شعرت من خلال قراءتي لكتاب فتح البيان أنه يعد حاشية مثل الحواشي التي تكتب على التفاسير، لكنها حواش تشبه إلى حد ما، تعليقات المعاصرين على الكتب، ويقل فيها نظرة المدرك، وتعليق الحاذق ـ مع علو قدم القِّنوجي ـ إلا أنه لم يبد رأياً واضحاً ومخالفاً لمن حشى على كتابه وهو العلاَّمة محمد بن علي الشوكاني ـ رحمه الله ـ، إلا أنه لجمعه ووفرة مادته يفضل على تفسير فتح القدير، لأنه ضمنه وضمن بعض التفاسير التي كانت معاصرة للمؤلف، و التي كانت متوفرة في الهند كتفسير المهايمي الحنفي الصوفي القائل بوحدة الوجود ( الذي تتلمذ على الخضر ـ عليه السلام ـ كما كتب على ديباجة تفسيره !!!ـ فقد نقل عنه ( وأكثر من نقل عنه فيما علمنا القاسمي؛ جمال الدين، وقد نقل عنه الطاهر بن عاشور ـ رحمه الله ـ في الأجزاء الأخيرة من التحرير )، وكذلك نقل عن المظهري، وعن الشهاب الخفاجي وعن ابن القيم( من الروح ـ إعلام الموقعين ـ إغاثة اللهفان ـ الروح ـ حادي الأرواح ـ...)، و نقل عن الآلوسي في آواخر تفسيره، والعجيب أنه لم يعتمد تفسير روح المعاني في تفسيره اعتماداً كلياً، فتفسير روح المعاني ينبئ عن روح عالم كبير، وعن مجتهد لا يبلغ له شأو، وهو على التحقيق أفضل من تفسير فتح القدير، فقد عني الآلوسي بجمع آثار العلماء البلاغية، ونقدها وتمحيصها، وقد نقل كتاب الإسكافي كله بالمعنى عن الشهاب الخفاجي، واطلع على الكشف للطيبي وأخذ عنه، وأخذ عن تفسير الطبرسي والطبري والقرطبي و ابن عطية المحاربي و أبو حيان و الرازي و البيضاوي والنسفي و الزمخشري ـ وقد ناقشه في عدة مواضع ـ، وأخذ عن الشهاب الخفاجي، و عن أبي السعود الذي لقبه بشيخ الإسلام، كما لقب الرازي بالإمام، والبيضاوي بالقاضي، و نقل عن محيي الدين ابن عربي، ووصل ـ بفضل مكانته السامية في الدولة العلية ـ إلى ما لم يصل إليه محمد بن علي الشوكاني في اليمن، ومصدر عجبنا في عدم انتفاع القنوجي انتفاعاً كلياً في تفسيره من الآلوسي، هو أن التفسير وصله من المجاز منه السيد نعمان الدين الآلوسي الذي بعث ابنه علي علاء الدين له، وأيضاً فقد بعث العلاَّمة حمد بن عتيق رسالة للقنوجي، ولكنا لم نر أثراً لتلك الرسالة على تفسيره، و لهدية الخير الآلوسي أثراً على تفسيره، هل لأن أعباء الدولة، ومهام الملك هي ما صرفته عن مباشرة التفسير، و مراجعة ما فيه، أم أنه لم يكن يراجع مؤلفاته ـ كعادة بعض العلماء ـ، أو لكثرة مؤلفاته بالعربية والفارسية التي بلغت 222، لا أدري، ولكن كلها عوامل تؤكد ذلك، ومن أفضل ما رأيت في تفسيره إحالته على المسائل الفقهية إلى كتب الشوكاني فقد أبرز من خلال كتابه هذا على أنه أحاط بكل رسالة وبكل مؤلف للإمام الشوكاني، كذلك في المسائل العقدية فإنه هضم كل مؤلفات الشوكاني، و ملأ وقته بقراءتها، وتشهد على ذلك مصنفاته كلها ـ إلا القليل ـ، وأخيراً: لقد كان القِّنوجي مؤرخاً مفسراً أديباً شاعراً فقيهاً ملكاً عادلاً، ولا شك أن أفضل مزية له في الهند و و أجملها على الإطلاق هي حمله لراية السلف، ومنادته بها، ومحاربة أهل الباطل، والرد عليهم وتفنيد أخطائهم، ويكفيه فخراً أنه مات على الستين ـ على ما أذكر ـ وترك 222 مؤلفاً بالفارسية والعربية، فانظر كما ترك من أعمال تعود عليه في قبره وفي آخرته بالحسنات، رحم الله القِّنوجي، و أخيراً: ننادي بالإرشاد و الدلالة إلى دراسة نقدية تبين ترجيحات القنوجي والشوكاني، و مخالفات القنوجي لشيخه بالرواية، ومدى الاتفاق والاختلاف بين التفسيرين، وأيهما يفضل الآخر، و أثر العلاقة الزمنية و العوامل الحياتية والاجتماعية على التفسيرين، و التركيز على بؤرة الاهتمام عند المفسرين لمعرفة أوجه الاختلاف، وكذلك تناول كل منهما للمصادر، وكيفية الاتكاء عليها، وما إلى ذلك، وآسف على الإطالة والتطفل على موائد الأئمة