تفسير قول الله تعالى:{وَمَن لَم يَحكم بِما أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِك هُمُ الكافرون}

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
بسم الله الرحمن الرحيم

لقد يسر لي لي كتابة بحث مختصر في تفسير قول الله تعالى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } ، فأحببت أن أنشره في هذا الملتقى لعلي أجد نصحاً من إخواني ، أو توجيهاً ، أو تأييداً .

والبحث مرفق في ملف وورد ، وهذه نتيجة الدراسة :

( بعد العرض السابق لأقوال المفسرين ، واختياراتهم في تأويل الكفر في قول الله تعالى : ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ يظهر أنه ليس هناك قول سالم من إشكال يرد عليه ، والأقرب إلى الصواب – فيما ظهر لي – هو أن الكفر هنا هو الكفر الأكبر المخرج من الملة ، وأن المعنيّين بالآية هم اليهود أصالة ، ومن فعل فعلهم فلم يحكم بما أنزل الله رداً لحكم الله ، أو استخفافاً به ، أو تفضيلاً لغيره عليه ، أو اعتقاداً لعدم وجوبه .
أو يقال : إن الآية على عمومها وظاهرها ، تقرر أن كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر وتبقى بعض الحالات المعينة لا يحُكم فيها بالكفر على من لم يحكم بما أنزل الله في وقائع معينة لقيام مانع من موانع الحكم بتكفيره ، أو لعدم توفر الشروط اللازمة حتى يحكم بكفره ؛ وذلك بناءً على القاعدة المعروفة : أن من فعل فعلاً يوجب الكفر فلا يحكم بكفره حتى تتوفر الشروط ، وتنتفي الموانع . والله أعلم )
 
شيخنا -حفظك الله.
أود لو وضحت لي مذهب من ينزل حكم الآية على أهل الكتاب.لأنني أستشكل أمرين:
- في الآيات دعوة الى الحكم بالتوراة والانجيل. لكن أي توراة وأي انجيل؟ فإن كان المراد الحقيقين المنزلين على النبيين فلا سبيل الى ذلك اعتبارا للتبديل والتحريف الذى أكده القرآن نفسه.ونصت عليه السنة الشريفة عندما أمرت بعدم تصديق أو تكذيب أهل الكتاب .فإن قيل المقصود بالخطاب هم من كانوا زمن أصالة الوحيين نزلت درجة الخطاب الى الخصوص الشديد.
وإن كان المراد هو التوراة والانجيل الموجودين بين أيدى الناس.فلا يصدق على الحاكم بهما أنه حكم بما أنزل الله .فيكون التكليف بمحال.
-أما الامر الثاني فهو ما نقلته عن القرطبي فقلت- حفظك الله-
وبدأ القرطبي كلامه بقوله : ( قوله تعالى: ? وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ? و ? الظَّالِمُونَ ? و ? الْفَاسِقُونَ ? نزلت كلها في الكفار؛ ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء ().. وعلى هذا المُعظَم . فأما المسلم فلا يكفر وإن ?رتكب كبيرة . )() ، ثم صرح بعد إيراده لبعض الأقوال الأخرى بأن هذا القول هو الصحيح .
فهل يفهم من كلام القرطبي أن فهم الآية على وجهين:
-حكموا بغير ما أنزل الله فكفروا.
-كفروا فحكموا بغير ما أنزل الله.
ويكون القرطبي قد رجح الاحتمال الثاني ذاهبا الى أن الحكم بغير ما أنزل الله ليس سببا للكفر بل نتيجة له.
وير د عليه أن تخصيص الكفر باهل الكتاب لا ينفع من يريد إنقاذ المسلمين من "الكفر"لو حكموا بغير ما أنزل الله.بسبب قياس الأولى.
فاليهود مثلا كتابهم :
1-محرف.
2-منسوخ.
فإن كفروا عند عدم تحكيمه فالمسلمون أولى بالكفر لأن حكم الله عندهم ناسخ وأصيل.

الحقيقة ما زلت أتخبط فى توجيه الآيات.فلعل الجواب عندك أو عند الاخوة.
 
أخي أبا عبد المعز ؛ أعزك الله بطاعته :
بخصوص الأمر الأول ؛ لعل في هذا النقل ما قد يزيل الإشكال عنك ، أو بعضه : قال ابن القيم في إغاثة اللهفان : ( فصل في اختلاف أقوال الناس بالتوراة
وقد اختلفت أقوال الناس في التوراة التي بأيديهم : هل هي مبدله، أم التبديل والتحريف وقع في التأويل دون التنزيل ؟ .
على ثلاثه أقوالا : طرفين ، ووسط .
فأفرطت طائفة وزعمت أنها كلها أو أكثرها مبدلة مغيرة . ليست التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام، وتعرض هؤلاء لتناقضها وتكذيب بعضها لبعض .
وغلا بعضهم ، فجوز الاستجمار بها من البول .
وقابلهم طالفة أخرى من أئمة الحديث والفقه والكلام . فقالوا : بل التبديل وقع في التأويل ، لا في التنزيل .
وهذا مذهب أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري .
قال في صحيحه : يحرفون : يزيلون . وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله تعالى ولكنهم يحرفونه : يتأولونه على غير تأويله .
وهذا اختيار الرازي في تفسيره .
وسمعت شيخنا يقول : وقع نزاع في هذه المسأله بين بعض الفضلاء . فاختار هذا المذهب ووهن غيره ؟ فأنكر عليه ، فأحضر لهم خمسة عشر نقلا به .
ومن حجة هؤلاء : أن التوراة قد طبقت مشارق الأرض ومغاربها ، وانتشرت جنوبا وشمالا . ولا يعلم عدد نسخها إلا الله تعالى . ومن الممتنع أن يقع التواطؤ على التبديل والتغيير في جميع تلك النسخ ، بحيث لا يبقى في الأرض نسخة إلا مبدلة مغيرة . والتغيير على منهاج واحد . وهذا مما يحيله العقل ، ويشهد ببطلانه .
قالوا : وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم محتجا على اليهود بها : " قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " .
قالوا : وقد اتفقوا على ترك فريضه الرجم ، ولم يمكنهم تغييرها من التوراة ، ولهذا لما قرءوها على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وضع القارىء يده على آية الرجم . فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك عن آيه الرجم فرفعها . فإذا هي تلوح تحتها . فلو كانوا قد بدلوا ألفاظ التوراة لكان هذا من أهم ما يبدلونه .
قالوا : وكذلك صفات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومخرجه هو في التوراة بين جدا . ولم يمكنهم إزالته وتغييره . وإنما ذمهم الله تعالى بكتمانهم . وكانوا إذا احتج عليهم بما في التوراة من نعته وصفته يقولون : ليس هو . ونحن ننتظره .
قالوا : وقد روى أبو داود في سننه عن ابن عمر قال : أتى نفر من اليهود ، فدعوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى القف . فأتاهم في بيت المدراس ، فقالوا : يا أبا القاسم إن رجلا منا زنا بامرأة ، فاحكم ، فوضعوا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسادة ، فجلس عليها . ثم قال : ائتونى بالتوراة . فأتي بها . فنزع الوسادة من تحته ، ووضع التوراة عليها . ثم قال : آمنت بك وبمن أنزلك . ثم قال : ائتوني بأعلمكم . فأتى بفتى شاب ثم ذكر قصة الرجم .
قالوا : فلو كانت مبدلة مغيرة لم يضعها على الوسادة ، ولم يقل : آمنت بك وبمن أنزلك .
قالوا : وقد قال تعالى :" وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم " والتوراة من كلماته .
قالوا : والآثار التي في كتمان اليهود صفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في التوراة ومنعهم أولادهم وعوامهم الاطلاع عليها مشهورة ، ومن اطلع عليها منهم ، قالوا له : ليس به . فهذا بعض ما احتجت به هذه الفرقة .
وتوسطت طائفة ثالثة . وقالوا : قد زيد فيها ، وغير ألفاظ يسيرة ، ولكن أكثرها باق على ما أنزل عليه . والتبديل في يسير منها جدا .
وممن اختار هذا القول شيخنا في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح .
قال : وهذا كما في التوراة عندهم : أن الله سبحانه وتعالى قال لإبراهيم عليه السلام : اذبح ولدك بكرك ، ووحيدك إسحاق فـ إسحاقا زيادة منهم في لفظ التوراة .
قلت : وهي باطلة قطعا من عشرة أوجه .) ثم ذكر هذه الوجوه ، ثم قال :

( والمقصود : أن هذه اللفظه مما زادوها في التوراة .
ونحن نذكر السبب الموجب لتغيير ما غير منها ، والحق أحق ما اتبع ، فلا نغلو غلو المستهينين بها ، المتمسخرين بها ، بل معاذ الله من ذلك .
ولا نقول : إنها باقية كما أنزلت من كل وجه ، كالقرآن .
فنقول ، وبالله التوفيق :
علماء اليهود وأحباركم يعتقدون أن هذه التوراة - التي بأيديهم - ليست هي التي أنزلها الله تعالى على موسى بن عمران بعينها . لأنا موسى عليه السلام صان التوراة عن بني إسرائيل ، خوفا من اختلافهم من بعده في تأويلها ، المؤدي إلى تفرقهم أحزابا . وإنما سلمها إلى عشيترته أولاد لاوى .
ودليل ذلك قوله في التوراة : وكتب موسى هذه التوراة ودفعها إلى بني إسرائيل إلى الأئمة من بني لاوى
وكان بنو هارون قضاة اليهود وحكامهم ، لأن الإمامة وخدمة القرابين وبيت المقدس كانت موقوفة عليم ، ولم يبذل موسى عليه السلام من التوراة لبني إسرائيل إلا نصف سورة ، وهي التي قال فيها : وكتب موسى هذه السورة وعلمها بني إسرائيل .
هذا نص التوراة عندهم قال : وتكون لي هذه السورة شاهدة على بني إسرائيل .
وفيها : قال الله تعالى : إن هذه السورة لا تنس من أفواه أولادهم .
يعني أن هذه السورة مشتملة على ذم طبائعهم ، وأنهم سيخالفون شرائع التوراة ، وأن السخط يأتيهم بعد ذلك ، وتخرب ديارهم ، ويسبون في البلاد . فهذه السورة تكون متداولة في أفواههم ، كالشاهد عليهم ، الموقف لهم على صحة ما قيل لهم .
فلما نصت التوراة أن هذه السورة لا تنسى من أفواه أولادهم ، دل ذلك على أن غيرها من السور ليس كذلك ، وأنه يجوز أن ينسى من أفواههم .
وهذا يدل على أن موسى عليه السلام لم يعط بني إسرائيل من التوراة إلا هذه السورة . فأما بقيتها فدفعها إلى أولاد هارون ، وجعلها فيهم ، وصانها عمن سواهم .
وهؤلاء الأئمة الهارونيون - الذين كانوا يعرفون التوراة ، ويحفظون أكثرها - قتلهم بختنصر على دم واحد ، يوم فتح بيت المقدس . ولم يكن حفظ التوراة فرضا عليهم ، ولا سنة . بل كان كل واحد من الهارونيين يحفظ فصلا من التوراة .
فلما رأى عزرا أن القوم قد أحرق هيكلهم ، وزالت دولتهم ، وتفرق جمعهم ، ورفع كتابهم جمع من محفوظاته ، ومن الفصول التي يحفظها الكهنة ما اجتمعت منه هذه التوراة التي بأيديهم ولذلك بالغوا في تعظيم عزرا هذا غاية المبالغة .
فزعموا أن النور الآن يظهر على قبره ، وهو عند بطائح العراق . لأنه جمع لهم ما يحفظ دينهم .
وغلا بعضهم فيه حتى قال : هو ابن الله . ولذلك نسب الله تعالى ذلك إلا اليهود ، إلى جنسهم ، لا إلى كل واحد منهم .
فهذه التوراة التي بأيديهم في الحقيقة كتاب عزرا . وفيها كثير من التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه الصلاة والسلام . ثم تداولتها أمة قد مزقها الله تعالى كل ممزق ، وشتت شملها فلحقها ثلاثة أمور .
أحدها : بعض الزيادة والنقصان .
الثاني : اختلاف الترجمة .
الثالث : اختلاف التأويل والتفسير .
ونحن نذكر من ذلك أمثلة تبين حقيقة الحال....)


أما المسألة الثانية ؛ فلا أعتقد أن مقصد القرطبي أنهم كفروا فحكموا بغير ما أنزل الله ؛ لأن هذا لا يتفق مع أسلوب الشرط والجزاء الذي جاءت به الآية ، فالحكم بالكفر جواب للشرط ، الذي هو الحكم بغير ما أنزل الله .

ولي رجاء أخي أبا عبد المعز ، وهو أن تقرأ ما كتبتُه كاملاً قراءة متأنية ؛ لأني قد بذلت جهدي في تحرير هذه المسألة ، وخلصت إلى النتيجة السابقة بعد عناء . ومع ذلك فإن كل قول لا يخلو من بعض الإشكالات التي قد ترد عليه - وقد ذكرت ذلك في نتيجة الدراسة - .
 
أولا: بارك الله فيكم, وفي تحليلاتكم وفي مجهودكم. لقد ظهر من خلال عملكم في هذا البحث مدى المنهجية التي تتمتعون بها, ومدى قوة البحث العلمي الأكاديمي الرصين الذي يدل على غزارة علم وسعة اطلاع. بارك الله فيك, وجعلك زخرا للإسلام.

ثانيا: الإشكالات والتردد في قضية التكفير عند كثير من الناس والباحثين يقطعه ما سوف أقوله الآن بإذن الله:

(((( هناك فرق كبير جدا وواضح وضوح الشمس في كبد السماء بين دلالة السبب والسياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم, وبين مجرد ورود العام على سبب, فإنه لا يقتضي التخصيص. ))))

تأمل أخي هذه العبارة جيدا, فهي مهمة جدا وخطيرة, تفصل النزاع في الكثير والكثير من القضايا. مثلا قضية الصوم في السفر, وحديث (ليس من البر الصيام في السفر) ليس على عمومه وإطلاقه هكذا, بل اقرأ –لزاما, وقبل أن تكمل تعليقي هذا- سبب ورود الحديث, ثم طبق عليه ما ذكرته أنا في أول كلامي. ثم طبق ذلك على ما نحن فيه من قضية التكفير....

إليك هذا ليكتمل المراد: سبب نزول الآية فقد جاء عند مسلم (كتاب الحدود) ما يبين حال من نزلت فيهم الذين قالوا " ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا فأنزل الله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ", إليك الحديث:
عن البراء بن عازب قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمماً مجلوداً فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قالوا نعم.. الحديث.

فتأمل قولهم((نعم)), فقد جعلوه ديناً كباقي الشرائع المنصوص عليها في كتابهم ، وبهذا النص وغيره تفهم معنى التبديل الذي أراده العلماء ويظهر لك ضابط الحكم بالخروج من الملة لمن حكم بغير ما أنزل الله. فإن حكم إنسان بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر ، وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين.
قال الإمام الحافظ إسماعيل بن اسحاق القاضي المتوفى سنة (282هـ) في آيات الحكم بغير ما أنزل الله " فمن فعل مثل ما فعلوا ( أي اليهود ) واقترح حكماً يخالف به حكم الله وجعله ديناً يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور حاكماً كان أو غيره ".

إليك -ثانية- نص الحديث من صحيح مسلم كاملا فاصلا قاطعا: جعلت تعليقاتي على متن الحديث بين أقواس هكذا (( )) :

(‏1700‏)‏ قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ كلاهما عن أبي معاوية‏.‏ قال يحيى‏:‏ أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عبدالله بن مرة، عن البراء بن عازب‏.‏ قال‏:‏
مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما (( أي مسود الوجه، من الحممة، الفحمة‏)‏‏) مجلودا‏.‏ فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقا ‏"‏هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ نعم(( تنبه أخي القارئ إلى هذه الكلمة جيدا))‏.‏ فدعا رجلا من علمائهم‏.‏ فقال ‏"‏أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم‏؟‏‏" قال‏:‏ لا‏.‏ ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك‏.‏ نجده الرجم‏.‏ ولكنه كثر في أشرافنا‏.‏ فكنا، إذا أخذنا الشريف تركناه‏.‏ وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد‏.‏ قلنا‏:‏ تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع‏.‏ فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم(( أي أنهم بدلوا التوراة وحرفوها وغيروا الأحكام الموجودة فيها بتبديلها, فحذفوا حكم الله من التوراة, ووضعوا مكانه ما شرعوا هم بأهوائهم..,فتأمل))‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏" ‏اللهم‏!‏ إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه‏"‏‏.‏ فأمر به فرجم‏.‏ فأنزل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر‏.‏ إلى قوله‏:‏ إن أوتيتم هذا فخذوه‏}‏ ‏[‏5 /المائدة /41‏]‏ يقول(( أي العالم اليهودي الذي سبق ذكره في أول الحديث))‏:‏ ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم‏.‏ فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه‏.‏ وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا‏(( كلمة "فاحذروا" واضحة كل الوضوح لكل ذي عينين في أنهم يسخطون على حكم الله ويأنفون منه, بل يفضلون حكم أهوائهم على حكم الله, وهذا هو الكفر بعينه كما يقول أهل السنة والجماعة )).‏ فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون‏‏ ‏[‏المائدة /44‏]‏‏.‏ ‏‏ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون‏‏ ‏[‏المائدة /45‏]‏‏.‏ ‏ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون‏ ‏[‏المائدة /47‏]‏‏.‏ في الكفار كلها‏.‏
رواه مسلم وأبو داود وأحمد والبيهقي وغيرهم. وهو حديث صحيح جدا صححه مسلم والوادعي(الصحيح المسند ص95), وهو كما قالا.


فتأمل –أخي القارئ- جيدا في الحديث, وما علقت أنا عليه.
تأمل ما جاء في الحديث " فأنزل الله تعالى(( فكان إنزال الله لهذه الآيات مترتبا على ما فعلته اليهود, فدلالة السبب والسياق والقرائن التي وردت في سبب النزول قاطعة كل القطع في أن الآية وردت في من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً أو مستحلا أو ما شابه ذلك)) ‏:‏ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".‏
هداني الله وإياك إلى ما فيه الصواب. والحمد لله أولا واخرا.
 
وهذه إجماعات أهل السنة والجماعة.., فلتقر بها عينك أيها المسلم السلفي

1- يقول القرطبي في المفهم(5/117-118): "ومقصود هذا البحث، أنَّ هذه الآيات – آيات المائدة – المراد بها: أهل الكفر والعناد، وأنها وإن كانت ألفاظها عامة، فقد خرج منها المسلمون؛ لأنَّ ترك العمل بالحكم مع الإيمان بأصله هو دون الشرك، وقد قال تعالى: إن الله لا يَغْفِرُ أن يُشرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ النساء:48. وترك الحكم بذلك ليس بشرك بالاتفاق، فيجوز أن يغفر، والكفر لا يغفر، فلا يكون ترك العمل بالحكم كفراً".
2- يقول ابن عبد البر كما في التمهيد (5/74) في صدد الكلام على الكبائر: "وأجمع العلماء على أن الجور في الحكم من الكبائر لمن تعمد ذلك عالماً به رويت في ذلك آثار شديدة عن السلف وقال الله عز وجل (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) و (الظالمون) و (الفاسقون) نزلت في أهل الكتاب. قال حذيفة وابن عباس: وهي عامة فينا. قالوا ليس بكفر ينقل عن الملة إذا فعل ذلك رجل من أهل هذه الأمة حتى يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر "
3- ما رواه الخطيب -رحمه الله- (تاريخه10/183، ترجمة الخليفة المأمون، ترجمة رقم5330):
"أخبرنا أبو محمد يحيى بن الحسن بن الحسن بن المنذر المحتسب، أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدّل، أخبرنا أبو بكر بن دريد، أخبرنا الحسن بن خضر قال: سمعت ابن أبي دؤاد يقول: أُدخل رجلٌ من الخوارج على المأمون، فقال: ما حملك على خلافنا؟ قال: آيةٌ في كتاب الله تعالى. قال: وما هي؟ قال: قوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، فقال له المأمون: ألكَ عِلمٌ بأنها مُنزَلة؟ قال: نعم، قال: وما دليلك؟ قال: إجماع الأمة، قال: فكما رضيتَ بإجماعهم في التنزيل فارضَ بإجماعهم في التأويل، قال: صدقتَ، السلام عليك يا أمير المؤمنين."
4- يقول أبو المظفر السمعاني-كما نقلناه عنه كاملا ومرارا- في تفسيره(2/42): " وأهل السنة قالوا لا يكفر بترك الحكم –أي بغير ما أنزل الله- ".

- سئل الإمام أحمد بن حنبل (ومن لم يحكم بما أنزل الله ..) ما هذا الكفر ؟
قال: " كفر لا يخرج من الملة ". انظر مرويات الإمام أحمد فى التفسير2/45 ومسائل ابن هانئ (2/192) حيث قال ابن هانئ في سؤالاته(2042): " وسألته عن حديث طاووس عن قوله: كفر لا ينقل عن الملة ؟ قال أبو عبد الله: إنما هذا في هذه الآية: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ ". ومسائل أحمد برواية أبي داود(209) -وقد طبع طبعتان الأولى بتحقيق الشيخ محمد رشيد رضا وتصحيح الأستاذ محمد بهجت البيطار طبع في مصر. والثانية بتحقيق طارق بن عوض الله مكتبة ابن تيمية ط1, 1420هـ - . وهو ما أكده الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى(7/ 522): " وقال ابن عباس وغير واحد من السلف... كفر دون كفر وفسق دون فسق وظلم دون ظلم. وقد ذكر ذلك أحمد والبخاري وغيرهما ".

- البخاري(انظر السطر السابق).



والحمد لله أولا و آخرا على توفيقه.
 
عودة
أعلى