تفسير قوله تعالى(واذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها..) من الميزان،الطبري،القرطبي،ا

ابو حنيفة

New member
إنضم
08/05/2004
المشاركات
77
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الموقع الالكتروني
www.qquran.com
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين اللهم اياك نعبد واياك نستعين، اللهم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين، والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد:
كنت في الجامعة وكنا نقرأ في سورة الاسراء ، ولما مررنا بقوله تعالى ( واذا اردنا ان نهلك قرية أمرنا ترفيها....الاية) استوقفتني هذه الاية وسألت الشيخ الذي يقرؤنا عن تفسيرها فشرح ذلك شرحا اجماليا، فسألتهه عن بعض المعاني الدقيقة فيها مثل الارادة، ومعنى المترفين؟؟؟ فوكل الي بحث هذه الاية، فقمت ببحثها من عدة تفاسير عن طريق البحث في شبكة الانترنت وحصلت على هذه التفاسير وغيرها .
وانا الان اجمعها لك اخي الحبيب لتتأمل في تفسير هذه الايات أسأل الله أن ينفعني واياك بما نكتب وما نقرا والله اعلم واحكم الحاكمين.
اولا: من تفسير الطبطبائي المسمى: الميزان في تفسير القران:
و قوله: «إذا أردنا أن نهلك قرية» أي إذا دنا وقت هلاكهم من قبيل قولهم: إذا أراد العليل أن يموت كان كذا، و إذا أرادت السماء أن يمطر كان كذا، أي إذا دنا وقت موته و إذا دنا وقت إمطارها فإن من المعلوم أنه لا يريد الموت بحقيقة معنى الإرادة و أنها لا تريد الإمطار كذلك، و في القرآن: «فوجدا جدارا يريد أن ينقض» الآية.

و يمكن أن يراد به الإرادة الفعلية و حقيقتها توافق الأسباب المقتضية للشيء و تعاضدها على وقوعه، و هو قريب من المعنى الأول و حقيقته تحقق ما لهلاكهم من الأسباب و هو كفران النعمة و الطغيان بالمعصية كما قال سبحانه: «لئن شكرتم لأزيدنكم و لئن كفرتم إن عذابي لشديد»: إبراهيم: 7، و قال: «الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد»: الفجر: 14.


و قوله: «أمرنا مترفيها ففسقوا فيها» من المعلوم من كلامه تعالى أنه لا يأمر بالمعصية أمرا تشريعيا فهو القائل: «قل إن الله لا يأمر بالفحشاء»: الأعراف: 28 و أما الأمر التكويني فعدم تعلقه بالمعصية من حيث إنها معصية أوضح لجعله الفعل ضروريا يبطل معه تعلقه باختيار الإنسان و لا معصية مع عدم الاختيار قال تعالى: «إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون»: يس: 82.

فمتعلق الأمر في قوله: «أمرنا» إن كان هو الطاعة كان الأمر بحقيقة معناه و هو الأمر التشريعي و كان هو الأمر الذي توجه إليهم بلسان الرسول الذي يبلغهم أمر ربهم و ينذرهم بعذابه لو خالفوا و هو الشأن الذي يختص بالرسول كما تقدمت الإشارة إليه فإذا خالفوا و فسقوا عن أمر ربهم حق عليهم القول و هو أنهم معذبون إن خالفوا فأهلكوا و دمروا تدميرا.


و إن كان متعلق الأمر هو الفسق و المعصية كان الأمر مرادا به الإكثار من إفاضة النعم عليهم و توفيرها على سبيل الإملاء و الاستدراج و تقريبهم بذلك من الفسق حتى يفسقوا فيحق عليهم القول و ينزل عليهم العذاب.

و هذان وجهان في معنى قوله: «أمرنا مترفيها ففسقوا فيها» يجوز توجيهه بكل منهما لكن يبعد أول الوجهين أولا أن قولنا: أمرته ففعل و أمرته ففسق ظاهره تعلق الأمر بعين ما فرع عليه، و ثانيا عدم ظهور وجه لتعلق الأمر بالمترفين مع كون الفسق لجميع أهل القرية و إلا لم يهلكوا.

قال في الكشاف،: و الأمر مجاز لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم: افسقوا، و هذا لا يكون فبقي أن يكون مجازا، و وجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صبا فجعلوها ذريعة إلى المعاصي و اتباع الشهوات فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة فيه، و إنما خولهم إياها ليشكروا و يعملوا فيها الخير و يتمكنوا من الإحسان و البر كما خلقهم أصحاء أقوياء و أقدرهم على الخير و الشر و طلب منهم إيثار الطاعة على المعصية فآثروا الفسوق فلما فسقوا حق عليهم القول و هو كلمة العذاب فدمرهم.

فإن قلت: هلا زعمت أن معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا قلت لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز فكيف يحذف ما الدليل قائم على نقيضه؟ و ذلك أن المأمور به إنما حذف لأن فسقوا يدل عليه و هو كلام مستفيض يقال: أمرته فقام و أمرته فقرأ لا يفهم منه إلا أن المأمور به قيام أو قراءة و لو ذهبت تقدر غيره لزمت من مخاطبك علم الغيب.

و لا يلزم على هذا قولهم: أمرته فعصاني أو فلم يمتثل أمري لأن ذلك مناف للأمر مناقض له، و لا يكون ما يناقض الأمر مأمورا به فكان محالا أن يقصد أصلا حتى يجعل دالا على المأمور به فكان المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه و لا منوي لأن من يتكلم بهذا الكلام فإنه لا ينوي لأمره مأمورا به كأنه يقول: كان مني أمر فلم يكن منه طاعة كما أن من يقول: فلان يعطي و يمنع و يأمر و ينهى غير قاصد إلى مفعول.

فإن قلت: هلا كان ثبوت العلم بأن الله لا يأمر بالفحشاء و إنما يأمر بالقصد و الخير دليلا على أن المراد أمرناهم بالخير ففسقوا؟.

قلت: لا يصح ذلك لأن قوله: ففسقوا يدافعه فكأنك أظهرت شيئا و أنت تدعي إضمار خلافه فكان صرف اللفظ إلى المجاز هو الوجه.
و هو كلام حسن في تقريب ظهور قوله: «أمرنا مترفيها ففسقوا فيها» في كون المأمور به هو الفسق و أما كونه صريحا فيه بحيث لا يحتمل إلا ذلك كما يدعيه فلا، فلم لا يجوز أن تكون الآية من قبيل قولنا: أمرته فعصاني حيث تكون المعصية و هي منافية للأمر قرينة على كون المأمور به هو الطاعة و الفسق و المعصية واحد فإن الفسق هو الخروج عن زي العبودية و الطاعة فهو المعصية و يكون المعنى حينئذ أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا عن أمرنا و عصوه، أو يكون الأمر في الآية مستعملا استعمال اللازم، و المعنى توجه أمرنا إلى مترفيها ففسقوا فيها عنه.

فالحق أن الوجهين لا بأس بكل منهما و إن كان الثاني لا يخلو من ظهور و قد أجيب عن اختصاص الأمر بالمترفين بأنهم الرؤساء السادة و الأئمة المتبوعون و غيرهم أتباعهم و حكم التابع تابع لحكم المتبوع و لا يخلو من سقم.

و ذكر بعضهم في توجيه الآية أن قوله: «أمرنا مترفيها» إلخ صفة لقرية و ليس جوابا لإذا و جواب إذا محذوف على حد قوله: حتى إذا جاؤها و فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها إلى آخر الآية للاستغناء عنه بدلالة الكلام.

و ذكر آخرون أن في الآية تقديما و تأخيرا و التقدير و إذا أمرنا مترفي قرية ففسقوا فيها أردنا أن نهلكها، و ذلك أنه لا معنى لإرادة الهلاك قبل تحقق سببه و هو الفسق، و هو وجه سخيف كسابقه.

هذا كله على القراءة المعروفة «أمرنا» بفتح الهمزة ثم الميم مخففة من الأمر بمعنى الطلب، و ربما أخذ من الأمر بمعنى الإكثار أي أكثرنا مترفيها مالا و ولدا ففسقوا فيها.

و قرىء «آمرنا» بالمد و نسب إلى علي (عليه السلام) و إلى عاصم و ابن كثير و نافع و غيرهم و هو من الإيمان بمعنى إكثار المال و النسل أو بمعنى تكليف إنشاء فعل، و قرىء أيضا «أمرنا» بتشديد الميم من التأمير بمعنى تولية الإمارة و نسب ذلك إلى علي و الحسن و الباقر (عليهما السلام) و إلى ابن عباس و زيد بن علي و غيرهم.
ثانيا: من تفسير ابن كثير
14اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله " أَمَرْنَا " فَالْمَشْهُور قِرَاءَة التَّخْفِيف وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهَا فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا أَمْرًا قَدَرِيًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى " أَتَاهَا أَمْرنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا " إِنَّ اللَّه لَا يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ قَالُوا مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَخَّرَهُمْ إِلَى فِعْل الْفَوَاحِش فَاسْتَحَقُّوا الْعَذَاب وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَاتِ فَفَعَلُوا الْفَوَاحِش فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَة . رَوَاهُ اِبْن جُرَيْج عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر أَيْضًا وَقَالَ اِبْن جَرِير يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاء قُلْت إِنَّمَا يَجِيء هَذَا عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا " قَالَ عَلِيّ بْن طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله " أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا " يَقُول سَلَّطْنَا أَشْرَارهَا فَعَصَوْا فِيهَا فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَهْلَكَهُمْ اللَّه بِالْعَذَابِ وَهُوَ قَوْله " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَة أَكَابِر مُجْرِمِيهَا " الْآيَة وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَمُجَاهِد وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِك قَرْيَة أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا " يَقُول أَكْثَرْنَا عَدَدهمْ وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة وَالْحَسَن وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَعَنْ مَالِك عَنْ الزُّهْرِيّ " أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا " أَكْثَرْنَا وَقَدْ اِسْتَشْهَدَ بَعْضهمْ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد حَيْثُ قَالَ : حَدَّثَنَا رَوْح بْن عُبَادَة حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم الْعَدَوِيّ عَنْ مُسْلِم بْن بُدَيْل عَنْ إِيَاس بْن زُهَيْر عَنْ سُوَيْد بْن هُبَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " خَيْر مَال اِمْرِئٍ لَهُ مُهْرَة مَأْمُورَة أَوْ سِكَّة مَأْبُورَة " قَالَ الْإِمَام أَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام رَحِمَهُ اللَّه فِي كِتَابه الْغَرِيب الْمَأْمُورَة كَثِيرَة النَّسْل وَالسِّكَّة الطَّرِيقَة الْمُصْطَفَّة مِنْ النَّخْل وَالْمَأْبُورَة مِنْ التَّأْبِير وَقَالَ بَعْضهمْ إِنَّمَا جَاءَ هَذَا مُتَنَاسِبًا كَقَوْلِهِ " مَأْزُورَات غَيْر مَأْجُورَات " .
ثالثا: من تفسير الطبري:
(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا)

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِك قَرْيَة أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق { أَمَرْنَا } بِقَصْرِ الْأَلِف وَغَيْر مَدّهَا وَتَخْفِيف الْمِيم وَفَتْحهَا . وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ الْأَغْلَب مِنْ تَأْوِيله : أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا بِالطَّاعَةِ , فَفَسَقُوا فِيهَا بِمَعْصِيَتِهِمْ اللَّه , وَخِلَافهمْ أَمْره , كَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ كَثِير مِمَّنْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16723 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } قَالَ : بِطَاعَةِ اللَّه , فَعَصَوْا . 16724 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَلَمَة أَوْ غَيْره , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : أَمَرْنَا بِالطَّاعَةِ فَعَصَوْا . وَقَدْ يَحْتَمِل أَيْضًا إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاء فَفَسَقُوا فِيهَا , لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : هُوَ أَمِير غَيْر مَأْمُور . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : قَدْ يَتَوَجَّه مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ إِلَى مَعْنَى أَكْثَرْنَا مُتْرَفِيهَا , وَيُحْتَجّ لِتَصْحِيحِهِ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " خَيْر الْمَال مُهْرَة مَأْمُورَة أَوْ سِكَّة مَأْبُورَة " وَيَقُول : إِنَّ مَعْنَى قَوْله : مَأْمُورَة : كَثِيرَة النَّسْل . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ الْكُوفِيِّينَ يُنْكِر ذَلِكَ مِنْ قِيله , وَلَا يُجِيزنَا أَمْرنَا , بِمَعْنَى أَكْثَرْنَا إِلَّا بِمَدِّ الْأَلِف مِنْ أَمَرْنَا . وَيَقُول فِي قَوْله " مُهْرَة مَأْمُورَة " : إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ عَلَى الِاتِّبَاع لِمَجِيءِ مَأْبُورَة بَعْدهَا , كَمَا قِيلَ : " اِرْجِعْنَ مَأْزُورَات غَيْر مَأْجُورَات " فَهَمَزَ مَأْزُورَات لِهَمْزِ مَأْجُورَات , وَهِيَ مِنْ وَزَرَتْ إِتْبَاعًا لِبَعْضِ الْكَلَام بَعْضًا . وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو عُثْمَان " أَمَّرْنَا " بِتَشْدِيدِ الْمِيم , بِمَعْنَى الْإِمَارَة . 16725 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا هُشَيْم عَنْ عَوْف , عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ أَنَّهُ قَرَأَ " أَمَّرْنَا " مُشَدَّدَة مِنْ الْإِمَارَة . وَقَدْ تَأَوَّلَ هَذَا الْكَلَام عَلَى هَذَا التَّأْوِيل , جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16726 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : " أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا " يَقُول : سَلَّطْنَا أَشْرَارهَا فَعَصَوْا فِيهَا , فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَهْلَكْتهمْ بِالْعَذَابِ , وَهُوَ قَوْله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَة أَكَابِر مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا } 6 123 16727 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : سَمِعْت الْكِسَائِيّ يُحَدِّث عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , أَنَّهُ قَرَأَهَا : " أَمَّرْنَا " وَقَالَ : سَلَّطْنَا . 16728 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَى حَجَّاج , عَنْ أَبِي حَفْص , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : " أَمَّرْنَا " مُثَقَّلَة : جَعَلْنَا عَلَيْهَا مُتْرَفِيهَا : مُسْتَكْبِرِيهَا . 16729 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا " قَالَ : بَعَثْنَا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ " آمَرْنَا " بِمَدِّ الْأَلِف مِنْ أَمَرْنَا , بِمَعْنَى : أَكْثَرْنَا فَسَقَتهَا . وَقَدْ وُجِّهَ تَأْوِيل هَذَا الْحَرْف إِلَى هَذَا التَّأْوِيل جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل , إِلَّا أَنَّ الَّذِينَ حَدَّثُونَا لَمْ يُمَيِّزُوا لَنَا اِخْتِلَاف الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ , وَكَيْف قَرَأَ ذَلِكَ الْمُتَأَوِّلُونَ , إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُمْ . ذِكْر مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : 16730 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : " وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِك قَرْيَة آمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا " يَقُول : أَكْثَرْنَا عَدَدهمْ . 16731 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة قَوْله : " آمَرْنَا مُتْرَفِيهَا " قَالَ : أَكْثَرْنَاهُمْ . 16732 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } قَالَ : أَكْثَرْنَاهُمْ . 16733 - حَدَّثَنِي عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عَبْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } يَقُول : أَكْثَرنَا مُتْرَفِيهَا : أَيْ كُبَرَاءَهَا . 16734 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَا : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : " وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِك قَرْيَة أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا , فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْل " يَقُول : أَكْثَرنَا مُتْرَفِيهَا : أَيْ جَبَابِرَتهَا , فَفَسَقُوا فِيهَا وَعَمِلُوا بِمَعْصِيَةِ اللَّه { فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } . وَكَانَ يَقُول : إِذَا أَرَادَ اللَّه بِقَوْمٍ صَلَاحًا , بَعَثَ عَلَيْهِمْ مُصْلِحًا . وَإِذَا أَرَادَ بِهِمْ فَسَادًا بَعَثَ عَلَيْهِمْ مُفْسِدًا , وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكهَا أَكْثَرَ مُتْرَفِيهَا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { آمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } قَالَ : أَكْثَرْنَاهُمْ . 16735 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى زَيْنَب وَهُوَ يَقُول : " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيْل لِلْعَرَبِ مِنْ شَرّ قَدْ اِقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْم مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مِثْل هَذَا " وَحَلَّقَ بَيْن إِبْهَامه وَاَلَّتِي تَلِيهَا , قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه أَنْهَلْك وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَث " . 16736 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِك قَرْيَة أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا } قَالَ : ذَكَرَ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ أَمَرْنَا : أَكْثَرْنَا . قَالَ : وَالْعَرَب تَقُول لِلشَّيْءِ الْكَثِير أَمِرَ لِكَثْرَتِهِ . فَأَمَّا إِذَا وُصِفَ الْقَوْم بِأَنَّهُمْ كَثُرُوا , فَإِنَّهُ يُقَال : أَمِرَ بَنُو فُلَان , وَأَمِرَ الْقَوْم يَأْمُرُونَ أَمْرًا , وَذَلِكَ إِذَا كَثُرُوا وَعَظُمَ أَمْرهمْ , كَمَا قَالَ لَبِيد . إِنْ يُغْبَطُوا يُهْبَطُوا وَإِنْ أَمَرُوا يَوْمًا يَصِيرُوا لِلْقُلِّ وَالنَّفَد وَالْأَمْر الْمَصْدَر , وَالِاسْم الْإِمْر , كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ { لَقَدْ جِئْت شَيْئًا إِمْرًا } 18 71 قَالَ : عَظِيمًا , وَحُكِيَ فِي مِثْل شَرّ إِمْر : أَيْ كَثِير . وَأَوْلَى الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } بِقَصْرِ الْأَلِف مِنْ أَمَرْنَا وَتَخْفِيف الْمِيم مِنْهَا , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى تَصْوِيبهَا دُون غَيْرهَا . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْأَوْلَى بِالصَّوَابِ بِالْقِرَاءَةِ , فَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِهِ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ : أَمَرْنَا أَهْلهَا بِالطَّاعَةِ فَعَصَوْا وَفَسَقُوا فِيهَا , فَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْل : لِأَنَّ الْأَغْلَب مِنْ مَعْنَى أَمَرْنَا : الْأَمْر , الَّذِي هُوَ خِلَاف النَّهْي دُون غَيْره , وَتَوْجِيه مَعَانِي كَلَام اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى الْأَشْهَر الْأَعْرَف مِنْ مَعَانِيه , أَوْلَى مَا وُجِدَ إِلَيْهِ سَبِيل مِنْ غَيْره .

فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا

وَمَعْنَى قَوْله : { فَفَسَقُوا فِيهَا } : فَخَالَفُوا أَمْر اللَّه فِيهَا , وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَته { فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْل } يَقُول : فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ اللَّه وَفُسُوقهمْ فِيهَا , وَعِيد لِلَّهِ الَّذِي أَوْعَدَ مَنْ كَفَرَ بِهِ , وَخَالَفَ رُسُله , مِنْ الْهَلَاك بَعْد الْإِعْذَار وَالْإِنْذَار بِالرُّسُلِ وَالْحُجَج { فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } يَقُول : فَخَرَّبْنَاهَا عِنْد ذَلِكَ تَخْرِيبًا , وَأَهْلَكْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ أَهْلهَا إِهْلَاكًا , كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَق : وَكَانَ لَهُمْ كَبَكْرِ ثَمُود لَمَّا رَغَا ظُهْرًا فَدَمَّرَهُمْ دَمَارَا
رابعا: من تفسير القرطبي:

وإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا

أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى فِي الْآيَة الَّتِي قَبْل أَنَّهُ لَمْ يُهْلِك الْقُرَى قَبْل اِبْتِعَاث الرُّسُل , لَا لِأَنَّهُ يَقْبُح مِنْهُ ذَلِكَ إِنْ فَعَلَ , وَلَكِنَّهُ وَعْد مِنْهُ , وَلَا خُلْف فِي وَعْده . فَإِذَا أَرَادَ إِهْلَاك قَرْيَة مَعَ تَحْقِيق وَعْده عَلَى مَا قَالَهُ تَعَالَى أَمَرَ مُتْرَفِيهَا بِالْفِسْقِ وَالظُّلْم فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْل بِالتَّدْمِيرِ . يُعْلِمك أَنَّ مَنْ هَلَكَ هَلَكَ بِإِرَادَتِهِ , فَهُوَ الَّذِي يُسَبِّب الْأَسْبَاب وَيَسُوقهَا إِلَى غَايَاتهَا لِيُحِقّ الْقَوْل السَّابِق مِنْ اللَّه تَعَالَى .

" أَمَرْنَا " قَرَأَ أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ وَأَبُو رَجَاء وَأَبُو الْعَالِيَة , وَالرَّبِيع وَمُجَاهِد وَالْحَسَن " أَمَّرْنَا " بِالتَّشْدِيدِ , وَهِيَ قِرَاءَة عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; أَيْ سَلَّطْنَا شِرَارهَا فَعَصَوْا فِيهَا , فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَهْلَكْنَاهُمْ . وَقَالَ أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ " أَمَّرْنَا " بِتَشْدِيدِ الْمِيم , جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاء مُسَلَّطِينَ ; وَقَالَهُ اِبْن عَزِيز . وَتَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ تَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ . وَقَرَأَ الْحَسَن أَيْضًا وَقَتَادَة وَأَبُو حَيْوَة الشَّامِيّ وَيَعْقُوب وَخَارَجَة عَنْ نَافِع وَحَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ اِبْن كَثِير وَعَلِيّ وَابْن عَبَّاس بِاخْتِلَافٍ عَنْهُمَا " آمَرْنَا " بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيف , أَيْ أَكْثَرْنَا جَبَابِرَتهَا وَأُمَرَاءَهَا ; قَالَهُ الْكِسَائِيّ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : آمَرْته بِالْمَدِّ وَأَمَّرْته , لُغَتَانِ بِمَعْنَى كَثَّرْته ; وَمِنْهُ الْحَدِيث ( خَيْر الْمَال مُهْرَة مَأْمُورَة أَوْ سِكَّة مَأْبُورَة ) أَيْ كَثِيرَة النِّتَاج وَالنَّسْل . وَكَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَزِيز : آمَرْنَا وَأَمَرْنَا بِمَعْنًى وَاحِد ; أَيْ أَكْثَرْنَا . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا وَيَحْيَى بْن يَعْمَر " اِمْرِنَا " بِالْقَصْرِ وَكَسْر الْمِيم عَلَى فَعِلْنَا , وَرُوِيَتْ عَنْ اِبْن عَبَّاس . قَالَ قَتَادَة وَالْحَسَن : الْمَعْنَى أَكْثَرْنَا ; وَحَكَى نَحْوه أَبُو زَيْد وَأَبُو عُبَيْد , وَأَنْكَرَهُ الْكِسَائِيّ وَقَالَ : لَا يُقَال مِنْ الْكَثْرَة إِلَّا آمَرْنَا بِالْمَدِّ ; قَالَ وَأَصْلهَا " أَأَمَرْنَا " فَخَفَّفَ , حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ . وَفِي الصِّحَاح : وَقَالَ أَبُو الْحَسَن أَمِرَ مَاله ( بِالْكَسْرِ ) أَيْ كَثُرَ . وَأَمِرَ الْقَوْم أَيْ كَثُرُوا ; قَالَ الشَّاعِر : أَمِرُونَ لَا يَرِثُونَ سَهْم الْقُعْدُد وَآمَر اللَّه مَاله : ( بِالْمَدِّ ) : الثَّعْلَبِيّ : وَيُقَال لِلشَّيْءِ الْكَثِير أَمِرٌ , وَالْفِعْل مِنْهُ : أَمِرَ الْقَوْم يَأْمَرُونَ أَمْرًا إِذَا كَثُرُوا . قَالَ اِبْن مَسْعُود : كُنَّا نَقُول فِي الْجَاهِلِيَّة لِلْحَيِّ إِذَا كَثُرُوا : أَمِرَ أَمْر بَنِي فُلَان ; قَالَ لَبِيد : كُلّ بَنِي حُرَّة مَصِيرهمْ قَلَّ وَإِنْ أَكْثَرَتْ مِنْ الْعَدَد إِنْ يُغْبَطُوا يَهْبِطُوا وَإِنْ أَمِرُوا يَوْمًا يَصِيرُوا لِلْهُلْكِ وَالنَّكَد قُلْت : وَفِي حَدِيث هِرَقْل الْحَدِيث الصَّحِيح : ( لَقَدْ أَمِرَ أَمْر اِبْن أَبِي كَبْشَة , إِنَّهُ لَيَخَافهُ مَلِك بَنِي الْأَصْفَر ) أَيْ كَثُرَ . وَكُلّه غَيْر مُتَعَدٍّ وَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ الْكِسَائِيّ , وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ قَرَأَ " أَمِرَ " فَهِيَ لُغَة , وَوَجْه تَعْدِيَة " أَمِرَ " أَنَّهُ شَبَّهَهُ بِعَمَرَ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ الْكَثْرَة أَقْرَب شَيْء إِلَى الْعِمَارَة , فَعُدِّيَ كَمَا عُدِّيَ عَمَرَ . الْبَاقُونَ " أَمَرْنَا " مِنْ الْأَمْر ; أَيْ أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَةِ إِعْذَارًا وَإِنْذَارًا وَتَخْوِيفًا وَوَعِيدًا .

وَقِيلَ : " أَمَرْنَا " جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاء ; لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : أَمِير غَيْر مَأْمُور , أَيْ غَيْر مُؤْمَر . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ بَعَثْنَا مُسْتَكْبِرِيهَا . قَالَ هَارُون : وَهِيَ قِرَاءَة أُبَيّ " بَعَثْنَا أَكَابِر مُجْرِمِيهَا فَفَسَقُوا " ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَحَكَى النَّحَّاس : وَقَالَ هَارُون فِي قِرَاءَة أُبَيّ " وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِك قَرْيَة بَعَثْنَا فِيهَا أَكَابِر مُجْرِمِيهَا فَمَكَرُوا فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْل " . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " أَمَرْنَا " بِمَعْنَى أَكْثَرْنَا ; وَمِنْهُ ( خَيْر الْمَال مُهْرَة مَأْمُورَة ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَقَالَ قَوْم : مَأْمُورَة اِتِّبَاع لِمَأْبُورَةٍ ; كَالْغَدَايَا وَالْعَشَايَا . وَكَقَوْلِهِ : ( اِرْجِعْنَ مَأْزُورَات غَيْر مَأْجُورَات ) . وَعَلَى هَذَا لَا يُقَال : أَمَرَهُمْ اللَّه , بِمَعْنَى كَثَّرَهُمْ , بَلْ يُقَال : آمَرهُ وَأَمَرَهُ . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم قِرَاءَة الْعَامَّة . قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا " أَمَرْنَا " لِأَنَّ الْمَعَانِي الثَّلَاثَة تَجْتَمِع فِيهَا مِنْ الْأَمْر وَالْإِمَارَة وَالْكَثْرَة . وَالْمُتْرَف : الْمُنَعَّم ; وَخُصُّوا بِالْأَمْرِ لِأَنَّ غَيْرهمْ تَبَع لَهُمْ .

فَفَسَقُوا فِيهَا

أَيْ فَخَرَجُوا عَنْ الطَّاعَة عَاصِينَ لَنَا .

فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ

فَوَجَبَ , عَلَيْهَا الْوَعِيد ; عَنْ اِبْن عَبَّاس .

فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا

أَيْ أَسْتَأْصَلْنَاهَا بِالْهَلَاكِ . " تَدْمِيرًا " وَذَكَرَ الْمَصْدَر لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْعَذَاب الْوَاقِع بِهِمْ . وَفِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيث زَيْنَب بِنْت جَحْش زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهه يَقُول : ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيْل لِلْعَرَبِ مِنْ شَرّ قَدْ اِقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْم مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مِثْل هَذِهِ ) وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَام وَاَلَّتِي تَلِيهَا . قَالَتْ : فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه , أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَث ) . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب , وَأَنَّ الْمَعَاصِي إِذَا ظَهَرَتْ وَلَمْ تُغَيَّر كَانَتْ سَبَبًا لِهَلَاكِ الْجَمِيع ; وَاَللَّه أَعْلَم .

خامسا : من تفسير السيوطي المسمى الدر المنثورفي التفسير بالمأثور:
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أمرنا مترفيها} قال أمروا بالطاعة فعصوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول في قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قرية} الآية. قال: {أمرنا مترفيها} بحق، فخالفوه، فحق عليهم بذلك التدمير.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قرية امرنا مترفيها} قال: سلطنا شرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك، أهلكناهم بالعذاب. وهو قوله: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها} (الأنعام، آية 123).
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله وجل: {أمر مترفيها} قال: سلطنا عليهم الجبابرة فساموهم سوء العذاب. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول:
إن يعطبوا يبرموا وإن أمروا * يوما يصيروا للهلك والفقد
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي العالية رضي الله عنه كان يقرأ {أمرنا مترفيها} مثقلة. يقول: أمرنا عليهم أمراء.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قرأ "آمرنا مترفيها" يعني بالمد. قال: أكثرنا فساقها.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر، عن عكرمة رضي الله عنه أنه قرأ {أمرنا مترفيها} قال: أكثرناهم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي الدرداء رضي الله عنه {أمرنا مترفيها} قال: أكثرنا.
وأخرج البخاري وابن مردويه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية قد أمروا بني فلان.
والله أعم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
 
تشديد الميم

تشديد الميم

جزاك الله خيرا" أخي العزيز على هذا الجهد الذي بذلته بين كتب التفسير

وكنت تستطيع أن تعفي نفسك من هذا العناء بما هو أقرب للعقل

وهي قراءة أبن عباس بتشديد الميم

فهي أقرب للمنطق والعقل من القراءات الأخرى
وخاصة من قال أن الله أمرهم بالطاعه ؟؟؟؟

فكيف يأمر الله بالطاعه المترفين فقط ؟؟؟ ولا يأمر الفقراء ؟؟؟؟

وهل يوجد قريه تخلوا من الفقراء

والقريه في القرآن تعني مدينه أو أكبر ( أي يمكن أن تكون مجازا" أسم دوله بهذا الزمن)

اذا" تكون مليئه بالفقراء الذين يذهبون بجريرة الاغنياء المترفين لأنهم لم يضربوهم على أيديهم ؟؟
وهنا يتجلى معنى النهي عن المنكر ؟؟؟

أو يذهبو بجريرتهم اذا كانو مستضعفين كما أوردت في حديث قوم يأجوج

المهم أنه أقرب مايكون منطقيا" وعقليا" هي قراءة أبن عباس رضي الله عنه

وقد أمرنا الله كثيرا " بقوله أفلا تعقلون تتفقهون تنظرون تعلمون تبصرون تتدبرون

ان كنت مصيبا" فمن الله
وأن أخطأت فمن نفسي الأمارة بالسوء وأستغفر الله العظيم على كل أمر

وأشكرك يا أخي وأفادنا الله منك ومن كل طالب علم في هذا المنتدى الرائع

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
 
قال ابن القيم رحمه الله وهو يبين أنواع الأمر في القرآن :
( والأمر الكوني كقوله : (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ، وقوله : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) ، وقوله : ( وكان أمر الله مفعولا ) وقوله : ( وكان أمرا مقضيا ) ،

وقوله : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ) فهذا أمر تقدير كوني لا أمر ديني شرعي فإن الله لا يأمر بالفحشاء .
والمعنى قضينا ذلك وقدرناه .
وقالت طائفة : بل هو أمر ديني والمعنى أمرناهم بالطاعة فخالفونا وفسقوا .
والقول الأول أرجح لوجوده :
أحدها : أن الأضمار على خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا إذا لم يكن تصحيح الكلام بدونه

الثاني : أن ذلك يستلزم أضمارين أحدهما أمرناهم بطاعتنا الثاني فخالفونا أو عصونا ونحو ذلك

الثالث : أن ما بعد الفاء في مثل هذا التركيب هو المأمور به نفسه كقولك أمرته ففعل وأمرته فقام وأمرته فركب لا يفهم المخاطب غير هذا

الرابع : أنه سبحانه جعل سبب هلاك القرية أمره المذكور ومن المعلوم أن أمره بالطاعة والتوحيد لا يصلح أن يكون سبب الهلاك بل هو سبب للنجاة والفوز .
فإن قيل أمره بالطاعة مع الفسق هو سبب الهلاك قيل هذا يبطل بالوجه
الخامس :وهو أن هذا الأمر لا يختص بالمترفين بل هو سبحانه يأمر بطاعته واتباع رسله المترفين وغيرهم فلا يصح تحصيص الأمر بالطاعة بالمترفين يوضحه

الوجه السادس :أن الأمر لو كان بالطاعة لكان هو نفس إرسال رسله إليهم ومعلوم أنه لا يحسن أن يقال أرسلنا رسلنا إلى مترفيها ففسقوا فيها فإن الإرسال لو كان إلى المترفين لقال من عداهم نحن لم يرسل إلينا

السابع : أن إرادة الله سبحانه لإهلاك القرية إنما يكون بعد إرسال الرسل إليهم وتكذيبهم وإلا فقبل ذلك هو لا يريد إهلاكهم لأنهم معذورون بغفلتهم وعدم بلوغ الرسالة إليهم قال تعالى : (وما كان الله ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ) فإذا أرسل الرسل فكذبوهم أراد إهلاكها فأمر رؤسائها ومترفيها أمرا كونيا قدريا لا شرعيا دينيا بالفسق في القرية فاجتمع أهلها على تكذيبهم وفسق رؤسائهم فحينئذ جاءها أمر الله وحق عليها قوله بالإهلاك .

والمقصود ذكر الأمر الكوني والديني . ومن الديني قوله : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ..)
وقوله : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) . وهو كثير .) انتهى من شفاء العليل لابن القيم .
 
عودة
أعلى