تفسير فيض الرحمن في جزء تبارك

إنضم
22/05/2006
المشاركات
2,552
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
59
الإقامة
الرياض
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِل لهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أما بعد
فإنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ , وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ , وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا , وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
التأمل والتدبر في القرآن الكريم وأحكامه أمر به الشارع الحكيم، قال تعالى: +كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ" [ص: 29].
قال شيخ الإسلام: وَتَدَبُّرُ الْكَلَامِ إنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهِ إذَا فُهِمَ . اهـ الفتاوى 15/ 108
ودأب سلف الأمة على تعلم معاني القرآن الكريم، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةً إلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ فِي مَاذَا نَزَلَتْ وَمَاذَا عُنِيَ بِهَا. الفتاوى 15/ 108
وحرصوا على الفهم، فَقَدْ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - وَهُوَ مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ - فِي تَعَلُّمِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِيَ سِنِينَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَجْلِ الْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ. الفتاوى 5/ 156
وربطوا بين الفهم والعمل، قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي: حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ - عُثْمَانُ بْنُ عفان وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - أَنَّهُمْ قَالُوا: كُنَّا إذَا تَعَلَّمْنَا مِنْ النَّبِيِّ × عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ نُجَاوِزْهَا حَتَّى نَتَعَلَّمَ مَا فِيهَا مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، قَالُوا: (( فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا )) الطبري: 1/80
ومن هنا رغبت في إعداد سلسلة في التفسير أخذت مادتها من أبرز التفاسير المعتمدة عند أهل السنة والجماعة كالطبري، وابن كثير وغيرهم من العلماء المبرزين
وكان منهجي في إعداده كما يلي:
1. إعطاء أصول العقيدة عناية خاصة، لا سيما في توضيح معاني الأسماء والصفات، وأصول الإيمان، وما ينبغي إثباته لله عز وجل من صفات الجلال والكمال والجمال، ترسيخا لعقدية اهل السنة والجماعة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
مثال ذلك قوله تعالى: +وَالْمَلَكُ " والملائكة +عَلَى أَرْجَائِهَا" على أطراف السماء وجوانبها وحافاتها حين تشقق +وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ"العرش: سَقْفُ المخلوقات، وأعلى المخلوقات، وأعظمُها، لا يقدر قدره إِلا الله، والكرسي بالنسبة إلى العرْش كحلقة من حديد أُلقيت بين ظهراني فلاةٍ من الأرض، وهو موضع قدمي الرب جل في علاه، ولا يعلم كيفيته إلا الله سبحانه، قال × ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ) صحيح ابن حبان/ 361 وصح عن ابن عباس موقوفا عليه قوله: « الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى» صححه الألباني في مختصر العلو للذهبي (ص: 36) + فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ" ثمانية صفوف من الملائكة العظام، لَا يعلم عدّتهن إلا الله، وروى أبو داود عن النبي ×أنه قال : «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش ، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام » صحيح أبي داود : 4727 وذلك دليل على عظمة العرش ، وإذا كان عرش الرحمن بهذه العظمة، فما بالك بعظمة من استوى عليه وعلا فوقه سبحان الله جل في علاه..
2. توضيح اسم السورة، ودلالتها من ترغيب، أو ترهيب، أو تعظيم، أو بيان لقدرة الله سبحانه، وغالبا ما تسمى بمطعلها أو بموضوع مضمن، أو بصفة بازرة تميزها.
مثال ذلك: سورة الملك: السلطان والنفوذ، إظهارا لمعالم ملكه سبحانه، وعظمة صنعه، وسعة ملكوته.
3. ذكر الصحيح من فضائل السور، أخذت ذلك من كتاب زاد الذاكرين، لمعد الكتب، أشرف على إخراجه الدكتور الفاضل المحقق/ بسام الغانم وفقه الله.
4. ذكر الصحيح من أسباب النزول، وقد استفدت من كتاب المحرر في أسباب النزول د خالد المزيني، ولباب النقول في أسباب النزول للسيوطي، تحقيق عبد الرازق المهدي، والاستيعاب في بيان أسباب النزول للشيخ سليم الهلالي وآخرون.
5. انتقاء الصحيح من الرويات قدر الإمكان، والبعد عن الإسرائليات، ومن أبرز ما استفدت منه كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور د. حكمت ياسين، الروايات التفسيرية في0 فتح الباري، دعبد المجيد عبد الباري.
6. تجزئة الآيات وإبراز هدفها حسب الوحدة الموضوعية لتسهيل فهم مقاصد الآيات، وإعانة للحافظ على تدبر المعنى العام للآيات، ومن أبرز ما استفدت منه المصباح المنير من تفسير ابن كثير للعلامة المحقق المباركافوري، وكتاب بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز.
7. البعد عن التطويل، تيسيرا على القارئ، قال عز وجل +ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر"، ومن يتتبع هدي سلف الأمة رضي الله عنهم يجد أن ذلك دأبهم.
8. توجيه الضمائر لمدلولها في الغالب، كقوله: +مَا تَرَى" أيها الناظر +فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ"
9. عدم اعتماد النسخ في آية من كتاب اللهإلا إذا صح التصريح بنسخها أو انتفى حكمها من كل وجه، لأن النسخ لا يثبت مع الاحتمال، يقول الأمام بن عبد البر: (الناسخ يحتاج إلى تاريخ أو دليل لا معارض له ) اهـ التمهيد/1/307
10. اعتمدت عند اختيار وجه التفسير: تفسير القرآن بالقرآن لكني لم أكثر منه خشية التطويل ولكثرة الشواهد وكتاب أضواء البيان أغنانا في ذلك ، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابه، ثم بأقوال التابعين، ومن تبعهم من أئمة التفسير، ثم بلغة العرب، فإن كان حديثا خرجته، وإن كان قول صحابي أو تابعي لا أذكر الاسم في الغالب اختصارا على القارئ مثال ذلك:
مثال تفسير القرآن بالقرآن +سَأَلَ سَائِلٌ" دعا داع من الكفار +بِعَذَابٍ وَاقِعٍ" على نفسه وقومه بنزول العذاب عليهم، وهو قولهم: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) الأنفال: 32
مثال تفسير القرآن بالنسة قوله تعالى +وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" لعلى دين وأدب عظيم، وذلك أدب القرآن، دليل على كثرة تلاوته × وتدبره للقرآن وعمله بما فيه، ودليله من السنة عندما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه × قالت: فإن خلق نبي الله كان القرآن. رواه مسلم
مثال تفسير القرآن بالمثأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم..
النموذج الأول: قوله تعالى: + مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ"
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) : ما ترى فيهم اختلاف
وقال السدي: من عيبن، وقال ابن عباس: من تفرق.
وقال عطاء بن أبي مسلم: لا يفوت بعضه بعضاً ، وقال الطبري: من اختلاف.
وقال بن كثير: بل هو مصطحب مستو، ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة، ولا نقص ولا عيب ولا خلل، وقال السعدي: من خلل ونقص، وفي الميسر من اختلاف ولا تباين.
* فاختصر ذلك بقولي: +مَا تَرَى" أيها الناظر +فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ" لَا في سماء ولا في أرض، ولا في غير ذلك +مِنْ تَفَاوُتٍ" من اختلاف أو تباين أو خلل أو قصور.
النموذج الثاني: قوله: +هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ" [الملك:3 ]
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله: +هل ترى من فطور" هل ترى من خلل يا ابن آدم؟، وقال ابن عباس، ومجاهد شقوق، وقال السدي: من خُروق، وقال الطبري: من صُدوع، وقال بن كثير: لا ترى فيها عيبًا أو نقصًا أو خللا؛ أو فطورًا؟
* فاختصر ذلك بقولي: +فَارْجِعِ الْبَصَرَ"فأعد النظر- يا ابن آدم - إلى السماء معتبرًا +هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ" هل ترى فيه من صُدوع أو شقوق أو خلل؟
11. بيان دلالة بعض الآيات، كما في قوله تعالى: +فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ"فيها دليل على عظمة خلق السموات فخلقها في غاية الحسن لونا وهيئة وارتفاعا.
12. عدم الدخول في مسائل الخلافية في الغالب، والاكتفاء بالرأي الراجح قدر الإمكان، وقد يزاد شيئا من التوضيح لإبراز بعض الفوائد والتوجيهات التربوية والسلوكية.
13. الرأي الراجح عند أهل العلم من المحققين في الحروف المقطعة في أوائل السور مثل (ق)، (ن)، (آلم)، (طس)، إنما أنزلت لتحدي العرب الذين نزل عليهم القرآن، وتعجيزهم، ولذلك يذكر في الغالب بعد هذه الحروف القرآن؛ للدلالة على أن القرآن مركب من هذه الحروف، وأنتم تعرفونها وتحفظونها، فإذا كان القرآن مركب من حروف تعرفونها كالقاف مثلاً أو الصاد فأتونا بمثله وأنتم أهل الفصاحة والبيان.
14. اختيار الراجح لدى جهور المفسرين من أهل السنة لاسيما ترجيحات الطبري ت310 هـ، والواحدي 468هـ، والبغوي510 هـ،وابن تيمية 728هـ، وابن جزي 741 هـ، وابن القيم 751 هـ، وابن كثير774 هـ، والشوكاني 1250هـ، والسعدي 1376 هـ وابن عاشور 1393 هـ، والشنقيطي 1393هـوابن عثيمين 1421 هـ، وغالبا ما يحالفهم الصواب لإتقانهم.
مثال ذلك: المراد بالطاغية في قوله: + فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ" [لحاقة: ] فيها قولان:
الأولى: طغيانهم وكفرهم بالله، قاله ابن زيد، الثاني: الصيحة التي قد جاوزت الحد، قاله قتادة.
القول الراجح: هو القول الثاني: وهو قول الطبري ت310 هـ، والواحدي 468هـ، وابن جزي 741 هـ، والسعدي 1376 هـ والشنقيطي 1393هـوغيرهم
قال الطبري: وأولى القولين في ذلك بالصواب: فأُهلكوا بالصيحة الطاغية، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن الله إنما أخبر عن ثمود بالمعنى الذي أهلكها به، كما أخبر عن عاد بالذي أهلكها به اهـ الطبري اهـ ( 23/ 571).
وقال الشنقيطي: أنها الصيحة التي أهلكهم الله بها، خلافا لمن زعم أن الطاغية، مصدر كالعاقبة، والعافية، وأن المعنى أنهم أهلكوا بطغيانهم، أي بكفرهم اهـ أضواء البيان.
واختصر ذلك بقول: +فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ" بالصيحة العظيمة التي أهمدتهم.
15. من خلال بحثي في جزء (تبارك) لاحظت ما يلي:
· لم أجد سورة مخصوصة يترتب على قراءتها جزاء معين أو ثواب خاص سوى ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي × (إن سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غفر له، وهي : تبارك الذي بيده الملك) فمن العلماء من حسنه لشواهده، ورجح بعض المحققين ضعفه، وأما ما روي عن عبد الله بن مسعود t قَالَ: سُورَةُ تَبَارَكَ هيَ المانعة من عَذَابِ القَبْرِ، فهو أثر صحيح، وليس حديثا مرفوعا إلى النبي / رواه الحاكم . وانظر صحيح الترغيب/ 1475.
لم يثبت لي سوى بضع أحاديث صحيحة متعلقة بأسباب النزول في جزء تبارك، 1- قوله +عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ " [القلم: 13]، 2- أول المعارج، 3- الجن، 4- المزمل، 5- وقوله: +لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ" [القيامة: 16]، 6- أول المرسلات. وستذكر في أماكنها بإذن الله تعالى.
· أن العبرة في غالب الأيات على عموم المعنى لا بخصوص السبب.
· لم أجد سوى آية واحدة اتفق على نسخها وهي قوله تعالى: +قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً " (المزمل:2 ) نسخت بآخر السورة ، وهي قوله تعالى:+عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ[المزمل:20 ]، وهو قول (النحاس، ومكي بن أبي طالب، وابن الجوزي، والسيوطي،والدهلوي، والزرقاني)، وقد أفادت الآية الأولى وجوب قيام الليل على النبي وصحبه، أما الثانية فقد أفادت أن الله رفع على النبي وأصحابه وجوب القيام المقدر ورفع عنهم تبعة ذلك الترك، ولا توجد سورة نسخ آخرها أولها سوى سورة المزمل. انظر: مجمع الملك فهد، وبيان الناسخ والمنسوخ للعلامة محمد الأمين الشنقيطي.
· الاستفادة من تعليقات العلامة عبد الرزاق عفيفي، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ بكر أبو زيد، والشيخ ابن جبرين، والشيخ صالح الفوزان لا سيما في المسائل العقدية.
16. ومن الكتب التي استفدت منها: كتاب تيسير المنان المنتقى من تفسير جامع البيان للإمام الطبري، لمعد الكتاب، عاونني على إخراجه، الشيخ المحقق/ أشرف على خلف، كتاب والتفسير الميسر إعداد نخبة من العلماء، و كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعلامة السعدي، وكتاب تفسير جزء تبارك للعلامة عبد الرحمن البراك.
· كتاب قواعد التفسير د. خالد السبت، وقواعد الترجيح د على الحربي، والترجيح بالسنة عند المفسرين د ناصر الصائغ، و أحكام القرآن لمحمد بن عبد الله الأندلسي.
· فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 23 لكبار هيئة العلماء بالمملكة العربية السعودية.
17. ومن العلماء المحققين الذين استفدت منهم، الدكتور / بسام الغانم وفقه الله والشيخ / ياسر بن محمد فتحي أل عيد وفقه الله.
18. الكمال عزيز فإن كان خيرا فمن الله عز وجل المنعم المتفضل، وإن غير ذلك فمن نفسي المقصرة عفا الله عنا ورحمنا هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
سائلا الله عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به في كل وقت وحين، وأن يغفر لي ولوالدي وللؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب
وكتبه أبو عبد الرحمن جمال القرش
الرياض/3/4/1433هـ
 
يتابع تفسير فيض الرحمن في تفسير جزء تبارك
67- سورة الملك
الملك: السلطان والنفوذ، إظهارا لمعالم ملكه سبحانه، وعظمة صنعه، وسعة ملكوته.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
روي عن عبد الله بن مسعود t قَالَ: سُورَةُ تَبَارَكَ هيَ المانعة من عَذَابِ القَبْرِ. رواه الحاكم . وانظر صحيح الترغيب/ 1475.
أولا: تمجيد الله تعالى وتعظيمه
(1) +تَبَارَكَ" تعاظم وتعالى، وكثر خيرهعلى جميع خلقه +الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ" بيده ملك الدنيا والآخرة وسُلطانهما، نافذ فيهما أمره وقضاؤه +وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ذو قدرة، لَا يمنعه مانع.
وفيها دليل على ثبوت صفة اليد لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله.
(2) +الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ" فأمات مَن شاء +وَالْحَيَاةَ" وأحيا مَن شاء+لِيَبْلُوَكُمْ" ليختبركم - أيها الناس-:+أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا" أخلص وأصوب عملا ، قال الفضيل بن عياض في قوله: [أحسن عملا] قال أخلصه وأصوبه قيل يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه فقال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة اهـ الاستقامة/ 243 ، +وَهُوَ الْعَزِيزُ"الْمَنِيعُ الَّذِي لا يُغْلَبُ، القويّ الشديد انتقامه ممن عصاه، وخالف أمره، عزيز في عزته، عزيز في قوته وامتناعه وغلبته وغناه، اللهم يا عزيز أعزنا بكتابك الكريم، وبكلمة التوحيد ، وبشرعك الحكيم. +الْغَفُورُ" الذي يغفر الذنوب العظام ، الذي يغفر لمَن أناب إليه وتاب، فاللهم يا غفور اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وثبت أقدامنا.
(3)- +الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا" بعضها فوق بعض، متفاصلات بينهن خلاء+مَا تَرَى" أيها الناظر +فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ" لَا في سماء ولا في أرض، ولا في غير ذلك +مِنْ تَفَاوُتٍ" من اختلاف أو تباين أو خلل أو قصور +فَارْجِعِ الْبَصَرَ"فأعد النظر- يا ابن آدم - إلى السماء معتبرًا +هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ" هل ترى فيه من صُدوع أو شقوق أو خلل؟ وفيها دليل على عظمة خلق السموات فخلقها في غاية الحسن لونا وهيئتة وارتفاعا.
(4)- +ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ" ثم أعد ردّ البصر يا ابن آدم +كَرَّتَيْنِ" مرة بعد أخرى، فانظرهَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ أو تفاوت +يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ" يرجع إليك بصرك +خَاسِئًا" صاغرًا عاجزًا ذليلا مُبْعَدًا أن يرى نقصًا +وَهُوَ حَسِيرٌ" وهو كالٌّ مُتعَبٌ.
ثانيا: جعل السماء زينة ورجوما للشياطين
(5)- +وَلَقَدْ زَيَّنَّا" جملنا +السَّمَاءَ الدُّنْيَا" القريبة التي تراها العيون +بِمَصَابِيحَ"بنجوم عظيمة مضيئة +وَجَعَلْنَاهَا" النجوم العظيمة +رُجُومًا" شهبًا محرقة +لِلشَّيَاطِينِ" لمسترقي السمع من الشياطين +وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ" وأعتدنا للشياطين في الآخرة +عَذَابَ السَّعِيرِ" تُسْعَر عليهم فتُسْجَر، وفيها دليل أن الله تعالى: خلق هذه النجوم لثلاث خصال: خلقها زينة للسماء الدنيا ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن يتأول منها غير ذلك، فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به.
ثالثا: صفة جهنم والداخلين فيها
(6)- +وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ" في الآخرة +وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" المرجع لهم.
(7)- +إِذَا أُلْقُوا" طُرح هؤلاء الكافرون +فِيهَا" في جهنم +سَمِعُوا لَهَا" لجهنم +شَهِيقًا" صوتًا شديدًا منكرًا،. +وَهِيَ تَفُورُ" تَغْلِي .
(8)- +تَكَادُ" جهنم +تَمَيَّزُ" تتفرّق وتتقطع وتتمزق +مِنَ الْغَيْظِ"يكاد بعضها ينفصل عن بعض من شدة غيظها وغضبها على من كفر بالله تعالى +كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ" كلما طُرح في جهنم جماعة من الناس +سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا" سأل الفوجَ الموكلين بأمرها على سبيل التوبيخ، فقالوا لهم: +أَلَمْ يَأْتِكُمْ" في الدنيا +نَذِيرٌ" رسول يحذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه؟ فأجابهم المساكين.
(9)- +قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ" رسول مِن عند الله يحذرنا هذا +فَكَذَّبْنا" فَكَذَّبْناهُ +وَقُلْنَا" له +مَا نزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ" على أحد من البشر شيئًا +إِنْ أَنْتُمْ" ما أنتم أيها الرسل+إلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ" في ذهاب عن الحقّ .
(10)- +وَقَالُوا" أي الفوجُ الذي ألقي في النار للخزنة: +لَوْ كُنَّا" في الدنيا +نَسْمَعُ" من النذر والنصيحة+أَوْ نَعْقِلُ" عنهم ما كانوا يدعوننا إليه +مَا كُنَّا" اليوم +فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" في عداد أهل النار.
(11)- +فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ" فأقرّوا بذنبهم +فَسُحْقًا" فبُعدًا وخسارة وشقاء +لأصْحَابِ السَّعِيرِ" لأهل النار.
رابعا: جزاء من خشي ربه بالغيب
(12)- +إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ" يخافون ربهم بالغيب، وهم لم يرَوُه +لَهُمْ مَغْفِرَةٌ" لهم عفو من الله عن ذنوبهم +وَأَجْرٌ كَبِيرٌ" وثواب من الله بالجنة على خشيتهم إياه بالغيب
(13)- +وَأَسِرُّوا" وأخفوا + قَوْلَكُمْ" كلامكم أيها الناس +أَوِ اجْهَرُوا بِهِ" أو أعلنوه وأظهروه فهما عند الله سواء +إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" ذو علم بضمائر الصدور التي لم يُتَكَلَّم بها.
(14)- +أَلا يَعْلَمُ" الربّ جلّ ثناؤه +مَنْ خَلَقَ" مِنْ خلقه؟ يقول: كيف يخفى عليه خلقه وهو الذي خَلَقهم وأتقن خَلْقَهُمْ +وَهُوَ اللَّطِيفُ" بعباده المؤمنين وأوليائه، يسوقهم إلى الخير ويعصمهم من الشر ، الذي أحاط علمه بالسرائر والخفايا وأدرك الخبايا، فاللهم يا ليطف الطف بنا، وتول أمرنا ، ويسر أمورنا، واشرح صدورنا+الْخَبِيرُ" بالسرائر والضمائر والخفايا، سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، سبحانه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، سبحانه لا تسقط من ورقة إلا يعلمها،سبحانه الذي خَبَرَ الشيءَ، وعلم كل شيء يسأل ملائكته عن الوقائع وهو أعلم بهم ، تحقيقا لحكمته في خلقه سبحانه جل ثناؤه وتقدست أسماؤه ولا إله غير، وفي الآية دليل لكل تربوي ومعالم لكل مهتد للتأصيل التربوي والتأهيل الإرشادي، بالرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه × فالله سبحانه هو أعلم بما يصلح به أمور عباده في بدنه ونفسه وخلقه.
(15)- +هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً" سَهْلا سَهَّلها لكم ومهدها لتستقرون عليها +فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا" في نواحيها وجوانبها، وطرقها+وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ" الذي أخرجه لكم من مناكب الأرض +وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" وإلى الله نشركم من قبوركم، وفيها دليل على تذكير الله بنعمه والحث على طلب الرزق.
خامسا: بيان قدرة الله على مؤاخذة عباده كيف شاء
(16)- +أَأَمِنْتُمْ" يا كفار مكة +مَنْ فِي السَّمَاءِ" الذي فوق السماء أيها الكافرون +أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ" تذهب بكم وتضطرب حتى تهلكوا؟ دليل على أن الله سبحانه في السماء بذاته وقدره، وقهره، ومن الأدلة: قوله × للجارية: ( أين الله ؟ ) قالت: في السماء، قال: ( أعتقها فإنها مؤمنة ) [ رواه مسلم / 382 )، وقوله ×: « ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء » (رواه البخاري/ 4351)، وقوله ×: «.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء » صحيح الترمذي/ 1924
(17)- +أَمْ" هل +أَمِنْتُمْ" يا كفار مكة +مَنْ فِي السَّمَاءِ" فوق السماء وهو الله +أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا" وهو التراب فيه الحجارة الصغيرة +فَسَتَعْلَمُونَ" أيها الكفرة +كَيْفَ نَذِيرِ" كيف عاقبة تحذيري لكم، إذا عاينتم العذاب؟ دليل على لطفه سبحانه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم، بسب كفر بعضهم به وعبادتهم معه غيره وهو مع هذا يعلم ويصفح، ويؤجل ولا يعجل.
(18)- +وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ" من قبل هؤلاء المشركين من قريش من الأمم الخالية كقوم نوح وعاد +فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ" فكيف كان إنكاري عليهم بإنزال العذاب بهم؟
سادسا: الله بصير بكل صغير وكبير
(19)- +أَوَلَمْ يَرَوْا" هؤلاء المشركون +إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ" بسطهن أجنحتهنّ +وَيَقْبِضْنَ" أجنحتهنّ أحيانا +مَا يُمْسِكُهُنَّ" ما يمسك الطير الصافات فوقكم +إلَّا الرَّحْمَنُ" الذي وسعت رحمته كل شيء +إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ" ذو بصر وخبرة، لَا يدخل تدبيره خلل، ولا يُرَى في خلقه تفاوت.
سابعا: لا ينصر ولا يرزق الا الله
(20)- +أَمْ مَنْ هَذَا" من هذا +الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ" أيها الكافرون به +يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ" إن أراد بكم سوءا +إِنِ" ما + الْكَافِرُونَ إلَّا فِي غُرُورٍ" في خداع وضلال من ظنهم أن آلهتهم تنفع أو تضر.
(21)- +أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ". بل مَن هذا الرازق المزعوم الذي يطعمكم ويسقيكم، ويأتي بأقواتكم +إِنْ أَمْسَكَ" الله +رِزْقَهُ" الذي يرزقه عنكم؟ +بَلْ لَجُّوا" بل تمادى الكافرون واستمروا +فِي عُتُوٍّ" في عناد وقسوة و طغيان +وَنُفُورٍ" وشرود عن الحقّ واستكبار، وفيها دليل على أن العطاء والمنع بيد الله وحده
ثامنا: مثل الكافر والمؤمن
(22)- +أَفَمَنْ يَمْشِي" أيها الناس +مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ" منكَّسًا على وجهه لَا يبصر ما بين يديه، وما عن يمينه وشماله وهو الكافر +أَهْدَى" أشدّ استقامة على الطريق +أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا" على قدميه مستويًا منتصب القمة سالمًا +عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" على طريق لَا اعوجاج فيه وهو المؤمن ؟.
تاسعا : قدرة الله في الخلق ودلالتها على المعاد
(23)- +قُلْ" يا محمد للذين يكذّبون بالبعث +هُوَ" الله +الَّذِي أَنْشَأَكُمْ" فخلقكم +وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ" تسمعون به +وَالأبْصَارَ" تبصرون بها +وَالأفْئِدَةَ" تعقلون بها +قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ" ربكم على هذه النعم التي أنعمها عليكم، وفيها دليل على وجوب شكر الله تعالى على نعمة السمع والبصر والقلب.
(24)- +قُلْ" لهم يا محمد +هُوَ" الله +الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ" خلقكم في الأرض وأوجدكم من العدم +وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" فتجمعون من قبوركم لموقف الحساب.
(25)- +وَيَقُولُونَ" المشركون +مَتَى هَذَا الْوَعْدُ" متى يكون ما تعدوننا من الحشر إلى الله إن كنتم صادقين +إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" في وعدكم.
(26)- +قُلْ" يا محمد لهؤلاء المستعجلين بقيام الساعة +إِنَّمَا الْعِلْمُ" علم الساعة +عِنْدَ اللَّهِ" لَا يعلم ذلك غيره +وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ" لكم أخوفكم عذاب الله على كفركم به +مُبِينٌ" أبيِّن لكم ما أمرني الله ببيانه
(27)- +فَلَمَّا رَأَوْهُ" فلما رأى هؤلاء المشركون عذاب الله +زُلْفَةً" قريبا منهم، وعاينوه +سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا" فظهرت الذلة والكآبة على وجوههم +وَقِيلَ" لهمتوبيخًا من الله +هَذَا" العذاب +الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ" تطلبون تعجيله في الدنيا.
عاشرة : موت المؤمن لا يجير الكافر والتذكير بنعمة الله في نبع الماء
(28)- +قُلْ" يا محمد للمشركين من قومك +أَرَأَيْتُمْ" أيها الناس +إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ" فأماتني +وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا" فأخَّر في آجالنا +فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ" بالله +مِنْ عَذَابِ أَلِيمٍ" موجع مؤلم، وذلك عذاب النار
(29)- +قُلْ" يا محمد: ربنا +هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ" صدَّقنا به وعملنا بشرعه +وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا" اعتمدنا في أمورنا، وبه وثقنا فيها +فَسَتَعْلَمُونَ" أيها المشركون بالله إذا نزل العذاب: +مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" أيُّ الفريقين منا ومنكم الذي هو في ذهاب وبعد عن الحقّ
(30)- +قُلْ" يا محمد لهؤلاء المشركين +أَرَأَيْتُمْ" أيها المشركون بالله +إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا" صار ماؤكم الذي تشربون منه غائرا لا تصلون إليه بوسيلة +فَمَنْ يَأْتِيكُمْ" يجيئكم +بِمَاءٍ مَعِينٍ" تراه العيون ظاهرا، ووهذا استفهام بمعنى النفي، أي: لا يقدر أحد على ذلك غير الله تعالى.
سؤال: ما حكم قراءة سورة الملك للاستجارة بها من عذاب القبر ؟
قراءة سورة الملك للاستجارة بها من عذاب القبر لا نعلم حديثا صحيحا عن النبي × يدل على ذلك.وبالله وبالله التوفيق اهـ اللجنة الدائمة . 451/2.
 
يتابع تفسير فيض الرحمن في تفسير جزء تبارك
68- سورة القلم
القلم: الذي يكتب به ويسطر به كل شيء، دلالة على عظمة القلم لما فيه من المنافع والحكم كحفظ المواثيق والعهود.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أولا : بيان عظمة النبي × والذب عنه
(1)- +ن" إشارة إلى إعجاز القرآن المركَّب من هذه الحروف التي تتكون منها لغة العرب، فقد تحدي به المشركين العرب, فعجزوا عن الإتيان بمثله، مع أنهم أفصح الناس، فدَلَّ عجزهم على أن القرآن وحي من الله. + وَالْقَلَمِ" أقَسَم الله بالقلم الذي يكتب به،+وَمَا يَسْطُرُونَ" وبما يخُطُّون ويكتبون، قال شيخ الإسلام: سُورَةُ ( ن ) هِيَ سُورَةُ" الْخُلُقِ" الَّذِي هُوَ جِمَاعُ الدِّينِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا ×اهـ الفتاوى 16/ 91.
(2)- +مَا أَنْتَ" أيها الرسول +بِنِعْمَةِ رَبِّكَ" بسبب نعمة عليك بالنبوة والرسالة +بِمَجْنُونٍ" بضعيف العقل دليل على تبرئة رسوله × مما نسب إليه مشركو قريش الذين قالوا له: إنك مجنون وتكذيبا لهم.
(3)- +وَإِنَّ لَكَ" يا محمد +لأجْرًا" لثوابا من الله عظيمًا على صبرك على أذى المشركين لك +غَيْرَ مَمْنُونٍ" غير منقوص ولا مقطوع
(4)- +وَإِنَّكَ" يا محمد +لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" لعلى دين وأدب عظيم، وذلك أدب القرآن، دليل على كثرة تلاوته × وتدبره للقرآن وعمله بما فيه، وعندما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه × قالت: فإن خلق نبي الله كان القرآن. رواه مسلم.
(5)- +فَسَتُبْصِرُ" فستعلم يا محمد +وَيُبْصِرُونَ" ويرى مشركو قومك الذين يدعونك مجنونا.
(6)- +بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ" بأيكم الجنون والفتنة، أوبأيكم أولى بالشيطان، أو من المفتون الضال منك ومنهم؟
(7)- +إِنَّ رَبَّكَ" يا محمد +هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ" كضلال كفار قريش عن دين الله، وطريق الهدى +وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" وهو أعلم بمن اهتدى، فاتبع الحقّ، وأقرّ به .
ثانيا : نهي النبي × عن اتباع المشركين أو ملا ينتهم
(8)- +فَلا تُطِعِ" يا محمد +الْمُكَذِّبِينَ" بآيات الله ورسوله، واثبت على ما أنت عليه فإنك على الحق المبين.
(9)- +وَدُّوا" وتمنى هؤلاء المشركون يا محمد +لَوْ تُدْهِنُ" لو تلين لهم في دينك، و تركن إلى آلهتهم،+فَيُدْهِنُونَ" فيلينون لك في عبادتك إلهك.
وفيها دليل على تحريم سبل مداهنة المسلمين للمشركين وتنازلهم عن شيء من حكم الله
(10)- +وَلا تُطِعْ" يا محمد +كُلَّ حَلافٍ" كلّ إنسانٍ كثير الحلف بالباطل +مَهِين" وهو الضعيف الحقير، وفيها دليل على ذم كثرة الحلف؛ لأن لازم الكثرة وقوع الكذب.
(11)- +هَمَّازٍ" مغتاب للناس يأكل لحومهم. +مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ" مشاء بين الناس بالنميمة، ينقل حديث بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم، وفيها دليل على تحريم النميمة، ومن ادلة السنة حديث حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت النبي - × - يقول:"لا يدخلُ الجنة قتات".صحيح الأدب/6056. والقتات: النمام.
(12)- +مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ" بخيل بالمال ضنين به عن الحقوق +مُعْتَدٍ" متجاوز حده في العدوان على الناس وارتكاب المحرمات +أَثِيمٍ" كثير الآثام بربه
(13)- +عُتُلٍّ" فاحش لئيم، جاف شديد في كفره +بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ" منسوب لغير أبيه، أو المُلصَق بالقوم وليس منهم، أو من له علامة من الشر يعرف بها، وفيها دليل على تحريم فاحش بذيء شديد جاف، عن بن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى: (( عتل بعد ذلك زنيم)) قال: رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة . البخاري /858 زنمة الشاة: ما يقطع من أذنها ويترك معلقا
(14)- +أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ" نهاه أن يطيعه من أجل أنه ذو مال وبنين.
(15)- +إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا" إذا قرأ عليه أحد آيات القرآن +قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ" قال: هذا أباطيل الأولين استهزاء به وإنكارًا منه أن يكون ذلك من عند الله .
(16)- +سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ" سنبين أمره بيانا واضحا، و نجعل على أنفه علامة لازمة عقوبة له حتى يعرفوه
ثالثا : مثل لابتلاء الكفار وذهاب كسبهم
(17)- +إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ" اختبرنا قريشا بالجوع والقحط +كَمَا بَلَوْنَا" امتحنا +أَصْحَابَ الْجَنَّةِ" البستان +إِذْ أَقْسَمُوا" حين حلفوا +لَيَصْرِمُنَّهَا" ليقطعُنَّ ثمار حديقتهم + مُصْبِحِينَ" مبكِّرين إذا أصبحوا، فقد كانت الجنة لشيخ، وكان يتصدق، وكان بنوه ينهونه عن الصدقة، وكان يمسك قوت سنته، وينفق ويتصدق بالفضل فلما مات أبوهم غدوا عليها فقالوا: (لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين). أخرجه الطبري بسنده الحسن.
(18)- +وَلا يَسْتَثْنُونَ" ولا يقولون إن شاء الله، فيها دليل على النهي عن الجزم بقول في المستقبل دون قول إن شاء الله وهي من أسباب الحرمان.
(19)- +فَطَافَ عَلَيْهَا " فأنزل الله على جنتهم ليلا +طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ" نارًا أحرقتها +وَهُمْ نَائِمُونَ"
(20)- +فَأَصْبَحَتْ" جنّتهم +كَالصَّرِيمِ" محترقة سوداء كسواد الليل المظلم البهيم.
(21)- +فَتَنَادَوْا" أي: أصحاب الجنة، ونادى بعضهم بعضا +مُصْبِحِينَ" بعد أن أصبحوا.
(22)- +أَنِ اغْدُوا" اذهبوا مبكرين +عَلَى حَرْثِكُمْ" إلى زرعكم +إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ" مصرِّين على ذلك.
(23)- +فَانْطَلَقُوا" فمضَوا إلى حرثهم مسرعين +وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ" وهم يسرُّون بينهم يقول بعضهم لبعض:
(24)-: +أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا" لَا يدخلنّ حديقتكم +الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ"أحدا من المساكين .
(25)- +وَغَدَوْا" وساروا مبكرين إلى حديقتهم +عَلَى حَرْدٍ" على أمر مجمع سيئ قد قصدوه وأسروه بينهم وهو منع المساكين من ثمار الحديقة +قَادِرِينَ" ذوي قدرة عليه في زعمهم.
(26)- +فَلَمَّا رَأَوْهَا" رأوا جنتهم محترقة أنكروها وشكوا فيها، هل هي جنتهم أم لَا؟ +قَالُوا" فقال بعضهم لأصحابه من الحيرة والانزعاج +إِنَّا لَضَالُّونَ" لقد أخطأنا طريق جنتنا إنا لتائهون
(27)- فلما تحققوها وعلموا أنها جنتهم، وأنهم لم يخطئوا الطريق قالوا: +بَلْ نَحْنُ" أيها القوم +مَحْرُومُونَ" بل جوزينا فحُرِمنا من منفعة جنتنا عقوبة لنا.
(28)- +قَالَ أَوْسَطُهُمْ" أعدلهم وأحسنهم طريقة +أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ" تنزهون الله عما لا يليق به، ومن ذلك، ظنكم أن قدرتكم مستقلة، فهلا استثنيتم وقلتم: إن شاء الله؟
(29)- +قَالُوا" قال أصحاب الجنة بعد أن عادوا إلى رشدهم +سُبْحَانَ رَبِّنَا" تنزَّه الله ربنا عن الظلم +إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ" بل نحن الظالممون في تركنا الاستثناء في قسمنا وعزمنا على ترك إطعام المساكين من ثمر جنتنا.
(30)- +فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ" يلوم بعضهم بعضا على تفريطهم
(31)- +قَالُوا" قال أصحاب الجنة +يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ" مُبْعَدين، مخالفين أمر الله.
(32)- +عَسَى رَبُّنَا" بسبب توبتنا واعترافنا بخطيئتنا +أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا" في أن يبدلنا من جنتنا إذ هلَكت خيرا منها +إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ". راجون العفو، طالبون الخير، قال العلامة السعدي: فالظاهر أن الله أبدلهم في الدنيا خيرًا منها لأن من دعا الله صادقًا، ورغب إليه ورجاه، أعطاه سؤله اهـ.
(33)- +كَذَلِكَ الْعَذَابُ" مثل ما فعلنا بجنة أصحاب الجنة، نفعل بمن خالف أمرنا وبخل بما آتاه الله من النعم، فلم يؤدِّ حق الله فيها، +وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ" عقوبة الآخرةبمن عصى ربه وتجاوز أمره +أَكْبَرُ" يوم القيامة من عقوبة الدنيا وعذابها +لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" أن عقوبة الله أشد في الآخرة لارتدعوا وتابوا وأنابوا إلى ربهم، وفيها دليل أن الله لم يهلك أحدا ولم يعذبه إلا بذنب.
رابعا : جزاء المتقين
(34)- +إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ" الذين اتقوا عقوبة الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه +عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ" بساتين النعيم الدائم.
(35)- +أَفَنَجْعَلُ" أيها الناس في كرامتي ونعمتي في الآخرة +الْمُسْلِمِينَ" الذين خضعوا لي بالطاعة، وذلوا لي بالعبودية، وخشعوا لأمري ونهيي +كَالْمُجْرِمِينَ" الذين اكتسبوا المآثم، وركبوا المعاصي، وخالفوا أمري ونهيي؟
(36)- +مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" كيف تجعلون المطيع لله والعاصي له سواء،وهما لَا يستويان عند الله؟!، فيها دليل على أنه سبحانه لا يعاقب إلا من يستحق العقوب.
(37)- +أَمْ لَكُمْ" يا مشركي قريش +كِتَابٌ" تجدون فيه تسوية المسلمين بالمجرمين في كرامة الله +فِيهِ تَدْرُسُونَ" فأنتم تدرسون فيه ما تقولون.
(38)- +إِنَّ لَكُمْ" في هذا الكتاب + فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ" في هذا الكتاب إذًا ما تشتهون من الأمور لأنفسكم، وليس الأمر كذلك، وهو دليل على توبيخٌ الله لهؤلاء القوم وتقريع لهم فيما كانوا يقولون من الباطل، ويتمنون من الأمانيّ الكاذبة.
(39)- +أَمْ لَكُمْ" هل لكم فيه +أَيْمَانٌ عَلَيْنَا" عهود ومواثيق علينا +بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" تنتهي بكم إلى يوم القيامة في أنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون؟ +إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ" ما تريدون وتشتهون.
وقيل : إن لكم إذا لما تحكمون باعتباره جواب القسم الإيمان.
(40)- +سَلْهُمْ" سل يا محمد هؤلاء المشركين +أَيُّهُمْ بِذَلِكَ" أيهم بذلك الحكم +زَعِيمٌ" كفيل وضامن بأن لهم علينا أيمانا بالغة بحكمهم إلى يوم القيامة.
(41)- +أَمْ لَهُمْ" ألهؤلاء القوم +شُرَكَاءُ" فيما يقولون ويصفون يكفلون لهم ما يقولون +فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ" في دعواهم؟
خامسا : صور من أهوال يوم القيامة
(42)- +يَوْمَ" القيامة يشتد الأمر ويصعب هوله ويأتي الله تعالى لفصل القضاء بين الخلائق +يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ"، فيكشف الله سبحانه عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء، +وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ" ويدعوهم الكشف عن الساق إلى السجود لله تعالى، وهو +فَلا يَسْتَطِيعُونَ" فلا يطيقون ذلك.
وفيها دليل على إثبات كشف الله الله عز وجل عن ساقه يوم القيامة على الوجه الذي يليق بجلاله، بلا تشبيه ولاتعطيل ولاتمثيل ولا تكيف ومن أدلة ذلك من السنة، عن أبي سعيد – رضي الله عنه - قال:"سمعت النبي - × - يقول: يكشف الله ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقا واحداً". رواه البخاري/ 4919 .
(43)- +خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ" منكسرة أبصارهم +تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ" تغشاهم ذلة من عذاب الله. +وَقَدْ كَانُوا" في الدنيا +يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ" يُدْعَون إلى الصلاة لله +وَهُمْ سَالِمُونَ" أصحَّاء لَا يمنعهم من ذلك مانع، فلا يسجدون; تعظُّمًا واستكبارًا.
قال ابن عثمين: وفيها دليل أن التكليف في الآخرة ثابت بنص القرآن اهـ مجموع فتاوى 12/8.
سادسا : وعيد شديد لمن يكذب بالقرآن
(44)- +فَذَرْنِي" دعني وإياه، أو كِلْ يا محمد أمر هؤلاء المكذبين+وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ" بالقرآن فإن عليَّ جزاءهم والانتقام +سَنَسْتَدْرِجُهُمْ" سنكيدهم ونمدهم في غيهم، وبالنعم استدراجًا، ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر +مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ" من حيث لا يشعرون أنه سبب لإهلاكهم
(45)- +وَأُمْلِي لَهُمْ" وأنسئ في آجالهم برهة من الدهر على كفرهم وتمرّدهم على الله لتتكامل حجج الله عليهم +إِنَّ كَيْدِي" بأهل الكفر +مَتِينٌ" قويّ شديد.
وفيها دليل على إملاء الله سبحانه للكفرة والعصاة، بأن يتابع عليهم النعم وكثرة الرزق, ثم يأخذهم أو يعاقبهم، فالواجب على كل مسلم أن يأخذ حذره, وأن لا يغتر بإملاء الله وإنظاره له ولغيره , وأن يبادر بالتوبة النصوح قبل حلول العقوبة.
(46)- +أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا" أتسأل يا محمد هؤلاء المشركين بالله أجرا دنيويا على تبليغ الرسالة +فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ" من غرم ذلك الأجر +مُثْقَلُونَ" أثقلهم القيام بأدائه، فتحاموا لذلك قبول نصيحتك، وقبول دعوتك.
(47)- +أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ" بل أعندهم علم ما في اللوح المحفوظ الذي فيه نبأ ما هو كائن +فَهُمْ يَكْتُبُونَ" ما فيه، ويزعمون أنهم أفضل منزلة عند الله من أهل الإيمان.
سابعا : الأمر بالصبر وعدم الاستعجال
(48)- +فَاصْبِرْ" يا محمد +لِحُكْمِ رَبِّكَ" لقضاء ربك وحكمه، وامضِ لما أمرك به ربك، فإن الله سيجعل لك ولأتباعك العاقبة في الدنيا والآخرة +وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ" يونس بن مَتَّى ×، فلا تعجل كما عجل، ولا تغضب كما غضب +إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ" حين نادى ربه وهو مغموم، قد أثقله الغمّ وكظمه طالبًا تعجيل العذاب لهم. فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له، وشرود الحوت في البحر وظلمات غمرات اليم، قال شيخ الإسلام: خصال الداعي ثلاثة: العلم والرفق والصبر، العلم قبل الأمر والنهي والرفق معه والصبر بعده اهـ الاستقامة/2/ 222.
(49)- +لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ" تدارك صاحب الحوت +نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ" بتوفيقه للتوبة فرحمه بها، وتاب عليه من مغاضبته ربه حيث نادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين +لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ" لَطُرِح مِن بطن الحوت بالأرض الفضاء المهلكة +وَهُوَ مَذْمُومٌ" وهو آتٍ بما يلام عليه، لكنه نبذ وهو غير مذموم.
(50)- +فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ" اصطفاه واختاره لنبوّته +فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ" من المرسلين العاملين بما أمرهم به ربهم، المنتهين عما نهاهم عنه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - × - قال:"ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى" رواه البخاري/ 3413.
ثامنا : إصابه العين حق
(51)- +وَإِنْ يَكَادُ" يا محمد +الَّذِينَ كَفَرُوا" حين سمعوا القرآن +لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ" ليصيبونك بأبصارهم بالعين من شدة عداوتهم لك لولا وقاية الله لك +لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ" لما سمعوا كتاب الله يتلى +وَيَقُولُونَ" يقول هؤلاء المشركون حسب أهوائهم +إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ" إن محمدا لمجنون، عن ابن عباس، عن النبي - × - قال: (العين حق. ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا).رواه مسلم/ 2188) .
(52)- +وَمَا هُوَ" وما القرآن +إلَّا ذِكْرٌ" موعظة وتذكير +لِلْعَالَمِينَ" الثقلين الجنّ والإنس.

 
يتابع تفسير فيض الرحمن في تفسير جزء تبارك
69- سورة الحاقة
الحاقة: الساعة أو القيامة التي تحقّ فيها الأمور، فيتحقق فيها الوعد والوعيد، دلالة على عظم هولها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أولا : التنبيه على عظم القيامة وذكر هلاك الأمم
(1)- +الْحَاقَّةُ" القيامة التي تحقّ فيها الأمور، فيتحقق فيها الوعد والوعيد، ويجب فيها الجزاء على الأعمال.
(2)- +مَا الْحَاقَّةُ" ما القيامة الواقعة حقًّا في صفتها وحالها؟
(3)- +وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ" وأيّ شيء أدراك وعرّفك حقيقة الحاقة وشدتها؟
(4)- +كَذَّبَتْ ثَمُودُ" قوم صالح +وَعَادٌ" قوم هود +بِالْقَارِعَةِ" بالساعة، التي تقرع قلوب العباد فيها.
(5)- +فَأَمَّا ثَمُودُ" قوم صالح +فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ" بالصيحة العظيمة التي أهمدتهم.
(6)- +وَأَمَّا عَادٌ" قوم هود +فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ" فأهلكهم الله بريح +صَرْصَرٍ" باردة شديدة العصوف +عَاتِيَةٍ" تجاوزت في الشدّة والعصوف مقدارها المعروف في الهبوب والبرد، فعتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم.
(7)- +سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ" سلَّط الله تلك الرياح على عاد +سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا" متتابعة لا تنقطع +فَتَرَى" يا محمد +الْقَوْمَ" قوم عاد +فِيهَا" في تلك الليالي السبع والثمانية الأيام الحسوم +صَرْعَى" موتى و هلكى +كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ" كأنهم أصول نخل خَرِبة قد خوت أجوافها.
(8)- +فَهَلْ تَرَى" يا محمد +لَهُمْ" لعاد قوم هود +مِنْ بَاقِيَةٍ" مِن نفس باقية؟
(9)- +وَجَاءَ فِرْعَوْنُ" مصر +وَمَنْ قَبْلَهُ" ومَن سبقه من الأمم المكذّبة بآيات الله، كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط +وَالْمُؤْتَفِكَاتُ" وأهل قرى لوط التي انقلبت بأهلها فصار عاليها سافلها +بِالْخَاطِئَةِ" بسبب خطيئتهم المنكرة.
(10)- +فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ" ربهم بتكذيبهم رسله +فَأَخَذَهُمْ" الله +أَخْذَةً رَابِيَةً" بالغة في الشدة.
ثانيا : التذكير بنعمة السفينة وذكر االنفخ في الصور
(11)- +إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ" إنا لما جاوز الماء حدّه المعروف، وذلك زمن الطوفان +حَمَلْنَاكُمْ" حملنا أصولكم +فِي الْجَارِيَةِ" مع نوح في السفينة التي تجري في الماء
فائدة: قال سبحانه:[حملناكم] ولم يقل: حملناهم: لأن الذين خوطبوا بذلك ولد الذين حملوا في الجارية تذكيرا لهم بما حل بآبائهم كما ذكر في الآية التالية:
(12)- +لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ" السفينة الجارية التي حملناكم فيها +تَذْكِرَةً" عبرة وموعظة +وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ" وتحفظها كل أذن عقلت عن الله ما سمعت من كتاب الله سبحانه.
(13)- +فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ" نفخ إسرافيل في القرن +نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ" وهي النفخة الأولى التي يكون عندها هلاك العالم
(14)- +وَحُمِلَتِ" ورُفعت +الأرْضُ وَالْجِبَالُ" عن أماكنها +فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً" فزلزلتا زلزلة واحدة.
(15)- +فَيَوْمَئِذٍ" ففي ذلك الحين +وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ" وقعت الصيحة، وقامت القيامة.
(16)- +وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ" وانصدعت السماء +فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ" منشقة ضعيفة متصدّعة.
(17)- +وَالْمَلَكُ " والملائكة +عَلَى أَرْجَائِهَا" على أطراف السماء وجوانبها وحافاتها حين تشقق +وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ" العرش: سَقْفُ المخلوقات، وأعلى المخلوقات، وأعظمُها، لا يقدر قدره إِلا الله، والكرسي بالنسبة إلى العرْش كحلقة من حديد أُلقيت بين ظهراني فلاةٍ من الأرض، وهو موضع قدمي الرب جل في علاه، ولا يعلم كيفيته إلا الله سبحانه، قال × ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ) صحيح ابن حبان/ 361 وصح عن ابن عباس موقوفا عليه قوله: « الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى» صححه الألباني في مختصر العلو للذهبي (ص: 36) + فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ" ثمانية صفوف من الملائكة العظام، لَا يعلم عدّتهن إلا الله، وروى أبو داود عن النبي ×أنه قال : «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش ، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام » صحيح أبي داود : 4727 وذلك دليل على عظمة العرش ، وإذا كان عرش الرحمن بهذه العظمة، فما بالك بعظمة من استوى عليه وعلا فوقه سبحان الله جل في علاه..
(18)- +يَوْمَئِذٍ" أيها الناس +تُعْرَضُونَ" على ربكم للحساب والجزاء +لَا تَخْفَى" على الله +مِنْكُمْ خَافِيَةٌ" من أسراركم لأنه عالم بجميعكم، محيط بكلكم. ، و عن عمر رضي الله عنه أنه كان في خطبه يقول: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر على الله { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ }. ابن كثير 8/77. وفي الآية دليل على إثبات وقوف الخلق للحساب والعرض.
وروى البخاري في صحيحه « عن عائشة رضي الله عنهما أن النبي ×قال: (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هَلَك) فقلت يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ }{ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } الانشقاق الآيتان: 7، 8. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلك العرْض، وليس أحد يناقَش الحسابَ يوم القيامة إلا عُذِّب". »
ثالثا : فرحة من أوتي كتابه بيمينه
(19)- +فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ" فأما من أُعطي كتاب أعماله +بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ" ابتهاجًا وسرورًا +هَاؤُمُ" تعالوا خذوا +اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ" كتابي.
(20)- +إِنِّي ظَنَنْتُ" إني علمت و أيقنت +أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ" إذا وردت يوم القيامة على ربي، والحساب : تعريف الله عز وجل الخلائق بأعمالهم خيرا أو شرا ، وتذكيرهم ما قد نسوه منها ، وعن أبي مسعودٍ - رضي الله عنه - أن رسول الله - × قال: ( حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ مُوسِرًا فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ قَالَ: قَالَ اللهُ - عز وجل -: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ ) رواه مسلم 3/1195.
(21)- +فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ" مرضية هنية.
(22)- +فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ" مرتفعة المكان.
(23)- +قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ" ثمارها قريبة من قاطفها
(24)- يقال لهم: +كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا" لَكُمْ، سالمين لَا تتأذون بما تأكلون، ولا بما تشربون +بِمَا" بسبب ما +أَسْلَفْتُمْ" ما قدَّتمتم لآخرتكم من العمل بطاعة الله +في الأيام الخالية" في أيام الدنيا التي خلت ومضت، وفيها دليل على أن للإنسان عمل وأن عمله سبب في دخوله الجنة بعد رحمة الله عز وجل وفضله لهذا صح عنه صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال «لن يُدْخِلَ أحدكم عمله الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضلا» رواه البخاري/ 5349
رابعا : سوء حال من أوتي كتابه بشماله
(25)- +وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ" أُعطِيَ +كِتَابَهُ" يومئذ +بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ" نادمًا متحسرًا: +يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ" لم أُعط +كِتَابِيَهْ" كتابي.
(26)- +وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ" ولم أعلم ما جزائي؟
(27)- +يَا لَيْتَهَا" ليت الموتة التي متُّها في الدنيا +كَانَتِ الْقَاضِيَةَ" كانت القاطعة لأمري، ولم أُبعث بعدها، تمنى الموت، ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت.
(28)- +مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ" لم يدفع عني مالي الذي كنت أملكه في الدنيا من عذاب الله شيئا.
(29)- +هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ" ذهبت عني حججي، وضلت، فلا حجة لي أحتجّ بها.
(30)- يقول تعالى لملائكته من خزّان جهنم +خُذُوهُ" أي هذا المجرم +فَغُلُّوهُ" فاجمعوا يديه إلى عنقه بالأغلال.
(31)- +ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ" ثم في نار جهنم أوردوه ليصلى فيها.
(32)- +ثُمَّ" اسلكوه +فِي سِلْسِلَةٍذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا" في سلسلة من حديد طولها سبعون ذراعًا +فَاسْلُكُوهُ" فأدخلوه فيها.
(33)- +إِنَّهُ " فعل به ذلك لأنه +كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ" لَا يصدّق بوحدانية الله العظيم ولا يعمل بهديه.
(34)- +وَلا يَحُضُّ" ولَا يحث الناس +عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ" أهل الحاجة من المساكين وغيرهم.
(35)- +فَلَيْسَ لَهُ" لهذا الكافر +الْيَوْمَ" يوم القيامة +هَاهُنَا" في الدار الآخرة +حَمِيم" قريب يدفع عنه، ويغيثه مما هو فيه من البلاء والعذاب
(36)- +وَلا طَعَامٌ" وليس له طعام +إلَّا مِنْ غِسْلِينٍ" ما يسيل من صديد أهل النار كما كان لَا يحضّ في الدنيا على طعام المسكين
(37)- +لَا يَأْكُلُهُ إلَّا الْخَاطِئُونَ" لَا يأكل الطعام الذي من غسلين إلا المذنبون المصرُّون على الكفر بالله
خامسا: بيان عظمة القرآن كلام الله
(38-39)- +فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ" أقسم بالأشياء التي تبصرونها +وَمَا لَا تُبْصِرُونَ"والتي لَا تبصرونها
(40)- +إِنَّهُ " هذا القرآن + لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ" رسول عظيم الشرف والفضل وهو محمد × يتلوه عليهم، فهو قوله لكن الكلام كلام الباري جل وعلا، والقائل له مُبلغا عمن تكلم به، ودل عليه أنه من قوله × ما بعده.
(41)- +وَمَا هُوَ" ما هذا القرآن +بِقَوْلِ شَاعِرٍ" لأن محمدًا لَا يُحسن قول الشعر +قَلِيلا" يا مشركي قريش.
+مَا تُؤْمِنُونَ" ما تصدّقون به أنتم ، وقد أجمع أهل السنة والجماعة أن القرآن الكريم كلام الله حقيقة، حروفه ومعانيه، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو كلام الله تعالى، حيث تلي وحيث كتب، نقرؤه بحركاتنا وأصواتنا، فالكلام كلام الباري والصوت صوت القارئ وهو محفظوظ إلى يوم القيامة لا مبدل لكلمات الله.
(42)- +وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ" ولا هو بقول كاهن، لأن محمدًا ليس بكاهن، فتقولوا: هو من سجع الكهان +قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ" قليلا ما تعتبرون به، دليل على أن الله تعالى طهر نبيه × من الشعر والكهانة، وعصمه منهما
(43)- +تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ" ولكنه كلام رب العالمين نزل على رسوله محمد × ، دليل على أن إضافة القول إلى الرسول الكريم في قوله + لقول رسول كريم " على سبيل التبليغ ، فالرسول × مبلغ والله تعالى تكلم بالقرآن وسمعه جبرائيل وبلغه إلى محمد ثم قرأه محمد -عليه الصلاة والسلام -وبلغه الأمة.
سادسا: عصمة النبي × في تبليغه الوحي
(44)- +وَلَوْ تَقَوَّلَ" ولو ادَّعى +عَلَيْنَا" محمد +بَعْضَ الأقَاوِيلِ" الباطلة، وكذب علينا.
(45)- +لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِين" لانتقمنا وأخذنا منه باليمين
(46)- +ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ" عرق القلب. أو نياطه، تعجيلا بعقوبته.
(47)- +فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ" فلا يقدر أحد منكم أيها الناس +حَاجِزِينَ" يحجزوننا عن عقوبته، وما نفعله به، وهذا الوعيد دال على عصمة محمد × فيما يبلغه عن الله تبارك وتعالى .
(48)- +وَإِنَّهُ" وإن هذا القرآن +لَتَذْكِرَةٌ" عظة يتذكر به، ويتعظ به +لِلْمُتَّقِينَ" الذين يتقون عقاب الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه.
(49)- +وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ" أيها الناس +مُكَذِّبِينَ" بهذا القرآن مع وضوح آياته
(50)- +وَإِنَّهُ" وإن التكذيب به +لَحَسْرَةٌ" لندامة عظيمة +عَلَى الْكَافِرِينَ" بالقرآن يوم القيامة
(51)- +وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ" وإنه لحق ثابت لَا شكّ فيه ويقين أنه من عند الله لم يتقوّله محمد × .
وحق اليقين هو منتهى العلم إذ اليقين ثلاث درجات: الأولى: علم اليقين، والثانية: عين اليقين، ووالثالثة حق اليقين كما في التكاثر {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [102/5-7] فهاتان درجتان والثالثة إذا دخلوها كان حق اليقين ومثله في الدنيا العلم بوجود الكعبة والتوجه إليها في الصلاة ثم رؤيتها عين اليقين ثم بالدخول فيها يكون حق اليقين . اضواء البيان 8/ 228
(52)- +فَسَبِّحْ" فنزِّه +بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ" بذكر ربك العظيم، لا عظيم فوقه سبحانه، ولا أحد يساويه، ولا عظيم يدانيه، الذي كلّ شيء في عظمته صغير، العظيم في ذاته وصفته، فهو عظيم في رحمته، عظيم في قدرته، عظيم في حكمته، عظيم في بره وإحسانه وكبريائه، سبحانه، ومن الدعاء باسم الله العظيم قوله × في دعاء الكرب المروي في الصحيحين: (لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ) متفق عليه، اللهم يا عظيم عظم الإيمان في قلوبنا، وعظم كتابك في أعمالنا، وعظم حرماتك وشعائرك في نفوسنا.
 
يتابع تفسير فيض الرحمن في تفسير جزء تبارك
70- سورة المعارج
المعارج: الملائكة تصعد إلى الله تعالى دليل على علوه سبحانه في السماء على جميع المخلوقات ذاتًا وقدرًا وقهرًا.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سبب النزول: عن بن عباس في قوله سأل سائل بعذاب واقع قال: (( النضر بن الحارث بن كلدة )) حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه النسائي /11620.
أولا: بيان جرأة الكفار في استعجال الكفار وتلقين النبي بالصبر
(1)- +سَأَلَ سَائِلٌ" دعا داع من الكفار +بِعَذَابٍ وَاقِعٍ" على نفسه وقومه بنزول العذاب عليهم، وهو قولهم (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) الأنفال آية (32)، وفيها دليل على حرمة سؤال العذاب فإن عذاب الله لا يطاق.
(2)- +لِلْكَافِرِينَ" وهو واقع على الكافرين +لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ" ليس له مانع يمنعه أو يدفعه عنهم.
(3)- +مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ" من الله ذي العلو والجلال والدرجات والفواضل والنعم.
(4)- +تَعْرُجُ" تصعد +الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ" وهو جبريل عليه السلام +إِلَيْهِ" إلى الله جلّ وعزّ +فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ" كان مقدار صعودهم فيه لغيرهم من الخلق +خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ" من سنين الدنيا، وهو على المؤمن مثل صلاة مكتوبة، وصعود الملائكة إلى الله تعالى دليل على علوه سبحانه في السماء على جميع المخلوقات
(5)- +فَاصْبِرْ" يا محمد على أذى هؤلاء المشركين واستعجالهم العذاب +صَبْرًا جَمِيلا" لَا جزع فيه، ولا شكوى منه لغير الله، وفيها دليل على وجوب الصبر على الطاعة وعلى البلاء بلا سخط ولا جزع.
(6-7)- +إِنَّهُمْ" إن هؤلاء المشركين +يَرَوْنَهُ" العذاب الذي سألوه +بَعِيدًا" وقوعه، لأنهم كانوا لَا يصدّقون به، وينكرون البعث بعد الممات +وَنَرَاهُ قَرِيبًا" لأنه كائن لا محالة.، وكلّ ما هو آت قريب.
ثانيا : صور من أهوال يوم القيامة
(8)- +يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ" سائلة كالشيء المذاب
(9)- +وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ" كالصوف المصبوغ المنفوش الذي ذَرَتْه الريح.
(10)- +وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا" ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه لشغله بشأن نفسه.
(11)- ولكنهم +يُبَصَّرُونَهُمْ" المؤمنون يبصرون الكافرين فيعرفونهم، ثم يفرّ بعضهم من بعض +يَوَدُّ الْمُجْرِمُ" يتمنى الكافر يومئذ أنه +لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ" يوم القيامة +بِبَنِيهِ" بأبنائه
(12)- +وَصَاحِبَتِهِ" زوجته +وَأَخِيهِ"
(13)- +وَفَصِيلَتِهِ" وهم عشيرته +التي تؤويه" التي تضمه إلى رحله.
(14)- +وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا"من الخلق +ثُمَّ يُنْجِيهِ" ثم ينجو من عذاب الله.
(15)- +كَلا" ألا +إِنَّهَا لَظَى" إنها جهنم تتلظى، أو ليس الأمر كما تتمناه- أيها الكافر- من الافتداء.
(16)- +نزاعَةً لِلشَّوَى" تنزع حرها جلدة الرأس وأطراف البدن.
(17)- +تَدْعُو" تنادي في الدنيا + مَنْ أَدْبَرَ" عن طاعة الله +وَتَوَلَّى" عن طاعة الله والإيمان بكتابه ورسله.
(18)- +وَجَمَعَ" المال +فَأَوْعَى" فجعله في وعاء، ولم يؤدِّ حق الله فيه.
ثالثا : استثناء المصلين من الهلع وبيان خصالهم.
(19)- +إِنَّ الإنْسَانَ" الكافر +خُلِقَ هَلُوعًا" جبل على شدّة الجَزَع مع شدّة الحرص.
(20)- +إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ" إذا أصابه مكروها كأن يقلّ ماله +جَزُوعًا" كثير الجزع والأسى لَا يصبر عليه.
(21)- +وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ" أصابه خير كأن يكثر ماله+مَنُوعًا" كثير المنع والإمساك فيه لا يؤدّي حق الله منه.
(22- +إلَّا" لكن +الْمُصَلِّينَ" المقيمين للصلاة.
(23)- +الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ" يحافظون على أدائها في وقتها، و لَا يضيعون منها شيئا .
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - × - دخل عليها وعندها امرأة، قال: من هذه؟ قالت: فلانة ذكر من صلاتها- قال: (مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا). وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه . رواه البخاري / 43 ومسلم/782.
والصلاة سياج من كل منكر جمعت طرفي المقصد شرعا وهما العون على الخير والحفاظ من الشر أي جلب الصالح ودرء المفاسد ولذا فقد عني بها النبي × كل عنايتها كما هو معلوم ، أهـ أضواء البيان 8/228 ، وَفِي الصَّحِيحِين أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ" متفق عليه ، فَكَانَ عَلَيْهَا دَائِمًا وَلَهَا مُرَاعِيًا ; وَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا ، وَعَلَى مَوَاقِيتِهَا .
(24)- +وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ" نصيب معيَّن فرضه الله عليهم، وهو الزكاة، وهو قول أكثر المفسرين لأن الحق المعلوم لا يكون إلا في المفروض.
(25)- +لِلسَّائِلِ" لمن يسألهم المعونة +وَالْمَحْرُومِ" الذي قد حُرِمَ الغنى، يطلب الدنيا وتدبر عنه،
وفيها دليل على وجوب إعطاء الفقير حقه في المال بطيب نفس سواء أسأل أو لم يسأل
(26)- +وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ" والذين يقرّون بالبعث والمجازاة بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه.
(27)- +وَالَّذِينَ هُمْ" في الدنيا +مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ" خائفون وجلون، لا يضيعون له فرضا، ولا يتعدّون له حدّا.
(28)- +إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ" لا ينبغي أن يأمنه أحد، مع حسن الظن بالله لأنها من واجبات التوحيد ، وفيها دليل على وجوب الوجل والخوف من عذاب الله دائما وأبدًا لأن عذاب الله لا يأمن.
قال الإمام النووي رحمه الله: معنى حسنِ الظنِ بالله تعالى ، أن يظن أنه يرحمهُ ، ويعفو عنه ، قالوا : وفى حالة الصحة يكون خائفاً ، راجياً ، ويكونان سواء ، وقيل : يكون الخوف أرجح ، فإذا دنت أماراتُ الموتِ ، غلَّبَ الرجاء ، أو محضه ، لأن مقصودَ الخوفِ الإنكفافُ عن المعاصى ، والقبائح ، والحرص على الإكثارِ من الطاعات ، والأعمال ، وقد تعذر ذلك ، أو معظمهُ في هذا الحالِ ، واستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار الى الله تعالى ، والاذعانِ له اهـ شرح النووي على صحيح مسلم 17/210
(29)- +وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ" عن كلّ ما حرم الله عليهم
(30)- +إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ" من إمائهم +فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ" غير مؤاخذين
(31)- +فَمَنِ ابْتَغَى" فمن التمس قضاء شهوته +وَرَاءَ ذَلِكَ" سوى زوجته، أو ملك يمينه +فَأُولَئِكَ" ففاعلو ذلك +هُمُ الْعَادُونَ" المتجاوزون الحلال إلى الحرام
(32)- +وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ" لأمانات الله التي ائتمنهم عليها من فرائضه، وأمانات عباده التي ائتُمِنُوا عليها +وَعَهْدِهِمْ" ولعهودههم مع الله تعالى +رَاعُونَ" يرقبون ذلك، ويحفظونه فلا يضيعونه، وفيها دليل على وجوب حفظ الأمانات و العهود والوفاء بها.
(33)- +وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ" يؤدُّون شهاداتهم بالحق، غير مغيرة ولا مبدّلة. وفيها دليل على وجوب إقامة الشهادة لله وعدم كتمانها
(34)- +وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى" مواقيت +صَلاتِهِمْ" التي فرضها الله عليهم +يُحَافِظُونَ" ولا يضيعون لها ميقاتا ولا حدّا، فيها دليل على وجوب المداومة على الصلاة في أوقاتها
(35)- +أُولَئِكَ" هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال الجليلة +فِي جَنَّاتٍ" مستقرُّون في بساتين +مُكْرَمُونَ" يكرمهم الله بكرامته بكل أنواع التكريم
رابعا: النكير على الكفار وتهديدهم
(36)- +فَمَالِ" فما شأن +الَّذِينَ كَفَرُوا" بالله +قِبَلَكَ" يسيروا نحوك يا محمد +مُهْطِعِينَ" مسرعينإليك مقبلين.
(37)- +عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ" عن يمينك يا محمد، وعن شمالك +عِزِينَ" متفرّقين فرقا فرقا، جماعة جماعة، حلقا ومجالس، يتحدثون ويتعجبون .
عن بسر بن جحاش القرشي قال: تلا رسول الله - × - هذه الآية (فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلا إنا خلقناهم مما يعلمون) ثم بزق رسول الله - × - على كفه فقال يقول الله يا ابن آدم أني تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردتين وللأرض منك وئيد يعني شكوى فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة. ( أخرجه ابن ماجة / 2707) وحسنه الألباني: في (الصحيحة/9901) .
عن جابر بن سمرة، قال: خرج علينا رسول الله - × -. فقال:"مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ اسكنوا في الصلاة". قال ثم خرج علينا فرآنا حِلقا. فقال:"مالي أراكم عزين؟" قال ثم خرج علينا فقال:"ألا تصُفون كما تصُف الملائكة عند ربها؟" فقلنا: يا رسول الله! وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال:"يتمون الصف الأول. ويتراصون في الصف". رواه مسلم /430.
خامسا : طمع الكفَّار فى غير مَطْمَع
(38)- +أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ" كل واحد من هؤلاء الكفار +أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ" بساتين نعيم ينعم فيها.
(39)- +كَلا" ألا +إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ" مِن ماء مهين ضعيف.
(40)- +فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ" أقسم بربّ مشارق الأرض ومغاربها +إِنَّا لَقَادِرُونَ"
(41)- +عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ" على أن نهلكهم، ونأتي بخير منهم من الخلق يطيعونني ولا يعصونني وقيل: على أن نعيدهم يوم القيامة بأبدان خير من هذه +وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ" وما يفوتنا منهم أحد ويعجزنا إذا أردنا أن نعيده
سادسا: ذُلّ الكافرين فى يوم القيامة
(42)- +فَذَرْهُمْ" فاترك هؤلاء المشركين +يَخُوضُوا" في باطلهم +وَيَلْعَبُوا" في هذه الدنيا +حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ" عذاب يوم القيامة +الَّذِي يُوعَدُونَ" الذي يوعدونه. وفيها دليل على عدم الانخداع بحياة أهل الكفر، فلا تعد أن تكون باطلا ولهوا ولعباً.
(43)- +يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ" من القبور +سِرَاعًا" مسرعين +كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ" كأنهم إلى عَلَم قد نُصب لهم +يُوفِضُونَ" يستبقون ويهرولون كما كانوا يفعلون بآلتهم المزعومة.
(44)- +خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ" خاضعة أبصارهم من الخزي والهوان +تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ" تغشاهم ذلة +ذَلِكَ الْيَوْمُ" يوم القيامة +الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ" به في الدنيا وكانوه به يهزؤون.
 
يتابع تفسير فيض الرحمن في تفسير جزء تبارك
71- سورة نوح
نوح: نبي الله وسوله تقريرا برسالته عليه السلام وترسيخا لعقيدة التوحيد أول ما دعت إليه الرسل.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أولا: أمر نوح عليه السلام بالدعوة
(1)- +إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا" بعثنا نوحا +إِلَى قَوْمِهِ" وقلنا له +أَنْ أَنْذِرْ" حذِّر +قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" موجع، و هو الطوفان الذي غرّقهم الله به.
(2)- +قَالَ" نوح لقومه +يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ" أنذركم عذاب الله فاحذروه أن ينزل بكم إن عصيتموه +مُبِينٌ" قد أبنت لكم إنذاري.
(3)- +أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ" وآمركم بعبادة الله +وَاتَّقُوهُ" واتقوا عقابه بالإيمان به، والعمل بطاعته +وَأَطِيعُونِ" وانتهوا إلى ما آمركم به، واقبلوا نصيحتي لكم.
(4)- +يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ" ويصفح عنكم، ويعفو لكم عنها +وَيُؤَخِّرَكُمْ" ويُمدد في أعماركم فلا يهلككم بالعذاب، لَا بغَرَق ولا غيره +إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى" إلى وقت مقدر في علم الله تعالى إن أنتم أطعتموه وعبدتموه +إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ" الذي قد كتبه على خلقه +إِذَا جَاءَ" عنده +لَا يُؤَخَّرُ" عن ميقاته، +لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" لو كنتم تعلمون ذلك لأنبتم إلى طاعة ربكم.
ثانيا : شكوى نوح ما لقي من قومه
(5)- (قَالَ" نوح لما بلغ قومه رسالة ربه فعصوه +رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي" إلى توحيدك وعبادتك،+لَيْلا وَنَهَارًا" وحذرتهم بأسك وسطوتك.
(6)- +فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي" لهم +إلَّا فِرَارًا" إلا إدبارا عنه وهربا منه وإعراضا عنه.
(7)- +وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ" إلى الإقرار بوحدانيتك، والعمل بطاعتك، والبراءة من عبادة كلّ ما سواك +لِتَغْفِرَ لَهُمْ" إذا هم فعلوا ذلك +جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ" لئلا يسمعوا دعوة الحق +وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ" وتغطَّوا بثيابهم لئلا يسمعوا دعائي +وَأَصَرُّوا" وثبتوا على ما هم عليه من الكفر +وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا" وتكبروا فتعاظموا عن الإذعان للحقّ، وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة.
(8)- +ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ" إلى ما أمرتني أن أدعوهم إليه +جِهَارًا" ظاهرا في غير خفاء.
(9)- +ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ" الدعوة بصوت مرتفع، +وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا" بصوت خفيٍّ فيما بيني وبينهم في خفاء.وفيها دليل على أهمية الصبر في الدعوة إلى الله وتنويع الأسلوب.
ثالثا : ترغيب نوح لقومه وبيان ثمرة الاستغفار
(10)- +فَقُلْتُ" لهم +اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ" سلوا ربكم غفران ذنوبكم، وتوبوا إليه من كفركم، وعبادة ما سواه من الآلهة ووحدوه، وأخلصوا له العبادة +إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا" لذنوب من أناب إليه ،
وفيها دليل على أن الاستغفار يوجب نزول الأمطار، وكذلك أهمية استعمال الترغيب في الدعوة كما فعل نوحاً عليه السلام .
(11)- +يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ" يَسقِكُم ربكم الغيث إن تبتم وأخلصتم له العبادة +مِدْرَارًا" متتابعا.
(12)- +وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ" ويكثرْ أموالكم +وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ" يرزقكم بساتين, +وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا" تسقون منها جناتكم، وقال ذلك لهم نوح، لأنهم كانوا قومًا يحبون الأموال والأولاد.
وفيها دليل على أن الإكثار من الاستغفار والتضرع والصدق في الطلب سبب في جلب البركة والرزق والفوز بالجنة.
(13)- +مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا" ما لكم لَا تخافون لله عظمة، و لَا تَخْشَوْنَ له عِقَابًا.
(14)- +وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا" متدرجة حالا بعد حال، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظامًا ولحمًا ثم كسا العظام لحما، ثم أنشأه خلقا آخر
رابعا: بيان دلائل قدرة الله في السماء والأرض
(15)- +أَلَمْ تَرَوْا" ألم تنظروا أيها القوم فتعتبروا +كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا" متطابقة بعضها فوق بعض، سماء فوق سماء مطابقة.
(16)- +وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ" في السموات السبع +نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ" فيهن +سِرَاجًا".
(17)- +وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ" أنشأكم +مِنَ الأرْضِ نَبَاتًا" من تراب الأرض، فخلقكم منه إنشاء.
(18)- +ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا" بعد الموت في الأرض كما كنتم ترابا +وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا" يوم البعث إخراجًا محققًا.
(19)-+وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ بِسَاطًا" ممهدة كالبساط تستقرّون عليها وتمتهدونها.
(20)- +لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا" طرقا صعابا متفرقة.
خامسا : شكوى نوح الى ربه ومكر قوم نوح
(21)- +قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي" بالغوا في تكذيبي ومخالفة أمري +وَاتَّبَعُوا" في معصيتهم +مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إلَّا خَسَارًا" بُعدا من الله، وذهابا عن مَحَجَّة الطريق. وفيها دليل على مشروعية الشكوى إلى الله سبحانه، ولكن بدون صخب ولا نصب.
(22)- +وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا" ومكر رؤساء الضلال مكرا عظيما بتابعيهم.
(23)- +وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ" لا تتركوا عبادة آلهتكم +وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا" وهذه أسماء أصنام كانوا يعبدونها من دون الله، وكانت لنفر من بين أدم صالحين، فلما ماتوا قال أصحابهم: لو صوّرناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوّروهم، فلما ماتوا، وجاء آخرون أوحى الشيطان إليهم، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر فعبدوهم، وتوسلوا بهم، وهذه هي الحكمة من تحريم التماثيل، وتحريم بناء القباب على القبور; لأنها تصير مع تطاول الزمن معبودة للجهال.
أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدَوْمة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمرادٍ، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ. وأما يعوق فكانت لهمدان. وأما نسر فكانت لِحمير، لآل ذي الكلاع. أسماء رجال صالحين من قوم نوح. فلمّا هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسمّوها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عُبدت. (صحيح البخارى/ 4920) .
وقد وردت أَحاديث مصرحة بالنهي عن البناء على القبور وتشييدها وتحريم الصلاة عندها: فعَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ×أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلا سَوَّيْتَهُ.( رواه مسلم /93)، وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ ×، قَالَ فِي مَرضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: (( لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ)) متفق عليه
سادسا : غرق قوم نوح بعد دعاء نوح عليهم
(24)- ثم قال نوح -عليه السلام +وَقَدْ أَضَلُّوا" بعبادة هذه الأصنام +كَثِيرًا" من الناس +وَلا تَزِدِ" ياربنا هؤلاء +الظَّالِمِينَ إلَّا ضَلَالاً" إلا طبعًا على قلوبهم.
(25)- +مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ" بسبب إصرارهم على الكفر وكثرة ذنوبهم وعتوهم ومخالفتهم رسولهم + أُغْرِقُوا" بالطوفان، وفيها دليل على أن الخطايا موجبة لهلاك الأمم، +فَأُدْخِلُوا نَارًا" جهنم وفيها دليل على تقرير عذاب القبر فقوم نوح ما إن اغرقوا حتى ادخلوا نارا. +فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا" لم يكن لهم معين ولا مغيث ولا مجير ينقذهم من عذاب الله، أو يدفعه عنهم.
(26)- +وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا" ما بها أحد، يدور في الأرض، فيذهب ويجيء فيها.
(27)- +إِنَّكَ" يا ربّ +إِنْ تَذَرْهُمْ" إن تذر الكافرين أحياء على الأرض، ولم تهلكهم بعذاب من عندك +يُضِلُّوا عِبَادَكَ" الذين قد آمنوا بك، +وَلا يَلِدُوا" ولا يأت من أصلابهم +إلَّا فَاجِرًا" مائلا عن الحق +كُفَّارًا" شديد الكفر بك
سابعأ : دعاء نوح عليه السلام للمؤمنين بالرّحمة وللظالمين بالتبار
(28)- +رَبِّ اغْفِرْ لِي"اعف عني، واستر عليّ ذنوبي +وَلِوَالِدَيَّ" وعلى والدي +وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ" ولمن دخل مسجدي ومصلايَ مصلِّيا ، فَجَعَلَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ سَبَبًا لِلدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ ، قَالَ × { إنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ ، تَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ } +مُؤْمِنًا" مصدّقا بواجب فرضك عليه +وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ" وللمصدّقين بتوحيدك والمصدّقات، وفيها دليل على استحباب البدء في الدعاء بنفس الداعي ثم يدعوا للمؤمين والمؤمنات.
+وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ" أنفسهم بكفرهم +إلَّا تَبَارًا" إلا خسارًا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) أما والله ما دعا عليهم حتى أتاه الوحي من السماء (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) فعند ذلك دعا عليهم نبي الله نوح فقال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) ثم دعاه دعوة عامة فقال (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات) ... إلى قوله (تبارا). الصحيح المسبور
 
يتابع تفسير فيض الرحمن في تفسير جزء تبارك

72- سورة الجن
الجن: الجن المعروفين إثباتا وتقريرا لحقيقة وجود الجن وأنهم مكلفون ومحاسبون كالإنس.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سبب النزول: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -× - عَلَى الْجِنِّ وَمَا رَآهُمُ انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -×- فِى طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا مَا لَكُمْ قَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالُوا مَا ذَاكَ إِلاَّ مِنْ شَىْءٍ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِى حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَمَرَّ النَّفَرُ الَّذِينَ أَخَذُوا نَحْوَ تِهَامَةَ - وَهُوَ بِنَخْلٍ - عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّى بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ وَقَالُوا هَذَا الَّذِى حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا يَا قَوْمَنَا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -×- (قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ) البخاري / 739، رواه مسلم/ 1034
أولا: استماع الجن للقرآن وإيمانهم به
(1)- +قُلْ" يا محمد: +أُوحِيَ إِلَيَّ" أَوْحَى اللهُ إلىَّ +أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ" جماعة من الجن إلى هذا القرآن +فَقَالُوا" لقومهم لما سمعوه +إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا" بديعًا في بلاغته وفصاحته وأحكامه، فيها دليل على تقرير نبوة محمدا × وأنه أرسل للثقلين الإنس والجن معاً.
(2)- +يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ" يدلّ على الحقّ والهدى +فَآمَنَّا بِهِ" فصدّقناه وعملنا بما فيه +وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا" في عبادته. وفيها دليل على بيان علو شأن القرآن وكماله حيث شهدت الجن بذلك.
ثانيا : إقرار الجن بأن الله منزه عن الزوجة والأولاد
(3)- +وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا" تعالت عظمة ربنا وقُدرته وسلطانه عن كل عيب ونقص +مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً" زوجة +وَلَا وَلَدًا" متعال عن الشركاء والأولاد.
(4)- +وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا" وهو إبليس +عَلَى اللَّهِ شَطَطًا" ظلمًا وتعديًا و قولا بعيدًا عن الحق وهو دعوى الصاحبة والولد.
(5)- +وَأَنَّا ظَنَنَّا" وأنا حسبنا +أَنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا" كانوا يحسبون أن إبليس صادق فيما يدعو بني آدم إليه من صنوف الكفر؛ فلما سمعوا القرآن أيقنوا أنه كان كاذبا في كلّ ذلك، فلذلك سموه سفيهًا.
ثالثا: من أسباب طغيان الجن استعاذة الإنس بهم
(6)- +وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ" يستجيرون +بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ" في أسفارهم إذا نزلوا منازلهم +فَزَادُوهُمْ" فزاد الإنس الجنّ بفعلهم ذلك +رَهَقًا" خوفا وإرهابا، وإثما، واستحلالا لمحارم الله. وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة، وفيها دليل على تحريم الاستعاذة بغير الله وهي من الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة النصوح منه. وفي الآية تحذير شديد من اللجوء إلى السحرة والمشعوذين وأشباههم.
(7)- +وَأَنَّهُمْ" وأن كفار الإنس +ظَنُّوا " زعموا وحسبوا +كَمَا ظَنَنْتُمْ" كما حسبتم أنتم معاشر الجن +أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا" بعد الموت من القبور ، أو زعموا ألن يبعث الله رسولا إلى خلقه.
رابعا: رمي الجن بالشهب عند استراق خبر السماء
(8)- +وَأَنَّا"- معشر الجن - +لَمَسْنَا السَّمَاءَ" طلبنا بلوغ السماء لاستماع كلام أهلها +فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا" حفظة من الملائكة الذين يحرسونها +وَشُهُبًا" النجوم التي كانت تُرجَم بها من يقترب من الشياطين.
(9)- +وَأَنَّا كُنَّا" وأنا كنا معشر الجنّ +نَقْعُدُ مِنْهَا" نتخذ من السماء +مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ" مواضع لنسمع ما يحدث، وما يكون فيها +فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ" يحاول الآن استراق السمع +يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا" نار تترقبه لتحرقه وتهلكه، وفيها دليل على انفراد الله بعلم الغيب وابطال ادعاء وافتراء السحرة لعلم الغيب.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الجن يصعدون إلى السماء يسمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا، فأما الكلمة فتكون حقا، وأما ما زاد فيكون باطلا، فلما بُعث رسول الله - × - منعوا مقاعدهم فذكروا ذلك لإبليس ولم تكن النجوم يُرمى بها قبل ذلك فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في أرض، فبعث جنوده فوجدوا رسول الله - × - قائما يصلي بين جبلين أراه قال بمكة، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الذي حدث في الأرض . (صحيح الترمذي / 2646).
(10)- +وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ" أعذابا +أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ" أن ينزل بأهل الأرض، +أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا" أم أراد بهم ربهم الهدى ؟ وفيها دليل على تأدب الجن مع الله في نسب الشر فلم يقولوا: أشر أراده الله بمن في الأرض، وفي مقام الخير ذكروا اسم الله تعالى: أم أراد بهم ربهم رشدا.
خامسا : إقرار الجن بأنهم أصناف وفرق وبقدة الله تعالى.
(11)- +وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ" وهم المسلمون الأبرار المتقون العاملون بطاعة الله +وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ" كفار وفساق +كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا" كنا أهواء مختلفة، وفِرَقا شتى. وفيها دليل على ذم الطرق والفرق والأهواء والاختلافات.
(12)- +وَأَنَّا ظَنَنَّا" وأنا أيقنا +أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأرْضِ" إن أراد بنا سوءا +وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا" فلن نستطيع أن نُفْلِت مِن عقابه هربًا إلى السماء، وفيها دليل على أن أن الظن قد يكون بمعنى العلم .
(13)- +وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى" القرآن +آمَنَّا بِهِ" صدّقنا به، وأقررنا أنه حق من عند الله +فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ" فمن يصدّق بربه +فَلا يَخَافُ بَخْسًا" أن ينقص من حسناته، +وَلا رَهَقًا" ولا ظلمًا يلحقه بزيادة في سيئاته.
(14)- +وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ" الذين قد خضعوا لله بالطاعة +وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ" وهم الجائرون عن الإسلام وقصد السبيل +فَمَنْ أَسْلَمَ" وخضع لله بالطاعة +فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا" تعمدوا وترجَّوا +رَشَدًا" في دينهم.
(15)- +وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ" أي الظالمون الجائرون المعتدون المتعدون على حدود الله +فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا" توقد بهم.
(16)- +وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا" هؤلاء القاسطون +عَلَى الطَّرِيقَةِ" على طريقة الحقّ والاستقامة +لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا" لأنزلنا عليهم ماءً كثيرًا ولوسعنا عليهم في الرزق
وفيها دليل على أن المعاصي سبب لحبس المطر وذهاب البركة وأن طاعة الله سبب للمطر والبركات .
(17)- +لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ" لنختبرهم فيه +وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ" ومن يعرض عن استماع القرآن واستعماله +يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا" شديدا شاقا.
وفيها دليل على أن المال فتنة وبلاء فينبغي الحذر من الانشغال به عن طاعة الرحمن.
سادسا : الأمر بالتوحيد وازحام الجن على سماع القرآن
(18)- يقول تعالى لنبيه محمد × +وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ" إضافة المساجد لله دليل على رِفْعَتها وَتَشْرِيفًا لها، وَالْكَعْبَةُ بَيْتُ اللَّهِ تَخْصِيصًا وَتَعْظِيمًا + فَلا تَدْعُوا" فلا تشركوا أيها الناس +مَعَ اللَّهِ أَحَدًا" ولكن أخلصوا له العبادة، فيها دليل على حرمة دعاء النبي × ونداؤه والاستعانة به بعد موته في قضاء الحاجات وكشف الكربات وأنه من الشرك، كأن يقول يا نبي الله اشفني أو ارزقني أو نحو ذلك لأن الدعاء عبادة والعبادة لا تصرف إلا لله وحده، قال ×: « الدعاء هو العبادة » صحيح الترمذي /2969
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه أن يوحد الله وحده.
(19)- +وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ" محمد رسول الله × ووصفه بالعبودية اختصاصاً له × وتقريباً وتشريفا لما تقتضيه العبودية من التواضع والتذلل +يَدْعُوهُ" يدعو الله؛ يقول: لَا إله إلا الله +كَادُوا" كاد الجن +يَكُونُونَ عَلَيْهِ" على محمد +لِبَدًا" جماعات متراكمة بعضها فوق بعض مِن شدة ازدحامهم لسماع القرآن منه.
(20)- +قُلْ" يا محمد للمشركين +إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا".
سابعا: الرسول ×لا يملك الضر والرشد
(21)- +قُلْ" يا محمد للمشركين +إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا" في دينكم ولا في دنياكم +وَلا رَشَدًا" أرشدكم، لأن الذي يملك ذلك، الله الذي له مُلك كل شيء. وفيها دليل على أن الخير والشر والهدى والضلال لا يملكها إلا الله فلا يطلب ذلك إلا من الله وحده.
(22)- +قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي" ينقذني +مِنَ اللَّهِ" عذاب الله +أَحَدٌ" من خلقه إن أرادني أمرا، ولا ينصرني منه ناصر +وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا" ملجئا أفرُّ إليه مِن عذابه، وفيها دليل على أن الملجأ النجاة لا يملكها إلا الله وحده.
ثامنا : ليس على الرسول إلا البلاغ
(23)- +إلَّا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ" لكن أملك أن أبلغكم من الله ما أمرني بتبليغكم إياه، +وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ" فيما أمره ونهاه، ويكذّب به +وَرَسُولَهُ" فجحد رسالاته +فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ" يصلاها، وفيها دليل على أن معصية الله والرسول موجبة لعذاب الدنيا والآخرة.
+خَالِدِينَ" ماكثين +فِيهَا أَبَدًا" إلى غير نهاية، وفيها دليل على أن المشركين مخلدون في النار لا يخرجون منها .
(24)- +حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ" إذا عاين المشركون ما يوعدون به من العذاب وقيام الساعة +فَسَيَعْلَمُونَ" عند حلوله بهم +مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا" أَجُنْدُ اللهِ، أم هؤلاء المشركون به.
تاسعا: انفراد الله عز وجل بعلم الساعة
(25)- +قُلْ" يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك +إِنْ أَدْرِي" ما أدري +أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ" أقريب ما يعدكم ربكم من العذاب وقيام الساعة +أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا" مدة طويلة.
(26)- +عَالِمُ الْغَيْبِ" عالم ما غاب عن أبصار خلقه +فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا" من خلقه
(27)- +إلَّا مَنِ ارْتَضَى" من اختاره وارتضاه +مِنْ رَسُولٍ" يطلعه على بعض الغيب، وكذلك +فَإِنَّهُ يَسْلُكُ يرسل +مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ" من أمامه +وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا" حرسا وحَفَظَة يحفظونه من الجن لئلا يسترقوه.
فيها دليل على استئثار الله تعالى بعلم الغيب فلا يعلم الغيب إلا الله، إلا من ارتضى الله أن يطعله من الرسل على غيب خاص، بعد حمايته من الشياطين لئلا ينقلوه إلى أوليائهم .
(28)- +لِيَعْلَمَ" الرسول × +أَنْ" أن الرسل قبله +قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ" وعلم بكلّ ما عندهم، وقيل ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم. +وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا" علم عدد الأشياء كلها، فلم يَخْفَ عليه منها شيء. فيها دليل على إحاطة علم الله بكل شيء وإحصائه لكل شيء عدّا.
 
يتابع تفسير فيض الرحمن في تفسير جزء تبارك
73- سورة المزمل
المزمل: الملتفّ بثيابه وعني به النبي × مؤانسة له × فى الخطاب وتحفيزا له ولأمته على قيام الليل استعدادا لتحمل أعباء الدعوة.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سبب النزول: عن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: لَمَّا نَزَلَ أَوَّلُ الْمُزَّمِّلِ كَانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَزَلَ آخِرُهَا، فَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا قَرِيبٌ مِنْ سَنَةٍ. صحيح أبي داود: 1178
عن سَعْد بنِ هِشَام بن عَامِر قالَ في حديثٍ طويلٍ: سألتُ السيدةَ عاِئشةَ رضي الله عنها: عَن قِيامِ رَسُولِ اللهِ - × -. فَقَالَتْ أَلَسْتَ تَقْرَأُ + يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ " ؟ ! قُلْتُ بَلَى قَالَتْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ × وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ .. رواه مسلم / 746)
أولا : الأمر بقيام الليل وترتيل القرآن
(1)- +يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ" هو الملتفّ بثيابه
(2)-+قُمِ اللَّيْلَ" يا محمد كله +إلَّا قَلِيلا" يسيرًا منه..
(3)- +نِصْفَهُ" قم نصف الليل +أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا" خَيَّرَه الله تعالى حين فرض عليه قيام الليل بين هذه المنازل، فكان رسول الله × وأصحابه يقومون الليل، نحو قيامهم في شهر رمضان حتى خفف ذلك عنهم الوجوب في آخر السورة .
روى عن سَعْد بْن هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ ×قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1]؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا افْتَرَضَ الْقِيَامَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السورة فقام نبي ×وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا التَّخْفِيفَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ فَصَارَ قيام الليل تطوعا بعد فريضته . صحيح ابن حبان/ 467
(4)- +أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا" وبين القرآن إذا قرأته بتُؤَدَة وتمهُّلٍ مبيِّنًا حروفه وووقوفه.
التجويد المطلوب هو إظهار الحروف وإيضاحها، دون تكلف أوتعسف ، عن أم سلمة (أنها) ذكرت قراءة رسول الله - × - (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين) يقطع قراءته آية آية. صحيح الترمذي 3/13. أي يقف عند كل آية ، وقد نُهي عن الإفراط في الإسراع، ويُسمى الهذرمة، فثبت أن رجلاً قال لابن مسعود: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: هذا كهذ الشعر، إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع ، وقال رضي الله عنه أنه قال : « لا تهذوا القرآن كهذ الشعر ، ولا نثرا كنثر الدقل » صحيح أبي داود/ 1262 والدقل : الرديء اليابس من التمر والمراد أن القارئ يرمي بكلمات القرآن من غير رؤية وتأمل كما يتساقط الدقل من العذق إذا هُزَّ
ثانيا: عظمة القرآن الكريم وشرف قيام الليل
(5)- +إِنَّا سَنُلْقِي" سننزل +عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا" ثقيل محمله، ثقيل العمل بحدوده وفرائضه.
(6)- +إن ناشئة الليل" إن عبادتك في جوف الليل +هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا" أثبت في القلب +وَأَقْوَمُ قِيلا" وأصوب قراءة وأبين قولا. وفيه دليل على أن عبادة الليل أكثر تأثيرا في تثبيت القلب من النهار لفراغه.
(7)- +إِنَّ لَكَ" يا محمد +فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا" فراغا طويلا تتصرف فيه، وتتقلَّب لمصالحك، ففرِّغْ نفسك ليلا لعبادة ربك .
(8)- +وَاذْكُرْ" يا محمد +اسْمَ رَبِّكَ" فادعه به +وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا" وانقطع إليه انقطاعا لحوائجك وعبادتك دون سائر الأشياء غيره.
(9)- +رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ" وما بينهما من العالم +لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ" لا معبود بحق إلا هو سبحانه +فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا" فيما يأمرك وفوّض إليه أمورك.
ثالثا : الامر بالصبر على أذى الكفار
(10)- +وَاصْبِرْ" يا محمد +عَلَى مَا يَقُولُونَ" المشركون من قومك لك، وعلى أذاهم +وَاهْجُرْهُمْ" في الله +هَجْرًا جَمِيلا" واترك الانتقام منهم.
(11)- +وَذَرْنِي" فدعني يا محمد +وَالْمُكَذِّبِينَ" بآياتي +أُولِي النَّعْمَةِ" أهل التنعم والترف في الدنيا +وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا" زمنًا قليلا بتأخير العذاب، وكان بين نزول هذه الآية وبين بدر يسير.
(12)- +إِنَّ لَدَيْنَا" إن عندنا لهؤلاء المكذِّبين بآياتنا +أَنْكَالا" قيودا +وَجَحِيمًا" ونارا مستعرة.
(13)- +وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ" وطعاما يَغَصّ به آكله، فلا هو نازل عن حلقه، ولا هو خارج منه +وَعَذَابًا أَلِيمًا" مؤلما موجعا.
(14)- +يَوْمَ" يوم القيامة +تَرْجُفُ" تضطرب +الأرْضُ وَالْجِبَالُ" بمن عليها +وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا" رملا سائلا متناثرًا، تصير ككثبان الرمل بعد ما كانت حجارة صماء، ثم إنها تنسف نسفا فلا يبقى منها شيء .
رابعا: تهديد الكفار بمصير فرعون
(15)- +إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ" أيها الناس +رَسُولا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ" يوم القيامة بما صدر منكم من الكفر والعصيان +كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا" هو موسى عليه السلام يدعوه إلى الحق.
(16)- +فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ" ولم يؤمن برسالته +فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا" أخذا شديدا، فأهلكناه ومن معه جميعا.وفيه تهديد ووعيد لمن يخالفون رسلهم بأن يصيبهم مثل ما أصاب فرعون وقومه.
خامسا: التهديد بأهوال يوم القيامة
(17)- +فَكَيْفَ تَتَّقُونَ"+إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا" فكيف تخافون أيها الناس يوماً وهو يوم القيامة وأنتم قد كفرتم به ولا تصدقون +يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا" تشيب الولدان من شدّة هوله وكربه؟.
(18)- +السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ" متصدّعة، متشققة، مثقلة به. +كَانَ وَعْدُهُ" وعد الله +مَفْعُولا" واقعًا لا محالة لأنه لَا يخلف وعده
(19)- +إِنَّ هَذِهِ" الآيات التي ذكر فيها أمر القيامة وأهوالها وما هو فاعل فيها بأهل الكفر +تَذْكِرَةً" عبرة وعظة لمن اعتبر بها واتعظ +فَمَنْ شَاءَ" من الخلق الاتعاظ +اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا" طريقًا بالإيمان بالله والعمل الصالح.
سادسا : نسخ وجوب قيام الليل والحث على الصدقة والاستغفار
(20)- +إِنَّ رَبَّكَ" يا محمد +يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى" للتهجد من الليل أقرب أو أقل +مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ" حينا+تقوم +وَنِصْفَهُ" تقوم حينا +وَثُلُثَه" تقوم حينا مُصليا +وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ" من أصحاب رسول الله × +وَاللَّهُ" وحده سبحانه +يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" ويعلم مقاديرهما بالساعات والأوقات +عَلِمَ" ربكم الذين فرض عليكم قيام الليل +أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ" أن لن تطيقوا قيام الليل كله +فَتَابَ عَلَيْكُمْ" إذ عجزتم وضعفتم عنه، ورجع بكم إلى التخفيف عنكم +فَاقْرَءُوا" من الليل +مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ".في صلاتكم؛ +عَلِمَ" ربكم أيها المؤمنون +أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى" أضعفهم المرض عن قيام الليل +وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ" في سفر +يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ" قد سافروا لطلب المعاش، فأضعفهم أيضا عن قيام الليل +وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ" يجاهدون العدوّ فيقاتلونهم +فِي سَبِيلِ اللَّهِ" في نُصرة دين الله، فرحمكم الله فخفف عنكم، ووضع عنكم فرض قيام الليل +فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ" فاقرءوا ما تيسَّر من القرآن .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله: (قم الليل إلا قليلا نصفه أو أنقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) فأمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلا، فشق ذلك على المؤمنين، ثم خفف عنهم فرحمهم، وأنزل الله بعد هذا (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض) ... إلى قوله (فاقرءوا ما تيسر منه) فوسع الله وله الحمد، ولم يضيق. أخرجه الطبري بسند حسن
+وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ" المفروضة +وَآتُوا الزَّكَاةَ" المفروضة +وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا" من أموالكم +وَمَا تُقَدِّمُوا" أيها المؤمنون +لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ" في دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في سبيل الله، أو غير ذلك من أعمال الخير في طلب ما عند الله +تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ" يوم القيامة +هُوَ خَيْرًا" لكم +وَأَعْظَمَ أَجْرًا" ثوابا
وقال النبي × : « يقول الله عز وجل يا ابن آدم أنفق ننفق عليك » صحيح البخاري (5037),صحيح مسلم (993). +وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ" وسلوا الله غفران ذنوبكم +إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ" ذو مغفرة لذنوب من تاب من عباده +رَحِيمٌ" وذو رحمة أن يعاقبهم عليها من بعد توبتهم منها.
 
يتابع تفسير فيض الرحمن في تفسير جزء تبارك
74- سورة المدثر
المدثر: المتغطي بثيابه عند نومه وعني به النبي × مؤانسة له × فى الخطاب وتقريرا لرسالته × فقد نبيئ بإقرا وأرسل بالمدثر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سبب النزول: عن يحيى بن أبي كثير: قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال: (يا أيها المدثر) قلتُ: يقولون: +اقرأ باسم ربك الذي خلق" فقال أبو سلمة، سألتُ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن ذلك وقلتُ له مثل الذي قلتَ، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدّثنا رسولُ الله - × - قال: جاورتُ بحِراء، فلما قضيتُ جِواري هبطتُ، فنوديت، فنظرتُ عن يميني فلم أرَ شيئا، ونظرتُ عن شمالي فلم أرَ شيئاً، ونظرت أمامي فلم أرَ شيئاً، ونظرت خلفي فلم أرَ شيئاً، فرفعتُ رأسي فرأيتُ شيئا، فأتيتُ خديجة فقلتُ: (دثّروني وصُبّوا علىّ ماءً بارداً، قال فدثروني وصبُّوا عليّ ماءً بارداً، قال فنزلت: (يا أيها المدثّر قم فأنذِرْ وربَّك فكبِّر) . رواه البخاري / ح 4922)، و مسلم / 161) .
أولا : أمر النبي × بدعوة الخلق إلى الإيمان
(1)- +يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ" يأيها المتغطي بثيابه عند نومه، وخطاب النبي × بلفظ ( يا أيها ) دليل على التشريف له ×. ومُلَاطَفَة مِنْ الْكَرِيمِ إلَى الْحَبِيبِ ; نَادَاهُ بِحَالِهِ ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِصِفَتِهِ
(2)- +قُمْ" من مضجعك +فَأَنْذِرْ" فحذِّر قومك الذين أشركوا بالله من عذاب الله ووقائعه في الأمم، وشدة نقمته. قال أهل العلم: إن النبي × لَمْ يَكُنْ قَارِئًا، وقد نُبِّئ بـ: { اقْرَأْ } [العلق: 1] وأرسل بـ {المدثر} [المدثر: 1] مجموع الفتاوى 2/151 باختصار، وقال ابن عثمين: الفرق بين الرسول والنبي: أن النبي هو من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول من أوحى الله إليه بشرع وأمر بتبليغه والعمل به فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً اهـ الفتاوى 6/97.
(3)- +وَرَبَّكَ" وخُصَّ ربك يا محمد +فَكَبِّرْ" بالتعظيم والتوحيد، والرغبة إليه في حاجاتك دون غيره.
وَمَعْنَاهُ ذِكْرُ اللَّهِ بِأَعْظَمَ صِفَاتِهِ بِالْقَلْبِ ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِاللِّسَانِ ، بِأَقْصَى غَايَاتِ الْمَدْحِ وَالْبَيَانِ ، وَالْخُضُوعُ لَهُ بِغَايَةِ الْعِبَادَةِ كَالسُّجُودِ لَهُ ذِلَّةً وَخُضُوعًا اهـ أحكام القرآن للأندلسي 8/30 .
(4)- +وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ" وَطَهِّر ثيابك من النجاسات، وطهر نفسك من المعاصى، فيها دليل على ودجوب غسل النجاسة الحاصلة على الثوب أو البدن قبل الصلاة.
والطهارة تَتَنَاوَلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا تَقْصِيرُ الْأَذْيَالِ ، فَإِنَّهَا إذَا أُرْسِلَتْ تَدَنَّسَتْ ; وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِغُلَامٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَقَدْ رَأَى ذَيْلَهُ مُسْتَرْخِيًا : يَا غُلَامُ ، ارْفَعْ إزَارَك ، فَإِنَّهُ أَتْقَى وَأَنْقَى وَأَبْقَى . أخرجه أحمد 5/364 ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ×فِي: { إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ ، لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ ، وَمَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ } } رواه النسائي وانظر صحيح الجامع /919 ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي : غَسْلُهَا مِنْ النَّجَاسَةِ
(5)- +وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ" والأوثان وأعمال الشرك دم على هجرها ولا تقربها.
(6)- +وَلا تَمْنُنْ" على ربك +تَسْتَكْثِرُ" من أن تستكثر عملك الصالح، دليل على أنَّ ابْنَ آدَمَ لَوْ أَطَاعَ اللَّهَ عُمْرَهُ مِنْ غَيْرِ فُتُورٍ لَمَا بَلَغَ لِنِعَمِ اللَّهِ بَعْضَ الشُّكْرِ.
(7)- +وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ" ولمرضاة ربك فاصبر على ما لقيت فيه من المكروه.
ثانيا : تقرير صعوبة القيامة على الكافرين
(8)- +فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ" فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ أو القرن نفخة البعث
(9)- +فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ" شديد، ثم بيَّن الله على من يقع، فقال:
(10)- +عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ" غير سهل مما هم فيه من مناقشة الحساب.
ثالثا : تهديد من قال ان القرآن سحر
(11)- +ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ" كِلْ يا محمد أمر الذي خلقته في بطن أمه +وَحِيدًا" لَا شيء له من مال ولا ولد إليّ، وعُنِي بذلك: الوليد بن المغيرة.
(12)- +وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا" كثيرا وممدودا
(13)- +وَبَنِينَ شُهُودًا" وجعلت له بنين شهودا، ذُكر أنهم كانوا عشرة.
(14)- +وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا" وبسطت له في العيش بسطًا من المال والولد.
(15)- +ثُمَّ يَطْمَعُ" ثم يأمل ويرجو +أَنْ أَزِيدَ" أن أزيده من المال والولد على ما أعطيته.
(16)- +كَلا" ليس ذلك كما يأمل ويرجو من أن أزيده مالا وولدا، وتمهيدا في الدنيا +إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا" لحجج الله على خلقه من الكتب والرسل +عَنِيدًا" معاندا للحقّ مجانبا له، كالبعير العَنُود.
(17)- +سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا" سأكلفه مشقة من العذاب لَا راحة له منها، وفيه دليل على محاربة الله تعالى لكلِّ معاند عن الحق متكبر .
(18) +إِنَّهُ" هذا الذي خلقته وحيدا +فَكَّرَ" تروى حين سئل عن القرآن وفكر ماذا يختلق من مقال +وَقَدَّرَ" من الطعن في محمد والقرآن.
(19-20)- +فَقُتِلَ" فَلُعِن +كَيْفَ قَدَّرَ" كيف أعدَّ في نفسه هذا الطعن؟ + ثُمَّ قُتِلَ" لُعِن كذلك +كَيْفَ قَدَّرَ"
(21)- +ثُمَّ نَظَرَ" ثم تأمَّل فيما قدَّر وهيَّأ من الطعن في القرآن.
(22)- +ثُمَّ عَبَسَ" ثم قبض ما بين عينيه +وَبَسَرَ" كلح وجهه.
(23)- +ثُمَّ أَدْبَرَ" ولَّى عن الإيمان والتصديق بما أنزل الله من كتابه +وَاسْتَكْبَرَ" عن الإقرار بالحق.
(24)- +فَقَالَ إِنْ هَذَا إلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ" يأثره عن غيره.
(25)- +إِنْ هَذَا" ما هذا الذي يتلوه محمد +إلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ" ما هو إلا كلام ابن آدم، وما هو بكلام الله.
أجمع أهل السنة والجماعة أنَّ القرآنَ كلامُ الله بالحقيقةِ مِنْهُ بَدا بلا كيفية قولا، وأنه محفوظ إلى يوم القيامة ولا يزيد ولا ينقص حرف، وأنه ليسَ بمخلوقٍ ككلامِ البرية ومن زعمَ أنه كلامُ البشرِ، فقدْ كَفَر وأوعده الله بسقر.
(26)- +سَأُصْلِيهِ سَقَرَ" سأورده بابا من أبواب جهنم اسمه سقر.
(27)- +وَمَا أَدْرَاكَ" وأيّ شيء أدراك يا محمد +مَا سَقَرُ" أيّ شيء سقر.
(28)- +لَا تُبْقي" من فيها حيا +وَلا تَذَرُ" مَنْ فيها ميتا، أي أنها لا تميت ولا تحيى.
ولكنها تحرقهم كلما جدّد خلقهم.
(29)- +لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ" حرّاقة للجلد، مُغَيِّرة لبَشَر أهلها.
(30)- +عَلَيْهَا" على سقر +تِسْعَةَ عَشَرَ" من الخزنة.
رابعا: خزنه جهنم فتنة للذين كفروا
(31)- +وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إلَّا مَلائِكَةً" وما جعلنا خزَنة النار إلا من الملائكة؛. +وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ" عدد هؤلاء الخزنة +إلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا" إلا اختبارًا لمُشركي قريش +لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ" وليحصل اليقين لمن أعطوا التوراة والإنجيل حيث وافق ما كتبهم حقيقة من الخبر عن عدّة خزَنة جهنم +وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا" بالله +إِيمَانًا" تصديقا إلى تصديقهم بالله وبرسوله وعملا بشرعه بتصديقهم بعدّة خزنة جهنم، أجمع أهل السنة والجماعة من الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من أهل العلم والإيمان أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. +وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ" ولا يشك أهل التوراة والإنجيل في حقيقة ذلك +وَالْمُؤْمِنُونَ" بالله من أمة محمد × +وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ" مرض النفاق +وَالْكَافِرُونَ" بالله من مشركي قريش +مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا" أيّ شيء أراد الله بهذا الخبر من المثل حتى يخوّفنا بذكر عدتهم +كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ" مِنْ خَلْقِهِ فيخذله +وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ" منهم، فيوفقه للحق+وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ" من كثرتهم +إلا هُوَ" الله +وَمَا هِيَ" وما النار التي وصفتها +إلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ" إلا تذكرة ذكر بها البشر، وهم بنو آدم.
خامسا: صور من أهول يوم القيامة.
(32) - +كَلا" حقا، أو ليس الأمر كما ذكر من التكذريب للرسول، ثم أقسم بقوله:+وَالْقَمَرِ"
(33)- +وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ" والليل إذ ولَى ذاهبا.
(34)- +وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ" والصبح إذا أضاء وانكشف.
(35)- +إِنَّهَا" إن جهنم +لإحْدَى الْكُبَرِ" الأمور العظام تخويفًا للناس
(36)- +نَذِيرًا لِلْبَشَرِ" لبنى آدم.
(37)- +لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ" نذيرًا لمن شاء منكم أيها الناس +أَنْ يَتَقَدَّمَ" في طاعة الله +أَوْ يَتَأَخَّرَ" في معصية الله
(38)- +كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ" من أعمال الشر والسوء +رَهِينَةٌ" محبوسة مرهونة بما عملت من معصية الله.
(39)- +إلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ" أهل الإخلاص والعمل الصالح فإنهم غير مرتهنين.
(40)- +فِي جَنَّاتٍ" أصحاب اليمين في بساتين +يَتَسَاءَلُونَ".
(41) - +عَنِ الْمُجْرِمِينَ" الذين تجازوا حد الله.
(42) - +مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ" أيّ شيء أدخلكم في سقر.
(43)- +قَالُوا" قال المجرمون لهم +لَمْ نَكُ" في الدنيا +مِنَ الْمُصَلِّينَ" لله. فيها دليل على أن الذي أوجب لهم دخول النار، صفات اتصفوا بها في طليعتها وأولها ترك الصلاة، فالواجب على كل مسلم أن يحافظ على أداء الصلاة في أوقاتها بشروطها وأركانها وواجبتها، جماعة في بيوت الله، وأن يوصي أبناءه وأهل بيته وأقرباءه وجيرانه وسائر إخوانه المسلمين بذلك .
قال عليه الصلاة والسلام: « بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة » رواه مسلم (82) .
(44)- +وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ" بُخلًا ومنعا له من حقه.
(45)- +وَكُنَّا نَخُوضُ" في الباطل وفيما يكرهه الله +مَعَ الْخَائِضِينَ" مع من يخوض فيه من أهل الغَواية والضلالة.
(46)- +وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ" بيوم الحساب والجزاء.
(47)- +حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ" الموت الموقن به ونحن في ضلال وخسران. في الصحيح لما مات عثمان بن مظعون قال النبي × (( أما عثمان فقد أتاه اليقين من ربه والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي )) متفق عليه
(48)- +فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ" من الملائكة والنبيين وغيرهم، لأنها لاتكون إلا لمن ارتضاه الله، وأذن له بالشفاعةممن حقق التوحيد الخالص، وفيها دليل على أن المشركين لا حظَّ لهم في شفاعة الشافعين.
سادسا: النكير وملامة الكافرين على إعراضهم
(49)- +فَمَا لَهُمْ" فما لهؤلاء المشركين +عَنِ التَّذْكِرَةِ" عن هذا القرآن +مُعْرِضِينَ" منصرفين لَا يستمعون لها
(50)- +كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ" وحشية +مُسْتَنْفِرَةٌ" شديدة النِّفار
(51)- +فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ" فرت من أسد أو عصبة قناص من الرماة
(52)- +بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ" كل رجل منهم +أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً" كتابا من السماء ينزل عليه.
(53)- +كَلا" حقا +بَلْ لَا يَخَافُونَ الآخِرَةَ"، لَا يخافون عقاب الله .
سابعا: القرآن تذكرة والله أهل للتقوى والغفران
(54)- +كَلا" ألا +إِنَّهُ" القرآن الكريم +تَذْكِرَةٌ" من الله لخلقه، أو ألا إنها تذكرة.
(55)- +فَمَنْ شَاءَ" من عباد الله الذين ذكرهم الله بهذا القرآن +ذَكَرَهُ" فاتعظ فاستعمل ما فيه من أمر الله ونهيه.
(56)- +وَمَا يَذْكُرُونَ" هذا القرآن فيتعظون به +إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ" أن يذكروه؛ لأنه لَا أحد يقدر على شيء إلا بأن يشاء الله أن يقدره عليه، ويعطيه القدرة عليه، قال العلامة ابن باز: كل إنسان له مشيئة له إرادة، وله عمل، وله صنع، وله اختيار ؛ ولهذا كلف، فهو ميسر ومخير، مسير من جهة ما مضى من قدر الله، ومخير من جهة ما أعطاه الله من العقل والمشيئة والإرادة والاختيار. الفتاوى 8/ 96 باختصار
+هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى" الله وحده أهلٌ أن أن يتقي فيعبد، ولا يستحق غيره أن يتقى،.+وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ" هو أهل أن يغفر الذنوب، ولا يغفر الذنوب غيره، وفي الحديث: (..إنه لا يغفر الذنب إلا أنت) صحيح الترمذي 4 / 229
 
يتابع تفسير فيض الرحمن في تفسير جزء تبارك

75- سورة القيامة
القيامة: يوم الحساب تذكر بعظم ذلك اليوم وما فيه من أحداث وأهوال استعداد له بالعمل الصالح
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أولا : القسم على وقوع المعاد يوم القيامة
(1)- +لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ" أقسم الله سبحانه بيوم الحساب.
(2)- +وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ" وأقسم بالنفس التي تلوم صاحبها على ترك الخير وفعل الشرّ وتندم على ما فات وجواب محذوف القسم لتبعثن دل عليه ما بعده.
(3)- +أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ" أيظنّ ابن آدم +أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ" أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرّقها؟.
(4)- +بَلَى قَادِرِينَ" على أعظم من ذلك +عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ" وهي أصابع يديه ورجليه، فنجعلها شيئا واحدا، ولكنه فرق أصابع يديه يأخذ بها، ويتناول ويقبض إذا شاء ويبسط، فحسن خلقه.
دليل على أن الله سبحانه أخبر بقدرته على فعل أشياء لكنه سبحانه لم يفعلها لأنه سبحانه لا يشاؤها لحكمته التامة.
(5)- +بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ" ولكنه يريد أن يمضي أمامه قُدُما في معاصي الله، ولا يتوب منها .
(6)- +يَسْأَلُ" ابنُ آدم السائرُ في معصية الله +أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ" متى يوم القيامة؟ تسويفًا منه للتوبة، فبين الله له ذلك فقال:
ثانيا: تأثير القيامة فى العالم
(7)- +فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ" فزع البصر وفُتِح من هول القيامة
(8)- +وَخَسَفَ الْقَمَرُ" ذهب ضوء القمر.
(9)- +وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ" وجمع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء، فلا ضوء لواحد منهما، ثم يكوّران.
(10)- +يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ" يوم يعاين أهوال يوم القيامة +أَيْنَ الْمَفَرُّ" أين المهرب من هول هذا الذي قد نزل؟
(11)- +كَلا لَا وَزَرَ" ليس هناك فرار ينفع صاحبه، لأنه لَا ينجيه فِراره
(12)- +إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ" إلى ربك أيها الإنسان يومئذ الاستقرار فتجازى بما يستحق
ثالثا: كل إنسان مرهون بعمله
(13)- +يُنَبَّأُ الإنْسَانُ" يُخْبَر الإنسان +يَوْمَئِذٍ" يوم يُجْمَع الشمس والقمر فيكوّران +بِمَا قَدَّمَ"من خير وشر +وَأَخَّرَ" وما أخَّره من عمل كان عليه فضيَّعه.
(14)- +بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ" من نفسه +بَصِيرَةٌ" رقيب على عمله ، يشهد عليه، سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه، وقيل: عَلَيْهِ مَنْ يُبْصِرُ أَعْمَالَهُ ، وَيُحْصِيهَا ، وَهُمْ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ
(15)- +وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ" ولو اعتذر بالقول مما قد أتى من الشرك، والمآثم، وَيُخْتَمُ عَلَى فَمِهِ ، فَتَشْهَدُ عَلَيْهِ جَوَارِحُهُ، وفيها دليل: أَنَّهُ لن ينفع الظالم المشرك معذرته إذَا اعْتَذَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنْكَرَ الشِّرْكَ.
رابعا: تعليم تلقي الوحي وأدبه
سبب النزول: عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال فِي قَوْلِهِ (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ × إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ الآيَةَ الَّتِي فِي (لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَه وَقُرْآنَهُ) قَالَ: عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ، وَقُرْآنَهُ (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه) عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ قَالَ: فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللهُ )) أخرجه البخاري / 65 ومسلم/448.
(16)- +لَا تُحَرِّكْ" يا محمد +بِهِ" بالقرآن +لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ" لَا تعجل بالقرآن لأجل أن تحفظه من حبك له، و مخافة أن يتفلَّت منك، فإنَّا سَنحفظُه عليك.
(17)- +إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ" جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد تَيْسِيرًا لك لِلتَّبْلِيغِ +وُقرآنَهُ" حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ على العالمين.
دليل على أن الله سبحانه قد تكفل بحفظ القرآن وجمعه في قلب محمد ×وبيانه له .
وقد أجمعت الإمة على حفظ القرآن الكريم وسلامته من التحريف أو النقص أو الزيادة ، ومن قال: إنه غير محفوظ أو دخله شيء من التحريف أو النقص فهو ضال مضل مكذب؛ لأنه يصادم صريح القرآن في قول الله عز وجل: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
وَفِي الصَّحِيحِين { أَنَّهُ ×كَانَ يُعَارِضُهُ جِبْرِيلُ الْقُرْآنَ مَرَّةً فِي كُلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ ، حَتَّى كَانَ الْعَامُ الَّذِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ عَارَضَهُ مَرَّتَيْنِ ; فَفَطِنَ لِتَأْكِيدِ الْحِفْظِ وَالْجَمْعِ عِنْدَهُ ، وَقَالَ : مَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي } متفق عليه.
(18)- +فَإِذَا قَرَأْنَاهُ" فإذا تلاه عليك رسولنا جبريل دليل على أن الله سبحانه وله المثل الأعلى قد ينسب أحيانا عمل الجند إلى نفسه فيقول: [قرأناه] كما في الآية، والذي قرأ جبريل عليه السلام، بيانا لعظمته سبحانه، وإشارة لأمانة جبريل عليه السلام في تبليغ ما أمر به وانقياده له+فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ" فاتبع ما فيه من الأمر والنهي،. لأن المقصود منه حُدُودُهُ لَا حُرُوفُهُ، فعن الحسن قال : وَمَا تَدَبُّرُ آيَاتِهِ إلا اتَّبَاعَهُ وَاللهُ يَعْلَمُ ، أَمَا وَاللهِ مَا هُوَ بِحِفْظِ حُرُوفِهِ وَإِضَاعَةِ حُدُودِهِ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَقُولُ : قَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ ، فَمَا أَسْقَطْتُ مِنْهُ حَرْفَاً ، وَقَدْ وَاللهِ أَسْقَطَهُ كُلَّهُ ، مَا يُرَى لَهُ الْقُرْآنُ فِي خُلُقٍ وَلا عَمَلٍ اهـ اخلاق حملة القرآن /34.
(19)- +ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" بيان وتوضيح ما فيه من حلاله وحرامه، وأحكامه لك مفصلة.
(20-21)- +كَلا" ليس الأمر كما زعمتم أيها الناس من أنكم لَا تبعثون بعد مماتكم، ولا تجازون بأعمالكم +بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ" تحبون الدنيا الزائلة الفانية وتؤثرونها +وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ" وتكذّبون بالآخرة الآجلة.
خامسا: سرور المؤمنين برؤية الله وعبوس الكافرين
(22)- +وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ" المؤمنين يوم القيامة +نَاضِرَةٌ" بهية حسنة مشرقة من النعيم.
(23)- +إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" تنظر إلى خالقها ومالك أمرها.أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كليلة البدر ليس دونه سحاب، وهي أفضل كرامة لله، التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم ترونه كذلك… رواه البخاري / 806، ومسلم / 182) .
(24)- +وَوُجُوهٌ" ووجوه الأشقياء +يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ" متغيرة الألوان، مسودة كاشرة كالحة.
(25)- +تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ" تتوقع وتعلم أنه يفعل بها داهية و مصيبة عظيمة
سادسا: حصول اليقين عند الاحتضار وذكر حال المكذب
(26)- +كَلا" حقًا أو ألا +إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ" وصلت الروح إلى أعالى الصدر عند مماته وحشرج بها
(27)- +وَقِيلَ" وقال أهله الحاضرون +مَنْ رَاقٍ" من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به؟، وطلبوا له الأطباء والمداوين، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي نزل به شيئا.
(28)- +وَظَنَّ" وأيقن الذي قد نزل ذلك به +أَنَّهُ الْفِرَاقُ" أنه فراق الدنيا والأهل والمال والولد.
(29)- +وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ" واتصلت شدّة أمر الدنيا بشدّة أمر الآخرة. وقيل: ماتت رجلاه فلا يحملانه إلى شئ فقد كان عليهما جوالا.
(30)- +إِلَى رَبِّكَ" يا محمد +يَوْمَئِذٍ" يوم التفاف الساق بالساق +الْمَسَاقُ" إلى ربك مساقه إلى الجنة أو النار.
(31)- +فَلا صَدَّقَ" فلم يصدّق بكتاب الله +وَلا صَلَّى" ولم يصلّ له صلاة.
(32)- +وَلَكِنْ كَذَّبَ" بكتاب الله +وَتَوَلَّى" عن طاعة الله.
(33)- +ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ" ثم مضى إلى أهله منصرفا إليهم +يَتَمَطَّى"، يتبختر في مِشيته.
(34-35)- +أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى" هذا وعيد من الله على وعيد أي: إيمانك أولا لك.
سابعا: لا يترك الانسان هملا وتقرير البعث
(36)- +أَيَحْسَبُ" أيظن هذا +الإنْسَانُ" الكافر بالله +أَنْ يُتْرَكَ سُدًى" هملا؛ لَا يؤمَرُ ولا يُنْهَى، ولا يحاسب؟
(37)- +أَلَمْ يَكُ" هذا المُنكِر للبعث +نُطْفَةً" ضعيفة +مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى" ماء مهين
(38)- +ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً" قطعة من دم جامد +فَخَلَقَ" فخلقه الله بقدرته +فَسَوَّى" فجعل صورته في أحسن تقويم .
(39)- +فَجَعَلَ مِنْهُ" من هذا الإنسان +الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى" أولادًا له، ذكورا وإناثا.
(40)- +أَلَيْسَ ذَلِكَ" أليس الذي فعل ذلك +بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى" على إعادة الخلق بعد مماتهم؟!، بلى هو قادر سبحانه على ذلك
هل يجوز قول: (بلى) عند السور التي تنتهي ببعض الأسئلة مثل: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ } ، مثل قول: (آمين) عند قراءة الفاتحة؟.
ج : لا يشرع ذلك، إلا عند تلاوة آخر آية من سورة القيامة وهي قوله تعالى: { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } (4) فإنه يستحب أن يقال عند قراءتها: سبحانك فبلى ؛ لصحة الحديث بذلك عن النبي ×والله ولي التوفيق. فتاوى ابن باز/24/404
ما حكم قول بعض الأئمة حينما يقرأ بعد الفاتحة ببعض آيات فيها تعذيب أو تبشيركلاما يناسب الآيات مثال قوله تعالى:{ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى }سبحانك بلى
ج: إن كان الإمام يسأل ويستعيذ ويسبح عند الآيات المناسبة لذلك في صلاة النافلة - فهذا قد ثبت عن النبي × ما يدل على استحبابه كما في حديث حذيفة حينما وصف صلاة النبي × وقراءته بالليل قال: « إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ » رواه مسلم / 772، وأما إن كان يفعل ذلك في صلاة الفريضة فالأولى تركه، لأنه لم ينقل عن النبي × أنه فعله في الفريضة. اللجنة الدائمة/ 18896
 
يتابع تفسير فيض الرحمن في تفسير جزء تبارك
76- سورة الإنسان
الإنسان: آدم عليه السلام، إظهارا لمنة الله عز وجل على بني آدم أن خلقهم الله بعد أن لم يكونوا شيئا يذكر.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أولا: بيان خلق الله الانسان بعد ان لم يكن وهدايته لمصالحه
(1)- +هَلْ أَتَى" قد مضى +عَلَى الإنْسَانِ" هو آدم عليه السلام +حِينٌ" وقت طويل +مِنَ الدَّهْرِ" من الزمان هو أربعون سنة، مكثت طينة آدم مصوّرة لَا تنفخ فيها الرّوح أربعين عامًا، +لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا" لم يكن شيئا يُذكر، إنما كان طينا لازبًا وحمأ مسنونا.
(2)- +إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ" ذرّية آدم +مِنْ نُطْفَةٍ أمْشاجٍ" مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة +نَبْتَلِيهِ" نختبره +فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا" إنعاما من الله عليه وحجة له، ووصف الله الإنسان بسميعا بصيرا، دليل على أن المخلوق قد يسمى بما سمى الله به نفسه، لكن لا يلزم التمثيل ؛ لأن لكل مسمى ما يخصه ويتميز به عن الآخر، فعلم الله كامل لا ينقصه شيء، وسع كل شيء علما، وعلم العبد محدود قاصر، لم يؤت منه إلا قليلا.
(3)- +إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ" إنا بينا له طريق الجنة، وعرّفناه سبيله +إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا" إما شقيا وإما سعيدا. دليل على أن الله جل وعلا بين طريق الخير وأمره به وبين طريق الشر ونهاه عنه، وجعل في العبد اختيارا وعقلا يميز به بين الخير والشر، والعبد هو الذي يختار لنفسه ما يشاء من الطريقين اهـ اللجنة الدائمة / 4476
ثانيا : بيان جزاء الكافرين والأبرار
(4)- +إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ" لمن كفر نعمتنا وخالف أمرنا +سَلاسِلَ" قيودًا من حديد تُشَدُّ بها أرجلهم +وأغْلالا" تُغلُّ بها أيديهم إلى أعناقهم +وَسَعِيرًا" ونارا تُسْعر عليهم فتتوقد.
(5)- +إِنَّ الأبْرَارَ" الذين برّوا بطاعتهم ربهم في أداء فرائضه، واجتناب معاصيه +يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ" وهو كل إناء فيه شراب +كَانَ مِزَاجُها" كان مزاج ما فيها من الشراب +كافُورًا" في طيب رائحتها كالكافور.
(6)- +عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا" يتلذذ بها أو يروي بها +عِبَادُ اللَّهِ" الذين يدخلهم الجنة +يُفَجِّرُونَهَا" يفجرون تلك العين التي يشربون بها كيف شاءوا وحيث شاءوا من منازلهم وقصورهم +تَفْجِيرًا" إسالة سهلا..
ثالثا: اعمال الأبرار وبيان جزائهم
(7)- +يُوفُونَ بِالنَّذْرِ" يبرون بوفائهم لله بالنذور التي عقدوها على أنفسهم ، وكانوا ينذرونها في طاعة الله +وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا" خطيرا ممتدّا طويلا إلا من شاء الله، قال × :من نذر أن يطيع الله فليُطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه" رواه البخاري/ 6700) وهو دليل على أنه لا يجوز النذر لغير الله من نبي أو ملك أو ولي؛ لصرفه قربة وعبادة لغير الله ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لو نذر عبادة مكروهة مثل قيام الليل كله، وصيام النهار كله لم يجب الوفاء بهذا النذر) الفتاوى 25 / 276،
(8)- +وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ" مع حبهم له وحاجتهم إليه +مِسْكينًا" فقيرًا عاجزًا عن الكسب وَفِي الصَّحِيحِين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ×: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : تُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَتُقْرِئُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ } متفق عليه ، +ويَتِيمًا" وطفلا قد مات أبوه ولا شيء له ، وقد أَكَّدَ بِالْيَتِيمِ ; لِأَنَّهُ مِسْكِينٌ مَضْعُوفٌ بِالْوَحْدَةِ وَعَدَمِ الْكَافِلِ مَعَ عَجْزِ الصِّغَرِ.+وأسِيرًا" وهو الحربيّ من أهل دار الحرب يُؤخذ قهرا بالغلبة، أو من أهل القبلة ، قال × -:فكوا العاني - يعني الأسير - وأطعموا الجائع وعودوا المريض. رواه البخاري / 3046)، وعن قتادة قال: لقد أمر الله بالأسرى أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك. أخرجه الطبري بسند حسن.
(9)- يقولون: +إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ" طلب رضا الله وثوابه، والقُربة إليه، وفيها دليل على إثبات صفة الوجه لله تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله سبحانه؛ لأن الأصل الحقيقة ولم يوجد ما يصرف عنها +لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ" لا نبتغي عوضًا على إطعامنا لكم +جَزَاءً " ثوابا +وَلا شُكُورًا"، وفيها دليل أن الأبرار المخلصين لا يتوَقُّعون مُكَافَأَةٍ على ما يعطون، ولا يسخطون إذا لم يشكروا، كيلا يحْبَطُ ثَوَابهُم.
(10)- +إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا" ولكنا نطعمكم رجاء منا أن يؤمننا ربنا من عقوبته +يَوْمًا عَبُوسًا" في يوم تعبِس فيه الوجوه من شدّة مكارهه +قَمْطَرِيرًا" طويلا.
رابعا: جزاء الأبرار
(11)- +فَوَقَاهُمُ اللَّهُ" فدفع الله عنهم +شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ"التي تعبِس فيه الوجوه من شدّة مكارهه+وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً" في وجوههم وأبدانهم +وَسُرُورًا" في قلوبهم.
(12)- +وَجَزَاهُمْ" وأثابهم الله +بِمَا صَبَرُوا" في الدنيا على طاعته، والعمل بما يرضيه عنهم +جَنَّةً وَحَرِيرًا"
(13)- +مُتَّكِئِينَ فِيهَا" في الجنة +عَلَى الأرَائِكِ" على السُّرر في الحجال (بيت كالقبة يستر بالثياب وتكون له أزرار كبار ) +لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا" فيؤذيهم حرّها +وَلا زَمْهَرِيرًا" وهو البرد الشديد، فيؤذيهم بردها.
(14)- +وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا" وقَرُبت منهم ظلال أشجارها +وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا" وسُهِّل لهم اجتناء ثمرها كيف شاءوا، إذا قام ارتفعت بقدره، وإن قعد تدلت حتى ينالها، وإن اضطجع تدلت حتى ينالها.
(15)- +وَيُطَافُ" ويدور عليهم الخدم +عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ" بأواني الطعام الفضيَّة +وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ" زجاجا صافيا
(16)- +قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ" زجاج من فضة +قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا" قدَّرها السقاة على قَدْرِ رِيِّهم لَا تزيد ولا تنقص عن ذلك.
(17)- +وَيُسْقَوْنَ فِيهَا" ويُسْقَى هؤلاء القوم الأبرار في الجنة +كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا" كان مزاج شراب الكأس التي يُسقون منها زنجبيلا.
(18)- +عَيْنًا فِيهَا" في الجنة +تُسَمَّى" توصف +سَلْسَبِيلا" رقيقة يشربها المقربون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة، وصفت بالسلاسة في الحلق، لسلامة شرابها وسهولة مساغها.
(19)- +وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ" على هؤلاء الأبرار +وِلْدَانٌ" غلمان +مُخَلَّدُونَ" لَا يموتون +إِذَا رَأَيْتَهُمْ" يا محمد هؤلاء الولدان مجتمعين أو مفترقين +حَسِبْتَهُمْ" في حُسنهم، ونقاء بياض وجوههم، وكثرتهم +لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا"
مفرَّقا مضيئا.
(20)- +وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ" وإذا أبصرت يا محمد، ورميت بطرفك أيَّ مكان في الجنة +رَأَيْتَ نَعِيمًا" لا يُدْركه الوصف +وَمُلْكًا كَبِيرًا" عظيمًا واسعًا
(21)- +عَالِيَهُمْ" فوق هؤلاء الأبرار ويجمل أبدانهم +ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضرٌ" ثياب بطائنها من الحرير الرقيق الحسن الأخضر +وإسْتَبْرَقٌ" الحرير الغليظ +وَحُلُّوا أَسَاوِرَ" وحلاهم ربهم أساور، وهي جمع أسورة +مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ" وسقى هؤلاء الأبرار ربُّهُم +شَرَابًا طَهُورًا" لا رجس فيه ولا دنس، يصير رشحا من أبدانهم كرشح المسك.
(22)- +إِنَّ هَذَا" الذي أعطيناكم من الكرامة +كَانَ لَكُمْ جَزَاءً" ثوابا على ما كنتم في الدنيا تعملون من الصالحات +وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا" كان عملكم مشكورا، حمدكم عليه ربكم، ورضيه لكم وقبله منكم.
خامسا: ذكر تنزيل القرآن والامر بالصبر والذكر
(23)- +إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا عَلَيْكَ" يا محمد هذا +الْقُرْآنَ تَنزيلا" لتذكر الناس بما فيه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب.
(24)- +فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ" فاصبر لما امتحنك به ربك من فرائضه، وتبليغ رسالاته +وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ" في معصية الله من مشركي قومك +آثِمًا" من كان منغمسا في المعاصي واالشهوات +أَوْ كَفُورًا" مبالغًا في الكفر والضلال، كثير الجَحُود لِنِعَم ربه، قال ابن عثيمين: وفي هذا إشارة إن كل من قام بهذا القرآن فلابد أن يناله ما يناله مما يحتاج إلى صبر اهـ شرح ثلاثة أصول (8)
(25)- +وَاذْكُرْ" يا محمد +اسْمَ رَبِّكَ" فادعه به +بُكْرَةً" في صلاة الصبح +وَأَصِيلًا" وعشيا في صلاة الظهر والعصر.
(26)- +وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ" فاخضع لربك في صلاتك +وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا" أكثر الليل.
سادسا: ذم حب الدنيا وبيان إحكام خلق الإنسان
(27)- +إِنَّ هَؤُلاءِ" المشركين بالله +يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ" يحبون البقاء في الدنيا +وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا" ويدعون خلف ظهورهم العمل للآخرة، وما لهم فيه النجاة من عذاب الله يومئذ.
(28)- +نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ" أي: هؤلاء المشركين بالله المخالفين أمره ونهيه +وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ" وأحكمنا خلقهم +وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا" أهلكنا هؤلاء وجئنا بآخرين سواهم، مخالفين لهم في العمل.
سابعا: القرآن تذكره والهداية بتوفيق الله
(29)- +إِنَّ هَذِهِ" السورة +تَذْكِرَةٌ" عظة لمن تذكر واعتبر +فَمَنْ شَاءَ" أراد أيها الناس +اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ" إلى رضا ربه +سَبِيلا" بالعمل بطاعته، والانتهاء إلى أمره ونهيه.
(30)- +وَما تَشاءُونَ" اتخاذ السبيل إلى ربكم أيها الناس +إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ" ذلك لكم لأن الأمر إليه لَا إليكم +إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا" بأحوال خلقه +حَكِيمًا"، حكيمًا في تدبيره
دليل على أن الله سبحانه له مشيئة، والعبد له مشيئة، ومشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى لأن مشيئته سبحانه وقدرته عمت كل شيء، نافذة في كل شيء، بيده الأمر كله لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا راد لما قضى وهو على كل شيء قدير
(31)- +يُدْخِلُ" ربكم +مَنْ يَشَاءُ" منكم +فِي رَحْمَتِهِ" فيتوب عليه حتى يموت تائبا من ضلالته، فيغفر له ذنوبه، ويُدخله جنته +وَالظَّالِمِينَ" المتجاوزين حدود الله وشرعه +أَعَدَّ لَهُمْ" في الآخرة +عَذَابًا أَلِيمًا" مؤلما موجعا، وهو عذاب جهنم.
س2: ما حكم مداومة إمامنا على قراءة سورة (والضحى وألم نشرح) يوم الجمعة ؟
ج: السنة أن يقرأ المصلي في صبح يوم الجمعة بسورة: الم تنزيل السجدة، ويقرأ بسورة: { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ } في الركعة الثانية، ويقرأ في صلاة الجمعة بـ: (سبح، والغاشية)، وتارة بسورة الجمعة وسورة المنافقين، وتارة يقرأ في الجمعة: { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ } بعد الفاتحة. أما المداومة على قراءة سورتي الضحى والانشراح كما ذكر في السؤال فهو خلاف السنة / اللجنة الدائمة / 6278 وقد كان بعض السلف يترك قراءتهما في بعض الأحيان في صلاة الفجر يوم الجمعة من باب إشعار الناس أنها ليست بلازمة اهـ فناوى ابن باز 11/ 252
 
يتابع تفسير فيض الرحمن في تفسير جزء تبارك


77- سورة المرسلات
المرسلات: الرياح حين تهب متتابعة بيانا إظهارا لقدرة الله عز وجل وعظمته في خلقه.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سبب النزول: عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ -× - فِى غَارٍ وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ ( وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا ). فَنَحْنُ نَأْخُذُهَا مِنْ فِيهِ رَطْبَةً إِذْ خَرَجَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ فَقَالَ « اقْتُلُوهَا ». فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا فَسَبَقَتْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -× - « وَقَاهَا اللَّهُ شَرَّكُمْ كَمَا وَقَاكُمْ شَرَّهَا » رواه مسلم/ 5972
فضل السورة: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ (وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا) فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ وَاللهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هذِهِ السُّورَةَ، إِنَّهَا لآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ × يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ . أخرجه البخاري / 10
أولا: تقرير المعاد والبعث
(1)- +وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا" أقسم الله تعالى بالرياح حين تهب متتابعة.
(2)- +فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا" فالرياحالشديدات الهبوب السريعات الممرّ.
(3)- +وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا" الريح تنشر السحاب.
(4)- +فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا" قَسَم بكلّ فارقة بين الحقّ والباطل.
(5)- +فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا" فالمبلِّغات وحي الله رسله، وهي الملائكة.
(6)- +عُذْرًا" إعذارا من الله إلى خلقه +أَوْ نُذْرًا" وإنذارا منه لهم لئلا يكون لهم حجة.
قال ×: { مَا أَحَدٌ أَحَبُّ إلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَأَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} متفق عليه ، قال شيخ الإسلام: فَالْمُتَأَوِّلُ وَالْجَاهِلُ الْمَعْذُورُ لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُعَانِدِ وَالْفَاجِرِ بَلْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، اهـ مجموع الفتاوى 3/388، وقال ابن القيم : من تمام عدله وإحسانه أن أعذر إلى عباده وأن لا يؤاخذ ظالمهم إلا بعد كمال الأعذار وإقامة الحجة عليه فهو أيضا يحب من عبده أن يعتذر إليه ويتنصل إليه من ذنبه اهـ مدارج السالكين .ص 183.
(7)- +إِنَّمَا تُوعَدُونَ" إن الذي توعدون أيها الناس من الأمور +لَوَاقِعٌ"كائن لَا محالة، وهو جواب القسم: اي هذا ما وعدتم به من قيام الساعة والبعث والحساب.
ثانيا : صور من أهوال يوم القيامة
(8)- +فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ" ذهب ضياؤها
(9)- +وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ" فطرت، وانشقت، وصدّعت، وتدلت أرجاؤها، وَوَهَت أطرافها.
(10)- +وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ" من أصلها، فكانت هباء منبثا.
(11)- +وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ" عُيِّن لهم وقت للاجتماع يوم القيامة.
(12)- +لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ" لأيِّ يوم عظيم أخِّرت الرسل؟ ثم بين ذلك: وأيّ يوم هو؟ فقال:
(13) - +لِيَوْمِ الْفَصْلِ" أُجِّلت، فيأخذ للمظلوم من الظالم، ويجزي المحسن بإحسانه.
(14)- +وَمَا أَدْرَاكَ" وأيّ شيء أدراك يا محمد +مَا يَوْمُ الْفَصْلِ" ؟ معظما بذلك أمره، وشدّة هوله.
(15)- +وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ" هلاك عظيم +لِلْمُكَذِّبِينَ" بيوم الفصل.
ثالثا: الدعوه الى الاعتبار بإهلاك القرون الماضية
(16)- +أَلَمْ نُهْلِكِ الأوَّلِينَ" الأمم الماضين الذين كذّبوا رسلي من قوم نوح وعاد وثمود.
(17)- +ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ" بعدهم، ممن سلك سبيلهم في الكفر، كقوم إبراهيم وقوم لوط.
18)- +كَذَلِكَ" مِثل ذلك الإهلاك +نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ" فنهلك المجرمين بإجرامهم.
(19)- +وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ" هلاك وعذاب شديد للجاحدين المكذبين.
رابعا: الدعوه الى الاعتبار بقدرة الله في الخلق الإنسان
(20) +أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ" أيها الناس +مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ"من نطفة ضعيفة.
(21)- +فَجَعَلْنَاهُ" فجعلنا الماء المَهِين +فِي قَرَارٍ مَكِينٍ" في رحمٍ استقرّ فيها فتمكن.
(22) - +إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ" إلى وقت معلوم عند الله لخروجه من الرحم.
(23) +فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ" فقدرنا على خلقه وتصويره وإخراجه، فنعم القادرون نحن
(24)- +وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ" هلاك وعذاب +لِلْمُكَذِّبِينَ" بأن الله خلقهم من ماء مهين.
خامسا: الدعوه الى الاعتبار بقدرة الله في خلق الأرض
(25)- +أَلَمْ نَجْعَلِ" أيها الناس +الأرضَ" لكم +كِفاتًا" وعاء، تكْفِت أحياءكم في المساكن والمنازل، فتضمهم فيها وتجمعهم، وأمواتَكم في بطونها في القبور، فيُدفَنون فيها.
(26)- +أَحْيَاءً" فوقها على ظهرها +وَأَمْوَاتًا"وأمواتا يُقبرون فيها.فَجَعَلَ حَالَ الْمَرْءِ فِيهَا بَعْدَ الْمَمَاتِ فِي كَفْتِهَا لَهُ وَضَمِّهَا لِحَالِهِ كَحَالَةِ الْحَيَاةِ وَمَا تَحْفَظُهُ وَتَحْرُزُ حَيًّا، دليل على عظم منة الله ورحمته وستره لابن آدم وأنه أكرمه بالدفن وستر عورته وسوأته، وحرمة نبش القبر، ونقله إلى غيره إلا لغرض صحيح شرعاً، كما لا يجوز لأحد أن يهينه في قبره أو يطأ عليه أو يمشي فوقه اهـ فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 2/173.
وعن أبي هريرة أن رسول الله ×قال: " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس عى قبر" رواه مسلم
(27)- +وَجَعَلْنَا فِيهَا" في الأرض + رَوَاسِيَ" جبالا ثابتات + شَامِخَاتٍ" شاهقات لئلا تضطرب بكم، +وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا" عذبا سائغًا.
(28)- +وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ" بهذه النعم التي أنعمتها عليكم من خلقي الكافرين بها.
سادسا: سوق المجرمين الى مأواهم في جهنم
(29)- يقول تعالى لهؤلاء المكذّبين بهذه النَّعم: +انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِه تُكَذّبُونَ" في الدنيا بيوم الحساب.
(30)- +انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ" دخان +ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ" يرتفع من وقودها الدخان، فإذا تصاعد تفرّق شعبا ثلاثا.
(31)- +لَا ظَلِيلٍ" لَا هو يظلهم من حرّها +وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ" ولا يقيهم حر اللهب.
(32)- +إِنَّهَا" إن جهنم +تَرْمِي بِشَرَرٍ" يتطاير من لهبها +كَالْقَصْرِ" كالبناء المشيد في العِظم والارتفاع.
رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : { تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ } قَالَ : كُنَّا نَرْفَعُ الْخَشَبَ بِقَصَرٍ ثَلَاثَ أَذْرُعٍ أَوْ أَقَلَّ ، فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ ، فَنُسَمِّيهَا الْقَصَرَ .
(33)- +كَأَنَّهُ" كأن الشرر الذي ترمي به جهنم كالقصر +جِمَالَةٌ صُفْرٌ" إبل سود؛ وإنما قيل لها صفر وهِي سود، لأن ألوان الإبل سود تضرب إلى الصفرة
(34)- +وَيْلٌ" هلاك وعذاب شديد + يَوْمَئِذٍ" يوم القيامة +لِلْمُكَذِّبِينَ" المكذّيين من عباده
سابعا: عجز المجرمين عن الكلام
(35)- يقول - تعالى - لهؤلاء المكذّبين بثواب الله وعقابه: +هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ" بكلام ينفعهم
(36)- +وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ" في الكلام +فَيَعْتَذِرُونَ" لأنه لا عذر لهم، فقد قامت عليهم الحجة، ووقع القولُ عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون.
(37)- +وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ" وعيد وهلاك لهم، وهو دليل على شدّة الأهوال والزلازل يومئذ
(38)- +هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ" الذي يَفْصل الله فيه بالحقّ بين عباده +جَمَعْنَاكُمْ" يا معشر الكفار +وَالأوَّلِينَ" وبين سائر من كان قبلكم من الأمم الهالكة.
(39)- +فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ" حيلة أو قدرة على أن تتخلصوا من قبضتي، أو تحتالوا في التخلص من عقابي +فَكِيدُونِ" فاحتالوا وأنقذوا أنفسكم مِن عقاب الله، فإنكم لا تقدرون على ذلك.
(40)- +وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ" هلاك ودمار يوم القيامة للمكذبين بيوم القيامة.
ثامنا: جزاء المتقين عند الله
(41)- +إِنَّ الْمُتَّقِينَ" الذين اتقوا عقاب الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه +فِي ظِلالٍ" ظلال الأشجار الوارفة +وَعُيُونٍ" أنهار تجري خلال أشجار جناتهم.
(42)- +وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ" يتنعمون بها، لَا يخافون ضرّها، ولا عاقبة مكروهها.
(43)- يقال لهم: +كُلُوا" من هذه الفواكه +وَاشْرَبُوا" من هذه العيون +هَنِيئًا"بعيدًا عن كل أذى, بسبب ما قدمتم في الدنيا من صالح الأعمال +بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" في الدنيا من طاعة الله، وتجتهدون فيما يقرّبكم منه.
(44)- +إِنَّا كَذَلِكَ" كما جزينا هؤلاء المتقين بما وصفنا من النعيم، كذلك +نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" ونثيب أهل الإحسان فى طاعتهم لنا.
(45)- +وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ" عذاب وهلاك يوم القيامة للمكذبين بيوم القيامة.
تاسعا: التهديد لمنكري القيامة
(46)- يقول تعالى تهدّيدا ووعيدا منه للمكذبين بالبعث: +كُلُوا" في بقية آجالكم +وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا" وتمتعوا ببقية أعماركم +إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ" بما اقترفتم من الأثام والشرك بالله.
(47)- +وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ" هلاك وعذاب يوم القيامة +لِلْمُكَذِّبِينَ" بيوم الحساب والجزاء.
(48)- +وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ" لهؤلاء المجرمين المكذّبين بوعيد الله +ارْكَعُوا" صلُّوا لله، واخضعوا له +لَا يَرْكَعُونَ" لا يصلون ولا يخضعون، وقد دعوا إلى السُّجُودِ كَشْفًا لِحَالِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، فَمَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ تَمَكَّنَ مِنْ السُّجُودِ ، وَمَنْ كَانَ يَسْجُدُ رِئَاءً لِغَيْرِهِ صَارَ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ، كما في حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ × (فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً؛ فَيَذْهَبُ كَيْما يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وِاحِدًا) متفق عليه.
(49)- +وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ" عذاب وهلاك يوم القيامة للمكذبين بيوم القيامة.
(50)- +فَبِأَيِّ حَدِيثٍ" إن لم يؤمنوا بهذا القرآنمع وضوح برهانهوصحة دلائله +بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ" فبأي كتاب وكلام بعده يؤمنون؟

انتهى بفضل من الله سبحانه وتعالى، ( تفسير فيض الرحمن في تفسير جزء تبارك ) جمع مادته أفقر العباد إلى ربه الغني الوهاب / جمال ابن إبراهيم القرش، فإن كنت أحسنت فمن الله وحده المتفصل المنعم، وإن أسألت فمن نفسي المقصرة والشيطان .
أسأل الله أن يعفو عنا وعن ذالتنا ، وأن يرفع شأننا بالقرآن العظيم ، وأن يجعله لنا شفيعا يوم الدين، وأن يجعله حجة لنا لا علينا ، وأن يجعلنا وإخواننا المؤمنين من المتدبر العاملين بما فيه، هو نعم المولى ونعم المصير .
ولا تنسونا من صالح دعائكم
 
بارك الله فيك ونفع بك .
سئلت اللجنة الدائمة : ما حكم قراءة سورة الملك للاستجارة بها من عذاب القبر ؟
قراءة سورة الملك للاستجارة بها من عذاب القبر لا نعلم حديثا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك.وبالله وبالله التوفيق اهـ اللجنة الدائمة . 451/2.
 
محور سور جزء تبارك
67سورة الملك: دلائل قدرة الله تعالى
68-سورة القلم : خلق النبي صلى الله عليه وسلم ودفاع الله عنه.
69-سورة الحاقة جزاء المكذبين والعاصين
70-سورة المعارج: جزاء المستهزئين
71-سورة نوح : نوح عليه السلام وأسلوبه في الدعوة
72-سورة الجن : حقيقة الجن
73-سورة المزمل : زاد الداعية
74-سورة المدثر : الأمر بالدعوة
75-سورة القيامة : دلائل البعث وأهواله
76-سورة الإنسان : امتنان الله بخلق الإنسان
77-سورة المرسلات : تقرير البعث والحساب
 
[FONT=&quot]� تعلن الأكاديمية الدولية لتأهيل المجازين
�عن فتح برنامج لأول مرة مع نخبة من الشيوخ والشيخات.
١- إجازات بسند متصل إلى رسول الله
٢- ختمة تصحيح تلاوة
وعلى الذين يرغون في الحصول على إجازة إرسال السيرة الذاتية
الاسم /البلد / مقدار الحفظ
والمسار المطلوب( ١ - ٢ )
على الواتس
https://wa.me/201127407676
00201127407676.
وفقكم الرحمن الرحيم[/FONT]
 
السلام عليكم أخي جمال /

جزاك الله خيراً على هذا الجهد ، أود أن أنبه على عدة أمور أنت ذكرتها في تفسير الحروف .

قلت (الرأي الراجح عند أهل العلم من المحققين في الحروف المقطعة في أوائل السور مثل (ق)، (ن)، (آلم)، (طس)، إنما أنزلت لتحدي العرب الذين نزل عليهم القرآن، وتعجيزهم ) .

ثم عند تفسير " سورة القلم " عند حرف " ن " قلت ( إشارة إلى إعجاز القرآن المركَّب من هذه الحروف التي تتكون منها لغة العرب، فقد تحدي به المشركين العرب, فعجزوا عن الإتيان بمثله، مع أنهم أفصح الناس، فدَلَّ عجزهم على أن القرآن وحي من الله )

أقول أن الرأي الراجح في المسألة خلاف ما قاله أهل العلم من "المحققين" ، إذ لو حققوا فعلاً لما قالوا بالتحدي لعدم وجود دليل على صحة ما قالوا ، فلا الله سبحانه وتعالى قال أنه تحدى بهذه الحروف العرب ولا رسوله الكريم قاله أيضاً ، فأين التحقيق ؟!!
ثانياً : القول بالإعجاز فِرية العصر ، التي صرفت الناس عن ظاهر القرآن ودلالة ألفاظه ، لا نكاد نقرأ تفسيراً ولا نسمع مفسراً إلا وكان له من هذه الفرية نصيب ، كلام الله كلام مبين وليس فيه إعجاز ولا شيء من هذا القبيل وكنت قد فصلت في موضوع الإعجاز وبينت أن هذه اللفظة لا تصح لساناً وديناً . بإمكانك تراجع موضوع المعجزة والخوارق في ملتقى الحوار .
الناس عندما تضيق عليهم وتكلفهم ما لا طاقة لهم به يقولون " أعجزتنا يا رجل " ، " الشغلة / المسألة تعجيز )!! دليل على أنها كلمة غير مرغوب فيها يأباها الناس ، فلم ننسبها لله عز وجل ؟

تقول ( اعتمدت عند اختيار وجه التفسير: تفسير القرآن بالقرآن ثم بالسنة ثم بأقوال الصحابة )

لا أراك أخذت بما ذكرت في تفسير هذه الحروف ولا في القول بالمعجزة .
أين وجدت القول بالمعجزة و الإعجاز في القرآن أو السنة ؟؟
أين قال الله أنه تحدى العرب في القرآن ؟ أريدها صراحة هكذا ، لا تأتي لي بآيات ظاهرها التحدي مثل ( فأتوا بسورة من مثله ) .

ملحوظة :
هذه نصيحة وتبيان على طريقة (سؤال وجواب ) وليس من باب الإشكال والجدال .
هناك أخطاء أخرى لم أتكلم فيها ، وقدمت الأخطاء القوية أولا .
 
عودة
أعلى