تفسير سورة فاطر من مختصري لتفسير الطبري (متجدد)

إنضم
12/06/2004
المشاركات
456
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
سُورَةُ فَاطِرٍ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[فاطر: 1]
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} الشُّكْرُ الْكَامِلُ لِلْمَعْبُودِ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ خَالِقِ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرْضِ..
{جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} إِلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَفِيمَا شَاءَ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ..
{أُولِي أَجْنِحَةٍ} أَصْحَابُ أَجْنِحَةِ..
{مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ اثْنَانِ مِنَ الْأَجْنِحَةِ، وَمِنْهُمْ مِنْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَجْنِحَةٍ، وَمِنْهُمْ مِنْ لَهُ أَرْبَعَةٌ..
{يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} وَذَلِكَ زِيَادَتُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي خَلْقِ هَذَا الْمَلَكِ مِنَ الْأَجْنِحَةِ عَلَى الْآخَرِ مَا يَشَاءُ، وَنُقْصَانِهِ عَنِ الْآخَرِ مَا أَحَبَّ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ، يَزِيدُ مَا يَشَاءُ فِي خَلْقِ مَا شَاءَ مِنْهُ، وَيَنْقُصُ مَا شَاءَ مِنْ خَلْقِ مَا شَاءَ، لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَلَهُ الْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ..
{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[فاطر: 1] إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدِيرٌ عَلَى زِيَادَةِ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا شَاءَ، وَنُقْصَانِ مَا شَاءَ مِنْهُ مِمَّنْ شَاءَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ أَرَادَهُ سُبْحَانَ هُ وَتَعَالَى.
 
{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[فاطر: 2]
{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} مَفَاتِيحُ الْخَيْرِ وَمَغَالِقُهُ كُلُّهَا بِيَدِهِ؛ فَمَا يُفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ خَيْرٍ فَلَا مُغْلِقَ لَهُ، وَلَا مُمْسِكَ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرُهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَمْرَهُ أَحَدٌ..
{وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} وَكَذَلِكَ مَا يُغْلَقْ مِنْ خَيْرٍ عَنْهُمْ فَلَا يَبْسُطْهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَفْتَحْهُ لَهُمْ، فَلَا فَاتِحَ لَهُ سِوَاهُ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا إِلَيْهِ وَلَهُ..
{وَهُوَ الْعَزِيزُ} فِي نِقْمَتِهِ مِمَّنِ انْتَقَمَ مِنْهُ مِنْ خَلْقِهِ بِحَبْسِ رَحْمَتِهِ عَنْهُ وَخَيْرَاتِهِ..
{الْحَكِيمُ}[فاطر: 2] فِي تَدْبِيرِ خَلْقِهِ، وَفَتْحِهِ لَهُمُ الرَّحْمَةَ إِذَا كَانَ فَتْحُ ذَلِكَ صَلَاحًا، وَإِمْسَاكِهِ إِيَّاهُ عَنْهُمْ إِذَا كَانَ إِمْسَاكُهُ حِكْمَةً.
 
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[فاطر: 3]​

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ مِنْ قَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ} الَّتِي أَنْعَمَهَا..
{عَلَيْكُمْ} بِفَتْحِهِ لَكُمْ مِنْ خَيْرَاتِهِ مَا فَتْحَ، وَبَسْطِهِ لَكُمْ مِنَ الْعَيْشِ مَا بَسَطَ، وَفَكِّرُوا فَانْظُرُوا..
{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي بِيَدِهِ مَفَاتِيحُ أَرْزَاقِكُمْ وَمَغَالِقُهَا..
{يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} فَتَعْبُدُوهُ دُونَهُ..
{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} لَا مَعْبُودَ تَنْبَغِي لَهُ الْعِبَادَةُ إِلَّا الَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتَ وَالْأَرْضَ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِيَدِهِ مَفَاتِحُ الْأَشْيَاءِ وَخَزَائِنُهَا، وَمَغَالِقُ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَلَا تَعْبُدُوا أَيُّهَا النَّاسُ شَيْئاً سِوَاهُ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْعِكُمْ وَضُرِّكُمْ سِوَاهُ، فَلَهُ فَأَخْلِصُوا الْعِبَادَةَ، وَإِيَّاهُ فَأَفْرِدُوا بِالْأُلُوهَةِ..
{فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[فاطر: 3] فَأَيُّ وَجْهٍ عَنْ خَالِقِكُمْ وَرَازِقِكُمُ الَّذِي بِيَدِهِ نَفْعُكُمْ وَضَرُّكُمْ تُصْرَفُونَ.
 
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}[فاطر: 4]
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ}وَإِنْ يُكَذِّبْكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ..
{فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} فَلَا يَحْزُنَنَّكَ ذَلِكَ، وَلَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ أَمْثَالِهِمْ مِنْ كَفَرَةِ الْأُمَمِ بِاللَّهِ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَفِي تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ الَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِكَ، وَلَنْ يَعْدُو مُشْرِكُو قَوْمِكَ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ، فَيَتَّبِعُوا فِي تَكْذِيبِكَ مِنْهَاجَهُمْ، وَيَسْلُكُوا سَبِيلَهُمْ..
{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}[فاطر: 4] وَإِلَى اللَّهِ مَرْجِعُ أَمْرِكَ وَأَمْرِهِمْ، فَمُحِلٌّ بِهِمُ الْعُقُوبَةَ، إِنْ هُمْ لَمْ يُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِنَا فِي اتِّبَاعِكَ، وَالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِكَ، وَقَبُولِ مَا دَعْوَتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ النَّصِيحَةِ، نَظِيرَ مَا أَحْلَلْنَا بِنُظَرَائِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَهَا قَبْلَكُ، وَمُنْجِيكَ وَأَتْبَاعَكَ مِنْ ذَلِكَ؛ سُنَّتَنَا بِمَنْ قَبْلَكَ فِي رُسُلِنَا وَأَوْلِيَائِنَا..
 
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[فاطر: 5]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ، الْمُكَذِّبِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ..
{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} إِيَّاكُمْ بَأْسَهُ عَلَى إِصْرَارِكُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ، وَتَكْذِيبِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتحْذِيرِكُمْ نُزُولَ سَطْوَتِهِ بِكُمْ عَلَى ذَلِكَ..
{حَقٌّ} فَأَيْقِنُوا بِذَلِكَ، وَبَادِرُوا حُلُولَ عُقُوبَتَكُمْ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ..
{فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْعَيْشِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، وَرِيَاسَاتِكُم الَّتِي تَتَرَأَّسُونَ بِهَا عَلى ضُعَفَائِكُمْ فِيهَا، عَنِ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ وَالْإِيمَانِ بِهِ..
{وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[فاطر: 5] وَلَا يَخْدَعَنَّكُمْ بِاللَّهِ الشَّيْطَانُ، فَيُمَنِّيكُمُ الْأَمَانِيَّ، وَيَعِدُكُمْ مِنَ اللَّهِ الْعِدَاتِ الْكَاذِبَةَ، وَيَحْمِلَكُمْ عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَى كُفْرِكُمْ بِاللَّهِ.
 
فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْعِكُمْ وَضُرِّكُمْ سِوَاهُ، فَلَهُ فَأَخْلِصُوا الْعِبَادَةَ، وَإِيَّاهُ فَأَفْرِدُوا بِالْأُلُوهَةِ..
{فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[فاطر: 3] فَأَيُّ وَجْهٍ عَنْ خَالِقِكُمْ وَرَازِقِكُمُ الَّذِي بِيَدِهِ نَفْعُكُمْ وَضَرُّكُمْ تُصْرَفُونَ.
رأيتك أخي الكريم ضبطت كلمة (ضركم) مرة بالفتح ومرة بالضم ، فما وجه ذلك عندكم بارك الله فيكم ؟
خاصة وقد جاء في تهذيب اللغة (11/ 314):قَالَ اللَّيْث: الضَّرّ والضُّرُّ: لُغَتَانِ، فَإِذا جمعت بَين الضَّر والنّفع فتحت الضَّاد، وَإِذا أفردتَ الضُّرّ ضَمَمْتَ الضَّاد إِذا لم تَجْعَلهُ مصدرا، كَقَوْلِك: ضَررت ضُرّاً. هَكَذَا يَسْتَعْمِلهُ الْعَرَب.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: الضُّرُّ: ضِدّ النَّفْع: والضُّر: الهُزَال وسُوء الْحَال، والضَّرَرُ: النُّقصان، تَقول: دخَل عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي مَاله.
قلت: وَهَكَذَا قَالَ أَهلُ اللُّغَة، وَقَالَ فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ} (يُونُس: 12) ، وَقَالَ: {كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ} (يُونُس: 12) . وكلّ مَا كَانَ من سُوء حالٍ وفقر، فِي بدنٍ، فَهُوَ ضُرٌّ، وَمَا كَانَ ضِدّاً للنّفع فَهُوَ ضَرٌّ.
 
أخي أسامة بارك الله فيك
أرسلت لكم رسالة على الخاص رجاء مراجعتها.
 
عودة
أعلى