي قررنا أرجح وعليه العمل وقد ذهب إليه إمام الفن وابن الجزري
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[h=1]سبب الاختلاف في العد :[/h]سبب هذا الاختلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على رؤوس الآي تعليما لأصحابه أنها رؤوس آي حتى إذا علموا ذلك وصل صلى الله عليه وسلم الآية بما بعدها طلبا لتمام المعنى فيظن بعض الناس أن ما وقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليس فاصلة فيصلها بما بعدها معتبرا أن الجميع آية واحدة والبعض يعتبرها آية مستقلة فلا يصلها بما بعدها ، و الخطب في ذلك سهل لأنه لا يترتب عليه في القرآن زيادة ولا نقص.
قال أبو عمرو الداني : وهذه الأعداد وإن كانت موقوفة على هؤلاء الأئمة فإنَّما لها - لاشك - مادة تتصل بها، وإن لم نعلمها ، إذ كان كلّ واحدٍ منهم قد لقي غير واحد من الصحابة ، وشاهده وسمع منه أو لقيَ منْ لقي الصحابة مع أنّهم لم يكونوا أهل رأي واختراع ، بل كانوا أهل تمسك واتباع ، وبالله التوفيق
وقال السّخاويّ ما معناه :" ولو كان ذلك راجعا إلى الرأي لعدَّ الكوفيون (الر) آية، ولعدّوا (المر) كما عدُّوا (المص ) ولعدّوا (طس) كما عدّوا (يس) ولعدّوا (كهيعص) آيتين ،كما فعلوا في ( حم . عسق) ولعدَّ الشَّامِيُّ { قالوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } (البقرة: من الآية11) ) كما عدَّ { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (البقرة: من الآية7) ومثل ذلك كثير 0"(1)وليس يخفى على صاحب القرآن أن تقسيم السور إلى آيات لن يكون البتة راجعا إلى معيار لغوي نحوي أو معنوي ، فإنَّ غير قليل من آياته قد جاء فيها المسند إليه في آية والمسند في أخرى ، وجاء المعمول في آية وما تعلق به في آية أخرى ،وهذا كثر لا يخفى على ذي قلب .
قال السخاوى في جمال القراء (فان قيل) فما الموجب لاختلافهم في عدد آى القرآن (قلت) النقل والتوقيف (فان قيل) فلو كان ذلك توقيفيا لم يقع اختلاف (قلت) الامر في ذلك على نحو من اختلاف القراءات وكلها مع الاختلاف راجع للنقل..
[h=1]قال في الإتقان : سور القرآن بالنسبة للخلاف فيه بالعد ثلاثة أقسام :[/h]- قال الموصلي ثم سور القرآن على ثلاثة أقسام قسم لم يختلف فيه لا في إجمال ولا في تفصيل وقسم اختلف فيه تفصيلا لا إجمالا وقسم اختلف فيه جمالا وتفصيلا
فالأول : أربعون سورة يوسف مائة وإحدى عشرة الحجر تسع وتسعون النحل مائة وثمانية وعشرون الفرقان سبع وسبعون الأحزاب ثلاثة وسبعون الفتح تسع وعشرون الحجرات والتغابن ثمان عشرة ق خمس وأربعون الذاريات ستون القمر خمس وخمسون الحشر أربع وعشرون الممتحنة ثلاث عشرة الصف أربع عشرة الجمعة والمنافقون والضحى والعاديات إحدى عشرة التحريم اثنتا عشرة ن اثنتان وخمسون الإنسان إحدى وثلاثون المرسلات خمسون التكوير تسع وعشرون الانفطار وسبح تسع عشرة التطفيف ست وثلاثون البروج اثنتان وعشرون الغاشية ست وعشرون البلد عشرون الليل إحدى وعشرون ألم نشرح والتين وألهاكم ثمان الهمزة تسع الفيل والفلق وتبت خمس الكافرون ست الكوثر والنصر ثلاث
والقسم الثاني: أربع سور القصص ثمان وثمانون عد أهل الكوفة طسم والباقون بدلها أمة من الناس يسقون
العنكبوت تسع وستون عد أهل الكوفة الم والبصرة بدلها مخلصين له الدين والشام وتقطعون السبيل
الجن ثمان وعشرون عد المكي لن يجيرني من الله أحد والباقون بدلها ولن أجد من دونه ملتحدا العصر ثلاث عد المدني الأخير وتواصوا بالحق دون والعصر وعكس الباقون
والقسم الثالث سبعون سورة
الفاتحة الجمهور سبع فعد الكوفي والمكي البسملة دون أنعمت عليهم وعكس الباقون وقال الحسن ثمان فعدهما وبعضهم ست فلم يعدهما وآخر تسع فعدهما و إياك نعبد
فائدة :
عن جبير بن مطعم قال : قدمت المدينة لأسأل رسول الله (ص) فى أسارى بدر ، فوافيته يقرأ في صلاة المغرب [ والطور وكتاب مسطور . . ] فلما قرأ [ إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع ] فكأنما صدع قلبي ، فأسلمت خوفا من نزول العذاب ، فلما انتهى إلى هذه الآية [ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ، أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون ] ؟ كاد قلبي أن يطير .
[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[
[h=1]وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)[/h][h=1]وكتاب :[/h][h=1]المراد به :[/h][h=2]القول الأول : أنه القرآن الكريم[/h]الحسن البصري والرازي والقرطبي والشوكاني والصابوني وهميان الزاد واطفيش التيسير وابن عجيبة والشنقيطي وسيد ط والقاسمي المنتخب النسفي الميسر الشوكاني وقدمه البيضاوي والنسفي و لنيسابوري أجازه السعدي والقاسمي
[h=1]الأدلة :[/h][h=2]الدليل الأول:[/h]يؤيده { كلا إنه تذكرة في صحف مكرمة} { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } { يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ }
[h=2]الدليل الثاني :[/h]قال الشنقيطي: والأظهر أن الكتاب المسطور هو القرآن العظيم، وقد أكثر الله - عز وجل - من الإقسام به في كتابه كقوله تعالى: { حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) } [الزخرف: 1-2، الدخان 1-2]، وقوله تعالى: { يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)
[h=1]الدليل الثالث :[/h] أنه سبحانه أقسم بالطور للاستدلال على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وأن ما أتى به من وحي ليس بدعا فذكر الطور يستلزم ذكر التوراة لإقامة الحجة عليهم فمن المناسب للسورة التي ركز فيها كثيرا على الوحي وعلى الرد على منكري الوحي أن يكون القسم بالقرآن لا بالتورا ة ثم تنكير وكتاب مسطور مع تعريف البقية للتعظيم وتميز عن سائر الكتب أكمل تميز فلا يحصل لبس بتنكيره ، بحيث لا يسبق إلى أفهام السامعين من النبي - صلى الله عليه وسلم - لفظ الكتاب إلا ذلك، فلما أمن اللبس نكره حتى يتوصل إلى تعظيمه
[h=1]الدليل الرابع :[/h]ومما أُيّد به التفسير الذي ذكرناه وأنه هو الراجح -وهو أن الكتاب المسطور المقصود به القرآن الكريم- الربط دائماً بين سيدنا موسى عليه السلام وبين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وبين الأمة المحمدية وأمة بني اسرائيل، وبين التوراة وبين القرآن الكريم، وهذا كثير في القرآن الكريم، { والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين } قوله: ((وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ))، هذا إقسام ببلاد الشام، حيث ينبت التين والزيتون.
وقوله: ((وَطُورِ سِينِينَ))، حيث كلم الله موسى عليه السلام.
وقوله: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} [التين:3]، يعني: مكة، حيث أنزل الوحي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلمكقوله تعالى: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى}والكتاب الأساسي هو التوارة، أما الإنجيل فجاء مكملاً فقط للتوراة، لذلك قالت الجن كما حكى الله عنهم: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى}
[h=1]الدليل الخامس :[/h] اننا إذا فسرنا الكتاب المسطور بالقرآن يكون هناك تناسب مع موضوع السورة وسياقها وتناسب مع القسم لأنه يكون قد أقسم بسيد الجبال وسيد الكتب. ويكون ذلك متضمناً للنبوتين المعظمتين؛ نبوة موسى ونبوة محمد عليهما الصلاة والسلام، ثم أقسم بسيد البيوت وهو البيت المعمور
[h=1]ثم اختلفوا على ثلاثة آراء :[/h][h=2]الرأي الأول : الحسن البصري وابن القيم وابن أبي زمنين وقدمه في الذكر ابن بطال في شرح البخاري وأجازه السامرائي .[/h] أنه القرآن مكتوب في رق من جلد رقيق مكتوب مبسوط دائما مفتوح مهيأ للقراءة لتقرأه الملائكة وتطلع عليه جعل معرضاً لنظر كل ناظر من الملائكة غير مطوي عنهم وهذا يدل على وضوحه لأن المنشور يعلم ما فيه ، فليس كالكتاب المطوي الذي لا يعلم ما انطوى عليه ، و للإشارة إلى صحة الكتاب وسلامته من الخطأ حيث آمنا عليه من الاعتراض ويؤيده { كلا إنه تذكرة ـ ـ ـ في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة }قال الحسن : القرآن في أيدي السفرة " ، فالصحف هي الرق، وكونه بأيدي سفرة هو كونه منشوراً .[9] ويؤيده اسم المفعول منشور وذكر البيت المعمور قال السامرائي : الرَق قد يكون منشوراً لمن يراه في الملأ الأعلى
[h=2]الرأي الثاني : أنه القرآن الكريم مكتوب عند المؤمنين يتلونه[/h]· أنه مبسوط في أيدي الناس يقرؤونه وخص هذه الحال بالإقسام وهي حال نشره لقراءته لأنها أشرف أحواله لأنها حالة حصول الاهتداء به للقارئ والسامع وأيضا هو في صحائف مبسوطة ظاهرة لكل من ينظر إليها مكتوب مسطر ، لا تخفى حاله على كل عاقل بصير ، يرجعون إليه ويهتدون بهديه ، ويقرؤونه بسهولة ويسر ، ويطلعون على ما فيه من أحكام وحكم ، وآداب وأخلاق ، لا يمنعهم أحد من مطالعته والاهتداء بهديه سهل التداول مفتوح للقارئين ، غير مطوى عنهم
[h=2]الرأي الثاني: أنه القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ[/h][h=2]الرأي الرابع : الجمع بين قولين : القرطبي والقشيري والصابوني[/h]القرطبي : قوله تعالى : " وكتاب مسطور " أي مكتوب ، يعني القرآن يقرؤه المؤمنون من المصاحف ويقرؤه الملائكة من اللوح المحفوظ ، كما قال تعالى : " إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون القشيري: { وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } مكتوب في المصاحف ، وفي اللوح المحفوظ .
[h=1]القول الثاني :[/h] اللوح المحفوظ المتضَمِّن كلَّ الأمُور الذي قد كتب فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة يقرؤون فيه ، قالوا ويؤيده أن ما بعده والبيت المعمور والسقف المرفوع روي عن ابن عباس واختاره الطبراني الطوسي والطبرسي وابن برجان و أجازه كثيرون كابن كثير والخازن والبغوي والزمخشري والسعدي ورده المظهري واطفيش وابن القيم : بأن اللوح المحفوظ ليس برق[10]
وقال المظهري في رد: وتقيد الكتاب بكونه مكتوبا في رق منشور يأبى كونه لوحا محفوظا قال اطفيش : وهذا يناسب ما عدا اللوح المحفوظ وأجاب ابن برجان عن هذا قال ابن برجان : الرق بكسر الراء جاء من هذا أن الرق ليس الجلد لا محالة بل الرق ما كتب عليه وسمي هذا بذاك يمكن أن يكون اللوح المحفوظ وهو الأظهر ويكون الرق اسم لكل ما يكتب فيه وإن كان لوحا
[h=1]القول الثالث التوراة[/h]الكلبي و أبو السعود ابن عاشور وسيد قطب وحبنكة ابن بحر و الشربيني والأمثل والميزان والتحقيق وحدائق الروح للهرري وأجازه البقاعي مع شيء من الميل إليه .
أبو السعود: أوْ ألواحُ مُوسى عليهِ السَّلامُ وهُو الأنسبُ بالطُّورِ
سيد قطب: والكتاب المسطور في رق منشور لأقرب أن يكون هو كتاب موسى الذي كتب له في الألواح . للمناسبة بينه وبين الطور
قال ابن عاشور: وَالْقَسَمُ بِالطُّورِ تَوْطِئَةً لِلْقَسَمِ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَ أَوَّلُهَا عَلَى مُوسَى فِي جَبَلِ الطُّورِ ,,,,,,,,, المراد بالكتاب المسطور التَّوْرَاةُ كُلُّهَا الَّتِي كَتَبَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ نُزُولِ الْأَلْوَاحِ، وَضَمَّنَهَا كُلَّ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ إِلَى سَاعَاتٍ قَلِيلَةٍ قَبْلَ وَفَاتِهِ. ، وَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِهَا: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [154] . ومناسبة القسم بالتوراة أنها الكتاب الموجود الذي فيه ذكر الجزاء وإبطال الشرك وللإِشارة إلى أن القرآن الذي أنكروا أنه من عند الله ليس بدعاً فقد زلت قبله التوراة وذلك لأن المقْسَم عليه وقوع العذاب بهم وإنما هو جزاء على تكذيبهم القرآن ومن جاء به بدليل قوله بعد ذكر العذاب.قال حبنكة : بعد القسم بالطور يرشح أن يكون كتاب التوراة الذي آتاه الله موسى عليه السلام ووصفه بأنه مسطور في رق منشور غير نطوي يدل على أن المراد الكتاب الأصلي الذي كان قبل التحريفات التي أدخلها اليهود وأنه كان مسطورا في رق وكان منشورا باستطاعة كل قارئ أن يطلع عليه ويقرأه أما بعد أن أدخل اليهود فيه تحريفاتهم فصاروا يكتبون كتابهم في كتب وكان أحبارهم هم الأوصياء عليها فيظهرون منها ما يريدون إظهاره لموافقته لأهوائهم ويخفون منها ما يريدون إخفاءه ولا يجعلونها منشورة يقرأها كل قادر على القراءة لئلا تكتشف تحريفاتهم قال في حدائق الروح : أقسم سبحانه بالتوراة التي كتبت بنظام بديع مرالحروف في رق منشور سهل على كل أحد أن يطلع على ما فيها من حكم وأحكام وآداب وأخلاق يقول علي هاني لكن إن ردوا انه اللوح المحفوظ لتسميته لوحا والرق ليس لوحا يقال هذا الدليل عليكم لقوله تعالى {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة } { وألقى الألواح } { وألقى الألواح } قال المراغي : (وَالطُّورِ. وَكِتابٍ مَسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) أقسم سبحانه بهذا الجبل العظيم الشأن الذي كلم فوقه موسى ، وأنزل عليه التوراة التي كتبت بنظام بديع ، مرتب الحروف ، فى رق منشور ، يسهل على كل أحد أن يطلع على ما فيها من حكم وأحكام ، وآداب وأخلاق.
يقول علي هاني : يرد هذا القول أن التوراة كانت في ألواح لا في رق ثم ثانية ليس من المناسب في السورة التي تتكلم عن القرآن والوحي للرسول صلى لله عليه وسلم أن يفرد التوراة بالمدح بالقسم والتنكير دون ذكر القرآن ثم ما فهمه العلماء من إرادة التوراة مفهوم من الطور فلا حاجة لتكراره بذكره بالقسم بل المعنى أنه أقسم بالطور ويتضمن هذا التوراة لبيان المماثلة بين رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالة سيدنا موسى عليه السلام لإقامة الحجة على الناس ومنهم قريش والعرب فالأبلغ الأنسب لأن يراد به القرآن العظيم وتكون التوراة مرادة لكن ليس من لفظ وكتاب بل هي مفهومة من القسم بالطور ويكون قد أقسم بسيد الجبال وسيد الكتاب ولما تقدم في ترجيح إرادة القرآن .
[h=1]القول الرابع : صحائف الأعمال أي التي كتب فيها أعمال بني آدم وهي ما أثبت على بنى آدم من أعمالهم فمن آخذ كتابه بيمينه ومن آخذ كتابه بشماله، فنظيره قوله تعالى: { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا }[/h] مقاتل ، والزجاج والفراء ومكي ، والقشيري وقدمه الزمخشري
[h=1]القول الخامس : قالوا يجب ان لا يعين منها شيء، إنما تورد على الاحتمال[/h][h=1]قال أبو حيان والكتاب المسطور : القرآن ، أو المنتسخ من اللوح المحفوظ ، أو التوراة ، أو هي الإنجيل والزبور ، أو الكتاب الذي فيه أعمال الخلق ، أو الصحف التي تعطى يوم القيامة بالإيمان والشمائل ، أقوال آخرها للفراء ، ولا ينبغي أن يحمل شيء منها على التعيين ، إنما تورد على الاحتمال الفخر الرازي :وأما الكتاب ففيه أيضا وجوه : ( أحدها ) كتاب موسى عليه السلام ( ثانيها ) الكتاب الذي في السماء . ( ثالثها ) صحائف أعمال الخلق ( رابعها ) القرآن وكيفما كان فهي في رقوق[/h]
[h=1]تنكيره { وكتاب مسطور} :[/h][h=2]القول الأول :ابن عاشور البيضاوي السمين الحلبي اطفيش والآلوسي[/h]وتنكير { كتاب ، رق } للتعظيم والتفخيم والإشعار بأنهما من العظمة على كيفية ليست من المتعارف فيما بين الناس وأيضا ولبيان شهرته بحيث يؤمن اللبس مع شهرته ففيه التنبيه على أن ذلك الكتاب لا يخفى نكر أو عرف.
قال الفخر الرازي : ما يحتمل الخفاء من الأمور الملتبسة بأمثالها من الأجناس يعرف باللام ، فيقال رأيت الأمير ودخلت على الوزير ، فإذا بلغ الأمير من الشهرة بحيث يؤمن الالتباس مع شهرته ، ويريد الواصف وصفه بالعظمة ، يقول : اليوم رأيت أميرا ما له نظير جالسا وعليه سيما الملوك وأنت تريد ذلك الأمير المعلوم ، والسبب فيه أنك بالتنكير تشير إلى أنه خرج عن أن يعلم ويعرف بكنه عظمته ، فيكون كقوله تعالى : { الحاقة * ما الحاقة * وما أدراك ما الحاقة } ـ ـ ـ وأما الكتاب الكريم فقد تميز عن سائر الكتب ، بحيث لا يسبق إلى أفهام السامعين من النبي صلى الله عليه وسلم لفظ الكتاب إلا ذلك ، فلما أمن اللبس وحصلت فائدة التعريف سواء ذكر باللام أو لم يذكر قصدا للفائدة الأخرى وهي في الذكر بالتنكير ، الآلوسي : الأولى على وجهي التنكير إذا حمل على أحد الكتابين أعني القرآن والتوراة أن يكون من باب { لِيَجْزِىَ قَوْماً } [ الجاثية : 14 ] ففي التنكير كمال التعريف ، والتنبيه على أن ذلك الكتاب لا يخفى نكر أو عرف ، ومن هذا القبيل التنكير في قوله تعالى : { فِى رَقّ مَّنْشُورٍ }
[h=2]القول الثاني:[/h]قال أبو حيان: نكر وكتاب ، لأنه شامل لكل كتاب أنزله الله شمول البدل ، ويحتمل أن يكون شمول العموم ، كقوله : { علمت نفس ما} قال بعض العلماء : والتنكير قيل : للإفراد نوعاً ، وذلك على القول بتعدده
[h=1]مسطور :[/h]مسطور: اسم مفعول من السطرَ، والسطر: الصف من الكتابة، ومن الشجر المغروس، ومن القوم الوقوف، والسطر: الصف من الكتابة ومن الشجر المغروس، وسطر فلان كذا: كتب سطرا سطرا فالسطر : ترتيبُ الحروفِ المكتوبة قال تعالى: {ن والقلم وما يسطرون}.
{مسطور}المثبت المحفوظ ، المرتب الحروف الذى سطرت حروفه سطورا متفقة الكتابة مصفوفة مرتبة متسقة مكتوبة على وَجْهِ الانتظامِ الكتابة جميل ، ويلزمه أنه مرتب المعاني
وفى وصف الكتاب بأنه مسطور ، إشارة إلى أنه محفوظ مثبت ولتمييزه بأنه كتاب مشرف مراد بقاؤه مأمور بقراءته إذ المسطور هو المكتوب مكتوب كتابة في أسطر على نحو ما يكتب الكاتبون
[h=1]فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)[/h][h=1]الإعراب والتعلق :[/h]«في رق) : الجار والمجرور متعلقان بـ{مسطور} ومعنى الكلام : وكتاب مسطور في رق منشور أي مكتوب في رق.
[h=1]معنى رق :[/h][h=1]أصل المادة :[/h]المعجم الاشتقاقي : الرُّقاق كغراب الخبز المنبسط الرقيق، وكسَحاب الأرض السهلة المنبسطة المستوية اللينة التراب ، والمعنى المحوري : انبساط الشيء متسعا قليل سمك الجرم ـ ـ ـ ـ من ذهاب سمكه في الامتداد ومنه رق الشيء فهو رقيق ورُقاق كغُراب دق ونحف .
قال التحقيق : الأصل الواحد هو ما يقابل الغلظة ومن مصاديق الأصل: الجلد الرقيق من حيث إنه رقيق والصحيفة الرقيقة .
الراغب : رق - الرقة: كالدقة، لكن الدقة تقال اعتبارا بمراعاة جوانبه، والرقة اعتبارا بعمقه. فمتى كانت الرقة في جسم تضادها الصفاقة، نحو: ثوب رقيق وصفيق، ومتى كانت في نفس تضادها الجفوة والقسوة، يقال: فلان رقيق القلب، وقاسي القلب, والرق: ما يكتب فيه، شبه الكاغد، قال تعالى: {في رق منشور} [الطور/3]، وقيل لذكر السلاحف: رق
[h=1]الاقوال في تفسير { في رق} :[/h][h=2]القول الأول : المراد به الورق[/h][h=2]أبو عبيدة والطبري وابن الجوزي وهميان الزاد والسعدي[/h][h=2]القول الثاني: الجلد الرقيق وهذا قول الجمهور[/h]وأبو حيان البقاعي و ابن عاشور الواحدي .البغوي حبنكة الثعلبي الطوسي والخازن السمعاني الميرغني ابن عجيبة اطفيش في التيسير والمراغي ومقاتل والشوكاني والمبرد ودروزة وتاج العروس والمصباح المنير والصحاح وابن فارس [11]
الرق: جلد الحيوان و الأديم الرقيق يصلح للكتابة يهيأ بالقشر يكتب فيه وهي مرققة فلذلك سميت رقاً ، من الرقة ضد الصفاقة ، وهو أمتن ما يكتب فيه وأشده وأتقنه وجمعه رقوق
قال المبرد : الرق ما رقق من الجلد ليكتب فيه
قال ابن عاشور:والرَّق ( بفتح الراء بعدها قاف مشددة ) الصحيفة تُتّخذ من جلد مرقق أبيض ليكتب عليه
قال حبنكة : الرق : جلد رقيق يكتب عليه وكان يختار غالبا من الجلود للكتابة عليها وخاصة جلود الغزلان لرقتها وبياضا
دروزة- رق منشور : الرق هو قطعة الجلد الأملس المعد للكتابة . وأكثر ما كان يتخذ من جلد الغزال الرق :
قال الجوهري في الصحاح ، قال : والرق بالفتح ما يكتب فيه وهو جلد رقيق
[h=2]القول الثالث: العموم[/h][h=2]الاتجاه الأول: [/h]أصل الرق الجلد الرقيق استعير [12]لكل ما يكتب فيه الكتاب والقرآن كتبه الصحابة فى الجلد كما كتبوه في الخشب والعظام والحجارة البيض
أبو السعود والبيضاوي والمظهري
[h=2]الاتجاه الثاني: ما يكتب فيه فكل صحيفة رق فالمراد بالرق ما يعم الجلد المرقق للكتابة والورق ، وكل ما يرقق ويصفى للكتابة أعم من كونه جلداً أو غيرَهُ وأصله : الجلد الرقيق يكتب فيه[/h]الطبرسي والراغب والشنقيطي وحسنين مخلوف والميزان وسيد طنطاوي والأمثل وكذا الزمخشري الثعلبي ابن عطية والمغرب إلا أن الزمخشر ي ومن بعده عبروا بالصحيفة
قال السمين : والرَقُّ بالفتح : الجِلْدُ الرقيقُ يُكتب فيه وقال الراغب : " الرَّقُّ ما يُكتب فيه شِبْهُ كاغَد " انتهى . فهو أعمُّ مِنْ كونِه جِلْداً وغيرَه
قال حسنين مخلوف : { في رق } هو كل ما يكتب فيه من ألواح وغيرها . وأصله : الجلد الرقيق يكتب فيه
[h=2]قال سيد طنطاوي : كل ما يكتب فيه من ألواح وغيرها . وأصله : الجلد الرقيق الذى يكتب عليه .[/h][h=2]وعبر الزمخشري ومن بعده بالصحيفة المُعَدَّةُ للكتابة [13]، وهي مُرَقَّقَةٌ ؛ فلذلك سُمِّيَتْ رَقًّا ، المعدة وكل صحيفة فهي رق لرقة حواشيها وهذا فيه عموم أيضا ، قال المتلمس [SUP]1[/SUP] :[/h][h=2]فكأنما هي من تقادم عهدها رق أتيح كتابها مسطور[/h][h=2]وقال التهذيب : الرق ما يكتب فيه وقال الليث الرق الصحيفة البيضاء.[/h][h=1]تنكير رق : وتنكيره للتعظيم والإشعار بأنه ليس من المتعارف فيما بين الناس .[/h][h=1]والواو:[/h] الأولى واو القسم ، وما بعدها للعطف
[h=1]الحكمة من سطرها في الرق :[/h]1. إنما وضع في الرق ، لأنه من أحسن ما يكتب عليه ، فذكر لهذه العلة ، فاذا كتبت الحكمة في ما هو على هذه الصفة كان أبهى وأولى .
2. والرق أمتن ما يكتب فيه وأشده وأتقنه فكونه في رق ، يدل على ثبوته
[h=1]منشور :[/h][h=1]اصل المادة :[/h]قال البقاعي : المادة تدور حول الحركة والامتداد والانبساط { وإذا الصحف نشرت } { نخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا} .
قال المعجم الاشتقاقي : المعنى المحوري تفرق ببسط وامتداد نشوءا أو إيقاعا ونشرت بسطت.
قال التحقيق : النشر هو بسط بعد قبض ومن مصاديقه نشر الكتاب ، فالمنشور المبسوط في مقابل المطوي المقبوض .
قال الراغب : النشر : نشر الثوب والصحيفة والسحاب والحديث بسطها
قال التحرير : ضد الطي
[h=1]إعراب منشور: الظاهر الأصح أنها صفة للرق لا لـ(كتاب) .[/h]المعنى : في رق مبسوط مفتوح لقراءته والمنشور خلاف المطوي فهو غير مطوي بلف بعضه على بعض والمراد : أنه ظاهر غير خفي معرض لكل ناظر ، وفيه إشارة إلى الوضوح ، وذلك لأن الكتاب المطوي لا يعلم ما فيه ، كما قال : { وَكُلَّ إنسان ألزمناه طائره في عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً قال ابن عاشور : وإجراء الوصفين { مسطور، في رق} عليه لتمييزه بأنه كتاب مشرف مراد بقاؤه مأمور بقراءته إذ المسطور هو المكتوب منشور يقرأ على الناس جهاراً
[h=1]الأفصح فتح الراء في{رق} ويجوز كسرها .[/h]قال السمين الحلبي: وقد غَلَّط بعضُهم مَنْ يقول : كتبْتُ في الرِّق بالكسر ، وليس بغلطٍ لثبوتِه لغةً بالكسر
[h=1]وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)[/h][h=1]القول الأول :[/h] وابن عباس و علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعكرمة وأبو هريرة و زيد بن علي ومقاتل و الزهري ، و سعيد بن المسيب والصنعاني والتستري والهواري والسمرقندي وابن أبي زمنين والثعلبي ومكي والواحدي والزمخشري والسمعاني والطبرسي . والنسفي ، ع،والقرطبي وابن جزي والخازن وابن الهائم والجلال والمظهري وابن عجيبة والميرغني والآلوسي والمظهري وابن عجيبة والشوكاني والميرغني واطفيش والهميان والسعدي وسيد
بيتٌ في السَّماءِ يقال له الضُراحُ ، حيال الكَعبةِ ، يَزورهُ كلَّ يَومٍ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ إذا خرجوا لم يعودوا ِ إلىه إلى يَومِ القِيامةِ حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض. يعني : يتعبدون فيه ويطوفون ، كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم كذلك ذاك البيت ، هو كعبة أهل السماء ؛ ولهذا وجد إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، مسندا ظهره إلى البيت المعمور ؛ لأنه باني الكعبة الأرضية ، والجزاء من جنس العمل .
فقد ثبت في صحيح مسلم عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء : ( ثم رفع إلي البيت المعمور فقلت : يا جبريل ما هذا ؟ قال هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر [SUP]32[/SUP] ما عليهم )
وفي حديث ثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتيت بالبراق ) الحديث ، وفيه : ( ثم عرج بنا إلى السابعة [SUP]33[/SUP] فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه قال الطبري: وقوله : وَالبَيْتِ المَعْمُورِ يقول : والبيت الذي يعمر بكثرة غاشيته وهو بيت فيما ذُكر في السماء بحيال الكعبة من الأرض ، يدخله كلّ يوم سبعون ألفا من الملائكة ، ثم لا يعودون فيه أبدا وروى الطبري قال: حدثنا هَنَّاد بن السُّريّ ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن خالد بن [SUP]38[/SUP] عرعرة ، أن رجلا قال لعلي : ما البيت المعمور ؟ قال : بيت في السماء يقال له : " الضُّراح " وهو بحيال الكعبة من فوقها ، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ، لا [SUP]39[/SUP] يعودون فيه أبدا [SUP]40[/SUP] سيد قطب والبيت المعمور : قد يكون هو الكعبة . ولكن الأرجح أن يكون بيت عبادة الملائكة في السماء لما ورد في الصحيحين في حديث الإسراء : " ثم رفع بي إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم " . . يعني يتعبدون فيه ويطوفون به كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم !
[h=1]القول الثاني : الحسن البصري والبيضاوي وأبو السعود والقاسمي والمهايمي وابن عاشور . وفريد وجدي و حسنين مخلوف و دروزة و المراغي و إبراهيم القطان والأمثل وأيده الماتريدي وضعفه الزمخشري .[/h]هو الكعبة ، وهو معمور ، قد عظّم الله شأنه وأمره وعمارته بالحج والعمرة والطواف بالحجاج و المجاورين
. القاسمي : { والبيت المعمور } أي الذي يعمر بكثرة غاشيته . وهو الكعبة المعمورة بالحجاج والعمّار والطائفين والعاكفين والمجاورين . وروي : " أنه بيت في السماء بحيال الكعبة من الأرض . . يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون فيه أبدا " . والأول أظهر ، لأنه يناسب ما جاء في سورة ( التين ) من عطف { البلد الأمين } على { طور سنين } والقرآن يفسر بعضه بعضا ، لتشابه آياته ، وتماثلها كثيرا ، وإن تنوعت بلاغة الأسلوب . قال المهايميّ : أورده بعد الكتاب الذي هو الوحي ، لأنه محل أعظم الأعمال المقصودة منه ، ولأنه مظهر الوحي ، ومصدر الرحمة العامة المهداة للعالمين ، ولأنه من أجلّ الآيات وأكبرها . كما دل عليه آية [SUP]51[/SUP] { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم } وآيات أخر ابن عاشور: والبيت المعمور : عن الحسن أنه الكعبة وهذا الأنسب بعطفه على الطور ، ووصفه ب { المعمور } لأنه لا يخلو من طائف به ، وعمران الكعبة هو عمرانها بالطائفين قال تعالى : { إنما يعمر مساجد اللَّه من آمن باللَّه واليوم الآخر } [ التوبة : 18 ] الآية . وفي « الطبري » : أن علياً سئل : ما البيت المعمور ؟ فقال : « بيت في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبداً ، يقال : له الضُراح » ( بضم الضاد المعجمة وتخفيف الراء وحاء مهملة ) ، وأن مجاهداً والضحاك وابن زيد قالُوا مثل ذلك . وعن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هل تدرون ما البيت المعمور ؟ قال : فإنه مسجد في السماء تحته الكعبة " إلى آخر الخبر . وثمة أخبار كثيرة متفاوتة في أن في السماء موضعاً يقال له : البيت المعمور ، لكن الروايات في كونه المرادَ من هذه الآية ليست صريحة قال الأمثل : وبملاحظة التعابير المختلفة في القرآن عن الكعبة بالبيت يكون المعنى الثاني أكثر انسجاما .
[h=1]القول الثالث : الجمع[/h]ابن عثيمين { والبيت المعمور } هذا هو الثالث مما أقسم الله به في هذه الآيات ، وهو بيت في السماء السابعة يقال له : الضراح ، هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه ، فبناءً على هذا كم عدد الملائكة ؟ لا يحصيهم إلا الله ، من يحصي الأيام ؟ ثم من يحصي سبعين ألفاً كل يوم يدخلون هذا البيت المعمور ولا يعودون إليه .
وقيل : إن المراد بالبيت المعمور بيت الله في الأرض وهو الكعبة ؛ لأنه معمور بالطائفين والعاكفين ، والقائمين ، والركع السجود ، فهل يمكن أن تحمل الآية على المعنيين جميعاً ؟ القاعدة في التفسير : أن الآية إذا احتملت معنيين على السواء ، وليس بينهما منافاة وجب أن تحمل على كل منهما ، لأن المتكلم بها وهو الله - جل وعلا - عالم بما تحتمله من المعاني ، وإذا لم يبين أن المراد أحد المعاني فإنه يجب أن تحمل على كل ما تحتمله من المعاني الصحيحة لا المعاني الباطلة ، وليس هناك منافاة بين أن يكون المقسم به الكعبة ، أو البيت المعمور في السماء ، لأن كلا البيتين معظم ، ذاك معظم في أهل السماء ، وهذا معظم في أهل الأرض ، ولا مانع ، فالصواب أن الآية شاملة لهذا وهذا ، إلا إذا وُجد قرينة ترجح أن المراد به البيت المعمور في السماء
[h=1]معنى المعمور :[/h][h=2]القول الأول : المعمور مدى الأوقات بالملائكة الكرام ، الكثير الغاشية والبيت الذي يعمر بكثرة غاشيته من الملائكة ، الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يتعبدون فيه لربهم ثم ]، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة[/h][h=2]القول الثاني : : وعلى القول أنه الكعبة يقال ذلك لكن نقول كثرة غاشيته من الحجاج والمعتمرين والمجاورين .[/h][h=1]اعتراض ودفعه :[/h]الماتريدي :وأهل التأويل يقولون : البيت المعمور ، هو في السماء يزوره أهل السماء ، ويطوفونه ، لكن القسم به يبعُد لما يسبق لهم المعرفة والمشاهدة به ، فكيف أقسم بشيء لم يعرفوه ، ولا وقع لهم العلم بالمشاهدة إلا أن يقال : إلا أن القسم به لأهل الكتاب ، وذلك في كتبهم ، يعرفونه . فأما من لم يسبق له الخبر والمعرفة بذلك مشاهدة فبعيد ، والله أعلم . قال السعدي وقيل : إن البيت المعمور هو بيت الله الحرام ، والمعمور بالطائفين والمصلين والذاكرين كل وقت ، وبالوفود إليه بالحج والعمرة .
كما أقسم الله به في قوله : { وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ } وحقيق ببيت أفضل بيوت الأرض ، الذي قصده بالحج والعمرة ، أحد أركان الإسلام ، ومبانيه العظام ، التي لا يتم إلا بها ، وهو الذي بناه إبراهيم وإسماعيل ، وجعله الله مثابة للناس وأمنا ، أن يقسم الله به ، ويبين من عظمته ما هو اللائق به وبحرمته .
[h=1]الرد على الإمام الماتريدي رحمه الله : أنه أولا ثبت به الحديث الشريف ثم لا يشترط فيما يقسم به أن يكون مرئيا للناس فقد قال تعالى { فلا أقسم بما تبصرون وما تبصرون }[/h]ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
السقف لغة :
هو ما يقابل السطح التحتاني الأرضي ، وهو ما ينبسط فوق الرأس مستندا على جدار أو جدران ، كسقف البيت والسقف في الصفة ونحوها .
ورد السقف في قوله تعالى { وجعلنا السماء سقفا محفوظا } قال التحقيق : يراد به من السماء ما يرى منبسطا فوق الرأس في الفضاء فيشمل الهواء الفوقاني المنبسط والنجوم وجميع هذا يرى كالسقف الواحد في مقابل الأرض
[h=1]المعنى :[/h]والسماء التي هي سقف مرفوع، وجعلها وسماها سبحانه سقفاً لكونها كالسقف للأرض ، لأنها سماء للأرض ، كسماء البيت الذي هو سقفه كقوله : { وجعلنا /السماء سقفا محفوظا }
والقسم به إشارة إلى أنه محكم البناء متقن السقف فيه من السعة والعظمة والثخن والكواكب ما لها مما لا يسع العقول شرحه ، وهم لا ينظرون أسبابه
روى جماعة ، وصححه الحاكم عن الأميرعلي كرم الله تعالى وجهه أي والعالم العلوي وما حوى من شموس وأقمار ، وكواكب ثابتة وسيارات ]
[h=1]المرفوع :[/h]المرفوع رفعا بديعا يدل على عظمة رافعه و ممسكه
[h=1]ومناسبة القسَم بها:[/h]الاستدلال على عظمته سبحانه خالق هذا السقف المرفوع رفعا بديعا لا بد لخلقه وإمساكه من خالق عظيم قدير لا يعجزه شيء فالله هو الذي أعلى سقفها وجعلها متّسقة ومنتظمة وأيضا السماء مصدر الوحي كله التوراة والقرآن وعلى توحيد وعلى قدرته على البعث وعلى الإتيان بالعذاب .
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)
[h=1]البحر :[/h]البحر: كل مكان واسع جامع للماء الكثير منبسط يتموج بما فيه .
واصله الاتساع .
[h=1]السجر :[/h]المادة تدل على الهيجان والاشتعال الشديد من شدة الامتلاء
الإيقاد وتهييج النار وتقويتها من شدة الملئ حطبا
يقال سجرت التنور: أوقدته وهيجت النار فيه بمليء التنور بالوقود والحطب
قال ابن عطية : سجرت التنور معناه : ملأتها بما يحترق ويتقد
قال الراغب : السجر تهييج النار { وإذا البحار سجرت }اهـ
[h=1]الأقوال في المسجور:[/h][h=1]القول الأول : الموقد المسجور بالنار بمنزلة التنّور المسجور ، كما يقال : سجرت التنور ، بمعنى : أوقدت[/h]علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب وشمر بن عطية وابن عباس ومجاهد وابن زيد والراغب والبغوي والخازن محمد بن كعب القرظي والسمعاني الضحاك و المراغي والشوكاني والأخفش وزغلول النجار ، ثم اختلفوا هل هو في الدنيا أم في الآخرة بأن يجعل البحار كلها يوم القيامة ناراً كما في { وإذا البحار سجرت} ، وسبب القول أنه في الآخرة أنهم لم يروا بحرا مسجورا واسم المفعول { المسجور} يؤيد أنه في الدنيا لما فيه من الثبوت لا الحدوث
· قال ابن زيد ، في قوله : وَالبَحْرِ المَسْجُورِ قال : الموقد ، وقرأ قول الله تعالى : وَإذَا البِحارُ سُجّرَتْ قال : أوقدت . قال الطبراني: يعني الموقَدِ الْمَحْمِى ، بمنْزِلة التَّنُّور المسجُور ، كأنه قالَ : والبحرِ المملوءِ بالنَّار الموقَدة
· قال مجاهد : المسجور الموقد ، ومثله { وإذا البحار سجرت } [SUP]5[/SUP] أي : أوقدت من شجرة التنور إذا أوقدت [SUP]6[/SUP] ، وهو قول ابن زيد [SUP]7[/SUP]
· قال على بن أبي طالب رحمه الله يقول : مسجورٌ بالنار .
· قال محمد بن كعب القرظي والضحاك : يعني الموقد المحمى بمنزلة التنور المسجور
· قال الأخفش: بأنه الموقد المحمي بمنزلة التنور المسجور
· قال الطباطبائي قال الراغب : السجر تهييج النار ، وفي المجمع ، : المسجور المملوء يقال : سجرت التنور أي ملأتها نارا ، وقد فسرت الآية بكل من المعنيين ويؤيد المعنى الأول قوله : { و إذا البحار سجرت } : أي سعرت وقد ورد في الحديث أن البحار تسعر نارا يوم القيامة ، وقيل : المراد أنها تغيض مياهها بتسجير النار فيها
· قال المراغي : تفسير المفردات : والمسجور : أي الموقد المحمى ، من سجر النار أي أوقدها وعنى به باطن الأرض وهو الذي دل عليه الكشف الحديث ولم تعرفه الأمم قديما ، وقد أشارت إليه الأحاديث ، فعن عبد الله بن عمر : ( لا يركبن رجل البحر إلا غازيا أو معتمرا أو حاجا ، فإن تحت البحر نارا ، وتحت النار بحرا ) .[ لكن المراغي حمل السجر بأن تحت طبقات الأرض نار] .
[h=2]الرأي الأول : في الدنيا في الأرض الآن المحيطات وكثير من البحر مسجورة بالصهارة الخارجة من باطن الأرض : كثير من المعاصرين منهم زغلول النجار وقريب منه المراغي وقريب منه ما روى عن سيدنا علي في إحدى الروايتين [/h]قال زغلول النجار الأرض في القرآن : من المعاني اللغوية لهذا القسم القرآني الباهر أن البحر قد أوقد عليه حتى حمي قاعه فأصبح مسجورا وهذا من الحقائق العلمية التي اكتشفها الإنسان في العقود المتأخرة من القرن العشرين والتي لم يكن لبشر إلمام بها قبل ذلك أبدا فالبحر القائم على قاع أحمته الصُّهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض فجعلته شديد الحرارة وهذا تم اكتشافه في العقود المتأخرة من القرن العشرين وهي حقيقة تمزق الغلاف الصخري للأرض بشبكة هائلة من الصدوع العملاقة المزدوجة والتي تكون فيخا بينها ما يعرف باسم أودية الخسف أو الأغوار وأن هذه الأغوار العميقة تحيط بالكرة الأرض إحاطة كاملة وهي تنتشر أكثر ما تنتشر في المحيطات وفي قيعان عدد من البحار وباستمرار تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض تتسع قيعان البحار والمحيطات باستمرار عند خطوط التباعد بينها وتندفع الصهارة الصخرية بملايين الأطنان في درجات حرارة تتعدى الألف درجة مئوية وتخرج على شكل ملايين من أطنان الصهارة على شكل هيئة ثورات بركانية عارمة تحت الماء تسجر قيعان جميع المحيطات وقيعان عدد من بحارها مثل البحر الأحمر وتجدد مادتها الصخرية باستمرار ومع تجدد اندفاع الصهارة الصخرية عبر مستويات هذه الصدوع العملاقة يتسع قاع المحيط باستمرار وبذلك يثبت بالأدلة المادية الملموسة أن كل محيطات الأرض بما في ذلك المتجمد الشمالي والجنوبي وأن أعدادا من بحارها مثل البحر الأحمر قيعانها مسجرة بالصهارة الصخرية المندفعة بملايين الأطنان من داخل النطاق الضعيف في الأرض عبر شبكة الصدوع العملاقة وأن كم المياه في تلك الأحواض العملاقة على ضخامته لا يستطيع أن يطفئ جذوة تلك الطفوح من الصهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض إطفاء كاملا وأن هذه الجذوة على شدة حرارتها أكثر من ألف درجة مئوية لا تستطيع أن تبخر الماء بالكامل وذلك لأنه عندما يتبخر الماء باندفاع الصهارة فيه فإنه يرتفع إلى أعلى ليلامس ماء أبرد فيتكثف ويعود إلى قاع البحر مرة أخرى ليعاود الكرة من جديد وهكذا ليبقى الاتزان الدقيق بين الأضداد من الماء والحرارة العالية وهذا من أكثر ظواهر الأرض إبهارا للعلماء في زماننا وهي حقيقة لم يتمكن الإنسان من اكتشافها إلا في أواخر السبعينيات من القرن العشرين ومن العجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يركب البحر فضلا عن الغوص في الأعماق قال كما روي في أبي داوود { لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا } وفي مصنف أبي شيبة { إن تحت البحر نارا ثم ماء ثم نارا } { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي آنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}
ملاحظة مهمة يعطينا ربط آخر بالطور : وقد أدى هذا النشاط البركاني فوق قيعان كل المحيطات وعدد من البحار إلى تكون سلاسل من الحيود المرتفعة وقد ترتفع قممها على شكل عدد من الجزر وفي النتيجة النهائية تكوين الجبال وهذا مناسب للقسم بالطور وأرضا البحر المسجور قريب من الطور في البحر الأحمر
· عن سعيد بن المسيب قال : قال علي كرم الله تعالى وجهه لرجل من اليهود : أين موضع النار في كتابكم؟ قال : البحر فقال كرم الله تعالى وجهه : ما أراه إلا صادقاً عن سعيد بن المسيب قال : قال علي كرم الله تعالى وجهه لرجل من اليهود : أين موضع النار في كتابكم؟ قال : البحر فقال كرم الله تعالى وجهه : ما أراه إلا صادقاً
[h=2]الرأي الثاني : يوم القيامة هذا يوم القيامة عندما تتحول بحار الدنيا إلى نار كقوله تعالى { وإذا البحار سجرت} و البحر الموقد ناراً. وَسَيَضْطَرِمُ الْبَحْرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا ، وهو قول ابن عباس . وذلك ما روي أن الله تعالى يجعل البحار كلها يوم القيامة ناراً فيزاد بها في نار جهنم[/h]ابن عباس وقتادة والخازن مجاهد وشمر بن عطية والضحاك ومحمد بن كعب والأخفش والشوكاني . سعيد بن جبير رواه سعيد بن المسيب' عن علي بن أبي طالب والخازن والبغوي والصابوني وجماعة من المفسرين
[h=1]يؤيد هذا القول الأول في تفسير السجر الهيجان والاشتعال الشديد من شدة الامتلاء عدة أمور :[/h]· الأمر الأول: أن استعمال السجر في القرآن الكريم جاء لهذا المعنى يؤيده: { وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}{ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)}{ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)}{ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)}
· الأمر الثاني: أنه جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يركبن رجل بحراً إلا غازيا أو معتمراً أو حاجاً ، فإن تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً " . فإن تحت البحر ناراً » .
وفي حديث آخر : «فإن البحر نار في نار »
· الأمر الثالث : ويؤيد الاكتشافات العلمية كما هو مبين عند زغلول النجار .
· الأمر الرابع : استعمال اسم المفعول الدال على الثبوت يدل على ذلك بخلاف { سجرت} ففيها الحدوث
· الأمر الخامس : أن كثيرا من العلماء لم يفسروه بهذا لأنهم لم يروا السجر في البحر فلذلك عدلوا عن المشهور في اللغة إلى غيره وأوضح مثال ما قاله شيخ المفسرين الطبري :وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معناه : والبحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض ، وذلك أن الأغلب من معاني السجر : الإيقاد ، كما يقال : سجرت التنور ، بمعنى : أوقدت ، أو الامتلاء على ما وصفت ، كما قال لبيد :
فَتَوَسّطا عُرْضَ السّرِيّ وَصَدّعا *** مَسْجُورَةً مُتَجاوِرا قُلاّمُها
فإذا كان ذلك الأغلب من معاني السّجْر ، وكان البحر غير مُوقَد اليوم ، وكان الله تعالى ذكره قد وصفه بأنه مسجور ، فبطل عنه إحدى الصفتين ، وهو الإيقاد صحّت الصفة الأخرى التي هي له اليوم ، وهو الامتلاء ، لأنه كلّ وقت ممتلىء .
[h=1]القول الثاني : المملوء بالماء ، المجموع ماؤه بعضه في بعض فهو ممتلئ ماء[/h][h=1]الكلبي وقتادة والطبري والقشيري والواحدي والسمعاني والزمخشري والطبرسي و الحسن البصري ، وأبو صالح ، وابن السائب والجلال والسمعاني والكلبي والسعدي والميسر وابن جزي والجلال وقدمه البيضاوي والنسفي وأبو السعود وسيد طنطاوي وقالوا المراد به المحيط (البحر المحيط كالأطلسي)[/h]قالوا المسجورُ في كلام العرب : المَمْلوءومنه سجرت التنور إذا ملأته نارا . وعين سجر ممتلئة فيها حمرة كأنها احمرت مما هو لها كسجار التنور قال المعجم الاشتقاقي : الأصل الواحد توالي انحدار المائع ونحوه إلى الحيز حتى يتجمع فيه ويمتلئ الحيز به كما يملأ السيل الموضع وتوالي نظم انحدار المائع يتأتى منه امتلاء مكانه الذي يرد عليه و{ والبحر المسجور} يقسم سبحانه بالبحر المملوء
قال البيضاوي وأبو السعود : المملوء وهو المحيط ، أو الموقد من قوله : { إذا البحار سجرت } روي أنه تعالى يجعل يوم القيامة البحار نارا يسجر بها نار جهنم ، أو المختلط من السجير وهو الخليط )
قال زغلول النجار : أغنى كواكب المجموعة الشمسية بالماء الأرض الذي تقدر كميته بحوالي 1360 مليون كيلومترا مكعبا وهذا الماء قد اخرجه سبحانه من داخل الأرض وعندما نزل الماء على شكل مطر فاض إلى منخفضات الأرض الواسعة ليكون البحار والمحيطات ودورة التبخر ثم المطر أدت إلى خزن أغلب ماء الأرض في بحارها ومحيطاتها فالله سبحانه يمن علينا بأنه ملأ منخفضات الأرض بماء البحار والمحيطات وحجر هذا الماء عن الطغيان على اليابسة
[h=1]القول الثالث : وهو من لوازم القول بأن البحار تسجر يوم القيامة قالوا { المسجور} اليابس الذي قد ذهب ماؤه ونضب[/h][h=1]قاله أبو العالية . وروي عن الحسن قال : تسجر ، يعني البحار ، حتى يذهب ماؤها ، فلا يبقى فيها قطرة .[/h][h=1]هل المراد بحر في الدنيا أم في الآخرة أم تحت العرش :[/h]قال ابن كثير وقال الجمهور : هو هذا البحر [ أي في الدنيا]
ابن جزي :{ والبحر المسجور } هو بحر الدنيا ، وقيل : بحر في السماء تحت العرش والأول أظهر وأشهر.
قال الماوردي : هو بحر الأرض ، وهو الظاهر. والجمهور : على أن البحر المقسم به هو بحر الدنيا ، ويؤيده : { وإذا البحار سجرت } وعن علي وابن عمر : أنه في السماء تحت العرش فيه ماء غليظ
[h=1]إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)[/h][h=1]الربط : هذه الآية الكريمة جواب القسم أقسم الله تعالى بالأشياء التي تقدم ذكرها ليتحقق عند العباد أن عذابه واقع لا محالة لمن وافى على الصفة التي يستحق بها العقوبة أي : وحق هذه المخلوقات الضخمة البديعة { إن عذاب ربك لواقع } .[/h][h=1]العلاقة : بين القسم والجواب تقدمت في الكلام على محور السورة ونلخصه هنا :[/h][h=1]أنه لما أكد ثبوت الشرائع وإنزال القرآن العظيم من عند الله بأدلته التي تشهد بها مماثلته لما أنزل على موسى عليه السلام ثم ذكر عظمته التي لا تضاهيها عظمة بذكر البيت المعمور ثم بخلق السقف المرفوع و البحر المسجور الدالة على استحقاقه للتوحيد وقدرته على البعث والتعذيب أقسم أن منكري الرسالات والوحي لا سيما توحيد الله والبعث الذي جاء به الوحي المؤيد بالدليل منكره معذب واقع به العذاب لا محالة .
قال سيد قطب : يقسم الله سبحانه بهذه الخلائق العظيمة على أمر عظيم . بعد أن يتهيأ الحس بهذه الإيقاعات لاستقبال ذلك الأمر العظيم إن عذاب ربك لواقع ، ما له من دافع فهو واقع حتما[/h]
[h=1]إِنَّ : أكده لإنكارهم[/h][h=1]عَذَابَ : [/h][h=1]· ويعني عذاب الآخرة واقع لمن أتى على الصفة التي يستحق بها العقوبة وهم المشركون والكفار فهو تهديد للمشركين[/h][h=1]· عذابه واقع لا محالة ، وأن لا يطمع أن ينفعه سؤال حميم او قريب منه[/h][h=1]· وأما عذاب المكذبين في الدنيا فسيجيئ في قوله تعالى : { وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك }[/h][h=1]· حذف المتعلق : وتقديره : على المكذبين ، أو بالمكذبين لأن المراد أولا أنه حاصل لا محالة ، وفيه تهديد الكل ثم يفهم من السياق أنه واقع بالكافرين لقوله تعالى { فويل يومئذ للمكذبين} وبقرينة إضافة رب إلى ضمير المخاطب المشعر بأنه معذبهم لأنه ربك وهم كذّبُوك فقد كذبوا رسالة الرب ،[/h][h=1]· وتضمن قوله : { إن عذاب ربك لواقع } إثبات البعث بعد كون الكلام وعيداً لهم على إنكار البعث وإنكارهم أن يكونوا معذبين[/h]
[h=1]فائدة ذكر الرب والإضافة رَبِّكَ:[/h]1. ذكر الرب وإضافة الضمير له مشعر بأنه معذبهم لأنه ربك وهم كذّبُوك فمن تربيته لك الانتقام منهم { ربك } أي الذي تولى تربيتك
2. لتبشير الرسول والمؤمنين من بعده بأنك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ناج من هذا العذاب في أمان منه ففيها تطييب لنفسه أن ربه لا يخزيه يومئذ كما قال : { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه } :
فلو قال : عذاب الله لواقع ، والله اسم منبئ عن العظمة والهيبة لما أعطى المعنيين السابقين .
[h=1]لَوَاقِعٌ[/h][h=1]المعنى اللغوي :[/h]المادة تدل على سقوط شيء ضخم فيه غلظ من مكان مرتفع ثم ثبوته ثبوتا تاما مؤثرا في النفوس وفي المحيط الذي نزلت به ولا يقال إلا في المكاره والشدائد ففيها الإيذان بشدة وقعها وتأثيرها
[h=1]المعنى :[/h]{ لواقع }نازل ثابت متحقق كائن حال بالكافرين يوم القيامة كأنه موجود مهيأ في مكان مرتفع فيقع على من حل به فهو ثابت نازل بمن أراد سقوط ما هو ثقيل من مكان عال فيه إشارة إلى الشدة والتعبير بالواقع أدل على الشدة من الكائن .
ألا ترى إلى قوله : { إذا وقعت الواقعة } وقوله : { وهو واقع بهم }
التأكيد بإن واللام واسم الفاعل واقع ومادة الوقوع يدل على أنه نازلٌ حَتْماً كائن لا محالة لمن يستحقه وقوعا لا شك فيه
[h=1]قصة مؤثرة :[/h] قال البغوي: قال جبير بن مطعم رضي الله عنه [SUP]15[/SUP] : قدمت المدينة لأكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر ، فدفعت إليه وهو يصلي بأصحابه المغرب وصوته يخرج من المسجد فسمعته يقرأ { والطور } - إلى قوله - { إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع } فكأنما صدع قلبي حين سمعته [SUP]16[/SUP] ، ولم أكن أسلمت [SUP]17[/SUP] يومئذ ، فأسلمت خوفاً من نزول العذاب ما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب .
ابن كثير :
قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن داود ، عن صالح المري ، عن جعفر بن [SUP]6[/SUP] زيد العبدي قال : خرج عمر يَعِسّ المدينة ذات ليلة ، فمر بدار رجل من المسلمين ، فوافقه قائما يصلي ، فوقف يستمع قراءته فقرأ : { والطور } حتى بلغ { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ } قال : قسم - ورب الكعبة - حق . فنزل عن حماره واستند إلى حائط ، فمكث مليا ، ثم رجع إلى منزله ، فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه ، رضي الله عنه [SUP]7[/SUP] .
وقال الإمام أبو عبيد في " فضائل القرآن " : حدثنا محمد بن صالح ، حدثنا هشام بن حسان ، عن الحسن : أن عمر قرأ : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ } [SUP]8[/SUP] ، فربا لها ربوة عيد منها عشرين يوما [SUP]9[/SUP] .
[h=1]سيد قطب
وعمر - رضي الله عنه - سمع السورة قبل ذلك ، وقرأها ، وصلى بها ، فقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يصلي بها المغرب . وعمر يعلم . ويتأسى . ولكنها في تلك الليلة صادفت منه قلبا مكشوفا ، وحسا مفتوحا ، فنفذت إليه وفعلت به هذا الذي فعلت . حين وصلت إليه بثقلها وعنفها وحقيقتها اللدنية المباشرة ؛ التي تصل إلى القلوب في لحظات خاصة ، فتتخللها وتتعمقها ، في لمسة مباشرة كهذه اللمسة ، تلقى فيها القلب الآية من مصدرها الأول كما تلقاها قلب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأطاقها لأنه تهيأ لتلقيها . فأما غيره فيقع لهم شيء مما وقع لعمر - رضي الله عنه - حين تنفذ إليهم بقوة حقيقتها الأولى[/h][h=1]مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)[/h][h=1]موقع الجملة :[/h][h=1]القول الأول :[/h][h=1]وهو الأصح : أنها خبر ثان لإن[/h]سيد طنطاوي قدمه السمين وأبو السعود وابن عاشور
[h=1]القول الثاني : صفة لواقع أي : واقعٌ غيرُ مدفوعٍ،[/h][h=1]قاله أبو البقاء واجازه السمين[/h][h=1]القول الثالث : أنه حال[/h]أجازه ابن عاشور
[h=1]إعراب من دافع :[/h]السمين الحلبي : " مِنْ دافِع " يجوزُ أَنْ يكونَ فاعلاً ، وأَنْ يكونَ مبتدأً ، و " مِنْ " مزيدةٌ على الوجهين . أبو السعود -.
[h=1]مَا لَهُ[/h]: ما لذلك العذاب الواقع بالكافرين
[h=1]مِنْ[/h]وزيدت لا{ من } في النفي لتحقيق عموم النفي وشموله ، أي نفي جنس الدافع دَافِعٍ:
قال المعجم الاشتقاقي : دفع العدو رده على أعقابه وصده والدفع الإزالة بقوة
قال ابن فارس : أصل صحيح واحد يدل على تنحية الشيء يقال دفعت الشي ادفعه دفعا قال المصباح دفعته فاندفع قال التحقيق : الأصل الواحد هو المنع بقاء واستدامة فإن المنع ناظر إلى جهة أصل الوجود وتحقق شيء في مقابل المقتضي والسبب والدفع ناظر إلى جهة إدامة الشيء وإبقائه وأما التنحية فيلاحظ فيها الإبعاد بالنسبة إلى جانب معين { ما له من دافع } لا يمكن دفعه بل يدوم فظهر لطف التعبير بالمادة دون الرد والمنع والتنحية , قال ابن عاشور: والدفع : إبعاد الشيء عن شيء باليد وأطلق هنا على الوقاية مجازاً بعلاقة الإِطلاق
أقول: ما ذكره التحقيق جميل إلا معنى الاستدامة والحاصل أن الدفع : هو رد الشيء على أعقابه وصده بقوة وتنحيته .
المعنى : ما له من دافع يدفعه عنهم ، فينقذهم منه وليس له راد يرده عن الكفار يوم القيامة بطريقة من الطرق لأن قدرة الله تعالى لا يغالبها مغالب ، ولا يفوتها هارب فهذا العذاب منطلقٌ من الله التي لا يمكن لأحدٍ أن يقف أمامه ، مهما كانت قوته ، ووقوعه في يوم القيامة ، ولأنه لا شريك لموقعه لما دلت عليه هذه الأقسام من كمال قدرته وجلال حكمته وضبط أعمال العباد للمجازاة وفي قوله : { ما له من دافع } دلالة على أنه من القضاء المحتوم الذي لا محيص عن وقوعه
[h=1]السر في تقديم (له) على دافع وسر التعبير به : [/h]وَتَقْدِيمُ (لَهُ) عَلَى دافع لِلِاهْتِمَامِ بِضَمِيرِهِ في مقام نفي الدفع له حتى يعطي من أول الأمر نفيه بخلاف ما له قال ما دافع لا يفيد النفي عنه إلا بعد إكمال الجملة ثم أخر دافع مع الإتيان بـ(من) حتى يأتي العموم في نهاية الآية الكريمة فيكون أوقع كما في { ولم يكن له كفوا أحد}
ونفي الدافع تستلزم نفي الدفع فلا دافع ولا دفع فهو أقوى من ليس لا دفع له له .
قال السامرائي:
*ما الفرق بين (مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) الطور) و(لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) المعارج)؟ لماذا استعمل مرة (ليس) ومرة (ما)؟ (د.حسام النعيمى)
كلتا الآيتين تنفي وجود الدافع عن العذاب. العذاب واقع ففي الآية الأولى لا يوجد شيء سيمنع هذا العذاب وفي الآية الثانية لا يوجد شيء سيمنع هذا العذاب. لكن صيغة التعبير مرة جاءت (ما له من دافع) ومرة جاءت (ليس له دافع) فهو من حقه أن يسأل حقيقة لأنها تلفت النظر. بشكل أولي حقيقة نحن عندنا تأكيد الجمل : الجملة الإسمية آكد وأقوى من الجملة الفعلية. (ليس) فعل فحينما تنبني مع مبتدأ وخبر تكون الجملة فعلية ولذلك الجملة مع (ليس) أقل توكيداً. أنت تقول: ليس زيدٌ حاضراً في نفي حضور زيد لمن ليس في ذهنه شيء لكن إذا كان شاكّاً فلك أن تقول له: ليس زيدٌ بحاضر لك تؤكده بالباء ولك أن تنتقل من الجملة الفعلية إلى الجملة الإسمية فتقول: ما زيد حاضراً لأن (ما) حرف فدخولها على الجملة لا ينقلها من إسميتها إلى الفعلية. (ما زيدٌ حاضراً) آكد من (ليس زيد حاضراً) فيها تأكيد الآية الأولى استعملت(ما له من دافع) (ما) فالجملة الإسمية، (ليس له دافع) الجملة فعلية، فالآية التي في سورة الطور آكد يعني فيها تأكيد من الجملة التي في سورة المعارج. لكن يبقى السؤال: طبعاً هنا (ما له من دافع) (من) التبعيضية يعني فيها زيادة تأكيد حتى جزء دافع ما له. (ما و من) بدل (ليس). لو قال: (ماله دافع) ستكون مجرد تأكيد بينما (ما له من دافع) زيادة في التأكيد. يبقى السؤال: السياق الذي وردت فيه الآيتان: لما ننظر فيه نجد أن الآية الأولى التي في الطور فعلاً تنسجم مع شدة التوكيدات والآية الثانية أصلاً ليس فيها توكيد. نلاحظ الآية الأولى في الطور تبدأ السورة بقسم والقسم توكيد، لما تقسم على شيء فأنت تؤكده فإذن فالجو جو تأكيد (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)) قسم لتذكير بيوم القيامة (إن عذاب ربك لواقع) و(إنّ) تأكيد مشددة واللام (لواقع) مؤكدة، لاحظ المؤكدات فالجو جو توكيد فجاء (ماله من دافع) فجاءت منسجمة مع الجو العام للسورة التي هي تعيش في توكيدات. لكن لما نأتي إلى السورة الثانية سورة المعارج (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)) هكذا تبدأ السورة فليس فيها جو توكيدات حتى يؤكد. هناك الجو بكامله جو تأكيد فاستعمل الصيغ التي تتناسب مع جو السورة ونحن دائماً نقول حقيقة الكلمة تناسب جو السورة ،الآية تناسب جو السورة هناك تناسب. لما ننظر هنا لاحظ (سأل سائل) كلام اعتيادي لماذا؟ هذا سائل والسائل هنا لا يعني المستفهم وإنما يعني الذي يدعو، هذا شخص لم يذكره القرآن الكريم من هو على عادته في إفال ذكر الأشياء التي لا أهمية لها. (سأل سائل) يعني دعا على قومه ونفسه بالعذاب وهذا معنى سأل والعذاب واقع ، العذاب سيقع سواء هو سأله أو لم يسأله واقع على الكافرين لا محالة.
[h=1]نغمة هاتين الآيتين :[/h]قال سيد قطب : لا يملك دفعه أحد أبدا ، وإيقاع الآيتين والفاصلتين حاسم قاطع . يلقي في الحس أنه أمر داهم قاصم ، ليس منه واق ولا عاصم . وحين يصل هذا الإيقاع إلى الحس البشري بلا عائق فإنه يهزه ويضعضعه ويفعل به الأفاعيل .
[h=1]يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)[/h][h=1]التعلق (يوم) :[/h][h=2]القول الأول : متعلق بـ(واقع ) :[/h]ابن الجوزي والطبري والقرطبي والخازن وأبو السعود والبقاعي
· أي إن عذاب ربك يقع لا محالة يَوْمَ تَمُورُ السّماءُ مَوْرا فيوم متعلق بواقع وهو العامل فيه ، وهو مبينٌ لكيفيةِ الوقوعِ منبئ عنْ كمالِ هولِه وفظاعتِه لزيادة التهويل وعلى هذا فتكونُ الجملةُ المنفيةُ معترضةً بين العاملِ ومعمولِه
· أدلتهم :
· وانما كان هذا أولى لأنه صريح في أنه يقع العذاب يوم القيامة ، والوجهان الأخيران يدلان على وقوع العذاب يوم القيامة ضمنا ، لأن الشيء ينتفى دفعه وقت حضوره .
[h=2]القول الثاني: متعلق بـ(دافع) :[/h]أبو حيان والحوفي
قال أبو حيان : وانتصب يوم بدافع ، قاله الحوفي ، وقال مكي : لا يعمل فيه واقع ، ولم يذكر دليل المنع وقيل : هو منصوب بقوله : { لواقع } ، وينبغي أن يكون { ماله من دافع } على هذا جملة اعتراض بين العامل والمعمول اهـ السمين الحلبي : قال الشيخ أبو حيان : " ولم يذكرْ دليلَ المنع " وقلت : قد ذَكَرَ دليلَ المنع في " الكشف " إلاَّ أنه ربما يكونُ غَلَطاً عليه ، فإنه وهمٌ وانا أذكُر لك عبارتَه . قال رحمه الله : " العامل فيه " واقعٌ " أي : إنَّ عذاب ربك لَواقعٌ في يومِ تمورُ السماءُ مَوْراً . ولا يَعْمل فيه " دافعٌ " لأنَّ المنفيَّ لا يعمل فيما قبل النافي . لا تقول : " طعامَك ما زيدٌ آكلاً " ، رفعْتَ " آكلاً " أو نَصَبْتَه أو أَدْخَلْتَ عليه الباءَ . فإن رَفَعْتَ الطعامَ بالابتداءِ وأوقَعْتَ " آكلاً " على هاءٍ جازَ ، وما بعد الطعام خبرٌ " انتهى . وهذا كلامٌ صحيح في نفسِه ، إلاَّ أنه ليس في الآية شيءٌ من ذلك ؛ لأنَّ العاملَ وهو " دافعٌ " والمعمولُ وهو " يومَ " ، كلاهما بعد النافي وفي حَيِّزه . وقوله : " وأوقَعْتَ " آكلاً " على هاء " أي على ضميرٍ يعود على الطعامِ ، فتقول : طعامَك ما زيدٌ آكلَه
ووجه السمين منع مكي أن في التعليق بـ(دافع) إيهام قال السمين : وقد يقال : إنَّ وجهَ المنعِ مِنْ ذلك خَوْفُ الوهَمِ : أنه يُفْهَمُ أن أحداً يدفعُ العذاب في غيرِ ذلك اليومِ ، والفرضُ أنَّ عذابَ اللَّهِ لا يُدفع في كل وقت . وهذا أمرٌ مناسِبٌ قد ذُكِر مثلَه كثيرٌ ؛ ولذلك مَنَعَ بعضُهم أن ينتصِبَ { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ } بقولِه : { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آل عمران : 29-30 ] لئلا يُفْهَمَ منه ما لا يَليق ، وهو أبعدُ من هذا في الوهمِ بكثيرٍ وقد رد الآلوسي على السمين بقوله : الآلوسي: وإيهام أنه لا ينتفي دفعه في غير ذلك اليوم بناءاً على اعتبار المفهوم لا ضير فيه لعدم مخالفته للواقع لأنه تعالى أمهلهم في الدنيا ما أهملهم
[h=1]القول الثالث :[/h]معنى النفي كأنه قيل انتفى الدفع يوم تمورقال الآلوسي: أو متعلق بـمعنى النفي وإيهام أنه لا ينتفي دفعه في غير ذلك اليوم بناءاً على اعتبار المفهوم لا ضير فيه لعدم مخالفته للواقع لأنه تعالى أمهلهم في الدنيا وما أهملهم
ورده بعض العلماء قالوا : والأصل عدم التعليق بالحرف
الراجح عندي : أنها متعلقة بمجموع الكلام أي يقع العذاب ولا يمكن دفعه يوم تمور السماء
[h=1]تَمُورُ الراغب :[/h]المور : حركة سريعة فيها تردد إلى الجوانب ذهابا وإيابا ومجيئا ودورانا بحيث تكون ذهابا ومجيئا وتكفؤا وميلا ، وتمور السماء: تجيء وتذهب وتتكفأ وتميل وتضرب اضطرابا شديدا خروجا عن الحركة المنظمة مثل تكفؤ السفينة وتدور دوران الرحى والناقة المضطربة ومنه المُور : الغبار المتردد ، والمَور : التراب تمور به الريح ، والغبار الموار : الذي يجتمع ويذهب ويجيء بالريح ثم هو كله إلى ذهاب ومار الشيء ترهيأ أي جعل يذهب ويجيء ويتردد قال الطوسي: والمور تردد الشئ بالذهاب والمجيئ كما يتردد الدخان ثم يضمحل ، مار يمور مورا فهو مائر
[h=1]المعنى تمور السماء من كلام المفسرين :[/h]إن هذا العذاب لواقع يوم (تمور السماء) أي تتحرك بمن فيها تحركا كبيرا وتضطرب وتجيء وتذهب ، وتنقلب انقلابا وً تموج موجاً و تدور دوراً وتتردد بالذهاب والمجيئ والتموج ويموج بعضها في بعض ، وتختلف أجزاؤها بعضها في بعض وتضطرب هي بأجسامها من الكواكب واختلال نظامها ، اضطرابا شديدا ، وتتكفأ تكفأ السفينة وتدور دوران الرحى ومنه الغبار الموار : الذي يجتمع ويذهب ويجيء بالريح ويتردد ، ثم هو كله إلى الذهاب والاضمحلال قال أبو السعود : والمَوْرُ الاضطرابُ والترددُ في المجيءِ والذهابِ .
[h=1]السَّمَاءُ : البقاعي { السماء } التي هي سقف بيتكم الأرض[/h][h=1]مَوْرًا : أي اضطراباً شديداً[/h][h=1]النغمة :[/h]قال سيد قطب:
ويعقب هذا الإيقاع الرهيب مشهد مصاحب له رهيب :
( يوم تمور السماء مورا ، وتسير الجبال سيرا ) . .
ومشهد السماء الثابتة المبنية بقوة وهي تضطرب وتتقلب كما يضطرب الموج في البحر من هنا إلى هناك بلا قوام ، ومشهد الجبال الصلبة الراسية تسير خفيفة رقيقة لا ثبات لها ولا استقرار. أمر مذهل مزلزل. يدل ضمنا على الهول الذي تمور فيه السماء وتسير منه الجبال. فكيف بالمخلوق الإنساني الصغير الضعيف في ذلك الهول المذهل المخيف؟! وفي زحمة هذا الهول الذي لا يثبت عليه شيء وفي ظل هذا الرعب المزلزل لكل شي ء ، يعاجل المكذبين بما هو أهول وأرعب. يعاجلهم بالدعاء عليهم بالويل من العزيز الجبار
[h=1]وصلت هنا[/h][h=1]وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)[/h][h=1]الربط بما سبق :[/h]أي عذاب ربك واقع يوم تضطرب السماء بأهلها وتزول الجبال عن أماكنها ، وتتطاير كالسحب ، ثم تتفت كالرمال ، ثم تصير كالصوف المنفوش .قال الطوسي : وهو متعلق بقوله ( إن عذاب ربك لواقع . . يوم تمور السماء مورا ).
[h=1]وَتَسِيرُ الْجِبَالُ[/h][h=1]السير : انتقال ومضي في الأرض مضيا ممتدا من جهة إلى جهة والمادة فيها اللزوم[/h] قال الراغب : المضي في الأرض قال المعجم الاشتقاقي : المعنى المحوري : امتداد طولي مطرد مع دقة ما كالسير والشراك وهو سير دقيق يمتد من النعل بين الأصابع يمسك النعل إل القدم والانتقال من مكان إلى مكان وامتداد وانتشار من هذا إلى ذاك .قال التحقيق : السير : هو حركة وذهاب ظاهري ماديا أو معنويا والأصل فيها هو اللزوم
قال معجم مقاييس اللغة : السين والياء والراء : أصل يدل على مضي وجريان سار يسير سيرا وذلك يكون ليلا ونهار قال السامرائي: السير هو الامتداد فهو غير المشي يقال سار القوم : إذا امتد لهم السير من جهة إلى جهة معينة في الخصوص { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله } فالسير هنا ممتد من مدين إلى مصر وليس مشيا اهـ والمتأمل في الأيات يجد معنى امتداد السور وطوله { فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا} { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ} { وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18)}
[h=1]حاصل المعنى :[/h]تسير الجبال: تنقلع من أماكنها ومواضعها عن وجه وتتحرّك وتنتقل وتسير سيرا طويلا قويا ، وتتطاير كالسحب ، ثم فتصير هباء منبثا منبثا ثمّ وتتلاشى وتزول فتستوي هي والأرضُ وتكون الأرض قاعاً صفصفاً بارِزَةً ظاهرة ، من غير شيء يسترها من جبل ولا شجر و لا غار فيها ولا صدع ولا جبل ولا نبت ولا شجر ولا ظل ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) وذلك كله لعظم هول يوم القيامة ، وفظاعة ما فيه من الأمور المزعجة ، والزلازل المقلقة ، التي أزعجت هذه الأجرام العظيمة ، فكيف بالمخلوق الآدمي الضعيف في ذلك الهول المذهل المخيف ? !، فمشهد الجبال الصلبة الراسية تسير خفيفة رقيقة لا ثبات لها ولا استقرار . أمر مذهل مزلزل . يدل ضمنا على الهول الذي تمور فيه السماء وتسير منه الجبال والمرادُ بتذكيره تحذيرُ الناس لا سيما المشركون مما فيه من الدواهي يوم القيامة ،
وأيضا كلّ ذلك إشارة إلى أنّ هذه الدنيا وما فيها وما عليها تندكّ ويحدث مكانها عالم جديد بأنظمة جديدة ، ليستعدّ الناس للوضع الجديد الذي ينطلقون فيه سراعاً إلى يوم القيامة .
[h=1]سَيْرًا[/h][h=1]لم أتي بالمصدر فيها قولان كلاهما صحيح مراد :[/h][h=2]القول الأول : البقاعي وابن عاشور[/h] وحقق معناه بقوله : { سيراً ابن عاشور
وتأكيد فعلي { تمور } و { تسير } بمصدري { مَوْراً } و { سَيْراً } لرفع احتمال المجاز ، أي هو مور حقيقي وتنقل حقيقي .
[h=2]القول الثاني :[/h]أبو السعود وتأكيدُ الفعلينِ بمصدريِهما للإيذانِ بغرابتهِما وخروجهِما عنِ الحدودِ المعهودةِ أيْ موراً عجيباً وسيراً بديعاً لا يُدركُ كُنْهُهما .
[h=1]فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)[/h][h=1]الربط[/h]ولما حقق العذاب وبين يومه ، بين أهله فذكرت الآيات من يقع عليهم هذا العذاب الذي لا ريب في تحققه ووقوعه ، وتصف حالهم إذ ذاك.
[h=1]الفاء :[/h]فصحية تفيد السببية والتفريع مع الإشارة لمحذوف وهي تتضمن ربط المعنى وتأكيده أيْ إذَا وقعَ ذلكَ وكانَ الأمرُ كَما ذكرَ من مور السماء مورا ، وسير الجبال سيرا فويل لهم فسبب وفرع على ما دلت عليه الآيات السابقة من تحقق وقوع العذاب يوم القيامة فويل لمن يقع عليه وهم المكذبون لا محالة
· والآية تدل على كون المعذبين في { إن عذاب ربك لواقع} هم المكذبين ، وعلى تعلق الويل بهم، وذلك لأنه لما قال : { إن عذاب ربك لواقع } لم يبين بأن موقعه بمن ، فلما قال : { فويل يومئذ للمكذبين } علم المخصوص به وهو المكذب.
وفيها إيذان بأمان أهل الإيمان .
[h=1]فَوَيْلٌ[/h]سوء الحال البالغ منتهى السوء و جماع الشر كله ، وهلاك عظيم وشدة الشر والخزي والهوان والبلية الشديدة القريبة من الهلاك بحيث تؤدي إلى ندبة و تفجع فهي نهاية الوعيد والتهديد قال التحقيق : الكلمة تستعمل في مقام إنشاء ذم شديد وقدح أكيد أو دعاء على ضرر وشر هذا هو الأغلب في استعمالها والويل بمعنى البلية الشديدة القريبة من الهلاك فالويل كلمة وعيد وتهديد تدل على بلية وهلاك في مقام الإنشاء قال المعجم الاشتقاقي: المعنى المحوري اللفظ بهذه الكلمة إعلانا باصطلاء عاقبة مهلكة لعمل أو تصرف وعيدا أو تحذيرا فأما الوعيد بمهلكة لارتكاب عظيمة والتحذير منها التوعد على الكفر والشرك والتحريف للتوراة
ورفعت لإفادة معنى الثبات كما في {سلام عليكم}
والتنكير لتعظيم هذا الويل أي ويل شديد فظيع كبيرعظيم
قال سيبويه: لا ينبغي أن يقال ويل للمطففين دعاء لأنه قبيح في اللفظ ولكن العباد كلموا بكلام وجاء القرآن على لغتهم على مقدار فهمهم أي هؤلاء ممن وجب هذا القول لهم ومثله قاتلهم الله أجري على كلام العرب وبه نزل القرآن. قال اابن عاشور في { عليهم دائرة السوء }: وكل ما كان بلفظ دعاء من الله عز وجل فإنما هو بمعنى إيجاب الشيء لأن الله لا يدعو على مخلوقاته وهي قبضته ومن هنا { ويل لكل همزة لمزة } فهي كلها أحكام تامة تضمنها خبره تعالى
[h=1]يَوْمَئِذٍ[/h]يومَ إذْ يقعُ ما تقدم ذكره ـ لَهُم
[h=1]لِلْمُكَذِّبِينَ[/h]الثابتين على التكذيب وهم من مات على الكذيب ، ذكره تهديدا ووعيدا للمكذبين وفيه ترغيب بترك التكذيب .
وحذف متعلق للمكذبين لعلمه من المقام وليعم التهديد جميع ما كذبوا به ، أي الذين يكذبون بما جاءهم به الرسول من القرآن والوحي المتضمن توحيد الله والبعث والجزاء.
[h=1]الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)[/h]
[h=1]فائدة الوصف : تبينهم مع ذمهم وبيان الوصف الذي استحقوا به العقوبة[/h]فذكر وصف المكذبين الذين بما استحقوا به الويل بما يميزهم ، وللذم
[h=1].هم : في ذكرها تأكيد مع كونها جملة اسمية للثبات قال البقاعي: أي من بين الناس بظواهرهم وبواطنهم[/h][h=1]في خوض :[/h][h=1]والخوض : قال الراغب : الخوض: هو الشروع في الماء والمرور فيه وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع اهـ[/h]في تخبط واندفاع عجيبٍ في الباطل والكذب والأباطيلِ والأكاذيبِ و التخبط فيها على غير بصيرة مع تلويث وفساد ، وهو خوضهم في أمر سيدنا محمد بالتكذيب والاستهزاء وإنكار البعث ، وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فهم يتكلمون في الرسول والقرآن والبعث بغير تأمل ولا بصيرة بل طوع الهوى وهو مستعار من الخوض في الماء أي كما يفعل الخائض في الماء وهو الداخل ُ فِي الْمَاءِ مَشْيًا بِالرِّجْلَيْنِ دُونَ سِبَاحَةٍ في وضعه لرجله على غير بصيرة لستر مواضع الخطا لأنه راعى أنه مشى على غير نظر واعتبار لغلبة الماء ، وقد لا يدرى ما تقع عليه قدمه من مضرة وفي شيء يلوثه كمن ينزل في الطين ولا يستعمل إلا في الباطل والكذب لأن المتصرف في الحق إنما هو على ترتيب ونظام ، وأمور الباطل إنما هو خوض ومنه الحديث رب متخوض في مال الله له النار يوم القيامة وتقول: أخضت دابتي في الماء فالشر والفساد والكذب والباطل من لوازم مفهوم الخوض قال الكشاف: غلب الخوض في الاندفاع في الباطل والكذب" اهـ وَأَكْثَرُ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَرَدَ فِيمَا يُذَمُّ الشُّرُوعُ فِيهِا اهـ
نحو قوله تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن: إنما كنا نخوض ونلعب} [التوبة/65]، وقوله: {وخضتم كالذي خاضوا} [التوبة/69]، {ذرهم في خوضهم يلعبون} [الأنعام/91]، {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث} [الأنعام/68]،. ومنه قوله تعالى وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ، وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا
قال ابن عاشور : وَالْخَوْضُ حَقِيقَتُهُ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلتَّصَرُّفِ الَّذِي فِيهِ كُلْفَةٌ أَوْ عَنَتٌ، كَمَا اسْتُعِيرَ التَّعَسُّفُ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الرَّمْلِ لِذَلِكَ. وَاسْتُعِيرَ الْخَوْضُ أَيْضًا لِلْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ تُكَلُّفُ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ يَتَكَلَّفُ لَهُ قَائِلُهُ.
[h=1]الآيات :[/h][h=2]التي في الحديث :[/h]1) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)
2) وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)
3) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)
4) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12
5) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
{ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُو} { الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)} { فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} { كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)}
[h=1]تقديم في خوض :[/h]وقدم فى خوض على متعلقه على طريق الاهتمام بذكره ولا فصلة
[h=1]فائدة (في): و { في } للظرفية المجازية وهي الملابسة الشديدة كملابسة الظرف للمظروف ، أي الذين تمكن منهم الخوض حتى كأنه أحاط بهم .[/h][h=1]تنوين خوض : الطباطبائي : وتنوين التنكير في { خوض } يدل على صفة محذوفة أي في خوض عجيب .[/h][h=1]يلعبون : المعنى المحوري : تسيب في ما يصدر عن الشيء والذهاب لغير استقامة كلعاب الصبي إذا سال من فيه فهو متسيب[/h]الحاصل في معنى اللعب : هو ضد الجد يقال لكل عمل فيه عبثية وتسيب وعدم اتجاه لاستقامة وحكمة بل للذة بحيث لا يقصد به فاعله مقصدا صحيحا من تحصيل منفعة أو دفع مضرة ولا يجدي عليه نفعا واثرا مفيدا ا ولا يرغب إليه العاقل بل مجرد التلذذ كلعب الصبيان يقال الكفار يلعبون أي يصنعون صنع الصبيان الذين يلعبون
[h=1]نقولات مهمة :قال المنار : أصل اللعب : هو الفعل الذي لا يقصد به فاعله مقصدا صحيحا من تحصيل منفعة أو دفع مضرة كأفعال الأولاد الصغار التي يتلذذون بها لذاتها فما يعالجونه من كسر حبة نقل أو إزالة غشاء عن قطعة حلوى لأجل أكلها لا يسمى لعبا ،قال الطوسي: اللعب : هو العمل للذة لا تراعى فيه الحكمة كلعب الصبيان وأصله الذهاب على غير استقامة كلعاب الصبي إذا سال من فيه قال المعجم الاشتقاقي : المعنى المحوري : اضطراب وتسيب في ما يصدر عن الشيء كلعاب الصبي فهو متسيب مضطرب ومن هذا الأصل أخذ اللعب ضد الجد وهو تسيب واضطراب أي عدم قصد في الاتجاه والتصرف ويقال لكل من عمل لا يجدي عليه نفعا التي هي عدم القصد والجدوى إنما أنت لاعب وهذا يؤكد ان في اللعب معنى العبثية قال اللسان : يقال لكل من عمل عملا لا يجدي عليه نفعا إنما أنت لاعب قال القاموس : ضد الجد قال الطبري: هو الأخذ على غير طريق الجد ومثله العبث قال التحقيق : الأصل الواحد هو قول أو عمل لا يقصد منه منظور مفيد عقلا ولا يرغب إليه العاقل ومنه الأقوال من غير جد وقصد مما ليس فيه أثر مفيد[/h][h=1]يلعبون :[/h]· هم بالاستهزاء به والتكذيب و خوضهم بالنبي صلى الله عليه والسلام والقرآن الكريم والبعث يفعلون فعل اللاعبين الذين يشتغلون بما لا نفع فيه ولا فائدة مع تضييع الزمان والعبث وعدم الجد و العبثية والتسيب وعدم اتجاه لاستقامة وحكمة فهم يلعبون ويهزؤون غافلين عما هم صائرون إليه من عذاب الله في الاَخرة لاهين عما يراد بهم
· والمضارع للاستمرار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[h=1]كلام في واقعنا :[/h]سيد قطب
وهذا الوصف ينطبق ابتداء على أولئك المشركين ومعتقداتهم المتهافتة ، وتصوراتهم المهلهلة ؛ وحياتهم القائمة على تلك المعتقدات وهذه التصورات ، التي وصفها القرآن وحكاها في مواضع كثيرة . وهي لعب لا جد فيه . لعب يخوضون فيه كما يخوض اللاعب في الماء ، غير قاصد إلى شاطئ أو هدف ، سوى الخوض واللعب !
ولكنه يصدق كذلك على كل من يعيش بتصور آخر غير التصور الإسلامي . . وهذه حقيقة لا يدركها الإنسان إلا حين يستعرض كل تصورات البشر المشهورة - سواء في معتقداتهم أو أساطيرهم أو فلسفاتهم - في ظل التصور الإسلامي للوجود الإنساني ثم للوجود كله . . إن سائر التصورات - حتى لكبار الفلاسفة الذين يعتز بهم تاريخ الفكر الإنساني تبدو محاولات أطفال يخبطون ويخوضون في سبيل الوصول إلى الحقيقة . تلك الحقيقة التي تعرض في التصور الإسلامي - وبخاصة في القرآن - عرضا هادئا ناصعا قويا بسيطا عميقا . يلتقي مع الفطرة التقاء مباشرا دون كد ولا جهد ولا تعقيد . لأنه يطالعها بالحقيقة الأصيلة العميقة فيها . ويفسر لها الوجود وعلاقتها به ، كما يفسر لها علاقة الوجود بخالقه تفسيرا يضاهي ما استقر فيها ويوافقه .
وطالما عجبت وأنا أطالع تصورات كبار الفلاسفة ؛ وألاحظ العناء القاتل الذي يزاولونه ، وهم يحاولون
تفسير هذا الوجود وارتباطاته ؛ كما يحاول الطفل الصغير حل معادلة رياضية هائلة . . وأمامي التصور القرآني واضحا ناصعا سهلا هينا ميسرا طبيعيا ، لا عوج فيه ولا لف ولا تعقيد ولا التواء . وهذا طبيعي ، فالتفسير القرآني للوجود هو تفسير صانع هذا الوجود لطبيعته وارتباطاته . . أما تصورات الفلاسفة فهي محاولات أجزاء صغيرة من هذا الوجود لتفسير الوجود كله . والعاقبة معروفة لمثل هذه المحاولات البائسة !
إنه عبث . وخلط . وخوض . . حين يقاس إلى الصورة المكتملة الناضجة ، المطابقة ، التي يعرضها القرآن على الناس ، فيدعها بعضهم إلى تلك المحاولات المتخبطة الناقصة ، المستحيلة الاكتمال والنضوج !
وإن الأمور لتظل مضطربة في حس الإنسان وتصوره ، متأثرة بالتصورات المنحرفة ، وبالمحاولات البشرية الناقصة . . ثم يسمع آيات من القرآن في الموضوع الذي يساوره . فإذا النور الهادئ . والميزان الثابت . وإذا هو يجد كل شيء في موضعه ، وكل أمر في مكانه ، وكل حقيقة هادئة مستقرة لا تضطرب ولا تمور . ويحس بعدها أن نفسه استراحت ، وأن باله هدأ ، وأن عقله اطمأن إلى الحق الواضح ، وقد زال الغبش والقلق واستقرت الأمور . سيد قطب
كذلك يبدو أن الناس في خوض يلعبون من ناحية اهتماماتهم في الحياة . حين تقاس بالاهتمامات التي يثيرها الإسلام في النفس ، ويعلق بها القلب ، ويشغله بتدبرها وتحقيقها . وتبدو تفاهة تلك الاهتمامات وضآلتها ، والمسلم ينظر إلى اشتغال أهلها بها ، وانغماسهم فيها ، وتعظيمهم لها ، وحديثهم عنها كأنها أمور كونية عظمى ! وهو ينظر إليهم كما ينظر إلى الأطفال المشغولين بعرائس الحلوى وبالدمى الميتة ، يحسبونها شخوصا ؛ ويقضون أوقاتهم في مناغاتها واللعب معها وبها ! ! !
[h=1]قصة جميلة :[/h]السمعاني : وعن بعضهم : أنه رؤي في المنام ، فقيل له : كيف الأمر ؟ فقال : الأمر جد فأياك أن تخلطه بالهزل .
الإعراب ك هم في خوض يلعبون / هم مبتدأ وفي خوض خبر ويلعبون جملة في محل نصب حال
[h=1]يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)[/h][h=1]يَوْمَ[/h][h=1]المتعلق :[/h][h=2]القول الأول : متعلق بـ(ويل) فلما صور تكذيبهم بأشنع صورة ، بين ويلهم ببيان ظرفه وما يفعل فيه فقال: { يوم يدّعون }[/h]البقاعي
[h=2]القول الثاني : الطبري وابن عطية وابن جزي ووالشربيني و سيد قطب وهو الراجح[/h][h=2]بدل من { يومئذ } في { ويل يومئذ} أي فويل للمكذّبين يوم يُدَعّونَ .: وويل لأولئك الخائضين اللاعبين : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا )[/h][h=2]القول الثالث: متعلق بما بعده[/h]الرازي واطفيش
الفخر الرازي : المسألة الأولى : { يوم } منصوب بماذا ؟ نقول الظاهر أنه منصوب بما بعده وهو ما يدل عليه قوله تعالى : { هذه النار } تقديره يوم يدعون يقال لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون ، ويحتمل غير هذا وهو أن يكون يوم بدلا عن يوم في يومئذ تقريره فويل يومئذ للمكذبين ويوم اطفيش - التيسير : { يَوم } بدل من يوم ، أو متعلق بقول محذوف ناصبة لقوله تعالى : { هذه النار } أو رافع له أى يقول الله تعالى : { هذه النار } وهذا الوجه مع اشتماله على الحذف أولى ، لأنه لا بد من تقدير القول
[h=1]يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ[/h]الدع : الدفع الشديد العنيف بجفوة
قال الراغب : الدع الدفع الشديد قال ابن فارس : أصل منقاس مطرد : وهو يدل على حركة ودفع واضطراب والدعدعة تحريك المكيال ليستوعب الشيء قال التحقيق : الأصل في المادة الدفع بشدة وعنف ففيها شدتان شدة الدفع والشدة في ذلك قال المعجم الاشتقاقي : دعه : دفعه في جفوة وعنف وضغط جسمه بشدة بحيث يندفع مبتعدا بأثر الدفع
[h=1]معنى الآية :[/h]· أي يدفعون دفعاً عنيفاً شديدا بجفوة وإهانة وغلظة ذاهبين ومنتهين { إلى نار جهنم } التي تلقاهم بالعبوسة والكراهة والتغيظ والزفير يدعهم زبانيتها وهو مشهد عنيف وحركة غليظة تليق بالخائضين اللاعبين ، الذين لا يجدون ، ولا ينتبهون إلى ما يجري حولهم من الأمور ، فيساقون سوقا ويدفعون في ظهورهم دفعا ، وذلك إهانة لهم وغلظة عليهم
· وفيه تمثيل حالهم بأنهم خائفون متقهقرون فتدفعهم الملائكة الموكلون بإزجائهم إلى النار
[h=1]دَعًّا[/h]تفيد تعظيم هذا الدع وبيان أنه في غاية الشدة والقوة والفظاعة مع تأكيد المعنى تحقيقه فهو دع لا رحمة معه ، ولا شفقة فيه.
[h=1]جَهَنَّم :[/h][h=1]القول الأول :[/h] البقاعي والتحقيق والشنقيطي والإمام النووي والسراج المنير وحقي الطوسي والشعراوي والطبرسي .
تَجَهَّمَ : إِذَا عَبَسَ وَجْهُهُ فهو خلاف البشاشة والطلاقة وبه سمي الاسد جهما، و رجل جهم الوجه : كالح منقبض كالح منقبض ، و تجهمت الرجل إذا أغلظت له
سميت جهنم :
1) لِأَنَّهَا تَلْقَاهُمْ بالتجهم الكلاحة بِوَجْهٍ في غاية العبوس والكراهة غليظ باسر كلوح
· ضيقة الخلق شديدة الفظاظة و الغلظ محيط فيه غلظة ومطيقة
كما كانوا يفعلون مع المؤمنين وأهل الحق ولما كانوا عليه عند العلم بالآيات المرئية والمسموعة من الاستهزاء الملازم للضحك والتمايل بطراً وأشراً .
· وزيادة النون المشددة تدل على شدة الغلظ والكلوح كما في بهنسة من البهس بمعنى التبختر الصحيح إثبات هذا البناء ، وجاءت منه ألفاظ ، قالوا : « ضغنط » من الضغاطة وهي الضخامة ، و « سفنج » و « هجنف » للظليم ، والزونك : القصير سمي بذلك لأنه ينزوك في مشيته أي : يتبختر ، الصحيح أنها عربية مشتقة وأصلها من الجهم وهو الكراهة والغلظ ، فالنون المشددة زائدة ،
ــــــــــــــــــــ
قال ابن فارس : (جهم) الجيم والهاء والميم يدلُّ على خلاف البَشاشة والطَّلاقة. يقال رجلٌ جهمُ الوجهِ أي كريهُهُ. ومن ذلك جَهْمة الليل وجُهْمتُه، وهي ما بين أوّلهِ إلى رُبُعه. ويقال جَهَمْتُ الرّجل وتجهَّمْتُه، إذا استَقْبَلتَه بوجه جَهْم. قال الأساس : وجه جهم غليظ ضيق الخلق قال التحقيق : جهنم اسم مكان يعذب الكفار لأن لها وجها باسرا كريها شديدة الغلظ ضيقة فهي محيط فيه غلظة ومطيقة وكراهة وكلوح وزيادة النون المشددة تدل على شدة الغلظ والكلوح كما في بهنسة من البهس بمعنى التبختر ، قال البقاعي :
الدركة النارية الشديدة الاضطرام التي تلقاهم بالتجهم والتكره وغاية العبوسة والغيظ والكراهة والكلاحة والفظاظة
يقال رجل جهم الوجه كالح منقبض
كما كنتم تفعلون بعبادي الصالحين و كما كان يلقى الحق وأهله و كما كان يعمل عند قطعه لأولياء الله
كما كان يلقى بذلك الفقراء وغيرهم من أهل الله لا سيما من منعه ما يجب له من النفقة
لما كانوا عليه عند العلم بالآيات المرئية والمسموعة من الاستهزاء الملازم للضحك والتمايل بطراً وأشراً
قال الشنقيطي : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَزْنِ جَهَنَّمَ بِالْمِيزَانِ الصَّرْفِيِّ ، فَذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى أَنَّ وَزْنَهُ «فَعَنَّلُ» فَالنُّونُ الْمُضَعَّفَةُ زَائِدَةٌ ، وَأَصْلُ الْمَادَّةِ : الْجِيمُ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ ، مِنْ : تَجَهَّمَ : إِذَا عَبَسَ وَجْهُهُ ; لِأَنَّهَا تَلْقَاهُمْ بِوَجْهٍ مُتَجَهِّمٍ عَابِسٍ ، وَتَتَجَهَّمُ وُجُوهُهُمْ وَتَعْبَسُ فِيهَا لِمَا يُلَاقُونَ مِنْ أَلَمِ الْعَذَابِ . وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : جَهَنَّمُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ ، وَالْأَصْلُ «كَهِنَامُ» وَهُوَ بِلِسَانِهِمُ «النَّارُ» ، فَعَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ وَأَبْدَلُوا الْكَافَ جِيمًا قال الطوسي : و (جهنم) في موضع جر ب (من) لكن فتح لانه لاينصرف لاجتماع التأنيث والتعريف فيه، واشتقاقه من الجهومة، وهي الغلظ، رجل جهم الوجه غليظه، فسميت بهذا لغلظ أمرها في العذاب، نعوذ بالله منها.
قال الطبرسي : و جهنم اسم من أسماء النار و اشتقاقها من الجهومة و هي الغلظ و قيل أخذ من قولهم بئر جهنام أي بعيد قعرها ،
قال الشعراوي: وجهنم مأخوذة من الجهومة وهي الشيء المخوف العابس الكريه الوجه
قال المعجم الوسيط : ( جهم ) جهامة وجهومة صار عابس الوجه كريهه ويقال جهم وجهه فهو جهم وجهيم
قال القاموس: لجَهْمُ وككتِفٍ : الوَجهُ الغليظُ المُجْتَمِعُ السَّمِجُ جَهُمَ ككَرُمَ جَهامَةً وجُهومَةً .
قال الاشتقاق: والجهم الغليظ الوجه وبه سمي الاسد جهما وكل كثيف جهم ومنه تجهمت الرجل إذا أغلظت له وقد سمت العرب جهما وجهيما
قال الأساس : وجه جهم غليظ كثير اللحم ضيق الخلقة قال الاشتقاق: والجهم الغليظ الوجه وبه سمي الاسد جهما وكل كثيف جهم ومنه تجهمت الرجل إذا أغلظت له وقد سمت العرب جهما وجهيما
[h=1]الدليل على ترجيح هذا القول :[/h]يقول علي يؤيده : { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} قال حقي: أي الدركة النارية التي تلقاهم بالتجهم والعبوسة يقال رجل جهم الوجه كالح منقبض وفيه إشارة إلى إن عذابه تعالى وانتقامه خارج عن العادة لكونه ليس بسيف ولا سوط ولا عصا ونحوها بل بالنار الخارجة عن الانطفاء وليس للكافر المعذب من الخلاص رجاء وقال بعضهم : جهنم من الجهنام وهي بئر بعيدة القعر ففيه إشارة إلى أن أهل النار مبعدون عن جمال الله تعالى وعن نعيم الجنة محرقون في نار البعد والقطيعة نسأل الله العافية
الآيات التي تؤيد هذا القول "
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ
أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (
162 وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا
قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (1
) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (3 وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ
[h=1]القول الثاني : الآلوسي والسمين وهميان الزاد والمعجم الاشتقاقي وجمهرة اللغة وأبو حاتم أبو حيان والسيوطي والقاموس والصحاح[/h]ورده ابن عاشور
قال الآلوسي : جهنم إما من الملحق الخماسي بزيادة الحرف الثالث ووزنه فعنلل وفي البحر أنها مشتقة من قولهم ركية جهنام إذا كانت بعيدة القعر وكلاهم من الجهم وهي الكراهة والغلظة ووزنها فعنل قال السمين الصحيح أنها عربية مشتقة من ركية جهنام أي بعيدة القعر وهي من الجهم أي الكراهة قال هميان الزاد : وأصله البئر البعيدة القعر ، سميت دار العقاب أو ناراه لبعدها فى العمق ، وأصلها من الجهم وهو الكراهة والغلظ ، فالنون المشددة زائدة ،قال المعجم الاشتقاقي : بئر جهنم وجهنَّام بعيدة القعر المعنى المحوري: بعد قعر الشيء وعمق تجوفه مع اضطمامه على هذا التجوف كالبئر الموصوفة ومن هذا جهنم التي يعذب فيها الكافرون وصفها بالعمق السحيق ومن الناحية الصوتية فإن الجيم تعبر عن هيكل غير مصمت والهاء عن فراغ جوفه والنون عن امتداد ذلك الفراغ في الباطن والميم عن تضامها ومن الواضح البين أنها ليست معربة من فارسية أو عبرية قال في جمهرة اللغة : وجِهِنّام: رَكِيّ بعيدة القعر. قال أبو حاتم: أحسب اشتقاق جهنَّم منه.
رده ابن عاشور : وَجَهَنَّمُ عَلَمٌ عَلَى دَارِ الْعُقَابِ الْمُوقَدَةِ نَارًا، وَهُوَ اسْمٌ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ قَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ اعْتَبَرَتْهُ كَأَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِلْعِلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ: جَاءَ مِنْ لُغَةٍ غَيْرِ عَرَبِيَّةٍ، وَلِذَلِكَ لَا حَاجَةَ إِلَى الْبَحْثِ عَنِ اشْتِقَاقِهِ، وَمَنْ جَعَلَهُ عَرَبِيًّا زَعَمَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَهْمِ وَهُوَ الْكَرَاهِيَةُ فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ وَزْنَهُ فَعَنَّلْ بِزِيَادَةِ نُونَيْنِ أَصْلُهُ فَعْنَلْ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ ضُعِفَّتْ وَقِيلَ وَزْنُهُ فَعَلَّلْ بِتَكْرِيرِ لَامِهِ الْأُولَى وَهِيَ النُّونُ إِلْحَاقًا لَهُ بِالْخُمَاسِيِّ وَمَنْ قَالَ: أَصْلُهَا بِالْفَارِسِيَّةِ كَهْنَامُ فَعُرِّبَتْ جَهَنَّمَ.
وَقِيلَ أَصْلُهَا عِبْرَانِيَّةٌ كِهِنَامُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْهَاءِ فَعُرِّبَتْ وَأَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّ وَزْنَ فَعَنَّلْ لَا وُجُودَ لَهُ لَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِهِ لِوُجُودِ دَوْنَكَ اسْمُ وَادٍ بِالْعَالِيَةِ وَحَفَنْكَى اسْمٌ لِلضَّعِيفِ وَهُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَنُونٍ سَاكِنَةٍ وَكَافٍ وَأَلِفٍ وَهُمَا نَادِرَانِ، فَيَكُونُ جَهَنَّمُ نَادِرًا، وَأَمَّا قَوْلُ الْعَرَبِ رَكِيَّةُ جَهَنَّم أَي بعيدَة الْقَعْرِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ تَشْبِيهِ الرَّكِيَّةِ بِجَهَنَّمَ، لِأَنَّهُمْ يَصِفُونَ جَهَنَّمَ أَنَّهَا كَالْبِئْرِ الْعَمِيقَةِ الْمُمْتَلِئَةِ نَارًا قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ أَوْ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصّلت يرثي زيدا بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَكَانَا مَعًا مِمَّنْ تَرَكَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ:
رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا ... تَجَنَّبْتَ تَنُّورًا مِنَ النَّارِ مُظْلِمًا
قال القاموس: ورَكيَّةٌ جَهَنَّام مُثَلَّثَةَ الجيمِ وجَهَنَّمٌ كعَمَلَّسٍ : بَعيدةُ القَعْرِ وبه سُمِّيَتْ جَهَنَّمُ أعاذَنا اللّهُ تعالى منها
[h=1]هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)[/h][h=1]الربط :[/h][h=1]هذه[/h]ابن عاشور : والإِشارة بكلمة { هذه } الذي هو للمشار إليه القريب المؤنث تومىء إلى أنهم بلغوها وهم على شفاها ، والمقصود بالإِشارة التوطئة لمَا سيرد بعدها من قوله : { التي كنتم بها تكذبون } إلى { لا تبصرون } .
[h=1]النار التي كنتم بها تكذبون :[/h][h=1]حاصل المعنى :[/h]يقال لهم : هذه النار التي كنتم ، فتجحدون أن تردّوها ، وتصلوها ، أو يعاقبكم بها ربكم ، أي يقال لهم على وجه التوبيخ : النار التي كنتم تكذبون بها في دار التكليف حين جحدتم الثواب والعقاب والنشور يقال لهم هذا على طريق التوبيخ والتقريع . أي : تقول لهم الزبانية ذلك تقريعا وتوبيخا . البقاعي -{ هذه النار } أي الجسم المحرق المفسد لما أتى [SUP]5[/SUP] عليه ، الشاغل عن اللعب
[h=1]سر حذف يقال :[/h]وترك ذكر يُقال لهم ، اجتزاء بدلالة الكلام عليه
إعراب يقال المحذوفة :
[h=1]ابن عاشور : وجملة { هذه النار } إلى آخرها مقول قول محذوف دل عليه السياق . والقول المحذوف يقدر بما هو حال من ضمير { يدعون } . وتقديره : يقال لهم ، أو مقولاً لهم ، والقائل هم الملائكة الموكلون بإيصالهم إلى جهنم .[/h]
[h=1]استعمال طريقة التعريف بالموصولية :[/h]ابن عاشور :
والموصول وصلته في قوله : { التي كنتم بها تكذبون } لتنبيه المخاطبين على فساد رأيهم إذ كذبوا بالحشر والعقاب فرأوا ذلك عياناً .
[h=1]كان مع الفعل المضارع :[/h]البقاعي : { التي كنتم } بجبلاتكم الفاسدة . أي في الدنيا على التجديد والاستمرار .
[h=1]تقديم بها :[/h]للتفظيع بها مع هولها وشدها وعظمتها تكذبون وبيان المبالغة في التكذيب
البقاعي : ولما كان تكذيبهم بها في أقصى درجات التكذيب ، وكان سبباً [SUP]7[/SUP] لكل تكذيب ، كان كأنه مقصور عليه فقال مقدماً للظرف إشارة إلى ذلك [SUP]8[/SUP] ، { بها [SUP]9[/SUP] تكذبون * }
[h=1]معنى تكذبون :[/h][h=1]متى يقال لهم ذلك :[/h]البغوي
فإذا دنوا منها قال لهم خزنتها : { هذه النار التي كنتم بها تكذبون } في الدنيا .
الطبرسي : ثم يدفعون إلى جهنم دفعا على وجوههم ، حتى إذا دنوا قال لهم خزنتها : ( هذه النار التي كنتم بها تكذبون ) في الدنيا .
ابن الجوزي : حتى إذا دنوا منها قالت لهم خزنتها : { هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ } في الدنيا .
اطفيش - الهميان : أي يقال لهم في ذلك اليوم هذه النار الخ اذا دنوا منها قالت الخزنة ذلك توبيخاً وتقريعاً .
سيد قطب : حتى إذا وصل بهم الدفع والدع إلى حافة النار قيل لهم : ( هذه النار التي كنتم بها تكذبون ! ) .
[h=1]أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)[/h][h=1]الربط :[/h][h=1]متى يقال لهم :[/h][h=2]القول الأول : البقاعي والرازي والسراج المنير[/h]إذا وردوا جهنم يقال لهم أفسحر هذا الذي أنتم فيه من العذاب مع هذا الإحراق الذي تصلون منه
[h=2]القول الثاني: سيد قطب زاد المسير والخازن والبغوي والبيضاوي وأبو السعود وابن عاشور وسيد ط وعبد الكريم وغيرهم[/h] الإشارة إلى النار والعذاب فبينما هم في هذا الكرب ، بين الدع والنار التي تواجههم على غير إرادة منهم . يجيئهم الترذيل والتأنيب ، والتلميح إلى ما سبق منهم من التكذيب : { أفسحر هذا ? أم أنتم لا تبصرون} هذه الحقيقة المتجسدة في هذا اللهب الذي يعلو في الفضاء ، وهذا الحريق الذي يتحرك في الأرض ؟ يقال لهم إذا دَنوا منها قالت لهم خزنتُها : أفسحر هذا } العذاب الذي ترون؟ فإذا ألقوا فيها قيل لهم { اصْلوها } لا ، إن هذا العذاب ليس سحرا ، ولستم أنتم بمحجوبين عن رؤيته ، بل هو أمام أعينكم ، ومهيأ لاستقبالكم ، وهذه النار تناديكم .
[h=1]أَفَسِحْرٌ[/h][h=1]المعنى :[/h]· وقيل هذا لهم توبيخا وتقريعا وزجرا وإيلاما وسخرية وتوقيقا على صحة ما كانوا يكذبوا به من النار حيثُ كانُوا يسمُّونَ القرآن والوحي سِحْراً كأنَّه قيلَ كُنتم تقولونَ للقرآنِ الناطقِ بهذا سحرٌ فهل هذه النار التي ترونها الاَن سحر قد غطى على أبصاركم هل هي تمويه وتلبيس ، هل في المرئي شك ففيه رد لما سبق منهم من التكذيب .
[h=1]أيْ أَمْ أنتُم عُمْيٌ في أبصاركم علل ، لا تبصرون هذه النار وهذا العذاب المعد لكم كما كُنتم لا تبصرون في الدنيا عميا عن الخبرِ ، فلعلكم تزعمون أنكم لا ترون ناراً كما كنتم في الدنيا تنكرون وتعمون عن رؤية دلائل نبوة الرسول صلى الله عليه و سلم والوحي فيقولون : نحن لا نبصر.[/h]· والجواب انتفاء الأمرين ، فالذي ترونه حق فلا يمكنهم أن يقولوا هذا سحر ، إن هذا العذاب ليس سحرا ، ولستم أنتم بمحجوبين عن رؤيته ، بل هو أمام أعينكم ، ومهيأ لاستقبالكم ، وهذه النار تناديكم إنه الحق الهائل الرعيب.
· وإنه لأسلوب من أساليب العقاب ، أن يوقف المجرم على جسم جريمته ، وأن يواجه بها .
[h=1]· وأيضا في الاستفهام سد أبواب الإنكار فقد وقفوا على الجهتين التي يمكن منها دخول الشك في أنها النار ، وهي إما أن يكون ثَمَّ سحرٌ يلبس الأمر، وإما أن يكون في بصر النظر اختلال تحقيقا للأمر ، وذلك لأن من يرى شيئا ولا يكون الأمر على ما يراه ، فذلك الخطأ يكون لأجل أحد أمرين إما لأمر عائد إلى المرئي وإما لأمر عائد إلى الرائي فقوله { أفسحر هذا } أي هل في المرئي شك أم هل في بصركم خلل ؟. تحقيقا للأمر ،[/h][h=1]الفاء :[/h][h=1]الزمخشري و الآلوسي والطيبي ونقله السمين[/h]" يعني و كنتمْ تقولون للوحي الذي أنذركم بهذا: هذا سحرٌ ، أفهذا المصدق له سحر أيضاً ، ودخَلَت الفاءُ لهذا المعنى ودل على هذا المقدر قوله سبحانه : { هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ }، فالفاء مؤذنة بما ذكر ومفرعة ومسببة عن { هذه النار التي كنتم بها تكذبون} ، وذلك لأنها لما كانت تقتضي معطوفاً عليه يصح ترتب الجملة أعني (سحر هذا) عليه وكانت هذه جملة واردة تقريعاً مثل { هذه النار } لم يكن بد من تقدير ذلك على وجه يصح الترتب ويكون مدلولاً عليه من السياق فقدّر (كنتم تقولون للوحي : هذا سحر أفهذا المصدق له سحر، و هذا نظير ما تستدل بحجة فيقول الخصم : هذا باطل فتأتى بحجة أوضح من الأول مسكتة وتقول : أفباطل هذا ؟ا تعيره بالإلزام بأن مقالته الأولى كانت باطلة
[h=1]تقديم الخبر :[/h]{ أَفَسِحْرٌ } : خبرٌ مقدمٌ . و " هذا " مبتدأٌ مؤخرٌ ، و تقديم الخبر لأنه المقصود بالإنكار والتوبيخ و محطُّ الإنكارِ ومدارُ التوبيخِ .
واستعمال اسم الإشارة للقريب : لأن الواقع كذلك وزيادة التبكيب .
[h=1]تقديم المسند إليه والإتيان بالخبر الفعلي :[/h]وقدم المسند إليه لإِفادة تقوّي الحكم وتقويته وهو أشد توكيداً وزيادة في التهكم والتوبيخ (أنتم)، فلذلك لم يقل : أم لا تبصرون ، لأنه لا يفيد تقوياً
واختيار الجملة الاسمية مع الخبر الفعلي لإفادة الثبوت التجددي لا يتجدد لكم بصر وثابت ذلك .
[h=1]نوع أم :[/h][h=1]القول الأول : أبو حيان والرازي والظلال والسعدي و الطباطبائي والخراط وهو الحق والراجح .[/h]متصلة أي أهذا الأمر واقع أم هذا تهكما بهم ، فإما أن يكون ثمّ سحر يلبس ذات المرئي ، وإما أن يكون في نظر الناظر اختلال ، أي هل في المرئي شك أو في أبصاركم علل ؟ لا واحد منهما بموجود ، فالذي ترونه حق .
[h=1]القزل الثاني : منقطعة[/h][h=1]الآلوسي وابن عاشور[/h][h=1]بمعنى : بل أنتم لا تبصرون فهو خروج من أمر إلى أمر، قالوا : وهذا هو الظاهر وهو أبعد مغزى .[/h][h=1][/h][h=1]اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)[/h][h=1]الربط: ثم يقال لهم بعد هذا التبكيت الذي يقطع بأن جوابهم يكون بأن يقولوا : لا وعزة ربنا ما هو بسحر ولا خيال ، بل هو حقيقة ، ونحن في غاية الإبصار على سبيل [SUP]17[/SUP] الإخزاء ، والامتهان والإذلال فحين ينتهي هذا التأنيب الساخر المرير يعاجلهم بالتيئيس البئيس . ( اصلوها . فاصبروا أو لا تصبروا . سواء عليكم . إنما تجزون ما كنتم تعملون ) وليس أقسى على منكوب بمثل هذه النكبة . من أن يعلم أن الصبر وعدم الصبر سواء . فالعذاب واقع ، ما له من دافع . وألمه واحد مع الصبر ومع الجزع والبقاء فيه مقرر سواء صبر عليه أم هلع . .[/h][h=1]موقع جملة اصلوها :[/h][h=1]وجملة { اصلوها } مستأنفة هي بمنزلة النتيجة المترقبة من التوبيخ والتغليظ اصْلَوْهَا[/h]صلي بالنار : ذاق وقاسى بشدة حرها وسعيرها وتوقدها وإحراقها واضطرامها وشوي وفيها ومن لوازمه الدخول فيها .
المعنى : باشروا حرها وسعيرها وتوقدها وقاسوا شدائدَهَا بشدة و ذوقوه ومن لوازم ذلك أنهم بدخلون ويرمون فيها
[h=1]فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ[/h][h=1]الصبر : حبس النفس على المكروه والإمساك في ضيق .[/h](سواء) : اسم مصدر بمعنى الاستواء ولم يقل استوى عليكم ولا مستو لإفادته المبالغة، كأن الامر صار عين الاستواء كأنه تجسم ، ويدل على أنه اسم مصدر يعامل معاملة المصدر في لُزُومُ إِفْرَادِهِ وَتَذْكِيرِهِ مَعَ اخْتِلَافِ مَوْصُوفَاتِهِ وَمُخْبِرَاتِهِ .
[h=1]المعنى :[/h][h=1]اصبروا أو لا تصبروا :[/h]ثم قيل لهم على جهة قطع رجائهم وبيان عدم الخلاص { اصبروا أو لا تصبروا} اصبروا على ألمها وشدتها و على تجرّع هذه الغصص ، أو لا تصبروا على ذلك بأن تعلنوا جزعكم وضجركم وتحاولوا إزالته ودفعه فالحالان سواء لأن كليهما لا يخففان عنهم شيئاً من العذاب لان عذاب جهنم ليس من الأمور التي إذا صبر العبد عليها هانت مشقتها وزالت شدتها ، لأنه لن ينتهي إلى وضع آخر فيه تخفيف العذاب أو صرفه عنكم ، فلا الصبر يرفع عنكم العذاب أو يخففه ولا الجزع وترك الصبر ينفع لكم شيئا ، والعذاب فيه مقرر لازم لكم لا يفارقكم وألمه واحد مع الصبر ومع الجزع .
، والأمر في {اصبروا أو لا تصبروا} بمعنى التسوية بين الفعل والترك فليس المراد بذلك الأمر بالصبر ولا النهي عنه وإنما المراد التسوية بين الصبر وعدمه في أن كل واحد من الحالين لا ينفعهم ولا يخفف عنهم شيئا من العذاب وهذا تقريع لهم .
[h=1]الفاء : ابن عاشور والبقاعي والطباطبائي[/h]سببية إخبار وتفريع على {اصلوها} أي فيتسبب عن مباشرتكم لها الآن أن يقال لكم : اصبروا على هذا الذي لا طاقة لكم به أو لا تصبروا
[h=1]موقع الجملة :[/h]الجملة الكريمة تعطي فائدتين :
[h=1]إعراب سواء :[/h][h=1]فيه قولان :[/h][h=1]القول الأول : أن { سواء}مبتدأ ، خبره محذوف[/h]الزمخشري وأبو السعود والبيضاوي
سواء عليكم الأمران : الصبر وعدمه المدلول عليه بقوله { فاصبروا أو لا تصبروا
[h=1]القول الثاني : { سواء} خبر مبتدؤه محذوف وهو الأصح الذي عليه الجمهور[/h]أبو البقاء والسمين الحلبي وأبو حيان والشوكاني والآلوسي واطفيش وابن عاشور وسيد طنطاوي وحقي
[h=1]كأنه يقول : الصبر وعدمه سواء قالوا وهذا أحسنُ لأنَّ جَعْلَ النكرةِ خبراً أَوْلَى مِنْ جَعْلِها مبتدأً وجَعلِ المعرفةِ خبراً . الآلوسي :فسواء خبر مبتدأ محذوف وصح الإخبار به عن المثنى لأنه مصدر في الأصل ، وجوز كونه مبتدأ محذوف الخبر وليس بذاك[/h][h=1]الفائدة البلاغية من حذف المبتدأ أو الخبر :[/h]الدلالة على غاية التسوية حتى كأنه عين السواء فلم يعبر باسم الفاعل ولا بالمصدر بل باسم المصدر وحذف المبتدأ أو الخبر ليجعله كأنه عينه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[h=1]موقع جملة { سواء عليكم} :[/h]وجملة { سواء عليكم } مؤكدة لجملة { فاصبروا أو لا تصبروا } فلذلك فصلت عنها ولم تعطف .
[h=1]إِنَّمَا تُجْزَوْنَ[/h][h=1]الفائدة الأولى : تفيد التعليل فهي جملة استئنافيه تعليلية للتسوية بين الصبر وعدمه[/h]إنما تستوفون جزاء أعمالكم في الدنيا لسبق الوعيد به في الدنيا على ألسنة الرسل ، ولقضاء الله به بمقتضى عدله وإذا كان الجزاء وقعا حتما كان الصبر وعدمه سواء .
أي استوايا عليكم لقضاء الله عز وجل بالجزاء ، فلا يتخلف بالصبر .
[h=1]الجزاء:[/h] ما فيه الكفاية من المقابلة إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال البقاعي : الجزاء الإعطاء بالعمل ما يقتضيه من خير وشر فلو كان الإعطاء ابتداء لم يكن جزاء مطلقا .
[h=1]موقع الجملة : تفيد قولين لا يتعارضان[/h][h=1]القول الأول : ابن جزي والسعدي[/h]هذا تعليل لما ذكر من عذابهم ، وليس تعليلا للصبر ولا لعدمه أي إنما فعل بهم ذلك ، بسبب أعمالهم الخبيثة وكسبهم ، [ ولهذا قال ] { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } والحصر المستفاد من كلمة { إنما } قصر قلب بتنزيل المخاطبين منزلة من يعتقد أن ما لقوه من العذاب ظلم لم يستوجبوا مثل ذلك من شدة ما ظهر عليهم من الفزع
[h=1]القول الثاني : الجمهور الزمخشري والبيضاوي والآلوسي وأبو السعود والشوكاني والنيسابوري وسيد قطب[/h]فإن قلت : لم علل ملازمة العذاب ومساواة الصبر وعدمه (الجزع) بقوله : { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ؟ قلت : هو تعليل لملازمة العذاب ومساواة الصبر وعدمه
· فإنه لما كان الجزاء واجب الوقوع حتماً متحتم الوقوع لسبق الوعيد به وقضائه سبحانه إياه بمقتضى عدله لا بد من حصوله فهو جزاء على ما كان من عمل كان جزاء له سببه الواقع فلا تغيير فيه ولا تبديل فأنتم تجزون بأعمالكم التي كنتم تعملونها فالعذاب يلازمكم ـ كان الصبر وعدمه سيين في عدم النفع فلا مزية للصبر على عدمه. { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي : ولا يظلم الله أحدا ، بل يجازي كلا بعمله
· قال البقاعي : ولما كان المعهود أن الصبر له مزية على الجزع ، بين أن ذلك حيث لا تكون المصيبة إلا على وجه الجزاء الواجب وقوعه فقال معللاً : { إنما تجزون
· المضارع في تجزون: لأن المراد يقع جزاؤكم الآن وفيما يأتي على الدوام
· كنتم تعملون: كنتم } أي دائماً بما هو لكم كالجبلة { تعملون * } من الكفر والمعاصي وإنكار نبوة النبي وكتابه والبعث ووحدانية الله سبحانه { إنما } مركبة من ( إنّ ) و ( ما ) الكافة ، فكما يصح التعليل ب ( إنّ ) وحدها كذلك يصح التعليل بها مع ( ما ) الكافة ،
[h=1]سر استعمال إنما : انها تستعمل في المعروف المعلوم أو المنزل منزلة المعلوم وهنا كأنه يقول من الواضح المعلوم هذا مع إفادة الحصر[/h][h=1]مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[/h]تَعْمَلُونَ } في الدنيا من الكفر والتكذيب وهنا مضاف مقدر تجزون جزاء ما كنتم تعملون ولكن حذف جزاء حتى يبين المطابقة التامة بين العمل والجزاء وأنه ليس إلا من أيديهم ، فهو على حذفِ المضافِ وإقامةِ المضافِ إليه مقامَه للتَّنبيه على قُوَّةِ التَّلازمِ والارتباطِ كأنَّهما شيءٌ واحدٌ والتساوي وأن الجزاء من أيديهم .
[h=1]سر حذف الباء :[/h]ابن عاشور :
وعدي { تجزون } إلى { ما كنتم تعملون } بدون الباء خلافاً لقوله بعده { كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون } [ الطور : 19 ] ليشمل القصر مفعول الفعل المقصور ، أي تجزون مثل عملكم لا أكثر منه فينتفي الظلم عن مقدار الجزاء كما انتفى الظلم عن أصله ، ولهذه الخصوصية لم يعلق معمول الفعل بالباء إذ جعل الجزاء بمنزلة نفس الفعل .
[h=1]إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17)[/h][h=1]الربط[/h]} شروع في ذكر حال المؤمنين بعد ذكر حال الكافرين كما هو عادة القرآن الجليل في الجمع بين «الترغيب والترهيب و »فلما ذكر تعالى عقوبة المكذبين ، أتبعه ما لأضدادهم من الثواب والنعيم المتقين فتكون القلوب بين الخوف والرجاء
[h=1]فقال جواباً لمن كأنه قال : فما شأن أضدادهم وماذا لهم ؟[/h][h=1]موقع الجملة : جملة مستأنفة استئنافا بيانيا بعد أن ذكر حال المكذبين وما يقال لهم ، فمن شأن السامع أن يتساءل عن حال أضدادهم وهم الفريق الذين صدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به القرآن وخاصة إذ كان السامعون المؤمنين وعادة القرآن تعقيب الإِنذار بالتبشير وعكسه ،[/h]فالأظهر أن يكون إخباراً لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وليس من تتمة المقول للكفار .
وهذا المشهد المعروض مثير للحس ، ولكن بما فيه من رخاء ورغد ، وهتاف بالمتاع لا يقاوم ، وبخاصة بعد مشهد العذاب البئيس ، المشهد يجتذب النفوس بلذائذ الحس في صورتها المصفاة . وهو مقابل لذلك العذاب الغليظ التي تواجه به القلوب الجاسية والقلوب اللاهية كذلك ، ومجرد الوقاية من عذاب الجحيم الذي عرضت مشاهده في هذه السورة فضل ونعمة . فكيف ومعه ( جنات ونعيم )? وهم يلتذون ما آتاهم ربهم ويتفكهون ?
[h=1]إِنَّ[/h]وتأكيد الخبر بـ( إن ) للاهتمام به وللرد على المنكرين .
[h=1]الْمُتَّقِينَ[/h]معنى التقوى :
قال ابن عاشور :
1)اللفظ مأخوذ من الوقاية
2) والوقاية :فرط الصيانة والحفظ من المكروه والمضر والحجز بينه وبينه: من وقى الشيء وقاية ، أي : صانه وحفظه مما يضره ويؤذيه . ومنه : فرس واقٍ ، !وَقِيَ الفَرَسُ مِن الحَفَا !يَقِي ( كوَجِيَ ) واقٍ: إذا كانَ يَهابُ المَشْيَ مِن وَجَعٍ يَجِدُه في حافِرِ ، فهو يقي حافره أن يصيبه أدنى شيء يؤلمه
فالمتقى من يبالغ فى الحذر من شئ يعالج الحذر منه وينفر من أن يقع فى أقل قليل منه كمحاذرة السم ، فقد يحذر ما لا يكون فيه ذلك المحذور بحسب ما ظهر مخافة أن يكون فيه وهو لا يعلم فيه
3)معنى تاء الافتعال :
القول الأول :
أ) قال أبو حيان : "المتقي اسم فاعل من اتقى ، وهو افتعل من وقى بمعنى حفظ وحرس ، وافتعل هنا : للاتخاذ أي اتخذ وقاية" فالمتقي من اتصف بالاتقاء ،[14]
ب) القول الثاني : قال التحرير : وهو طلب الوقاية ، فالمتقي هو الحذر المتطلب للنجاة من شيء مكروه مضر
4)وفعله اتَّقى ، على وزن افتعل وأصل (اتقى ) اوتقى
و( والمتقين ) جمع متق اسم فاعل من اتقى: وأصل « للموتقيين » استثقلت الكسرة على الياء فسكنت وحذفت للالتقاء ، وأبدلت الواو تاءً على أصلهم في اجتماع الواو والتاء ، وأدغمت التاء في التاء فصار { للمتقين } المتقون )
5) تعريف المتقين :
أ) قال الطبري :[15] وأولى التأويلات بقول الله جل ثناؤه(هدى للمتقين)، تأويلُ من وصَف القومَ بأنهم الذين اتَّقوُا اللهَ تبارك وتعالى في ركوب ما نهاهم عن ركوبه فتجنبوا معاصِيَه، واتَّقوْه فيما أمرهم به من فرائضِه، فأطاعوه بأدائها[16].وفى معناه أيضاً من لا يراه الله حيث نهاه
ماذا يتقون : يتقون الله تعالى غضبه وعذابه و ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك
ب)وفى عرف الخواص من أهل الشرع أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق سبحانه وتعالى ، وينقطع إليه بجملته ظاهره وباطنه ، وهو التقوى الحقيقى المطلوب ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما : المتقى من
كيف يتقون ما ذكر :
أ)بامتثال أوامره بشدة محاذره الشرك و الفواحش والكبائرو المعصية والشبهة وما حرم الله وهو في الشريعة و ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك
ب) وفعل المأمورات
المراد بالمتقين : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ } لربهم ، الذين اتقوا سخطه وعذابه وصانوا أنفسهم من خطر غضب الله ، بامتثال الأوامر وأداء الفرائض التي أولها الإيمان بالله وحده وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتلقوا القرآن بالتصديق والتسليم والعمل والخشية ، واجتنبوا النواهي ولم يدنسوا أنفسهم بالشرك و الآثام ، وأخلصوا له العبادة في السر والعلن الذين صارت التقوى لهم صفة راسخة والتعبير ب «المتّقين » بدلا من المؤمنين ، لأنّ هذا العنوان يحمل مفهوم الإيمان ، كما يحمل مفهوم العمل الصالح أيضاً واجتناب المعاصي )
[h=1]فِي[/h]و (فِي) مِنْ قَوْلِهِ: فِي جَنَّاتٍ لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى التَّلَبُّسِ الْقَوِيِّ كَتَلَبُّسِ الْمَظْرُوفِ بِالظَّرْفِ فهم كائنون فيها مستقرّون في أرضها منغمسون في نعيمها فالظرفية للمبالغة في تمكنهم من التنعم والانتفاع ، فَإِنَّ لِلجَّنَّاتِ وَالْأَنْهَارِ لَذَّاتٌ مُتَعَارَفَةٌ مِنَ اللَّهْوِ وَالْأُنْسِ وَالْمُحَادَثَةِ، وَاجْتِنَاءِ الْفَوَاكِه، ورؤية جَرَيَان الْجَدَاوِلِ وَخَرِيرِ الْمَاءِ، وَأَصْوَاتِ الطُّيُورِ، وَأَلْوَانِ السَّوَابِحِ. معنى كونهم فيهما ملابستهم لهما ،وذلك مجاز فى الحرف
[h=1]جَنَّاتٍ[/h]بساتين ذات اشجار عجيبة عظيمة مثمرة بثمر أنيق وأغصان ظليلة مديدة تجمع ما تجمعه البساتين من الثمر والشجر والزرع والغروس ، متنوعة الأزاهير عطرة النشر تبهج رائيها تجمع ملاذ جميع الحواس والروح وأنزه البساتين وأكرمها منظراً ما كانت أشجاره مظللة
قال الراغب : كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض اهـ
وليس المراد بهما مفهومهما اللغوي فقط وإنما هما دار الخلود في النشأة الآخرة فالجنة دار الأبرار والمتقين نقلت وصارت حقيقة شرعية في دار الثواب
سمّيت جنّة سميت جنة لاجتنابها وتسترأرضها بالأشجار والأوراق لأنها تستر الأرض بالأشجار ولأنها تستر داخلها
المادة : ومدار التركيب على الستر قال التحقيق : الأصل الواحد هو التغطية والمواراة : الجنة : فعلة مصدر للمرة يطلق عل حديقة مغطاة بالأشجار الملتفة فكأنها قد غطيت مرتبة واحدة ودامت تغطيتها
قال المعجم الاشتقاقي : المعنى المحوري : ستر الشيء بكثيف يعلوه أو يكون الشيء في أثنائه كالشجر والنخل والعنت تظل ما تحتها وتستره وكالجنين في بطن أمه وجن عليه الليل ستره بظلامه فالجنة : الحديقة ذات الشجر والنخل والأعناب وأن كثافة فروع الشجر والنخل والعنب المرفوعة تجن أي تظل وتستر من يسير أثناءها
عنى جل بذكر الجنة ما في الجنة من أشجارها وثمارها وغروسها دون أرضها
تنبه اشترط أن تكون أشجارها مثمرة لتسمى جنة السمعاني والبغوي والخازن فإذا لم تكن الأشجار مثمرة لا تكون جنة
[h=1]التنكير :[/h]وتنكيرهما للتعظيم والكمال والتكثير يعني جنات في أية جنات جنات عظيمة ، لا يحاط بوصفها كثيرة ونعيم أي نعيم نعيم فخيم دائم لا ينقطع يحيط بهم ، فهو بمعنى الكمال في الصفة
ولكل عامل جنات كثيرة مرتبة مراتب على حسب استحقاقات العاملين متعددة وتعددها قال عليه الصلاة والسلام للتي سألت عن ابنها : " إنها جنان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى }.
الزمخشري :
فإن قلت : ما معنى جمع الجنة ؟ قلت : الجنة اسم لدار الثواب كلها ، وهي مشتملة على جنان كثيرة مرتبة مراتب على حسب استحقاقات العاملين ، لكل طبقة منهم جنات من تلك الجنان ،
[h=1]سر ذكر الأنهار مع الجنات دائما :[/h] وأنزه البساتين وأكرمها منظراً ما كانت أشجاره مظللة ، والأنهار في خلالها مطردة . ولولا أن الماء الجاري من النعمة العظمى واللذة الكبرى ، وأن الجنان والرياض وإن كانت آنق شيء وأحسنه لا تروق النواظر ولا تبهج الأنفس ولا تجلب الأريحية والنشاط حتى يجري فيها الماء ، وإلا كان الأنس الأعظم فائتاً ، والسرور الأوفر مفقوداً ، وكانت كتماثيل لا أرواح فيها ، وصور لا حياة لها ، لما جاء الله تعالى بذكر الجنات مشفوعاً بذكر الأنهار الجارية من تحتها مسوقين على قرن واحد كالشيئين لا بد لأحدهما من صاحبه ، ولما قدّمه على سائر نعوتها .
[h=1]سر الجمع في جنات :[/h]والتعبير ب ( في جنّات ) بصيغة الجمع ، إشارة إلى تنوّع الجنّات
لم جمعت جمع مؤنث سالم مع أنه قد يشير إلى قلة في الجوامد: الجواب :
· أن المراد بها الكثرة فنابت القلة عن الكثرة مما ناب جمع قلة عن جمع الكثرة بدليل اجتماعها مع (كم) التكثيرية نحو : { كم تركوا من جنات } وجمع القلة قد يقوم مقام جمع الكثرة إذا اقتضاه المقام {
· وسر اختيارها أنها تعبر عن المعنى بما فيها من مد وتشديد مع خفة اللفظ
· وإما باعتبار أنها وإن كثرت قليلة بالنسبة إلى كرم الله تعالى ،
وقيل لقلة الجنات وفيه نظر : قال الآلوسي وأبو حيان : الآلوسي : وجمعت جمع قلة في المشهور لقلتها عدداً كقلة أنواع العبادات ولكن في كل واحدة منها مراتب شتى ودرجات متفاوتة على حسب تفاوت الأعمال والعمال اهـ وقد رد السيوطي ما ورد عن ابن عباس أنها سبع جنات قال في حاشية البيضاوي : قوله: (لأن الجنان على ما ذكره ابن عباس رضي الله عنه: سبع) لم أقف عليه.
[h=1]وَنَعِيمٍ[/h]النعيم : هو طيب العيش وحسن الحال والحياة وذلك في قبال البؤس وهو مطلق الشدة والمضيقة { وَنَعِيمٍ } [ وهذا ] شامل لنعيم القلب والروح والبدن ،
ذكرها من باب الإطناب لبيان مزيد النعمة واللذة والحث و قال الرازي البقاعي : ولما كانت البساتين ربما يشقى داخلها أو صاحبها ، نفى هذا بقوله (ونعيم )
[h=1][/h]
[h=1][/h]
[h=1][/h]
[1] قال فتح الباري : أني أشتكى :أي أن بها مرضا ، وليس فيه بيان أن الصلاة حينئذ كانت الصبح ولكن تبين ذلك من رواية أخرى أوردها بعد ستة أبواب من طريق يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام بن عروة عن أبيه ولفظه فقال إذا أقيمت الصلاة للصبح فطوفى وهكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية حسان بن إبراهيم عن هشام وعرف بهذا اندفاع الاعتراض الذي حكاه بن التين عن بعض المالكية حيث أنكر أن تكون الصلاة المذكورة صلاة الصبح فقال : " ليس في الحديث بيانها والأولى أن تحمل على النافلة لأن الطواف يمتنع إذا كان الإمام في صلاة الفريضة" انتهى وهو رد للحديث الصحيح بغير حجة بل يستفاد من هذا الحديث جواز ما منعه بل يستفاد من الحديث التفصيل فنقول أن كان الطائف بحيث يمر بين يدي المصلين فيمتنع كما قال وإلا فيجوز وحال أم سلمة هو الثاني لأنها طافت من وراء الصفوف ويستنبط منه أن الجماعة في الفريضة ليست فرضا على الأعيان إلا أن يقال كانت أم سلمة حينئذ شاكية فهي معذورة أو الوجوب يختص بالرجال وقا ل ابن حجر في موضع آخر : ( قوله باب المريض يطوف راكبا )
أورد فيه حديث بن عباس وحديث أم سلمة والثاني ظاهر فيما ترجم له لقولها فيه إني أشتكي وقد تقدم الكلام عليهما في باب إدخال البعير المسجد للعلة في أواخر أبواب المساجد وأن المصنف حمل سبب طوافه صلى الله عليه و سلم راكبا على أنه كان عن شكوى وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود من حديث بن عباس أيضا بلفظ قدم النبي صلى الله عليه و سلم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته ووقع في حديث جابر عند مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم طاف راكبا ليراه الناس وليسألوه فيحتمل أن يكون فعل ذلك للأمرين وحينئذ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبا لغير عذر وكلام الفقهاء يقتضي الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيها والذي يترجح المنع لأن طوافه صلى الله عليه و سلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد ووقع في حديث أم سلمة طوفي من وراء الناس وهذا يقتضي منع الطواف في المطاف وإذا حوط المسجد أمتنع داخله إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما قبله فإنه كان لا يحرم التلويث كما في السعي وعلى هذا فلا فرق في الركوب إذا ساغ بين البعير والفرس والحمار وأما طواف النبي صلى الله عليه و سلم راكبا فللحاجة إلى أخذ المناسك عنه ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها واحتمل أيضا أن تكون راحلته عصمت من التلويث حينئذ كرامة له فلا يقاس غيره عليه
[2] قال الفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز: وأَعلى الرّوايات العَدّ الكوفىُّ، فإِنَّ إِسناده متَّصل بعلي بن أَبى طالب رضي الله عنه
[3] أقول تأكد عن طريق ملف الوورد فكانت الكلمات مطابقة لما قال لكن أعطاني أن عدد الأحرف 2447 لكن يحتاج إلى تأكد
[4] والألف الملحقة في آخر الكلمتين هي أداة تعريف للمذكر المفرد
[5] الآرامية خاتمة لغاتنا المشرقية القديمة وأقربها إلى العربية الفصحى
· [6] قال التحقيق : كلمة طور مستعملة في العبرية والسريانية والآرامية طورا : جبل وقال قع طور جبل ، مرتفع فظهر أن الطور في العبري وغيره بمعنى الجبل ويدل عليه إطلاقه بالتقييد على جبال مختلفة كطور سيناء طور عبدين وطور زيتا وطور هارون فيقال في كل جبل ثم إنه جعل علما بالغلبة للطور الذي ناجى الله فيه موسى عليه السلام
[7] قال البقاعي : إن الإمام أبا العباس أحمد ابن القاص من قدماء أصحاب الشافعي حكى في كتابه أدلة القبلة أنه يصعد إلى أعلاه في ستة آلاف مرقاة وستمائة وست وستين مرقاة ، قال : وهي مثل الدرج من الصخر ، فإذا انتهى إلى مقدار النصف من الطريق يصير إلى مستواه من الأرض فيها أشجار وماء عذب ، في هذا الموضع كنيسة على اسم إيليا النبي عليه السلام ، وفيه مغار ، ويقال : إن إيليا عليه السلام لما هرب من إزقيل الملك اختفى فيه ؛ ثم يصعد من هذا الموضع في الدرج حتى ينتهي إلى قلة الجبل ، وفي قلبه كنيسة بنيت على اسم موسى عليه السلام بأساطين رخام ، أبوابها من الصفر والحديد ، وسقفها من خشب الصنوبر ، وأعلى سقوفها أطباق رصاص قد أحكمت بغاية الإحكام ، وليس فيها إلا رجل راهب يصلي ويدخن ويسرج قناديلها ، ولا يمكن أحداً أن ينام فيها البتة ، وقد اتخذ هذا الراهب لنفسه خارجاً من الكنيسة بيتاً صغيراً يأوي فيه ، وهذه الكنيسة بنيت في المكان الذي كلم الله فيه موسى عليه الصلاة والسلام ، وحواليه - أي حوالي الجبل - من أسفله ستة آلاف ما بين دير وصومعة للرهبان والمتعبدين ، كان يحمل إليهم خراج مصر في أيام ملك الروم للنفقة على الديارات وغيرها ، وليس اليوم بها إلا مقدار سبعين راهباً يأوون في الدير الذي داخل الحصن ، وفي أكثرها يأوي أعراب بني رمادة ، وعلى الجبل مائة صومعة ، وأشجار هذا الجبل اللوز والسرو ، وإذا هبطت من الطور أشرفت على عقبة تهبط منها فتسير خطوات فتنتهي إلى دير النصراني : حُصين عليه سور من حجارة منحوتة ذات شرف عليه بابان من حديد ، وفي جوف هذا الدير عين ماء عذب ، وعلى هذه العين درابزين من نحاس لئلا يسقط في العين أحد ، وقد هيىء براتج رصاص يجري فيها الماء إلى كروم لهم حول الدير ، ويقال : إن هذا الدير هو الموضع الذي رأى موسى عليه السلام فيه النار في الشجرة العليق ، وقبلة من بها دبر الكعبة ، وفيه يقول القائل :
عجب الطور من ثباتك موسى *** حين ناجاك بالكلام الجليل
والطور من جملة كور مصر ، منه إلى بلد قلزم على البر مسيرة أربعة أيام ، ومنه إلى فسطاط مصر مسيرة سبعة أيام - انتهى كلام ابن القاص ، وسألت أنا من له خبرة بالجبل المذكور : هل به أشجار الزيتون ؟ فأخبرني أنه لم ير به شيئاً منها ، وإنما رآها فيما حوله في قرار الأرض ، وهي كثيرة وزيتونها مع كبره أطيب من غيره ، فإن كان ذلك كذلك فهو أغرب مما لو كانت به قال التحقيق : جبل موسى ويعلو نحو 7363 قدما " يقول علي هاني ويرى التحقيق أن الطور هو سلسلة الجبال وليس جبلا واحدا وهو غير دقيق لأنه مخالف لظاهر القرآن قال التحقيق : هل المراد من الطور عند الإطلاق هو جبل سيناء أو جبل موسى أو جبل المناجاة أو جبل هارون أو مجموع هذه الجبال والحق أن طور سيناء عبارة عن مجموع السلسلة المؤلفة منها وأعلى القمم منها قمة تدعى بجبل موسى ويعلو نحو 7363 قدما
[8] قال ـ ـ : ثم تجرد قوم واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتى صاروا أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم فكان بالمدينة أبو جعفر يزيد بن القعقاع ثم شيبة بن نصاح ثم نافع بن أبي نعيم
[9] يقول علي كونه بأيدي سفرة الأظهر أنه المكتوب على الصحف التي تأتي بها الملائكة للأنبياء بدليل كلمة سفرة وهم الملائكة التي تسفر عن الحقائق للأنبياء فهم جبريل ومن يأتي معه لكن هذا يقرب لنا صورة معنى الآية وهو أنه يوجد رق منشور دائما في السماء تقرأ منه الملائكة .
[h=1][10] وهذا الاعتراض حق وبتتبعنا لكلمة لوح يظهر هذا : تحقيق معنى اللوح : قال الراغب : اللوح: واحد ألواح السفينة. قال تعالى: {وحملناه على ذات ألواح ودسر} [القمر/13] وما يكتب فيه من الخشب ونحوه، وقوله تعالى: {في لوح محفوظ} [البروج/22] فكيفيته تخفى علينا إلا بقدر ما روي لنا في الأخبار، وهو المعبر عنه بالكتاب في قوله: {إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير}قال ابن فارس لوح : أصل يدل على اللمعان يقال لاح الشيء يلوح إذا لمع ولمح ومنه ألاح بسهمه لمع به وقال المصباح لاح الشيء يلوح بدا قال التحقيق : أن الاصل الواحد في المادة هو بدو في تصفح ومن مصاديقه بدو السيف في امتداده وتصفحه وتصفح في خشب أو عظم قال المعجم الاشتقاقي : المعنى المحوري : عرض ظاهر الشيء واستواؤه مع جفاف أو صلابة كاللوح بمعانيه { وألقى الألواح }[/h]
[11] وقال ابن جزي وابن عطية غلب استعمالها في المتخذ من الجلد.
[12] قال الشهاب : قوله : ( استعير لما كتب فيه الكياب ) إن أريد الاستعارة اللغوية ، وهو الظاهر فهو مجاز مرسل كالمشفر وإلا فيشبه فيه ما يكتب فيه من الألواح وغيرها بالرق بعلاقة محلية الكتابة ، والأوّل أولى.
[13] قال المعجم الوسيط : ( الصحيفة ) ما يكتب فيه من ورق ونحوه قال المصباح : وَالصَّحِيفَةُ قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدٍ أَوْ قِرْطَاسٍ كُتِبَ فِيهِ ، وقال أبو بكر: الصحيفة قطعة من أدم ابيض أو ورق يكتب فيه.
[14] قال أبو حيان : وهو أحد المعاني الإثني عشر التي جاءت لها افتعل ، وهو : الاتخاذ ، والتسبب ، وفعل الفاعل بنفسه ، والتخير ، والخطفة ، ومطاوعة أفعل ، وفعل ، وموافقة تفاعل ، وتفعل ، واستفعل ، والمجرد ، والإغناء عنه ، مثل ذلك : اطبخ ، واعتمل واضطرب ، وانتخب ، واستلب ، وانتصف مطاوع أنصف ، واغتم مطاوع غممته ، واجتور ، وابتسم ، واعتصم ، واقتدر ، واستلم الحجر . وإبدال الواو في اتقى تاء وحذفها مع همزة الوصل قبلها فيبقى تقى مذكور في علم التصريف،
[15] هناك أقوال كثيرة منها : قال الرازي : وذلك بأن يكون آتياً بالعبادات محترزاً عن المحظورات قال الحرالي : جمع المتقي وهو المتوقف عن الإقدام على كل أمر لشعوره بتقصيره عن الاستبداد وعلمه بأنه غير مستغن بنفسه فهو متق لوصفه وحسن فطرته والمتقي كذا متوقف لأجل ذلك ، والتقوى أصل يتقدم الهدى وكل عبادة ، لأنها فطرة توقف تستحق الهدى وكل خير وهي وصية الله لأهل الكتاب . قال التحرير :والتقوى الشرعية هي امتثال الأوامر واجتناب المنهيات من الكبائر وعدم الاسترسال على الصغائر ظاهراً وباطناً أي اتقاء ما جعل الله الاقتحام فيه موجباً غضبه وعقابه ، فالكبائر كلها متوعد فاعلها بالعقاب دون اللمم
[16] قال الطبري : . وذلك أنّ الله عزّ وجلّ وصَفهم بالتقوَى، فلم يحصُرْ تقواهم إياه على بعضِ ما هو أهلٌ له منهم دون بعض فليس لأحد من الناس أن يحصُر معنى ذلك، على وَصْفهم بشيء من تَقوى الله عز وجل دون شيء، إلا بحجة يجبُ التسليمُ لها. لأن ذلك من صفة القوم -لو كان محصورًا على خاصّ من معاني التقوى دون العامّ منها- لم يدَع الله جل ثناؤه بيانَ ذلك لعباده: إما في كتابه، وإما على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم، إذْ لم يكن في العقل دليلٌ على استحالة وصفهم بعموم التقوى.
فقد تبيّن إذًا بذلك فسادُ قول من زعم أن تأويل ذلك إنما هو: الذين اتَّقَوُا الشرك وبرئوا من النِّفاق. لأنه قد يكون كذلك، وهو فاسقٌ غيرُ مستَحِق أن يكون من المتقين، إلا أن يكون -عند قائل هذا القول- معنى النفاق: ركوبُ الفواحش التي حَرَّمها الله جل ثناؤه، وتضييعُ فرائضه التي فرضها عليه. فإن جماعةً من أهل العلم قد كانت تسمِّي من كان يفعل ذلك منافقًا. فيكون -وإن كان مخالفًا في تسميته من كان كذلك بهذا الاسم- مصيبًا تأويلَ قول الله عز وجل"للمتقين".
[h=1]الأحاديث الواردة فيها :[/h]. وأخرج البخاري وغيره عن أم سلمة قالت : ( شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أشتكي[1] ! فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ، فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت ، يقرأ بالطور وكتاب مسطور )
وقال مالك ، عن الزهري ، عن محمد بن جُبَير بن مطعم ، عن أبيه : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، فما سمعت أحدا أحسن صوتا - أو قراءة - منه . أخرجاه من طريق مالك
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جبير بن مطعم قال : «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور »
[h=1]مقصود السورة :[/h][h=1]مقصد السورة في جملة : إثبات الوحي وتحقيق وقوع العذاب للمكذبين بالوحي وبما يخبر به وبمن أنزل عليه الوحي .[/h]مقصد السورة باختصار : الوحي وما يتعلق به من إثبات وتهديد لمكذبه وتبشير لمصدقه
فالسورة تركز على الوحي وإثبات الوحي وتتحداهم أن يأتوا بمثله وذكر أدلة الوحي وما يخبر به من التوحيد و غيره ودفع شبهات المكذبين بالوحي وبما جاء به ومن أنزل عليه وتهديد المكذبين به بالعذاب الدنيوي والأخروي المحقق الوقوع وتبشير المؤمنين بالوحي وما يخبر به المشفقين من العذاب والتصبير للنبي صاحب الوحي وناقله بأنه بأعيننا وماذا عليه أن يفعل في مقابل تكذيبهم من التسبيح والذكر والصلاة ه
ولذلك بدئت بالطور الذي أوحي لسيدنا موسى عنده وكان جواب القسم تحقيق العذاب { إن عذاب ربك لواقع} وختمت بالتبشير بعذاب أعدائه وحثه على ما يصبره ويثبته .
التفصيل لمقصد السورة :
· فكأن السورة تقول الوحي صادق وليس ببدع فهذه رسالة موسى ،فالذين يقولون كاهن ومجنون وساحر ويكذبون بالتوحيد ويشركون ونحو ذلك كاذبون معذبون دنيا وأخرى بعذاب واقع لا محالة فالبعث والجزاء الدنيوي والأخروي حق وعذابه شديد دنيا وأخرى ، فإياكم من إنكار الوحي والتوحيد والبعث و العذاب لظنكم العجز له سبحانه فدلائل قدرته عظمية مبثوثة ودلائل قدرته موجودة في الآفاق كالسماء والبحر المسجور.
· والله سبحانه عظيم خالق مدبر يخضع له كل شيء ، ومنهم الملائكة العظام ، وحق له ذلك فعظمته وخلقه للعالم لا سيما السقف المرفوع والبحر المسجور وغيرها
· فآمنوا برسالة رسوله ووحده واعبدوه وسبحوه وصلوا له في كل الأوقات لا سيما في الليل وأشفقوا في أهلكم وادعوه لتنالوا النعيم الدائم
· وتسميتها الطور أنسب اسم وأدله على مقصودها وهو الوحي وإثبات الوحي وما يتبعه قال المهايميّ : سميت به لأنه لما تضمن تعظيم مهبط الوحي ، فالوحي أولى بالتعظيم ، فيعظم الاهتمام بالعمل ـ ـ وهذا من أعظم مقاصد القرآن .
· وهذا أدق مما ذكر جماعة من المفسرين كالبقاعي والميزان وغيرهما :
· قال البقاعي :مقصودها تحقيق وقوع العذاب الذي هو مضمون الوعيد المقسم على وقوعه في الذاريات الذي هو مضمون الإنذار المدلول على صدقه في ق ، فإن وقوعه أثبت وأمكن من الجبال التي أخبر الصادق بسيرها ــ ـ وقد بان أن اسمها أدل ما يكون على ذلك بملاحظة القسم وجوابه حتى بمفردات الألفاظ في
· قال الطباطبائي :غرض السورة إنذار أهل التكذيب والعناد من الكفار بالعذاب الذي أعد لهم يوم القيامة فتبدأ بالإنباء عن وقوع العذاب الذي أنذروا به وتحققه يوم القيامة بأقسام مؤكدة وأيمان مغلظة ، وأنه غير تاركهم يومئذ حتى يقع بهم ولا مناص ثم تذكر نبذة من صفة هذا العذاب والويل الذي يعمهم ولا يفارقهم ثم تقابل ذلك بشمة من نعيم أهل النعيم يومئذ وهم المتقون الذين كانوا في الدنيا مشفقين في أهلهم يدعون الله مؤمنين به موحدين له . ثم تأخذ في توبيخ المكذبين على ما كانوا يرمون النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما أنزل عليه من القرآن وما أتى به من الدين الحق . و تختم الكلام بتكرار التهديد والوعيد وأمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتسبيح ربه . والسورة مكية كما يشهد بذلك سياق آياتها " اهـ.
[h=1]ارتباطها بما قبلها وبما بعدها :[/h]· هناك مناسبات كثيرة بين سورة الطور وسورة الذرايات التي قبلها :
· فمن مناسبة أولها لآخر ما قبلها اشتمال كل على الوعيد ففي الذاريات { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) } وفي الطور { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)}
· والسورتان الكريمتان متشابهتان في المطلع والمقطع(الخاتمة) فإن في مطلع كل منهما تأكيد حصول الوعود ثم البداية بتفصيل جزاء المكذبين ثم ذكر صفة حال المتقين وفي مقطع كل منهما الوعيد بحصول العذاب للمكذبين .
· كلا السورتين بدأت بآيات كونية عظيمة فالذاريات بالرياح وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) وفي بداية الطور { وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)} فذكر الطور والسقف المرفوع وهو السماء والبحر المسجور
· وكذلك الذاريات ركزت في البداية بالرزق المحسوس للأجسام والطور ركزت على الرزق الروحي وهو الوحي { والطور وكتاب مسطور} والذاريات ، والذاريات أكدت صدق وعود الله سبحانه الشاملة لوعود الدنيا والآخرة والرحمة والعذاب ثم خصت حصول يوم القيامة وسورة الطور ركزت على حدوث العذاب في يوم القيامة
· الذاريات ذكرت السماء ذات الحبك والطور ذكرت السماء باسم السقف المرفوع
· إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) إِ
· فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16
· تشابه كبير في الذاريات في قول مختلف وفي الطور في خوض يلعبون
· في الذاريات يكشف لهم عن حالهم في ذوقهم النار التي يكذبونها والاستهزاء والتهكم بهم وتأكيد حصولها وكذلك الطور تماما
· ولما بدأت الذاريات إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع فصلت في الموعودات من العذاب الدنيوي والرزق وغيرها وأما الطور فقد بدأت { إن عذاب ربك لواقع } فركزت على عذاب الآخرة
· لاحظ التشابه ففي كل من السورتين ذكر وصف أحوال المتقين وأعمالهم :
· في الذاريات : "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)"
· في الطور: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)}
· كلتا السورتين بدأت { إن المتقين في جنات } وكلتا السورتين { ما آتاهم ربهم } لكن أجملت الذاريات النعيم في { آخذين ما آتاهم ربهم } وفصلت الطور ما هو الذي آتاهم ربهم . كلتا السورتين ذكرت أعمالهم سورة الذاريات ذكرت قيامهم لليل واستغفارهم وأما الطور فذكرت كنا في أهلنا مشفقين وذكرت دعاءهم
· واختيار كل واحد مناسب لموضوع السورة سورة الذاريات ذكرت إعطاءهم للفقراء وهذا أنسب بعدم الخوف على الرزق الذي فصل في الذاريات
· مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ مناسبة للكتاب المسطور
· 19) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20){ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48)} وهذا مناسب ة { والسقف المرفوع والبحر المسجور } ذكرت آية سمائية وآية أرضية.
· كلتا السورتين بدأت بالقسم وقد سميّت الطور لأن الله تعالى بدأ بالقسم بجبل الطور وسميت الذاريات بذلك لأن الله تعالى بدأ فيها بالقسم بالذاريات ، والذاريات أقسم فيها بشيء واحد له أربع أوصاف { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (} وسورة الطور أقسمت بخمسة أشياء { وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ 6}
· كلتا السورتين ذكرت قصة تناسب موضوع السورة : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)} وفي الذاريات قصة سيدنا إبراهيم
· في كلتا السورتين تصبير النبي صلى الله عليه وسلم وحث على الاستمرار في الدعوة ففي الذاريات { فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فأخذناه } { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)} وفي الطور { فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)}
· وتوجد أمور كثيرة أخرى تركتها اختصارا كنفي الشرك والاستدلال بالمخلوقات على وجوب توحيده سبحانه ودفع الشبهات في عن الموضوع الذي تثبته كل سورة منهما وغير ذلك مما قال فيه الآلوسي : " ولا يخفى ما بين السورتين الكريمتين من الاشتراك في غير ذلك
[h=1]تناسب خواتيم الطور مع فواتح النجم[/h]ختم سورة الطور: بقوله سبحانه (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)) وجاءت السورة التي بعدها سورة النجم وبدأت (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)) إدبار النجوم والنجم إذا هوى أي إذا سقط وغرب، فإدبار النجوم هو النجم إذا هوى.
في خاتمة الطور: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) وأوائل سورة النجم في المعراج (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10))،قال السامرائي: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) لأنه بداية للذهاب إلى موطن التسبيح والتحميد وهو السماء العُلا. (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) ستذهب إلى الملأ الأعلى وهو المملوء بالتسبيح والتحميد. هذا ارتباط ظاهر: إدبار النجوم - والنجم إذا هوى، (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) كأنه توجيه له للاستعداد للذهاب إلى السموات العُلا.
[h=1]مكيتها :[/h]مكية بإجماع من المفسرين والرواة منهم ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم قال الآلوسي : ولم نقف على استثناء شيء منها.
[h=1]عدد آياتها : [2][/h]وهي تسع وأربعون آية في العد الكوفي والشامي ، وثمان وأربعون في البصري ، وسبع وأربعون في المدنيين والمكي (حجازي)
[h=1]عدد كلماتها :[/h]الخازن :( وثلاثمائة واثنتا عشرة كلمة وألف وخمسمائة حرف [3]
[h=1]مناسبة المطلع لجميع السورة :[/h]المطلع : الطور يمثل الاستشهاد على صحة الوحي الذي ينكرونه برسالة موسى عليه السلام وكلام الله مع موسى عليه السلام فذكر الطور يشير أن سيدنا محمدا ليس بدعا من الرسل وأن رسالته كذلك
ثم بعد أن أقسم بسيد الجبال واستدل على رسالة سيدنا محمد أقسم بسيد الكتب وهو القرآن الكريم على الأصح الذي موضوع السورة يدور حوله وحول ما أتى به من التوحيد والبعث والوعد والوعيد .
وأما البيت المعمور فهي تمثل عبادة العابدين المنقادين لله الخاضعين له فذكرت سيد البيوت بعد ذكر سيد الجبال وسيد الكتب وكأنها تقول لمن أعرض الله سبحانه غير محتاج لعبادتكم وأنتم الفقراء إليه ثم يقول لهم اقتدوا بملائكتي في عبادتي وتوحيدي وانظري لعظمتي التي خضعت له الملائكة العظام فأنا أستحق أن أوحد
وأما السقف المرفوع فتمثل عظمة الله سبحانه الذي يستحق أن يعبد ويوحد وهو الذي يستدل به العابدون على عظمة الله سبحانه ، والسماء المرفوعة فيها من عجائب الصنعة مالا يقادر قدره
وأما البحر المسجور فهو يمثل القوة العظيمة له سبحانه في الجمع بين الماء والنار وهذا يدل على عظمة كبيرة تحث العابدين على العمل وتهدد الكفار بعذاب النار الموجود في هذه السورة {والبحر المسجور} أنسب شيء يذكر مع السماء في مشهد . في انفساحه وامتداده . وهو آية فيها رهبة ولها روعة . تؤهلانه للذكر مع هذه المشاهد المقسم بها على الأمر العظيم
· و هذه مخلوقات أقسم الله بها تنبيهاً على عظمتها وتشريفاً ، وليكون ذلك سبب النظر فيها والاعتبار بها ، وذلك يؤول إلى الإيمان بالوحي والتوحيد والمعرفة بحقوق الله وتحقيق وتأكيد البعث ووقوع العذاب بالكافرين يوم البعث والجزاء فهي أمُورٌ عظِامٌ تنبئ عنْ عِظمِ قدرةِ الله تعالَى و كمال قدرته ، وصدق أخباره
· ويوجد تناسب بين ذكر الطور(جبل) حصل عنده وحي ، كتاب ، البيت (الذي للعبادة) ، السقف( السماء) يستدل به على عظمة المعبود ، والبحر المسجر تحته نار
ثم تعقيب ذلك بالعذاب وتأخير البحر المسجور ليعقبها العذاب
فذكر الوحي أولا وختم بالنار التي تحت البحر والعذاب مع الدلالة على القدرة في غاية البراعة
مع قصر الآيات التي فيها نغمة قوية كالقذائف المناسبة لدحض شبهات الشاكين
ثم ذكر السماء التي تمور بعد تسميتها السقف المرفوع
وذكر الجبال تسير والتعبير عنها بالجبال الدال على الضخامة بعد ذكره باسم الطور المناسب للوحي
ثم تكذيب المكذبين بعدما جاءهم الوحي المعبر عنه بالطور وكتاب مسطور وبعد عبادة العابدين فعبادتهم مستغنى عنها والله الغني وبعد ظهور الدلائل والأدلة المعبر عنها بالسقف المرفوع والبحر المسجور وبعد التهديد بالقوة على العذاب المعبر عنها كذلك بالبحر المسجور فتكذيبهم وخوضهم ولعبهم غريب وشاذ يستحق العذاب عليه وما أجمل ذكر جزاء المتقين الذين آمنوا بالوحي وعبدوا الله كعبادة الملائكة ودعوه وأشفقوا منه واستدلوا على قدرته بآياته وخافوا عذابه وقدرته على عذابهم
وما أنسب البدء بالطور وكتاب مسطور في الرد عليهم في قولهم كاهن ومجنون وشاعر وتقوله
وما أنسب ذكر البيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور في الدلالة على أنه سبحانه الخالق لهم المستحق أن يعبد وأنه تعالى أن يكون له شريك وأنهم لم يخلقوا أنفسهم ولا السماوات والأرض ولا يملكون شيئا من خزائنهما وأنه لا شريك له ولا ولد وأن كيدهم ضد من هذا خلقه وضد رسول من هذا خلقه
وما أنسب رد العجر على الصدر في فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون مع إن عذاب ربك لواقع
وكذلك ذكر التسبيح بحمد ربك وقيام الليل والتسبيح في الليل مع الطور الذي فيه تعبد موسى أربعين يوما وكلمه الله سبحانه وناجاه والبيت المعمور
وما أنسب ذكر إدبار النجوم مع السقف المرفوع .
قال سيد قطب : ( والطور . وكتاب مسطور . في رق منشور . والبيت المعمور . والسقف المرفوع . والبحر المسجور . إن عذاب ربك لواقع . ما له من دافع . يوم تمور السماء مورا . وتسير الجبال سيرا . فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون . يوم يدعون إلى نار جهنم دعا . هذه النار التي كنتم بها تكذبون . أفسحر هذا ? أم أنتم لا تبصرون ? اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا ، سواء عليكم ، إنما تجزون ما كنتم تعملون ) هذه الآيات القصيرة ، والفواصل المنغمة ، والإيقاعات الفاصلة ، تصاحب السورة من مطلعها . وهي تبدأ كلمة واحدة . ثم تصبح كلمتين . ثم تطول شيئا فشيئا حتى تبلغ في نهاية المقطع اثنتي عشرة كلمة . مع المحافظة الكاملة على قوة الإيقاع .
[h=1]مناسبة القسم لجواب القسم :[/h][h=1]الكلام على نغمة السورة وإيقاعاتها :[/h]هذه السورة تمثل حملة عميقة التأثير فى القلب البشري . ومطاردة عنيفة للهواجس والشكوك والشبهات والأباطيل التي تساوره وتتدسس إليه وتختبئ هنا وهناك في حناياه . ودحض لكل حجة وكل عذر قد يتخذه للحيدة عن الحق والزيغ عن الإيمان . . حملة لا يصمد لها قلب يتلقاها ، وهي تلاحقه حتى تلجئه إلى الإذعان والاستسلام ! وهي حملة يشترك فيها اللفظ والعبارة ، والمعنى والمدلول ، والصور والظلال ، والإيقاعات الموسيقية لمقاطع السورة وفواصلها على السواء . ومن بدء السورة إلى ختامها تتوالى آياتها كما لو كانت قذائف ، وإيقاعاتها كما لو كانت صواعق ، وصورها وظلالها كما لو كانت سياطا لاذعة للحس لا تمهله لحظة واحدة من البدء إلى الختام !
وتبدأ السورة بقسم من الله سبحانه بمقدسات في الأرض والسماء . بعضها مكشوف معلوم ! وبعضها مغيب مجهول : ( والطور . وكتاب مسطور . في رق منشور . والبيت المعمور . والسقف المرفوع ) . .
القسم على أمر عظيم رهيب ، يرج القلب رجا ، ويرعب الحس رعبا . في تعبير يناسب لفظه مدلوله الرهيب ؛ وفي مشهد كذلك ترجف له القلوب : ( إن عذاب ربك لواقع . ما له من دافع ، يوم تمور السماء مورا ، وتسير الجبال سيرا ) . .
وفي وسط المشهد المفزع نرى ونسمع ما يزلزل ويرعب ، من ويل وهول ، وتقريع وتفزيع : ( فويل يومئذ للمكذبين ، الذين هم في خوض يلعبون . يوم يدعون إلى نار جهنم دعا . هذه النار التي كنتم بها تكذبون . أفسحر هذا ? أم أنتم لا تبصرون ? اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا ، سواء عليكم ، إنما تجزون ما كنتم تعملون ) . .
هذا شوط من حملة المطاردة . يليه شوط آخر من لون آخر . شوط في إطماع القلوب التي رأت ذلك الهول المرعب - إطماعها في الأمن والنعيم . بعرض صورة المتقين وما أعد لهم من تكريم . وما هيئ لهم من نعيم رخي رغيد ، يطول عرضه ، وتكثر تفصيلاته ، وتتعدد ألوانه . مما يستجيش الحس إلى روح النعيم وبرده ؛ بعد كرب العذاب وهوله : ( إن المتقين في جنات ونعيم . فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم . كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون . متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين . والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ، وما ألتناهم من عملهم من شيء ، كل امرئ بما كسب رهين . وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون . يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم . ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون . وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون . قالوا : إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين . فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم . إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم ) . .
والآن وقد أحس القلب البشري سياط العذاب في الشوط الأول ؛ وتذوق حلاوة النعيم في الشوط الثاني . . الآن يجيء الشوط الثالث يطارد الهواجس والوساوس ؛ ويلاحق الشبهات والأضاليل ؛ ويدحض الحجج والمعاذير . ويعرض الحقيقة بارزة واضحة بسيطة عنيفة . تتحدث بمنطق نافذ لا يحتمل التأويل ، مستقيم لا يحتمل اللف والدوران . يلوي الأعناق ليا ويلجئها إلى الإذعان والتسليم . . ويبدأ هذا الشوط بتوجيه الخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ليمضي في تذكيره لهم ، على الرغم من سوء أدبهم معه ؛ وليقرعهم بهذا المنطق النافذ القوي المستقيم : فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون . أم يقولون : شاعر نتربص به ريب المنون ? قل : تربصوا فإني معكم من المتربصين . أم تأمرهم أحلامهم بهذا ? أم هم قوم طاغون ? أم يقولون تقوله ? بل لا يؤمنون . فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين . أم خلقوا من غير شيء ? أم هم الخالقون ? أم خلقوا السماوات والأرض ? بل لا يوقنون . أم عندهم خزائن ربك ? أم هم المصيطرون ? أم لهم سلم يستمعون فيه ? فليأت مستمعهم بسلطان مبين . أم له البنات ولكم البنون ? أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ? أم عندهم الغيب فهم يكتبون ? أم يريدون كيدا ? فالذين كفروا هم المكيدون . أم لهم إله غير الله ? سبحان الله عما يشركون . .
وعقب هذه الأسئلة المتلاحقة . بل هذه القذائف الصاعقة . التي تنسف الباطل نسفا ، وتحرج المكابر والمعاند ، وتخرس كل لسان يزيغ عن الحق أو يجادل فيه . . عقب هذا يصور تعنتهم وعنادهم في صورة الذي يكابر في المحسوس : ( وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا : سحاب مركوم ) . والفرق بين قطعة السماء تسقط وبين السحاب واضح ، ولكنهم هم يتلمسون كل شبهة ليعدلوا عن الحق الواضح .
هنا يلقي عليهم بالقذيفة الأخيرة . قذيفة التهديد الرعيب ، بملاقاة ذلك المشهد المرهوب ، الذي عرض عليهم في مطلع السورة : ( فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون . يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون ) . . كما يهددهم بعذاب أقرب من ذلك العذاب : ( وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ، ولكن أكثرهم لا يعلمون ) . .
ثم تختم السورة بإيقاع رضي رخي . . إنه موجه إلى الرسول الكريم الذي يقولون عنه : ( شاعر نتربص به ريب المنون ) . . ويقولون : كاهن أو مجنون . موجه إليه من ربه يسليه ويعزيه في إعزاز وتكريم . في تعبير لا نظير له في القرآن كله ؛ ولم يوجه من قبل إلى نبي أو رسول : ( واصبر لحكم ربك ، فإنك بأعيننا ، وسبح بحمد ربك حين تقوم ، ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم ) . .
إنه الإيقاع الذي يمسح على العنت والمشقة اللذين يلقاهما الرسول الكريم ، من أولئك المتعنتين المعاندين ، الذين اقتضت مواجهتهم تلك الحملة العنيفة من المطاردة والهجوم . .
[h=1]وَالطُّورِ (1)[/h][h=1]طور :[/h][h=1]المراد بالطور :[/h][h=1]القول الأول :[/h] النسفي ،البيضاوي الواحدي الآلوسي وابن عاشور البغوي و البقاعي و حبنكة و نوف البكالي سيد قطب الشنقيطي ابن القيم السعدي
· أقسم ربنا جل جلاله بالطور الذي كلم موسى عليه السلام بجانبه وأنزل عليه فيه الألواح المشتملة على أصول شريعة التوراة ، اقسم به تعظيما لشأنه وتشريفا له لفضله على الجبال، وتكريما وتذكيرا لما فيه من الآيات والدلالة على نبوة سيدنا محمد وصحة رسالته ، لما كانوا يقولون عما أتاهم به الرسول صلى الله عليه وسلم : إنه سحر خيال لا حقيقة له ، أقسم بالجبل الذي أنزل التوراة وكلم موسى عنده لأنهم كانوا يعظمون أهل الكتاب ويسألونهم والطور والتوراة التي أنزلت عنده وكلام الله لموسى أمور تعلمها بنو إسرائيل الذين يستنصحهم العرب ويسألونهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ويرضون بقولهم ، وقد نال ذلك الجبل من الأنوار والتجليات والفيوضات الإلهية ما جعله مكانا وبقعة مشرفة على سائر الجبال في بقاع الأرض .
· وسبق أن أقسم به في سورة التين مع ثلاثة من مهابط الوحي { بلاد التين والزيتون والبلد الامين }
· وهو طور سيناء أي الطور الموجود في برية وصحراء سيناء (سينين) التي هي بقعة في الأصل من الشام فهي من بلاد فلسطين في القديم ، وسناء اسم الصحراء أضيف إليه الطور يعرف به فإضافة الطور إلى سينين تعريف له ،، كما قيل جبلا طيّىء ، فأضيفا إلى طيىء ، وهذا الجبل في سيناء التي بين مصر(خليج السويس ) وأيلة ، (العقبة)، وهذا الجبل واقع في جنوب سيناء متمايلا إلى جهة الجنوب ، و(ال) فيه للعهد ، ثم صار علما بالغلبة على طور سينا الذي ناجى فيه موسى عليه السلام ، فكلمة (طور) تطلق على الجبل مطلقا فهو اسم جنس يطلق على كل جبل بالعربية ومنه قول العجاج :
دَانَى جنَاحَيْهِ مِنَ الطّورِ فَمَرّ تَقَضّيَ البازِي إذا البازِي كَسَرْ
ويطلق بالسريانية (طورا)[4] ، و الآرامية[5]، و العبرية[6]، النبطية ، و الكنعانية وقيل هو مما عرب والأصح أنه عربي الأصل لأن اللغات المذكورة هي لغات عربية قديمة وإن سموها اللغات السامية لاشتراكها في اصل واحد لكن هي عربية تطورت كما هو شأن اللغات قال ابن فارس : أصل يدل على الامتداد في شيء من مكان أو زمان قال في معجم البلدان : طور في كلام العرب الجبل وقال بعض أهل اللغة : لا يسمى طورا حتى يكون ذا شجر ولا يقال للأجرد طور قال المعجم الاشتقاقي في مادة ط ور : الأصل الواحد هو الامتداد حول الشيء أو بإزائه كطوار الدار والفناء وهو ما كان ممتدا معها من الفناء
· وقيل إنه لا يسمى طورا إلا إذا كان فيه نبات فهو الجبل ذو النبات ويرده قولهم (تورا بورا) أي الجبل البائر وقيل لا يسمى كذلك إلا إذا كان شديد الارتفاع
· يروى بعض الباحثين أنه المسمى الآن بجبل موسى [7]وهذا الجبل يوصف بأنه عظيم الارتفاع ومن غير الممكن تسلقه لأنه حاد الصخور وشديد الانحدار ولا يستطيع أحد أن يطيل النظر إليه دون ان تؤلمه عيناه لأنه شديد التوهج الضوئي
[h=1]القول الثاني : أنه جبل الطور قرب القدس[/h][h=1]القول الثالث : جبل بمدين[/h][h=1]القول الرابع : الطور اسم جنس لا جبل معين[/h]قال أبو حيان: الطور : الجبل ، والظاهر أنه اسم جنس ، لا جبل معين ، وفي الشأم جبل يسمى الطور ، وهو طور سيناء . ، قال الآلوسي رادا على أبي حيان مرجحا للأول : واستظهر أبو حيان أن المراد الجنس لا جبل معين ، وروى ذلك عن مجاهد . والكلبي ، والذي أعول عليه ما قدمته .
· الراجح : والأرجح أن المقصود به هو الطور المعروف في القرآن ، المذكور في قصة موسى - عليه السلام - والذي نزلت فوقه الألواح لأنه هو المراد في جميع المواضع التي ذكرت في القرآن وهو قول الجمهور الذي تشهد له السياقات القرآنية .
[h=1]الواوات التي في بداية السورة :[/h]السمين الحلبي قوله : { وَالطُّورِ } : وما بعدَه أقسامٌ جوابُها : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } ، والواواتُ التي بعد الأولى عواطفُ لا حروفُ قسمٍ لِما قَدَّمْتُه في أولِ هذا الموضوعِ عن الخليل.
قال ابن عاشور: والواوات التي في هذه الآية كلها واوات قسم لأن شأن القسم أن يعاد ويكرر ، ولذلك كثيراً ما يُعيدون المقسم به نحو قول النابغة :
والله والله لنعم الفتى وإنما يعطفون بالفاء إذا أرادُوا صفات المقسم به .
ويجوز صرف الواو الأولى للقسم واللاتي بعدها عاطفات على القسم ، والمعطوف على القسم قسم .
[h=1]يذكر علماء البلاغة في أوائل هذه السورة :[/h] النغمة الرصينة المتوازنة غير المتكلف [ والطور وكتاب مسطور في رق منشور ] ومثل [ إن عذاب ربك لواقع ، ما له من دافع ] وهو من المحسنات البدبعية .
[h=1]الطور لغة :[/h][h=1]الطور والجبل من حيث الاستعمال القرآني :[/h]القرآن الكريم من دقته المتناهية التي تشهد أنه أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض يستعمل مع كل قوم اللغة التي كانوا يتحدثون بها فيستعمل اليم مع بني إسرائيل وبعل بمعنى الزوج مع سيدنا إبراهيم وسيد بمعنى الزوج مع الهيكسوس { وألفيا سيدها لدى الباب} ويستعمل فوم مع بني إسرائيل وإلياسين وسينين والجبت وغيرها كثير ، فلذلك استعمل الطور مع سيدنا موسى ثم صار علما بالغلبة ، وأما الجبل فيستعمله في غير هذا لكن يبقى السؤال لم استعمل الجبل في الموضع الذي كان يستعمل فيه الطور في سورة الأعراف { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة } يجيب عن هذ ا السامرائي
قال السامرائي :قال تعالى في سورة البقرة { ورفعنا فوقكم الطور } { ورفعها فوقهم الطور بميثاقهم } في النساء {وقال في الأعراف { وإذ نتقنا الجبل } فاستعمل الطور في آيتي البقرة والنساء واستعمل الجبل في آية الأعراف ذلك أن التهديد في آية الأعراف أشد فاستعمل لفظ الجبل لفظة نتقنا لأن المقام في الأعراف مقام الإفاضة في ذم بني أسرائيل وبيان العقوبات و الجبل اسم لما طال وعظم من أوتاد الأرض ولا يشترط في الطور ذلك فالجبل أعظم من الطور ولذلك يجيء في مقام التهويل { قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل} فانظر كيف اختار لفظ الجبل على الطور للدلالة على عظم التجلي وأثره ولذلك أيضا ذكر لفظ الجبال دون الأطوار في مقام التهويل والتعظيم والدلالة على القدرة التي لا تحد فقال { ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا } { وإذا الجبال سيرت } { وا{ وإذ نتقنا فوقهم كأنه ظلة } " ااهـ ويؤكد ما قاله السامرائي ما قال البقاعي ":{ الجبل } عرفه لمعرفتهم به ، وعبر به لدلالة لفظه على الصعوبة والشدة دون الطور - كما في البقرة - لأن السياق لبيان نكدهم بإسراعهم في المعاصي الدالة على غلظ القلب قال ابن فارس : أصل واحد هو تجمع الشيء في ارتفاع فالجبل معروف والجبل الجماعة العظيمة الكثيرة ويقال للناقة العظيمة السنام جبلة
قال لسان العرب : الجبل اسم لكل وتد من أوتاد الأرض إذا عظم وطال قال التحقيق : الأصل الواحد في هذه المادة : هو ما يكون فطريا وعظيما فالقيدان [ الفطرة والعظمة ] مأخوذان في جميع مشتقاتها وإذا استقرأنا الآيات التي فيها الجبال نجدها ذكرت في الموارد التي تنفهم العظمة الطبيعية منها قال المعجم الاشتقاقي : الجبل اسم لكل وتد من أوتاد الأرض إذا عظم وطال من الأعلام والأطوار والمعنى المحوري : تجمع عظيم شديد الأثناء مع غلظ هيأة كالجبل والسنام"
وبهذا يظهر أن الجبل: اسم لما طال وعظم من أوتاد الأرض مع غلظ وهيأة والمادة تدل على : تجمع عظيم شديد الأثناء وصعوبة وشدة دون الطور .
[h=1]الآيات التي وردت فيها كلمة الطور :[/h]{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63}
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}
{ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}
{ وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (} {
{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ}
{ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ}
{ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْ}
{ وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي},
[h=1]بعض الآيات التي ورد فيها الجبال :[/h]{ وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا}
{ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}
{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَ}
{ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46}
{ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا}
{ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا}
{ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}
{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ}
{ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّاؤ
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105}
[h=1]ملحقان تتميما للفائدة :[/h][h=1]الملحق الأول: توضح معنى سيناء واشتقاقها وما يتبع ذلك :[/h][h=1]سيناء : اسم البرية التي فيها الجبل على الأصح كما هو كذلك وقد رجحه الزجاج والواحدي وجمهور العلماء[/h][h=1]اشتقاق سيناء وأصلها :[/h][h=1]القول الأول : وهو الأصح[/h]قال في تاريخ سينا : واما سيناء فلغة الحجر قيل سميت البلاد سيناء لكثرة جبالها وقيل اسم سيناء مأخوذ من السين بمعنى القمر في العبرانية لأن أهلها كانوا يعبدون القمر قديما
قال المعجم الاشتقاقي: قال الزجاج إن سيناء حجارة وهو اسم مكان ـ ثم قال بعد سرد الأقوال ـ وأوثق ما نخرج به أنه اسم علم للبقعة والشجرة التي تنبت بالدهن هي شجرة الزيتون وليست غريبة على تلك البقعة واما أن يكون اسم سينا او سينين معناه حسن أو مبارك فلا سبيل إلى تحقيقه وأما على قول الزجاج إن سيناء حجارة فهي قريبة من كلمة (سِنَّ) التي تعبر عن مادة صلبة لها جانب أو نتوء دقيق حاد والشائع في حجارة الجبال والصحراء أن تكون كذلك أو قريبا منه والمعنى المحوري : فيكون معنى التركيب الصحراء الحجرية أي التي تعلو وجهها الحجارة الدقيقة
[h=2]القول الثاني :[/h]نبطي سرياني حبشي ( سيناء ) بالحبشية هو الحسن أو المبارك من سيناء فمعنى طور سيناء : جبل البركة (الخير الكثير) أو جبل الحسن
استعمال سيناء وسينين :
البقاعي ولما كان السياق للإمداد بالنعم ، ناسبه المد فقال : { سيناء
البقاعي
ولما كان الكلام في التقويم ، كان المناسب له صورة جمع السلامة فقال تعالى : { سينين}
يقول علي هاني : وأيضا استعمال (ين) في اللغات القديمة يفيد التعظيم كما في { إل ياسين} لإلياس لما أراد سبحانه مدحه أضاف هذه الإضافة ، فلما كان المقام مقام مدح وتعظيم في سورة التين استعمله .
[h=1]معنى شجرة تخرج من طور سيناء :[/h][h=1]{ وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن} :[/h]وفي تخصيصها بالخروج منه ، مع خروجها من سائر البقاع قولان :
[h=1]القول الأول: لتعظيمها قال الآلوسي : ولعل جعله للتعظيم أولى فيكون هذا مدحاً لها باعتبار مكانها[/h][h=1]القول الثاني: لأنه المنشأ الأصلي لها لأن أصل الزيتون من الشام ، وأول ما نبت في الطور ، ومنه نُقل إلى سائر البلاد قال ابن عاشور : قيل هو اسم نبطي وقيل هو اسم حبشي ولا يصح . وإنما اغتر من قاله بمشابهة هذا الاسم لوصف الحَسَن في اللغة الحبشيَّة وهو كلمة سَناه ، ومثل هذا التشابه قد أثار أغلاطاً .[/h][h=1]تعريف بصحراء سيناء :[/h]قال في معجم البلدان : سينا اسم موضع بالشام يضاف إليه الطور ، وهو الجبل الذي كلم الله تعالى به موسى
قال في تاريخ سينا: شبه جزيرة سنيا أخذت شكل مثلث قعد على البحر المتوسط وانقلب على رأسه فدخل كالسفين في رأس البحر الأحمر وشطره شطرين وهما خليج العقبة وخليج السويس وشبه الجزيرة في الاصل هي البلاد الواقعة بين هذين الشطرين المعروفة الآن ببلد الطور ثم امتدت اداريا فشملت بلاد التيه ثم بلاد العريش في الشمال فأصبح حدها من الشمال البحر المتوسط ومن الغرب ترعة السويس وخليج السويس ومن الجنوب البحر الأحمر ومن الشرق خليج العقبة وينتهي عند رفح
قال التحقيق : الأصل الواحد في هذه المادة هو المعنى الواحد الاسمي وهو الأرض المحدودة من القطعة الواقعة بين أراضي الحجاز ومصر والقدر المسلم المقطوع فيه هو القطعة الواقعة فيما بين خليج السويس وخليج العقبة أي مجموع الأراضي من انتهاء البحر الأحمر إلى انتهاء الخليجين في جهتي الشرق والغرب متوسطة بينها فتشمل جبال الطور وبلادها وجبال التيه إلى بلدة أيلة شرقا والسويس غربا ولكن المتداول في العرف هو امتدادها إلى البحر الأبيض شمالا فتنتهي إلى بلدة رفح شرقا وإلى بور سعيد غربا ومجموع هذه القطعة الواسعة يقرب من 30 ألف كيلو متر مربع وفي هذه البقعة جبال مرتفعة كجبل الطور وجبل المناجاة وجبل الصفصافة وجبل سربال وجبل حمام موسى وغيرها وأشهرها جبل طور سيناء وإليه تنسب الجزيرة وهو واقع في وسط جهة الشمال من البحر الأحمر قريبا من مسافة أربعين ميلا
[h=1]الملحق الثاني:[/h][h=1]مبحث في العد لآيات القرآن الكريم :[/h]اعلم أن الأعداد التي يتداولها الناسويعدون بها في سائر الآفاق ستة، على عدد المصاحف الموجَّه بها إلى الأمصار على صح الأقوال فيها، ولذلك كان لأهل المدينة الشريفة عددان وواحد لأهل مكة وواحد لأهل الشام وواحد لأهل الكوفة وواحد لأهل البصرة.
العدد المدني الأول وهو غير منسوب إلى أحد بعينه وإنما نقله أهل الكوفة عن أهل المدينة مرسلا (أي غير مقيد عن أحد معين) ولم يسموا في ذلك أحدا وكانوا يأخذون به وإن كان لهم عدد مخصوص.، وقد وهم من نسب عدد المدني الأول إلى أبي جعفر وشيبة وعدد المدني الأخير إلى إسماعيل ابن جعفر. وكأن الذي أوقعه في ذلك ما ذكر في بعض الكتب من أن نافعا روى عنهما عدد المدني الأول وأن أبا عمرو عرض العدد المذكور على أبي جعفر فإن رواية ذلك عنهما لا تقتضي نسبته إليهما.قال أبو عمرو الداني : ذكر عدد الْمدنِي الأول وَهُوَ الْعدَد الَّذِي رَوَاهُ أهل الْكُوفَة عَن أهل الْمَدِينَة لم يسموا فِي ذَلِك أحدا بِعَيْنِه يسندونه إِلَيْهِ ذكر عدد الْمدنِي الْأَخير
العدد المدني الأخير منسوب إلى أبي جعفر بن يزيد بن القعقاع أحد العشرة وشيبة بن نصاح[8]. وقد رواه عنهما إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري بواسطة سليمان بن جماز ، و نسبته إلى إليهما أي إلى أبي جعفر وشيبة فهو مما لا ريب فيه قال أبو عمرو الداني ذكر عدد الْمدنِي الْأَخير: وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ إِسْمَاعِيل عَن ابْن جماز عَن شيبَة وَأبي جَعْفَر
العدد المكي وهو منسوب إلى عبد الله بن كثير أحد السبعة وهو يروي ذلك عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب
العدد الكوفي وهو مروي عن حمزة الزيات ، قال أبو عمرو الداني : العد الكوفي هو َ الْعدَد الَّذِي رَوَاهُ سليم وَالْكسَائِيّ عَن حَمْزَة وأسنده الْكسَائي إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَذكر سليم أَن حَمْزَة قَالَ هُوَ عدد أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَلَا أَشك فِيهِ عَن عَليّ إِلَّا أَنِّي أُجِيز عَنهُ.
قال في الإتقان : وأما العدد الكوفي فهو ما رواه الإمام الداني بسنده إلى حمزة بن حبيب الزيات والى سفيان الثوري، فأما حمزة فروى عن ابن أبي ليلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عليبن أبي طالب " اهـ
قال الفيروز آبادي عن العدد الكوفي أنه أعلى الأعداد سندا وأصحها سندا
العدد البصري وهو مروي عن عاصم الجحدري.
العدد الشامي : وأما عدد أهل الشام فرواه هارون بن موسى الأخفش وغيره ، عن عبد الله بن ذكوان وأحمد بن يزيد الحلواني وغيره ، عن هشام بن عمار، ورواه ابن ذكوان وهشام عن أيوب بن تميم القارئ عن يحيى بن الحارث الذماري قال هذا العدد الذي نعده عدد أهل الشام مما رواه المشيخة لنا عن الصحابة ورواه عبد الله بن عامر اليحصبي لنا وغيره عن أبي الدرداء
[h=1]ما الذي يعتمده القراء العشرة في العد:[/h]فحمزة والكسائي يعتبران العدد الكوفي
ورش يعتمد المدني الأخير فما يعده المدني الأخير رأس آية يعده ورش كذلك وما لا فلا، وأما أبو عمرو فيعتمد في عد رءوس الآي على العدد البصري،
وذهب الجعبري تبعا للداني إلى أن ورشا وأبا عمرو يعتمدان المدني الأول. والقول الأول الذي قررنا أرجح وعليه العمل وقد ذهب إليه إمام الفن وابن الجزري
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[h=1]سبب الاختلاف في العد :[/h]سبب هذا الاختلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على رؤوس الآي تعليما لأصحابه أنها رؤوس آي حتى إذا علموا ذلك وصل صلى الله عليه وسلم الآية بما بعدها طلبا لتمام المعنى فيظن بعض الناس أن ما وقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليس فاصلة فيصلها بما بعدها معتبرا أن الجميع آية واحدة والبعض يعتبرها آية مستقلة فلا يصلها بما بعدها ، و الخطب في ذلك سهل لأنه لا يترتب عليه في القرآن زيادة ولا نقص.
قال أبو عمرو الداني : وهذه الأعداد وإن كانت موقوفة على هؤلاء الأئمة فإنَّما لها - لاشك - مادة تتصل بها، وإن لم نعلمها ، إذ كان كلّ واحدٍ منهم قد لقي غير واحد من الصحابة ، وشاهده وسمع منه أو لقيَ منْ لقي الصحابة مع أنّهم لم يكونوا أهل رأي واختراع ، بل كانوا أهل تمسك واتباع ، وبالله التوفيق
وقال السّخاويّ ما معناه :" ولو كان ذلك راجعا إلى الرأي لعدَّ الكوفيون (الر) آية، ولعدّوا (المر) كما عدُّوا (المص ) ولعدّوا (طس) كما عدّوا (يس) ولعدّوا (كهيعص) آيتين ،كما فعلوا في ( حم . عسق) ولعدَّ الشَّامِيُّ { قالوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } (البقرة: من الآية11) ) كما عدَّ { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (البقرة: من الآية7) ومثل ذلك كثير 0"(1)وليس يخفى على صاحب القرآن أن تقسيم السور إلى آيات لن يكون البتة راجعا إلى معيار لغوي نحوي أو معنوي ، فإنَّ غير قليل من آياته قد جاء فيها المسند إليه في آية والمسند في أخرى ، وجاء المعمول في آية وما تعلق به في آية أخرى ،وهذا كثر لا يخفى على ذي قلب .
قال السخاوى في جمال القراء (فان قيل) فما الموجب لاختلافهم في عدد آى القرآن (قلت) النقل والتوقيف (فان قيل) فلو كان ذلك توقيفيا لم يقع اختلاف (قلت) الامر في ذلك على نحو من اختلاف القراءات وكلها مع الاختلاف راجع للنقل..
[h=1]قال في الإتقان : سور القرآن بالنسبة للخلاف فيه بالعد ثلاثة أقسام :[/h]- قال الموصلي ثم سور القرآن على ثلاثة أقسام قسم لم يختلف فيه لا في إجمال ولا في تفصيل وقسم اختلف فيه تفصيلا لا إجمالا وقسم اختلف فيه جمالا وتفصيلا
فالأول : أربعون سورة يوسف مائة وإحدى عشرة الحجر تسع وتسعون النحل مائة وثمانية وعشرون الفرقان سبع وسبعون الأحزاب ثلاثة وسبعون الفتح تسع وعشرون الحجرات والتغابن ثمان عشرة ق خمس وأربعون الذاريات ستون القمر خمس وخمسون الحشر أربع وعشرون الممتحنة ثلاث عشرة الصف أربع عشرة الجمعة والمنافقون والضحى والعاديات إحدى عشرة التحريم اثنتا عشرة ن اثنتان وخمسون الإنسان إحدى وثلاثون المرسلات خمسون التكوير تسع وعشرون الانفطار وسبح تسع عشرة التطفيف ست وثلاثون البروج اثنتان وعشرون الغاشية ست وعشرون البلد عشرون الليل إحدى وعشرون ألم نشرح والتين وألهاكم ثمان الهمزة تسع الفيل والفلق وتبت خمس الكافرون ست الكوثر والنصر ثلاث
والقسم الثاني: أربع سور القصص ثمان وثمانون عد أهل الكوفة طسم والباقون بدلها أمة من الناس يسقون
العنكبوت تسع وستون عد أهل الكوفة الم والبصرة بدلها مخلصين له الدين والشام وتقطعون السبيل
الجن ثمان وعشرون عد المكي لن يجيرني من الله أحد والباقون بدلها ولن أجد من دونه ملتحدا العصر ثلاث عد المدني الأخير وتواصوا بالحق دون والعصر وعكس الباقون
والقسم الثالث سبعون سورة
الفاتحة الجمهور سبع فعد الكوفي والمكي البسملة دون أنعمت عليهم وعكس الباقون وقال الحسن ثمان فعدهما وبعضهم ست فلم يعدهما وآخر تسع فعدهما و إياك نعبد
فائدة :
عن جبير بن مطعم قال : قدمت المدينة لأسأل رسول الله (ص) فى أسارى بدر ، فوافيته يقرأ في صلاة المغرب [ والطور وكتاب مسطور . . ] فلما قرأ [ إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع ] فكأنما صدع قلبي ، فأسلمت خوفا من نزول العذاب ، فلما انتهى إلى هذه الآية [ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ، أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون ] ؟ كاد قلبي أن يطير .
[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[
[h=1]وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)[/h][h=1]وكتاب :[/h][h=1]المراد به :[/h][h=2]القول الأول : أنه القرآن الكريم[/h]الحسن البصري والرازي والقرطبي والشوكاني والصابوني وهميان الزاد واطفيش التيسير وابن عجيبة والشنقيطي وسيد ط والقاسمي المنتخب النسفي الميسر الشوكاني وقدمه البيضاوي والنسفي و لنيسابوري أجازه السعدي والقاسمي
[h=1]الأدلة :[/h][h=2]الدليل الأول:[/h]يؤيده { كلا إنه تذكرة في صحف مكرمة} { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } { يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ }
[h=2]الدليل الثاني :[/h]قال الشنقيطي: والأظهر أن الكتاب المسطور هو القرآن العظيم، وقد أكثر الله - عز وجل - من الإقسام به في كتابه كقوله تعالى: { حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) } [الزخرف: 1-2، الدخان 1-2]، وقوله تعالى: { يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)
[h=1]الدليل الثالث :[/h] أنه سبحانه أقسم بالطور للاستدلال على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وأن ما أتى به من وحي ليس بدعا فذكر الطور يستلزم ذكر التوراة لإقامة الحجة عليهم فمن المناسب للسورة التي ركز فيها كثيرا على الوحي وعلى الرد على منكري الوحي أن يكون القسم بالقرآن لا بالتورا ة ثم تنكير وكتاب مسطور مع تعريف البقية للتعظيم وتميز عن سائر الكتب أكمل تميز فلا يحصل لبس بتنكيره ، بحيث لا يسبق إلى أفهام السامعين من النبي - صلى الله عليه وسلم - لفظ الكتاب إلا ذلك، فلما أمن اللبس نكره حتى يتوصل إلى تعظيمه
[h=1]الدليل الرابع :[/h]ومما أُيّد به التفسير الذي ذكرناه وأنه هو الراجح -وهو أن الكتاب المسطور المقصود به القرآن الكريم- الربط دائماً بين سيدنا موسى عليه السلام وبين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وبين الأمة المحمدية وأمة بني اسرائيل، وبين التوراة وبين القرآن الكريم، وهذا كثير في القرآن الكريم، { والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين } قوله: ((وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ))، هذا إقسام ببلاد الشام، حيث ينبت التين والزيتون.
وقوله: ((وَطُورِ سِينِينَ))، حيث كلم الله موسى عليه السلام.
وقوله: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} [التين:3]، يعني: مكة، حيث أنزل الوحي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلمكقوله تعالى: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى}والكتاب الأساسي هو التوارة، أما الإنجيل فجاء مكملاً فقط للتوراة، لذلك قالت الجن كما حكى الله عنهم: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى}
[h=1]الدليل الخامس :[/h] اننا إذا فسرنا الكتاب المسطور بالقرآن يكون هناك تناسب مع موضوع السورة وسياقها وتناسب مع القسم لأنه يكون قد أقسم بسيد الجبال وسيد الكتب. ويكون ذلك متضمناً للنبوتين المعظمتين؛ نبوة موسى ونبوة محمد عليهما الصلاة والسلام، ثم أقسم بسيد البيوت وهو البيت المعمور
[h=1]ثم اختلفوا على ثلاثة آراء :[/h][h=2]الرأي الأول : الحسن البصري وابن القيم وابن أبي زمنين وقدمه في الذكر ابن بطال في شرح البخاري وأجازه السامرائي .[/h] أنه القرآن مكتوب في رق من جلد رقيق مكتوب مبسوط دائما مفتوح مهيأ للقراءة لتقرأه الملائكة وتطلع عليه جعل معرضاً لنظر كل ناظر من الملائكة غير مطوي عنهم وهذا يدل على وضوحه لأن المنشور يعلم ما فيه ، فليس كالكتاب المطوي الذي لا يعلم ما انطوى عليه ، و للإشارة إلى صحة الكتاب وسلامته من الخطأ حيث آمنا عليه من الاعتراض ويؤيده { كلا إنه تذكرة ـ ـ ـ في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة }قال الحسن : القرآن في أيدي السفرة " ، فالصحف هي الرق، وكونه بأيدي سفرة هو كونه منشوراً .[9] ويؤيده اسم المفعول منشور وذكر البيت المعمور قال السامرائي : الرَق قد يكون منشوراً لمن يراه في الملأ الأعلى
[h=2]الرأي الثاني : أنه القرآن الكريم مكتوب عند المؤمنين يتلونه[/h]· أنه مبسوط في أيدي الناس يقرؤونه وخص هذه الحال بالإقسام وهي حال نشره لقراءته لأنها أشرف أحواله لأنها حالة حصول الاهتداء به للقارئ والسامع وأيضا هو في صحائف مبسوطة ظاهرة لكل من ينظر إليها مكتوب مسطر ، لا تخفى حاله على كل عاقل بصير ، يرجعون إليه ويهتدون بهديه ، ويقرؤونه بسهولة ويسر ، ويطلعون على ما فيه من أحكام وحكم ، وآداب وأخلاق ، لا يمنعهم أحد من مطالعته والاهتداء بهديه سهل التداول مفتوح للقارئين ، غير مطوى عنهم
[h=2]الرأي الثاني: أنه القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ[/h][h=2]الرأي الرابع : الجمع بين قولين : القرطبي والقشيري والصابوني[/h]القرطبي : قوله تعالى : " وكتاب مسطور " أي مكتوب ، يعني القرآن يقرؤه المؤمنون من المصاحف ويقرؤه الملائكة من اللوح المحفوظ ، كما قال تعالى : " إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون القشيري: { وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } مكتوب في المصاحف ، وفي اللوح المحفوظ .
[h=1]القول الثاني :[/h] اللوح المحفوظ المتضَمِّن كلَّ الأمُور الذي قد كتب فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة يقرؤون فيه ، قالوا ويؤيده أن ما بعده والبيت المعمور والسقف المرفوع روي عن ابن عباس واختاره الطبراني الطوسي والطبرسي وابن برجان و أجازه كثيرون كابن كثير والخازن والبغوي والزمخشري والسعدي ورده المظهري واطفيش وابن القيم : بأن اللوح المحفوظ ليس برق[10]
وقال المظهري في رد: وتقيد الكتاب بكونه مكتوبا في رق منشور يأبى كونه لوحا محفوظا قال اطفيش : وهذا يناسب ما عدا اللوح المحفوظ وأجاب ابن برجان عن هذا قال ابن برجان : الرق بكسر الراء جاء من هذا أن الرق ليس الجلد لا محالة بل الرق ما كتب عليه وسمي هذا بذاك يمكن أن يكون اللوح المحفوظ وهو الأظهر ويكون الرق اسم لكل ما يكتب فيه وإن كان لوحا
[h=1]القول الثالث التوراة[/h]الكلبي و أبو السعود ابن عاشور وسيد قطب وحبنكة ابن بحر و الشربيني والأمثل والميزان والتحقيق وحدائق الروح للهرري وأجازه البقاعي مع شيء من الميل إليه .
أبو السعود: أوْ ألواحُ مُوسى عليهِ السَّلامُ وهُو الأنسبُ بالطُّورِ
سيد قطب: والكتاب المسطور في رق منشور لأقرب أن يكون هو كتاب موسى الذي كتب له في الألواح . للمناسبة بينه وبين الطور
قال ابن عاشور: وَالْقَسَمُ بِالطُّورِ تَوْطِئَةً لِلْقَسَمِ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَ أَوَّلُهَا عَلَى مُوسَى فِي جَبَلِ الطُّورِ ,,,,,,,,, المراد بالكتاب المسطور التَّوْرَاةُ كُلُّهَا الَّتِي كَتَبَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ نُزُولِ الْأَلْوَاحِ، وَضَمَّنَهَا كُلَّ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ إِلَى سَاعَاتٍ قَلِيلَةٍ قَبْلَ وَفَاتِهِ. ، وَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِهَا: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [154] . ومناسبة القسم بالتوراة أنها الكتاب الموجود الذي فيه ذكر الجزاء وإبطال الشرك وللإِشارة إلى أن القرآن الذي أنكروا أنه من عند الله ليس بدعاً فقد زلت قبله التوراة وذلك لأن المقْسَم عليه وقوع العذاب بهم وإنما هو جزاء على تكذيبهم القرآن ومن جاء به بدليل قوله بعد ذكر العذاب.قال حبنكة : بعد القسم بالطور يرشح أن يكون كتاب التوراة الذي آتاه الله موسى عليه السلام ووصفه بأنه مسطور في رق منشور غير نطوي يدل على أن المراد الكتاب الأصلي الذي كان قبل التحريفات التي أدخلها اليهود وأنه كان مسطورا في رق وكان منشورا باستطاعة كل قارئ أن يطلع عليه ويقرأه أما بعد أن أدخل اليهود فيه تحريفاتهم فصاروا يكتبون كتابهم في كتب وكان أحبارهم هم الأوصياء عليها فيظهرون منها ما يريدون إظهاره لموافقته لأهوائهم ويخفون منها ما يريدون إخفاءه ولا يجعلونها منشورة يقرأها كل قادر على القراءة لئلا تكتشف تحريفاتهم قال في حدائق الروح : أقسم سبحانه بالتوراة التي كتبت بنظام بديع مرالحروف في رق منشور سهل على كل أحد أن يطلع على ما فيها من حكم وأحكام وآداب وأخلاق يقول علي هاني لكن إن ردوا انه اللوح المحفوظ لتسميته لوحا والرق ليس لوحا يقال هذا الدليل عليكم لقوله تعالى {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة } { وألقى الألواح } { وألقى الألواح } قال المراغي : (وَالطُّورِ. وَكِتابٍ مَسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) أقسم سبحانه بهذا الجبل العظيم الشأن الذي كلم فوقه موسى ، وأنزل عليه التوراة التي كتبت بنظام بديع ، مرتب الحروف ، فى رق منشور ، يسهل على كل أحد أن يطلع على ما فيها من حكم وأحكام ، وآداب وأخلاق.
يقول علي هاني : يرد هذا القول أن التوراة كانت في ألواح لا في رق ثم ثانية ليس من المناسب في السورة التي تتكلم عن القرآن والوحي للرسول صلى لله عليه وسلم أن يفرد التوراة بالمدح بالقسم والتنكير دون ذكر القرآن ثم ما فهمه العلماء من إرادة التوراة مفهوم من الطور فلا حاجة لتكراره بذكره بالقسم بل المعنى أنه أقسم بالطور ويتضمن هذا التوراة لبيان المماثلة بين رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالة سيدنا موسى عليه السلام لإقامة الحجة على الناس ومنهم قريش والعرب فالأبلغ الأنسب لأن يراد به القرآن العظيم وتكون التوراة مرادة لكن ليس من لفظ وكتاب بل هي مفهومة من القسم بالطور ويكون قد أقسم بسيد الجبال وسيد الكتاب ولما تقدم في ترجيح إرادة القرآن .
[h=1]القول الرابع : صحائف الأعمال أي التي كتب فيها أعمال بني آدم وهي ما أثبت على بنى آدم من أعمالهم فمن آخذ كتابه بيمينه ومن آخذ كتابه بشماله، فنظيره قوله تعالى: { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا }[/h] مقاتل ، والزجاج والفراء ومكي ، والقشيري وقدمه الزمخشري
[h=1]القول الخامس : قالوا يجب ان لا يعين منها شيء، إنما تورد على الاحتمال[/h][h=1]قال أبو حيان والكتاب المسطور : القرآن ، أو المنتسخ من اللوح المحفوظ ، أو التوراة ، أو هي الإنجيل والزبور ، أو الكتاب الذي فيه أعمال الخلق ، أو الصحف التي تعطى يوم القيامة بالإيمان والشمائل ، أقوال آخرها للفراء ، ولا ينبغي أن يحمل شيء منها على التعيين ، إنما تورد على الاحتمال الفخر الرازي :وأما الكتاب ففيه أيضا وجوه : ( أحدها ) كتاب موسى عليه السلام ( ثانيها ) الكتاب الذي في السماء . ( ثالثها ) صحائف أعمال الخلق ( رابعها ) القرآن وكيفما كان فهي في رقوق[/h]
[h=1]تنكيره { وكتاب مسطور} :[/h][h=2]القول الأول :ابن عاشور البيضاوي السمين الحلبي اطفيش والآلوسي[/h]وتنكير { كتاب ، رق } للتعظيم والتفخيم والإشعار بأنهما من العظمة على كيفية ليست من المتعارف فيما بين الناس وأيضا ولبيان شهرته بحيث يؤمن اللبس مع شهرته ففيه التنبيه على أن ذلك الكتاب لا يخفى نكر أو عرف.
قال الفخر الرازي : ما يحتمل الخفاء من الأمور الملتبسة بأمثالها من الأجناس يعرف باللام ، فيقال رأيت الأمير ودخلت على الوزير ، فإذا بلغ الأمير من الشهرة بحيث يؤمن الالتباس مع شهرته ، ويريد الواصف وصفه بالعظمة ، يقول : اليوم رأيت أميرا ما له نظير جالسا وعليه سيما الملوك وأنت تريد ذلك الأمير المعلوم ، والسبب فيه أنك بالتنكير تشير إلى أنه خرج عن أن يعلم ويعرف بكنه عظمته ، فيكون كقوله تعالى : { الحاقة * ما الحاقة * وما أدراك ما الحاقة } ـ ـ ـ وأما الكتاب الكريم فقد تميز عن سائر الكتب ، بحيث لا يسبق إلى أفهام السامعين من النبي صلى الله عليه وسلم لفظ الكتاب إلا ذلك ، فلما أمن اللبس وحصلت فائدة التعريف سواء ذكر باللام أو لم يذكر قصدا للفائدة الأخرى وهي في الذكر بالتنكير ، الآلوسي : الأولى على وجهي التنكير إذا حمل على أحد الكتابين أعني القرآن والتوراة أن يكون من باب { لِيَجْزِىَ قَوْماً } [ الجاثية : 14 ] ففي التنكير كمال التعريف ، والتنبيه على أن ذلك الكتاب لا يخفى نكر أو عرف ، ومن هذا القبيل التنكير في قوله تعالى : { فِى رَقّ مَّنْشُورٍ }
[h=2]القول الثاني:[/h]قال أبو حيان: نكر وكتاب ، لأنه شامل لكل كتاب أنزله الله شمول البدل ، ويحتمل أن يكون شمول العموم ، كقوله : { علمت نفس ما} قال بعض العلماء : والتنكير قيل : للإفراد نوعاً ، وذلك على القول بتعدده
[h=1]مسطور :[/h]مسطور: اسم مفعول من السطرَ، والسطر: الصف من الكتابة، ومن الشجر المغروس، ومن القوم الوقوف، والسطر: الصف من الكتابة ومن الشجر المغروس، وسطر فلان كذا: كتب سطرا سطرا فالسطر : ترتيبُ الحروفِ المكتوبة قال تعالى: {ن والقلم وما يسطرون}.
{مسطور}المثبت المحفوظ ، المرتب الحروف الذى سطرت حروفه سطورا متفقة الكتابة مصفوفة مرتبة متسقة مكتوبة على وَجْهِ الانتظامِ الكتابة جميل ، ويلزمه أنه مرتب المعاني
وفى وصف الكتاب بأنه مسطور ، إشارة إلى أنه محفوظ مثبت ولتمييزه بأنه كتاب مشرف مراد بقاؤه مأمور بقراءته إذ المسطور هو المكتوب مكتوب كتابة في أسطر على نحو ما يكتب الكاتبون
[h=1]فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)[/h][h=1]الإعراب والتعلق :[/h]«في رق) : الجار والمجرور متعلقان بـ{مسطور} ومعنى الكلام : وكتاب مسطور في رق منشور أي مكتوب في رق.
[h=1]معنى رق :[/h][h=1]أصل المادة :[/h]المعجم الاشتقاقي : الرُّقاق كغراب الخبز المنبسط الرقيق، وكسَحاب الأرض السهلة المنبسطة المستوية اللينة التراب ، والمعنى المحوري : انبساط الشيء متسعا قليل سمك الجرم ـ ـ ـ ـ من ذهاب سمكه في الامتداد ومنه رق الشيء فهو رقيق ورُقاق كغُراب دق ونحف .
قال التحقيق : الأصل الواحد هو ما يقابل الغلظة ومن مصاديق الأصل: الجلد الرقيق من حيث إنه رقيق والصحيفة الرقيقة .
الراغب : رق - الرقة: كالدقة، لكن الدقة تقال اعتبارا بمراعاة جوانبه، والرقة اعتبارا بعمقه. فمتى كانت الرقة في جسم تضادها الصفاقة، نحو: ثوب رقيق وصفيق، ومتى كانت في نفس تضادها الجفوة والقسوة، يقال: فلان رقيق القلب، وقاسي القلب, والرق: ما يكتب فيه، شبه الكاغد، قال تعالى: {في رق منشور} [الطور/3]، وقيل لذكر السلاحف: رق
[h=1]الاقوال في تفسير { في رق} :[/h][h=2]القول الأول : المراد به الورق[/h][h=2]أبو عبيدة والطبري وابن الجوزي وهميان الزاد والسعدي[/h][h=2]القول الثاني: الجلد الرقيق وهذا قول الجمهور[/h]وأبو حيان البقاعي و ابن عاشور الواحدي .البغوي حبنكة الثعلبي الطوسي والخازن السمعاني الميرغني ابن عجيبة اطفيش في التيسير والمراغي ومقاتل والشوكاني والمبرد ودروزة وتاج العروس والمصباح المنير والصحاح وابن فارس [11]
الرق: جلد الحيوان و الأديم الرقيق يصلح للكتابة يهيأ بالقشر يكتب فيه وهي مرققة فلذلك سميت رقاً ، من الرقة ضد الصفاقة ، وهو أمتن ما يكتب فيه وأشده وأتقنه وجمعه رقوق
قال المبرد : الرق ما رقق من الجلد ليكتب فيه
قال ابن عاشور:والرَّق ( بفتح الراء بعدها قاف مشددة ) الصحيفة تُتّخذ من جلد مرقق أبيض ليكتب عليه
قال حبنكة : الرق : جلد رقيق يكتب عليه وكان يختار غالبا من الجلود للكتابة عليها وخاصة جلود الغزلان لرقتها وبياضا
دروزة- رق منشور : الرق هو قطعة الجلد الأملس المعد للكتابة . وأكثر ما كان يتخذ من جلد الغزال الرق :
قال الجوهري في الصحاح ، قال : والرق بالفتح ما يكتب فيه وهو جلد رقيق
[h=2]القول الثالث: العموم[/h][h=2]الاتجاه الأول: [/h]أصل الرق الجلد الرقيق استعير [12]لكل ما يكتب فيه الكتاب والقرآن كتبه الصحابة فى الجلد كما كتبوه في الخشب والعظام والحجارة البيض
أبو السعود والبيضاوي والمظهري
[h=2]الاتجاه الثاني: ما يكتب فيه فكل صحيفة رق فالمراد بالرق ما يعم الجلد المرقق للكتابة والورق ، وكل ما يرقق ويصفى للكتابة أعم من كونه جلداً أو غيرَهُ وأصله : الجلد الرقيق يكتب فيه[/h]الطبرسي والراغب والشنقيطي وحسنين مخلوف والميزان وسيد طنطاوي والأمثل وكذا الزمخشري الثعلبي ابن عطية والمغرب إلا أن الزمخشر ي ومن بعده عبروا بالصحيفة
قال السمين : والرَقُّ بالفتح : الجِلْدُ الرقيقُ يُكتب فيه وقال الراغب : " الرَّقُّ ما يُكتب فيه شِبْهُ كاغَد " انتهى . فهو أعمُّ مِنْ كونِه جِلْداً وغيرَه
قال حسنين مخلوف : { في رق } هو كل ما يكتب فيه من ألواح وغيرها . وأصله : الجلد الرقيق يكتب فيه
[h=2]قال سيد طنطاوي : كل ما يكتب فيه من ألواح وغيرها . وأصله : الجلد الرقيق الذى يكتب عليه .[/h][h=2]وعبر الزمخشري ومن بعده بالصحيفة المُعَدَّةُ للكتابة [13]، وهي مُرَقَّقَةٌ ؛ فلذلك سُمِّيَتْ رَقًّا ، المعدة وكل صحيفة فهي رق لرقة حواشيها وهذا فيه عموم أيضا ، قال المتلمس [SUP]1[/SUP] :[/h][h=2]فكأنما هي من تقادم عهدها رق أتيح كتابها مسطور[/h][h=2]وقال التهذيب : الرق ما يكتب فيه وقال الليث الرق الصحيفة البيضاء.[/h][h=1]تنكير رق : وتنكيره للتعظيم والإشعار بأنه ليس من المتعارف فيما بين الناس .[/h][h=1]والواو:[/h] الأولى واو القسم ، وما بعدها للعطف
[h=1]الحكمة من سطرها في الرق :[/h]1. إنما وضع في الرق ، لأنه من أحسن ما يكتب عليه ، فذكر لهذه العلة ، فاذا كتبت الحكمة في ما هو على هذه الصفة كان أبهى وأولى .
2. والرق أمتن ما يكتب فيه وأشده وأتقنه فكونه في رق ، يدل على ثبوته
[h=1]منشور :[/h][h=1]اصل المادة :[/h]قال البقاعي : المادة تدور حول الحركة والامتداد والانبساط { وإذا الصحف نشرت } { نخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا} .
قال المعجم الاشتقاقي : المعنى المحوري تفرق ببسط وامتداد نشوءا أو إيقاعا ونشرت بسطت.
قال التحقيق : النشر هو بسط بعد قبض ومن مصاديقه نشر الكتاب ، فالمنشور المبسوط في مقابل المطوي المقبوض .
قال الراغب : النشر : نشر الثوب والصحيفة والسحاب والحديث بسطها
قال التحرير : ضد الطي
[h=1]إعراب منشور: الظاهر الأصح أنها صفة للرق لا لـ(كتاب) .[/h]المعنى : في رق مبسوط مفتوح لقراءته والمنشور خلاف المطوي فهو غير مطوي بلف بعضه على بعض والمراد : أنه ظاهر غير خفي معرض لكل ناظر ، وفيه إشارة إلى الوضوح ، وذلك لأن الكتاب المطوي لا يعلم ما فيه ، كما قال : { وَكُلَّ إنسان ألزمناه طائره في عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً قال ابن عاشور : وإجراء الوصفين { مسطور، في رق} عليه لتمييزه بأنه كتاب مشرف مراد بقاؤه مأمور بقراءته إذ المسطور هو المكتوب منشور يقرأ على الناس جهاراً
[h=1]الأفصح فتح الراء في{رق} ويجوز كسرها .[/h]قال السمين الحلبي: وقد غَلَّط بعضُهم مَنْ يقول : كتبْتُ في الرِّق بالكسر ، وليس بغلطٍ لثبوتِه لغةً بالكسر
[h=1]وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)[/h][h=1]القول الأول :[/h] وابن عباس و علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعكرمة وأبو هريرة و زيد بن علي ومقاتل و الزهري ، و سعيد بن المسيب والصنعاني والتستري والهواري والسمرقندي وابن أبي زمنين والثعلبي ومكي والواحدي والزمخشري والسمعاني والطبرسي . والنسفي ، ع،والقرطبي وابن جزي والخازن وابن الهائم والجلال والمظهري وابن عجيبة والميرغني والآلوسي والمظهري وابن عجيبة والشوكاني والميرغني واطفيش والهميان والسعدي وسيد
بيتٌ في السَّماءِ يقال له الضُراحُ ، حيال الكَعبةِ ، يَزورهُ كلَّ يَومٍ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ إذا خرجوا لم يعودوا ِ إلىه إلى يَومِ القِيامةِ حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض. يعني : يتعبدون فيه ويطوفون ، كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم كذلك ذاك البيت ، هو كعبة أهل السماء ؛ ولهذا وجد إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، مسندا ظهره إلى البيت المعمور ؛ لأنه باني الكعبة الأرضية ، والجزاء من جنس العمل .
فقد ثبت في صحيح مسلم عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء : ( ثم رفع إلي البيت المعمور فقلت : يا جبريل ما هذا ؟ قال هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر [SUP]32[/SUP] ما عليهم )
وفي حديث ثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتيت بالبراق ) الحديث ، وفيه : ( ثم عرج بنا إلى السابعة [SUP]33[/SUP] فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه قال الطبري: وقوله : وَالبَيْتِ المَعْمُورِ يقول : والبيت الذي يعمر بكثرة غاشيته وهو بيت فيما ذُكر في السماء بحيال الكعبة من الأرض ، يدخله كلّ يوم سبعون ألفا من الملائكة ، ثم لا يعودون فيه أبدا وروى الطبري قال: حدثنا هَنَّاد بن السُّريّ ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن خالد بن [SUP]38[/SUP] عرعرة ، أن رجلا قال لعلي : ما البيت المعمور ؟ قال : بيت في السماء يقال له : " الضُّراح " وهو بحيال الكعبة من فوقها ، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ، لا [SUP]39[/SUP] يعودون فيه أبدا [SUP]40[/SUP] سيد قطب والبيت المعمور : قد يكون هو الكعبة . ولكن الأرجح أن يكون بيت عبادة الملائكة في السماء لما ورد في الصحيحين في حديث الإسراء : " ثم رفع بي إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم " . . يعني يتعبدون فيه ويطوفون به كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم !
[h=1]القول الثاني : الحسن البصري والبيضاوي وأبو السعود والقاسمي والمهايمي وابن عاشور . وفريد وجدي و حسنين مخلوف و دروزة و المراغي و إبراهيم القطان والأمثل وأيده الماتريدي وضعفه الزمخشري .[/h]هو الكعبة ، وهو معمور ، قد عظّم الله شأنه وأمره وعمارته بالحج والعمرة والطواف بالحجاج و المجاورين
. القاسمي : { والبيت المعمور } أي الذي يعمر بكثرة غاشيته . وهو الكعبة المعمورة بالحجاج والعمّار والطائفين والعاكفين والمجاورين . وروي : " أنه بيت في السماء بحيال الكعبة من الأرض . . يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون فيه أبدا " . والأول أظهر ، لأنه يناسب ما جاء في سورة ( التين ) من عطف { البلد الأمين } على { طور سنين } والقرآن يفسر بعضه بعضا ، لتشابه آياته ، وتماثلها كثيرا ، وإن تنوعت بلاغة الأسلوب . قال المهايميّ : أورده بعد الكتاب الذي هو الوحي ، لأنه محل أعظم الأعمال المقصودة منه ، ولأنه مظهر الوحي ، ومصدر الرحمة العامة المهداة للعالمين ، ولأنه من أجلّ الآيات وأكبرها . كما دل عليه آية [SUP]51[/SUP] { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم } وآيات أخر ابن عاشور: والبيت المعمور : عن الحسن أنه الكعبة وهذا الأنسب بعطفه على الطور ، ووصفه ب { المعمور } لأنه لا يخلو من طائف به ، وعمران الكعبة هو عمرانها بالطائفين قال تعالى : { إنما يعمر مساجد اللَّه من آمن باللَّه واليوم الآخر } [ التوبة : 18 ] الآية . وفي « الطبري » : أن علياً سئل : ما البيت المعمور ؟ فقال : « بيت في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبداً ، يقال : له الضُراح » ( بضم الضاد المعجمة وتخفيف الراء وحاء مهملة ) ، وأن مجاهداً والضحاك وابن زيد قالُوا مثل ذلك . وعن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هل تدرون ما البيت المعمور ؟ قال : فإنه مسجد في السماء تحته الكعبة " إلى آخر الخبر . وثمة أخبار كثيرة متفاوتة في أن في السماء موضعاً يقال له : البيت المعمور ، لكن الروايات في كونه المرادَ من هذه الآية ليست صريحة قال الأمثل : وبملاحظة التعابير المختلفة في القرآن عن الكعبة بالبيت يكون المعنى الثاني أكثر انسجاما .
[h=1]القول الثالث : الجمع[/h]ابن عثيمين { والبيت المعمور } هذا هو الثالث مما أقسم الله به في هذه الآيات ، وهو بيت في السماء السابعة يقال له : الضراح ، هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه ، فبناءً على هذا كم عدد الملائكة ؟ لا يحصيهم إلا الله ، من يحصي الأيام ؟ ثم من يحصي سبعين ألفاً كل يوم يدخلون هذا البيت المعمور ولا يعودون إليه .
وقيل : إن المراد بالبيت المعمور بيت الله في الأرض وهو الكعبة ؛ لأنه معمور بالطائفين والعاكفين ، والقائمين ، والركع السجود ، فهل يمكن أن تحمل الآية على المعنيين جميعاً ؟ القاعدة في التفسير : أن الآية إذا احتملت معنيين على السواء ، وليس بينهما منافاة وجب أن تحمل على كل منهما ، لأن المتكلم بها وهو الله - جل وعلا - عالم بما تحتمله من المعاني ، وإذا لم يبين أن المراد أحد المعاني فإنه يجب أن تحمل على كل ما تحتمله من المعاني الصحيحة لا المعاني الباطلة ، وليس هناك منافاة بين أن يكون المقسم به الكعبة ، أو البيت المعمور في السماء ، لأن كلا البيتين معظم ، ذاك معظم في أهل السماء ، وهذا معظم في أهل الأرض ، ولا مانع ، فالصواب أن الآية شاملة لهذا وهذا ، إلا إذا وُجد قرينة ترجح أن المراد به البيت المعمور في السماء
[h=1]معنى المعمور :[/h][h=2]القول الأول : المعمور مدى الأوقات بالملائكة الكرام ، الكثير الغاشية والبيت الذي يعمر بكثرة غاشيته من الملائكة ، الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يتعبدون فيه لربهم ثم ]، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة[/h][h=2]القول الثاني : : وعلى القول أنه الكعبة يقال ذلك لكن نقول كثرة غاشيته من الحجاج والمعتمرين والمجاورين .[/h][h=1]اعتراض ودفعه :[/h]الماتريدي :وأهل التأويل يقولون : البيت المعمور ، هو في السماء يزوره أهل السماء ، ويطوفونه ، لكن القسم به يبعُد لما يسبق لهم المعرفة والمشاهدة به ، فكيف أقسم بشيء لم يعرفوه ، ولا وقع لهم العلم بالمشاهدة إلا أن يقال : إلا أن القسم به لأهل الكتاب ، وذلك في كتبهم ، يعرفونه . فأما من لم يسبق له الخبر والمعرفة بذلك مشاهدة فبعيد ، والله أعلم . قال السعدي وقيل : إن البيت المعمور هو بيت الله الحرام ، والمعمور بالطائفين والمصلين والذاكرين كل وقت ، وبالوفود إليه بالحج والعمرة .
كما أقسم الله به في قوله : { وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ } وحقيق ببيت أفضل بيوت الأرض ، الذي قصده بالحج والعمرة ، أحد أركان الإسلام ، ومبانيه العظام ، التي لا يتم إلا بها ، وهو الذي بناه إبراهيم وإسماعيل ، وجعله الله مثابة للناس وأمنا ، أن يقسم الله به ، ويبين من عظمته ما هو اللائق به وبحرمته .
[h=1]الرد على الإمام الماتريدي رحمه الله : أنه أولا ثبت به الحديث الشريف ثم لا يشترط فيما يقسم به أن يكون مرئيا للناس فقد قال تعالى { فلا أقسم بما تبصرون وما تبصرون }[/h]ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
السقف لغة :
هو ما يقابل السطح التحتاني الأرضي ، وهو ما ينبسط فوق الرأس مستندا على جدار أو جدران ، كسقف البيت والسقف في الصفة ونحوها .
ورد السقف في قوله تعالى { وجعلنا السماء سقفا محفوظا } قال التحقيق : يراد به من السماء ما يرى منبسطا فوق الرأس في الفضاء فيشمل الهواء الفوقاني المنبسط والنجوم وجميع هذا يرى كالسقف الواحد في مقابل الأرض
[h=1]المعنى :[/h]والسماء التي هي سقف مرفوع، وجعلها وسماها سبحانه سقفاً لكونها كالسقف للأرض ، لأنها سماء للأرض ، كسماء البيت الذي هو سقفه كقوله : { وجعلنا /السماء سقفا محفوظا }
والقسم به إشارة إلى أنه محكم البناء متقن السقف فيه من السعة والعظمة والثخن والكواكب ما لها مما لا يسع العقول شرحه ، وهم لا ينظرون أسبابه
روى جماعة ، وصححه الحاكم عن الأميرعلي كرم الله تعالى وجهه أي والعالم العلوي وما حوى من شموس وأقمار ، وكواكب ثابتة وسيارات ]
[h=1]المرفوع :[/h]المرفوع رفعا بديعا يدل على عظمة رافعه و ممسكه
[h=1]ومناسبة القسَم بها:[/h]الاستدلال على عظمته سبحانه خالق هذا السقف المرفوع رفعا بديعا لا بد لخلقه وإمساكه من خالق عظيم قدير لا يعجزه شيء فالله هو الذي أعلى سقفها وجعلها متّسقة ومنتظمة وأيضا السماء مصدر الوحي كله التوراة والقرآن وعلى توحيد وعلى قدرته على البعث وعلى الإتيان بالعذاب .
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)
[h=1]البحر :[/h]البحر: كل مكان واسع جامع للماء الكثير منبسط يتموج بما فيه .
واصله الاتساع .
[h=1]السجر :[/h]المادة تدل على الهيجان والاشتعال الشديد من شدة الامتلاء
الإيقاد وتهييج النار وتقويتها من شدة الملئ حطبا
يقال سجرت التنور: أوقدته وهيجت النار فيه بمليء التنور بالوقود والحطب
قال ابن عطية : سجرت التنور معناه : ملأتها بما يحترق ويتقد
قال الراغب : السجر تهييج النار { وإذا البحار سجرت }اهـ
[h=1]الأقوال في المسجور:[/h][h=1]القول الأول : الموقد المسجور بالنار بمنزلة التنّور المسجور ، كما يقال : سجرت التنور ، بمعنى : أوقدت[/h]علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب وشمر بن عطية وابن عباس ومجاهد وابن زيد والراغب والبغوي والخازن محمد بن كعب القرظي والسمعاني الضحاك و المراغي والشوكاني والأخفش وزغلول النجار ، ثم اختلفوا هل هو في الدنيا أم في الآخرة بأن يجعل البحار كلها يوم القيامة ناراً كما في { وإذا البحار سجرت} ، وسبب القول أنه في الآخرة أنهم لم يروا بحرا مسجورا واسم المفعول { المسجور} يؤيد أنه في الدنيا لما فيه من الثبوت لا الحدوث
· قال ابن زيد ، في قوله : وَالبَحْرِ المَسْجُورِ قال : الموقد ، وقرأ قول الله تعالى : وَإذَا البِحارُ سُجّرَتْ قال : أوقدت . قال الطبراني: يعني الموقَدِ الْمَحْمِى ، بمنْزِلة التَّنُّور المسجُور ، كأنه قالَ : والبحرِ المملوءِ بالنَّار الموقَدة
· قال مجاهد : المسجور الموقد ، ومثله { وإذا البحار سجرت } [SUP]5[/SUP] أي : أوقدت من شجرة التنور إذا أوقدت [SUP]6[/SUP] ، وهو قول ابن زيد [SUP]7[/SUP]
· قال على بن أبي طالب رحمه الله يقول : مسجورٌ بالنار .
· قال محمد بن كعب القرظي والضحاك : يعني الموقد المحمى بمنزلة التنور المسجور
· قال الأخفش: بأنه الموقد المحمي بمنزلة التنور المسجور
· قال الطباطبائي قال الراغب : السجر تهييج النار ، وفي المجمع ، : المسجور المملوء يقال : سجرت التنور أي ملأتها نارا ، وقد فسرت الآية بكل من المعنيين ويؤيد المعنى الأول قوله : { و إذا البحار سجرت } : أي سعرت وقد ورد في الحديث أن البحار تسعر نارا يوم القيامة ، وقيل : المراد أنها تغيض مياهها بتسجير النار فيها
· قال المراغي : تفسير المفردات : والمسجور : أي الموقد المحمى ، من سجر النار أي أوقدها وعنى به باطن الأرض وهو الذي دل عليه الكشف الحديث ولم تعرفه الأمم قديما ، وقد أشارت إليه الأحاديث ، فعن عبد الله بن عمر : ( لا يركبن رجل البحر إلا غازيا أو معتمرا أو حاجا ، فإن تحت البحر نارا ، وتحت النار بحرا ) .[ لكن المراغي حمل السجر بأن تحت طبقات الأرض نار] .
[h=2]الرأي الأول : في الدنيا في الأرض الآن المحيطات وكثير من البحر مسجورة بالصهارة الخارجة من باطن الأرض : كثير من المعاصرين منهم زغلول النجار وقريب منه المراغي وقريب منه ما روى عن سيدنا علي في إحدى الروايتين [/h]قال زغلول النجار الأرض في القرآن : من المعاني اللغوية لهذا القسم القرآني الباهر أن البحر قد أوقد عليه حتى حمي قاعه فأصبح مسجورا وهذا من الحقائق العلمية التي اكتشفها الإنسان في العقود المتأخرة من القرن العشرين والتي لم يكن لبشر إلمام بها قبل ذلك أبدا فالبحر القائم على قاع أحمته الصُّهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض فجعلته شديد الحرارة وهذا تم اكتشافه في العقود المتأخرة من القرن العشرين وهي حقيقة تمزق الغلاف الصخري للأرض بشبكة هائلة من الصدوع العملاقة المزدوجة والتي تكون فيخا بينها ما يعرف باسم أودية الخسف أو الأغوار وأن هذه الأغوار العميقة تحيط بالكرة الأرض إحاطة كاملة وهي تنتشر أكثر ما تنتشر في المحيطات وفي قيعان عدد من البحار وباستمرار تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض تتسع قيعان البحار والمحيطات باستمرار عند خطوط التباعد بينها وتندفع الصهارة الصخرية بملايين الأطنان في درجات حرارة تتعدى الألف درجة مئوية وتخرج على شكل ملايين من أطنان الصهارة على شكل هيئة ثورات بركانية عارمة تحت الماء تسجر قيعان جميع المحيطات وقيعان عدد من بحارها مثل البحر الأحمر وتجدد مادتها الصخرية باستمرار ومع تجدد اندفاع الصهارة الصخرية عبر مستويات هذه الصدوع العملاقة يتسع قاع المحيط باستمرار وبذلك يثبت بالأدلة المادية الملموسة أن كل محيطات الأرض بما في ذلك المتجمد الشمالي والجنوبي وأن أعدادا من بحارها مثل البحر الأحمر قيعانها مسجرة بالصهارة الصخرية المندفعة بملايين الأطنان من داخل النطاق الضعيف في الأرض عبر شبكة الصدوع العملاقة وأن كم المياه في تلك الأحواض العملاقة على ضخامته لا يستطيع أن يطفئ جذوة تلك الطفوح من الصهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض إطفاء كاملا وأن هذه الجذوة على شدة حرارتها أكثر من ألف درجة مئوية لا تستطيع أن تبخر الماء بالكامل وذلك لأنه عندما يتبخر الماء باندفاع الصهارة فيه فإنه يرتفع إلى أعلى ليلامس ماء أبرد فيتكثف ويعود إلى قاع البحر مرة أخرى ليعاود الكرة من جديد وهكذا ليبقى الاتزان الدقيق بين الأضداد من الماء والحرارة العالية وهذا من أكثر ظواهر الأرض إبهارا للعلماء في زماننا وهي حقيقة لم يتمكن الإنسان من اكتشافها إلا في أواخر السبعينيات من القرن العشرين ومن العجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يركب البحر فضلا عن الغوص في الأعماق قال كما روي في أبي داوود { لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا } وفي مصنف أبي شيبة { إن تحت البحر نارا ثم ماء ثم نارا } { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي آنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}
ملاحظة مهمة يعطينا ربط آخر بالطور : وقد أدى هذا النشاط البركاني فوق قيعان كل المحيطات وعدد من البحار إلى تكون سلاسل من الحيود المرتفعة وقد ترتفع قممها على شكل عدد من الجزر وفي النتيجة النهائية تكوين الجبال وهذا مناسب للقسم بالطور وأرضا البحر المسجور قريب من الطور في البحر الأحمر
· عن سعيد بن المسيب قال : قال علي كرم الله تعالى وجهه لرجل من اليهود : أين موضع النار في كتابكم؟ قال : البحر فقال كرم الله تعالى وجهه : ما أراه إلا صادقاً عن سعيد بن المسيب قال : قال علي كرم الله تعالى وجهه لرجل من اليهود : أين موضع النار في كتابكم؟ قال : البحر فقال كرم الله تعالى وجهه : ما أراه إلا صادقاً
[h=2]الرأي الثاني : يوم القيامة هذا يوم القيامة عندما تتحول بحار الدنيا إلى نار كقوله تعالى { وإذا البحار سجرت} و البحر الموقد ناراً. وَسَيَضْطَرِمُ الْبَحْرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا ، وهو قول ابن عباس . وذلك ما روي أن الله تعالى يجعل البحار كلها يوم القيامة ناراً فيزاد بها في نار جهنم[/h]ابن عباس وقتادة والخازن مجاهد وشمر بن عطية والضحاك ومحمد بن كعب والأخفش والشوكاني . سعيد بن جبير رواه سعيد بن المسيب' عن علي بن أبي طالب والخازن والبغوي والصابوني وجماعة من المفسرين
[h=1]يؤيد هذا القول الأول في تفسير السجر الهيجان والاشتعال الشديد من شدة الامتلاء عدة أمور :[/h]· الأمر الأول: أن استعمال السجر في القرآن الكريم جاء لهذا المعنى يؤيده: { وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}{ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)}{ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)}{ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)}
· الأمر الثاني: أنه جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يركبن رجل بحراً إلا غازيا أو معتمراً أو حاجاً ، فإن تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً " . فإن تحت البحر ناراً » .
وفي حديث آخر : «فإن البحر نار في نار »
· الأمر الثالث : ويؤيد الاكتشافات العلمية كما هو مبين عند زغلول النجار .
· الأمر الرابع : استعمال اسم المفعول الدال على الثبوت يدل على ذلك بخلاف { سجرت} ففيها الحدوث
· الأمر الخامس : أن كثيرا من العلماء لم يفسروه بهذا لأنهم لم يروا السجر في البحر فلذلك عدلوا عن المشهور في اللغة إلى غيره وأوضح مثال ما قاله شيخ المفسرين الطبري :وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معناه : والبحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض ، وذلك أن الأغلب من معاني السجر : الإيقاد ، كما يقال : سجرت التنور ، بمعنى : أوقدت ، أو الامتلاء على ما وصفت ، كما قال لبيد :
فَتَوَسّطا عُرْضَ السّرِيّ وَصَدّعا *** مَسْجُورَةً مُتَجاوِرا قُلاّمُها
فإذا كان ذلك الأغلب من معاني السّجْر ، وكان البحر غير مُوقَد اليوم ، وكان الله تعالى ذكره قد وصفه بأنه مسجور ، فبطل عنه إحدى الصفتين ، وهو الإيقاد صحّت الصفة الأخرى التي هي له اليوم ، وهو الامتلاء ، لأنه كلّ وقت ممتلىء .
[h=1]القول الثاني : المملوء بالماء ، المجموع ماؤه بعضه في بعض فهو ممتلئ ماء[/h][h=1]الكلبي وقتادة والطبري والقشيري والواحدي والسمعاني والزمخشري والطبرسي و الحسن البصري ، وأبو صالح ، وابن السائب والجلال والسمعاني والكلبي والسعدي والميسر وابن جزي والجلال وقدمه البيضاوي والنسفي وأبو السعود وسيد طنطاوي وقالوا المراد به المحيط (البحر المحيط كالأطلسي)[/h]قالوا المسجورُ في كلام العرب : المَمْلوءومنه سجرت التنور إذا ملأته نارا . وعين سجر ممتلئة فيها حمرة كأنها احمرت مما هو لها كسجار التنور قال المعجم الاشتقاقي : الأصل الواحد توالي انحدار المائع ونحوه إلى الحيز حتى يتجمع فيه ويمتلئ الحيز به كما يملأ السيل الموضع وتوالي نظم انحدار المائع يتأتى منه امتلاء مكانه الذي يرد عليه و{ والبحر المسجور} يقسم سبحانه بالبحر المملوء
قال البيضاوي وأبو السعود : المملوء وهو المحيط ، أو الموقد من قوله : { إذا البحار سجرت } روي أنه تعالى يجعل يوم القيامة البحار نارا يسجر بها نار جهنم ، أو المختلط من السجير وهو الخليط )
قال زغلول النجار : أغنى كواكب المجموعة الشمسية بالماء الأرض الذي تقدر كميته بحوالي 1360 مليون كيلومترا مكعبا وهذا الماء قد اخرجه سبحانه من داخل الأرض وعندما نزل الماء على شكل مطر فاض إلى منخفضات الأرض الواسعة ليكون البحار والمحيطات ودورة التبخر ثم المطر أدت إلى خزن أغلب ماء الأرض في بحارها ومحيطاتها فالله سبحانه يمن علينا بأنه ملأ منخفضات الأرض بماء البحار والمحيطات وحجر هذا الماء عن الطغيان على اليابسة
[h=1]القول الثالث : وهو من لوازم القول بأن البحار تسجر يوم القيامة قالوا { المسجور} اليابس الذي قد ذهب ماؤه ونضب[/h][h=1]قاله أبو العالية . وروي عن الحسن قال : تسجر ، يعني البحار ، حتى يذهب ماؤها ، فلا يبقى فيها قطرة .[/h][h=1]هل المراد بحر في الدنيا أم في الآخرة أم تحت العرش :[/h]قال ابن كثير وقال الجمهور : هو هذا البحر [ أي في الدنيا]
ابن جزي :{ والبحر المسجور } هو بحر الدنيا ، وقيل : بحر في السماء تحت العرش والأول أظهر وأشهر.
قال الماوردي : هو بحر الأرض ، وهو الظاهر. والجمهور : على أن البحر المقسم به هو بحر الدنيا ، ويؤيده : { وإذا البحار سجرت } وعن علي وابن عمر : أنه في السماء تحت العرش فيه ماء غليظ
[h=1]إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)[/h][h=1]الربط : هذه الآية الكريمة جواب القسم أقسم الله تعالى بالأشياء التي تقدم ذكرها ليتحقق عند العباد أن عذابه واقع لا محالة لمن وافى على الصفة التي يستحق بها العقوبة أي : وحق هذه المخلوقات الضخمة البديعة { إن عذاب ربك لواقع } .[/h][h=1]العلاقة : بين القسم والجواب تقدمت في الكلام على محور السورة ونلخصه هنا :[/h][h=1]أنه لما أكد ثبوت الشرائع وإنزال القرآن العظيم من عند الله بأدلته التي تشهد بها مماثلته لما أنزل على موسى عليه السلام ثم ذكر عظمته التي لا تضاهيها عظمة بذكر البيت المعمور ثم بخلق السقف المرفوع و البحر المسجور الدالة على استحقاقه للتوحيد وقدرته على البعث والتعذيب أقسم أن منكري الرسالات والوحي لا سيما توحيد الله والبعث الذي جاء به الوحي المؤيد بالدليل منكره معذب واقع به العذاب لا محالة .
قال سيد قطب : يقسم الله سبحانه بهذه الخلائق العظيمة على أمر عظيم . بعد أن يتهيأ الحس بهذه الإيقاعات لاستقبال ذلك الأمر العظيم إن عذاب ربك لواقع ، ما له من دافع فهو واقع حتما[/h]
[h=1]إِنَّ : أكده لإنكارهم[/h][h=1]عَذَابَ : [/h][h=1]· ويعني عذاب الآخرة واقع لمن أتى على الصفة التي يستحق بها العقوبة وهم المشركون والكفار فهو تهديد للمشركين[/h][h=1]· عذابه واقع لا محالة ، وأن لا يطمع أن ينفعه سؤال حميم او قريب منه[/h][h=1]· وأما عذاب المكذبين في الدنيا فسيجيئ في قوله تعالى : { وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك }[/h][h=1]· حذف المتعلق : وتقديره : على المكذبين ، أو بالمكذبين لأن المراد أولا أنه حاصل لا محالة ، وفيه تهديد الكل ثم يفهم من السياق أنه واقع بالكافرين لقوله تعالى { فويل يومئذ للمكذبين} وبقرينة إضافة رب إلى ضمير المخاطب المشعر بأنه معذبهم لأنه ربك وهم كذّبُوك فقد كذبوا رسالة الرب ،[/h][h=1]· وتضمن قوله : { إن عذاب ربك لواقع } إثبات البعث بعد كون الكلام وعيداً لهم على إنكار البعث وإنكارهم أن يكونوا معذبين[/h]
[h=1]فائدة ذكر الرب والإضافة رَبِّكَ:[/h]1. ذكر الرب وإضافة الضمير له مشعر بأنه معذبهم لأنه ربك وهم كذّبُوك فمن تربيته لك الانتقام منهم { ربك } أي الذي تولى تربيتك
2. لتبشير الرسول والمؤمنين من بعده بأنك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ناج من هذا العذاب في أمان منه ففيها تطييب لنفسه أن ربه لا يخزيه يومئذ كما قال : { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه } :
فلو قال : عذاب الله لواقع ، والله اسم منبئ عن العظمة والهيبة لما أعطى المعنيين السابقين .
[h=1]لَوَاقِعٌ[/h][h=1]المعنى اللغوي :[/h]المادة تدل على سقوط شيء ضخم فيه غلظ من مكان مرتفع ثم ثبوته ثبوتا تاما مؤثرا في النفوس وفي المحيط الذي نزلت به ولا يقال إلا في المكاره والشدائد ففيها الإيذان بشدة وقعها وتأثيرها
[h=1]المعنى :[/h]{ لواقع }نازل ثابت متحقق كائن حال بالكافرين يوم القيامة كأنه موجود مهيأ في مكان مرتفع فيقع على من حل به فهو ثابت نازل بمن أراد سقوط ما هو ثقيل من مكان عال فيه إشارة إلى الشدة والتعبير بالواقع أدل على الشدة من الكائن .
ألا ترى إلى قوله : { إذا وقعت الواقعة } وقوله : { وهو واقع بهم }
التأكيد بإن واللام واسم الفاعل واقع ومادة الوقوع يدل على أنه نازلٌ حَتْماً كائن لا محالة لمن يستحقه وقوعا لا شك فيه
[h=1]قصة مؤثرة :[/h] قال البغوي: قال جبير بن مطعم رضي الله عنه [SUP]15[/SUP] : قدمت المدينة لأكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر ، فدفعت إليه وهو يصلي بأصحابه المغرب وصوته يخرج من المسجد فسمعته يقرأ { والطور } - إلى قوله - { إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع } فكأنما صدع قلبي حين سمعته [SUP]16[/SUP] ، ولم أكن أسلمت [SUP]17[/SUP] يومئذ ، فأسلمت خوفاً من نزول العذاب ما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب .
ابن كثير :
قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن داود ، عن صالح المري ، عن جعفر بن [SUP]6[/SUP] زيد العبدي قال : خرج عمر يَعِسّ المدينة ذات ليلة ، فمر بدار رجل من المسلمين ، فوافقه قائما يصلي ، فوقف يستمع قراءته فقرأ : { والطور } حتى بلغ { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ } قال : قسم - ورب الكعبة - حق . فنزل عن حماره واستند إلى حائط ، فمكث مليا ، ثم رجع إلى منزله ، فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه ، رضي الله عنه [SUP]7[/SUP] .
وقال الإمام أبو عبيد في " فضائل القرآن " : حدثنا محمد بن صالح ، حدثنا هشام بن حسان ، عن الحسن : أن عمر قرأ : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ } [SUP]8[/SUP] ، فربا لها ربوة عيد منها عشرين يوما [SUP]9[/SUP] .
[h=1]سيد قطب
وعمر - رضي الله عنه - سمع السورة قبل ذلك ، وقرأها ، وصلى بها ، فقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يصلي بها المغرب . وعمر يعلم . ويتأسى . ولكنها في تلك الليلة صادفت منه قلبا مكشوفا ، وحسا مفتوحا ، فنفذت إليه وفعلت به هذا الذي فعلت . حين وصلت إليه بثقلها وعنفها وحقيقتها اللدنية المباشرة ؛ التي تصل إلى القلوب في لحظات خاصة ، فتتخللها وتتعمقها ، في لمسة مباشرة كهذه اللمسة ، تلقى فيها القلب الآية من مصدرها الأول كما تلقاها قلب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأطاقها لأنه تهيأ لتلقيها . فأما غيره فيقع لهم شيء مما وقع لعمر - رضي الله عنه - حين تنفذ إليهم بقوة حقيقتها الأولى[/h][h=1]مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)[/h][h=1]موقع الجملة :[/h][h=1]القول الأول :[/h][h=1]وهو الأصح : أنها خبر ثان لإن[/h]سيد طنطاوي قدمه السمين وأبو السعود وابن عاشور
[h=1]القول الثاني : صفة لواقع أي : واقعٌ غيرُ مدفوعٍ،[/h][h=1]قاله أبو البقاء واجازه السمين[/h][h=1]القول الثالث : أنه حال[/h]أجازه ابن عاشور
[h=1]إعراب من دافع :[/h]السمين الحلبي : " مِنْ دافِع " يجوزُ أَنْ يكونَ فاعلاً ، وأَنْ يكونَ مبتدأً ، و " مِنْ " مزيدةٌ على الوجهين . أبو السعود -.
[h=1]مَا لَهُ[/h]: ما لذلك العذاب الواقع بالكافرين
[h=1]مِنْ[/h]وزيدت لا{ من } في النفي لتحقيق عموم النفي وشموله ، أي نفي جنس الدافع دَافِعٍ:
قال المعجم الاشتقاقي : دفع العدو رده على أعقابه وصده والدفع الإزالة بقوة
قال ابن فارس : أصل صحيح واحد يدل على تنحية الشيء يقال دفعت الشي ادفعه دفعا قال المصباح دفعته فاندفع قال التحقيق : الأصل الواحد هو المنع بقاء واستدامة فإن المنع ناظر إلى جهة أصل الوجود وتحقق شيء في مقابل المقتضي والسبب والدفع ناظر إلى جهة إدامة الشيء وإبقائه وأما التنحية فيلاحظ فيها الإبعاد بالنسبة إلى جانب معين { ما له من دافع } لا يمكن دفعه بل يدوم فظهر لطف التعبير بالمادة دون الرد والمنع والتنحية , قال ابن عاشور: والدفع : إبعاد الشيء عن شيء باليد وأطلق هنا على الوقاية مجازاً بعلاقة الإِطلاق
أقول: ما ذكره التحقيق جميل إلا معنى الاستدامة والحاصل أن الدفع : هو رد الشيء على أعقابه وصده بقوة وتنحيته .
المعنى : ما له من دافع يدفعه عنهم ، فينقذهم منه وليس له راد يرده عن الكفار يوم القيامة بطريقة من الطرق لأن قدرة الله تعالى لا يغالبها مغالب ، ولا يفوتها هارب فهذا العذاب منطلقٌ من الله التي لا يمكن لأحدٍ أن يقف أمامه ، مهما كانت قوته ، ووقوعه في يوم القيامة ، ولأنه لا شريك لموقعه لما دلت عليه هذه الأقسام من كمال قدرته وجلال حكمته وضبط أعمال العباد للمجازاة وفي قوله : { ما له من دافع } دلالة على أنه من القضاء المحتوم الذي لا محيص عن وقوعه
[h=1]السر في تقديم (له) على دافع وسر التعبير به : [/h]وَتَقْدِيمُ (لَهُ) عَلَى دافع لِلِاهْتِمَامِ بِضَمِيرِهِ في مقام نفي الدفع له حتى يعطي من أول الأمر نفيه بخلاف ما له قال ما دافع لا يفيد النفي عنه إلا بعد إكمال الجملة ثم أخر دافع مع الإتيان بـ(من) حتى يأتي العموم في نهاية الآية الكريمة فيكون أوقع كما في { ولم يكن له كفوا أحد}
ونفي الدافع تستلزم نفي الدفع فلا دافع ولا دفع فهو أقوى من ليس لا دفع له له .
قال السامرائي:
*ما الفرق بين (مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) الطور) و(لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) المعارج)؟ لماذا استعمل مرة (ليس) ومرة (ما)؟ (د.حسام النعيمى)
كلتا الآيتين تنفي وجود الدافع عن العذاب. العذاب واقع ففي الآية الأولى لا يوجد شيء سيمنع هذا العذاب وفي الآية الثانية لا يوجد شيء سيمنع هذا العذاب. لكن صيغة التعبير مرة جاءت (ما له من دافع) ومرة جاءت (ليس له دافع) فهو من حقه أن يسأل حقيقة لأنها تلفت النظر. بشكل أولي حقيقة نحن عندنا تأكيد الجمل : الجملة الإسمية آكد وأقوى من الجملة الفعلية. (ليس) فعل فحينما تنبني مع مبتدأ وخبر تكون الجملة فعلية ولذلك الجملة مع (ليس) أقل توكيداً. أنت تقول: ليس زيدٌ حاضراً في نفي حضور زيد لمن ليس في ذهنه شيء لكن إذا كان شاكّاً فلك أن تقول له: ليس زيدٌ بحاضر لك تؤكده بالباء ولك أن تنتقل من الجملة الفعلية إلى الجملة الإسمية فتقول: ما زيد حاضراً لأن (ما) حرف فدخولها على الجملة لا ينقلها من إسميتها إلى الفعلية. (ما زيدٌ حاضراً) آكد من (ليس زيد حاضراً) فيها تأكيد الآية الأولى استعملت(ما له من دافع) (ما) فالجملة الإسمية، (ليس له دافع) الجملة فعلية، فالآية التي في سورة الطور آكد يعني فيها تأكيد من الجملة التي في سورة المعارج. لكن يبقى السؤال: طبعاً هنا (ما له من دافع) (من) التبعيضية يعني فيها زيادة تأكيد حتى جزء دافع ما له. (ما و من) بدل (ليس). لو قال: (ماله دافع) ستكون مجرد تأكيد بينما (ما له من دافع) زيادة في التأكيد. يبقى السؤال: السياق الذي وردت فيه الآيتان: لما ننظر فيه نجد أن الآية الأولى التي في الطور فعلاً تنسجم مع شدة التوكيدات والآية الثانية أصلاً ليس فيها توكيد. نلاحظ الآية الأولى في الطور تبدأ السورة بقسم والقسم توكيد، لما تقسم على شيء فأنت تؤكده فإذن فالجو جو تأكيد (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)) قسم لتذكير بيوم القيامة (إن عذاب ربك لواقع) و(إنّ) تأكيد مشددة واللام (لواقع) مؤكدة، لاحظ المؤكدات فالجو جو توكيد فجاء (ماله من دافع) فجاءت منسجمة مع الجو العام للسورة التي هي تعيش في توكيدات. لكن لما نأتي إلى السورة الثانية سورة المعارج (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)) هكذا تبدأ السورة فليس فيها جو توكيدات حتى يؤكد. هناك الجو بكامله جو تأكيد فاستعمل الصيغ التي تتناسب مع جو السورة ونحن دائماً نقول حقيقة الكلمة تناسب جو السورة ،الآية تناسب جو السورة هناك تناسب. لما ننظر هنا لاحظ (سأل سائل) كلام اعتيادي لماذا؟ هذا سائل والسائل هنا لا يعني المستفهم وإنما يعني الذي يدعو، هذا شخص لم يذكره القرآن الكريم من هو على عادته في إفال ذكر الأشياء التي لا أهمية لها. (سأل سائل) يعني دعا على قومه ونفسه بالعذاب وهذا معنى سأل والعذاب واقع ، العذاب سيقع سواء هو سأله أو لم يسأله واقع على الكافرين لا محالة.
[h=1]نغمة هاتين الآيتين :[/h]قال سيد قطب : لا يملك دفعه أحد أبدا ، وإيقاع الآيتين والفاصلتين حاسم قاطع . يلقي في الحس أنه أمر داهم قاصم ، ليس منه واق ولا عاصم . وحين يصل هذا الإيقاع إلى الحس البشري بلا عائق فإنه يهزه ويضعضعه ويفعل به الأفاعيل .
[h=1]يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)[/h][h=1]التعلق (يوم) :[/h][h=2]القول الأول : متعلق بـ(واقع ) :[/h]ابن الجوزي والطبري والقرطبي والخازن وأبو السعود والبقاعي
· أي إن عذاب ربك يقع لا محالة يَوْمَ تَمُورُ السّماءُ مَوْرا فيوم متعلق بواقع وهو العامل فيه ، وهو مبينٌ لكيفيةِ الوقوعِ منبئ عنْ كمالِ هولِه وفظاعتِه لزيادة التهويل وعلى هذا فتكونُ الجملةُ المنفيةُ معترضةً بين العاملِ ومعمولِه
· أدلتهم :
· وانما كان هذا أولى لأنه صريح في أنه يقع العذاب يوم القيامة ، والوجهان الأخيران يدلان على وقوع العذاب يوم القيامة ضمنا ، لأن الشيء ينتفى دفعه وقت حضوره .
[h=2]القول الثاني: متعلق بـ(دافع) :[/h]أبو حيان والحوفي
قال أبو حيان : وانتصب يوم بدافع ، قاله الحوفي ، وقال مكي : لا يعمل فيه واقع ، ولم يذكر دليل المنع وقيل : هو منصوب بقوله : { لواقع } ، وينبغي أن يكون { ماله من دافع } على هذا جملة اعتراض بين العامل والمعمول اهـ السمين الحلبي : قال الشيخ أبو حيان : " ولم يذكرْ دليلَ المنع " وقلت : قد ذَكَرَ دليلَ المنع في " الكشف " إلاَّ أنه ربما يكونُ غَلَطاً عليه ، فإنه وهمٌ وانا أذكُر لك عبارتَه . قال رحمه الله : " العامل فيه " واقعٌ " أي : إنَّ عذاب ربك لَواقعٌ في يومِ تمورُ السماءُ مَوْراً . ولا يَعْمل فيه " دافعٌ " لأنَّ المنفيَّ لا يعمل فيما قبل النافي . لا تقول : " طعامَك ما زيدٌ آكلاً " ، رفعْتَ " آكلاً " أو نَصَبْتَه أو أَدْخَلْتَ عليه الباءَ . فإن رَفَعْتَ الطعامَ بالابتداءِ وأوقَعْتَ " آكلاً " على هاءٍ جازَ ، وما بعد الطعام خبرٌ " انتهى . وهذا كلامٌ صحيح في نفسِه ، إلاَّ أنه ليس في الآية شيءٌ من ذلك ؛ لأنَّ العاملَ وهو " دافعٌ " والمعمولُ وهو " يومَ " ، كلاهما بعد النافي وفي حَيِّزه . وقوله : " وأوقَعْتَ " آكلاً " على هاء " أي على ضميرٍ يعود على الطعامِ ، فتقول : طعامَك ما زيدٌ آكلَه
ووجه السمين منع مكي أن في التعليق بـ(دافع) إيهام قال السمين : وقد يقال : إنَّ وجهَ المنعِ مِنْ ذلك خَوْفُ الوهَمِ : أنه يُفْهَمُ أن أحداً يدفعُ العذاب في غيرِ ذلك اليومِ ، والفرضُ أنَّ عذابَ اللَّهِ لا يُدفع في كل وقت . وهذا أمرٌ مناسِبٌ قد ذُكِر مثلَه كثيرٌ ؛ ولذلك مَنَعَ بعضُهم أن ينتصِبَ { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ } بقولِه : { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آل عمران : 29-30 ] لئلا يُفْهَمَ منه ما لا يَليق ، وهو أبعدُ من هذا في الوهمِ بكثيرٍ وقد رد الآلوسي على السمين بقوله : الآلوسي: وإيهام أنه لا ينتفي دفعه في غير ذلك اليوم بناءاً على اعتبار المفهوم لا ضير فيه لعدم مخالفته للواقع لأنه تعالى أمهلهم في الدنيا ما أهملهم
[h=1]القول الثالث :[/h]معنى النفي كأنه قيل انتفى الدفع يوم تمورقال الآلوسي: أو متعلق بـمعنى النفي وإيهام أنه لا ينتفي دفعه في غير ذلك اليوم بناءاً على اعتبار المفهوم لا ضير فيه لعدم مخالفته للواقع لأنه تعالى أمهلهم في الدنيا وما أهملهم
ورده بعض العلماء قالوا : والأصل عدم التعليق بالحرف
الراجح عندي : أنها متعلقة بمجموع الكلام أي يقع العذاب ولا يمكن دفعه يوم تمور السماء
[h=1]تَمُورُ الراغب :[/h]المور : حركة سريعة فيها تردد إلى الجوانب ذهابا وإيابا ومجيئا ودورانا بحيث تكون ذهابا ومجيئا وتكفؤا وميلا ، وتمور السماء: تجيء وتذهب وتتكفأ وتميل وتضرب اضطرابا شديدا خروجا عن الحركة المنظمة مثل تكفؤ السفينة وتدور دوران الرحى والناقة المضطربة ومنه المُور : الغبار المتردد ، والمَور : التراب تمور به الريح ، والغبار الموار : الذي يجتمع ويذهب ويجيء بالريح ثم هو كله إلى ذهاب ومار الشيء ترهيأ أي جعل يذهب ويجيء ويتردد قال الطوسي: والمور تردد الشئ بالذهاب والمجيئ كما يتردد الدخان ثم يضمحل ، مار يمور مورا فهو مائر
[h=1]المعنى تمور السماء من كلام المفسرين :[/h]إن هذا العذاب لواقع يوم (تمور السماء) أي تتحرك بمن فيها تحركا كبيرا وتضطرب وتجيء وتذهب ، وتنقلب انقلابا وً تموج موجاً و تدور دوراً وتتردد بالذهاب والمجيئ والتموج ويموج بعضها في بعض ، وتختلف أجزاؤها بعضها في بعض وتضطرب هي بأجسامها من الكواكب واختلال نظامها ، اضطرابا شديدا ، وتتكفأ تكفأ السفينة وتدور دوران الرحى ومنه الغبار الموار : الذي يجتمع ويذهب ويجيء بالريح ويتردد ، ثم هو كله إلى الذهاب والاضمحلال قال أبو السعود : والمَوْرُ الاضطرابُ والترددُ في المجيءِ والذهابِ .
[h=1]السَّمَاءُ : البقاعي { السماء } التي هي سقف بيتكم الأرض[/h][h=1]مَوْرًا : أي اضطراباً شديداً[/h][h=1]النغمة :[/h]قال سيد قطب:
ويعقب هذا الإيقاع الرهيب مشهد مصاحب له رهيب :
( يوم تمور السماء مورا ، وتسير الجبال سيرا ) . .
ومشهد السماء الثابتة المبنية بقوة وهي تضطرب وتتقلب كما يضطرب الموج في البحر من هنا إلى هناك بلا قوام ، ومشهد الجبال الصلبة الراسية تسير خفيفة رقيقة لا ثبات لها ولا استقرار. أمر مذهل مزلزل. يدل ضمنا على الهول الذي تمور فيه السماء وتسير منه الجبال. فكيف بالمخلوق الإنساني الصغير الضعيف في ذلك الهول المذهل المخيف؟! وفي زحمة هذا الهول الذي لا يثبت عليه شيء وفي ظل هذا الرعب المزلزل لكل شي ء ، يعاجل المكذبين بما هو أهول وأرعب. يعاجلهم بالدعاء عليهم بالويل من العزيز الجبار
[h=1]وصلت هنا[/h][h=1]وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)[/h][h=1]الربط بما سبق :[/h]أي عذاب ربك واقع يوم تضطرب السماء بأهلها وتزول الجبال عن أماكنها ، وتتطاير كالسحب ، ثم تتفت كالرمال ، ثم تصير كالصوف المنفوش .قال الطوسي : وهو متعلق بقوله ( إن عذاب ربك لواقع . . يوم تمور السماء مورا ).
[h=1]وَتَسِيرُ الْجِبَالُ[/h][h=1]السير : انتقال ومضي في الأرض مضيا ممتدا من جهة إلى جهة والمادة فيها اللزوم[/h] قال الراغب : المضي في الأرض قال المعجم الاشتقاقي : المعنى المحوري : امتداد طولي مطرد مع دقة ما كالسير والشراك وهو سير دقيق يمتد من النعل بين الأصابع يمسك النعل إل القدم والانتقال من مكان إلى مكان وامتداد وانتشار من هذا إلى ذاك .قال التحقيق : السير : هو حركة وذهاب ظاهري ماديا أو معنويا والأصل فيها هو اللزوم
قال معجم مقاييس اللغة : السين والياء والراء : أصل يدل على مضي وجريان سار يسير سيرا وذلك يكون ليلا ونهار قال السامرائي: السير هو الامتداد فهو غير المشي يقال سار القوم : إذا امتد لهم السير من جهة إلى جهة معينة في الخصوص { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله } فالسير هنا ممتد من مدين إلى مصر وليس مشيا اهـ والمتأمل في الأيات يجد معنى امتداد السور وطوله { فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا} { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ} { وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18)}
[h=1]حاصل المعنى :[/h]تسير الجبال: تنقلع من أماكنها ومواضعها عن وجه وتتحرّك وتنتقل وتسير سيرا طويلا قويا ، وتتطاير كالسحب ، ثم فتصير هباء منبثا منبثا ثمّ وتتلاشى وتزول فتستوي هي والأرضُ وتكون الأرض قاعاً صفصفاً بارِزَةً ظاهرة ، من غير شيء يسترها من جبل ولا شجر و لا غار فيها ولا صدع ولا جبل ولا نبت ولا شجر ولا ظل ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) وذلك كله لعظم هول يوم القيامة ، وفظاعة ما فيه من الأمور المزعجة ، والزلازل المقلقة ، التي أزعجت هذه الأجرام العظيمة ، فكيف بالمخلوق الآدمي الضعيف في ذلك الهول المذهل المخيف ? !، فمشهد الجبال الصلبة الراسية تسير خفيفة رقيقة لا ثبات لها ولا استقرار . أمر مذهل مزلزل . يدل ضمنا على الهول الذي تمور فيه السماء وتسير منه الجبال والمرادُ بتذكيره تحذيرُ الناس لا سيما المشركون مما فيه من الدواهي يوم القيامة ،
وأيضا كلّ ذلك إشارة إلى أنّ هذه الدنيا وما فيها وما عليها تندكّ ويحدث مكانها عالم جديد بأنظمة جديدة ، ليستعدّ الناس للوضع الجديد الذي ينطلقون فيه سراعاً إلى يوم القيامة .
[h=1]سَيْرًا[/h][h=1]لم أتي بالمصدر فيها قولان كلاهما صحيح مراد :[/h][h=2]القول الأول : البقاعي وابن عاشور[/h] وحقق معناه بقوله : { سيراً ابن عاشور
وتأكيد فعلي { تمور } و { تسير } بمصدري { مَوْراً } و { سَيْراً } لرفع احتمال المجاز ، أي هو مور حقيقي وتنقل حقيقي .
[h=2]القول الثاني :[/h]أبو السعود وتأكيدُ الفعلينِ بمصدريِهما للإيذانِ بغرابتهِما وخروجهِما عنِ الحدودِ المعهودةِ أيْ موراً عجيباً وسيراً بديعاً لا يُدركُ كُنْهُهما .
[h=1]فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)[/h][h=1]الربط[/h]ولما حقق العذاب وبين يومه ، بين أهله فذكرت الآيات من يقع عليهم هذا العذاب الذي لا ريب في تحققه ووقوعه ، وتصف حالهم إذ ذاك.
[h=1]الفاء :[/h]فصحية تفيد السببية والتفريع مع الإشارة لمحذوف وهي تتضمن ربط المعنى وتأكيده أيْ إذَا وقعَ ذلكَ وكانَ الأمرُ كَما ذكرَ من مور السماء مورا ، وسير الجبال سيرا فويل لهم فسبب وفرع على ما دلت عليه الآيات السابقة من تحقق وقوع العذاب يوم القيامة فويل لمن يقع عليه وهم المكذبون لا محالة
· والآية تدل على كون المعذبين في { إن عذاب ربك لواقع} هم المكذبين ، وعلى تعلق الويل بهم، وذلك لأنه لما قال : { إن عذاب ربك لواقع } لم يبين بأن موقعه بمن ، فلما قال : { فويل يومئذ للمكذبين } علم المخصوص به وهو المكذب.
وفيها إيذان بأمان أهل الإيمان .
[h=1]فَوَيْلٌ[/h]سوء الحال البالغ منتهى السوء و جماع الشر كله ، وهلاك عظيم وشدة الشر والخزي والهوان والبلية الشديدة القريبة من الهلاك بحيث تؤدي إلى ندبة و تفجع فهي نهاية الوعيد والتهديد قال التحقيق : الكلمة تستعمل في مقام إنشاء ذم شديد وقدح أكيد أو دعاء على ضرر وشر هذا هو الأغلب في استعمالها والويل بمعنى البلية الشديدة القريبة من الهلاك فالويل كلمة وعيد وتهديد تدل على بلية وهلاك في مقام الإنشاء قال المعجم الاشتقاقي: المعنى المحوري اللفظ بهذه الكلمة إعلانا باصطلاء عاقبة مهلكة لعمل أو تصرف وعيدا أو تحذيرا فأما الوعيد بمهلكة لارتكاب عظيمة والتحذير منها التوعد على الكفر والشرك والتحريف للتوراة
ورفعت لإفادة معنى الثبات كما في {سلام عليكم}
والتنكير لتعظيم هذا الويل أي ويل شديد فظيع كبيرعظيم
قال سيبويه: لا ينبغي أن يقال ويل للمطففين دعاء لأنه قبيح في اللفظ ولكن العباد كلموا بكلام وجاء القرآن على لغتهم على مقدار فهمهم أي هؤلاء ممن وجب هذا القول لهم ومثله قاتلهم الله أجري على كلام العرب وبه نزل القرآن. قال اابن عاشور في { عليهم دائرة السوء }: وكل ما كان بلفظ دعاء من الله عز وجل فإنما هو بمعنى إيجاب الشيء لأن الله لا يدعو على مخلوقاته وهي قبضته ومن هنا { ويل لكل همزة لمزة } فهي كلها أحكام تامة تضمنها خبره تعالى
[h=1]يَوْمَئِذٍ[/h]يومَ إذْ يقعُ ما تقدم ذكره ـ لَهُم
[h=1]لِلْمُكَذِّبِينَ[/h]الثابتين على التكذيب وهم من مات على الكذيب ، ذكره تهديدا ووعيدا للمكذبين وفيه ترغيب بترك التكذيب .
وحذف متعلق للمكذبين لعلمه من المقام وليعم التهديد جميع ما كذبوا به ، أي الذين يكذبون بما جاءهم به الرسول من القرآن والوحي المتضمن توحيد الله والبعث والجزاء.
[h=1]الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)[/h]
[h=1]فائدة الوصف : تبينهم مع ذمهم وبيان الوصف الذي استحقوا به العقوبة[/h]فذكر وصف المكذبين الذين بما استحقوا به الويل بما يميزهم ، وللذم
[h=1].هم : في ذكرها تأكيد مع كونها جملة اسمية للثبات قال البقاعي: أي من بين الناس بظواهرهم وبواطنهم[/h][h=1]في خوض :[/h][h=1]والخوض : قال الراغب : الخوض: هو الشروع في الماء والمرور فيه وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع اهـ[/h]في تخبط واندفاع عجيبٍ في الباطل والكذب والأباطيلِ والأكاذيبِ و التخبط فيها على غير بصيرة مع تلويث وفساد ، وهو خوضهم في أمر سيدنا محمد بالتكذيب والاستهزاء وإنكار البعث ، وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فهم يتكلمون في الرسول والقرآن والبعث بغير تأمل ولا بصيرة بل طوع الهوى وهو مستعار من الخوض في الماء أي كما يفعل الخائض في الماء وهو الداخل ُ فِي الْمَاءِ مَشْيًا بِالرِّجْلَيْنِ دُونَ سِبَاحَةٍ في وضعه لرجله على غير بصيرة لستر مواضع الخطا لأنه راعى أنه مشى على غير نظر واعتبار لغلبة الماء ، وقد لا يدرى ما تقع عليه قدمه من مضرة وفي شيء يلوثه كمن ينزل في الطين ولا يستعمل إلا في الباطل والكذب لأن المتصرف في الحق إنما هو على ترتيب ونظام ، وأمور الباطل إنما هو خوض ومنه الحديث رب متخوض في مال الله له النار يوم القيامة وتقول: أخضت دابتي في الماء فالشر والفساد والكذب والباطل من لوازم مفهوم الخوض قال الكشاف: غلب الخوض في الاندفاع في الباطل والكذب" اهـ وَأَكْثَرُ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَرَدَ فِيمَا يُذَمُّ الشُّرُوعُ فِيهِا اهـ
نحو قوله تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن: إنما كنا نخوض ونلعب} [التوبة/65]، وقوله: {وخضتم كالذي خاضوا} [التوبة/69]، {ذرهم في خوضهم يلعبون} [الأنعام/91]، {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث} [الأنعام/68]،. ومنه قوله تعالى وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ، وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا
قال ابن عاشور : وَالْخَوْضُ حَقِيقَتُهُ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلتَّصَرُّفِ الَّذِي فِيهِ كُلْفَةٌ أَوْ عَنَتٌ، كَمَا اسْتُعِيرَ التَّعَسُّفُ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الرَّمْلِ لِذَلِكَ. وَاسْتُعِيرَ الْخَوْضُ أَيْضًا لِلْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ تُكَلُّفُ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ يَتَكَلَّفُ لَهُ قَائِلُهُ.
[h=1]الآيات :[/h][h=2]التي في الحديث :[/h]1) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)
2) وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)
3) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)
4) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12
5) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
{ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُو} { الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)} { فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} { كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)}
[h=1]تقديم في خوض :[/h]وقدم فى خوض على متعلقه على طريق الاهتمام بذكره ولا فصلة
[h=1]فائدة (في): و { في } للظرفية المجازية وهي الملابسة الشديدة كملابسة الظرف للمظروف ، أي الذين تمكن منهم الخوض حتى كأنه أحاط بهم .[/h][h=1]تنوين خوض : الطباطبائي : وتنوين التنكير في { خوض } يدل على صفة محذوفة أي في خوض عجيب .[/h][h=1]يلعبون : المعنى المحوري : تسيب في ما يصدر عن الشيء والذهاب لغير استقامة كلعاب الصبي إذا سال من فيه فهو متسيب[/h]الحاصل في معنى اللعب : هو ضد الجد يقال لكل عمل فيه عبثية وتسيب وعدم اتجاه لاستقامة وحكمة بل للذة بحيث لا يقصد به فاعله مقصدا صحيحا من تحصيل منفعة أو دفع مضرة ولا يجدي عليه نفعا واثرا مفيدا ا ولا يرغب إليه العاقل بل مجرد التلذذ كلعب الصبيان يقال الكفار يلعبون أي يصنعون صنع الصبيان الذين يلعبون
[h=1]نقولات مهمة :قال المنار : أصل اللعب : هو الفعل الذي لا يقصد به فاعله مقصدا صحيحا من تحصيل منفعة أو دفع مضرة كأفعال الأولاد الصغار التي يتلذذون بها لذاتها فما يعالجونه من كسر حبة نقل أو إزالة غشاء عن قطعة حلوى لأجل أكلها لا يسمى لعبا ،قال الطوسي: اللعب : هو العمل للذة لا تراعى فيه الحكمة كلعب الصبيان وأصله الذهاب على غير استقامة كلعاب الصبي إذا سال من فيه قال المعجم الاشتقاقي : المعنى المحوري : اضطراب وتسيب في ما يصدر عن الشيء كلعاب الصبي فهو متسيب مضطرب ومن هذا الأصل أخذ اللعب ضد الجد وهو تسيب واضطراب أي عدم قصد في الاتجاه والتصرف ويقال لكل من عمل لا يجدي عليه نفعا التي هي عدم القصد والجدوى إنما أنت لاعب وهذا يؤكد ان في اللعب معنى العبثية قال اللسان : يقال لكل من عمل عملا لا يجدي عليه نفعا إنما أنت لاعب قال القاموس : ضد الجد قال الطبري: هو الأخذ على غير طريق الجد ومثله العبث قال التحقيق : الأصل الواحد هو قول أو عمل لا يقصد منه منظور مفيد عقلا ولا يرغب إليه العاقل ومنه الأقوال من غير جد وقصد مما ليس فيه أثر مفيد[/h][h=1]يلعبون :[/h]· هم بالاستهزاء به والتكذيب و خوضهم بالنبي صلى الله عليه والسلام والقرآن الكريم والبعث يفعلون فعل اللاعبين الذين يشتغلون بما لا نفع فيه ولا فائدة مع تضييع الزمان والعبث وعدم الجد و العبثية والتسيب وعدم اتجاه لاستقامة وحكمة فهم يلعبون ويهزؤون غافلين عما هم صائرون إليه من عذاب الله في الاَخرة لاهين عما يراد بهم
· والمضارع للاستمرار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[h=1]كلام في واقعنا :[/h]سيد قطب
وهذا الوصف ينطبق ابتداء على أولئك المشركين ومعتقداتهم المتهافتة ، وتصوراتهم المهلهلة ؛ وحياتهم القائمة على تلك المعتقدات وهذه التصورات ، التي وصفها القرآن وحكاها في مواضع كثيرة . وهي لعب لا جد فيه . لعب يخوضون فيه كما يخوض اللاعب في الماء ، غير قاصد إلى شاطئ أو هدف ، سوى الخوض واللعب !
ولكنه يصدق كذلك على كل من يعيش بتصور آخر غير التصور الإسلامي . . وهذه حقيقة لا يدركها الإنسان إلا حين يستعرض كل تصورات البشر المشهورة - سواء في معتقداتهم أو أساطيرهم أو فلسفاتهم - في ظل التصور الإسلامي للوجود الإنساني ثم للوجود كله . . إن سائر التصورات - حتى لكبار الفلاسفة الذين يعتز بهم تاريخ الفكر الإنساني تبدو محاولات أطفال يخبطون ويخوضون في سبيل الوصول إلى الحقيقة . تلك الحقيقة التي تعرض في التصور الإسلامي - وبخاصة في القرآن - عرضا هادئا ناصعا قويا بسيطا عميقا . يلتقي مع الفطرة التقاء مباشرا دون كد ولا جهد ولا تعقيد . لأنه يطالعها بالحقيقة الأصيلة العميقة فيها . ويفسر لها الوجود وعلاقتها به ، كما يفسر لها علاقة الوجود بخالقه تفسيرا يضاهي ما استقر فيها ويوافقه .
وطالما عجبت وأنا أطالع تصورات كبار الفلاسفة ؛ وألاحظ العناء القاتل الذي يزاولونه ، وهم يحاولون
تفسير هذا الوجود وارتباطاته ؛ كما يحاول الطفل الصغير حل معادلة رياضية هائلة . . وأمامي التصور القرآني واضحا ناصعا سهلا هينا ميسرا طبيعيا ، لا عوج فيه ولا لف ولا تعقيد ولا التواء . وهذا طبيعي ، فالتفسير القرآني للوجود هو تفسير صانع هذا الوجود لطبيعته وارتباطاته . . أما تصورات الفلاسفة فهي محاولات أجزاء صغيرة من هذا الوجود لتفسير الوجود كله . والعاقبة معروفة لمثل هذه المحاولات البائسة !
إنه عبث . وخلط . وخوض . . حين يقاس إلى الصورة المكتملة الناضجة ، المطابقة ، التي يعرضها القرآن على الناس ، فيدعها بعضهم إلى تلك المحاولات المتخبطة الناقصة ، المستحيلة الاكتمال والنضوج !
وإن الأمور لتظل مضطربة في حس الإنسان وتصوره ، متأثرة بالتصورات المنحرفة ، وبالمحاولات البشرية الناقصة . . ثم يسمع آيات من القرآن في الموضوع الذي يساوره . فإذا النور الهادئ . والميزان الثابت . وإذا هو يجد كل شيء في موضعه ، وكل أمر في مكانه ، وكل حقيقة هادئة مستقرة لا تضطرب ولا تمور . ويحس بعدها أن نفسه استراحت ، وأن باله هدأ ، وأن عقله اطمأن إلى الحق الواضح ، وقد زال الغبش والقلق واستقرت الأمور . سيد قطب
كذلك يبدو أن الناس في خوض يلعبون من ناحية اهتماماتهم في الحياة . حين تقاس بالاهتمامات التي يثيرها الإسلام في النفس ، ويعلق بها القلب ، ويشغله بتدبرها وتحقيقها . وتبدو تفاهة تلك الاهتمامات وضآلتها ، والمسلم ينظر إلى اشتغال أهلها بها ، وانغماسهم فيها ، وتعظيمهم لها ، وحديثهم عنها كأنها أمور كونية عظمى ! وهو ينظر إليهم كما ينظر إلى الأطفال المشغولين بعرائس الحلوى وبالدمى الميتة ، يحسبونها شخوصا ؛ ويقضون أوقاتهم في مناغاتها واللعب معها وبها ! ! !
[h=1]قصة جميلة :[/h]السمعاني : وعن بعضهم : أنه رؤي في المنام ، فقيل له : كيف الأمر ؟ فقال : الأمر جد فأياك أن تخلطه بالهزل .
الإعراب ك هم في خوض يلعبون / هم مبتدأ وفي خوض خبر ويلعبون جملة في محل نصب حال
[h=1]يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)[/h][h=1]يَوْمَ[/h][h=1]المتعلق :[/h][h=2]القول الأول : متعلق بـ(ويل) فلما صور تكذيبهم بأشنع صورة ، بين ويلهم ببيان ظرفه وما يفعل فيه فقال: { يوم يدّعون }[/h]البقاعي
[h=2]القول الثاني : الطبري وابن عطية وابن جزي ووالشربيني و سيد قطب وهو الراجح[/h][h=2]بدل من { يومئذ } في { ويل يومئذ} أي فويل للمكذّبين يوم يُدَعّونَ .: وويل لأولئك الخائضين اللاعبين : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا )[/h][h=2]القول الثالث: متعلق بما بعده[/h]الرازي واطفيش
الفخر الرازي : المسألة الأولى : { يوم } منصوب بماذا ؟ نقول الظاهر أنه منصوب بما بعده وهو ما يدل عليه قوله تعالى : { هذه النار } تقديره يوم يدعون يقال لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون ، ويحتمل غير هذا وهو أن يكون يوم بدلا عن يوم في يومئذ تقريره فويل يومئذ للمكذبين ويوم اطفيش - التيسير : { يَوم } بدل من يوم ، أو متعلق بقول محذوف ناصبة لقوله تعالى : { هذه النار } أو رافع له أى يقول الله تعالى : { هذه النار } وهذا الوجه مع اشتماله على الحذف أولى ، لأنه لا بد من تقدير القول
[h=1]يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ[/h]الدع : الدفع الشديد العنيف بجفوة
قال الراغب : الدع الدفع الشديد قال ابن فارس : أصل منقاس مطرد : وهو يدل على حركة ودفع واضطراب والدعدعة تحريك المكيال ليستوعب الشيء قال التحقيق : الأصل في المادة الدفع بشدة وعنف ففيها شدتان شدة الدفع والشدة في ذلك قال المعجم الاشتقاقي : دعه : دفعه في جفوة وعنف وضغط جسمه بشدة بحيث يندفع مبتعدا بأثر الدفع
[h=1]معنى الآية :[/h]· أي يدفعون دفعاً عنيفاً شديدا بجفوة وإهانة وغلظة ذاهبين ومنتهين { إلى نار جهنم } التي تلقاهم بالعبوسة والكراهة والتغيظ والزفير يدعهم زبانيتها وهو مشهد عنيف وحركة غليظة تليق بالخائضين اللاعبين ، الذين لا يجدون ، ولا ينتبهون إلى ما يجري حولهم من الأمور ، فيساقون سوقا ويدفعون في ظهورهم دفعا ، وذلك إهانة لهم وغلظة عليهم
· وفيه تمثيل حالهم بأنهم خائفون متقهقرون فتدفعهم الملائكة الموكلون بإزجائهم إلى النار
[h=1]دَعًّا[/h]تفيد تعظيم هذا الدع وبيان أنه في غاية الشدة والقوة والفظاعة مع تأكيد المعنى تحقيقه فهو دع لا رحمة معه ، ولا شفقة فيه.
[h=1]جَهَنَّم :[/h][h=1]القول الأول :[/h] البقاعي والتحقيق والشنقيطي والإمام النووي والسراج المنير وحقي الطوسي والشعراوي والطبرسي .
تَجَهَّمَ : إِذَا عَبَسَ وَجْهُهُ فهو خلاف البشاشة والطلاقة وبه سمي الاسد جهما، و رجل جهم الوجه : كالح منقبض كالح منقبض ، و تجهمت الرجل إذا أغلظت له
سميت جهنم :
1) لِأَنَّهَا تَلْقَاهُمْ بالتجهم الكلاحة بِوَجْهٍ في غاية العبوس والكراهة غليظ باسر كلوح
· ضيقة الخلق شديدة الفظاظة و الغلظ محيط فيه غلظة ومطيقة
كما كانوا يفعلون مع المؤمنين وأهل الحق ولما كانوا عليه عند العلم بالآيات المرئية والمسموعة من الاستهزاء الملازم للضحك والتمايل بطراً وأشراً .
· وزيادة النون المشددة تدل على شدة الغلظ والكلوح كما في بهنسة من البهس بمعنى التبختر الصحيح إثبات هذا البناء ، وجاءت منه ألفاظ ، قالوا : « ضغنط » من الضغاطة وهي الضخامة ، و « سفنج » و « هجنف » للظليم ، والزونك : القصير سمي بذلك لأنه ينزوك في مشيته أي : يتبختر ، الصحيح أنها عربية مشتقة وأصلها من الجهم وهو الكراهة والغلظ ، فالنون المشددة زائدة ،
ــــــــــــــــــــ
قال ابن فارس : (جهم) الجيم والهاء والميم يدلُّ على خلاف البَشاشة والطَّلاقة. يقال رجلٌ جهمُ الوجهِ أي كريهُهُ. ومن ذلك جَهْمة الليل وجُهْمتُه، وهي ما بين أوّلهِ إلى رُبُعه. ويقال جَهَمْتُ الرّجل وتجهَّمْتُه، إذا استَقْبَلتَه بوجه جَهْم. قال الأساس : وجه جهم غليظ ضيق الخلق قال التحقيق : جهنم اسم مكان يعذب الكفار لأن لها وجها باسرا كريها شديدة الغلظ ضيقة فهي محيط فيه غلظة ومطيقة وكراهة وكلوح وزيادة النون المشددة تدل على شدة الغلظ والكلوح كما في بهنسة من البهس بمعنى التبختر ، قال البقاعي :
الدركة النارية الشديدة الاضطرام التي تلقاهم بالتجهم والتكره وغاية العبوسة والغيظ والكراهة والكلاحة والفظاظة
يقال رجل جهم الوجه كالح منقبض
كما كنتم تفعلون بعبادي الصالحين و كما كان يلقى الحق وأهله و كما كان يعمل عند قطعه لأولياء الله
كما كان يلقى بذلك الفقراء وغيرهم من أهل الله لا سيما من منعه ما يجب له من النفقة
لما كانوا عليه عند العلم بالآيات المرئية والمسموعة من الاستهزاء الملازم للضحك والتمايل بطراً وأشراً
قال الشنقيطي : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَزْنِ جَهَنَّمَ بِالْمِيزَانِ الصَّرْفِيِّ ، فَذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى أَنَّ وَزْنَهُ «فَعَنَّلُ» فَالنُّونُ الْمُضَعَّفَةُ زَائِدَةٌ ، وَأَصْلُ الْمَادَّةِ : الْجِيمُ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ ، مِنْ : تَجَهَّمَ : إِذَا عَبَسَ وَجْهُهُ ; لِأَنَّهَا تَلْقَاهُمْ بِوَجْهٍ مُتَجَهِّمٍ عَابِسٍ ، وَتَتَجَهَّمُ وُجُوهُهُمْ وَتَعْبَسُ فِيهَا لِمَا يُلَاقُونَ مِنْ أَلَمِ الْعَذَابِ . وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : جَهَنَّمُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ ، وَالْأَصْلُ «كَهِنَامُ» وَهُوَ بِلِسَانِهِمُ «النَّارُ» ، فَعَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ وَأَبْدَلُوا الْكَافَ جِيمًا قال الطوسي : و (جهنم) في موضع جر ب (من) لكن فتح لانه لاينصرف لاجتماع التأنيث والتعريف فيه، واشتقاقه من الجهومة، وهي الغلظ، رجل جهم الوجه غليظه، فسميت بهذا لغلظ أمرها في العذاب، نعوذ بالله منها.
قال الطبرسي : و جهنم اسم من أسماء النار و اشتقاقها من الجهومة و هي الغلظ و قيل أخذ من قولهم بئر جهنام أي بعيد قعرها ،
قال الشعراوي: وجهنم مأخوذة من الجهومة وهي الشيء المخوف العابس الكريه الوجه
قال المعجم الوسيط : ( جهم ) جهامة وجهومة صار عابس الوجه كريهه ويقال جهم وجهه فهو جهم وجهيم
قال القاموس: لجَهْمُ وككتِفٍ : الوَجهُ الغليظُ المُجْتَمِعُ السَّمِجُ جَهُمَ ككَرُمَ جَهامَةً وجُهومَةً .
قال الاشتقاق: والجهم الغليظ الوجه وبه سمي الاسد جهما وكل كثيف جهم ومنه تجهمت الرجل إذا أغلظت له وقد سمت العرب جهما وجهيما
قال الأساس : وجه جهم غليظ كثير اللحم ضيق الخلقة قال الاشتقاق: والجهم الغليظ الوجه وبه سمي الاسد جهما وكل كثيف جهم ومنه تجهمت الرجل إذا أغلظت له وقد سمت العرب جهما وجهيما
[h=1]الدليل على ترجيح هذا القول :[/h]يقول علي يؤيده : { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} قال حقي: أي الدركة النارية التي تلقاهم بالتجهم والعبوسة يقال رجل جهم الوجه كالح منقبض وفيه إشارة إلى إن عذابه تعالى وانتقامه خارج عن العادة لكونه ليس بسيف ولا سوط ولا عصا ونحوها بل بالنار الخارجة عن الانطفاء وليس للكافر المعذب من الخلاص رجاء وقال بعضهم : جهنم من الجهنام وهي بئر بعيدة القعر ففيه إشارة إلى أن أهل النار مبعدون عن جمال الله تعالى وعن نعيم الجنة محرقون في نار البعد والقطيعة نسأل الله العافية
الآيات التي تؤيد هذا القول "
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ
أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (
162 وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا
قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (1
) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (3 وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ
[h=1]القول الثاني : الآلوسي والسمين وهميان الزاد والمعجم الاشتقاقي وجمهرة اللغة وأبو حاتم أبو حيان والسيوطي والقاموس والصحاح[/h]ورده ابن عاشور
قال الآلوسي : جهنم إما من الملحق الخماسي بزيادة الحرف الثالث ووزنه فعنلل وفي البحر أنها مشتقة من قولهم ركية جهنام إذا كانت بعيدة القعر وكلاهم من الجهم وهي الكراهة والغلظة ووزنها فعنل قال السمين الصحيح أنها عربية مشتقة من ركية جهنام أي بعيدة القعر وهي من الجهم أي الكراهة قال هميان الزاد : وأصله البئر البعيدة القعر ، سميت دار العقاب أو ناراه لبعدها فى العمق ، وأصلها من الجهم وهو الكراهة والغلظ ، فالنون المشددة زائدة ،قال المعجم الاشتقاقي : بئر جهنم وجهنَّام بعيدة القعر المعنى المحوري: بعد قعر الشيء وعمق تجوفه مع اضطمامه على هذا التجوف كالبئر الموصوفة ومن هذا جهنم التي يعذب فيها الكافرون وصفها بالعمق السحيق ومن الناحية الصوتية فإن الجيم تعبر عن هيكل غير مصمت والهاء عن فراغ جوفه والنون عن امتداد ذلك الفراغ في الباطن والميم عن تضامها ومن الواضح البين أنها ليست معربة من فارسية أو عبرية قال في جمهرة اللغة : وجِهِنّام: رَكِيّ بعيدة القعر. قال أبو حاتم: أحسب اشتقاق جهنَّم منه.
رده ابن عاشور : وَجَهَنَّمُ عَلَمٌ عَلَى دَارِ الْعُقَابِ الْمُوقَدَةِ نَارًا، وَهُوَ اسْمٌ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ قَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ اعْتَبَرَتْهُ كَأَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِلْعِلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ: جَاءَ مِنْ لُغَةٍ غَيْرِ عَرَبِيَّةٍ، وَلِذَلِكَ لَا حَاجَةَ إِلَى الْبَحْثِ عَنِ اشْتِقَاقِهِ، وَمَنْ جَعَلَهُ عَرَبِيًّا زَعَمَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَهْمِ وَهُوَ الْكَرَاهِيَةُ فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ وَزْنَهُ فَعَنَّلْ بِزِيَادَةِ نُونَيْنِ أَصْلُهُ فَعْنَلْ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ ضُعِفَّتْ وَقِيلَ وَزْنُهُ فَعَلَّلْ بِتَكْرِيرِ لَامِهِ الْأُولَى وَهِيَ النُّونُ إِلْحَاقًا لَهُ بِالْخُمَاسِيِّ وَمَنْ قَالَ: أَصْلُهَا بِالْفَارِسِيَّةِ كَهْنَامُ فَعُرِّبَتْ جَهَنَّمَ.
وَقِيلَ أَصْلُهَا عِبْرَانِيَّةٌ كِهِنَامُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْهَاءِ فَعُرِّبَتْ وَأَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّ وَزْنَ فَعَنَّلْ لَا وُجُودَ لَهُ لَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِهِ لِوُجُودِ دَوْنَكَ اسْمُ وَادٍ بِالْعَالِيَةِ وَحَفَنْكَى اسْمٌ لِلضَّعِيفِ وَهُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَنُونٍ سَاكِنَةٍ وَكَافٍ وَأَلِفٍ وَهُمَا نَادِرَانِ، فَيَكُونُ جَهَنَّمُ نَادِرًا، وَأَمَّا قَوْلُ الْعَرَبِ رَكِيَّةُ جَهَنَّم أَي بعيدَة الْقَعْرِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ تَشْبِيهِ الرَّكِيَّةِ بِجَهَنَّمَ، لِأَنَّهُمْ يَصِفُونَ جَهَنَّمَ أَنَّهَا كَالْبِئْرِ الْعَمِيقَةِ الْمُمْتَلِئَةِ نَارًا قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ أَوْ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصّلت يرثي زيدا بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَكَانَا مَعًا مِمَّنْ تَرَكَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ:
رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا ... تَجَنَّبْتَ تَنُّورًا مِنَ النَّارِ مُظْلِمًا
قال القاموس: ورَكيَّةٌ جَهَنَّام مُثَلَّثَةَ الجيمِ وجَهَنَّمٌ كعَمَلَّسٍ : بَعيدةُ القَعْرِ وبه سُمِّيَتْ جَهَنَّمُ أعاذَنا اللّهُ تعالى منها
[h=1]هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)[/h][h=1]الربط :[/h][h=1]هذه[/h]ابن عاشور : والإِشارة بكلمة { هذه } الذي هو للمشار إليه القريب المؤنث تومىء إلى أنهم بلغوها وهم على شفاها ، والمقصود بالإِشارة التوطئة لمَا سيرد بعدها من قوله : { التي كنتم بها تكذبون } إلى { لا تبصرون } .
[h=1]النار التي كنتم بها تكذبون :[/h][h=1]حاصل المعنى :[/h]يقال لهم : هذه النار التي كنتم ، فتجحدون أن تردّوها ، وتصلوها ، أو يعاقبكم بها ربكم ، أي يقال لهم على وجه التوبيخ : النار التي كنتم تكذبون بها في دار التكليف حين جحدتم الثواب والعقاب والنشور يقال لهم هذا على طريق التوبيخ والتقريع . أي : تقول لهم الزبانية ذلك تقريعا وتوبيخا . البقاعي -{ هذه النار } أي الجسم المحرق المفسد لما أتى [SUP]5[/SUP] عليه ، الشاغل عن اللعب
[h=1]سر حذف يقال :[/h]وترك ذكر يُقال لهم ، اجتزاء بدلالة الكلام عليه
إعراب يقال المحذوفة :
[h=1]ابن عاشور : وجملة { هذه النار } إلى آخرها مقول قول محذوف دل عليه السياق . والقول المحذوف يقدر بما هو حال من ضمير { يدعون } . وتقديره : يقال لهم ، أو مقولاً لهم ، والقائل هم الملائكة الموكلون بإيصالهم إلى جهنم .[/h]
[h=1]استعمال طريقة التعريف بالموصولية :[/h]ابن عاشور :
والموصول وصلته في قوله : { التي كنتم بها تكذبون } لتنبيه المخاطبين على فساد رأيهم إذ كذبوا بالحشر والعقاب فرأوا ذلك عياناً .
[h=1]كان مع الفعل المضارع :[/h]البقاعي : { التي كنتم } بجبلاتكم الفاسدة . أي في الدنيا على التجديد والاستمرار .
[h=1]تقديم بها :[/h]للتفظيع بها مع هولها وشدها وعظمتها تكذبون وبيان المبالغة في التكذيب
البقاعي : ولما كان تكذيبهم بها في أقصى درجات التكذيب ، وكان سبباً [SUP]7[/SUP] لكل تكذيب ، كان كأنه مقصور عليه فقال مقدماً للظرف إشارة إلى ذلك [SUP]8[/SUP] ، { بها [SUP]9[/SUP] تكذبون * }
[h=1]معنى تكذبون :[/h][h=1]متى يقال لهم ذلك :[/h]البغوي
فإذا دنوا منها قال لهم خزنتها : { هذه النار التي كنتم بها تكذبون } في الدنيا .
الطبرسي : ثم يدفعون إلى جهنم دفعا على وجوههم ، حتى إذا دنوا قال لهم خزنتها : ( هذه النار التي كنتم بها تكذبون ) في الدنيا .
ابن الجوزي : حتى إذا دنوا منها قالت لهم خزنتها : { هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ } في الدنيا .
اطفيش - الهميان : أي يقال لهم في ذلك اليوم هذه النار الخ اذا دنوا منها قالت الخزنة ذلك توبيخاً وتقريعاً .
سيد قطب : حتى إذا وصل بهم الدفع والدع إلى حافة النار قيل لهم : ( هذه النار التي كنتم بها تكذبون ! ) .
[h=1]أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)[/h][h=1]الربط :[/h][h=1]متى يقال لهم :[/h][h=2]القول الأول : البقاعي والرازي والسراج المنير[/h]إذا وردوا جهنم يقال لهم أفسحر هذا الذي أنتم فيه من العذاب مع هذا الإحراق الذي تصلون منه
[h=2]القول الثاني: سيد قطب زاد المسير والخازن والبغوي والبيضاوي وأبو السعود وابن عاشور وسيد ط وعبد الكريم وغيرهم[/h] الإشارة إلى النار والعذاب فبينما هم في هذا الكرب ، بين الدع والنار التي تواجههم على غير إرادة منهم . يجيئهم الترذيل والتأنيب ، والتلميح إلى ما سبق منهم من التكذيب : { أفسحر هذا ? أم أنتم لا تبصرون} هذه الحقيقة المتجسدة في هذا اللهب الذي يعلو في الفضاء ، وهذا الحريق الذي يتحرك في الأرض ؟ يقال لهم إذا دَنوا منها قالت لهم خزنتُها : أفسحر هذا } العذاب الذي ترون؟ فإذا ألقوا فيها قيل لهم { اصْلوها } لا ، إن هذا العذاب ليس سحرا ، ولستم أنتم بمحجوبين عن رؤيته ، بل هو أمام أعينكم ، ومهيأ لاستقبالكم ، وهذه النار تناديكم .
[h=1]أَفَسِحْرٌ[/h][h=1]المعنى :[/h]· وقيل هذا لهم توبيخا وتقريعا وزجرا وإيلاما وسخرية وتوقيقا على صحة ما كانوا يكذبوا به من النار حيثُ كانُوا يسمُّونَ القرآن والوحي سِحْراً كأنَّه قيلَ كُنتم تقولونَ للقرآنِ الناطقِ بهذا سحرٌ فهل هذه النار التي ترونها الاَن سحر قد غطى على أبصاركم هل هي تمويه وتلبيس ، هل في المرئي شك ففيه رد لما سبق منهم من التكذيب .
[h=1]أيْ أَمْ أنتُم عُمْيٌ في أبصاركم علل ، لا تبصرون هذه النار وهذا العذاب المعد لكم كما كُنتم لا تبصرون في الدنيا عميا عن الخبرِ ، فلعلكم تزعمون أنكم لا ترون ناراً كما كنتم في الدنيا تنكرون وتعمون عن رؤية دلائل نبوة الرسول صلى الله عليه و سلم والوحي فيقولون : نحن لا نبصر.[/h]· والجواب انتفاء الأمرين ، فالذي ترونه حق فلا يمكنهم أن يقولوا هذا سحر ، إن هذا العذاب ليس سحرا ، ولستم أنتم بمحجوبين عن رؤيته ، بل هو أمام أعينكم ، ومهيأ لاستقبالكم ، وهذه النار تناديكم إنه الحق الهائل الرعيب.
· وإنه لأسلوب من أساليب العقاب ، أن يوقف المجرم على جسم جريمته ، وأن يواجه بها .
[h=1]· وأيضا في الاستفهام سد أبواب الإنكار فقد وقفوا على الجهتين التي يمكن منها دخول الشك في أنها النار ، وهي إما أن يكون ثَمَّ سحرٌ يلبس الأمر، وإما أن يكون في بصر النظر اختلال تحقيقا للأمر ، وذلك لأن من يرى شيئا ولا يكون الأمر على ما يراه ، فذلك الخطأ يكون لأجل أحد أمرين إما لأمر عائد إلى المرئي وإما لأمر عائد إلى الرائي فقوله { أفسحر هذا } أي هل في المرئي شك أم هل في بصركم خلل ؟. تحقيقا للأمر ،[/h][h=1]الفاء :[/h][h=1]الزمخشري و الآلوسي والطيبي ونقله السمين[/h]" يعني و كنتمْ تقولون للوحي الذي أنذركم بهذا: هذا سحرٌ ، أفهذا المصدق له سحر أيضاً ، ودخَلَت الفاءُ لهذا المعنى ودل على هذا المقدر قوله سبحانه : { هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ }، فالفاء مؤذنة بما ذكر ومفرعة ومسببة عن { هذه النار التي كنتم بها تكذبون} ، وذلك لأنها لما كانت تقتضي معطوفاً عليه يصح ترتب الجملة أعني (سحر هذا) عليه وكانت هذه جملة واردة تقريعاً مثل { هذه النار } لم يكن بد من تقدير ذلك على وجه يصح الترتب ويكون مدلولاً عليه من السياق فقدّر (كنتم تقولون للوحي : هذا سحر أفهذا المصدق له سحر، و هذا نظير ما تستدل بحجة فيقول الخصم : هذا باطل فتأتى بحجة أوضح من الأول مسكتة وتقول : أفباطل هذا ؟ا تعيره بالإلزام بأن مقالته الأولى كانت باطلة
[h=1]تقديم الخبر :[/h]{ أَفَسِحْرٌ } : خبرٌ مقدمٌ . و " هذا " مبتدأٌ مؤخرٌ ، و تقديم الخبر لأنه المقصود بالإنكار والتوبيخ و محطُّ الإنكارِ ومدارُ التوبيخِ .
واستعمال اسم الإشارة للقريب : لأن الواقع كذلك وزيادة التبكيب .
[h=1]تقديم المسند إليه والإتيان بالخبر الفعلي :[/h]وقدم المسند إليه لإِفادة تقوّي الحكم وتقويته وهو أشد توكيداً وزيادة في التهكم والتوبيخ (أنتم)، فلذلك لم يقل : أم لا تبصرون ، لأنه لا يفيد تقوياً
واختيار الجملة الاسمية مع الخبر الفعلي لإفادة الثبوت التجددي لا يتجدد لكم بصر وثابت ذلك .
[h=1]نوع أم :[/h][h=1]القول الأول : أبو حيان والرازي والظلال والسعدي و الطباطبائي والخراط وهو الحق والراجح .[/h]متصلة أي أهذا الأمر واقع أم هذا تهكما بهم ، فإما أن يكون ثمّ سحر يلبس ذات المرئي ، وإما أن يكون في نظر الناظر اختلال ، أي هل في المرئي شك أو في أبصاركم علل ؟ لا واحد منهما بموجود ، فالذي ترونه حق .
[h=1]القزل الثاني : منقطعة[/h][h=1]الآلوسي وابن عاشور[/h][h=1]بمعنى : بل أنتم لا تبصرون فهو خروج من أمر إلى أمر، قالوا : وهذا هو الظاهر وهو أبعد مغزى .[/h][h=1][/h][h=1]اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)[/h][h=1]الربط: ثم يقال لهم بعد هذا التبكيت الذي يقطع بأن جوابهم يكون بأن يقولوا : لا وعزة ربنا ما هو بسحر ولا خيال ، بل هو حقيقة ، ونحن في غاية الإبصار على سبيل [SUP]17[/SUP] الإخزاء ، والامتهان والإذلال فحين ينتهي هذا التأنيب الساخر المرير يعاجلهم بالتيئيس البئيس . ( اصلوها . فاصبروا أو لا تصبروا . سواء عليكم . إنما تجزون ما كنتم تعملون ) وليس أقسى على منكوب بمثل هذه النكبة . من أن يعلم أن الصبر وعدم الصبر سواء . فالعذاب واقع ، ما له من دافع . وألمه واحد مع الصبر ومع الجزع والبقاء فيه مقرر سواء صبر عليه أم هلع . .[/h][h=1]موقع جملة اصلوها :[/h][h=1]وجملة { اصلوها } مستأنفة هي بمنزلة النتيجة المترقبة من التوبيخ والتغليظ اصْلَوْهَا[/h]صلي بالنار : ذاق وقاسى بشدة حرها وسعيرها وتوقدها وإحراقها واضطرامها وشوي وفيها ومن لوازمه الدخول فيها .
المعنى : باشروا حرها وسعيرها وتوقدها وقاسوا شدائدَهَا بشدة و ذوقوه ومن لوازم ذلك أنهم بدخلون ويرمون فيها
[h=1]فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ[/h][h=1]الصبر : حبس النفس على المكروه والإمساك في ضيق .[/h](سواء) : اسم مصدر بمعنى الاستواء ولم يقل استوى عليكم ولا مستو لإفادته المبالغة، كأن الامر صار عين الاستواء كأنه تجسم ، ويدل على أنه اسم مصدر يعامل معاملة المصدر في لُزُومُ إِفْرَادِهِ وَتَذْكِيرِهِ مَعَ اخْتِلَافِ مَوْصُوفَاتِهِ وَمُخْبِرَاتِهِ .
[h=1]المعنى :[/h][h=1]اصبروا أو لا تصبروا :[/h]ثم قيل لهم على جهة قطع رجائهم وبيان عدم الخلاص { اصبروا أو لا تصبروا} اصبروا على ألمها وشدتها و على تجرّع هذه الغصص ، أو لا تصبروا على ذلك بأن تعلنوا جزعكم وضجركم وتحاولوا إزالته ودفعه فالحالان سواء لأن كليهما لا يخففان عنهم شيئاً من العذاب لان عذاب جهنم ليس من الأمور التي إذا صبر العبد عليها هانت مشقتها وزالت شدتها ، لأنه لن ينتهي إلى وضع آخر فيه تخفيف العذاب أو صرفه عنكم ، فلا الصبر يرفع عنكم العذاب أو يخففه ولا الجزع وترك الصبر ينفع لكم شيئا ، والعذاب فيه مقرر لازم لكم لا يفارقكم وألمه واحد مع الصبر ومع الجزع .
، والأمر في {اصبروا أو لا تصبروا} بمعنى التسوية بين الفعل والترك فليس المراد بذلك الأمر بالصبر ولا النهي عنه وإنما المراد التسوية بين الصبر وعدمه في أن كل واحد من الحالين لا ينفعهم ولا يخفف عنهم شيئا من العذاب وهذا تقريع لهم .
[h=1]الفاء : ابن عاشور والبقاعي والطباطبائي[/h]سببية إخبار وتفريع على {اصلوها} أي فيتسبب عن مباشرتكم لها الآن أن يقال لكم : اصبروا على هذا الذي لا طاقة لكم به أو لا تصبروا
[h=1]موقع الجملة :[/h]الجملة الكريمة تعطي فائدتين :
[h=1]إعراب سواء :[/h][h=1]فيه قولان :[/h][h=1]القول الأول : أن { سواء}مبتدأ ، خبره محذوف[/h]الزمخشري وأبو السعود والبيضاوي
سواء عليكم الأمران : الصبر وعدمه المدلول عليه بقوله { فاصبروا أو لا تصبروا
[h=1]القول الثاني : { سواء} خبر مبتدؤه محذوف وهو الأصح الذي عليه الجمهور[/h]أبو البقاء والسمين الحلبي وأبو حيان والشوكاني والآلوسي واطفيش وابن عاشور وسيد طنطاوي وحقي
[h=1]كأنه يقول : الصبر وعدمه سواء قالوا وهذا أحسنُ لأنَّ جَعْلَ النكرةِ خبراً أَوْلَى مِنْ جَعْلِها مبتدأً وجَعلِ المعرفةِ خبراً . الآلوسي :فسواء خبر مبتدأ محذوف وصح الإخبار به عن المثنى لأنه مصدر في الأصل ، وجوز كونه مبتدأ محذوف الخبر وليس بذاك[/h][h=1]الفائدة البلاغية من حذف المبتدأ أو الخبر :[/h]الدلالة على غاية التسوية حتى كأنه عين السواء فلم يعبر باسم الفاعل ولا بالمصدر بل باسم المصدر وحذف المبتدأ أو الخبر ليجعله كأنه عينه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[h=1]موقع جملة { سواء عليكم} :[/h]وجملة { سواء عليكم } مؤكدة لجملة { فاصبروا أو لا تصبروا } فلذلك فصلت عنها ولم تعطف .
[h=1]إِنَّمَا تُجْزَوْنَ[/h][h=1]الفائدة الأولى : تفيد التعليل فهي جملة استئنافيه تعليلية للتسوية بين الصبر وعدمه[/h]إنما تستوفون جزاء أعمالكم في الدنيا لسبق الوعيد به في الدنيا على ألسنة الرسل ، ولقضاء الله به بمقتضى عدله وإذا كان الجزاء وقعا حتما كان الصبر وعدمه سواء .
أي استوايا عليكم لقضاء الله عز وجل بالجزاء ، فلا يتخلف بالصبر .
[h=1]الجزاء:[/h] ما فيه الكفاية من المقابلة إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال البقاعي : الجزاء الإعطاء بالعمل ما يقتضيه من خير وشر فلو كان الإعطاء ابتداء لم يكن جزاء مطلقا .
[h=1]موقع الجملة : تفيد قولين لا يتعارضان[/h][h=1]القول الأول : ابن جزي والسعدي[/h]هذا تعليل لما ذكر من عذابهم ، وليس تعليلا للصبر ولا لعدمه أي إنما فعل بهم ذلك ، بسبب أعمالهم الخبيثة وكسبهم ، [ ولهذا قال ] { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } والحصر المستفاد من كلمة { إنما } قصر قلب بتنزيل المخاطبين منزلة من يعتقد أن ما لقوه من العذاب ظلم لم يستوجبوا مثل ذلك من شدة ما ظهر عليهم من الفزع
[h=1]القول الثاني : الجمهور الزمخشري والبيضاوي والآلوسي وأبو السعود والشوكاني والنيسابوري وسيد قطب[/h]فإن قلت : لم علل ملازمة العذاب ومساواة الصبر وعدمه (الجزع) بقوله : { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ؟ قلت : هو تعليل لملازمة العذاب ومساواة الصبر وعدمه
· فإنه لما كان الجزاء واجب الوقوع حتماً متحتم الوقوع لسبق الوعيد به وقضائه سبحانه إياه بمقتضى عدله لا بد من حصوله فهو جزاء على ما كان من عمل كان جزاء له سببه الواقع فلا تغيير فيه ولا تبديل فأنتم تجزون بأعمالكم التي كنتم تعملونها فالعذاب يلازمكم ـ كان الصبر وعدمه سيين في عدم النفع فلا مزية للصبر على عدمه. { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي : ولا يظلم الله أحدا ، بل يجازي كلا بعمله
· قال البقاعي : ولما كان المعهود أن الصبر له مزية على الجزع ، بين أن ذلك حيث لا تكون المصيبة إلا على وجه الجزاء الواجب وقوعه فقال معللاً : { إنما تجزون
· المضارع في تجزون: لأن المراد يقع جزاؤكم الآن وفيما يأتي على الدوام
· كنتم تعملون: كنتم } أي دائماً بما هو لكم كالجبلة { تعملون * } من الكفر والمعاصي وإنكار نبوة النبي وكتابه والبعث ووحدانية الله سبحانه { إنما } مركبة من ( إنّ ) و ( ما ) الكافة ، فكما يصح التعليل ب ( إنّ ) وحدها كذلك يصح التعليل بها مع ( ما ) الكافة ،
[h=1]سر استعمال إنما : انها تستعمل في المعروف المعلوم أو المنزل منزلة المعلوم وهنا كأنه يقول من الواضح المعلوم هذا مع إفادة الحصر[/h][h=1]مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[/h]تَعْمَلُونَ } في الدنيا من الكفر والتكذيب وهنا مضاف مقدر تجزون جزاء ما كنتم تعملون ولكن حذف جزاء حتى يبين المطابقة التامة بين العمل والجزاء وأنه ليس إلا من أيديهم ، فهو على حذفِ المضافِ وإقامةِ المضافِ إليه مقامَه للتَّنبيه على قُوَّةِ التَّلازمِ والارتباطِ كأنَّهما شيءٌ واحدٌ والتساوي وأن الجزاء من أيديهم .
[h=1]سر حذف الباء :[/h]ابن عاشور :
وعدي { تجزون } إلى { ما كنتم تعملون } بدون الباء خلافاً لقوله بعده { كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون } [ الطور : 19 ] ليشمل القصر مفعول الفعل المقصور ، أي تجزون مثل عملكم لا أكثر منه فينتفي الظلم عن مقدار الجزاء كما انتفى الظلم عن أصله ، ولهذه الخصوصية لم يعلق معمول الفعل بالباء إذ جعل الجزاء بمنزلة نفس الفعل .
[h=1]إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17)[/h][h=1]الربط[/h]} شروع في ذكر حال المؤمنين بعد ذكر حال الكافرين كما هو عادة القرآن الجليل في الجمع بين «الترغيب والترهيب و »فلما ذكر تعالى عقوبة المكذبين ، أتبعه ما لأضدادهم من الثواب والنعيم المتقين فتكون القلوب بين الخوف والرجاء
[h=1]فقال جواباً لمن كأنه قال : فما شأن أضدادهم وماذا لهم ؟[/h][h=1]موقع الجملة : جملة مستأنفة استئنافا بيانيا بعد أن ذكر حال المكذبين وما يقال لهم ، فمن شأن السامع أن يتساءل عن حال أضدادهم وهم الفريق الذين صدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به القرآن وخاصة إذ كان السامعون المؤمنين وعادة القرآن تعقيب الإِنذار بالتبشير وعكسه ،[/h]فالأظهر أن يكون إخباراً لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وليس من تتمة المقول للكفار .
وهذا المشهد المعروض مثير للحس ، ولكن بما فيه من رخاء ورغد ، وهتاف بالمتاع لا يقاوم ، وبخاصة بعد مشهد العذاب البئيس ، المشهد يجتذب النفوس بلذائذ الحس في صورتها المصفاة . وهو مقابل لذلك العذاب الغليظ التي تواجه به القلوب الجاسية والقلوب اللاهية كذلك ، ومجرد الوقاية من عذاب الجحيم الذي عرضت مشاهده في هذه السورة فضل ونعمة . فكيف ومعه ( جنات ونعيم )? وهم يلتذون ما آتاهم ربهم ويتفكهون ?
[h=1]إِنَّ[/h]وتأكيد الخبر بـ( إن ) للاهتمام به وللرد على المنكرين .
[h=1]الْمُتَّقِينَ[/h]معنى التقوى :
قال ابن عاشور :
1)اللفظ مأخوذ من الوقاية
2) والوقاية :فرط الصيانة والحفظ من المكروه والمضر والحجز بينه وبينه: من وقى الشيء وقاية ، أي : صانه وحفظه مما يضره ويؤذيه . ومنه : فرس واقٍ ، !وَقِيَ الفَرَسُ مِن الحَفَا !يَقِي ( كوَجِيَ ) واقٍ: إذا كانَ يَهابُ المَشْيَ مِن وَجَعٍ يَجِدُه في حافِرِ ، فهو يقي حافره أن يصيبه أدنى شيء يؤلمه
فالمتقى من يبالغ فى الحذر من شئ يعالج الحذر منه وينفر من أن يقع فى أقل قليل منه كمحاذرة السم ، فقد يحذر ما لا يكون فيه ذلك المحذور بحسب ما ظهر مخافة أن يكون فيه وهو لا يعلم فيه
3)معنى تاء الافتعال :
القول الأول :
أ) قال أبو حيان : "المتقي اسم فاعل من اتقى ، وهو افتعل من وقى بمعنى حفظ وحرس ، وافتعل هنا : للاتخاذ أي اتخذ وقاية" فالمتقي من اتصف بالاتقاء ،[14]
ب) القول الثاني : قال التحرير : وهو طلب الوقاية ، فالمتقي هو الحذر المتطلب للنجاة من شيء مكروه مضر
4)وفعله اتَّقى ، على وزن افتعل وأصل (اتقى ) اوتقى
و( والمتقين ) جمع متق اسم فاعل من اتقى: وأصل « للموتقيين » استثقلت الكسرة على الياء فسكنت وحذفت للالتقاء ، وأبدلت الواو تاءً على أصلهم في اجتماع الواو والتاء ، وأدغمت التاء في التاء فصار { للمتقين } المتقون )
5) تعريف المتقين :
أ) قال الطبري :[15] وأولى التأويلات بقول الله جل ثناؤه(هدى للمتقين)، تأويلُ من وصَف القومَ بأنهم الذين اتَّقوُا اللهَ تبارك وتعالى في ركوب ما نهاهم عن ركوبه فتجنبوا معاصِيَه، واتَّقوْه فيما أمرهم به من فرائضِه، فأطاعوه بأدائها[16].وفى معناه أيضاً من لا يراه الله حيث نهاه
ماذا يتقون : يتقون الله تعالى غضبه وعذابه و ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك
ب)وفى عرف الخواص من أهل الشرع أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق سبحانه وتعالى ، وينقطع إليه بجملته ظاهره وباطنه ، وهو التقوى الحقيقى المطلوب ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما : المتقى من
كيف يتقون ما ذكر :
أ)بامتثال أوامره بشدة محاذره الشرك و الفواحش والكبائرو المعصية والشبهة وما حرم الله وهو في الشريعة و ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك
ب) وفعل المأمورات
المراد بالمتقين : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ } لربهم ، الذين اتقوا سخطه وعذابه وصانوا أنفسهم من خطر غضب الله ، بامتثال الأوامر وأداء الفرائض التي أولها الإيمان بالله وحده وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتلقوا القرآن بالتصديق والتسليم والعمل والخشية ، واجتنبوا النواهي ولم يدنسوا أنفسهم بالشرك و الآثام ، وأخلصوا له العبادة في السر والعلن الذين صارت التقوى لهم صفة راسخة والتعبير ب «المتّقين » بدلا من المؤمنين ، لأنّ هذا العنوان يحمل مفهوم الإيمان ، كما يحمل مفهوم العمل الصالح أيضاً واجتناب المعاصي )
[h=1]فِي[/h]و (فِي) مِنْ قَوْلِهِ: فِي جَنَّاتٍ لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى التَّلَبُّسِ الْقَوِيِّ كَتَلَبُّسِ الْمَظْرُوفِ بِالظَّرْفِ فهم كائنون فيها مستقرّون في أرضها منغمسون في نعيمها فالظرفية للمبالغة في تمكنهم من التنعم والانتفاع ، فَإِنَّ لِلجَّنَّاتِ وَالْأَنْهَارِ لَذَّاتٌ مُتَعَارَفَةٌ مِنَ اللَّهْوِ وَالْأُنْسِ وَالْمُحَادَثَةِ، وَاجْتِنَاءِ الْفَوَاكِه، ورؤية جَرَيَان الْجَدَاوِلِ وَخَرِيرِ الْمَاءِ، وَأَصْوَاتِ الطُّيُورِ، وَأَلْوَانِ السَّوَابِحِ. معنى كونهم فيهما ملابستهم لهما ،وذلك مجاز فى الحرف
[h=1]جَنَّاتٍ[/h]بساتين ذات اشجار عجيبة عظيمة مثمرة بثمر أنيق وأغصان ظليلة مديدة تجمع ما تجمعه البساتين من الثمر والشجر والزرع والغروس ، متنوعة الأزاهير عطرة النشر تبهج رائيها تجمع ملاذ جميع الحواس والروح وأنزه البساتين وأكرمها منظراً ما كانت أشجاره مظللة
قال الراغب : كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض اهـ
وليس المراد بهما مفهومهما اللغوي فقط وإنما هما دار الخلود في النشأة الآخرة فالجنة دار الأبرار والمتقين نقلت وصارت حقيقة شرعية في دار الثواب
سمّيت جنّة سميت جنة لاجتنابها وتسترأرضها بالأشجار والأوراق لأنها تستر الأرض بالأشجار ولأنها تستر داخلها
المادة : ومدار التركيب على الستر قال التحقيق : الأصل الواحد هو التغطية والمواراة : الجنة : فعلة مصدر للمرة يطلق عل حديقة مغطاة بالأشجار الملتفة فكأنها قد غطيت مرتبة واحدة ودامت تغطيتها
قال المعجم الاشتقاقي : المعنى المحوري : ستر الشيء بكثيف يعلوه أو يكون الشيء في أثنائه كالشجر والنخل والعنت تظل ما تحتها وتستره وكالجنين في بطن أمه وجن عليه الليل ستره بظلامه فالجنة : الحديقة ذات الشجر والنخل والأعناب وأن كثافة فروع الشجر والنخل والعنب المرفوعة تجن أي تظل وتستر من يسير أثناءها
عنى جل بذكر الجنة ما في الجنة من أشجارها وثمارها وغروسها دون أرضها
تنبه اشترط أن تكون أشجارها مثمرة لتسمى جنة السمعاني والبغوي والخازن فإذا لم تكن الأشجار مثمرة لا تكون جنة
[h=1]التنكير :[/h]وتنكيرهما للتعظيم والكمال والتكثير يعني جنات في أية جنات جنات عظيمة ، لا يحاط بوصفها كثيرة ونعيم أي نعيم نعيم فخيم دائم لا ينقطع يحيط بهم ، فهو بمعنى الكمال في الصفة
ولكل عامل جنات كثيرة مرتبة مراتب على حسب استحقاقات العاملين متعددة وتعددها قال عليه الصلاة والسلام للتي سألت عن ابنها : " إنها جنان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى }.
الزمخشري :
فإن قلت : ما معنى جمع الجنة ؟ قلت : الجنة اسم لدار الثواب كلها ، وهي مشتملة على جنان كثيرة مرتبة مراتب على حسب استحقاقات العاملين ، لكل طبقة منهم جنات من تلك الجنان ،
[h=1]سر ذكر الأنهار مع الجنات دائما :[/h] وأنزه البساتين وأكرمها منظراً ما كانت أشجاره مظللة ، والأنهار في خلالها مطردة . ولولا أن الماء الجاري من النعمة العظمى واللذة الكبرى ، وأن الجنان والرياض وإن كانت آنق شيء وأحسنه لا تروق النواظر ولا تبهج الأنفس ولا تجلب الأريحية والنشاط حتى يجري فيها الماء ، وإلا كان الأنس الأعظم فائتاً ، والسرور الأوفر مفقوداً ، وكانت كتماثيل لا أرواح فيها ، وصور لا حياة لها ، لما جاء الله تعالى بذكر الجنات مشفوعاً بذكر الأنهار الجارية من تحتها مسوقين على قرن واحد كالشيئين لا بد لأحدهما من صاحبه ، ولما قدّمه على سائر نعوتها .
[h=1]سر الجمع في جنات :[/h]والتعبير ب ( في جنّات ) بصيغة الجمع ، إشارة إلى تنوّع الجنّات
لم جمعت جمع مؤنث سالم مع أنه قد يشير إلى قلة في الجوامد: الجواب :
· أن المراد بها الكثرة فنابت القلة عن الكثرة مما ناب جمع قلة عن جمع الكثرة بدليل اجتماعها مع (كم) التكثيرية نحو : { كم تركوا من جنات } وجمع القلة قد يقوم مقام جمع الكثرة إذا اقتضاه المقام {
· وسر اختيارها أنها تعبر عن المعنى بما فيها من مد وتشديد مع خفة اللفظ
· وإما باعتبار أنها وإن كثرت قليلة بالنسبة إلى كرم الله تعالى ،
وقيل لقلة الجنات وفيه نظر : قال الآلوسي وأبو حيان : الآلوسي : وجمعت جمع قلة في المشهور لقلتها عدداً كقلة أنواع العبادات ولكن في كل واحدة منها مراتب شتى ودرجات متفاوتة على حسب تفاوت الأعمال والعمال اهـ وقد رد السيوطي ما ورد عن ابن عباس أنها سبع جنات قال في حاشية البيضاوي : قوله: (لأن الجنان على ما ذكره ابن عباس رضي الله عنه: سبع) لم أقف عليه.
[h=1]وَنَعِيمٍ[/h]النعيم : هو طيب العيش وحسن الحال والحياة وذلك في قبال البؤس وهو مطلق الشدة والمضيقة { وَنَعِيمٍ } [ وهذا ] شامل لنعيم القلب والروح والبدن ،
ذكرها من باب الإطناب لبيان مزيد النعمة واللذة والحث و قال الرازي البقاعي : ولما كانت البساتين ربما يشقى داخلها أو صاحبها ، نفى هذا بقوله (ونعيم )
[h=1][/h]
[h=1][/h]
[h=1][/h]
[1] قال فتح الباري : أني أشتكى :أي أن بها مرضا ، وليس فيه بيان أن الصلاة حينئذ كانت الصبح ولكن تبين ذلك من رواية أخرى أوردها بعد ستة أبواب من طريق يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام بن عروة عن أبيه ولفظه فقال إذا أقيمت الصلاة للصبح فطوفى وهكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية حسان بن إبراهيم عن هشام وعرف بهذا اندفاع الاعتراض الذي حكاه بن التين عن بعض المالكية حيث أنكر أن تكون الصلاة المذكورة صلاة الصبح فقال : " ليس في الحديث بيانها والأولى أن تحمل على النافلة لأن الطواف يمتنع إذا كان الإمام في صلاة الفريضة" انتهى وهو رد للحديث الصحيح بغير حجة بل يستفاد من هذا الحديث جواز ما منعه بل يستفاد من الحديث التفصيل فنقول أن كان الطائف بحيث يمر بين يدي المصلين فيمتنع كما قال وإلا فيجوز وحال أم سلمة هو الثاني لأنها طافت من وراء الصفوف ويستنبط منه أن الجماعة في الفريضة ليست فرضا على الأعيان إلا أن يقال كانت أم سلمة حينئذ شاكية فهي معذورة أو الوجوب يختص بالرجال وقا ل ابن حجر في موضع آخر : ( قوله باب المريض يطوف راكبا )
أورد فيه حديث بن عباس وحديث أم سلمة والثاني ظاهر فيما ترجم له لقولها فيه إني أشتكي وقد تقدم الكلام عليهما في باب إدخال البعير المسجد للعلة في أواخر أبواب المساجد وأن المصنف حمل سبب طوافه صلى الله عليه و سلم راكبا على أنه كان عن شكوى وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود من حديث بن عباس أيضا بلفظ قدم النبي صلى الله عليه و سلم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته ووقع في حديث جابر عند مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم طاف راكبا ليراه الناس وليسألوه فيحتمل أن يكون فعل ذلك للأمرين وحينئذ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبا لغير عذر وكلام الفقهاء يقتضي الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيها والذي يترجح المنع لأن طوافه صلى الله عليه و سلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد ووقع في حديث أم سلمة طوفي من وراء الناس وهذا يقتضي منع الطواف في المطاف وإذا حوط المسجد أمتنع داخله إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما قبله فإنه كان لا يحرم التلويث كما في السعي وعلى هذا فلا فرق في الركوب إذا ساغ بين البعير والفرس والحمار وأما طواف النبي صلى الله عليه و سلم راكبا فللحاجة إلى أخذ المناسك عنه ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها واحتمل أيضا أن تكون راحلته عصمت من التلويث حينئذ كرامة له فلا يقاس غيره عليه
[2] قال الفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز: وأَعلى الرّوايات العَدّ الكوفىُّ، فإِنَّ إِسناده متَّصل بعلي بن أَبى طالب رضي الله عنه
[3] أقول تأكد عن طريق ملف الوورد فكانت الكلمات مطابقة لما قال لكن أعطاني أن عدد الأحرف 2447 لكن يحتاج إلى تأكد
[4] والألف الملحقة في آخر الكلمتين هي أداة تعريف للمذكر المفرد
[5] الآرامية خاتمة لغاتنا المشرقية القديمة وأقربها إلى العربية الفصحى
· [6] قال التحقيق : كلمة طور مستعملة في العبرية والسريانية والآرامية طورا : جبل وقال قع طور جبل ، مرتفع فظهر أن الطور في العبري وغيره بمعنى الجبل ويدل عليه إطلاقه بالتقييد على جبال مختلفة كطور سيناء طور عبدين وطور زيتا وطور هارون فيقال في كل جبل ثم إنه جعل علما بالغلبة للطور الذي ناجى الله فيه موسى عليه السلام
[7] قال البقاعي : إن الإمام أبا العباس أحمد ابن القاص من قدماء أصحاب الشافعي حكى في كتابه أدلة القبلة أنه يصعد إلى أعلاه في ستة آلاف مرقاة وستمائة وست وستين مرقاة ، قال : وهي مثل الدرج من الصخر ، فإذا انتهى إلى مقدار النصف من الطريق يصير إلى مستواه من الأرض فيها أشجار وماء عذب ، في هذا الموضع كنيسة على اسم إيليا النبي عليه السلام ، وفيه مغار ، ويقال : إن إيليا عليه السلام لما هرب من إزقيل الملك اختفى فيه ؛ ثم يصعد من هذا الموضع في الدرج حتى ينتهي إلى قلة الجبل ، وفي قلبه كنيسة بنيت على اسم موسى عليه السلام بأساطين رخام ، أبوابها من الصفر والحديد ، وسقفها من خشب الصنوبر ، وأعلى سقوفها أطباق رصاص قد أحكمت بغاية الإحكام ، وليس فيها إلا رجل راهب يصلي ويدخن ويسرج قناديلها ، ولا يمكن أحداً أن ينام فيها البتة ، وقد اتخذ هذا الراهب لنفسه خارجاً من الكنيسة بيتاً صغيراً يأوي فيه ، وهذه الكنيسة بنيت في المكان الذي كلم الله فيه موسى عليه الصلاة والسلام ، وحواليه - أي حوالي الجبل - من أسفله ستة آلاف ما بين دير وصومعة للرهبان والمتعبدين ، كان يحمل إليهم خراج مصر في أيام ملك الروم للنفقة على الديارات وغيرها ، وليس اليوم بها إلا مقدار سبعين راهباً يأوون في الدير الذي داخل الحصن ، وفي أكثرها يأوي أعراب بني رمادة ، وعلى الجبل مائة صومعة ، وأشجار هذا الجبل اللوز والسرو ، وإذا هبطت من الطور أشرفت على عقبة تهبط منها فتسير خطوات فتنتهي إلى دير النصراني : حُصين عليه سور من حجارة منحوتة ذات شرف عليه بابان من حديد ، وفي جوف هذا الدير عين ماء عذب ، وعلى هذه العين درابزين من نحاس لئلا يسقط في العين أحد ، وقد هيىء براتج رصاص يجري فيها الماء إلى كروم لهم حول الدير ، ويقال : إن هذا الدير هو الموضع الذي رأى موسى عليه السلام فيه النار في الشجرة العليق ، وقبلة من بها دبر الكعبة ، وفيه يقول القائل :
عجب الطور من ثباتك موسى *** حين ناجاك بالكلام الجليل
والطور من جملة كور مصر ، منه إلى بلد قلزم على البر مسيرة أربعة أيام ، ومنه إلى فسطاط مصر مسيرة سبعة أيام - انتهى كلام ابن القاص ، وسألت أنا من له خبرة بالجبل المذكور : هل به أشجار الزيتون ؟ فأخبرني أنه لم ير به شيئاً منها ، وإنما رآها فيما حوله في قرار الأرض ، وهي كثيرة وزيتونها مع كبره أطيب من غيره ، فإن كان ذلك كذلك فهو أغرب مما لو كانت به قال التحقيق : جبل موسى ويعلو نحو 7363 قدما " يقول علي هاني ويرى التحقيق أن الطور هو سلسلة الجبال وليس جبلا واحدا وهو غير دقيق لأنه مخالف لظاهر القرآن قال التحقيق : هل المراد من الطور عند الإطلاق هو جبل سيناء أو جبل موسى أو جبل المناجاة أو جبل هارون أو مجموع هذه الجبال والحق أن طور سيناء عبارة عن مجموع السلسلة المؤلفة منها وأعلى القمم منها قمة تدعى بجبل موسى ويعلو نحو 7363 قدما
[8] قال ـ ـ : ثم تجرد قوم واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتى صاروا أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم فكان بالمدينة أبو جعفر يزيد بن القعقاع ثم شيبة بن نصاح ثم نافع بن أبي نعيم
[9] يقول علي كونه بأيدي سفرة الأظهر أنه المكتوب على الصحف التي تأتي بها الملائكة للأنبياء بدليل كلمة سفرة وهم الملائكة التي تسفر عن الحقائق للأنبياء فهم جبريل ومن يأتي معه لكن هذا يقرب لنا صورة معنى الآية وهو أنه يوجد رق منشور دائما في السماء تقرأ منه الملائكة .
[h=1][10] وهذا الاعتراض حق وبتتبعنا لكلمة لوح يظهر هذا : تحقيق معنى اللوح : قال الراغب : اللوح: واحد ألواح السفينة. قال تعالى: {وحملناه على ذات ألواح ودسر} [القمر/13] وما يكتب فيه من الخشب ونحوه، وقوله تعالى: {في لوح محفوظ} [البروج/22] فكيفيته تخفى علينا إلا بقدر ما روي لنا في الأخبار، وهو المعبر عنه بالكتاب في قوله: {إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير}قال ابن فارس لوح : أصل يدل على اللمعان يقال لاح الشيء يلوح إذا لمع ولمح ومنه ألاح بسهمه لمع به وقال المصباح لاح الشيء يلوح بدا قال التحقيق : أن الاصل الواحد في المادة هو بدو في تصفح ومن مصاديقه بدو السيف في امتداده وتصفحه وتصفح في خشب أو عظم قال المعجم الاشتقاقي : المعنى المحوري : عرض ظاهر الشيء واستواؤه مع جفاف أو صلابة كاللوح بمعانيه { وألقى الألواح }[/h]
[11] وقال ابن جزي وابن عطية غلب استعمالها في المتخذ من الجلد.
[12] قال الشهاب : قوله : ( استعير لما كتب فيه الكياب ) إن أريد الاستعارة اللغوية ، وهو الظاهر فهو مجاز مرسل كالمشفر وإلا فيشبه فيه ما يكتب فيه من الألواح وغيرها بالرق بعلاقة محلية الكتابة ، والأوّل أولى.
[13] قال المعجم الوسيط : ( الصحيفة ) ما يكتب فيه من ورق ونحوه قال المصباح : وَالصَّحِيفَةُ قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدٍ أَوْ قِرْطَاسٍ كُتِبَ فِيهِ ، وقال أبو بكر: الصحيفة قطعة من أدم ابيض أو ورق يكتب فيه.
[14] قال أبو حيان : وهو أحد المعاني الإثني عشر التي جاءت لها افتعل ، وهو : الاتخاذ ، والتسبب ، وفعل الفاعل بنفسه ، والتخير ، والخطفة ، ومطاوعة أفعل ، وفعل ، وموافقة تفاعل ، وتفعل ، واستفعل ، والمجرد ، والإغناء عنه ، مثل ذلك : اطبخ ، واعتمل واضطرب ، وانتخب ، واستلب ، وانتصف مطاوع أنصف ، واغتم مطاوع غممته ، واجتور ، وابتسم ، واعتصم ، واقتدر ، واستلم الحجر . وإبدال الواو في اتقى تاء وحذفها مع همزة الوصل قبلها فيبقى تقى مذكور في علم التصريف،
[15] هناك أقوال كثيرة منها : قال الرازي : وذلك بأن يكون آتياً بالعبادات محترزاً عن المحظورات قال الحرالي : جمع المتقي وهو المتوقف عن الإقدام على كل أمر لشعوره بتقصيره عن الاستبداد وعلمه بأنه غير مستغن بنفسه فهو متق لوصفه وحسن فطرته والمتقي كذا متوقف لأجل ذلك ، والتقوى أصل يتقدم الهدى وكل عبادة ، لأنها فطرة توقف تستحق الهدى وكل خير وهي وصية الله لأهل الكتاب . قال التحرير :والتقوى الشرعية هي امتثال الأوامر واجتناب المنهيات من الكبائر وعدم الاسترسال على الصغائر ظاهراً وباطناً أي اتقاء ما جعل الله الاقتحام فيه موجباً غضبه وعقابه ، فالكبائر كلها متوعد فاعلها بالعقاب دون اللمم
[16] قال الطبري : . وذلك أنّ الله عزّ وجلّ وصَفهم بالتقوَى، فلم يحصُرْ تقواهم إياه على بعضِ ما هو أهلٌ له منهم دون بعض فليس لأحد من الناس أن يحصُر معنى ذلك، على وَصْفهم بشيء من تَقوى الله عز وجل دون شيء، إلا بحجة يجبُ التسليمُ لها. لأن ذلك من صفة القوم -لو كان محصورًا على خاصّ من معاني التقوى دون العامّ منها- لم يدَع الله جل ثناؤه بيانَ ذلك لعباده: إما في كتابه، وإما على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم، إذْ لم يكن في العقل دليلٌ على استحالة وصفهم بعموم التقوى.
فقد تبيّن إذًا بذلك فسادُ قول من زعم أن تأويل ذلك إنما هو: الذين اتَّقَوُا الشرك وبرئوا من النِّفاق. لأنه قد يكون كذلك، وهو فاسقٌ غيرُ مستَحِق أن يكون من المتقين، إلا أن يكون -عند قائل هذا القول- معنى النفاق: ركوبُ الفواحش التي حَرَّمها الله جل ثناؤه، وتضييعُ فرائضه التي فرضها عليه. فإن جماعةً من أهل العلم قد كانت تسمِّي من كان يفعل ذلك منافقًا. فيكون -وإن كان مخالفًا في تسميته من كان كذلك بهذا الاسم- مصيبًا تأويلَ قول الله عز وجل"للمتقين".