محمد مسعود بن مبخوت
New member
- إنضم
- 28/12/2010
- المشاركات
- 77
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
- الإقامة
- الجزائر
- الموقع الالكتروني
- www.waqfeya.com
قال الله - جل وعز-: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48].
عن أبي بن كعب قال : « عليكم بالسبيل والسنة ، فإنه ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله ففاضت عيناه من خشية ربه فيعذبه الله أبدا ، وما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك إذا أصابتها ريح شديدة فتحات عنها ورقها إلا حط الله عنه خطاياه ، كما تحات عن تلك الشجرة ورقها ، وإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة ، فانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهادا أو اقتصادا أن يكون على منهاج الأنبياء وسنتهم ».
( أثر حسن في حكم المرفوع: رواه عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد والرقائق بزوائد نعيم بن حماد (ص454، رقم87- ط2، دار الكتب العلمية، 1425)، وابن أبي شيبة في المصنف (12 / 91-92 - ط1، مكتبة الرشد، 1425)، وأحمد في الزهد ( ق 102 – مخطوط)، وأبو داود في كتاب الزهد (ص183 - ط1، دار المشكاة)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 252-253 – ط1، دار الكتب العلمية، 1409)).
وكذلك ورد عن ابن عباس قوله: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]. يقول: « سبيلا وسنة ».
(أثر صحيح: رواه الطبري (10 / 388)، والبخاري معلقا ووصله عبد الرزاق في تفسيره، انظر تغليق التعليق (2/ 25)).
قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (1 / 18-19، ط دار الغرباء الأثرية): « قال البخاري: وقال ابن عباس: ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [ المائدة : 48]: سبيلا وسنة .
وهذا من رواية أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: شرعة ومنهاجا؛ قال: سبيلا وسنة.
ومعنى قول ابن عباس: أن المنهاج هو السنة، وهو الطريق الواسعة المسلوكة المداوم عليها، والشرعة: هي السبيل والطريق الموصل إليها؛ فهي كالمدخل إليها كمشرعة الماء، وهي المكان الذي يورد الماء منه، ويقال: شرع فلان في كذا إذا ابتدأ فيه، وأنهج البلاء في الثوب إذا اتسع فيه. وبذلك فرق طائفة من المفسرين وأهل اللغة بين الشريعة والمنهاج، منهم الزجاج وغيره».
وقال الحافظ ابن حجر فتح الباري (1 /94- 99، طيبة): « وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾: سَبِيلًا وَسُنَّةً ... قوله: "وقال ابن عباس"، وصل هذا التعليق عبد الرزاق في تفسيره بسند صحيح. والمنهاج: السبيل: أي: الطريق الواضح. والشرعة والشريعة بمعنى، وقد شرع أي: سن، فعلى هذا فيه لف ونشر غير مرتب ».
وعن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾، قال: «"الشرعة": السنة، "ومنهاجًا"، قال: السبيل ». ( أثر حسن رواه الطبري (10 / 388)).
وعن قتادة قوله: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ يقول: « سبيلا وسُنّة. والسنن مختلفة: للتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، يحلُّ الله فيها ما يشاء، ويحرِّم ما يشاء بلاءً، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره: التوحيدُ والإخلاصُ لله، الذي جاءت به الرسل ».
( أثر حسن رواه الطبري (10 / 385)).
وعن قتادة أيضا قوله:﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾، قال: « الدينُ واحد، والشريعةُ مختلفة ».
( أثر صحيح رواه الطبري (10 / 385)).
قال أبو منصور الأزهري في كتابه تهذيب اللغة (1 / 424-425) في مادة شرع:
« قال الله جلّ وعزّ : ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]، وقال في موضع آخر : ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمر فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أهواء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الجَاثيَة: 18 ]، وقال : ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً ﴾[الشّورى: 13]؛ قال أبو إسحاق في قوله : ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ﴾[المَائدة: 48 ] قال بعضهم : الشِّرعة في الدين، والمنهاجُ: الطَّريق ، وقيل: الشِّرعة والمنهاج جميعاً: الطَّريق. والطَّريق هاهنا: الدِّين، ولكنَّ اللفظَ إذا اختَلف أُتي به بألفاظٍ تؤكد بها القصَّة والأمر، كما قال عنترة:
أقوَى وأقفَرَ بعد أمِّ الهيثَمِ
فمعنى أقوى وأقفَرَ واحد يدلُّ على الخَلْوة، إلاّ أنّ اللَّفظين أوكدُ في الخَلْوة. قال: وقال محمد بن يزيد: شِرعةً معناها ابتداء الطريق. والمنهاج: الطريق المستمرّ.
وقال الفرّاء في قوله : ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمر ﴾[ الجَاثيَة: 18]، قال: على دينٍ ومِلّة ومنهاج، وكلُّ ذلك يقال. وقال القتيبيّ: ﴿ على شريعة ﴾: على مِثال ومذْهب، ومنه يقال شَرَع فلان في كذا وكذا، أي أخذَ فيه. ومنه مَشارع الماء، وهي الفُرَض التي تَشرع فيها الواردة.
وقوله جلّ وعزّ: ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾[الشّورى : 13]؛ قال ابن الأعرابيّ - فيما روى عنه أبو العباس-: شَرَع أي أظهَرَ، وقال في قوله : ﴿ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله ﴾[الشّورى : 21 ] قال : أظهروا لهم. قال: والشارع: الرَّبَّانيّ، وهو العالم العامل المعلِّم. قال: وشرعَ فلانٌ إذا أظهرَ الحقَّ وقَمَعَ الباطل.
وقال ابن السكيت: الشَّرْع: مصدر شَرَعتُ الإهابَ، إذا شققتَ ما بين الرِّجلين وسلختَه .
قال: وهم في الأمر شَرَعٌ، أي سواء .
قلت: فمعنى شَرَعَ بيَّنَ وأوضَحَ، مأخوذ من شُرِع الإهابُ، إذا شُقَّ ولم يُزقَّقْ ولم يُرجَّلْ. وهذه ضروبٌ من السَّلخ معروفة، أوسعُها وأبيَنها الشرع.
وقيل في قوله : ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً ﴾[ الشّورى : 13]: إنّ نُوحاً أوّلُ من أتى بِتحريم البنات والأخوات والأمَّهات. وقوله جلّ وعزّ: ﴿ والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى ﴾[ الشّورى : 13] أي وشرع لكم ما أوحينا إليك وما وصَّينا به الأنبياء قبلك. والشِّرعة والشريعة في كلام العرب: المَشْرعة التي يشرعُها الناس فيشربون منها ويستَقُون، وربَّما شرَّعوها دوابَّهم حتى تشرعَها وتَشربَ منها. والعربُ لا تُسمِّيها شريعةً حتّى يكون الماء عِدّاً لا انقطاعَ له، ويكونَ ظاهراً مَعِيناً لا يُستَقى منه بالرِّشاء. وإذا كان من ماء السماء والأمطار فهو الكَرَع ، وقد أكرعوه إبلَهم فكرعتْ فيه، وقد سقَوها بالكَرَع ».
وقال ابن كثير في تفسيره (5 / 247-249، ط قرطبة):
« وقوله تعالى:﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن التميمي، عن ابن عباس: :﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً ﴾؛ قال: سبيلا.
وحدثنا أبو سعيد، حدثنا وَكِيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: ﴿ وَمِنْهَاجًا ﴾؛ قال: وسنة.
وكذا روى العَوْفِيّ، عن ابن عباس: ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾: سبيلا وسنة.
وكذا رُوي عن مجاهد، وعكرمة، والحسن البصري، وقتادة، والضحاك، والسُّدِّي، وأبي إسحاق السبيعي؛ أنهم قالوا في قوله: ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ أي: سبيلا وسنة.
وعن ابن عباس ومجاهد أيضًا وعطاء الخراساني عكسه: ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ أي: سنة وسبيلا. والأول أنسب، فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا، هي ما يبتدأ فيه إلى الشيء ومنه يقال: "شرع في كذا" أي: ابتدأ فيه. وكذا الشريعة، وهي ما يشرع منها إلى الماء. أما "المنهاج": فهو الطريق الواضح السهل، والسنن: الطرائق، فتفسير قوله: ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس، والله أعلم.
ثم هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان، باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام، المتفقة في التوحيد، كما ثبت في صحيح البخاري، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات، ديننا واحد »، يعني بذلك التوحيد، الذي بعث الله به كل رسول أرسله، وضمنه كل كتاب أنزله، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25] وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ الآية [النحل: 36]، وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي، فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حراما ثم يحل في الشريعة الأخرى، وبالعكس، وخفيفًا فيزاد في الشدة في هذه دون هذه. وذلك لما له تعالى في ذلك من الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.
قال سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة: قوله: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ يقول: سبيلا وسنة، والسنن مختلفة: هي في التوراة شريعة، وفي الإنجيل شريعة، وفي الفرقان شريعة، يحل الله فيها ما يشاء، ويحرم ما يشاء، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، والدين الذي لا يقبل الله غيره: التوحيد والإخلاص لله، الذي جاءت به الرسل ».
عن أبي بن كعب قال : « عليكم بالسبيل والسنة ، فإنه ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله ففاضت عيناه من خشية ربه فيعذبه الله أبدا ، وما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك إذا أصابتها ريح شديدة فتحات عنها ورقها إلا حط الله عنه خطاياه ، كما تحات عن تلك الشجرة ورقها ، وإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة ، فانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهادا أو اقتصادا أن يكون على منهاج الأنبياء وسنتهم ».
( أثر حسن في حكم المرفوع: رواه عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد والرقائق بزوائد نعيم بن حماد (ص454، رقم87- ط2، دار الكتب العلمية، 1425)، وابن أبي شيبة في المصنف (12 / 91-92 - ط1، مكتبة الرشد، 1425)، وأحمد في الزهد ( ق 102 – مخطوط)، وأبو داود في كتاب الزهد (ص183 - ط1، دار المشكاة)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 252-253 – ط1، دار الكتب العلمية، 1409)).
وكذلك ورد عن ابن عباس قوله: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]. يقول: « سبيلا وسنة ».
(أثر صحيح: رواه الطبري (10 / 388)، والبخاري معلقا ووصله عبد الرزاق في تفسيره، انظر تغليق التعليق (2/ 25)).
قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (1 / 18-19، ط دار الغرباء الأثرية): « قال البخاري: وقال ابن عباس: ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [ المائدة : 48]: سبيلا وسنة .
وهذا من رواية أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: شرعة ومنهاجا؛ قال: سبيلا وسنة.
ومعنى قول ابن عباس: أن المنهاج هو السنة، وهو الطريق الواسعة المسلوكة المداوم عليها، والشرعة: هي السبيل والطريق الموصل إليها؛ فهي كالمدخل إليها كمشرعة الماء، وهي المكان الذي يورد الماء منه، ويقال: شرع فلان في كذا إذا ابتدأ فيه، وأنهج البلاء في الثوب إذا اتسع فيه. وبذلك فرق طائفة من المفسرين وأهل اللغة بين الشريعة والمنهاج، منهم الزجاج وغيره».
وقال الحافظ ابن حجر فتح الباري (1 /94- 99، طيبة): « وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾: سَبِيلًا وَسُنَّةً ... قوله: "وقال ابن عباس"، وصل هذا التعليق عبد الرزاق في تفسيره بسند صحيح. والمنهاج: السبيل: أي: الطريق الواضح. والشرعة والشريعة بمعنى، وقد شرع أي: سن، فعلى هذا فيه لف ونشر غير مرتب ».
وعن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾، قال: «"الشرعة": السنة، "ومنهاجًا"، قال: السبيل ». ( أثر حسن رواه الطبري (10 / 388)).
وعن قتادة قوله: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ يقول: « سبيلا وسُنّة. والسنن مختلفة: للتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، يحلُّ الله فيها ما يشاء، ويحرِّم ما يشاء بلاءً، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره: التوحيدُ والإخلاصُ لله، الذي جاءت به الرسل ».
( أثر حسن رواه الطبري (10 / 385)).
وعن قتادة أيضا قوله:﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾، قال: « الدينُ واحد، والشريعةُ مختلفة ».
( أثر صحيح رواه الطبري (10 / 385)).
قال أبو منصور الأزهري في كتابه تهذيب اللغة (1 / 424-425) في مادة شرع:
« قال الله جلّ وعزّ : ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]، وقال في موضع آخر : ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمر فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أهواء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الجَاثيَة: 18 ]، وقال : ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً ﴾[الشّورى: 13]؛ قال أبو إسحاق في قوله : ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ﴾[المَائدة: 48 ] قال بعضهم : الشِّرعة في الدين، والمنهاجُ: الطَّريق ، وقيل: الشِّرعة والمنهاج جميعاً: الطَّريق. والطَّريق هاهنا: الدِّين، ولكنَّ اللفظَ إذا اختَلف أُتي به بألفاظٍ تؤكد بها القصَّة والأمر، كما قال عنترة:
أقوَى وأقفَرَ بعد أمِّ الهيثَمِ
فمعنى أقوى وأقفَرَ واحد يدلُّ على الخَلْوة، إلاّ أنّ اللَّفظين أوكدُ في الخَلْوة. قال: وقال محمد بن يزيد: شِرعةً معناها ابتداء الطريق. والمنهاج: الطريق المستمرّ.
وقال الفرّاء في قوله : ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمر ﴾[ الجَاثيَة: 18]، قال: على دينٍ ومِلّة ومنهاج، وكلُّ ذلك يقال. وقال القتيبيّ: ﴿ على شريعة ﴾: على مِثال ومذْهب، ومنه يقال شَرَع فلان في كذا وكذا، أي أخذَ فيه. ومنه مَشارع الماء، وهي الفُرَض التي تَشرع فيها الواردة.
وقوله جلّ وعزّ: ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾[الشّورى : 13]؛ قال ابن الأعرابيّ - فيما روى عنه أبو العباس-: شَرَع أي أظهَرَ، وقال في قوله : ﴿ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله ﴾[الشّورى : 21 ] قال : أظهروا لهم. قال: والشارع: الرَّبَّانيّ، وهو العالم العامل المعلِّم. قال: وشرعَ فلانٌ إذا أظهرَ الحقَّ وقَمَعَ الباطل.
وقال ابن السكيت: الشَّرْع: مصدر شَرَعتُ الإهابَ، إذا شققتَ ما بين الرِّجلين وسلختَه .
قال: وهم في الأمر شَرَعٌ، أي سواء .
قلت: فمعنى شَرَعَ بيَّنَ وأوضَحَ، مأخوذ من شُرِع الإهابُ، إذا شُقَّ ولم يُزقَّقْ ولم يُرجَّلْ. وهذه ضروبٌ من السَّلخ معروفة، أوسعُها وأبيَنها الشرع.
وقيل في قوله : ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً ﴾[ الشّورى : 13]: إنّ نُوحاً أوّلُ من أتى بِتحريم البنات والأخوات والأمَّهات. وقوله جلّ وعزّ: ﴿ والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى ﴾[ الشّورى : 13] أي وشرع لكم ما أوحينا إليك وما وصَّينا به الأنبياء قبلك. والشِّرعة والشريعة في كلام العرب: المَشْرعة التي يشرعُها الناس فيشربون منها ويستَقُون، وربَّما شرَّعوها دوابَّهم حتى تشرعَها وتَشربَ منها. والعربُ لا تُسمِّيها شريعةً حتّى يكون الماء عِدّاً لا انقطاعَ له، ويكونَ ظاهراً مَعِيناً لا يُستَقى منه بالرِّشاء. وإذا كان من ماء السماء والأمطار فهو الكَرَع ، وقد أكرعوه إبلَهم فكرعتْ فيه، وقد سقَوها بالكَرَع ».
وقال ابن كثير في تفسيره (5 / 247-249، ط قرطبة):
« وقوله تعالى:﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن التميمي، عن ابن عباس: :﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً ﴾؛ قال: سبيلا.
وحدثنا أبو سعيد، حدثنا وَكِيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: ﴿ وَمِنْهَاجًا ﴾؛ قال: وسنة.
وكذا روى العَوْفِيّ، عن ابن عباس: ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾: سبيلا وسنة.
وكذا رُوي عن مجاهد، وعكرمة، والحسن البصري، وقتادة، والضحاك، والسُّدِّي، وأبي إسحاق السبيعي؛ أنهم قالوا في قوله: ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ أي: سبيلا وسنة.
وعن ابن عباس ومجاهد أيضًا وعطاء الخراساني عكسه: ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ أي: سنة وسبيلا. والأول أنسب، فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا، هي ما يبتدأ فيه إلى الشيء ومنه يقال: "شرع في كذا" أي: ابتدأ فيه. وكذا الشريعة، وهي ما يشرع منها إلى الماء. أما "المنهاج": فهو الطريق الواضح السهل، والسنن: الطرائق، فتفسير قوله: ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس، والله أعلم.
ثم هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان، باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام، المتفقة في التوحيد، كما ثبت في صحيح البخاري، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات، ديننا واحد »، يعني بذلك التوحيد، الذي بعث الله به كل رسول أرسله، وضمنه كل كتاب أنزله، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25] وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ الآية [النحل: 36]، وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي، فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حراما ثم يحل في الشريعة الأخرى، وبالعكس، وخفيفًا فيزاد في الشدة في هذه دون هذه. وذلك لما له تعالى في ذلك من الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.
قال سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة: قوله: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ يقول: سبيلا وسنة، والسنن مختلفة: هي في التوراة شريعة، وفي الإنجيل شريعة، وفي الفرقان شريعة، يحل الله فيها ما يشاء، ويحرم ما يشاء، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، والدين الذي لا يقبل الله غيره: التوحيد والإخلاص لله، الذي جاءت به الرسل ».