تفسير فيض الرحمن في جزء قد سمع

إنضم
22/05/2006
المشاركات
2,552
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
59
الإقامة
الرياض
تفسير فيض الرحمن في جزء قد سميع
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِل لهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
أما بعد
فإنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ , وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ , وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا , وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
التأمل والتدبر في القرآن الكريم وأحكامه أمر به الشارع الحكيم، قال تعالى: [كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ] [ص: 29].
قال شيخ الإسلام: وَتَدَبُّرُ الْكَلَامِ إنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهِ إذَا فُهِمَ . اهـ الفتاوى 15/ 108
ودأب سلف الأمة على تعلم معاني القرآن الكريم، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةً إلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ فِي مَاذَا نَزَلَتْ وَمَاذَا عُنِيَ بِهَا. الفتاوى 15/ 108
وحرصوا على الفهم، فَقَدْ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - وَهُوَ مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ - فِي تَعَلُّمِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِيَ سِنِينَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَجْلِ الْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ. الفتاوى 5/ 156
وربطوا بين الفهم والعمل، قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي: حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ - عُثْمَانُ بْنُ عفان وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - أَنَّهُمْ قَالُوا: كُنَّا إذَا تَعَلَّمْنَا مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ نُجَاوِزْهَا حَتَّى نَتَعَلَّمَ مَا فِيهَا مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، قَالُوا: (( فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا )) الطبري: 1/80
ومن هنا رغبت في إعداد سلسلة في التفسير أخذت مادتها من أبرز التفاسير المعتمدة عند أهل السنة والجماعة كالطبري، وابن كثير وغيرهم من العلماء المبرزين
وكان منهجي في إعداده كما يلي:
1. إعطاء أصول العقيدة عناية خاصة، لا سيما في توضيح معاني الأسماء والصفات، وأصول الإيمان، وما ينبغي إثباته لله عز وجل من صفات الجلال والكمال والجمال، ترسيخا لعقدية اهل السنة والجماعة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
2. توضيح اسم السورة، ودلالتها حسب السياق التي جاءت فيه، من ترغيب، أو ترهيب، أو تعظيم، أو بيان لقدرة الله سبحانه، وغالبا ما تسمى بمطعلها أو بموضوع مضمن، أو بصفة بازرة تميزها.
3. ذكر الصحيح من فضائل السور، وأسباب النزول ،والناسخ والمنسوخ، وقد استفدت من كتاب المحرر في أسباب النزول د خالد المزيني، ولباب النقول في أسباب النزول للسيوطي، تحقيق عبد الرازق المهدي، والاستيعاب في بيان أسباب النزول للشيخ سليم الهلالي وآخرون.
4. انتقاء الصحيح من الرويات قدر الإمكان، والبعد عن الإسرائليات، ومن أبرز ما استفدت منه كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور د. حكمت ياسين، الروايات التفسيرية في0 فتح الباري، دعبد المجيد عبد الباري.
5. تجزئة الآيات وإبراز هدفها حسب الوحدة الموضوعية لتسهيل فهم مقاصد الآيات، وإعانة للحافظ على تدبر المعنى العام للآيات، ومن أبرز ما استفدت منه المصباح المنير من تفسير ابن كثير للعلامة المحقق المباركافوري، وكتاب بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز.
6. البعد عن التطويل، تيسيرا على القارئ، قال عز وجل [ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر]، ومن يتتبع هدي سلف الأمة رضي الله عنهم يجد أن ذلك دأبهم.
7. اعتمدت عند اختيار وجه التفسير: تفسير القرآن بالقرآن لكني لم أكثر منه خشية التطويل ولكثرة الشواهد، وقد أغنانا كتاب أضواء البيان في ذلك، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابه، ثم بأقوال التابعين، ومن تبعهم من أئمة التفسير، ثم بلغة العرب، فإن كان حديثا خرجته، وإن كان قول صحابي أو تابعي لا أذكر الاسم في الغالب اختصارا على القارئ مثال ذلك:
8. عدم الدخول في مسائل الخلافية في الغالب، والاكتفاء بالرأي الراجح في الغالب، وربما زدت شيئا من التوضيح للفوائد والتوجيهات التربوية.
9. الرأي الراجح عند أهل العلم من المحققين في الحروف المقطعة في أوائل السور مثل (ق)، (ن)، (آلم)، (طس)، إنما أنزلت لتحدي العرب الذين نزل عليهم القرآن، وتعجيزهم، ولذلك يذكر في الغالب بعد هذه الحروف القرآن؛ للدلالة على أن القرآن مركب من هذه الحروف، وأنتم تعرفونها وتحفظونها، فإذا كان القرآن مركب من حروف تعرفونها كالقاف مثلاً أو الصاد فأتونا بمثله وأنتم أهل الفصاحة والبيان.
10. اختيار الراجح لدى جهور المفسرين من أهل السنة لاسيما ترجيحات الطبري ت310 هـ، والواحدي 468هـ، والبغوي510 هـ، وابن تيمية 728 هـ، وابن جزي 741 هـ، وابن القيم 751 هـ، وابن كثير774 هـ، والشوكاني 1250هـ، والسعدي 1376 هـ وابن عاشور 1393 هـ، والشنقيطي 1393هـ وابن عثيمين 1421 هـ، وغالبا ما يحالفهم الصواب لإتقانهم.
الاستفادة من تعليقات العلامة عبد الرزاق عفيفي، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ بكر أبو زيد، والشيخ ابن جبرين، والشيخ صالح الفوزان لا سيما في المسائل العقدية.
11. ومن الكتب التي استفدت منها: كتاب تيسير المنان المنتقى من تفسير جامع البيان للإمام الطبري، لمعد الكتاب، عاونني على إخراجه، الشيخ المحقق/ أشرف على خلف، كتاب والتفسير الميسر ، وتفسير السعدي رحمه الله.
• كتاب قواعد التفسير د. خالد السبت، وقواعد الترجيح د على الحربي، والترجيح بالسنة عند المفسرين د ناصر الصائغ، و أحكام القرآن لمحمد بن عبد الله الأندلسي.
• فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 23 .
12. ومن العلماء المحققين الذين استفدت منهم، الدكتور / بسام الغانم وفقه الله والشيخ / ياسر بن محمد فتحي أل عيد وفقه الله.
من خلال بحثي في جزء (قد سمع ) لاحظت ما يلي:
• لم أجد سورة مخصوصة يترتب على قراءتها جزاء معين أو ثواب خاص سوى ما ذكر بشأن قراءة النبي لبعض السورة في الصلاة.
• الأحاديث الصحيحة المتعلقة بأسباب النزول في جزء تبارك، 17 موضعا:
• سورة المجادلة : خمسة : (الآية : 1 ، 8 ، 12 ،13، 18 )
• سورة الحشر : ثلاثة : (الآية : 1 ، 5، 9 )
• سورة الممتحنة : ثلاثة أسباب النزول الواردة : ثلاثة: (الآية : 1 ، 10، 11)
• سورة الصف : واحدة : (الآية : 1)
• سورة الجمعة : اثنان : (الآية : 11 )
• سورة المنافقون : واحدة : (الآية : 8 )
• سورة التغابن : واحدة : (الآية : 14)
• سورة الطلاق : لا يوجد
• سورة التحريم : اثنان : (الآية : 1 والآية : 5 )
ولا أدعي الحصر لكنه ما في استطاعت الباحث، من جهد المقل.
وسأذكرها في مكانها بإذن الله تعالى:
• ألم أجد سوى آية واحدة نسخت ما قبلها آية (13) من سورة المجادلة أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة أنه قال في قوله تعالى : [ أأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ] [المجادلة : 13] فريضتان واجبتان لا رجعة لأحد فيهما، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الصدقة في النجوى.
13. الكمال عزيز فإن كان خيرا فمن الله عز وجل المنعم المتفضل، وإن غير ذلك فمن نفسي المقصرة عفا الله عنا ورحمنا هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
سائلا الله عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به في كل وقت وحين، وأن يغفر لي ولوالدي وللؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب وكتبه أبو عبد الرحمن جمال القرش الرياض/3/4/1434 هـ
 
ســورة المجادلة
بسم الله الرحمن الرحيم
المجادلة : المحاورة خولة بنت ثعلبة إشارة إلى قصتها مع زوجها الذي ظاهرها وبيان أن ذلك منكرا.
سبب النزول : قوله عَزَّ وَجَلَّ :[ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا] [المجادلة : 1] إِلَى قَوْلِهِ: [وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ] المجادلة : 4]
1- عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ تَشْتَكِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا فِى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا] [المجادلة : 1] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِىُّ3 / 462
2- عن عَائِشَةُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : تَبَارَكَ اللَّهُ الَّذِى وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَىْءٍ إِنِّى لأَسْمَعُ كَلاَمَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَيَخْفَى عَلَىَّ بَعْضُهُ وَهِىَ تَشْتَكِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - زَوْجَهَا وَهِىَ تَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلَ شَبَابِى وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِى حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّى وَانْقَطَعَ لَهُ وَلَدِى ظَاهَرَ مِنِّى اللَّهُمَّ إِنِّى أَشْكُو إِلَيْكَ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا : فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِهَؤُلاَءِ الآيَاتِ [قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا] قَالَ : وَزَوْجُهَا أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ. (صحيح ابن ماجة 1/352)
3- عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ رضي الله عنها قالت: وَاللَّهِ فِىَّ ، وَفِى أَوْسِ بْنِ صَامِتٍ ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَدْرَ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ . قالت: كُنْتُ عِنْدَهُ ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا ، قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ وَضَجِرَ . قالت: فَدَخَلَ عَلَىَّ يَوْمًا فَرَاجَعْتُهُ بِشَىْءٍ فَغَضِبَ فَقال : أَنْتِ عَلَىَّ كَظَهْرِ أُمِّى . قالت: ثُمَّ خَرَجَ فَجَلَسَ فِى نَادِى قَوْمِهِ سَاعَةً ثُمَّ دَخَلَ عَلَىَّ فَإِذَا هُوَ يُرِيدُنِي عَلَى نَفْسِي . قالت: فَقُلْتُ: كَلاَّ وَالَّذِى نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ لاَ تَخْلُصُ إِلَيَّ وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِهِ . قالت: فَوَاثَبَنِي وَامْتَنَعْتُ مِنْهُ فَغَلَبْتُهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الضَّعِيفَ فَأَلْقَيْتُهُ عَنِّي . قالت: ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى بَعْضِ جَارَاتِي ، فَاسْتَعَرْتُ مِنْهَا ثِيَابَهَا ، ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَذَكَرْتُ لَهُ مَا لَقِيتُ مِنْه ، فَجَعَلْتُ أَشْكُو إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ . قالت: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يََقُول: يَا خُوَيْلَةُ ، ابْنُ عَمِّكِ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَاتَّقِي اللَّهَ فِيهِ . قالت: فَوَالله مَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ فِىَّ الْقُرْآنُ ، فَتَغَشَّى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ ، ثُمَّ سُرِّىَ عَنْهُ فَقَالَ لِي: يَا خَويْلَةُ ، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِي صَاحِبِكِ ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَىَّ: [قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ] إِلَى قَوْلِهِ: [وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ] فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً . قالت: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَهُ مَا يُعْتِقُ , قال : فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ . قالت: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ . فَقال : فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ . قالت: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَاكَ عِنْدَهُ . قالت: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَإِنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ . قالت: فَقُلْتُ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ , قال : قَدْ أَصَبْتِ وَأَحْسَنْتِ فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي عَنْهُ ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْرًا . قالت: فَفَعَلْتُ. (المسند 6/410-411) حسن لغيره، قال ابن كثير: هذا هو الصحيح في سبب نزول صدر هذه السورة (8/62)
أولاً: حكم الظهار وكفارته
[/(1) - [ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ ] يا محمد [ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ] هي خولة بنت ثعلبة، وكانت مجادلتها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها، أوس بن الصامت، مراجعتها إياه في أمره، وما كان من قوله لها: أنت عليّ كظهر أمي، ومحاورتها إياه في ذلك [ وَتَشْتَكِي ] المجادلة ما لديها من الهم بظهار زوجها منها [ إِلَى اللَّهِ ] وتسأله الفرج [ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ] تحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجادلة خولة بنت ثعلبة [ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ] لما يتحاورانه وغير ذلك من كلام خلقه [ بَصِيرٌ ] بما يعملون لا تخفى عليه خافية.
(2) – [ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم ] يحرمون نساءهم على أنفسهم كقول الرجل لزوجته : (أنت عليَّ كظهر أمي) يعنى في حرمة النكاح ، وذلك كان طلاق الرجل امرأته في الجاهلية [ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ] لَسْنَ في الحقيقة أمهاتهم، بل هن لهم حلال [ إِنْ] ما [ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ * وَإِنَّهُمْ ] وإن هؤلاء الرجال المظاهِرين [ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ ] قولا فظيعًا [ وَزُورًا ] كذبا [ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ ] لذو عفو وصفح عن ذنوب عباده إذا تابوا منها وأنابوا [ غَفُورٌ ] لهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة.
(3) - [ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِّن نِّسَائِهِم ] يحرِّمون نساءهم على أنفسهم بقولهم: أنتن علينا كظهور أمهاتنا [ ثُمَّ يَعُودُونَ] يرجعون [ لِمَا قَالُوا ] عن قولهم لتحليل ما حرموا على أنفسهم مما أحله الله لهم [ فَتَحْرِيرُ ] فعليه كفارة التحريم تحرير [ رَقَبَةٍ ] مؤمنة عبد أو أمة [ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ] من قبل أن يماس الرجل المظاهر امرأته التي ظاهر منها [ ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ] لعلكم تتعظون به فتنتهون عن الظهار وقول الزور [ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ ] بأعمالكم [ خَبِيرٌ ] لَا يخفى عليه شيء منها وهو مُجازيكم عليها فانتهوا عن قول المنكر والزور.
(4) - [ فمن لَّمْ يَجِدْ ] منكم ممن ظاهر من امرأته رقبة يُعتقها [ فَصِيَامُ] فالواجب عليه صيام [ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْن ] لَا فصل بينهما بإفطار في نهار شيء منهما إلا من عذر [ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ] أن يطأ الرجل زوحته [ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ ] منهم صيام الشهرين لعذر شرعي [ فَإِطْعَامُ ] فعليه إطعام [ سِتِّينَ مِسْكِينًا ] بما يشبعهم [ ذَلِكَ ] هذا الذي فرضته من أحكام الظهار [ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ] إنما فعلته كي تقروا بتوحيد الله ورسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وتعملوا بما شرعه الله لكم وتنتهوا عن القول الزور
وفيها دليل أن كفارة الظهار مرتبة على ما يلي:
1. عتق الرقبة إذا أمكن .
2. إذا لم يمكن عتق الرقبة فإنه يصوم شهرين متتابعين .
3. إذا لم يمكن صيام الشهرين فإنه يطعم ستين مسكينًا
[ وَتِلْكَ ] وهذه [ حُدُودُ اللَّهِ ] فلا تتجاوزوها أيها الناس [ وَلِلْكَافِرِينَ ] بهذه الحدود والأحكام [ عَذَابٌ أَلِيمٌ ] مؤلم مؤجع
قال ابن القيم رحمه الله : الظهار محرم وليست جهة تحريمه إلا كونه كذبا والدليل على تحريمه خمسة أشياء
1. ما وصفه بالمنكر
2. وصفه بالزور
3. أنه شرع فيه الكفارة ولو كان مباحا لم يكن فيه كفارة
4. أن الله قال ذلكم توعظون به المجادلة 3 والوعظ إنما يكون في غير المباحات
5. قوله وإن الله لعفو غفور المجادلة 2 والعفو والمغفرة إنما يكونان عن الذنب اهـ التفسير القيم 2/ 194
ثانيا : بيان عاقبة أعداء الدين
(5) - [ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ ] يشاقون ويخالفون [ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ] أمر الله ورسوله [ كُبِتُوا ] خذلوا وغِيظوا [ كَمَا كُبِتَ ] غِيظ [ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ] من الأمم الذين حادوا الله ورسوله [ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ] دلالات مفصلات وعلامات محكمات واضحات تدل على أن حدود الله حق [ وَلِلْكَافِرِينَ ] ولجاحدي الآيات البينات ومنكريها [ عَذَابٌ ] يوم القيامة [ مُّهِينٌ ] مُذِلّ في جهنم.
(6) - واذكر - أيها الرسول- [ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ] من قبورهم لموقف القيامة [ فَيُنَبِّئُهُم ] فيخبرهم الله [ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ ] فعده عليهم وأثبته وحفظه في اللوح المحفوظ [ وَنَسُوهُ ] ونسيه عاملوه [ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ] شاهد بعلمه لا يخفى عليه شيء.
ثالثا : علم الله محيط بالخلق
(7) - [ أَلَمْ تَرَ ] ألم تنظر يا محمد بعين قلبك فترى [ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ] من شيء لَا يخفى عليه صغير ذلك وكبيره؟ [ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ ] من خلفه [ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ ] بعلمه وإحاطته وهو على عرشه يسمع سرهم ونجواهم
قال أبو عمر ابن عبد البر : أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل, قالوا في تأويليها وهو على العرش, وعلمه في كل مكان, وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله اهـ
وقال أبو نصر السجزي : أئمتنا كسفيان الثوري , ومالك , وحماد بن سلمة , وحماد بن زيد , وسفيان بن عيينة , والفضيل , وابن المبارك , وأحمد , وإسحاق , متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش وعلمه بكل مكان اهـ
[ وَلَا ] يكون من نجوى [ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ ] كذلك [ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ ] ولا أقل من ثلاثة [ وَلَا أَكْثَرَ ] من خمسة [ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ ] إذا تناجوا [ أَيْنَ مَا كَانُوا ] في أي موضع ومكان كانوا [ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم ] ثم يخبرهم [ بِمَا عَمِلُوا ] من عمل مما يحبه أو يسخطه [ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ]
فهو سبحانه مع عباده بعلمه, وأن الله تعالى فوق السماوات بذاته, مستو على عرشه , كما نطق به كتابه وعلماء الأمة, وأعيان الأئمة من السلف لم يختلفوا أن الله على عرشه فوق سماواته.
رابعا : بيان شر اليهود
(8)- سبب النزول/: عَنْ عَائِشَةَ . رضي الله عنها قَالَتْ : اتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اُنَّاسٌ مِنَ الْيَهُودِ . فَقَالُوا : السَّامُ عَلَيْكَ . يَا ابَا الْقَاسِمِ . قَالَ : وَعَلَيْكًمْ . قَالَتْ عَائِشَةُ : قُلْتُ : بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم : يَاعَائِشَةُ ، لاتَكُونِي فَاحِشَةً . فَقَالَتْ : مَاسَمِعْت مَاقَالُوا ؟ فَقَالَ : اوَ لَيْس قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمُ الَّذِي قَالُوا ؟ قُلْتُ : وَعَلَيْكُمْ. زاد في رواية ابن نُمير: فَفَطِنَتْ بِهِمْ عَائِشَةُ فَسَبَّتْهُمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم : مَهْ يَاعَائِشَةُ . فَإِنَّ اللهَ لايُحِبُّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ . وَزَادَا : فَانْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ] [المجادلة : 8] إِلَى اخِرِ الايَة. أخرجه مسلم ( 7 / 5 ) الذام : العيب ، والسام : الموت
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : [ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ] من اليهود الذين نُهوا عن الحديث سرًّا بما يثير نفوس المؤمنين [ ثُمَّ يَعُودُونَ ] يرجعون [ لِمَا نُهُوا عَنْهُ ] من النجوى [ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ] ، ويتحدثون سرًّا بما حرم الله عليهم من الفواحش [ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ ] ومخالفة أمر الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم [ وَإِذَا جَاؤُوكَ ] الذين نهوا عن النجوى [ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ] بغير التحية التي جعلها الله لك تحية، وهي قولهم: السَّامُ عليك، أي: الموت لك [ وَيَقُولُونَ ] ويقول محيوك بهذه التحية من اليهود [ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ ] هلا يعاقبنا [ بِمَا نَقُولُ ] لمحمد صلى الله عليه وسلم فيعجل عقوبته لنا على ذلك! [ حَسْبُهُمْ ] حسب قائلي ذلك يا محمد [ جَهَنَّمُ ] وكفاهم بها [ يَصْلَوْنَهَا ] يقاسون حرها يوم القيامة [ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ] المرجع.
ويرى بعض المفسرين أن الآيات تختص ببيان حال المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وليس اليهود ، وأن الحديث ليس سببا في نزول الآية، لأن المنافقين، هم الأجدر على المناجاة بالإثم والعدوان لقربهم من المؤمنين، حيث يظهرون الإيمان والمودة للمؤمنين، مع ما تنطوي عليه قلوبهم من الكفر والشر المستطير .
خامسا : آداب النجوى
(9)- [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ] باللهِ قولاً واعتقادًا وعملاً بشرعِه [ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ ] تحدثتم فيما بينكم سرًا [ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ] من القول [ وَالْعُدْوَانِ] على غيركم [ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ ] لكن [ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ ] بطاعة الله وما يقربكم منه [ وَالتَّقْوَى ] بأداء ما كلفكم من فرائضه واجتناب معاصيه [ وَاتَّقُوا ] وخافوا [ اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ] إليه مصيركم ومرجعكم.
عن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث)) البخاري/ 11/84، ومسلم (4/1718 ).
(10)- [ إِنَّمَا النَّجْوَى ] مناجاة المنافقين بعضهم بعضا سرًا بالإثم والعدوان [ مِنَ ]وسوسة[الشَّيْطَانِ ] ثم بيَّن ما في ذلك من المكروه على أهل الإيمان وعن سبب نهيه إياهم عنه فقال: [ لِيَحْزُنَ ] ليُدْخِل الحزن على قلوب [الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا ] ليس التناجي بضار المؤمنين شيئا إذا حفظهم ربهم [ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ] بقضاء الله وقدره [ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ] في أمورهم، ولا يحزنوا من تناجي المنافقين ومن يكيدهم بذلك.
سادسا : آداب المجلس وفضل العلم وأهله
(11) - [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ] بالله قولا واعتقادا وعملا بشرعه [ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ ] من مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجالس القتال [ فَافْسَحُوا ] فوسعوا [ يَفْسَحِ ] يوسع [ اللَّهُ لَكُمْ ] منازلكم في الجنة
 عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه] قلت لنافع: الجُمعة؟ قال: الجمعة وغيرها. (صحيح البخاري 2/456.
 وعن قتادة رحمه الله قال : كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأوه مقبلا ضيقوا مجلسهم، فأمرهم الله تعالى أن يوسع بعضهم لبعض . فتح الباري 11/62.
 وعن جابر رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا تماروا به السفهاء ولا تخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار ) قال شعيب الأرنؤوط : رجاله ثقات رجال الصحيح ومعنى لا تخيروا : أَيْ لا تمكنوا ولَا تَخْتَارُوا بِهِ خِيَار الْمَجَالِس وَصُدُورهَا لما فيه من حب الجاه وهو داء لا ينجو منه إلا المخلصون.
[ وَإِذَا قِيلَ ] لكم [ انشُزُوا ] قوموا إلى قتال عدو أو صلاة أو عمل خير أو تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فَانشُزُوا ] فقوموا [ يَرْفَعِ اللَّهُ] مكانة [ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ] بطاعتهم ربهم فيما أمرهم به من التفسح في المجلس، أو بنشوزهم إلى الخيرات [ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ] من أهل الإيمان على المؤمنين الذين لم يؤتوا العلم بفضل علمهم [ دَرَجَاتٍ ] إذا عملوا بما أمروا به .
قال شيخ الإسلام: هُمْ الَّذِينَ يَرَوْنَ مَا أُنْزِلَ إلَى الرَّسُولِ هُوَ الْحَقُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَ الْحُجَّةِ وَالْقِيَامَ بِهَا يَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ يَرْفَعُهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ } قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : بِالْعِلْمِ ، فَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ وَالْأَقْدَارِ عَلَى قَدْرِ مُعَامَلَةِ الْقُلُوبِ بِالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فَكَمْ مِمَّنْ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَآخَرُ لَا يَنَامُ اللَّيْلَ وَآخَرُ لَا يُفْطِرُ وَغَيْرُهُمْ أَقَلُّ عِبَادَةً مِنْهُمْ وَأَرْفَعُ قَدْرًا فِي قُلُوبِ الْأُمَّةِ اهـ مجموع الفتاوى 16/48
[ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ] بأعمالكم أيها الناس [ خَبِيرٌ ] لَا يخفى عليه المطيع منكم ربه من العاصي، وهو مجازٍ جميعكم بعمله بالذي هو أهله أو يعفو عنه
وفيها دليل على مكانة أهل العلم وفضلهم، ورفع درجاتهم لقُولُه صلى الله عليه وسلم :« .. وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ »صحيح أبي داود / 3643
عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي وكان عامل عمر علي مكة - أنه لقيه بعسفان فقال له: من استخلفت؟ فقال: استخلفت ابن أبزي مولى لنا. فقال عمر: استخلفت مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض. فقال عمر: أما إن نبيكم قد قال: ]إن الله قد يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين] رواه مسلم :/817
وقال صلى الله عليه وسلم : « من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين » رواه البخاري / 69
والفقه في الدين هو : الفقه في كتاب الله عز وجل ، والفقه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن رأس العلم خشية الله سبحانه وتعالى وتعظيم حرماته ومراقبته عز وجل فيما يأتي العبد ويذر , فمن فقد خشية الله ومراقبته فلا قيمة لعلمه اهـ فتاوى ابن باز 22/ 28
سابعا : الأمر بالصدقة قبل مناجاة الرسول
[/ ](12) سبب النزول : عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ ] [المجادلة: 12] وذلك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى شقوا عليه ، فأراد الله تعالى أن يخفف عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلما قال ذلك ظن كثير من الناس ، وكفوا عن المسألة ، فأنزل الله تعالى بعد هذا [ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ] [المجادلة : 12] المجادلة فوسع الله ذلك ، ولم يضيق أخرجه الطبري في جامع البيان 28/15 بإسناد حسن.
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ] بالله قولا وتصديقا وعملا بشرعه[ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ ] أردتم أن تُكلِّموا رسول الله سرًّا [ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ ] أمام [ نَجْوَاكُمْ ] رسول الله صلى الله عليه وسلم [صَدَقَةً ] تتصدقون بها على أهل المسكنة والحاجة [ ذَلِكَ ] تقديمكم تلك الصدقة [ خَيْرٌ لَّكُمْ ] عند الله [ وَأَطْهَرُ ] لقلوبكم من المآثم [ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا ] ما تتصدقون به فلا حرج عليكم [ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ] ذو عفو عن ذنوبكم إذا تبتم منها [ رَّحِيمٌ ] بكم أن يعاقبكم عليها بعد التوبة.
(13) سبب النزول : أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة أنه قال في قوله تعالى : [ أأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ] [المجادلة : 13] فريضتان واجبتان لا رجعة لأحد فيهما، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الصدقة في النجوى.
\[ أأَشْفَقْتُمْ ] أشقَّ عليكم وخشيتم الفاقة أيها المؤمنون [ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ] إذا قدَّمتم صدقة قبل مناجاتكم رسول الله؟ [ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا ] فإن لم تقدموا بين يدي نجواكم صدقات [ وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ] ورزقكم الله التوبة من ترككم ذلك [ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ] فاثبتوا وداوموا على فرائض الله التي أوجبها عليكم ولم يضعها عنكم من الصلاة والزكاة [ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ] فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه [ وَاللَّهُ خَبِيرٌ ] ذو علم [ بِمَا تَعْمَلُونَ ] وهو محصيها عليكم ليجازيكم بها.
ثامنا: ذم المنافقين
[/COLOR](14) - [ ألم تَرَ إِلَى ] المنافقين [الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم ] من اليهود [ مَّا هُم ] ما هؤلاء [ مِّنكُمْ ] من أهل دينكم [ وَلَا ] هم [ مِنْهُمْ ] من اليهود الذين غضب الله عليهم [ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ] وذلك قولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : نشهد إنك لرسول الله وهم كاذبون غير مصدقين به.
(15) - [ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ ] لهؤلاء المنافقين الذين تولوا اليهودَ [ عَذَابًا شَدِيدًا ] في الآخرة [ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ] في الدنيا بغشهم المسلمين ونصحهم لأعدائهم من اليهود.
(16) - [ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ ] جعلوا حلفهم وأيمانهم [ جُنَّةً] وقاية وحماية لهم من القتل [ فَصَدُّوا ] المؤمنين [ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ] مذل لهم في النار.
(17)- [ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ ] تدفع عن هؤلاء المنافقين [ أَمْوَالُهُمْ ] يوم القيامة [ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ] فينصرونهم من الله إذا عاقبهم [ أُوْلَئِكَ ] المنافقون [ أَصْحَابُ النَّارِ ] أهلها الذين [ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ] ماكثون إلى غير نهاية ، وهو دليل على بقاء الكفار والمنافقين في النار أبدا لا يخرجون منها.
(18) سبب النزول : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا فِي ظِلِّ حُجْرَتِهِ قَالَ يَحْيَى قَدْ كَادَ يَقْلِصُ عَنْهُ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: يَجِيئُكُمْ رَجُلٌ يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ بِعَيْنِ شَيْطَانٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَلَا تُكَلِّمُوهُ فَجَاءَ رَجُلٌ أَزْرَقُ فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَالَ: عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ؟! قَالَ كَمَا أَنْتَ حَتَّى آتِيَكَ بِهِمْ قَالَ فَذَهَبَ فَجَاءَ بِهِمْ فَجَعَلُوا يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَمَا فَعَلُوا وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: [يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ] [المجادلة : 18] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ حسنه الأرنؤوط في المسند/(4/48) .
[ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ] يبعث الله المنافقين من قبورهم [ فَيَحْلِفُونَ لَهُ] أنهم كانوا مؤمنين [ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ] كاذبين مبطلين فيها [ وَيَحْسَبُونَ ] ويظنون [ أنهم ] في أيمانهم وحلفهم بالله [ عَلَى شَيْءٍ ] من الحق [ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ] فيما يحلفون عليه.
قال البغوي : نزلت في المنافقين تولوا اليهود وناصحوهم ونقلوا أسرار المؤمنين إليهم اهـ معالم التنزيل 4/311
(19)- [ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ ] غلب عليهم الشيطان [ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ] أوامر الله وطاعته[ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ] جنده وأتباعه [ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ ] جند الشيطان وأتباعه [ هُمُ الْخَاسِرُونَ ] الهالكون.
عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: قال لي أبو الدرداء: أين مسكنك؟ فقلت: في قرية دون حمص فقال أبو الدرداء - رضي الله عنه - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية)) صحيح الترغيب/ 425.
عاشرًا : ذلة المخالفين لله ولرسوله
(20) - [ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ] يخالفون الله ورسوله في حدوده، وفيما فرض عليهم من فرائضه فيعادونه [ أولئك في الأذلين ] هؤلاء في أهل الذلة المهانين في الدنيا والآخرة لأن الغلبة لله ورسوله.
(21) - [ كَتَبَ اللَّهُ ] قضى الله وخط في اللوح المحفوظ [ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ] مَن حادني وشاقني بالقهر والحجة والبرهان [ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ ] ذو قوة وقدرة على كل من حاده ورسوله أن يهلكه [ عَزِيزٌ ] القوي الذي لا يغلب الذي له علو الشأن والفوقية في ذاته وصفته
الحادي عشر : لا يواد المؤمنون الكافرين
(22) - [ لَا تَجِدُ ] يا محمد [ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ] يقرون ويصدقون[ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ] يوالون [ مَنْ حَادَّ] عادى [ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ] وشاقهما، ومن صور ذلك ود الكفار ومحبتهم وإخاءهم ونصرتهم واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين [ وَلَوْ كَانُوا ] ولو كان الذين حادوا الله ورسوله [ آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ] أو أقرباءهم [ أُوْلَئِكَ ] الذين لَا يوادون من حاد الله ورسوله [ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ] وقوَّاهم ببرهان منه ونور وهدى [ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ ] بساتين [ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ] من تحت أشجارها [ الْأَنْهَارُ خالدين فيها ] [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ] بطاعتهم إياه في الدنيا [ وَرَضُوا عَنْهُ ] في الآخرة بإدخاله إياهم الجنة [ الكتاب من مساكنهم ومنازلهم بهذا الذل والهوان لشدة بأسهم [أوْلَئِكَ ] الذين هذه صفتهم [ حِزْبُ اللَّهِ ] جند الله وأولياؤه [ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ ] ألا إن جند الله وأولياءه [ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ] الفائزون الناجون.
وفيها دليل أن الصادقين في إيمانهم لا يحبون الكفار، ولو كانوا من أقرب الناس إليهم نسبا من آبائهم وأبنائهم فلا يجوز حضور أعيادهم، ولا تهنئتهم بها ؛ لأن في ذلك توددا إليهم ، وإشعارا بالرضا عنهم وعن شعائرهم ، وتعاونا معهم على الإثم والعدوان اهـ اللجنة الدائمة رقم / 1851
سؤال : ما الطريقة المثلى لمعاملة الذمي؟
الإجابة : الطريقة المثلى في معاملة المسلمين للذمي: الوفاء له بذمته؛ للآيات والأحاديث التي أمرت بالوفاء بالعهد، وبره ومعاملته بالعدل، لقوله تعالى: { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } الممتحنة: 8 ولين القول معه، والإحسان إليه عموما إلا فيما منع منه الشرع، كبدئه بالسلام، وتزويجه المسلمة، وتوريثه من المسلم، ونحو ذلك مما ورد النص بمنعه اهـ اللجنة الدائمة رقم / 2677
يتابع بإذن الله تعالى
 
ســورة الحشر
الحشر : الجمع وعني بها أرض الشام تذكيرا بما حل ليهود بني النضير حين أجلاهم الله لأرض الشام.
1- سبب النزول : عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت غزوة بني النضير - وهم طائفة اليهود -على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الابل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة -يعني السلاح- فأنزل الله فيهم [ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ] [الحشر : 1] إلى قوله [ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ] [الحشر : 3] فقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا وكان الله قد كتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي وأما قوله [لأول الحشر] فكان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام. رواه الحاكم في المستدرك (2/483) وصححه الذهبي.
أولا : يسبح لله كل شيء
[ سَبَّحَ لِلَّهِ ] نزَّه الله عن كل ما لا يليق به وصلى لله وسجد له [ مَا] كلُّ ما [ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ] من خلقه [ وَهُوَ الْعَُزِيز ] القوي الذي لا يغلب [ الْحَكِيمُ ] في تدبيره وتشريعه.
ثانيا: ما حل ببني النضير
2- [ هُوَ ] الله [ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا ] جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم [ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ] وهم يهود بني النضير [ مِن دِيَارِهِمْ ] من مساكنهم من جزيرة العرب التي جاوروا بها المسلمين حول المدينة حين صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يؤمنهم على دمائهم ونسائهم، وعلى أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم، ويخلوا له دورهم وسائر أموالهم [ لِأَوَّلِ الْحَشْر ] أرض الشام [ مَا ظَنَنتُمْ] أيها المسلمون[ أَن يَخْرُجُوا ] أن يخرج اليهود [ وَظَنُّوا] وظن اليهود [ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ ] أن حصونهم تدفع عنهم بأس الله [ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا] من حيث لم يخطر لهم ببال أنه يأتيهم [ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ] الخوف الشديد والفزع [ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم ] مساكنهم [ بِأَيْدِيهِمْ ] بني النضير من اليهود، وذلك أنهم كانوا ينظرون إلى الخشبة في منازلهم مما يستحسنونه أو العمود أو الباب، فينزعون ذلك منها بأيديهم [ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا ] فاتعظوا [ يَا أُولِي الْأَبْصَارِ] يا معشر ذوي الأفهام و البصائر السليمة بما أحل الله بهؤلاء اليهود من نقمة الله تعالى.
وفي قوله تعالى : [فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ] يا أهل العلم والبصيرة والعقل ، دليل على مدح الله تعالى للعلم والعقل والفقه ونحو ذلك وهو كثير في القرآن يأمر ويمدح التفكر والتدبر والتذكر والنظر والاعتبار والفقه والعلم والعقل والسمع والبصر والنطق ونحو ذلك من انواع العلم واسبابه وكماله ويذم اضداد ذلك اهـ الاستقامة لشيخ الإسلام 2/ 159
3 - [ وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ ] قضى في أم الكتاب [ عَلَيْهِمُ ] على هؤلاء اليهود من بني النضير [ الْجَلَاء ] الانتقال من موضع إلى موضع وبلدة إلى أخرى [ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ] بالقتل والسبي، ولكنه رفع العذاب عنهم وجعل عذابهم في الدنيا الجلاء [ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ]
4- [ ذَلِكَ ] الذي أصاب اليهود من إخراجهم من ديارهم، وقذف الرعب في قلوبهم من المؤمنين وغيره من العذاب[ بِأَنَّهُمْ]بسبب أنهم [ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ] خالفوا أمر الله ورسوله [ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ ] يخالف الله في أمره ونهيه [ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ]
ثالثا : ما وقع من قطع النخيل فإذن الله
5 – سبب النزول: عَن ابنِ عُمر رضي الله عنهما قال: حَرَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَخْلَ بَنِى النَّضِيرِ وقَطَع، وهي ِالْبُوَيْرَة ، فَنَزلَت [مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ] [الحشر : 5] البخاري/ 4031 ، و رواه مسلم / 4651. البويرة: تصغير البئر، وهي موضع منازل بني النضير في المدينة.
وعن ابن عباس رضي الله عنها قال : « في قول الله عز وجل {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [سورة الحشر 59/5] 1 قال اللينة النخلة {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر 59/5] 1 قال استنزلوهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل فحك في صدورهم فقال المسلمون قطعنا بعضا وتركنا بعضا فلنسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لنا فيما قطعنا من أجر وهل علينا فيما تركنا من وزر؟! فأنزل الله عز وجل {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [سورة الحشر 59/5] » صحيح الترمذي / 2631.
[ مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ ] ما قطعتم من ألوان النخل [ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا ] على ساقها من غير أن تتعرضوا لها، [ فَبِإِذْنِ اللَّهِ ] فبأمر الله وشرعه بإذن الله وشرعه، فرخص لهم -سبحانه وتعالى- في أن يقطعوا نخل بني النضير، أو يبقوها، وهي دالة على الإذن الشرعي [ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ] وليذل الخارجين عن طاعة الله عز وجل المخالفين أمره ونهيه وهم يهود بني النضير حيث سلطلكم على قطع نخيلهم وحرقها، وقد أنزلت هذه الآية لقطع نخل بني النضير وحرقها، فقالت بنو النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك كنت تنهى عن الفساد وتعيبه فما بالك تقطع نخلنا وتحرقها؟ فأنزل الله هذه الآية فأخبرهم أن ما قطع من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ترك فمن أمر الله فعل
وعن ابن عمر: أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير، وأقرّ قريظة ومَنَّ عليهم.حتى حاربت قريظة بعد ذلك. فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين. إلا أن بعضهم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنهم وأسلموا. وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود المدينة كلهم: بني قينقاع (وهم قوم عبد الله بن سلام).ويهود بني حارثة. وكل يهودي كان بالمدينة. رواه مسلم/ 1766) .
6 - [ وَمَا أَفَاء اللَّهُ ] والذي رده الله [ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ ] من أموال بني النضير بغير قتال [ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ] فما أوضعتم فيه [ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ] فلم تركبوا له خيلا ولا إبل، لأن المسلمين لم يلقوا في ذلك حربا ولا كلفوا فيه مئونة، [ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ ] فيستسلمون لهم بلا قتال ، كما سلط محمدا صلى الله عليه وسلم على بني النضير[ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ] أراده [ قَدِيرٌ ] ذو قدرة لَا يعجزه شيء
عن عمر بن الخطاب حديثا طويلا ومنه: إن الله قد خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء لم يعطه أحداً غيره ثم قرأ [وما أفاء الله على رسوله منهم] إلى قوله (قدير) فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووالله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم. رواه البخاري/ 3093
عن عمر - رضي الله عنه - قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجِفِ المسلمون عليه بخَيل ولا رِكاب، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، يُنفق على أهله منها نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكُراع عدّة في سبيل الله. رواه البخاري/ 1757
رابعا: أموال الفيء ومصارفها
7- [ مَّا أَفَاء اللَّهُ ] الذي رد الله عز وجل [ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ] من أموال مشركي القرى، وهذه الآية حكمها غير حكم الآية التي قبلها وذلك أن الآية التي قبلها مال جعله الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيره[ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ] ولذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب [ وَالْيَتَامَى ] وهم أهل الحاجة من أطفال المسلمين الذين لَا مال لهم [ وَالْمَسَاكِينِ ] وهم الجامعون فاقةَ وذل المسألة [ وَابْنِ السَّبِيلِ ] وهم المنقطع بهم من المسافرين في غير معصية الله عز وجل [ كَيْ لَا يَكُونَ ] حتى لا يكون ذلك الفيء أو المال [ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ ] يتداوله الأغنياء منكم وحدهم ويحرم منه المحتاجين [ وَمَا آتَاكُمُ] وما أعطاكم [الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ] مما أفاء الله عليه [ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ ] من الغلول وغيره [ فَانتَهُوا]
وفيها دليل على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وتقريراته، و الحذر من ترك السنة، والابتداع في الدين قال صلى الله عليه وسلم : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة » صحيح أبي داود/ 4607وقال صلى الله عليه وسلم « من أحدث في أمرنا يعني ديننا هذا ما ليس منه فهو رد » أي مردود . متفق عليه.
ولن تكون هداية إلا باتباعه والتمسك بهداه ، كما قال الله سبحانه وتعالى : { وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } النور : 54.
[ وَاتَّقُوا اللَّهَ ] وخافوا الله واحذروا عقابه [ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ] لمن عاقبه من أهل معصيته لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو دليل على تحذير الشارع من مخالفة أمره بقوله تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } النور : 63
وأن من أعرض عن أوامره فهو متابع لهواه عاص لمولاه مستحق للمقت والعقوبة, قال تعالى : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } القصص : 50
قال صلى الله عليه وسلم : « كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل : يا رسول الله : ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى » رواه البخاري.
خامسا: فقراء المهاجرين من مستحقي أموال الفيء
8 - [ لِلْفُقَرَاء] وكذلك يُعطى من المال الذي أفاءه الله على رسوله الفقراء [ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا] اضطرهم كفار مكة للخروج [ مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ] يطلبون [ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ] رزقا في الدنيا [ وَرِضْوَانًا] في الآخرة [ وَيَنصُرُونَ اللَّهَ] دين الله [ وَرَسُولَهُ ] بالجهاد في سبيل الله [ أُوْلَئِكَ ] هؤلاء الذين وصف صفتهم من الفقراء المهاجرين [ هُمُ الصَّادِقُونَ ] فيما يقولون.
قال شيخ الإسلام : َهَذِهِ صِفَةُ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَجَرُوا السَّيِّئَاتِ وَجَاهَدُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ مَنِ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ » رواه أحمد، وهو صحيح لغيره وبعضه في صحيح البخارى
9 - سبب النزول : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، أصابني الجهد. فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا رجلٌ يُضيفه الليلة يرحمه الله؟ فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فذهب إلى أهله فقال لامرأته: ضيفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدَّخريه شيئا. فقالت: والله ما عندي إلا قوت الصِّبْية. قال: فإذا أراد الصِّبْية العَشاء فنوِّميهم، وتعاَلْى فأطفئي السِّراج ونطوي بطوننا الليلة. ففعلت. ثم غدا الرجلُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((لقد عجب الله عز وجل -أو ضحك- من فلان وفلانة)) فأنزل الله عز وجل [ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة] [الحشر : 9] .رواه البخاري/4889 ومسلم/ 173
[ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا] استوطنوا واتخذوا [ الدَّارَ ] مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فابتنوها منازل [ وَالْإِيمَانَ ] بالله ورسوله [ مِن قَبْلِهِمْ ] من قبل هجرة المهاجرين [ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ] من ترك منزله وانتقل إليهم، وعني بذلك الأنصار يحبون المهاجرين [ وَلَا يَجِدُونَ ] أي : الأنصار [ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً ] حسدا [ مِّمَّا أُوتُوا ] مما أعطوا من الفيء، حيث خص رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين دون الأنصار من قسم أموال بني النضير إلا رجلين أعطاهما لفقرهما .[ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ ] ويعطون المهاجرين أموالهم إيثارا لهم بها على أنفسهم [ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ]حاجة وفاقة
عن أنس رضي الله عنه قال: لمّا قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله ما رأينا قوماً أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى خِفنا إن يذهبوا بالأجر كله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم)) رواه الترمذي / وصححه الألباني في المشكاة 119/2) .
[ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ] بخل نفسه ، ومنع الفضل من المال، وأما الشحّ في هذا الموضع إنما هو أكل أموال الناس بغير حقّ [ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ] المخلَّدون في الجنة.
وفيها دليل على فضيلة المهاجرين والأنصار والصحابة ومن أبرز خصائصهم الثابتة لهم : الإيمان بالله ، والجهاد في سبيله، والهجرة ، والنصرة لدين الله ، والعلم النافع، والخيرية بعد الأنبياء، والصفوة من قرون هذه الأمة، وهم يتفاضلون:
1- أفضلهم الخلفاء الراشدون الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عن الجميع، الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ]صحيح أبي داود /4607
2- ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة وهم: أبو عبيدة عامر بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهم
3- ثم أهل بدر ثم أهل بيعة الرضوان، قال تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً) [الفتح:18]
4- ثم الذين آمنوا وجاهدوا قبل الفتح، فهم أفضل من الصحابة الذين آمنوا وجاهدوا بعد الفتح، قال تعالى: (لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى) [الحديد:10] أي صلح الحديبية.
5- ثم المهاجرون عموماً، ثم الأنصار؛ لأن الله قدّم المهاجرين على الأنصار في القرآن. قال سبحانه: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) [التوبة:100]، اهـ شرح الطحاوية للفوزان.
10 - [ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ ] من المؤمنين من بعد الأنصار والمهاجرين [ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ] من الأنصار وعني بالذين جاءوا من بعدهم – المهاجرين- أنهم يستغفرون لإخوانهم من الأنصار [ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا] حسدًا وحقدًا [ لِّلَّذِينَ آمَنُوا ] لأحد من أهل الإيمان بك [ رَبَّنَا ] يا ربنا [ إِنَّكَ رَؤُوفٌ ] ذو رأفة بخلقك [ رَّحِيمٌ ] وذو رحمة بمن تاب واستغفر من ذنوبه.
وفيها دليل على وجوب محبة صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، والترضي عنهم ،والدعاء لهم ، والاستغفار لهم، وذكرهم بالخير، والحذر من انتقاصهم ، ولا نتدخل فيما حصل بينهم من حروب، فهم مجتهدون، فمن أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد قال صلى الله عليه وسلم : ]لا تسبّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدُكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفَه . متفق عليه.
وفيها دليل على انتفاع المسلم الميت من دعاء أخيه المسلم له.
قال الشيخ الألباني رحمه الله : وينتفع، الميت من عمل غيره بأمور:
أولا: دعاء المسلم له، إذا توفرت فيه شروط القبول، كما في الآية الكريمة.
ثانيا : صوم النذر عنه، لقولهصلى الله عليه وسلم : (من مات وعليه صيام، صام عنه وليه). متفق عليه.
ثالثا: قضاء الدين عنه ولو كان من غير ولده، لما روي عن سعد بن الاطول رضي الله عنه: أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالا، قال: فأردت أن أنفقها على عياله، قال: فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : إن أخاك محبوس بدينه (فاذهب) فاقض عنه (فذهبت فقضيت عنه، ثم جئت) قلت: يارسول الله، قد قضيت عنه إلا دينار ين ادعتهما امرأة، وليست لها بينة، قال أعطها فإنها محقة، صحيح ابن ماجه
رابعا: ما يفعله الولد الصالح من الاعمال الصالحة، لقوله تعالى : [وأن ليس للانسان إلا ما سعى]، والولد من سعيهما وكسبهما وقوله صلى الله عليه وسلم : إذا مات الانسان انقطع عنه عمله (1) إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).رواه مسلم اهـ أحكام الجنائز 1/ 169 .
سادسا: وعد المنافقين الكذب لبني النضير
11- [ أَلَمْ تَر ] ألم تنظر بعين قلبك يا محمد [ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا ] وهم: عبد الله بن أبي بن سلول، ووديعة ومالك ابنا نوفل، وسويد، وغيرهم [ يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ] بني النضير [ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ ] من دياركم ومنازلكم وأجليتم عنها [ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ] فنُجْلَى عن منازلنا وديارنا معكم [ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا ] ولا نطيع أحدا سألَنَا خُذلانَكم وتركَ نصرتِكم، ولكنا نكون معكم [ وَإِن قُوتِلْتُمْ ] وإن قاتلكم محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه [ لَنَنصُرَنَّكُمْ ] معشر النضير عليهم [ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ ] إن هؤلاء المنافقين الذين وعدوا بني النضير النصرة على محمد صلى الله عليه وسلم [ لكاذبون ] في وعدهم إياهم ما وعدوهم من ذلك.
12 - [ لَئِنْ أُخْرِجُوا ] بنو النضير من ديارهم فأجلوا عنها [ لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ ] لا يخرج المنافقون معهم كما وَعَدوا [ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ ] ولئن قاتلهم محمد صلى الله عليه وسلم لَا ينصرهم المنافقون كما وَعَدوا [ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ ]ولئن نصر المنافقون بني النضير [ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ] منهزمين عن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه هاربين منهم قد خذلوهم [ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ] ثم لَا ينصر الله بني النضير على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بل يخذلهم.
(13) - [ لَأَنتُمْ ] أيها المؤمنون [ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم ] في صدور اليهود من بني النضير من الله [ مِّنَ اللَّهِ ] هم يرهبونكم أشد من رهبتهم من الله [ ذَلِكَ ] هذه الرهبة التي لكم في صدور هؤلاء اليهود التي هي أشد من رهبتهم من الله [ بِأَنَّهُمْ ] من أجل أنهم [ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ] قدر عظمة الله، ولا يرهبون عقابه.
14- [ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ ] هؤلاء اليهود بنو النضير [ جَمِيعًا ] مجتمعين [ إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ ] بالحصون والأسوار [ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ ] أو من خلف حيطان [ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ] عداوة هؤلاء اليهود فيما بينهم شديدة [ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا ] أي: المنافقين وأهل الكتاب، تظنهم مؤتلفين مجتمعة كلمتهم [ وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ] مختلفة لمعاداة بعضهم بعضا [ ذَلِكَ ] هذا الذي وصفت لكم من أمر هؤلاء اليهود والمنافقين [ بِأَنَّهُمْ ] من أجل أنهم [ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ] لا يتدبرون آيات الله ولا يعقلونها.
قال شيخ الإسلام : القتال على الخيل بالسلاح أعلى وأفضل من القتال في الحصون بالسلاح فالحصان خير من الحصون ومن لم يكن قتاله إلا في الحصون والجدر فهو مذموم كما قال تعالى عن اليهود لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جد اهـ الاستقامة /338
(15) - [ كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ] مثل هؤلاء اليهود من بني النضير والمنافقين فيما الله صانع بهم كمثل كفار كفار قريش يوم بدر، ويهود بني قينقاع [ قَرِيبًا ذَاقُوا] نالهم [ وَبَالَ أَمْرِهِمْ ] سوء عاقبة كفرهم في الدنيا [ وَلَهُمْ ] في الآخرة مع ما نالهم في الدنيا من الخزي [ عَذَابٌ أَلِيمٌ ] موجع.
(16) - [ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ ] ومثل هؤلاء المنافقين في إغراء اليهود على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم كمثل الشيطان [ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ] حين زيَّن للإنسان الكفر ودعاه إليه، [ فَلَمَّا كَفَر ] بالله واتبعه وأطاعه [ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ] في نصرتك.
17- [ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا ] فكان عُقبى أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه، فكفر بالله [ أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ] ماكثين فيها أبدا [ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ] المتجاوزين حدود الله كيهود بني النضير والمنافقين الذين، وكل كافر بالله ظالم لنفسه
سابعا: الأمر بالتقوى والاستعداد ليوم القيامة
18- [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ] قولا وتصديقا وعملا بشرعه[ اتَّقُوا اللَّهَ ] بأداء فرائضه واجتناب معاصيه قال ابن مسعود رضي الله عنه ] إذا سمعت الله يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فأرعها سمعك، فإنه إما خير تُؤمر به، وإما شر تُنهى عنه ] .
[ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ ] كل نفس [ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ] ما قدم ليوم القيامة من الأعمال، [ وَاتَّقُوا اللَّهَ ] وخافوا الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه [ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ] إن الله عليم بأعمالكم خيرها وشرها، لَا يخفى عليه منها شيء وهو مجازيكم على جميعها.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : والمعنى : انظروا ما قدمتم للآخرة , فإن كنتم قدمتم أعمالا خيرة فاحمدوا الله عليها واسألوه الثبات , وإن كنتم قدمتم أعمالا سيئة فتوبوا إلى الله منها , وارجعوا إلى الحق والصواب. فالواجب على أهل الإيمان أينما كانوا أن يتقوا الله دائما , ويحاسبوا أنفسهم دائما , ولا سيما وقت الشدائد وعند المحن , كحالنا اليوم , يجب الرجوع إلى الله , والتوبة إليه وحساب النفس وجهادها لله , وما سلط علينا هذا العدو إلا بذنوبنا , فلا بد من جهاد النفس , ولا بد من الضراعة إلى الله , وسؤال الله سبحانه وتعالى أن ينصرنا على عدونا , وأن يذل عدونا , وأن يكفينا شره وشر أنفسنا وشر الشيطان . لا بد من الضراعة إلى الله , وسؤاله التأييد , كما قال تعالى : { فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا } الأنعام: 43. اهـ مجموع فتاوى بن باز 6/110
عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِى النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِى السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ « [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ] إِلَى آخِرِ الآيَةِ [إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ] وَالآيَةَ الَّتِى فِى الْحَشْرِ [اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ] تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حَتَّى قَالَ - وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ». قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ - قَالَ - ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ ». رواه مسلم/ 2398
19 - [ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ ] تركوا أداء فرائض الله [ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ] فأنساهم الله حظوظ أنفسهم من الخيرات [ أُوْلَئِكَ ] الذين نسوا الله [ هُمُ الْفَاسِقُونَ ] الخارجون من طاعة الله إلى معصيته.
ثامنا: بيان عظمة القرآن الكريم
20 - [ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ] لَا يستوى أهل النار وأهل الجنة [ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ] المدركون ما طلبوا وأرادوا، الناجون مما حذروا.
21- [ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ ] من الجبال [ لَّرَأَيْتَهُ ] يا محمد [ خَاشِعًا ] متذللا [ مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ] على قساوته، حذرًا من أن لَا يؤدي حق الله المفترض عليه في تعظيم القرآن [ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ ] وهذه الأشياء [نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ] نوضحها للناس [ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ] في قدرة الله وعظمته فينيبوا وينقادوا للحق ، وفي الآية دليل على أهمية تدبر القرآن والاتعاظ به في القول والعمل.
تاسعا: تمجيد اله بأسمائه وصفاته
22 - [ هُوَ اللَّهُ ] الذي يتصدع الجبلُ من خشيته أيها الناس [ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ] هو المعبود الذي لَا تنبغي العبادة والألوهية إلا له [ عَالِمُ الْغَيْبِ ] عالم غيب السموات والأرض [ وَالشَّهَادَةِ ] وشاهد ما فيهما [ هُوَ الرَّحْمَنُ ] رحمن الدنيا والآخرة [ الرَّحِيمُ ] بأهل الإيمان به.
23 - [ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ] هو المعبود الذي لَا تصلح العبادة إلا له. [ الْمَلِكُ ] المتصرف المطلق الذي لَا ملك فوقه ولا شيء إلا دونه [ الْقُدُّوسُ ]المبارك المنزَّه عن كل نقص [ السَّلَامُ ] الذي سلِم من كل عيب ، وسلم خلقه من ظلمه، وهو اسم من أسمائه [ الْمُؤْمِنُ ] الذي يؤمِّنُ خلقَه مِن ظُلمِه، و المصدِّق رسله وأنبياءه بما ترسلهم به [ الْمُهَيْمِنُ ] الشهيد الرقيب الحافظ [ الْعَزِيزُ ] الشديد في انتقامه ممن انتقم من أعدائه العظيمُ المتعالي القاهِرُ لعُتَاةِ خَلقِهِ [ الْجَبَّارُ ] المصلح أمور خلقه، و الذي قهر جميع العباد [ الْمُتَكَبِّرُ ] عن كل شر ، المتكبر عن قبول الشرك في العبادة فلا يقبل منها إلا ما كان خالصا لوجهه، كما في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قَالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ) رواه مسلم
[ سُبْحَانَ اللَّهِ ] تنزَّه الله [ عَمَّا يُشْرِكُونَ ]. عن كل ما يشركونه به في عبادته.
24 - [ هُوَ اللَّهُ ] المعبودُ الذي لا معبودَ بحق سواه
[ الْخَالِقُ ] ولا خالق سواه ، الذي قدر الأشياء وأبدعها من غير أصل ولا مثيل.
[ الْبَارِئُ ] الذي برأ الخلق فأوجدهم وأنشأهم بقدرته ، الذي برأ من كل عيب وتنزه عن كل نقص [ الْمُصَوِّرُ ] الذي صور المخلوقات كيف شاء
وأبدعها بشتى أنواع الصور الجلية والخفية فلا يتماثل جنسان أو نوعان
[ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى ] الكاملة في الحسن والأسماء: جمع اسم، مأخوذ من السُّمُو وهو الارتفاع، أو من السِّمَة وهي العلامة. وتعدُّد الأسماء يدلّ على عظم المسمّى، فهي أسماءٌ عظيمة، يجب احترامُها، وإجلالُها، ودُعاء الله تعالى بها، والتوسّل إليه تعالى بأسمائه وصفاته، لأنّ ذلك من أسباب الإجابة.
[ يُسَبِّحُ لَهُ مَا] جميع ما [ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ] ويسجد له طوعا وكرها [ وَهُوَ الْعَزِيزُ ] الشديد الانتقام من أعدائه [ الْحَكِيمُ ] في تدبيره لخلقه وصرفهم إلى ما فيه صلاحهم.
وعقيدة أهل السنة هو الجمع في جميع أسمائه وصفاته ( بين النفي والإثبات ) والنفي: نفي ما يضاد الكمال من أنواع العيوب والنقائص كنفي الند والشريك والسنة والنوم والموت واللغوب .
وأما الإثبات فهو إثبات صفات الكمال ونعوت الجلال لله كما في الآية الكريمة ( الملك القدوس السلام .. ).
قال ابن القيم : فسبح نزه نفسه عن شرك المشركين به عقب تمدحه بأسمائه الحسنى المقتضية لتوحيده واستحالة إثبات شريك له أهـ جلاء الأفهام /110
 
60- سورة الممتحنة
الممتحنة : المختبرة ، إشارة إلى اختبار المرأة التي خرجت من دار الكفر إلى دار الإسلام لمعرفة صدق إيمانها .
1- سبب النزول: عن علي رضى الله عنه قال: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ « ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا ». فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَرْأَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِى الْكِتَابَ. فَقَالَتْ مَا مَعِى كِتَابٌ. فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « يَا حَاطِبُ مَا هَذَا ». قَالَ لاَ تَعْجَلْ عَلَىَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِى قُرَيْشٍ - قَالَ سُفْيَانُ كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا - وَكَانَ مِمَّنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِى ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِى وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِى وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « صَدَقَ ». فَقَالَ عُمَرُ دَعْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ « إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ] [الممتحنة : 1] رواه مسلم/ 6557 ، والبخاري/4608، العقاص : جمع عقيصة أو عقصة وهى الضفائر
أولا: الأمر بعداوة الكفار وترك موالتهم
(1) - يقول – تعالى - للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] بالله [ لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ ] من المشركين [أَوْلِيَاء ] أنصارا [ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ] تخبرون المشركين بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم [ وَقَدْ كَفَرُوا ] هؤلاء المشركون [ بِمَا جَاءكُم ] من عند الله [ مِّنَ الْحَقِّ ] وذلك كفرهم بالله ورسوله وكتابه [ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ] رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وَإِيَّاكُمْ ] ويخرجون أصحابه من مكة [ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ] لأن آمنتم بالله [ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ ] من دياركم فهاجرتم منها [ جِهَادًا فِي سَبِيلِي ] للجهاد في طريقي الذي شرعته لكم [ وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي ] والتماس مرضاتي [ تُسِرُّونَ] أيها المؤمنون [ إِلَيْهِم] إلى المشركين بالله [ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ ] منكم [ بِمَا أَخْفَيْتُمْ ] بما أخفى بعضكم من بعض فأسره منه [ وَمَا أَعْلَنتُمْ ] وأعلم أيضا منكم ما أعلنه بعضكم لبعض [ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ ] ومن يُسِرُّ منكم إلى المشركين بالمودة أيها المؤمنون [ فَقَدْ ضَلَّ] فقد جار [ سَوَاء السَّبِيلِ ] عن قصد السبيل التي جعلها الله طريقا إلى الجنة.
2 - [ إِن يَثْقَفُوكُمْ ] يظفر بكم هؤلاء المشركون الذين تسرون إليهم بالمودة ويتمكنوا منكم [ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء ] حربا وأعداء [ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ ] بالقتال [ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ] وتمنوا لكم أن تكفروا بربكم فتكونوا على مثل الذي هم عليه.
3- [ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ] عند الله [ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ] فتدفع عنكم عذاب الله يومئذ إن أنتم عصيتموه وواليتم الكفار مِن أجلهم [ يَفْصِلُ ] ربكم أيها المؤمنون [ بَيْنَكُمْ ] بأن يدخل أهل طاعته الجنة وأهل معاصيه والكفر به النار [ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ ] والله بأعمالكم أيها الناس [ بَصِيرٌ ] ذو علم وبصر لَا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم بها .
ثانيا : الاقتداء بإبراهيم عليه السلام
4- [ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ ] أيها المؤمنون [ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ] قدوة حسنة [ فِي إِبْرَاهِيمَ ] خليل الرحمن تقتدون به [ وَالَّذِينَ مَعَهُ ] من أنبياء الله [ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ ] الذين كفروا بالله وعبدوا الطاغوت: يا أيها القوم [ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ] من الآلهة والأنداد [ كَفَرْنَا بِكُمْ ] جحدنا عبادتكم التي تعبدون من دون الله [ وَبَدَا ] وظهر [ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا ] على كفركم بالله وعبادتكم ما سواه ولا صلح بيننا ولا هوادة [ حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ] فتوحدوه وتفردوه بالعبادة [ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ] كان ذلك من إبراهيم قبل أن يتبين له أنه عدو الله، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، [ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ] وما أدفع عنك [ مِنَ اللَّهِ ] من عقوبة الله [مِن شَيْءٍ ]إن عاقبك اللهُ على كفرك به[ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا ] وإليك رجعنا بالتوبة مما تكره إلى ما تحب وترضى [ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ] وإليك مصيرنا ومرجعنا
وفي الآية دليل على فضيلة الحب في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله ، قال صلى الله عليه وسلم : ]أوثق عرى الإيمان : الحب في الله والبغض في الله] .أخرجه الطبراني وحسنه الألباني
قال شيخ الإسلام:- رحمه اللّه تعالى-: إنّ تحقيق شهادة أن لا إله إلّا اللّه يقتضي أن لا يحبّ إلّا للّه، ولا يبغض إلّا للّه ولا يوالي إلّا للّه، ولا يعادي إلّا للّه، وأن يحبّ ما أحبّه اللّه، ويبغض ما أبغضه اللّه) الاحتجاج بالقدر (62)
5- [ رَبَّنَا ] يا ربنا [ لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا ] بأن تسلطهم علينا، فتجعلنا بذلك فتنة لهم [ وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ] واستر علينا ذنوبنا بعفوك لنا عنها يا ربنا [ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ ] الشديد الانتقام، العزيز الذي لا يغالَب [ الْحَكِيمُ ] الحكيم في تدبيره لخلقه وتصريف أمورهم.
6- [ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ ] أيها المؤمنون [ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ] قدوة حسنة في إبراهيم، والذين معه من الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم [ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ ] يرجو لقاء الله وثواب الله [ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ] والنجاة في اليوم الآخر [ وَمَن يَتَوَلَّ ] عما أمره الله به، ووالى أعداء الله، وألقى إليهم بالمودة [ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ ]عن إيمانه به وطاعته إياه وعن جميع خلقه [ الْحَمِيدُ ] عند أهل المعرفة بآلائه وأنعمه
7 - [ عَسَى اللَّهُ ] أيها المؤمنون [ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم ] من أعدائي من مشركي قريش [ مَّوَدَّةً ] ففعل الله ذلك بهم بأن أسلم كثيرٌ منهم فصاروا لهم أولياء وأحزابا [ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ] ذو قدرة على أن يشرح صدروهم للإسلام [ وَاللَّهُ غَفُورٌ ] لخطيئة من ألقى إلى المشركين بالمودة إذا تاب منها [ رَّحِيمٌ] بهم أن يعذبهم بعد توبتهم منها.
ثالثا: جواز الإحسان إلى الكافر الذي لا يقاتل في الدين
8- [ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ] من جميع أصناف الملل والأديان [ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ ] تكرموهم وتَصِلُوهم [ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ] وتعدلوا فيهم بإحسانكم إليهم وبركم بهم [ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ]المنصفين الذين ينصفون الناس ويعطونهم الحق والعدل
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : أتتني أمي راغبة في عهد النبي صلى الله عليه و سلم فسألت النبي صلى الله عليه و سلم آصلها ؟ قال ( نعم ) . قال ابن عيينة فأنزل الله تعالى فيها [ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ] رواه البخاري/ 5633 .
9 - [ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ ] أيها المؤمنون [ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ ] من كفار أهل مكة [ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ ] وعاونوا مَن أخرجكم مِن دياركم على إخراجكم [ أَن تَوَلَّوْهُمْ ] فتكونوا لهم أولياء ونصراء [ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ ] ومن يجعلهم منكم أو من غيركم أولياء [ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ] الذين خالفوا أمر الله ووضعوا ولايتهم في غير موضعها
وفيها دليل أن من كان بيننا وبينهم حرب أو اعتدوا علينا فلا يجوز أن نتولاهم في المعاملات الدنيوية، بل يحرم ذلك كما حرم توليهم بالمحبة والإخاء اهـ اللجنة الدائمة رقم / 1851
10- سبب النزول : عن الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ ، قَالا : ( خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ .... فذكر الحديث بطوله .. ، وفيه قوله : قَالَ : فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأصْحَابِهِ : قُومُوا فَانْحَرُوا ، ثُمَّ احْلِقُوا ، قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِىَ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ ، اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ، نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ ، قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا ، ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ] [ الممتحنة : 10 ] حتى بلغ [ ِبعِصَمِ الْكَوَافِرِ ] فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رواه البخاري / 2372 .
رابعا: النهي عن رد المسلمات إلى الكفار إذا هاجرن بعد الحديبية
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] بالله قولا وتصديقا وعملا بشرعه [ إِذَا جَاءكُمُ ] النساء [ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ] من دار الكفر إلى دار الإسلام [ فَامْتَحِنُوهُنَّ ] فاختبروهن؛ لتعلموا صدق إيمانهن [ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ] بحقيقة إيمان من جاء من النساء مهاجرات إليكم [ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ] بحسب ما يظهر لكم من العلامات والبينات [ مُؤْمِنَاتٍ ] بإقرارهن بالدخول في الإسلام [ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ] فلا تردُّوهن إلى أزواجهن الكافرين، لأن العهد كان جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش في صلح الحديبية أن يرد المسلمون إلى المشركين من جاءهم مسلما، فأبطل ذلك الشرطَ في النساء إذا جئن مؤمنات مهاجرات [ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ] لا يحلُّ لهن أن يتزوجن الكفار [ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ] ولا يحلُّ للكفار أن يتزوجوا المسلمات [ وَآتُوهُم] وأعطوا المشركين أزواج اللاتي أسلمن [ مَّا أَنفَقُوا ] في نكاحهم إياهن من الصداق [ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ] ولا حرج عليكم أيها المؤمنون [أَن تَنكِحُوهُنَّ ] أن تنكحوا هؤلاء المهاجرات اللاتي لحقن بكم من دار الحرب مفارقات لأزواجهن - إن كان لهن أزواج في دار الحرب - إذا علمتموهن مؤمنات [إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ] إذا أنتم أعطيتموهن مهورهنّ [ وَلَا تُمْسِكُوا ] أيها المؤمنون [ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ] بحبال النساء الكوافر وأسبابهن، وهو دليل على نهي الله للمؤمنين عن الإقدام على نكاح النساء المشركات من أهل الأوثان والأمر لهم بفراقهن [ وَاسْأَلُوا ] واطلبوا أيها المؤمنون من المشركين [ مَا أَنفَقْتُمْ ] من مهور نسائكم اللاتي ارتددن عن الإسلام ولحقن بالمشركين [ وَلْيَسْأَلُوا ] وليسأل المشركون ما أنفقوا من مهور نسائهم المسلمات اللاتي أسلمن ولحقن بكم [ مَا أَنفَقُوا ] عليهن من الصداق [ ذَلِكُمْ ] الحكم المذكور في الآية أيها المؤمنون [ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ] فلا تعتدوه، ولا تخالفوه [ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ] ذو علم بما يصلح خلقه [ حَكِيمٌ ] في تدبيره لخلقه.
11- سبب النزول : عن عَائِشَة رضي الله عنها «أَن رَسُول الله [ كَانَ ] يمتحنهن» وبلغنا «أَنه لما أنزل الله أَن يردوا إِلَى الْمُشْركين مَا أَنْفقُوا عَلَى من هَاجر من أَزوَاجهم وَحكم عَلَى الْمُسلمين أَن لَا يمسكوا بعصم الكوافر ، أَن عمر طلق امْرَأتَيْنِ : قريبَة بنت أبي أُميَّة وَابْنَة جَرْوَل الْخُزَاعِيّ ، فَتزَوج قريبَة مُعَاوِيَة وَتزَوج الْأُخْرَى أَبُو جهم ، فَلَمَّا أَبَى الْكفَّار أَن يقرُّوا بأَدَاء مَا أنْفق الْمُسلمُونَ عَلَى أَزوَاجهم أنزل الله [ وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ ] [الممتحنة : 11] والعقب : مَا يُؤَدِّي الْمُسلمُونَ إِلَى من هَاجَرت امْرَأَته من الْكفَّار ، فَأمر أَن يُعْطَى من ذهب لَهُ زوج من الْمُسلمين مَا أنْفق من صدَاق نسَاء الْكفَّار اللائي هَاجَرْنَ ، وَمَا نعلم أحدا من الْمُهَاجِرَات ارتددن بعد إيمَانهَا» . صحيح البخاري:2582
[ وَإِن فَاتَكُمْ ] أيها المؤمنون [ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ ] ، فلحقت بهم مرتدات [ فَعَاقَبْتُمْ ] فأصبتم منهم عُقبى كغنيمة أو غيرها [ فَآتُوا ] فأعطوا [ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم ] منكم إلى الكفار [ مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا ] عليهن من الصداق، [ وَاتَّقُوا ] وخافوا [ اللَّهَ] بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. [ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ] أنتم به مصدقون أيها المؤمنون،
خامسا: حرمة المسلمين على المشركين
(12) - [ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ ] بالله [ يُبَايِعْنَكَ] يعاهدنك [ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ] في عبادته [وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ ] سواء أكان بعد الولادة أم قبلها [وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ] ولا يفترين على الغير كأن يلحقن بأزواجهن غير أولادهم [ وَلَا يَعْصِينَكَ ] يا محمد [ فِي مَعْرُوفٍ ] من أمر الله عز وجل تأمرهن به ، كقوله صلى الله عليه وسلم : ليس منا من ضَرَب الخدود، وشَقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية] متفق عليه. [ فَبَايِعْهُنَّ ] على هذه الشروط فبايعهن [ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ] سل لهن الله أن يصفح عن ذنوبهن ويسترها عليهن [ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ] ذو ستر على ذنوب من تاب إليه من ذنوبه [ رَّحِيمٌ ] أن يعذبه عليها بعد توبته منها.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم - كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله تعالى: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك -إلى قوله- غفور رحيم) قال عروة: قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قد بايعتك، كلاماً]، ولا والله ما مسّت يده يدَ امرأة قطّ في المبايعة، ما يبايعهنّ إلا بقوله: (قد بايعتك على ذلك)) (رواه البخاري/ 4891) ، ومسلم (1866
(13) - [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] باللهِ قولاً واعتقادًا وعملاً بشرعِه [ لَا تَتَوَلَّوْا] لا تتخذوا [ قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ] من اليهود [ قَدْ يَئِسُوا ] هؤلاء الذين غضب الله عليهم من اليهود [ مِنَ الْآخِرَةِ ] من ثواب الله لهم في الآخرة وكرامته، لكفرهم وتكذيبهم بالله وبرسوله [ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ] بَعْث [ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ] الذين مضوا قبلهم فهلكوا، فصاروا من أصحاب القبور ، وقيل : كما يئس الكفار الذين أفضوا إلى الدار الآخرة إذا ماتو وعاينوا الجزاء واطلعوا عليه وعلموا أن لا نصيب لهم منها.
 
61- ســورة الصف
الصف : الاصطفاف: دلالة على محبة الله للمؤمنين الذين يصطفون في مواجهة أعداء الله كأنهم بنيان مرصوص.
سبب النزول : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ: قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا لَوْ نَعْلَمُ أَىَّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى [سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ] [الصف:1] أخرجه الدارمي (2390) وانظر صحيح ابن حبان : 4594
أولا: ذم من يقول قولاً لا يفعله
1 - [ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ] السبع [ وَمَا فِي الْأَرْضِ ] من الخلق مذعنين له بالألوهية والربوبية [ وَهُوَ الْعَزِيزُ ] في نقمته مِمَّنْ عصاه وخالف أمره [ الْحَكِيمُ ] في تدبيره إياهم.
2- [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ] باللهِ قولاً واعتقادًا وعملاً بشرعِه [ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ] لِمَ تقولون القول الذي لَا تصدقونه بالعمل فأعمالكم مخالفة أقوالكم.
3- [ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ ] عظم مقتا عند ربكم [ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ] قولكم ما لَا تفعلون، وهذه الآية أنزلت توبيخا من الله لقوم من المؤمنين تمنوا معرفة أفضل الأعمال، فعرَّفهم الله إياها، فلما عرفوا قصروا، فعوتبوا بهذه الآية.
وفي الآية دليل على:
1- وجوب التزام الداعية العمل بدعوته، وأن يكون قدوة صالحة
3- أن يكون من أسبق الناس إلى ما يأمره الله به، ومن أبعدهم عما ينهى عنه.
4- ذم وتوبيخ من لم يوافق علمه عمله.
4- [ إِنَّ اللَّهَ ] أيها القوم [ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ ] في طريقه ودينه الذي دعا إليه [ صفا ] يقاتلون أعداء الله مصطفين [ كَأَنَّهُم ] في اصطفافهم هنالك [ بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ] قد رُصَّ فأحكم وأتقن، فلا يغادَرُ منه شيءٌ، وكأن بعضهم بُني بالرصاص.وفيها دلالة على محبة الله للمؤمنين الذين يصطفون في مواجهة أعداء الله.
ثانيا: خطاب موسى لقومه على آذيتهم له
(5) - يقول – تعالى - لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد [ وَإِذْ قَالَ مُوسَى ] بن عمران [ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي] بالقول والفعل [ وَقَد تَّعْلَمُونَ ] حقا [ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ * فَلَمَّا زَاغُوا ] فلما عدلوا وجاروا عن قصد [ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ] أمال الله قلوبهم وصرفها عن الحق عقوبة لهم [ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي ] والله لَا يوفق لإصابة الحق [ الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ] الذين خرجوا عن طاعة ربهم فاختاروا الكفر على الإيمان
وفي الآية دليل : أن من أسباب إضلال الله لعبده جوره وتوليه للشيطان وإعراضه عن أوامره.كما قال تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } النور : 63 فعلى العبد أن يكثر من التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله والالتزام بأوامره.
ثالثا: تبشير عيسى بنبينا عليه السلام باسمه أحمد
(6) - واذكر أيضا يا محمد [ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ] لقومه من بني إسرائيل [ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ] التي أنزلت على موسى [ وَمُبَشِّرًا ] أبشركم [ بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم] أحمد [ بِالْبَيِّنَاتِ ] الدلالات والحجج على نبوّته [ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ]
وفيها دليل على تبشير عيسى عليه السلام بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم
عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قَدَمي، وأنا العاقب)) رواه البخاري/ 4896
7 - [ وَمَنْ أَظْلَمُ ] ومن أشد ظلما وعدوانا [ مِمَّنِ افْتَرَى ] اختلق [ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ] وهو قول قائلهم للنبي صلى الله عليه وسلم : هو ساحر [ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ ] إلى الدخول في الإسلام قال على الله الكذب وافترى عليه الباطل [ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي ] لَا يوفِّق [ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ] الذين ظلموا أنفسهم بشركهم لإصابة الحق.
8 - [ يُرِيدُونَ ] هؤلاء الظالمون القائلون لمحمد صلى الله عليه وسلم : هذا ساحر مبين [ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ ] ليبطلوا الحق الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم [ بِأَفْوَاهِهِمْ ] بقولهم إنه ساحر وما جاء به سحر [ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ] الله معلن الحق، ومظهر دينه [ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ] الجاحدون المكذِّبون بالله.
رابعا: البشارة بتمام نور الإسلام
9- [ هُوَ ] الله [ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ] محمدًا صلى الله عليه وسلم [ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ] ببيان الحقّ، و دين الله وهو الإسلام. [ لِيُظْهِرَهُ ] ليظهر دينه وهو الإسلام [ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ] على كل دين سواه، [ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ] بالله ظهورَه عليها.
خامسا: التجارة المنجية من العذاب الأليم
10 - [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ] باللهِ قولاً واعتقادًا وعملاً بشرعِه [هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ] موجع وذلك عذاب جهنم؟، ثم بين لنا جل ثناؤه ما تلك التجارة التي تنجينا من العذاب الأليم، فقال:
11- [ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ] محمد صلى الله عليه وسلم [ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ] لنصرة دين الله وطريقه الذي شرعه لكم [ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ * ذَلِكُمْ ] إيمانكم بالله ورسوله وجهادكم في سبيل الله [ خَيْرٌ لَّكُمْ ] من تجارة الدنيا، [ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ] مضار الأشياء ومنافعها فامتثلوا لذلك.
12 - [ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ] يستر عليكم ربكم ذنوبكم [ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ ] بساتين [ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ] من تحت أشجارها [ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً ] ويدخلكم أيضا مساكن طيبة طاهرة [ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ] في بساتين إقامة دائمة [ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ] من نكال الآخرة وأهوالها.
وفيها دليل على أن أعظم تجارة وأعز مطلوب يحصل به غفران الذنوب ودخول الجنان يكون بالإيمان بالله والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس.
13- [ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا ] ولكم خلة أخرى سوى ذلك في الدنيا تحبونها [ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ ] لكم على أعدائكم [ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ] يعجله لكم على أيديكم [ وَبَشِّرِ ] يا محمد [ الْمُؤْمِنِينَ ] بنصر الله إياهم على عدوهم وفتح عاجل لهم.
وفي الآيات دليل على:
1- أن الإيمان الصادق المتضمن توحيد الله وإخلاص العبادة له وطاعة أوامره وترك نواهيه، والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس سبب في عز الأمة، ونصرهم وأمنهم، والفوز بأنواع الكرامة والسعادة في الدنيا وفي الآخرة .
كما قال تعالى : [وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }الأعراف128، وقال سبحانه : {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ }الصافات1 ، وقال سبحانه : [وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج40 وقال سبحانه : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }الأنعام82 أي : عملوا بشرعه ولم يخلطوا إيمانهم بشرك لهم الأمن والسلامة .
سادسا : نصر الله الطائفة المؤمنة
14- [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ] باللهِ قولاً واعتقادًا وعملاً بشرعِه [ كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ] لدين الله [ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ] أصفياء عيسى عليه السلام [ مَنْ أَنصَارِي ] مَن أنصاري منكم إلى نصرة الله لي [ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ] على ما بعث به أنبياءه من الحقّ، أي فكونوا أنتم أيها المسلمون أنصار الله مثلهم، وقد كانوا رضي الله عنهم كما طلب منهم [ فَآَمَنَت] فاهتدت [ طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ ] بعيسى [ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ ] وضلَّت طائفة منهم به لقولهم: عيسى ابن الله [ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا ] فقوينا الذين آمنوا من الطائفتين من بني إسرائيل [ عَلَى عَدُوِّهِمْ ] الذين كفروا منهم ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم بتصديقه إياهم أن عيسى عبدُ الله ورسولُه، [ فَأَصْبَحُوا ] فأصبحت الطائفة المؤمنة [ ظَاهِرِين ] على عدوهم الكافرين
 
62- ســورة الجمعة
الجمعة: أفضل الأيام حثا على التبكير لصلاة الجمعة بالطهارة والإكثار من ذكر الله فيها.
في صحيح البخاري عن أبي هريرة قال : ( كنا جلوساً عند النبي فأنزلت عليه سورة الجمعة ) الحديث .
فضلها : عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِى رَافِعٍ قَالَ اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فَصَلَّى لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْجُمُعَةَ فَقَرَأَ بَعْدَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِى الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) - قَالَ - فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ حِينَ انْصَرَفَ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّكَ قَرَأْتَ بِسُورَتَيْنِ كَانَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ يَقْرَأُ بِهِمَا بِالْكُوفَةِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِصلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ رواه مسلم / 2063
أولا: يسبح لله كل شيء
1 - [ يُسَبِّحُ لِلَّهِ] ينزِّه الله تعالى ويعظمه طوعا وكرها كل [ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ]. [ الْمَلِكِ ] المتصرف المطلق النافذ أمره [الْقُدُّوسِ ] الطاهر المنزه عن كل عيب ونفص من كل ما يصفه المشركون [ الْعَزِيزِ ] القوي الذي لا يغلب الشديد في انتقامه من أعدائه [ الْحَكِيمِ ] في تدبيره وتصريفه .
ثانيا: الامتنان ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم
(2) - [ هُوَ ] الله [ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ] العرب الذين لا يقرؤون [ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو] يقرأ [ عَلَيْهِمْ ] على هؤلاء الأميين [ آيَاتِهِ ] آيات الله التي أنزلها عليه [ وَيُزَكِّيهِمْ ] ويطهرهم من دنس الكفر [ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ] كتاب الله [ وَالْحِكْمَةَ ] سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وفيها دليل على فرضية الجمع بين تعلم علم القرآن الأصل الأول للتشريع الإسلامي ، وعلم السنة الأصل الثاني للتشريع الإسلامي ،[ وَإِن كَانُوا ] وقد كان هؤلاء الأميون [ مِن قَبْلُ ] أن يبعث الله فيهم رسولا منهم [ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ] في جور عن اتباع الحق والهدى .
3 - [ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ ] وأرسله الله عز وجل إلى آخرين من غير الأميين وهي منة من الله عليهم [ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ] لم يجيئوا بعد وسيجيئون، وهم كل لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم في إسلامهم [ وَهُوَ الْعَزِيزُ ] في انتقامه ممن كفر به منهم [ الْحَكِيمُ ]في تدبيره خلقه.
عن سهل بن سعد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال رجالا ونساءً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب ثم قرأ: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم)) رواه الطبراني وإسناده جيد (مجمع الزوائد 10/408) .
عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا قَرَأَ (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قَالَ رَجُلٌ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سَأَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا - قَالَ - وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِىُّ - قَالَ - فَوَضَعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ « لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاَءِ » رواه البخاري ومسلم.
4- [ ذَلِكَ ] من بعثته تعالى في الأميين من العرب رسولا منهم يتلو عليهم آياته، ويفعل سائر ما وصف [ فَضْلُ اللَّهِ ] تفضل به على هؤلاء دون غيرهم [ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ] من خلقه، [ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ] ذو العطاء الجزيل على عباده، المحسن منهم والمسيء
ثالثا: ذم اليهود الذين لم يعملوا بما حملوه
5 - [ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاة ] من اليهود والنصارى الذين كُلِّفوا العمل بالتوراة [ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ] ثم لم يعملوا بما فيها، وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، [ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ] يحمل على ظهره كتبًا من كتب العلم؛ لَا ينتفع بها ولا يعقل ما فيها، فكذلك الذين أوتوا التوراة التي فيها بيان أمر محمد صلى الله عليه وسلم إذا لم ينتفعوا بما فيها كمثل هذا الوصف [ بِئْسَ ] هذا المثل [ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ] بأدلته وحججه [ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي ] لَا يوفق [ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ] الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بآيات ربهم.
وفي الآية دليل على ذم من يحفظ كتاب الله ولم يعمل بما فيه.
رابعا: آداب الجمعة
)6( - [ قُلْ ] يا محمد لليهود [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا] يامن تمسكتم باليهودية [ إِن زَعَمْتُمْ] إن ادَّعيتم [ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء] أحباء [ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ ] سواكم [ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ]في ادِّعائكم أنكم أولياء لله وأحباؤه.
7- [ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا ] ولا يتمنى هؤلاء اليهود الموت أبدا لأنهم يعلمون كذب دعواهم [ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ] بسبب ما اكتسبوه في هذه الدنيا من الآثام واجترحوا من السيئات [ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ] والله ذو علم بمن ظلم من خلقه.
وفيها دليل على كذب اليهود في أنهم أولياء الله وأن الجنة خالصة لهم.
فيكيف يكونوا أولياء وهم لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشر به في التوراة والإنجيل.
قال شيخ الإسلام : لَا يَكُونُ العبد وَلِيًّا لِلَّهِ إلَّا إذَا كَانَ مُؤْمِنًا تَقِيًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) يونس/62، 63} اهـ الفرقان بين أولياء الرحمن 140
خامسا: حرمة البيع عند نداء الجمعة
(8) - [ قُلْ ] يا محمد لليهود [ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ ] تكرهونه وتهربون منه [ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ] نازل بكم لا مفرَّ منه [ ثُمَّ تُرَدُّونَ ] ترجعون من بعد مماتكم [ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ ] إلى الله عالم غيب السموات والأرض [ وَالشَّهَادَةِ ] وما شهد بما غاب عن أبصار الناظرين وما ظهر لرأي العين [ فَيُنَبِّئُكُم ] فيخبركم حينئذ [ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ] في الدنيا من الأعمال، ثم يجازيكم على ذلك.
9- [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ] بالله قولا واعتقادا وعملا بشرعه [ إِذَا نُودِي] إذا نادى المؤذن [ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ ] بالدعاء إلى صلاة الجمعة [ فَاسْعَوْا ] فامضوا [ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ] إلى سماع الخطبة وأداء الصلاة [ وَذَرُوا الْبَيْعَ ] ودعوا البيع والشراء [ ذَلِكُمْ] ذلك الذي أُمرتم [ خَيْرٌ لَّكُمْ ] من البيع والشراء في ذلك الوقت [ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ] مصالح أنفسكم ومضارها. فافعلوا ما أمرتكم به.
وفي الآية دليل على ما يلي:
1- وجوب صلاة الجمعة على كل مسلم
2- النهي عن البيع والشراء أثناء الجمعة
3- فضيلة التكبير لصلاة الجمعة
4- التحذير من التخلف عن صلاة الجمعة
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التبكير لها فقال صلى الله عليه وسلم : ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة. فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)) رواه البخاري/ 881
وتوعد النبي صلى الله عليه وسلم من تخلفوا عن صلاة الجمعة بلا عذر أن يطبع الله على قلوبهم فقال صلى الله عليه وسلم : « لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين » رواه مسلم/ 865 .
10 - [ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ ] صلاة الجمعة ،[ فانتشروا في الأرض ] إن شئتم ذلك رخصة من الله لكم في ذلك [ وَابْتَغُوا ] والتمسوا [ مِن فَضْلِ اللَّهِ ] الذي بيده مفاتيح خزائنه لدنياكم وآخرتكم ، وفيها دليل على حث الإسلام على السعي في الأرض لطلب الرزق.
[ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ] بالحمد والشكر على نعمة التوفيق لأداء فرائضه [ لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ] تفوزون برضوان الله
11 - سبب النزول : عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه : أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ كَانَ يخْطب قَائِما يَوْم الْجُمُعَة فَجَاءَت عير من الشَّام فَانْفَتَلَ النَّاس إِلَيْهَا حَتَّى لم يبْق إِلَّا اثْنَا عشر رجلا فأنزلت هَذِه الْآيَة : [وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما ] [الجمعة: 11] مُتَّفق عَلَيْهِ البخاري/ 14978 ، ومسلم/ 863.
وفيها دليل على أن اثني عشر رجلاً يكفي في عدد الجمعة
[ وَإِذَا رَأَوْا ] المؤمنون [ تِجَارَةً ] عِيرَ تجارة [ أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا ] أسرعوا إلى التجارة [ وَتَرَكُوكَ ] يا محمد [ قَائِمًا ] على المنبر [ قُلْ ] لهم يا محمد [ مَا عِندَ اللَّهِ ] من الثواب لمن جلس مستمعا خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وموعظته يوم الجمعة [ خَيْرٌ ] لهم [ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ] التي ينفضُّون إليها [ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ] فاسألوه دون غيره أن يوسع عليكم من فضله.
وفي الآية دليل على أن سعة الرزق تكون بالاستعانة بالله بنيل ما عنده سبحانه من خير الدنيا والأخرة بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو سبحانه خير مَن رزق وخير من أعطى.
 
[COLOR=]Red]]63- سورة المنافقون[/COLOR]
المنافقون : الذين يظهرون الإيمان ويخفون الكفر، إظهارا لمعالمهم وصفاتهم، و تحذيرا للمسلمين من مكايدهم
فضلها : عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عهما أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (الم تَنْزِيلُ) السَّجْدَةُ وَ (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) وَأَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِى صَلاَةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ. رواه مسلم /2068
سبب النزول : عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَمِّي فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ يَقُولُ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَقَالَ أَيْضًا : لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي فَذَكَرَ عَمِّي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا فَصَدَّقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذَّبَنِي فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ إِلَى قَوْلِهِ هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ] إِلَى قَوْلِهِ: [ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ] [المنافقون:8 ] فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهَا عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ )) رواه البخاري / 4618
أولا: أحوال المنافقين وتقلباتهم
(1)- [ إِذَا جَاءكَ ] حضر مجلسك [الْمُنَافِقُونَ ] يا محمد [ قَالُوا ] بألسنتهم [ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ] قال المنافقون ذلك [ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ] في إخبارهم عن أنفسهم أنها تشهد إنك لرسول الله
2- [ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ ] اتخذ المنافقون حلفهم [ جُنَّةً ] سترة يستترون بها، ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم [ فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ] فأعرضوا عن دين وشريعته [ إِنَّهُمْ ] إن هؤلاء المنافقين الذي اتخذوا أيمانهم جنة [ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ] في اتخاذهم أيمانهم جنة لكذبهم ونفاقهم
3- [ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ] بشكهم في ذلك وتكذيبهم به [ فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ] فجعل الله على قلوبهم خَتما بالكفر عن الإيمان [ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ] صوابا من خطأ، ولا حقا من باطل لطبع الله على قلوبهم.
دليل على أن الاستمرار على المعصية سبب في الطبع على القلب وحرمان صاحبه الهداية كما قال سبحانه: ( كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }غافر35
4- [ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ ] وإذا رأيت هؤلاء المنافقين يا محمد [ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ] هيئاتهم ومناظرهم في استواء خلقها وحسن صورها [ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ] وإن يتكلموا تسمع لحديثهم لفصاحتهم [ كَأَنَّهُمْ ] كأن هؤلاء المنافقين [ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ] لَا خير عندهم، ولا فقه لهم ، ولا حياة فيهم كالأخشاب الملقاة على الحائط،، لفراغ قلوبهم من الإيمان
وفيها دليل على
1- التحذير من الاغترار بالمظاهر الخادعة دون النظر إلى الأخلاق الفاضلة
2- التحذر من الاغترار بفصاحة اللسان دون النظر إلى الخلق
[ يَحْسَبُونَ ] يظن هؤلاء المنافقون [ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ] كل صوت عال واقعًا عليهم لشدة خوفهم وسوء ظنهم [ هُمُ الْعَدُوُّ ] يا محمد [ فَاحْذَرْهُمْ ] فهم عين لأعدائكم عليكم [ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ] أخزاهم الله [ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ] إلى أي وجه يُصْرَفُون عن الحق؟!.
دليل على
1- أن المنافقين جبناء يظهر عليهم التخوف من كل صوت خشية أن يكشف جرائمهم.
2- أن المنافقين هم العدو الحقيقي لمكرهم وخداعهم وعدم ظهورهم بخلاف الكافر.
ثانيا: إعراض المنافقين عن استغفار الرسول والإنفاق على من عنده
5 - [ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ] لهؤلاء المنافقين [ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّه ] عمَّا بدر منكم [ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ ] حركوها وهزوها استهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وباستغفاره [ وَرَأَيْتَهُمْ] وأبصرتهم يا محمد [ يَصُدُّونَ ] يعرضون عما دعوا إليه [ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ] عن الامتثال للحق.
دليل على
1- ذم الإعراض عن الموعظة والاستكبار عن الاستغفار والتوبة.
2- أن من خصائص المنافقين الإعراض والتكبر عن قبول الحق
6- [ سَوَاء ] يا محمد [ عَلَيْهِمْ ] على هؤلاء المنافقين [ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ ] ذنوبهم [ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ] لن يصفح الله لهم عن ذنوبهم لإصرارهم على الكفر [ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي ] لَا يوفق للإيمان [ الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ] الكاذبين عليه، الكافرين به، الخارجين عن طاعته.
دليل على
1- أنه لا ينفع الاستغفار للكافر بحال.
2- أن الله لا يوفق المتمرد المتكبر للهدى إلا أن يرجع.
7- [ هُمُ ] المنافقون [ الَّذِينَ يَقُولُونَ ]لأصحابهم [ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ ] من أصحابه المهاجرين [ حَتَّى يَنفَضُّوا ] حتى يتفرقوا عنه [ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ] بيده مفاتيح خزائن ذلك، لَا يقدر أحد أن يعطي أحدا شيئا إلا بمشيئته [ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ] ذلك
دليل على
1- أن من خصائص المنافقين تثبيط الناس في الإنفاق في سبيل الله.
2- أن المنافقين يزعمون أن خزائين الرزق بأيديهم، فكذبهم الله.
8 - [ يَقُولُونَ ] يقول هؤلاء المنافقون [ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ ] فريقنا الأشد والأقوى [مِنْهَا الْأَذَلَّ ] يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين.
[ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ] الشدة والقوة [ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ] بالله على عكس ما قال المنافقون [ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ] ذلك، لغرورهم وكبرهم.
وفي الآية دليل على:
1- غررو المنافقين بما هم عليه من الباطل وزعمهم أنهم الأعزاء
2- أن المؤمن لا يذل لكافر لأن العزة لله ولرسوله وللؤمنين
ثالثا: التحفيز على التصدق قبل الموت
9 - [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ] لا تَشْغَلْكم [ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ] عن عبادة الله وطاعته [ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ] ومن يلهه ماله وأولاده عن ذكر الله [ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ] المغبونون المنقوصون حظوظهم من كرامة الله ورحمته.
وفيها دليل على النهي عن الانشغال بالمال والولد عن ذكر الله تعالى.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي انه قال إلا أدلكم على خير اعمالكم وازكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله تعالى .صحح الترمذي
قال ابن القيم : دوام الذكر لما كان سببا لدوام المحبة وكان الله سبحانه احق بكمال الحب والعبودية والتعظيم والاجلال كان كثرة ذكره من انفع ما للعبد وكان عدوه حقا هو الصاد له عن ذكر ربه وعبوديته ولهذا أمر الله سبحانه بكثرة ذكره في القرآن وجعله سببا للفلاح اهـ التفسير القيم 2/ 199
10- [ وَأَنفِقُوا ] أيها المؤمنون بالله ورسوله [ مِن مَّا رَزَقْنَاكُم ] من الأموال التي رزقناكم [ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ ] إذا نزل به الموت [ رَبِّ ] يا رب [ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي ] هلا أخرتني فتمهل لي في الأجل [ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ ] فأزكي مالي وأتصدق[ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ] وأعمل بطاعتك وأؤدي فرائضك.
وفيها دليل على حرمة تأخير الفرائض كالحج تسويفاً وتماطلاً مع القدرة عليه
11- [ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا] فيمد له في أجله [ إِذَا جَاء أَجَلُهَا ] إذا حضر أجله [ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ] لَا يخفى عليه شيء وهو مجازيهم بها .
دليل على أنه لا مؤخر يؤخر قدر الله، فإذا جاء أجل الله لا تأخير ولا تقديم ، لأنه مكتوب ، كما قال سبحانه { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [الرعد:38] ، وقال سبحانه: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }الأعراف34
:
 
64- سورة التغابن
التغابن: الغبن: يوم القيامة يغبن فيه أهلِ الجنة أهلَ النار بأخذ منازلهم فيندم أهل النار على تفريطهم ويسعد أهل الجنة.
أولا: ينزه الله كل ما في السموات والإرض
1- [ يُسَبِّحُ لِلَّهِ ] يسجد لله وينزِّه عما لا يليق به كل [ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ] من خلقه ويعظمه [ لَهُ الْمُلْكُ ] له التصرف المطلق في كل شيء ، ماض قضاؤه في ذلك نافذ فيه أمره [ وَلَهُ الْحَمْدُ ] وله حمد كل ما فيها من خلق [ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ] ذو القدرة التامة التي لَا يعجزه معها شيء.
وفيه دليل على أنه سبحانه:
1- يسبح له كل شيء لكمال ملكه وإحسانه.
2- منزه عن عن كل ما لا يليق به من عيب أونقص.
3- كامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله مستحق للثناء كله.
وهو تعليم من الله لعباده كي يعبدوه حق عبادته وبوحدوه حق توحيده.
ثانيا: ذكر خلقه سبحانه وعلمه
2- [ هُوَ ] الله [ الَّذِي خَلَقَكُمْ ] أيها الناس [ فَمِنكُمْ كَافِرٌ ] بخالقه وأنه خلقه [ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ] مصدق به موقن أنه خالقه أو بارئه عامل بشرعه [ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ] بأعمالكم عالم بها لَا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم بها.
3 - [ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ ] السبع [ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ] بالعدل والحكمة والإنصاف [ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ] في أحسن صورة [ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ] وإلى الله المرجع يوم القيامة
4 - [ يَعْلَمُ ]ربكم أيها الناس [ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ] لا يخفى عليه خافية [ وَيَعْلَمُ ] أيها الناس [ مَا تُسِرُّونَ ] بينكم من قول وعمل [ وَمَا تُعْلِنُونَ ] من ذلك فتظهرونه [ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ] والله ذو علم بضمائر صدور عباده وما تخفيه نفوسهم
دليل على وجوب الحياء من الله ومراقبته لأنه سبحانه عليم بذات الصدور ، وكقوله سبحانه : (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى }طه7
ثالثا: ما حل بالأمم الماضية
5- [ أَلَمْ يَأْتِكُمْ ] أيها الناس [ نَبَأُ ] خبر [ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ] وذلك كقوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط [ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ ] فمسهم عذاب الله إياهم على كفرهم [ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ] مؤلم موجع يوم القيامة في نار جهنم ؟
6- [ ذَلِكَ ] الوبال والعذاب [ بِأَنَّهُ ] من أجل أنه [ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم ] الذين أرسلهم ربهم [ بِالْبَيِّنَاتِ ] الواضحات الدالة على حقيقة ما يدعونهم إليه [ فَقَالُوا ] لهم منكرين مستكبرين [ أَبَشَرٌ] مثلنا [ يَهْدُونَنَا ] يرشدوننا ؟! [ فَكَفَرُوا ] بالله وجحدوا رسالة رسله [ وَتَوَلَّوا ] وأدبروا عن الحق [ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ ] عنهم وعن إيمانهم [ وَاللَّهُ غَنِيٌّ ] عن جميع خلقه [ حَمِيدٌ ] محمود في أقواله وأفعاله وصفاته، دليل على أنه سبحانه له الغنى التام لا يحتاج إلى أحد، وجمع الخلق مفتقرة إليه تعالى كما قال سبحانه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }فاطر15
رابعا: إثبات البعث
7 - [ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا ] بالله [ أَن لَّن يُبْعَثُوا ] من قبورهم بعد مماتهم [ قُلْ ] لهم يا محمد [ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ] من قبوركم أحياء [ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ ] لتُخْبَرُنَّ [ بِمَا عَمِلْتُمْ ] في الدنيا [ وَذَلِكَ ] البعث من قبوركم [ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ] سهل هين.
مشروعية القسم بالله لتقرير حقيقة البعث عند مخاطبة أهل الشرك.
8 - [ فَآمِنُوا ] فصدقوا [ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ] أيها المشركون [ وَالنُّورِ] القرآن [ الَّذِي أَنزَلْنَا ] أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم [ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ] بأعمالكم لا يخفى عليه منها شيء وهو مجازيكم بها.
دليل على أن القرآن نور وهداية للناس ، فلا هداية إلا به
9 - [ يَوْمَ] اذكروا يوم [ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ]يجمع الله فيه لخلائق للعرض [ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ] يوم غبن أهل الجنة أهلَ النار بأخذ منازلهم فيندم أهل النار ويسعد أهل الجنة [ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا ] بطاعته وينته إلى أمره ونهيه [ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ ] يمح عنه ذنوبه [ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ] بساتين [ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ] تجري من تحت أشجارها [ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ] لابثين فيها أبدا لَا يموتون ولا يخرجون منها [ ذَلِكَ ] خلودهم في الجنات التي وصفنا [ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ]
دليل على أن الإيمان والعمل الصالح مفتاح الجنان .
10 - [ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ] جحدوا وحدانية الله [ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ] بأدلته وحججه وكتابه الذي أنزله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم [ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ ] ماكثين [فِيهَا ] لَا يموتون ولا يخرجون منها [ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ] وبئس المرجع والمقام الذي يصيرون إليه.
دليل على أن التكذيب بالقرآن وشرائعه وأحكامه يقود إلى الخلود في النار
خامسا: ما يصيب المرء فهو بإذن الله
11 - [ مَا أَصَابَ ] لم يصب أحدا من الخلق [ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ] إلا بقضاء الله وتقديره ذلك عليه [ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ ] فيعلم أنه لَا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذن الله بذلك [ يَهْدِ قَلْبَهُ ] يوفق الله قلبه بالتسليم لأمره والرضا بقضائه [ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ] بما كان ويكون وما هو كائن من قبل أن يكون.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ. السنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 66) بإسناد حسن.
وفيها دليل على :
1- وجوب الصبر عند المصيبة والرضا بقضاء الله وحكمه.
2- أن الصبر على المصيبة والرضاء بقضاء الله سبب في هداية القلب.
قال شيخ الإسلام والصَّبْرُ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ الرِّضَا بِحُكْمِ اللَّهِ، وَ الرِّضَا قَدْ قِيلَ : إنَّهُ وَاجِبٌ وَقِيلَ : هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ الصَّحِيحُ ،وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى الْمُصِيبَةِ لِمَا يَرَى مِنْ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِهَا حَيْثُ جَعَلَهَا سَبَبًا لِتَكْفِيرِ خَطَايَاهُ وَرَفْعِ دَرَجَاتِهِ وَإِنَابَتِهِ وَتَضَرُّعِهِ إلَيْهِ وَإِخْلَاصِهِ لَهُ فِي التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَرَجَائِهِ دُونَ الْمَخْلُوقِينَ اهـ الفرقان بين أولياء الرحمن/ 257
12 - [ وَأَطِيعُوا اللَّهَ ] أيها الناس في أمره ونهيه [ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ] محمدًا صلى الله عليه وسلم [ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ ] فإن أدبرتم عن طاعة الله وطاعة رسوله مستكبرين عنها، فلم تطيعوا الله ولا رسوله [ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا ] فليس على رسولنا محمد إلا [ الْبَلَاغُ] لما أرسلته به [ الْمُبِينُ ] الواضح البين.
13- [ اللَّهُ ] المعبود بحق دون سواه [ لَا إِلَهَ] لا معبود تصلح العبادة [ إِلَّا هُوَ ] سبحانه [ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ] المصدّقون بوحدانيته.
وفيها دليل على وجوب التوكل على الله تعالى، ويكون ذلك بالاعتماد على الله مع الأخذ بالأسباب وعدم الغرور بكثرتها.
14 - سبب النزول : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ] قَالَ هَؤُلَاءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَنْ يَدَعُوهُمْ أَنْ يَأْتُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَوْا النَّاسَ قَدْ فَقُهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ] [التغابن: 14] صَحِيحٌ الترمذي / 3317
سادسا: التحذير من فتنة الأزواج والأولاد
14- [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ] بالله [ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ ] لما يصدونكم عن سبيل الله ويثبطونكم عن طاعة الله [ فَاحْذَرُوهُمْ ] أن تطيعوهم في معصية الله [ وَإِن تَعْفُوا ] أيها المؤمنون عما سلف منهم من صدهم إياكم عن الإسلام والهجرة [ وَتَصْفَحُوا ] وتتجاوزوا عن عقوبتهم [ وَتَغْفِرُوا ] وتستروها عليهم [ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ] لكم، لمن تاب من عباده [ رَّحِيمٌ ] ذو رحمة واسعة.
وفيها دليل على أن بعض الزوجات والأولاد قد يكونوا سببا في التثبيط عن طاعة الله، فينبغي الحذر من ذلك.
15 - [ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ ] ما أموالكم أيها الناس وأولادكم إلا [ فِتْنَةٌ ] بلاء عليكم في الدنيا [ وَاللَّهُ عِندَهُ ] لكم [ أَجْرٌ عَظِيمٌ ] ثواب عظيم –وهو الجنة لمن أطاعه وحده دون سواه .
وفيها دليل على أنه ينبغي الحذر من فتنة المال والولد.
16- [ فَاتَّقُوا اللَّهَ ] فاحذروا الله أيها المؤمنون وخافوا عقابه [مَا اسْتَطَعْتُمْ ] ما أطقتم وبلغه وُسْعُكم وَهَذَا تَفْسِيرُ قَوْله تَعَالَى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ : حَقَّ تُقَاتِهِ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى ؛ وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ. تفسير الطبري بإسناد صحيح ج 5 / 470 ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) رواه مسلم. [ وَاسْمَعُوا ] لرسول الله صلى الله عليه وسلم [ وَأَطِيعُوا ] وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه [ وَأَنفِقُوا] من أموالكم [ خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ] تستنقذوها من عذاب الله [ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ] ومن يقه الله شح نفسه [ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ] المنجحون الفائزون الظافرون بكل خير
وفيها دليل على الحث على الإنفاق في سبيل الله تعالى والتحذير من البخل والشح .
سابعا: الترغيب في الصدقة
17 - [ إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ] تنفقوا في سبيل الله [ قَرْضًا حَسَنًا ] بإحسان وإخلاص [ يُضَاعِفْهُ] أي : الثواب [ لَكُمْ ] الواحد بسبع مئة ضعف إلى أكثر من ذلك [ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ] ذنوبكم فيصفح لكم عن عقوبتكم عليها [ وَاللَّهُ شَكُورٌ ] والله ذو شكر لأهل الإنفاق في سبيله بحسن الجزاء لهم [ حَلِيمٌ ] عن أهل معاصيه بترك معاجلتهم عقوبته.
وفي الآية دليل على :
1- أن النفقة إذا قصد بها العبد وجه الله تعالى وكانت حلالا يضاعفها الله.
2- أن في اسم (الحليم) دليل أن الله سبحانه لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، بل يمهل ولا يهمل
18- [ عَالِمُ الْغَيْبِ ] العالم بكل ما غاب عن أبصار عباده [ وَالشَّهَادَةِ ] وما يشاهدونه فيرونه بأبصارهم [ الْعَزِيزُ ] الشديد في انتقامه ممن عصاه وخالف أمره ونهيه [ الْحَكِيمُ ] في تدبيره خلقه فيما يصلحهم.
دليل على الترغيب في الإنفاق في سبيل الله فهو العالم بالسر والعلانية.
 
محور سور جزء قد سميع

58. سورة المجادلة : سعة علم الله وإحاطته
59. سورة الحشر : غزوة بني النضر
60. سورة الممتحنة : الولاء والبراء
61. سورة الصف : خصائص أهل النصرة
62. سورة الجمعة : سعة الأمر بأداء صلاة الجمعة
63. سورة المنافقون : حقيقة المنافقون
64. سورة التغابن : يوم التغابن
65. سورة الطلاق : أحكام الطلاق، وجزاء المتمادين في الطغيان
[TABLE="width: 400, align: right"]
[TR]
[TD]66. سورة التحريم : سعة علم الله وإحاطته


[/TD]
[/TR]
[/TABLE]
 
تدبر جزء قد سمع كاملا تسع سور
أسأل الله القبول وحسن العمل
مع القرآن 87 تفسير سورة المجادلة
https://www.youtube.com/watch?v=23Zoj-9WFKU
مع القرآن 88 تفسير سورة الحشر
https://www.youtube.com/watch?v=-DHJMX4cDMg
مع القرآن 89 تفسير سورة الممتحنة
https://www.youtube.com/watch?v=SLre-AGN71E
مع القرآن 90 تفسير سورة الصف
https://www.youtube.com/watch?v=hhJgUb-WvY4
مع القرآن 91 تفسير سورة الجمعة
https://www.youtube.com/watch?v=ntFv8J7Xi4M
مع القرآن 92 تفسير سورة المنافقون
https://www.youtube.com/watch?v=ATZ_UAULnNQ
مع القرآن 93 تفسير سورة التغابن
https://www.youtube.com/watch?v=0KXrmVdHRRI
مع القرآن 94 تفسير سورة الطلاق 1
https://www.youtube.com/watch?v=VWxHowqeATE
مع القرآن 95 تفسير سورة الطلاق 2
https://www.youtube.com/watch?v=sHb84bLBYxQ
مع القرآن 96 تفسير سورة التحريم
https://www.youtube.com/watch?v=oybseK4SQbY
 
عودة
أعلى