تفسير لسورة الفاتحة

أمين صنوبر

New member
إنضم
30/07/2024
المشاركات
11
مستوى التفاعل
1
النقاط
3
بسم الله الرحمن الرحيم

الإخوة الأفاضل الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


وبعد: هذا تفسير لسورة الفاتحة والبقرة كتبته باجتهاد مني وحرصٍ على أن يكون عملاً قيِّماً يليق بكتاب الله عز وجل. وقد راعيت فيه الأمور التالية:

  • أن يكون واضح العبارة؛ سهل المأخذ.
  • أن يكون على ضوء الوحدة الموضوعية للسورة.
  • بيان وجه التناسب بين كل آية وأخرى.
  • استخراج ما أمكن استخراجه من كنوز الفوائد واللطائف والأسرار التي لم تُذكر في سائر التفاسير فيما أعلم.
  • تفصيل بعض ما لم يُفصِّله أهل التفسير، والإضافة إلى كلامهم ما أمكن الإضافة.
  • تحرير التفسير من كل رواية إسرائيلية أو حديث موضوع أو قول ضعيف مخالف لما عليه السلف والأئمة.
هذا هو المنهج الذي سرت عليه في التفسير باختصار شديد، وقد ارتأيت أن أنشره هنا لعلي أنتفع بملاحظة أو تصويب من الإخوة الأفاضل.

سأضع هنا تفسير سورة الفاتحة، وأما تفسير سورة البقرة فسأضعه في موضوع آخر إن شاء الله تعالى.
 
تفسير سورة الفاتحة

تقديم



هي أول سورة القرآن ترتيباً لا تنزيلاً؛ وهي سورة مكية. ومع أنها لا تعدو عن سبع آيات قصار بين يدي هذا الكتاب العظيم، إلا أنها بمنزلة تلخيص واختصار يستوفي أعظم أصوله ومعانيه.

وسُمِّيت بالفاتحة لأنها السورة التي يفتتح بها القرآن قراءة وكتابة، كما سُمِّيت بأسماء أخرى أبرزها المثاني والقرآن العظيم كما جاء في قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) [الحجر: 87]، فسمَّاها تعالى أولاً بالمثاني لأنها تُثنَّى – أي تُكرر – في كل صلاة، ثم سمَّاها بالقرآن العظيم لأنها جامعة لأهم مقاصد القرآن، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته".

ولما كانت مستوفية لأصول القرآن، سُميت أيضاً بأم الكتاب وأم القرآن، كما جاء في حديث الدارقطني عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله: "إِذا قرأتم الحمد فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إِحدى آياتها"، فأم الشيء أصله الذي يرجع إليه، والفاتحة أصل القرآن لرجوع معاني القرآن كله إليها، ولذلك كانت مبدؤه ومفتَتَحه.

فهذه السورة الجليلة تشتمل على إثبات التوحيد بأنواعه الثلاثة: الألوهية، الربوبية، والأسماء والصفات. وهي تتناول أصول العقيدة الإسلامية من الإيمان بالله وأسمائه الحسنى وصفاته العُليا، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالوحي المنزَّل. وتتضمن إثبات النبوة، وإثبات أركان العبادة وأحوالها من المحبة والخوف والرجاء، والتجرد والإخلاص، والتعظيم والإجلال، والتبرؤ من الحول والقوة إلا بالله، والتوسل إلى الله بأنواع التوسل، والتوجه إليه بالطلب والدعاء. كما أن فيها الإخبار عن السابقين من أهل الإيمان، وأحوال الأمم السابقة، وأقسام المكلفين وصفاتهم، وما يتصل بذلك من تبشيرهم وإنذارهم، إلى غير ذلك من الفوائد واللطائف التي تكشف عن حكمة العليم الخبير في اختيار هذه السورة كفاتحة لكتابه وصلوات عباده.

وباشتمال هذه السورة على أعظم المعاني والمقاصد بأوجز الكلمات والمقاطع، يتجلى الإعجاز البياني المبين، كما يتجلى مبدأ التسيير الذي هو من طبيعة هذا الدين، فلا جرم أن تكون الفاتحة هي السورة التي تُثنى في كل صلاة؛ إذ هي من اليسر بمكان من أجل الحفظ والتلاوة.

على أنها من جهة المعاني والأسلوب والصياغة، تتجلى كتجسيد لعبادة الدعاء وآدابه، فإنها تبدأ بما يبدأ به الدعاء من حمدٍ لله وثناءٍ عليه: (الحمد لله رب العالمين). قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "nindex.php?page=treesubj&link=1562إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم ليدع بعد بما شاء". ثم هي تشتمل على وسائل التوسل إلى الله في الدعاء: التوسل إليه بأسمائه وصفاته: (الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين)، ثم التوسل إليه بالأعمال الصالحة: (إياك نعبد وإياك نستعين)، ثم التوسل إليه بفضله وإحسانه: (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين). ومطلوب هذا التوسل والدعاء: الهداية الدينية التي أنزل الله القرآن من أجلها، والتي هي أعظم المطالب وأشرفها: (اهدنا الصراط المستقيم).

وإذا علمت أن الدعاء هو لُب العبادة وأصلها وروحها، لما يتحقق فيه من التعلق بالله وحده، والإقرار بكمال صفاته، والإنابة إليه، والاخبات له، والتوكل عليه، ثم إذا علمت أن الصلاة في أصل معناها اللغوي هي الدعاء، فقد تبين لك السر في كون الفاتحة ركناً من أركان الصلاة؛ بحيث لا تصح الصلاة بدونها – أو تكون ناقصة على قول آخر – كما تبين لك السر في تسمية هذه السورة بالصلاة وتقسيمها بين العبد والرب، كما جاء في قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي يرويه عن ربه: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" (رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة).

وبيان ذلك أن الفاتحة تماثل عبادة الدعاء بما تشتمل عليه من الثناء على الله والتوسل إليه بأسمائه وصفاته والعمل الصالح ثم طلب الهداية منه. ولما كان المراد بالصلاة تحقيق العبودية لله، وهو ما لا يتم إلا بالدعاء والطلب، كانت قراءة الفاتحة في الصلاة واجبةً تحقيقاً لهذا المقام، إذ أنها دعاء بأعظم مطلوب وهو الهداية الموصلة إلى خيري الدنيا والآخرة.

ولأن الصلاة في اللغة تعني: الدعاء بالخير، والفاتحة في حقيقتها دعاء بالهداية إلى كل خير، سُميت الفاتحة بالصلاة. ثم لما كان الدعاء ينقسم إلى ثناء على الله، ثم طلب وسؤال، فقد عبَّر عنها في الحديث بكونها قسمة بين العبد والرب، فإن نصفها الأول من قوله سبحانه: (الحمد لله رب العالمين) إلى قوله: (مالك يوم الدين) هو لله تعالى من تحميد له وثناء عليه وتفويض إليه، ثم العبد له النصف الآخر من قوله تعالى: (إياك نعبد ونستعين) إلى خاتمة السورة: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) بمعنى حصول العبد على الثواب والمعونة والهداية كما سأل. ولهذا قال سبحانه في الحديث بعد قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين) هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، أي له ما سأل من ثواب العبادة؛ والإعانة على أدائها. كما قال بعد قوله: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين) هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، أي له ما سأل من التوفيق والهداية.

فلله الحمد والثناء والإجلال، مع كونه الغني عن العالمين، وللعبد الثواب والمعونة والهداية؛ وهو المحتاج الفقير. هذا هو الشأن سبعة عشر مرة في كل يوم إذا ما صلى العبد الفرائض، وأكثر من ذلك إذا ما صلى النوافل.

ومن أدب الدعاء أن يستحضر العبد عظمة ربه في قلبه ثم يخاطبه بمسألته، وهذا ما تمثله السورة باستعمال ضمير الغائب في بيان الأسماء والصفات: (الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين) ثم الانتقال إلى ضمير المخاطب في مقام الطلب والسؤال: (إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم)، فباستحضار معاني تلك الأسماء الشريفة والصفات الجليلة، يخشع القلب لعظمة الإله المعبود الحق، سيِّد الخلق كلهم ومربيهم والقائم على جميع أمورهم، الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء كرماً وفضلاً، والمجازي لجميع خلقه يوم الدينونة إقساطاً وعدلاً. حتى إذا خشع القلب له بما عرف من صفات كماله ونعوت جلاله، لم يجد بداً من إعلان العبودية الخالصة له، وطلب المدد والهداية منه.

ولا يخفى استغراق آيات السورة كلها في ذكر الله جل جلاله تحقيقاً لمقام العبودية الخالصة، فالآيات إما أن تصرح باسمه تعالى كما في قوله: (الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين)، أو تضمره مع توجيه الخطاب له كما في قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فالمقصود: إشعار العبد بمعية الله في كل آية، حتى يتجرد القلب لذكر الله مع غاية الخضوع والخشوع لعظمته وجلاله بصفته رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، الهادي – وحده – إلى الصراط المستقيم.
 
فصل في البسملة



يستهلُّ الله عز وجل كتابه العزيز كما استهلَّ وحيه الكريم، وذلك بالندب إلى التبرك باسمه عند ابتداء التلاوة؛ حيث قال لرسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء أول ما قال له: (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، فأمره أن يقرأ الكتاب متبركاً باسمه، وذكر مع ذلك ما يفيد التعليل وهو أنه الرب الذي خلق. فلأنه الرب المتصف بصفات الربوبية كلها ومنها: الضر والنفع، والعطاء والمنع، كان حرياً بعباده أن يتبركوا باسمه عند ابتداء أعمالهم جلباً لما يرجونه من النفع، ودفعاً لما يخافونه من الضر.

ومن هنا سُنَّت البسملة عند الشروع في الأعمال المعتبرة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله عز وجل فهو أبتر"، رواه أحمد في المسند، وابن ماجة وغيرهما بألفاظ متقاربة، منها: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله وببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع". ومعنى أبتر وأقطع أي: ناقص البركة. وهذا الحديث وإن ضعفه بعض أهل العلم، فإنه يُستأنس به ويُستدل له بأحاديث صحيحة نبَّهت على استحباب التسمية في قابل الأعمال، ومن ذلك ما رواه البخاري عن عمر بن أبى سلمة أنه قال: "كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصفحة فقال لي: يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك"، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أما لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله باسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ثم قدر بينهما في ذلك أو قضي ولد لم يضره شيطان أبدا". إلى غير ذلك من أحاديث تشير إلى فضل التسمية لكل أمر ذي بال.

فالباء في (بسم الله) هي باء التبرك على أصح الأقوال، وهذا القول أولى من القول بأنها باء الاستعانة، لأن الاستعانة تكون بالذات لا بالاسم، فتقول: استعنت بفلان، ولا تقول: استعنت باسم فلان. وكذلك فإن حمل الباء على معنى التبرك أكمل من حملها على معنى الافتتاح أو الابتداء، لأن الابتداء يحتاج إلى تقدير حكمة من وراءه. فإذا قلنا بأن حكمة الابتداء باسمه تعالى هي التبرك به، فقد أغنت باء التبرك عن هذا التقدير. وإذا قلنا بأن الحكمة هي التعظيم أو الاستعانة، فإن التبرك شامل لكليهما. فالتبرك نوع من أنواع التعظيم بما فيه من التخصيص والتقديس للمُتَبَرَّك به، وفيه معنى الاستعانة لأن المُتبَرَّكَ به يُقصَد من أجل تلبية الحاجات وإتمامها.

ولأن الجار والمجرور في (بسم الله) متعلقان بفعل محذوف تقديره: أقرأ أو أتلو، إذ المقام مقام قراءة وتلاوة؛ كان تقدير الكلام ههنا: أتلو القرآن متبركاً باسم الله تعالى. وهذا التقدير أولى من تقدير: أبدأ أو أبتدئ، لأن الابتداء لا يكشف عن ماهية الفعل المبتدئ به وهو القراءة، فهو يقتضي تقديراً آخر أغنى عنه تقدير: أقرأ أو أتلو.

واسم (الله) هو الاسم الأعظم الجامع لكل صفات الكمال ونعوت الجلال، فإن معناه: المعبود المستحق للعبادة؛ ولا يكون كذلك إلا لاتصافه بجميع صفات الكمال التي يتفرد بها الإله. فمن كمال المعبود أن يكون رحيماً، مالكاً، عزيزاً، حكيماً، مدبراً، فعالاً لما يريد. ولهذا يضيف تعالى سائر أسمائه الحسنى إلى هذا الاسم فقط، كقوله سبحانه: (ولله الأسماء الحسنى) [الأعراف:180] وقوله: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر) الحشر: ٢٣]، ولهذا أيضاً يُقال بأن هذه الأسماء من أسماء الله، ولا يقال بأن الله من أسماء الرحمن أو العزيز أو الجبار أو غيرها؛ إذ هو جامع لها.

وأصل اشتقاق هذا الاسم من أله يأله ألوهة بمعنى عبد عبادة، فالله هو المألوه أي المعبود المستحق وحده لكل أنواع العبادة لكمال صفاته وأسمائه وأفعاله.

وتقترن التسمية بصفة الرحمة الجامعة لكل بر وإحسان وفضل: (الرحمن الرحيم) وذلك تذكيراً للعباد بوجوب العبادة والطاعة، فإن العبد مجبول على محبة من أحسن إليه، والعمل على كسب رضاه وفاءً لإحسانه. وكل نعمة يتقلب فيها العبد ما هي إلا أثر من آثار رحمة الله التي وسعت كل شيء، وعلى رأس ذلك: نعمة خلقه وإيجاده. فالواجب الذي يفيض من فطرة العبد أن يحب خالقه الذي أحسن إليه قبل أن يسأله، والذي تكفل بحفظه ورعايته من غير أن يشكره؛ وأسبغ عليه من النعم ما لا يُحصى ولا يُعد.

ومحبة الله لا تتم إلا بطاعته وعبادته كما أمر في كتابه وعلى لسان رسوله، فإن حقيقة المحبة: طاعة المحبوب فيما يحب ويرضى. ولهذا يقترن اسمه تعالى في البسملة مع صفة الرحمة لا مع صفة الحكمة أو العزة أو غيرها، فإن الرحمة توجب الطاعة والعبادة، وهذا هو أعظم مقصود من تنزيل الكتاب: أن يعرف الخلق ربهم فيطيعوه حق طاعته؛ ويعبدوه حق عبادته، فكان الابتداء بذكر الرحمة إيذاناً بذلك حتى تُخبت القلوب إلى عبادة الإله وطاعته بذكر بره وفضله وإحسانه.

ومع أن اسمي الرحمن والرحيم مشتقان من الرحمة ويدلان عليها، إلا أن لكل اسم معنى يختص به لاختلاف المبنى. فالرحمن أشد مبالغة من الرحيم؛ لأن بناء فعلان أشد مبالغة من فعيل، ولهذا كان أخصَّ وأعرف من الرحيم، فلا يُسمَّى به إلا الله تعالى كما في قوله: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) [الإسراء:١١۰] وهذا بخلاف اسم الرحيم فإنه من الأسماء المشتركة التي تُطلق على الخالق والمخلوق مثل كريم ونحوه. ولهذا قال أهل العلم: الرحمن خاص الاسم عام الفعل، بمعنى أنه اسم خاص بالله تعالى لا يطلق إلا عليه، وفعله العام: رحمته التي وسعت كل شيء. واسم الرحيم عام الاسم خاص الفعل، بمعنى أنه اسم عام يسمى به غيره، وفعله الخاص: رحمته التي خصَّ بها المؤمنين كما في قوله: (وكان بالمؤمنين رحيماً) [الأحزاب: ٤۳].

على أن اسم الرحيم يدل على الرحمة الواسعة التي تسع الكافرين أيضاً، قال تعالى: (ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله، إنه كان بكم رحيماً) [الإسراء: ٦٦] فامتن سبحانه على الناس أجمعين بأنه رحيم بهم ولم يحصر ذلك في المؤمنين وحدهم. وعليه نقول: إن الشأن في اسمي (الرحمن) و(الرحيم) كما الشأن في لفظي الإسلام والإيمان: إذا اجتمعا اختص كل منهما بمعنى، وإذا افترقا كانا بمعنى واحد. فإذا اجتمع هذين الاسمين لُوحظ ما ذكره أهل العلم من عموم الرحمة في (الرحمن) وخصوص الرحمة في (الرحيم)، وإذا افترقا كان كل منهما دالاً على الرحمة بعمومها وخصوصها.

ومن الفروقات اللطيفة بين الاسمين، أن (الرحمن) دال على الرحمة كصفة قائمة بالذات، بينما (الرحيم) دال على الرحمة كصفة فعلية تتعدى وتتعلق بالمرحوم. ولهذا لا يجيء (الرحمن) في القرآن إلا كاسم عَلَم كما في قوله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن)، أو كاسم ذات تجري عليه الصفات كما في قوله تعالى: (الرحمن علم القرآن) [الرحمن:1-2] و(الرحمن على العرش استوى) [طه:5] بينما يجيء (الرحيم) وصفاً فعلياً متعلقاً بالمرحوم كقوله: (إنه كان بكم رحيماً)، فيقال: "رحيم بهم" ولا يُقال قط: "رحمن بهم".

هذا وقد اختلف أهل العلم في شأن البسملة: هل هي آية من الفاتحة فقط، أو آية من كل سورة، أو أنها آية مستقلة، أو ليست بآية؟ وأجمعوا على أنها بعض آية من سورة النمل في قوله تعالى: (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) [النمل:30].

أما القول بأنها من الفاتحة فقط فهو قول للشافعي، ومروي عن الإمام أحمد، وإسحاق بن راهوية، وأبي ثور، وغيرهم. واستدل أصحابه بما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سُئلت عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: "كان يُقطِّع قراءته آيةً آية: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم". فاستدلوا بقراءة البسملة مع الفاتحة على أنها آية منها. والصحيح: أنه لا يلزم من قراءة البسملة مع الفاتحة أن تكون آية منها، لأن البسملة تُقرأ مع كل سورة، فلو لزم هذا للزم القول بأنها آية من كل سورة، وهم لا يقولون بذلك.

واستدلوا أيضاً بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قرأتم الحمد، فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها). والصواب أن هذا الحديث موقوف كما ذكر أهل التحقيق: الدارقطني في علله؛ والزيلعي في نصب الراية، بمعنى أنه منسوب إلى قول أبي هريرة رضي الله عنه، لا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن قيل: هو في حكم المرفوع، لأنه قول للصحابي في أمر توقيفي لا اجتهاد فيه، كان الجواب عليه: أن ذلك لا يثبت بخبر الواحد بل بإجماع الأمة. ولم ينعقد الإجماع على أن البسملة آية من الفاتحة، بل أهل العلم في ذلك على خلاف مشهور.

ولعل أظهر الأدلة التي تعارض هذا القول: الحديث القدسي الذي يرويه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: (مالك يوم الدين)، قال: مجدني عبدي – وقال مرة فوَّض إلي عبدي – فإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".

فدل هذا الحديث على أن البسملة ليست آية من الفاتحة، من ثلاثة وجوه: الأول: أنه لم يذكرها إطلاقاً، مع ذكره لجميع آيات السورة. الثاني: أنه استفتح بقوله (الحمد لله) فدل ذلك على أن (الحمد لله) هي الآية الأولى لا البسملة. الثالث: قوله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، فالقسمة تقتضي التنصيف: ثلاث آيات ونصف مشتملة على تمجيد الرب، وثلاث آيات ونصف مشتملة على الاستجابة للعبد، لأن الفاتحة سبع آيات بالإجماع، فالآية الرابعة: (إياك نعبد وإياك نستعين) تقسم السورة إلى نصفين: قوله (إياك نعبد) وما قبله عبارة عن ثلاث آيات ونصف ابتداءً بقوله (الحمد لله)، وقوله (وإياك نستعين) وما بعده ثلاث آيات ونصف انتهاءً بقوله (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، فلو كانت البسملة آية من الفاتحة لما تحقق هذا التنصيف، ولكانت آيات القسم الأول: أربع آيات ونصف، وآيات القسم الثاني: آيتين ونصف، على القول بتقسيم الآية (إياك نعبد وإياك نستعين) إلى نصفين، وعلى القول بعدم تقسيمها تكون آيات القسم الأول: أربع آيات، والقسم الثاني: ثلاث آيات، لأنه يتعذر تقسيم الآية الرابعة (مالك يوم الدين) إلى قسمين كما هو ظاهر على هذا القول، وهو ما لا يستقيم مع ما يذكره الحديث من القسمة والتنصيف.

ومن الأدلة التي تعارض هذا القول أيضاً: الأحاديث الصحيحة التي تفيد بأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يجهر بالبسملة في صلاته بل يخفي قراءتها. ولئن أفادت أحاديث أخرى صحيحة بالجهر بها، فوجب الجمع بين النصوص بالقول: أنه كان يخفيها في مواضع، ويجهر بها في أخرى. فلو كانت إحدى آيات الفاتحة لما أسر بها، قياساً على عدم إسراره بأول آية من كل سورة أخرى.

ومما يُستأنس به على أن البسملة ليست من الفاتحة، حقيقة التناسب بين آيات السور من حيث طولها وقصرها كما هو الغالب في سور القرآن الكريم، فعلى القول بأن البسملة ليست من الفاتحة تكون الآية السابعة: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) في تناسب ظاهر مع بقية الآيات من حيث قصرها، بخلاف ما لو اعتبرنا أن قوله: (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) هو الآية السابعة إذ هي أطول من الآيات الأخرى بما لا يتناسب.

أما القول بأنها آية أو بعض آية من كل سورة سوى براءة، فهو المحكي عن جماعة من الصحابة مثل ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، ومن التابعين: عطاء وطاوس والزهري، وهو المشهور من مذهب الشافعي، وقول عبد الله بن مبارك، وإسحاق بن راهويه، والأوزاعي، وغيرهم.

ومن أدلتهم على ذلك: ثبوت البسملة في القرآن مع كل سورة سوى براءة. وهذا الدليل يرده ما أجمع عليه الفقهاء والقراء من أن سورة الكوثر ثلاث آيات وسورة الإخلاص أربع آيات، فلو كانت البسملة آية من كل سورة لكانت سورة الكوثر أربع آيات والإخلاص خمس آيات. ويرده كذلك: ما ثبت في السنة من تعيين عدد آيات سورة الملك بدون البسملة، حيث روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن سورة من القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غُفر له، وهي سورة: (تبارك الذي بيده الملك)"، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن عدد آيات سورة الملك ثلاثون آية، وقد اتفق أهل التحقيق على أن عدد آيات الملك ثلاثون آية بدون البسملة، فلو كانت البسملة آية منها لكانت إحدى وثلاثون، وهذا لا يقول به أحد.

أما القول بأنها آية مستقلة من القرآن للفصل بين السور، فهو المشهور عن الإمام أحمد، وهو قول عبد الله بن مبارك، وأبو بكر الرازي، وابن خزيمة، والجصاص، وابن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم.

وهذا القول هو أصح الأقوال وأعدلها، وهو القول الوحيد الذي لا دليل قوي يعارضه. فالبسملة آية قرآنية لإجماع الصحابة على إثباتها في القرآن بنفس الخط دون تمييز أو تفرقة، وهم المشهود لهم بالصدق والخيرية وشدة الحرص على تجريد القرآن من كل ما ليس قرآناً. ومع كونها آية من القرآن فهي منفصلة عن آيات السور، بدليل ما ثبت في السنة من أن عدد آيات سورة الملك ثلاثون آية بدون البسملة كما تقدم، وكذلك: ما أجمع عليه أهل التحقيق من أن عدد آيات سورة الكوثر ثلاث آيات، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي آنفاً سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (إنا أعطيناك الكوثر)". فدل هذا الحديث: أن البسملة ليست آية من السور التي أثبتت معها، لأن الرسول قرأ بها مع سورة الكوثر وأخبر أنها أنزلت معها، ومع ذلك فقد انعقد الإجماع على أن الكوثر ثلاث آيات، وأن البسملة ليست إحداها.

ومما يدل على أنها أنزلت للفصل بين السور، ما رواه ابو داود في سننه بإسناد صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة، حتى تنزل عليه: بسم الله الرحمن الرحيم"، فدل الكلام على أن البسملة من القرآن لوصفها بالنزول، كما دل على أن المقصود من تنزيلها هو الفصل والتمييز بين كل سورة وأخرى، حيث كان عليه الصلاة والسلام لا يعرف متى تنتهي السورة حتى تنزل البسملة إيذاناً بانتهائها وابتداء سورة أخرى. ويشهد لذلك كتابة البسملة في المصاحف في سطر متقدم منفصل عما يليها من آيات السور ما يُؤذن بأنها ليست منها.

فإن قيل: هذا القول يرده عدم كتابة البسملة بين سورتي الأنفال وبراءة مع الإجماع على أنهما سورتان منفصلتان، فالجواب عليه: أن هذا استثناء لا يُلغي القاعدة، ويتأكد ذلك بوجود الحكمة من وراءه، فلما كانت البسملة أماناً ورحمة بينما سورة براءة إعلاناً للحرب وشِدَّة، لم تُذكر البسملة قبلها درءاً لما قد يُتوهم من التنافر والتعارض.

وأما القول بأن البسملة ليست من الفاتحة ولا القرآن أصلاً، فهو أبعد الأقوال عن الصواب إذ مقتضاه أن الصحابة أدخلوا على القرآن ما ليس قرآناً، فكتبوا في المصاحف مئة وثلاثة عشر آية ليست من القرآن دون تمييزها عن سائر آيات القرآن، ودون أن يبينوا لأحد حقيقة ذلك!

والقائلون بهذا القول هم: الإمام مالك، وعبدالله بن معبد، والأوزاعي، ونُسب إلى أبي حنيفة وأصحابه، وغيرهم.

ودليلهم في ذلك: ما ثبت في الأحاديث من أن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ويتركون البسملة. وهذا الدليل لا ينفي قرآنيتها بأي وجه، بل غاية ما يدل عليه أنهم كانوا لا يجهرون بها في صلاتهم، لا أنهم كانوا يتحرُّون تركها لعدم قرآنيتها، وكيف يستقيم أن يتحرُّوا تركها لعدم قرآنيتها وقد أجمعوا على كتابتها في المصحف بخط القرآن ودون تمييز بينها وبين سائر آياته؟

ومما احتجوا به: أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر القطعي الذي لا يُختلف فيه؛ ولا تواتر هنا بدليل وقوع الاختلاف. والجواب عليه: أن كتابة الصحابة لها في المصاحف هو في معنى التواتر، وقد تواتر عنهم أن ما بين الدفتين كلام الله.

وخلاصة القول هنا – كما قرَّر أهل التحقيق – أن مسألة قرآنية البسملة هي مسألة ظنية لا قطعية؛ ولهذا أجمع كلا الفريقين – مثبتين ونفاة – على عدم تكفير المخالف ولا تفسيقه.
 
الآية الأولى: (الحمد لله رب العالمين)



لما كان الله هو وحده المتصف بالكمال في الذات والأسماء، والصفات والأفعال، وهو وحده المتفضل بكل النعم الجزيلة والآلاء الجليلة إذ هو وحده الخالق المقدر، الرازق المدبر، المالك المسيطر، فقد ابتدأ سبحانه السورة بالثناء على نفسه بما هو له أهلٌ فقال: (الحمد لله رب العالمين). فالحمد الكامل لله، لأنه الإله المتفرد بصفات الكمال التي توجب له كمال المدح والثناء، وهذا قوله: (الحمد لله). ثم المحامد كلها لله، لأنه الرب المتفرد بأفعال الخلق والرزق والتدبير التي توجب له كل شكر وثناء، وهذا قوله: (رب العالمين).

فالحمد هو اقتران الشكر بالثناء، ولهذا كان أعلى مرتبة من الشكر وأدل منه على التعظيم والإجلال. فالشكر: مقابلة النعمة بالامتنان والعرفان، وهذا لا يستلزم المدح والثناء لذات المشكور، بل قد يتضمنه وقد لا يتضمنه، بخلاف الحمد، فإن الثناء لازم له، فإذا شكرت فلان: أظهرت له العرفان على فعله، وإذا حمدته فقد أثنيت عليه في نفسه؛ فوق إظهار العرفان له.

ولما كان الله متفضلاً بكل الآلاء والنعم، فقد وجب على العباد أن يقولوا أول ما يقولوا: الحمد لله، مدحاً وثناءً؛ وشكراً وامتناناً. ففي ابتداء السورة بالحمد تنبيه على وجوب الحمد وأهميته إذ جعله أول مذكور، وكذلك تنبيه على مفتاح القلوب والطاعات، وهو تقدير نعم الله حق قدرها.

وقيل بأن لام التعريف في (الحمد) للعهد، بمعنى أن الحمد المعروف بينكم هو لله، وهو الحمد الكامل الذي أثبته تعالى لنفسه، كما ذكره رسوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك". والقول الأصح والأليق بالمقام؛ أن التعريف لاستغراق الحمد كله: الكامل وغير الكامل؛ بحيث لا يُستثنى شيء من أفراد الحمد ولا أنواعه، فما من حمد يحمده حامد على خير؛ إلا والله مستحق له، لما له في ذلك من فضل الخلق والإيجاد، وفضل التدبير والإمداد. وإنما كان هذا أليق بالمقام لتناسبه مع العموم المفهوم من بقية الألفاظ، فاسم (الله) هو الاسم الجامع لكل الأسماء والصفات، وقوله (رب العالمين) يعم جميع الموجودات، وقوله (الرحمن الرحيم) يستغرق جميع الرحمات، فكان الأنسب مع ذلك أن يكون (الحمد) شاملاً لجميع المحامد.

ولا تعارض بين استحقاقه تعالى لكل حمد في الوجود ووجوب حمد الناس على صنيعهم وإحسانهم، تماماً كما أنه لا تعارض بين قولك هذا الشيء ملكٌ لي وإقرارك بأن الملك كله لله وحده، فإن الحياة حقيقة وظاهر، والإنسان قد يُحمد لخيره في عالم الأسباب الظاهرة كما يصح أن يُقال بأنه يملك ما يملك، ولكن هذا بالمعنى الظاهر فقط ربطاً للأسباب ببعضها، وأما بالمعنى الحقيقي الذي تُلاحَظُ فيه الحقائق والأصول من خلق وتدبير فإن الحمد كله لله وحده كما أن الملك كله لله وحده، لأن الله هو الذي خلق الخير كله، وهو الذي أجراه على يد العبد حتى حصل ما يُوجب الحمد. فالعبد كالأداة في حقيقة الأمر، ومعلوم بداهة أن الشكر لا يكون للأداة نفسها، بل لصاحب الأداة، وصاحب الإرادة النافذة فيها.

وجملة (الحمد لله) تتضمن توحيد الألوهية، وتوحيد الصفات. فتوحيد الألوهية – أي استحقاق الله للعبادة وحده – مأخوذ من اسمه تعالى (الله)، المشتق من أله يأله ألوهة بمعنى عبد عبادة، فالله هو المألوه أي المعبود بحق دون سواه لكمال صفاته وأسمائه وأفعاله. وتوحيد الصفات مأخوذ من تعريف الاستغراق في (الحمد) ولام الاستحقاق في (لله). فالحمد كما يكون على النعم، يكون على الصفات الحسنة، وكلما كانت الصفات أحسن وأكمل، كلما زاد الحمد. فلما أثبت تعالى لنفسه استحقاق الحمد الكامل بقوله: (الحمد لله)، كان ذلك دالاً على اتصافه بجميع الصفات الحسنى الموجبة لكمال الحمد، وهذا يتضمن توحيد الأسماء والصفات، من جهة أنه يقتضي إثبات صفات الكمال له، وإفراده بها، لأن عدم التفرد هو نقصٌ بالبداهة إذ يقتضي وجود منازع.

وتتضمن هذه الجملة أيضاً: ركن المحبة في العبادة، لأن حمد الله يشير إلى كونه منعماً متفضلاً، والمُنعِم يُحَبُّ على قدر فضله وإنعامه. ولما كانت النعم كلها من الله؛ كانت المحبة التي تليق بالله هي المحبة الكاملة التي تشمل عبادته وطاعته.

هذا ولا تنطلق كلمة الحمد من قلب العبد صادقة، إلا وسكن القلب بها، وانشرح الصدر لها، لانسجامها مع الفطرة التي أودعها الله في نفوس عباده من مقابلة الإحسان بالمحبة والشكر والعرفان، فالإنسان أسير الإحسان؛ مجبول على شكر من أحسن إليه، ومحبته، والوفاء له، والثناء عليه، والسعي في مرضاته. فبالحمد الصادق تنبعث الفطرة السليمة، ويفيض على القلب من الراحة والأمان؛ والسكينة والاطمئنان، ما لا يعرفه إلا المجربون.

أما لفظ (رب) فمشتق من التربية، ويطلق على المالك والسيِّد والمصلح، لأن القائم على تربية الشيء هو صاحب السيادة عليه، وهو الكفيل بإصلاحه ورعايته. يُقال: فلان ربُّ الشيء أي مالكه وصاحبه. ويُقال رَبَّ الشيء إذا أصلحه. وفي الحديث: نعمة ترُبُّها، أي تحفظها وترعاها. فالله سبحانه هو المربي لخلقه، القائم على إصلاحهم وتدبير شؤونهم، وهو مالكهم الذي له مطلق السيادة، ومطلق الحكم والأمر.

و(العالمين) مأخوذ من العلم والعلامة، لأن الموجود علامة دالة على موجده، ويطلق تارة على الناس، وتارة على الإنس والجن، وتارة على جميع الخلق. ويتبين المعنى المراد بالنظر إلى السياق الذي يجيء فيه اللفظ، ففي سياق الحديث عن نذارة الكتاب كما في قوله: (ليكون للعالمين نذيراً) [الفرقان:1] فإن المعنى: نذيراً للإنس والجن، لأن النذارة تشمل جميع أهل التكليف من الجن والإنس. وفي سياق الحديث عن فعل قوم لوط: (أتأتون الذكران من العالمين) [الشعراء: ۱٦٥] فإن المعنى كما هو ظاهر: من الناس. وأما هنا في سياق الحديث عن ربوبية الله جل وعلا – وهي ربوبية مطلقة شاملة لكل موجود – فإن معنى العالمين: كل موجود سوى الله تعالى، لأن الله هو رب كل شيء.

وجملة (رب العالمين) إثبات لتوحيد الربوبية بما أفادته من كونه تعالى رب الخلائق كلها، فإن المراد هنا: الربوبية الكاملة المطلقة التي لا تُنازع، ولا تكون كذلك إلا بإفراد الله تعالى بجميع أفعال الربوبية ونفيها عما سواه.

ويدخل في أفعال ربوبيته تعالى: أمره ونهيه وتشريعه، قال سبحانه: (ألا له الخلق والأمر) [الأعراف: 54]، فكما أنه سبحانه منفرد بالخلق؛ فهو كذلك منفرد بالأمر تشريعاً وتحليلاً وتحريماً. فتوحيد الربوبية لا يقتصر على الاعتقاد بأن الله وحده هو الخالق المالك الرازق المدبر، بل يشمل كذلك الاعتقاد بأنه وحده الحاكم المشرِّع الذي له الحق في التحليل والتحريم، والتشريع والتقنين. ومن جعل لنفسه أو لغيره حقَّاً في ذلك، فقد جعل من نفسه أو من غيره نداً لله تعالى، لأن الحكم من صفات الله الخاصة به وحده، وهذا من كمال ألوهيته لأن المعبود بحق هو القمين بتعبيد الخلق بالأحكام والتشريعات؛ كما تعبَّدهم بالصلاة والزكاة ونحوها، ثم هذا من كمال ربوبيته، لأن تربية العبيد وإصلاحهم شأنٌ لا ينفصل عن تشريع ما يصونهم ويُصلح أحوالهم.



الآية الثانية: (الرحمن الرحيم)



بعد تقرير الحمد المستغرق لجميع أفراده وأنواعه، وتقرير صفتي الإلهية والربوبية الموجبتان لاستحقاق الحمد بقوله: (الحمد لله رب العالمين)، تمضي الآيات في إثبات الأسماء والصفات التي يتفرد بها الله سبحانه، وهي بذلك تشتمل على التعريف والتعليل معاً، فهي تُعرِّف بصفات الإله المعبود بحق، وتُعلِّل استحقاقه للحمد بتقرير هذه الصفات. فالحمد كله لله لأنه الإله الحق المعبود، القائم على تربية كل موجود، وهذا قوله: (الحمد لله رب العلمين). ثم الحمد كله لله، لأنه القائم على كل نعمة وفضل في الوجود: (الرحمن الرحيم)، ولأنه الملك الديَّان؛ القائم بالعدل والإقساط: (مالك يوم الدين).

فذلك هو وجه ترتيب الأسماء والصفات على تقرير الحمد. وأما ترتيب (الرحمن الرحيم) على قوله (رب العالمين)؛ فيشير إلى سعة رحمته بالعالمين، وأن ربوبيته لهم لا تنفك عن رحمته بهم. فبرحمته أوجدهم، وبرحمته رزقهم، وبرحمته حفظهم، وبرحمته قام على جميع شؤونهم، بل له في كل فعل من أفعاله رحمة، حتى في تعذيبه للعصاة والكفرة. فإن تعذيبهم عدل. والعدل رحمة، رحمة بردِّ الحقوق إلى أهلها، ورحمة بإحقاق الحق؛ ووضع الأمور في نصابها.

وكذلك فإن لفظ الرب وإن كان يتضمن معنى الرحمة بما فيه من رعاية الرب لمربوبيه، إلا أنه يدل في المقام الأول على الملك والسيادة؛ أي يدل على كمال القهر والجبروت، والعزة والقوة، فكان من تمام التناسب أن يُتبِع صفة القهر بصفة الرحمة، ليكون العبد على رجاء ورغبة؛ بعد خوف ورهبة. وبهذا تشير الآية إلى ركن ثانٍ من أركان العبادة، وهو ركن الرجاء، لأن في ذكر الرحمة الواسعة إطماعٌ بها.

و(الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة فيعطيان مدلولاً واحداً هو الرحمة الواسعة، إلا أن (الرحمن) أشد مبالغة من (الرحيم)، لأن بناء فعلان أبلغ من فعيل باعتبار أن زيادة المبنى تفيد زيادة في المعنى، ولذلك في حال اجتمع هذين الاسمين الكريمين اختص كل منهما بمعنى، فيكون (الرحمن) معبِّراً عن رحمته التي وسعت كل شيء، و(الرحيم) معبِّراً عن رحمته التي خصَّها للمؤمنين، وأما إذا افترقا فإن كل منهما يعبِّر عن معنى واحد وهو الرحمة الواسعة.

ولا تنافي بين اتصافه تعالى بالرحمة الواسعة العظيمة وما يخلقه من ضروب الشر في الدنيا والآخرة، فإن الشر إنما يخلقه الله لحكمة، هو باعتبار تلك الحكمة من كمال رحمته وعدله في تدبير خلقه وشؤون مملكته. فالشر أمر نسبي؛ إذا وُضع في مكانه بمقتضى الحكمة كان عدلاً وخيراً بالنسبة إلى فاعله، وإن كان شراً بالنسبة للمفعول به. وأوضح مثال على ذلك: العقوبات المفروضة على الجناة، فإنها خير وعدل لتنزيلها مواضعها التي تليق بها، وإن كانت شراً بالنسبة لمرتكب الجناية من حيث لحوق الألم به. ولا يقول عاقل: إن من عاقب الجناة قد فعل شراً وأساء، بل يقول: قد أحسن أيَّما إحسان. وكذلك هو الشأن في خلقه تعالى للشر وتصريفه له في الحياة الدنيا، وتعذيبه للكافرين والعصاة في الآخرة، فإن فعله كله خير والشر ليس إليه، لأنه يضع الأشياء مواضعها التي تليق بها قائماً بالإصلاح وقائماً بالقسط، فوجود الخير فضل منه ورحمة، ووجود الشر منه عدل وحكمة. وكل هذا من مقتضى ألوهيته، وربوبيته، ورحمته المطلقة.
 
الآية الثالثة: (مالك يوم الدين)



كما أن الله مستحق للحمد كله لاتصافه بصفات الإلهية والربوبية والرحمة، فهو كذلك مستحق للحمد كله لاتصافه بملكية يوم الجزاء: (مالك يوم الدين) فإن ملكيته ليوم الجزاء تعني أنه يُحِقُّ الحق ويُقيم العدل كاملاً، فيثيب المؤمنين ثواباً لا حدَّ له، ويعذب الكافرين عذاباً لا آخر له، فله الحمد كله على كمال هذا الفضل والعدل.

وترتيب هذه الصفة على قوله (الرحمن الرحيم) يُفيد بأن من أجلِّ مظاهر رحمته سبحانه ما يُجريه في ذلك اليوم العظيم من إثابة المؤمنين بفضله؛ ومعاقبة الكافرين بعدله.

ومن أوجه التناسب كذلك أن قوله: (الرحمن الرحيم) إطماعٌ وترغيب بالرحمة الواسعة، فيشير إلى ركن الرجاء في العبادة، ثم قوله ههنا: (مالك يوم الدين) تخويف وترهيب من يوم الحساب والجزاء، فيشير إلى ركن الخوف في العبادة. وبهذا تضمنت السورة الأركان العبودية القلبية الثلاثة: محبة المنعم لإنعامه وذلك قوله (الحمد لله رب العالمين)، ثم رجاء رحمته في قوله (الرحمن الرحيم)، ثم الخوف من عقابه في قوله: (مالك يوم الدين)، وهذه هي الأركان التي لا بد من اجتماعها في القلب لصحة العبادة، إذ لا تصح العبادة بغير حب المعبود أو رجائه أو الخوف منه، ولهذا أتبعها تعالى بقوله: (إياك نعبد) فكأنه قيل: إياك نعبد حباً وخوفاً ورجاءً.

وخصَّ يوم الدين بالذكر، مع حقيقة ملكيته لجميع الأيام وكل شيء، لعدة وجوه؛ منها: أن ملكه للدنيا وما فيها كشأن الخلق والرزق: متقرَّر في النفوس لا يجحده جاحد ولا يُماحل فيه مماحل، قال تعالى: (قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون) [المؤمنون: 89-88] فالمُلك العظيم المدبَّر لا بد له من مالك عظيم يقوم على تدبيره، ولمَّا كانت السماوات والأرض من عالم الشهادة الذي يتلقاه كل حس، لم يكن لأهل الشرك بُد من الإقرار بحقيقة ملكية الله للدنيا، وهذا بخلاف اليوم الآخر فإنه من عالم الغيب وهم منكرون لذلك، فخصَّه بالذكر تنبيهاً على أنه حق وحتم.

ومنها: أنه اليوم الذي يظهر فيه ملكه تمام الظهور بنزع جميع الأملاك من خلقه: (يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار) [غافر: 16] فيومئذ يخرج الناس من أجداثهم حفاة عراة، خاشعين خاضعين مستجيبين لدعوة الداعي من أجل فصل الحساب بينهم، فلا يملكون شيئاً من مال ولا جاه ولا متاع.

ومنها: أن في هذا التخصيص تنبيه على أهمية التصديق بهذا اليوم باعتباره أصلاً من أصول الاعتقاد والتي بانتفاء إحداها ينتفي الإيمان ككل.

ومنها: أن تخصيصه بالذكر يورث في القلب كمال الخشية والرهبة من أهواله وأحواله، وهذا بخلاف ما لو ذكر معه الدنيا وما فيها من الملك فإن القلب يستأنس بذلك.

والدين في اللغة مشتق من فعل (دان) الذي يختلف معناه باختلاف ما يتعدى به، فإذا تعدى بنفسه يكون (دانه) بمعنى حاسبه وجازاه، وإذا تعدى باللام يكون (دان له) بمعنى خضع وانقاد له، وإذا تعدى بالباء يكون (دان به) بمعنى اتخذه ديناً يتعبد به. والمعنى الأول هو المقصود هنا كما هو ظاهر، فيوم الدين هو يوم الحساب والجزاء.

والإيمان بيوم الدين هو الإيمان بكمال عدل الله وحكمته. فلا عدل في الحياة بغير دار جزاء، ولا حكمة من خلق الإنسان وامتحانه بغير ثواب ولا عقاب. وبهذا الإيمان تتجلى قيمة الحياة وقيمة الإنسان. فما قيمة الحياة إذا انتهت إلى عدم وفناء بغير أثر من الآثار؟ وما قيمة الإنسان وإدراكه لوجوده وتميزه عن الجمادات والحيوانات إذا كان مصيره هو نفس مصير هذه الموجودات؟ ومن ثم كان الإيمان باليوم الآخر هو مفرق الطريق بين حياة ذات قيمة ومعنى وامتداد يليق بالإنسان وكرامة الإنسان، وحياة أخرى عبثية فارغة من المعنى يتنزل فيها الإنسان منزلة الحيوان الذي يلهث خلف شهواته دون أن يعقل شيئاً عن اليوم الآخر، ودون أن يطمع في وجود آخر ما بعد هذه الحياة: وجود يليق به كمخلوق عاقل مدرك لحقائق العالم، ومدرك لحقيقة وجوده ابتداء.

وبهذا الإيمان الذي يرتقي بقيمة الحياة وقيمة الإنسان، تجد النفس خلاصها من فكرة العدمية وعبثيتها المقيتة، كما تجد استقرارها في مواجهة تقلبات الحياة واضطراباتها الكثيرة، فلا تتحسر على متاع فائت، لأن النصيب الحقيقي يكمن في الآخرة، ولا تجزع لمصاب أليم، لأن الرضا به يوصل إلى جنات النعيم، ولا تغرق في نعيم الدنيا وتغفل عن شكر المنعم فتفسد وتهلك، بل تتنعم ضمن الحدود التي حدَّها الله لها، والتي بها صلاح النفس وصلاح الحياة.

فالإيمان بيوم الدين – إذن – هو الأصل العظيم الذي به تسكن النفس وتستقيم الحياة، وهو الحقيقة الكبرى التي تتجاوب مع فطرة الإنسان ورغبته في البقاء ومكانته الرفيعة بين سائر المخلوقات. وهو التذكير الضروري بحتمية الموت والصيرورة إلى الحساب والجزاء، فلا جرم أن تشتمل عليه هذه السورة التي اختارها المولى لكي تُثنى في كل صلاة، فإن في ذكر هذا اليوم إيقاظاً للقلوب من سهوها وغفلتها، وتذكيراً للعقول بحتمية صيرورة الأنفس والأبدان إلى ديَّانها ومالكها.





الآية الرابعة: (إياك نعبد وإياك نستعين)



لما ذكر تعالى يوم الدين الذي هو يوم الدينونة والجزاء، أتبعه ببيان الطريق المؤدي إلى النجاة والفلاح في ذلك اليوم العصيب بقوله: (إياك نعبد وإياك نستعين)، فلا نجاة ولا فلاح في ذلك اليوم إلا لمن كان في دنياه عابداً لله وحده؛ مستعيناً به دون سواه.

فالعبادة هي العلة التي خلق الله الخلق من أجلها؛ وهي التكليف الذي يترتب عليه الثواب والعقاب في الآخرة، ثم الاستعانة نوع من أنواع العبادة فهي تبع لها.

ومن التناسب البديع هنا، أن ذكر العبادة بعد تقرير أسماء الله الحسنى وصفاته المُثلى وكان آخرها (مالك يوم الدين)، فأفاد هذا الترتيب أن العبادة حقٌ لله تعالى على عباده بصفته إلههم وربهم، الرحمن الرحيم بهم، ومالكهم ومجازيهم.

ويتجلى التناسب البديع كذلك بالنظر إلى مماثلة هذه السورة لعبادة الدعاء وآدابه، فكأن العبد بعد أن أثنى على ربه متوسلاً إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، أقبل عليه متوسلاً إليه بعبادته والاستعانة به، فكان هذا توسلٌ بالأعمال الصالحة؛ بعد التوسل بالأسماء والصفات.

والعبادة كما عرَّفها أهل العلم: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة. فالعبادة لا تقتصر على الشعائر الدينية التي تتبادر إلى الذهن عند استعمال لفظ (عبادة) كالصلاة والزكاة، بل تشمل كل عمل يحبه الله ويرضاه سواء أكان من أعمال القلوب أو أعمال الجوارح. فيدخل في أعمال القلوب: الإخلاص والمحبة والخوف والرجاء والتوكل والاستعاذة، والشكر القلبي وحسن الظن بالله والتفكر في آيات الله، وغير ذلك. ويدخل في أعمال الجوارح: الصلاة والزكاة والحج والدعاء والذبح والنذر والشكر باللسان وصلة الرحم وغير ذلك.

وإنما قيل في تعريف العبادة: "ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال"، لأن ذلك يفيد باجتماع أصلين لصحتها واعتبارها: الأصل الأول: الإخلاص، وهو أن تكون العبادة خالصة لوجه الله الكريم، وإلا فإن الله لا يحب ولا يرضى عملاً يشاركه فيه عبد من عباده، فإن حكمته وعزته تأبيان ذلك. والأصل الثاني: الاتباع، وهو أن يكون العمل موافقاُ لما أمر الله به، وإلا فإن الله لا يحب ولا يرضى ما كان مخالفاً لأمره، معارضاً لحكمه.

ومما تقدم تعلم سوء فهم الكثيرين لمعنى العبادة إذ يقصرونه على الصلاة وحدها أو على بعض الشرائع الدينية الظاهرة دون غيرها، مع أن مفهوم العبادة يشمل حياة الإنسان كلها بدليل قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) [الأنعام: 162] فأمر الله خاتم أنبيائه وإمام عباده أن يجعل حياته كلها تابعة خاضعة لله في كل حال من الأحوال، ولم يستثني من ذلك حتى حال الممات. فهذا الخضوع والاستسلام لله في جميع شؤون الحياة: هو العبادة التي خلق الله الخلق من أجلها، فلم يخلقهم ليكونوا عبيداً له في شؤون دون أخرى، ولم يخلقهم ليكونوا عبيداً له في أحيان دون غيرها، بل خلقهم ليكونوا عبيداً له في فرائضهم الدينية، وفي نشاطاتهم الدنيوية.

وفي هذه العبودية الشاملة لله، يكمن خلاص الإنسان من كل عبودية أخرى، فإن أساس العبادة هو: الطاعة والاتباع، والإنسان مجبول على الطاعة والاتباع بفطرته، فإن لم يطع ويتبع الله؛ أطاع واتبع هواه، أو أطاع واتبع ما سوى ذلك من معبودات وهو يحسب أنه حر من العبادة. قال تعالى: (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا) [الفرقان: 43] فسمَّى الهوى إلهاً معبوداً وإن لم يكن هناك سجود وركوع ونحوه، لأن لُب العبادة هو الطاعة والاتباع، ومن أطاع واتبع هواه طاعة مطلقة بحيث يدور معه حيث دار، وينتهي حيث انتهى، دون أن يملك مخالفته، ولا التوقف عن متابعته ولو كان في ذلك شقائه وتعاسته وهلاكه، فليس بعد ذلك من عبودية، وليس بعد ذلك من استرقاق.

والاستعانة نوع من أنواع العبادة كما تقدم، فلما ذكرها بعد العبادة كان ذلك من باب عطف الخاص على العام تنويهاً لشأنها، فإن اختصاص الله بالصلاة والصيام ونحوها من العبادات لا يخفى على أحد إلا فيما ندر، ولكن الذي يخفى على كثيرين من الخلق: اختصاصه سبحانه بعبادات الاستعانة، كالدعاء والاستغاثة وطلب المدد ونحو ذلك.

ولم يقل: "نعبدك ونستعين بك"، بل قدَّم ضمير (إياك) على (نعبد) و(نستعين) ليفيد التعظيم، فإن التقديم يفيد الاهتمام بالمقدَّم لعظيم قدره. وهو يفيد الاختصاص كذلك، لأن الضمائر في ذاتها دالة على التخصيص، فإذا تقدمت في الجملة ترجحت هذه الدلالة في الأذهان، فقولك على سبيل المثال: "أحب أحمداً" يفيد أنك تحب أحمداً ولا يفيد تخصيصه بذلك بل يحتمل أنك تحب أحداً آخر معه، لكن إذا قلت: "أحمداً أحب"؛ أفاد ذلك أنك تخصه بالحب دون سواه. وكذلك الشأن في تقديم ضمير الجلالة هنا (إياك نعبد وإياك نستعين) فإن معناه: نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة، فلا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك. وهذا هو توحيد العبادة الذي يعني إخلاص العبادة كلها لله وحده.

وجاء بلفظ الجمع المتكلم وليس الفرد؛ دفعاً لغرور العبد، وتعظيماً للرب. فلو قال: "إياك أعبد وإياك أستعين" لما سلم القلب من خواطر الأنا، ولكن لما جاء بلفظ الجمع بقوله (نعبد) و(نستعين) دخل العبد بذلك في مجموع العابدين، واندمج معهم، فانكسر ما في قلبه من الأنا وحب التميز، وكان الكلام أبلغ في تعظيم المعبود الحق، لأن قول "أعبد وأستعين" يشير إلى اختصاص الله بالعبادة الفردية، بينما قول (نعبد) و(نستعين) يشير إلى اختصاص الله بالعبادة الجماعية من الناس والخلق.
 
الآية الخامسة: (اهدنا الصراط المستقيم)



بعد التوسل في الدعاء، يجيء الطلب والسؤال. ولهذا يجيء قوله: (اهدنا الصراط المستقيم) بعد قوله (إياك نعبد وإياك نستعين) فإن ما تقدم في السورة يُعبِّر عن التوسل إلى الله في الدعاء: توسل إليه بأسمائه وصفاته: (رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين)، ثم توسل إليه بالعمل الصالح: (إياك نعبد وإياك نستعين)، ثم جاء مقصود التوسل بطلب وسؤال الهداية في قوله: (اهدنا الصراط المستقيم).

والهداية في اللغة تعني الإرشاد والدلالة على ما يوصل إلى المطلوب. وقوله: (اهدنا الصراط المستقيم) يتضمن نوعين من الهداية: هداية البيان والإرشاد، وهداية التوفيق والإلهام. فهداية البيان والإرشاد: بيان الحق، والدلالة عليه. وهي هداية عامة تثبت للرسل والدعاة ولا يختص بها الله وحده. فالله يُبيِّن ويُبلِّغ الحق من خلال تنزيل الكتب، وإرسال الرسل، وإجراء المعجزات. قال تعالى: (وأما ثمود فهديناهم) [فصلت: 17] أي: فبلَّغناهم وبيَّنَّا لهم الحق من الباطل. والرسل ودعاة الحق كذلك يُبلِّغون ويُبيِّنون، كما قال موسى عليه السلام لفرعون: (وأهديك إلى ربك فتخشى) [النازعات: 19] أي: أبيِّن لك صفات جلاله وعظمته والطريق إلى طاعته فتخشاه وتتقيه، وهي الهداية التي أثبتها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم إذ قال له: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) [الشورى: 52].

أما هداية التوفيق والإلهام، فهي توفيق العبد إلى قبول ذلك البيان قبولاً يستتبع العمل به، والانقياد له. وتتمثل هذه الهداية في خلقه تعالى لإرادة الهدى وأسبابها في نفس العبد، قال تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه الله يشرح صدره للإسلام) [الأنعام:125] وقال سبحانه: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) [الحجرات:7] فَشَرْحُ الصدور للإسلام وإمالة القلوب إلى حب الإيمان، وجَعْل النفوس مُريدة له؛ مطمئنة به، هو من فعل الله سبحانه وتدبيره في خلقه؛ هداية خاصة لا يقدر عليها إلا الله وحده لتعلقها بفعل الخلق والتدبير، وهي المرادة بقوله لخاتم أنبيائه: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) [القصص: 56].

والمراد بالصراط المستقيم هو دين الإسلام، إذ أن الصراط هو الطريق الذي يسلكه الناس ابتغاء الوصول إلى مقصودهم، وكذلك الإسلام هو وسيلة العبد إلى أعظم غاية ومقصود: رضوان الله وجنَّاته.

وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم يتضمن إثبات النبوة وما يتعلق بها من وحيٍ يُوحَى، لأن الصراط المستقيم لو كان يُعرف بمجرد النظر والاستدلال لما طُلبت الهداية إليه، ولكن لما طُلبت دل ذلك على أنه يُعرف من طريق آخر هو طريق الأنبياء والرسل المبعوثين إلى الناس والخلق بوحي من الله بواسطة مَلَك. فالملك يُوحي إلى الرسول، والرسول يُبيِّن ما يُوحَى إليه في كتاب، وبذلك تُعرف حقيقة الصراط المستقيم. فاشتملت الآية بالتضمن على ثلاثة أصول: الإيمان بالرسل، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب.

ووصف الصراط بالاستقامة فيه تمثيل لاشتمال هذا الدين على الحق والعدل واليُسر والسماحة، لأن الطريق المستقيم لا يميل يمنة ولا يساراً، ولا يتشعب ولا يتفرق، وهذا تمثيل للحق إذ أن الحق ثابت لا يتزعزع، وواحد لا يتعدد. ولما كان لا يتشعب ولا يتفرق؛ فهو طريق واضح في نفسه وفي الوجهة التي يوصل إليها، وكذلك الحق: واضح أبلج، لا يختلف على سالكه.

وبما أنه طريق مستقيم لا ميل فيه إلى جهة دون أخرى، فهذا تمثيل للعدل الذي لا انحياز فيه لطرف على حساب آخر.

ومع ثباته ووضوحه واعتداله، فهو متصف بالسهولة والسلاسة إذ أن أقصر طريق بين نقطتين هو الخط المستقيم، وهذا تمثيل ليُسر هذا الدين وسماحته.

والإسلام مبني على قواعد وتفاصيل، فطلب الاهتداء إلى الإسلام يتضمن طلب الاهتداء إلى جميع التفاصيل الدينية علماً وعملاً. وهذا هو المقصود في قوله: (اهدنا الصراط المستقيم)، فإن طالب الهداية داخل في الإسلام أصلاً، ولكنه محتاج إلى معرفة التفاصيل الكثيرة التي يشتمل عليها هذا الدين، وهو بعد ذلك محتاج إلى إرادة العمل بالحق، والثبات عليه في كل وقت، وذلك لا يكون إلا بإمداد الله له؛ بأن يهديه إلى معرفة تفاصيل هذا الدين كما هداه إلى معرفة قواعده وأصوله، وأن يجعله مريداً للحق قادراً على العمل به، وأن يثبته عليه حتى الموافاة. ولهذا كان العبد محتاجاً لطلب الهداية في كل يوم بل في كل ساعة وحالة وإن كان مهتدياً بالإسلام عند الطلب، فإن الكثير من الحق مجهول لنا، وما نتركه من الأعمال لضعف الإرادة أو القدرة أكثر بكثير مما نعمل. وكم من مسألة دقيقة تخفى على العالم حتى يفتح الله، وكم من اختلاف لا يُهتدَى إلى الحق فيه إلا بتسديدٍ من الله، وكم من موقف لا يثبت العبد فيه إلا بتثبيت الله له. فالهداية المطلوبة ههنا تتضمن جميع هذه الهدايات.

وتتأكد الحاجة إلى طلب الهداية في هذا الزمان الذي هو زمان الفرقة والاختلاف، وزمان تعطيل الشريعة في الأرض وتغلب الأعداء وانتشار الشبه والضلالات، فإذا كان أهل العلم الأفذاذ لا ينجون من فتنة الاختلاف حول الحق وسُبُل إقامة دولته واسترجاع عزته، فما البال بمن دونهم من طلبة العلم، ومن دون هؤلاء من العوام؟

فلا عجب إذن أن تشتمل هذه السورة التي اختارها المولى لكي تكرر في كل صلاة على هذا الدعاء، فإنه من أعظم الدعاء وأنفعه، وعليه مدار السعادة الدائمة، والحياة الكاملة في الأولى والآخرة، فإن من هداه الله الصراط المستقيم أعانه على طاعته وترك معصيته، وتولاه ونصره، وشمله بألطافه ورحمته، فحصلت له الحياة الطيبة في الدنيا من سرور النفس، ولذة القلب، ونعيم الروح، وهذه هي جنة الدنيا كما يقول العارفون. ثم كان له في الدار الأخرى جنة أكمل وأتم وأوفى، هي جنة الخلد، حيث النعيم العظيم الذي لا يزول، والرضوان الكريم الذي لا يحول.







الآية السادسة: (صراط الذين أنعمت عليهم)



بعد تعريف الصراط بأنه الصراط المستقيم، زاده تعريفاً بأنه صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ترغيباً بسلوكه، وحثاً على التأسي بسالكيه السابقين.

ويشمل الإنعام: هدايتهم إلى هذا الصراط في الدنيا، فضلاً عما يوصل إليه من الثواب والكرامة في الآخرة.

فسالكي هذا الصراط في نعيم يعلو فوق جميع مشقات الطريق، وما سواه من الطرق ليست إلا طرق شقاء مهما تقلب أصحابها في الشهوات والملذات، لأن النعمة الحقيقية تتمثل في اطمئنان القلب ورضاه، وذلك لا يكون إلا بالقرب من الله، والأنس بمعيته، واليقين برحمته، بخلاف أهل الشهوات، فإنهم لا يعرفون هذا الرضا والاطمئنان قط، ومتى زالت عنهم بعض النعم؛ ظهروا على حقيقتهم من الاضطراب والسخط.

وفي ذكر الذين أنعم الله عليهم ما يُؤنس القلب ويرفع الهمَّة، لأن النفس تستوحش الطريق متى سلكته لوحدها، وتضعف عن المتابعة بدون قدوة تقتدي بها، ولكن إذا سمع العبد بالمنعم عليهم ممن سبق وتقدم؛ فإنه يستأنس بذكرهم، ويُوطِّنُ نفسه على التأسي بهم، والاهتداء بهديهم.

وكذلك متى علم العبد أن هذا الطريق قد سار فيه من سار من المتصفين بالتنعم، اطمئن قلبه، واستأمن على نفسه، لأن سلوكهم لهذا الطريق مع اتصافهم بالتنعم، دليل على أنه طريق آمن، ثابت، يوصل ولا بد إلى المقصود.

ولم يقل " المنعَم عليهم"، بل استعمل ضمير المخاطب بقوله: (أنعمت عليهم) لما في ذلك من إسناد الإنعام إلى الله عز وجل، وهذا يتضمن توحيد صفاته أي إفراده بالهداية والتفضل والإنعام، كما يتضمن وجوب توحيده أي إفراده بالعبادة شكراً على إنعامه وطلباً لما عنده. فكان في قوله (الذين أنعمت عليهم) من الدلالة على وجوب الشكر والتوحيد بذكر المُنعِم المتفضل، ما ليس في قول: "المنعَم عليهم".

وكذلك يتضمن هذا الإسناد التقرير بأن الهداية والطاعة والعبادة فضل محض من الله على العبد، فلولا هذا الإنعام لما كان هناك هداية ولا طاعة ولا عبادة. وفي هذا توجيه إلى طلب التوفيقات من الله وحده، والتبرؤ من الحول والقوة إلا به، وسؤاله المزيد من فضله، فضلاً عن توحيده وشكره.

على أن استعمال ضمير المخاطب في غاية التناسب مع هذا المقام الذي هو مقام توسل ومناجاة بين العبد والرب، فآية (إياك نعبد وإياك نستعين) خطاب وتوسل، وآية (اهدنا الصراط المستقيم) خطاب وطلب، ثم قوله هنا (صراط الذين أنعمت عليهم) خطاب وتوسل إلى الله بإحسانه على السابقين من أهل الإيمان، فكأن الداعي هنا يقول: ربنا كما أنعمت على عبادك من قبل بالهداية وبلوغ الغاية، أنعم علي بذات الفضل، فاجعلني مهتدياً على الدوام، واحشرني في زمرة هؤلاء الذين هم خيرة الرفقاء.









الآية السابعة: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)



لما عيَّن وعرَّف الصراط المستقيم بقوله (صراط الذين أنعمت عليهم) زاده تعريفاً وتحقيقاً ببيان أنه غير صراط المغضوب عليهم ولا الضالين. فقوله: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) يعني: غير صراط أهل الغضب، وغير صراط أهل الضلال.

والحال أن الداعي لو اكتفى بقول: (صراط الذين أنعمت عليهم)، لفُهِم من ذلك أنه يطلب صراطاً غير صراط هؤلاء وهؤلاء. ولكن لما جاء بهذا المقطع الذي هو بمثابة التوكيد لما تقدم، فقد تضمن من الفوائد البديعة ما تضمن. وأولى هذه الفوائد تتعلق بحال الداعي نفسه، فإن في طلبه الهداية إلى صراط المنعم عليهم ثم توكيد ذلك بقوله: غير صراط المغضوب عليهم؛ وغير صراط الضالين، إبرازٌ لنفسية الداعي من شدة حرصه على سلوك صراط المنعم عليهم دون سواه، وشدة حرصه على مجانبة ما يخالفه من طرق أهل الغضب والضلال.

وفي ضمن هذا التوكيد: طلبُ حفظٍ وتطهير، فإن المغضوب عليهم متصفين بالعناد والعلو والاستكبار، ولهذا غضب الله عليهم. والضالين متصفين بالغلو والجهل والسفاهة، ولهذا وُصفوا بالضلال. والداعي هنا يسأل الله أن يهديه صراطاً مخالفاً لصراط هؤلاء وهؤلاء، فهو يطلب ضمنياً أن يُطهِّر الله قلبه من أمراضهم وأسقامهم، وأن يحفظه من التشبه بأحوالهم وصفاتهم.

وفي ضمن هذا التوكيد أيضاً تعريف بطبيعة الصراط المستقيم وما يقتضيه من المفاصلة بين المؤمنين والكافرين، فقوله: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) يعني أنه صراط مخالف بالكلية لطرق أهل الغضب والضلال، وأن من أراد التوفيق بينه وبين تلك الطرق؛ فهو انما يشذُّ وينبتُّ عنه. وانتفاء التوافق بين هذا الصراط وتلك الطرق، يستتبع انتفاء التوافق بين السالكين أنفسهم. فقوله: (الذين أنعمت عليهم) يتضمن موالاة المؤمنين ومحبتهم ومناصرتهم، وقوله (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) يتضمن البراءة من الكافرين وبغضهم ومنابذتهم. فاشتمل الكلام على أصل عظيم من أصول هذا الدين؛ ألا وهو أصل الولاء والبراء.

ولما ذكر المغضوب عليهم والضالين، فقد أخبر بذلك عن أهل الأزمان الغابرة. وذلك أن الغضب المذكور في قوله (المغضوب عليهم) يتضمن معنيين: الأول: سخط الله على العبد، وهذا صفة من صفاته القائمة به. والثاني: إنزال العقوبة بمن سخط عليه، وهذا فعل من أفعاله. فأشار قوله: (المغضوب عليهم) إلى الذين سخط الله عليهم وعاقبهم من الأمم السابقة، كقوم نوح وعاد وثمود وأشباههم.

ثم قوله (الضالين) يعني الضالين عن الهدى، فيدخل فيه: أهل الفترة، وهم الذين عاشوا في فترة انقطاع من الرسل، فلم يُبعث إليهم رسول، ولم تبلغهم رسالة.

وفي قوله (صراط الذين أنعمت عليهم) ثم قوله هنا (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، بيان لأقسام المكلفين وأحوالهم وصفاتهم. فالناس ثلاثة أقسام: منعم عليهم، ومغضوب عليهم، وضالون. المنعم عليهم هم المهتدون إلى الحق علماً وعملاً، وهم بذلك مهتدون إلى مجمل الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة التي يهدي إليها الحق.

وكل من المغضوب عليهم والضالين من أهل الجحيم المتصفين بكل الصفات الذميمة الموجبة لحلول السخط والعقاب عليهم؛ من عناد واستكبار، وجهل وغلو، وإيثار للدنيا على دار المعاد. ولكن لما وصف الفريق الأول (المغضوب عليهم) بتعرضه للسخط والعقوبة، ولم يصف الفريق الثاني (الضالين) بذلك، فقد دلَّ الكلام على أن المغضوب عليهم أبشع جرماً وأشد إثماً من فريق الضلال، وذلك لا يكون إلا في حالة من عرف الحق ثم جحده ولم يعمل به، فإن تارك الحق وجاحده بعد تبينه واستيقانه، أعظم إثماً وأشد عقوبة ممن لم يهتدي إليه أصلاً. فدل وصف الغضب على أن المغضوب عليهم هم الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به، ودل وصف الضلال على أن الضالين هم الذين لم يهتدوا إليه أصلاً، فكان عملهم مبنياً على سَفَه وجهالة. وبهذا ظهرت أقسام المكلفين على أدق وجه، إذ لا يخلو عبد من أن يكون أحد هؤلاء الثلاثة: عالم بالحق عامل به، وهو المنعم عليه. عالم بالحق غير عامل به، وهو المغضوب عليه. جاهل بالحق عاملٌ بلا علم، وهو الضال.

ولا تعارض بين هذا التفسير وقول من قال أن المغضوب عليهم هم اليهود وأن الضالين هم النصارى، بل يعمه ويشمله، فاليهود من جملة المغضوب عليهم لكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء وإفسادهم في الأرض شر فساد، ولأنهم عرفوا الحق ولم يعملوا به، بل حاربوه واستعدوه، فقال تعالى في حقهم: (فباءو بغضب على غضب) [البقرة:90]، والنصارى من جملة الضالين، لأنهم عملوا بغير هدى ولا بصيرة، واجتهدوا في غير مواضع الاجتهاد، واتبعوا رسولهم على وجه من الغلو والإفراط، فقال تعالى فيهم: (ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل) [المائدة: 77].

وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية: "اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضلال"، بيد أن هذا التفسير لا يعني تخصيص الوصف بهؤلاء دون غيرهم، بل هو يشملهم ويشمل سائر الملل المغضوب عليها والضالة لعموم اللفظ، وإنما قوله صلى الله عليه وسلم من قبيل التفسير بالمثال، وهو أن يأتي المفسر إلى لفظ عام فيذكر فرداً من أفراده على سبيل المثال لا التخصيص، فيكتفي بذكر ذلك الفرد تنبيهاً على أهميته أو خطورة شأنه أو غير ذلك مما يقتضيه المقام، دون أن يعني ذلك أن هذا الفرد هو المعنى الوحيد المراد من اللفظ. فلما كان اليهود والنصارى أصحاب طرائق يختلط فيها الحق بالباطل لما عندهم من الكتب والآثار، كانت خطورتهم في التأثير على أهل الرسالة الخاتمة أعظم من غيرهم، ولهذا ذكرهم الرسول في تفسيره دون غيرهم، فإنما أراد التنبيه على حقيقة شأنهم والتحذير من اتباع سننهم، لا حصر الغضبية والضلالة فيهم.

وتأمل كيف أسند الإنعام إليه في قوله: (صراط الذين أنعمت عليهم) بينما جاء باسم المفعول في قوله (المغضوب عليهم) واسم الفاعل في (الضالين)، فلم يسند إليه فعل الغضب ولا الإضلال مع أنهما من أفعاله سبحانه، وفي هذا توجيه إلى علم دقيق، وأدب لطيف، وهو نسبة الخير إلى الله دون نسبة الشر إليه وإن كان من خلقه وتدبيره، فإن الشر أمر نسبي، تتغير حقيقته بارتباطه بغيره، فالشر بالنسبة إلى فعل الله من الخير والحكمة والصلاح، لأن الله يضعه في مكانه بمقتضى عدله وحكمته، قائماً بالإصلاح، وقائماً بالقسط، فيكون خيراً في حقيقته. وهو شر بالنسبة إلى الموضع الذين نزل به، من حيث لحوق الضرر أو الألم به.

فالغضب بإنزال العقوبة والإضلال بصرف القلوب عن الهداية، من جملة الشر الذي يقع للعباد وهو من خلق الله وتدبيره، ومع ذلك فلا يليق بالعبد أن يخاطب ربه قائلاً: "الذين غضبت عليهم وأضللتهم" وإن كان الله فاعل ذلك، كما لا يليق بالعبد أن يخاطبه بقوله "يا خالق الشر" وإن كان الله هو خالق الشر ومدبره، فإن النفوس مجبولة على مقت الشر وبغضه والنفور منه، وليس الجميع سواء في إدراك حقيقة الشر النسبية المتغيرة، وأن الشر بالنسبة إلى فعل الله ليس إلا عدلاً وإصلاحاً وحكمة، فكان في إسناد الإنعام إلى الله دون إسناد الغضب والإضلال، ما هو أسلم لقلب كل عبد، فتأمله.

تم بحمد الله ومنته، تفسير سورة الفاتحة.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
( ولعل أظهر الأدلة التي تعارض هذا القول: الحديث القدسي الذي يرويه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: (مالك يوم الدين)، قال: مجدني عبدي – وقال مرة فوَّض إلي عبدي – فإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل")
هذا الحديث لا يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة ، لإن ربنا تبارك وتعالى أراد أن يقسم الفاتحة إلى نصفين وهي سبع آيات فترك الأولى
لكي يتم التنصيف ثلاث له سبحانه وثلاث لعبده .
وفي الأثر الصحيح عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن قوله تعالى ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) قال : هي
الفاتحة ، فقالوا : الفاتحة ست آيات ، فقال : البسملة منها فهي سبعة .
ومن الأدلة على أن البسملة منها إعتراض الصحابة على معاوية رضي الله عنهم جميعا عندما لم يقرأ بها في صلاته بهم في المدينة وامتثاله لهم
فقرأها في الصلاة التي بعدها ، والله تعالى أعلم .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
( ولعل أظهر الأدلة التي تعارض هذا القول: الحديث القدسي الذي يرويه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: (مالك يوم الدين)، قال: مجدني عبدي – وقال مرة فوَّض إلي عبدي – فإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل")
هذا الحديث لا يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة ، لإن ربنا تبارك وتعالى أراد أن يقسم الفاتحة إلى نصفين وهي سبع آيات فترك الأولى

لكي يتم التنصيف ثلاث له سبحانه وثلاث لعبده .
وفي الأثر الصحيح عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن قوله تعالى ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) قال : هي
الفاتحة ، فقالوا : الفاتحة ست آيات ، فقال : البسملة منها فهي سبعة .
ومن الأدلة على أن البسملة منها إعتراض الصحابة على معاوية رضي الله عنهم جميعا عندما لم يقرأ بها في صلاته بهم في المدينة وامتثاله لهم
فقرأها في الصلاة التي بعدها ، والله تعالى أعلم .


حياكم الله

إخراجها من التنصيف كما تفضلت يدل على مغايرتها لسائر آيات السورة، وهذا يرجح أنها ليست منها لأن الشأن في آيات السور القصيرة أن تتناسق أعظم تناسق، أنظر إلى سورة الكوثر أو الإخلاص أو الناس أو الفلق، هل يمكن ترك الآية الأولى منها ثم يستقيم المعنى؟

أما الأثر الذي أوردته فإن شأنه كشأن أخبار الآحاد: لا يثبت به قرآن.

وأما اعتراض الصحابة على معاوية - رضي الله عنهم - لعدم قراءته بها، فلا يقطع بكونها من الفاتحة لأن هذا الاعتراض قد يكون من جهة مخالفته لسنة الرسول في الجهر بها، لا من جهة كونها آية من السورة.

هذا والله تعالى أعلم
 
طيب ماذا تقول للحديث الصحيح( اذا قرأتم بفاتحة الكتاب فأقرأوا البسملة فهي السبع المثاني والبسملة آية منها)
 
طيب ماذا تقول للحديث الصحيح( اذا قرأتم بفاتحة الكتاب فأقرأوا البسملة فهي السبع المثاني والبسملة آية منها)

من رواه وأخرجه؟

لم أجد حديثا بهذا اللفظ (إذا قراتم بفاتحة الكتاب...)، فلعلك تقصد حديث: (إذا قرأتم الحمد) وقد أجبت عليه:

واستدلوا أيضاً بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قرأتم الحمد، فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها). والصواب أن هذا الحديث موقوف كما ذكر أهل التحقيق: الدارقطني في علله؛ والزيلعي في نصب الراية، بمعنى أنه منسوب إلى قول أبي هريرة رضي الله عنه، لا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن قيل: هو في حكم المرفوع، لأنه قول للصحابي في أمر توقيفي لا اجتهاد فيه، كان الجواب عليه: أن ذلك لا يثبت بخبر الواحد بل بإجماع الأمة. ولم ينعقد الإجماع على أن البسملة آية من الفاتحة، بل أهل العلم في ذلك على خلاف مشهور.
 
يا أخي نحن طلبة علم من الله علينا بأن اوصل لنا من العلم ما لا يصل لمن هم قبلنا فعلينا أن نجتهد ونحكم....فهذه المسألة اختلف بها الأقدمون لكن وصلت إلينا أحاديث لم تصل لهم فلماذا لا نرجع إليها لكي ينتهي الخلاف ؟؟؟
أرى أن الرأي الصحيح الفاصل أن البسملة آية من الفاتحة حتى لو كان حديث أبي هريرة موقوف لانه من العلم الغيبي الذي لا بد للصحابي أن علمه من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحياتي لكم .
 
يا أخي نحن طلبة علم من الله علينا بأن اوصل لنا من العلم ما لا يصل لمن هم قبلنا فعلينا أن نجتهد ونحكم....فهذه المسألة اختلف بها الأقدمون لكن وصلت إلينا أحاديث لم تصل لهم فلماذا لا نرجع إليها لكي ينتهي الخلاف ؟؟؟
أرى أن الرأي الصحيح الفاصل أن البسملة آية من الفاتحة حتى لو كان حديث أبي هريرة موقوف لانه من العلم الغيبي الذي لا بد للصحابي أن علمه من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحياتي لكم .
ليست القضية هنا عدم وصول أدلة فقد وصلت الأولين والآخرين من أهل العلم والتحقيق، وإنما القضية في عدم وجود دليل ينقل المسألة من كونها مسألة اجتهادية إلى مسألة قطعية، ولذلك لا يزال الاختلاف قائما حتى يومنا هذا ولا حرج.

وعلى كل حال فاجتهادنا لا يخرج عن أقوال من سبقنا وقد بينا أقواها وأضعفها، كما بينا أن حديث أبي هريرة وإن كان يأخذ حكم المرفوع فليس بدليل قطعي لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد.
 
كلام لا يدخل في صلب الموضوع على كل حال الراجح في أقوال أهل العلم أن البسملة آية من سورة الفاتحة والله تعالى أعلم
 
إذا كنت تعني أنه القول الراجح في رأيك ورأي طائفة من أهل العلم فلا حرج، وأما إذا كنت تعني أنه القول الراجح (مطلقا) فليس كذلك.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم قولكم حفزني أن أكتب في كوكل : ما هو القول الراجح في أن البسملة آية من الفاتحة أم لا ؟
(

ولقد انتصر شيخ الإسلام رحمه الله للقول بقرآنية البسملة، حيث إنها أثبتت في أول كل سورة وهي ليست من السورة، ثم قال رحمه الله تعالى: «وهذا أعدل الأقوال»[16].

وفي تفصيل ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والصواب أن البسملة آية من كتاب الله، حيث كتبها الصحابة في المصحف، إذ لم يكتبوا فيه إلا القرآن، وجردوه عما ليس منه، كالتخميس والتعشير وأسماء السور؛ ولكن مع ذلك لا يقال هي من السورة التي بعدها، كما أنها ليست من السورة التي قبلها، بل هي كما كتبت آية، أنزلها الله في أول كل سورة، وهذا أعدل الأقوال الثلاثة في هذه المسألة.
وسواء قيل بالقطع في النفي أو الإثبات، فذلك لا يمنع كونها من موارد الاجتهاد التي لا تكفير ولا تفسيق فيها للنافي ولا للمثبت، بل قد يقال ما قاله طائفة من العلماء: إن كل واحد من القولين حق، وأنها آية من القرآن في بعض القراءات، وهي قراءة الذين يفصلون بها بين السورتين، وليست آية في بعض القراءات، وهي قراءة الذين يصلون ولا يفصلون بها بين السورتين»[17].

ولقد جعل بعض أهل العلماء الاختلاف في قرآنية البسملة، كاختلاف أئمة القراءات في بعض الكلمات والحروف، فقد يَثبُتُ بعضُها في قراءة أو رواية، وقد لا يَثبُتُ في غيرها.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/155620/هل-البسملة-آية-من-الفاتحة/#ixzz8jPVelzGC
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم قولكم حفزني أن أكتب في كوكل : ما هو القول الراجح في أن البسملة آية من الفاتحة أم لا ؟

(
ولقد انتصر شيخ الإسلام رحمه الله للقول بقرآنية البسملة، حيث إنها أثبتت في أول كل سورة وهي ليست من السورة، ثم قال رحمه الله تعالى: «وهذا أعدل الأقوال»[16].

وفي تفصيل ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والصواب أن البسملة آية من كتاب الله، حيث كتبها الصحابة في المصحف، إذ لم يكتبوا فيه إلا القرآن، وجردوه عما ليس منه، كالتخميس والتعشير وأسماء السور؛ ولكن مع ذلك لا يقال هي من السورة التي بعدها، كما أنها ليست من السورة التي قبلها، بل هي كما كتبت آية، أنزلها الله في أول كل سورة، وهذا أعدل الأقوال الثلاثة في هذه المسألة.
وسواء قيل بالقطع في النفي أو الإثبات، فذلك لا يمنع كونها من موارد الاجتهاد التي لا تكفير ولا تفسيق فيها للنافي ولا للمثبت، بل قد يقال ما قاله طائفة من العلماء: إن كل واحد من القولين حق، وأنها آية من القرآن في بعض القراءات، وهي قراءة الذين يفصلون بها بين السورتين، وليست آية في بعض القراءات، وهي قراءة الذين يصلون ولا يفصلون بها بين السورتين»[17].

ولقد جعل بعض أهل العلماء الاختلاف في قرآنية البسملة، كاختلاف أئمة القراءات في بعض الكلمات والحروف، فقد يَثبُتُ بعضُها في قراءة أو رواية، وقد لا يَثبُتُ في غيرها.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/155620/هل-البسملة-آية-من-الفاتحة/#ixzz8jPVelzGC

ابن تيمية رحمه الله يتحدث عن قرآنية البسملة، لا عن كونها آية من الفاتحة، فتبين الفرق.

على أن شيخ الإسلام ليس من القائلين بأن البسملة آية من الفاتحة بل هو من القائلين بأنها آية أنزلها الله في أول كل سورة، وليست من السورة. بمعنى أنها آية قرآنية منفصلة عن جميع السور، وهذا الذي رجحناه.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: "فمجموع هذه الأدلة يدل لهذا القول وهو أن البسملة آية في أول كل سورة وليست من السورة، وهو أوسط الأقوال وأعدلها".
 
عودة
أعلى