تفسير فواتح سورة البقرة في ضوء عبادة الدعاء

تفسير فواتح سورة البقرة في ضوء عبادة الدعاء

  • ممتاز

    الأصوات: 0 0.0%
  • جيد لكن لي عليه مؤاخذات

    الأصوات: 0 0.0%
  • لا

    الأصوات: 0 0.0%

  • مجموع المصوتين
    1

امصنصف كريم

Active member
إنضم
12/08/2016
المشاركات
178
مستوى التفاعل
37
النقاط
28
العمر
45
الإقامة
المغرب
الموقع الالكتروني
sites.google.com
بسم1

تفسير فواتح سورة البقرة
في ضوء عبادة الدعاء[1]



*** ومن أسمائها سنام القرآن، لقول رسول الله ﷺ:«لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة »[2]. وفي هذا الإسم نكتة وهي تتجلى في المناسبة بين تسمية سورة البقرة بسنام القرآن، وتسمية سورة الفاتحة بالصلاة، وفي الحديث قال رسول الله ﷺ:« رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله[3] »[4]. ولغة العمود هو ما يستند إليه ويقوم عليه الشيء ويرتفع، أما السنام فهو أعلى الشيء وما ارتفع عن الأرض، فيلزم من هذا أن يكون العمود سابقا في الوجود، والسنام لاحق له مبني عليه.
ويكفي دليلا على ذلك المشاهدة، فعمود بطن البعير (الإبل) سابق في الوجود، وسنامه لاحق له مبني عليه في مرحلة الخلق والتكوين الجنينية. والنكتة في كل هذا هي أن سورة الفاتحة المسماة بالصلاة والتي هي جزء من الصلاة – عمود الإسلام - ولا صلاة بغيرها سابقة في النزول بمكة، وسورة البقرة المسماة بسنام القرآن لاحقة لها في النزول بالمدينة وعليه فهذه إشارة لطيفة نستأنس بها على ما سبق وأن ذهبنا إليه عند قولنا أن سورة الفاتحة نزلت بمكة، قبل نزول سورة البقرة بالمدينة والله أعلم.
*** والمناسبة بين خواتيم سورة الفاتحة وفواتح سورة البقرة هو أنه لما قال العبد بتوفيق ربه:
﴿ اهدنا الصراط المستقيم[5]،قيل له:﴿ ذلك الكتاب لاريب فيه هو مطلوبك وفيه أربك، وهو:﴿ الصراط المستقيم و ﴿ هدى للمتقين. وفي مناسبة سباق وسياق هذه الآيات وأجواؤها نقل أن بعد هجرة محمد صار الناس ثلاثة أقسام: قسم مؤمن وهم الذين آمنوا به ظاهرا وباطنا، وقسم كافر وهم الذين أظهروا الكفر به، وقسم منافق وهم الذين آمنوا به ظاهرا وكفروا به باطنا. ولهذا افتتح الله سورة البقرة بأربعة آيات في صفة المؤمنين، وآيتين في صفة الكافرين، وثلاث عشرة آية في صفات المنافقين. ولقد اتفق العلماء على أن أول ما نزل بالمدينة سورة البقرة، واختلفوا في سورة الفاتحة هل هي مكية أو مدنية ؟ ومن مضمون السورتين يتبين أن سورة الفاتحة مكية[6] باعتبارها دعاء، وعلى أن فواتح سورة البقرة استجابة لهذا الدعاء، مع العلم أن فواتح سورة البقرة من أول ما نزل بالمدينة على الإطلاق قطعا، وفي هذا ايحاء على أن ترتيب السورتين في المصحف موقوف على النقل لا توفيق من العقل.
*** وفي قوله تعالى:
﴿ آلم ﴾، ألف حرف ولام حرف وميم حرف، وهي من حروف الهجاء التي افتتح الله بها بعض سور القرآن. أما المراد بها ومعناها فقيل في ذلك إنها من متشابه القرآن الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. وهذا القول لم يرضه كثيرون بناء على القاعدة الأصولية في تفسير النصوص التي تنص على أنه: لا يجوز ورود ما لا معنى له في الكتاب. وعليه قيل هذه الحروف تقرأ مقطعة، وتصدير سورة البقرة بهذه الحروف الهجائية يجذب أسماع المعرضين عن هذا القرآن، إذ يطرق أسماعهم لأول وهلة ألفاظ غير مألوفة في تخاطبهم فينتبهوا إلى ما يلقى إليهم من آيات بينات، كما تأتي لتنبيه على ما يأتي مباشرة بعدها من ما يذكر فيها من وصف للقرآن والإنتصار له والإشارة إلى عظمته وبيان إعجازه تبكيتا للمعاندين وتسجيلا لعجزهم عن المعارضة، وهذا القول أيضا لم يرضه كثيرون بناء على القاعدة الأصولية في التفسير التالية: الإفادة أولى من الإعادة. إذ هذا القول يتكرر في كل موضع افتتح بهذه الحروف، فقالوا يحتمل أن يكون لها معان أخرى يجدها من يفتح الله عليه بالتأمل والنظر أو هبة من لدنه سبحانه، فنقول والله أعلم عالمين أننا لسنا منهم لكن متفيئين في ظلهم وبناء على القاعدتين الأصوليتين التاليتين في التفسير قاعدة: اعمال الكلام أولى من اهماله، وقاعدة التأسيس أولى من التأكيد.اعلم أن الله تعالى افتتح سور القرآن بعشرة أنواع من الكلام لا يخرج شيء من السور عنها، الأول الثناء عليه تعالى، والثناء بدوره قسمان يعنينا منه القسم الأول، وهو اثبات لصفات المدح، كما مر بيانه في مفتتح سورة الفاتحة ﴿ الحمد لله ﴾. والثاني من الأنواع العشرة حروف التهجي، كما في مستهل سورة البقرة ﴿ آلم ﴾. وبين مطلع السورتين مناسبة لطيفة وهي أننا من جملة النعم التي نحمد الله عليها في قولنا:﴿ الحمد لله في سورة الفاتحة، نعمت أنزال القرآن لقوله تعالى:﴿ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ﴾، والكتاب من أسماء القرآن الذي نتعبد بتلاوته فينعم الله علينا بالأجر والثواب لقراءته، لقول رسول الله ﷺ:« من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف »[7]. فقوله تعالى:﴿ آلم ﴾، تذكير بنعمه على عباده لقوله تعالى:﴿ آلم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين .
*** وفي قوله تعالى:﴿ ذلك الكتاب ﴾، إشارة إلى القرآن، باستعمال اسم الإشارة للبعيد، لإظهار رفعته شأن هذا القرآن، لجعله بعيد المنزلة. والإشارة إلى الكتاب كله عند نزول بعضه إشارة إلى أن الله تعالى منجز وعده للنبي بإكمال الكتاب كله.
*** وقوله تعالى:﴿ لا ريب فيه ﴾، المعنى أن ذلك الكتاب مبرأ من وصمات العيب، فلا شك فيه لا من جهة كونه من عند الله تعالى، وحاصله أنه كذلك في كل من نظمه وأسلوبه وبلاغته ولا من جهة معانيه وعلومه، وتأثيره في الهداية لا يمكن أن توجه إليه شبهة أو تحوم حوله ريبة.
*** وأما قوله تعالى:﴿ هدى للمتقين ﴾، فالمراد بالهداية هنا الدلالة على الصراط المستقيم مع المعونة الخاصة والأخذ باليد، والتقوى هنا يقصد بها اتقاء الله تعالى تعظيما لأمر عذابه وعقابه، والتقوى قسمان، وأسباب العقاب الإلهي نوعان:الأول اتقاء الله في الآخرة بعدم مخالفة دينه وشرعه.والثاني اتقاء الله في الدنيا بعدم مخالفة سننه في نظام خلقه. والمتقون في هذه الآية هم مشركون أسلموا وكان القرآن هدى لهم، فاتقوا عاقبة الشرك فآمنوا.
*** وفي قوله تعالى:﴿ الذين يؤمنون بالغيب ﴾، وصفهم بالإيمان بالغيب بعد أن كانوا يكفرون بالبعث والجزاء والمعاد، لأن الإيمان بما غاب عن إدراك الحواس هو الأصل في الإعتقاد بإمكان ما تخبر عنه الرسل عن وجود الله تعالى والعالم العلوي.
*** وفي قوله تعالى:﴿ ويقيمون الصلاة ﴾، الصلاة هنا هي الأقوال والأفعال المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم، وإقامتها معناه المواظبة عليها والعناية بها.
*** وفي قوله تعالى:﴿ ومما رزقناهم ينفقون ﴾، يفهم منها أن الرزق من الله فيجب أن يصرف في طاعة الله، والتقرب إلى الله بالمال يكون ببعض ما يملك الإنسان لا كل ما يملك. واتفق الجمهور أن الآية عامة تشمل سائر وجوه النفقات فيما يرضي الله من النفقة الواجبة على الأهل والولد وذوي القربى وصدقة التطوع والزكاة وفي سائر وجوه البر والإحسان. وقيل الآية لا تشمل الزكاة لأنها نزلت قبل فرض الزكاة المعينة، والإنفاق أريد به هنا بثه في نفع الفقراء وأهل الحاجة وتسديد نوائب المسلمين، بقرينة المدح واقترانه بالإيمان والصلاة، فلا شك أنه هنا خصلة من خصال الإيمان الكامل، وما هي إلا الإنفاق فئ سبيل الخير والمصالح العامة، إذ لا يمدح أحد بإنفاقه على نفسه وعياله، إذ ذلك مما تدعو إليه الجبلة فلا تعني الآية بالتحريض عليه هنا. لأن الإيمان لما كان مقره القلب ومترجمه اللسان كان محتاجا إلى دلائل صدق صاحبه وهي عظائم الإعمال، ومن ذلك ملازمة فعل الصلاة لأنها دليل على تذكر المؤمن من آمن به، ومن ذلك السخاء ببذل المال للفقراء امتثالا لأمر الله بذلك. وإنما اختير ذكر هذه الصفات لهم دون غيرها لأنها أول ما شرع من الإسلام فكانت شعار المسلمين وهي الإيمان الكامل، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هما أقدم المشروعات.
*** وفي قوله تعالى:﴿ والذين يؤمنون بما أنزل إليك ﴾، هذه الطبقة الثانية من المتقين وهم مسلموا أهل الكتاب، وهذه الطبقة أرقى من الطبقة الأولى، لأن أوصافها تقتضي الأوصاف التي أجريت على تلك وزيادة، فالقرآن يكون هدى لها بالأولى. والمراد من لفظ الإنزال ما ورد من جانب الربوبية الرفيع الأعلى، وأوحى إلى العباد من الإرشاد الإلهي الأسمى، والمعنى المراد الإيمان التفصيلي بكل ما أنزل الله تعالى في القرآن.
*** وأما قوله تعالى:﴿ وما أنزل من قبلك ﴾، فيكفي فيه الإيمان الإجمالي.
*** وفي قوله تعالى:﴿ وبالآخرة هم يوقنون ﴾، فقد خصهم بهذا الوصف من بين باقي الأوصاف لأنه ملاك التقوى فإن علم اليقين بدار الثواب والعقاب يوجب اتقاء العذاب، وذلك الذي ساقهم إلى الإيمان بالنبي . وقيمة هذه الصفة هي الشعور بوحدة البشرية ووحدة دينها ووحدة رسلها ووحدة معبودها دون تعصب ديني، وقيمتها الإطمئنان إلى رعاية الله للبشرية على مر الأجيال، هذه الرعاية الظاهرة في توالي الرسل والرسالات بدين واحد وهدى واحد، واليقين بالغيب وبالآخرة هو الفرق بين من يعيش سجين إدراك حواسه، ومن يعيش حر طليق من الماديات.
*** وقوله تعالى:﴿ أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ﴾، إن السامع إذا سمع ما تقدم من صفات الثناء عليهم من التقوى وإيمان وصلاة وإنفاق ترقب فائدة تلك الأوصاف وهي الهدى والفلاح الذي هو الظفر وإدراك البغية في الدنيا والآخرة. والإشارة ﴿ أولئك لقصد التنويه بتلك الصفات المشار إليها من تقوى وإيمان وصلاة وإنفاق، وبما يرد بعد اسم الإشارة ﴿ أولئك من الحكم الناشئ عنها هدى وفلاح. وإنما وصف ﴿ الهدى بأنه ﴿ من ربهم للتنويه بذلك الهدى وتشريفه، مع الإشارة بأنهم بمحل العناية بشأن المتقين. وجيء بالضمير ﴿ هم ليفيد الحصر، فهم المفلحون لا غيرهم من المغضوب عليهم أو الضالين.

___

تم بحمد الله

[1] نقلا عن كتابنا الدعاء في ضوء القرآن وعلم النفس – غير مطبوع -.
[2]الراوي: عبدالله بن مسعود، المحدث:الألباني، المصدر:السلسلة الصحيحة، حكم المحدث:إسناده حسن.
[3] الراوي: معاذ بن جبل، المحدث: الترمذي، المصدر: سنن الترمذي، الصفحة2616 ، حكم المحدث: حسن صحيح.
[4]لا تعارض بين الحديثين لأن الأمر كما قال النبي الصادق ﷺ:« لكل شيء سنام »، فسنام الإسلام هو الجهاد في سبيل الله، وسنام القرآن سورة البقرة.
[5]( بسم الله الرحمن الرحيم ) و ( الحمد لله ) على نعمه المنزلة من السموات والخارجة من الأرض,( رب العالمين ) من الجن والإنس,( الرحمن ) بمؤمنهم وكافرهم,( الرحيم ) بعباده المؤمنين يوم الحساب,( ملك يوم الدين ) يوم الحساب والعقاب الذي توجب خشيته اتقاءه بمطابقة عملنا لقولنا,( إياك نعبد ) ونتوسل إليك بعبادتنا لك وحدك إلى استجابة دعائنا إياك وحدك,( وإياك نستعين ) على طلب الهداية إلى الدين الحق بسؤلنا لك وحدك,( اهدنا الصراط المستقيم ) وثبتنا على الطريق الموصلة إليك ولا تزغ قلوبنا بعد أن هديتنا حتى لا نضل كالنصارى ولا تغضب علينا كاليهود, فاهدنا إلى ( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين,( آمين يا رب العالمين.
[6]يؤكد ما ذهبنا إليه قوله تعالى:﴿ ولقد اتيناك سبعا من المثاني ﴾ (سورة الحجر- الآية: 87 )، وهي مكية اجماعا. وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال:« قال رسول الله ﷺ ﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾ أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم » رواه الترمذي وصححه.
[7] الراوي: عبد الله بن مسعود، المحدث: الألباني، المصدر:صحيح الترمذي، الصفحة2910 :، حكم المحدث: صحيح.
 
بسم1
{الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴿1 هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ ﴿2 الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿3 أُولَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿4﴾} (سورة لقمان).
***في هذه الآيات البينات ورد ذكر
مميزات القرآن الكريم و خصائصه، وأوصاف المؤمنين به.
اللغة :
[الحكيم ] المحكم الذي لا خلل فيه ولا تناقض.
[يوقنون ] اليقين : التصديق الجازم.
تفسير معاني الآيات:
{الم} اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِهِ {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)} أَيْ هَذِهِ الْآيَات من الْقُرْآن ذي الحكمة {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} بَيَان لِلْمُحْسِنِينَ {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)} هُمْ الثَّانِية تَأْكِيد {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (4)} الفائزون.
من هداية الآيات:
1- بيان إعجاز القرآن حيث ألف من مثل آلم، وص، وطس، ولم يستطع خصومه تحديه.
2- بيان معنى الحكيم وفضل الحكمة.
3- بيان أن القرآن بيان للهدى المنجي المسعد ورحمة لمن آمن به وعمل بما فيه.
4- فضل الصلاة والزكاة واليقين.
5- بيان مبنى الدين: وهو الإيمان والإسلام والإحسان.


منقول من تفسيرنا لسورة لقمان وسننشره بإذن الله قريبا بالملتقى.
 
عودة
أعلى