د. جمال القرش
Member
تفسير سورة غافر من كتاب تيسير المنان مختصر جامع البيان .
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، ماكثين فيه أبدا، المتفرد بنعوت الجلال والإكرام والخلق والأمر فلا يشرك في حكمه أحدا.... والصلاة والسلام على رسولنا الكريم وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد
فقد امتن الله عز وجل
على أمة الإسلام بأفضل رسله وخير كتبه، فجعله خاتما لها، ومصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا، وجمع بين ثناياه العطرة ما اجتمع للأولين والآخرين.
وندب الشارع الحكيم إلى النظر في آياته وأحكامه، والتأمل في وجوه إعجازه وإحكامه، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) [ص: 29]، ولذا كانت علوم القرآن العظيم - ومنها علم التفسير- أكرم أصناف العلوم عند الله مكانة، وأوفرها فضلا
وقد تأملت في كتب التفاسير فوجدت كتاب الإمام العالم الجليل العلامة أبي جعفر، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير ابن غالب الطبري الموسوم بـ(جامع البيان في تأويل القرآن) من أجلها وأعظمها، وأكثرها فوائد وأقيمها، فهو صاحب التصانيف المشهورة، أبرز الأئمة الذين اعتنوا بالتفسير الإمام الجليل، المجتهد المطلق، إمام عصره، من أهل آمل طبرستان، وُلِدَ بها سنة 224 هـ ، ورحل من بلده في طلب العلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، وتوفي 310 هـ وطوَّف في الأقاليم، قال عنه ابن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير.
سُمِعَ بمصر والشام والعراق، ثم ألقى عصاه واستقر ببغداد، وبقي بها إلى أن مات سنة 310 هـ. [طبقات المفسرين للسيوطي، 83]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: تفسير محمد بن جرير الطبري أقرب التفاسير إلى الكتاب والسنة، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة وليس فيه بدعة ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير والكلبي اهـ (1)
وقد رغبت في انتقاء و اقتباس نفائس ودرر من هذا التفسير العظيم مع شيء من التصرف اليسير، وقد اسميته بـ [ تيسير المنان المنتقى من تفسير الإمام الطبري].
وكان من أبرز ما قمت به ما يلي:
أن يعفو عنا هو ولي ذلك والقادر عليه .
ولا يسعني إلا الشكر والتقدير لكل من ساهم في إخراج هذه العمل، وأخص بالذكر فضيلة الشيخ الفاضل المحقق/ أشرف على خلف وفقه الله.
أسأل الله - جل وعلا
- أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، ويرزقنا منه الثواب الأوفى، وأن يعيننا على استكماله على الوجه الذي يرضيه عنا، إنه مولانا القادر على ذلك نعم المولى ونعم النصير، رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحا ترضاه، وأصلح لي في ذرتي، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته ومن سار على سنته إلى يوم الدين.
وكتبه أفقر العباد
جمال بن إبراهيم القرش
سورة غافر
بسم الله الرحمن الرحيم
(1)- (2)- ( حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ ) في انتقامه من أعدائه ( الْعَلِيمِ ) يما يعملون من الأعمال وغيرها.
(3)- ( غَافِرِ الذَّنْبِ ) يغفر ذنوب العباد ( وَقَابِلِ التَّوْبِ ) التوبات ( شَدِيدِ الْعِقَابِ ) لمن عاقبه من أهل العصيان له، فلا تتكلوا عَلَى سعة رحمته، ولكن كونوا منه عَلَى حذر، باجتناب معاصيه، وأداء فرائضه ( ذِي الطَّوْلِ ) ذي الفضل والنعم المبسوطة عَلَى من شاء من خلقه ( لَا إِلَهَ ) يفعل ذَلِكَ ( إِلاَّ هُوَ ) لا معبود تصلح له العبادة إلا الله ( إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) إلى الله مصيركم ومرجعكم أيها الناس، فإياه فاعبدوا، فإنه لا ينفعكم شيء عبدتموه عند ذَلِكَ سواه.
(4)- ( مَا يُجَادِلُ ) يخاصم ( في آيَاتِ اللهِ ) في حجج الله وأدلته عَلَى وحدانيته بالإنكار لها ( إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ) جحدوا توحيده ( فَلاَ يَغْرُرْكَ ) فلا يخدعك يا محمد( تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ ) تصرفهم في البلاد وبقاؤهم ومكثهم فيها، مع كفرهم بربهم.
(5)- ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ) قبل قومك المكذبين لرسالتك إليهم ( قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ ) وهم الأمم الَّذِينَ تحزبوا وتجمعوا عَلَى رسلهم بالتكذيب لها، كعاد وثمود، وقوم لوط، وأصحاب مَدْيَن وأشباههم ( وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ ) من هذه الأمم المكذّبة رسلها، المتحزّبة عَلَى أنبيائها ( بِرَسُولِهِمْ الَّذِي أرسل إليهم ( لِيَأْخُذُوهُ ) فيقتلوه ( وَجَادَلُوا ) وخاصموا رسولهم ( بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ) ليبطلوا بجدالهم إياه وخصومتهم له ( الْحَقَّ ) الَّذِي جاءهم به من عند الله، من الدخول في طاعته، والإقرار بتوحيده، والبراءة من عبادة ما سواه، كما يخاصمك كفار قومك يا محمد بالباطل.
( فَأَخَذْتُهُمْ ) فأخذت الَّذِينَ هموا برسولهم ليأخذوه بالعذاب من عندي ( فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) عقابي إياهم، ألم أهلكهم فأجعلهم للخلق عبرة، ولمن بعدهم عظة؟ وأجعل ديارهم ومساكنهم منهم خلاء، وللوحوش ثواء.
(6)- ( وَكَذَلِكَ ) وكما حق عَلَى الأمم التي كذبت رسلها ( حَقَّتْ ) وجبت ( كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) من قومك، الَّذِينَ يجادلون في آيات الله ( أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ) وَكَذَلِكَ حقّ عليهم عذاب النار، الَّذِي وعد الله أهل الكفر به.
(7)- ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ) عرشَ اللهِ من ملائكتِه ( وَمَنْ حَوْلَهُ ) ومَن حَوْلَ عرشه، ممن يحفّ به من الملائكة ( يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) يصلون لربهم بحمده وشكره ( وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ) ويقرّون بالله أنه لا إله لهم سواه، ويشهدون بذلك، لا يستكبرون عن عبادته ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ) ويسألون ربهم أن يغفر للذين أقرّوا بمثل إقرارهم من توحيد الله، والبراءة من كلّ معبود سواه ذنوبهم، فيعفوها عنهم، يقولون ( رَبَّنَا ) يا ربنا ( وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا ) وسعت رحمتك وعلمك كل شيء من خلقك، فعلمت كل شيء، فلم يخف عليك شيء، ورحمت خلقك، ووسعتهم برحمتك ( فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ ) فاصفح عن جرم من تاب من الشرك بك من عبادك، فرجع إلى توحيدك ( واتبعوا سَبِيلَكَ ) وسلكوا الطريق الَّذِي أمرتهم أن يسلكوه، ولزموا المنهاج الَّذِي أمرتهم بلزومه، وذلك الدخول في الإسلام ( وَقِهِمْ ) واصرف عن الَّذِينَ تابوا من الشرك، واتبعوا سبيلك ( عَذَابَ الْجَحِيمِ ) يوم القيامة.
(8)- ( رَبَّنَا ) يا ربنا ( وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ) بساتين إقامة ( التي وَعَدْتَّهُمْ ) وعدت أهل الإنابة إلى طاعتك أن تدخلهموها ( وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ) فعمل بما يرضيك عنه من الأعمال الصالحة في الدنيا ( الْعَزِيزُ ) في انتقامه من أعدائه ( الْحَكِيمُ ) في تدبيره خلقه.
(9)- ( وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ) اصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم التي كانوا أتوها قبل توبتهم وإنابتهم ( وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ ) ومن تصرف عنه سوء عاقبة سيئاته بذلك ( يَوْمَئِذٍ ) يوم القيامة ( فَقَدْ رَحِمْتَهُ ) فنجيته من عذابك ( وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) لأنه من نجا من النار وأدخل الجنة فقد فاز، وذلك لا شك هو الفوز العظيم.
(10)- ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ) بالله ( يُنَادَوْنَ ) في النار يوم القيامة إذا دخلوها فمقتوا بدخولهموها أنفسهم حين عاينوا ما أعدّ الله لهم فيها من أنواع العذاب، فيقال لهم ( لَمَقْتُ اللهِ ) إياكم أيها القوم في الدنيا ( أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ) اليوم لما حل بكم من سخط الله عليكم ( إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ )
(11)- ( قَالُواْ ) الكفار في النار ( رَبَّنَآ ) يا ربنا ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم، فأحياهم الله في الدنيا، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ( وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) ثم أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما حياتان وموتتان( فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا ) فأقررنا بما عملنا من الذنوب في الدنيا ( فَهَلْ إلى خُرُوجٍ ) من النار ( مِّن سَبِيلٍ ) لنرجع إلى الدنيا، فنعمل غير الَّذِي كنا نعمل فيها.
(12)- ( ذَلِكُمْ ) هَذَا الَّذِي لكم من العذاب أيها الكافرون ( بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ) فأنكرتم أن تكون الألوهة له خالصة ( وَإِن يُشْرَكْ بِهِ ) وإن يُجْعَل لله شريك ( تُؤْمِنُواْ ) تصدّقوا من جعل ذَلِكَ له ( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ ) فالقضاء لله ( الْعَلِيِّ ) عَلَى كل شيء ( الْكَبِيرِ ) الَّذِي كل شيء دونه متصاغرا له اليوم.
(13)- ( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ أيها الناس ( آيَاتِهِ ) حججه وأدلته عَلَى وحدانيته وربوبيته ( وَيُنَزِّلُ لَكُم مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ) بإدرار الغيث الَّذِي يخرج به أقواتكم من الأرض، وغذاء أنعامكم عليكم ( وَمَا يَتَذَكَّرُ ) حجج الله التي جعلها أدلة عَلَى وحدانيته، فيعتبر بها ويتعظ، ويعلم حقيقة ما تدل عليه ( إِلاَّ مَن يُنِيبُ ) من يرجع إلى توحيده، ويقبل عَلَى طاعته.
(14)- ( فَادْعُوا اللَّهَ ) فاعبدوا الله أيها المؤمنون له ( مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) الطاعة، غير مشركين به شيئا مما دونه ( وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) المشركون في عبادتهم إياه الأوثان والأنداد.
(15)- هو ( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ ) السرير المحيط بما دونه ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ ) ينزل الوحي ( عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ) يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض، وهو يوم التلاق، وذلك يوم القيامة.
(16)- ( يَوْمَ هُم ) المنذرين الَّذِينَ أرسل الله إليهم رسله لينذروهم ( بَارِزُونَ ) ظاهرون للناظرين لا يحول بينهم وبينهم جبل ولا شجر، ولا يستر بعضهم عن بعض ساتر، ولكنهم بقاع صفصف لا أمت فيه ولا عوج ( لاَ يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ) ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) يقول الربّ: لمن السلطان اليوم؟ وذلك يوم القيامة، فيجيب نفسه فيقول ( لِلَّهِ الْوَاحِدِ ) الَّذِي لا مثل له ولا شبيه ( الْقَهَّارِ ) لكلّ شيء سواه بقدرته، الغالب بعزّته.
(17)- ( الْيَوْمَ ) يوم القيامة حين يبعث خلقه من قبورهم لموقف الحساب ( تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) يثاب كلّ عامل بعمله، فيوفى أجر عمله، فعامل الخير يجزى الخير، وعامل الشر يجزى جزاءه ( لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ ) لا بخس عَلَى أحد فيما استوجبه من أجر عمله في الدنيا، فينقص منه إن كان محسنا، ولا حُمِل عَلَى مسيء إثم ذنب لم يعمله فيعاقب عليه ( إِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَابِ ) ذو سرعة في محاسبة عباده يومئذ عَلَى أعمالهم التي عملوها في الدنيا.
(18)- - ( وَأَنذِرْهُمْ ) وأنذر يا محمد مشركي قومك، أن يوافوا الله فيه بأعمالهم الخبيثة، فيستحقوا من الله عقابه الأليم ( يَوْمَ الْآزِفَةِ ) يوم القيامة ( إِذِ الْقُلُوبُ ) قلوب العباد من مخافة عقاب الله ( لَدَى الْحَنَاجِرِ ) قد شخصت من صدورهم، فتعلقت بحلوقهم ( كَاظِمِينَ ) كاظميها، يرومون ردّها إلى مواضعها من صدورهم فلا ترجع، ولا هي تخرج من أبدانهم فيموتوا( مَا لِلظَّالِمِينَ ) للكافرين بالله يومئذ ( مِنْ حَمِيمٍ ) يحم لهم، فيدفع عنهم عظيم ما نزل بهم من عذاب الله ( وَلاَ شَفِيعٍ ) يشفع لهم عند ربهم ( يُطَاعُ )فيما شفع، ويُجاب فيما سأل.
(19)- ( يَعْلَمُ ) ربكم ( خَآئِنَةَ الأعين ) ما خانت أعين عباده ( وَمَا تُخْفِي الصدور ) وما أضمرته قلوبهم لا يخفى عليه شيء من أمورهم حتى ما يحدث به نفسه
(20)- ( واللهُ يَقْضِي ) في الَّذِي خانته الأعين بنظرها، وأخفته الصدور عند نظر العيون ( بِالْحَقِّ ) فيجزي الَّذِينَ أغمضوا أبصارَهم، وصرفوها عن محارمه بالحُسنى، وَالَّذِينَ ردّدوا النظر، وعزمت قلوبهم عَلَى مواقعة الفواحش إذا قدَرَتْ، جزاءَها.
( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ) والأوثان والآلهة التي يعبدها هؤلاء المشركون بالله من قومك ( لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ) لأنها لا تعلم شيئا، ولا تقدر عَلَى شيء ( إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ ) لما تنطق به ألسنتكم أيها الناس ( الْبَصِيرُ ) بما تفعلون من الأفعال، محيط بكل ذَلِكَ محصيه عليكم، ليجازي جميعكم جزاءه يوم الجزاء.
(21)- ( أَوَلَمْ يَسِيروُاْ ) هؤلاء المقيمون عَلَى شركهم بالله، المكذبون رسوله من قريش ( فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُواْ ) فيروا ( كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ) ما الَّذِي كان خاتمة أمم ( الَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ ) من الأمم الَّذِينَ سلكوا سبيلهم، في الكفر بالله، وتكذيب رسله ( كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) وبطشا ( وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ ) وأبقى في الأرض آثارا فلم تنفعهم شدة قواهم، وعظم أجسامهم، إذ جاءهم أمر الله ( فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ ) وأخذهم بما أجرموا من معاصيه، واكتسبوا من الآثام، ولكنه أباد جمعهم، وصارت مساكنهم خاوية منهم بما ظلموا ( وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللهِ ) من عذاب الله إذ جاءهم ( مِنْ وَاقٍ ) يقيهم، فيدفعه عنهم
(22)- ( ذَلِكَ ) هَذَا الَّذِي فعلت بهؤلاء الأمم الَّذِينَ من قبل مشركي قريش من إهلاكناهم بذنوبهم فعلنا بهم ( بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ) بالآيات الدالات عَلَى حقيقة ما تدعوهم إليه من توحيد الله، والانتهاء إلى طاعته ( فَكَفَرُواْ ) فأنكروا رسالتها، وجحدوا توحيد الله، وأَبَوْا أن يطيعوا الله ( فَأَخَذَهُمُ اللهُ ) بعذابه فأهلكهم ( إِنَّهُ قَوِيٌّ ) لا يقهره شيء، ولا يغلبه، ولا يعجزه شيء أراده ( شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لمن عاقب من خلقه
(23)- يقول -تعالى- مُسَلِّيا نبيه محمدًا × ، عما كان يلقى من مشركي قومه من قريش، بإعلامه ما لقي موسى ممن أرسل إليه من التكذيب ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا ) بأدلته ( وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ) وحججه المبينة لمن يراها أنها حجة محققة ما يدعو إليه موسى
(24) ( إلى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ ) لموسى هو ( سَاحِرٌ ) يسحر العصا، فيرى الناظر إليها أنها حية تسعى ( كَذَّابٌ ) يكذب عَلَى الله، ويزعم أنه أرسله إلى الناس رسولا.
(25)- ( فَلَمَّا جَآءَهُمْ ) موسى ( بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا ) بتوحيد الله، والعمل بطاعته، مع إقامة الحجة عليهم، بأن الله ابتعثه إليهم بالدعاء إلى ذَلِكَ ( قَالُواْ اقتلوا أَبْنَآءَ الَّذِينَ آمَنُواْ ) بالله ( مَعَهُ ) من بني إسرائيل ( وَاسْتَحْيُوا نِسَآءَهُمْ ) واستبقوا نساءهم للخدمة ( وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ ) وما احتيال أهل الكفر لأهل الإيمان بالله ( إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ) في جور عن سبيل الحقّ، وصدّ عن قصد المحجة، وأخذ عَلَى غير هدى.
(26)- ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ) لملئه ( ذروني أَقْتُلْ موسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ) الَّذِي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا ( إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ ) يغير دينكم الَّذِي أنتم عليه بسحره ( أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ ) أرضكم أرض مصر ( الْفَسَادَ ) عبادة ربه الَّذِي يدعوكم إلى عبادته وذلك كان عنده هو الفساد.
(27)- ( وَقَالَ موسى إِنِّي عُذْتُ ) استجرت أيها القوم ( بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ ) تكبر عن توحيده، والإقرار بألوهيته وطاعته ( لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ) يحاسب الله فيه خلقه، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بما أساء
(28)- ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) وهو ابن عم فرعون ( يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) يُسِرّ إيمانه من فرعون وقومه خوفا عَلَى نفسه ( أَتَقْتُلُونَ أيها القوم ( رَجُلًا ) موسى ( أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهً ) لأن يقول ربي الله؟ ( وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ) بالآيات الواضحات عَلَى حقيقة ما يقول من ذَلِكَ. وتلك البيّنات من الآيات يده وعصاه ( وَإِن يَكُ ) موسى ( كَاذِبًا ) في قيله: إن الله أرسله إليكم يأمركم بعبادته، وترك دينكم الَّذِي أنتم عليه ( فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ )فإنما إثم كذبه عليه دونكم ( وَإِن يَكُ صَادِقًا ) في قيله ذَلِكَ ( يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ) من العقوبة عَلَى مقامكم عَلَى الدين الَّذِي أنتم عليه مقيمون فلا حاجة بكم إلى قتله، فتزيدوا ربكم بذلك إلى سخطه عليكم بكفركم سخطا ( إِنَّ الله لاَ يَهْدِي ) لا يوفّق للحقّ ( مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ ) متعد إلى فعل ما ليس له فعله من الشرك والقتل ( كَذَّابٌ ) يقول عليه الباطل وغير الحقّ.
(29)- ( يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ ) السلطان ( اليوم ظَاهِرِينَ ) أنتم عَلَى بني إسرائيل ( فِي الْأَرْضِ ) أرض مصر ( فَمَن يَنصُرُنَا ) فمن يدفع عنا ( مِن بَأْسِ اللهِ إِن جَآءَنَا ) وسطوته إن حل بنا، وعقوبته ( قَالَ فِرْعَوْنُ ) مجيبا لهذا المؤمن الناهي عن قتل موسى ( مَآ أُرِيكُمْ ) أيها الناس من الرأي والنصيحة ( إِلاَّ مَآ أَرَى ) لنفسي ولكم صلاحا وصوابا ( وَمَآ أَهْدِيكُمْ ) أدعوكم ( إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ ) طريق الحق والصواب في أمر موسى وقتله، فإنكم إن لم تقتلوه بدل دينكم، وأظهر في أرضكم الفساد
(30)- ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ ) المؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه ( يَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ ) بقتلكم موسى إن قتلتموه ( مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ) الأحزاب الَّذِينَ تحزّبوا عَلَى رسل الله نوح وهود وصالح، فأهلكهم الله بتجرّئهم عليه، فيهلككم كما أهلكهم.
(31)- يفعل ذَلِكَ بكم فيهلككم ( مِثْلَ دَأْبِ ) سنته في ( قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ) وفعله بهم ( وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ) قوم إبراهيم، وقوم لوط، وهم أيضا من الأحزاب ( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ) لأنه لا يريد ظلم عباده، ولا يشاؤه، ولكنه أهلكهم بإجرامهم وكفرهم به، وخلافهم أمره.
(32)- ( وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ) يوم ينادي الناس بعضهم بعضا، من هول ما قد عاينوا من عظيم سلطان الله، وفظاعة ما غشيهم من كرب ذَلِكَ اليوم، ولتذكير بعضِهم بعضًا إنجازَ اللهِ إياهم الوعدَ الَّذِي وعدهم في الدنيا، واستغاثة من بعضهم ببعض، مما لقي من عظيم البلاء فيه.
(33)- ( يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ) هارِبينَ فِي الأرْضِ حِذَارَ عَذَابِ اللهِ وَعِقابِهِ عِنْدَ مُعَايَنَتِهم جَهَنَّمَ ( مَا لَكُمْ مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ ) مانع يمنعكم، وناصر ينصركم ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ ) يخذله الله فلم يوفّقه لرشده ( فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) موفّق يوفّقه له
(34)- ( وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ ) بن يعقوب يا قوم ( مِن قَبْلُ ) من قبل موسى ( بِالْبَيِّنَاتِ ) بالواضحات من حجج الله ( فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ ) فلم تزالوا مرتابين ( مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ ) فيما أتاكم به يوسف من عند ربكم غير موقني القلوب بحقيقته ( حَتَّى إِذَا هَلَكَ ) مات يوسف ( قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللهُ مِن بَعْدِهِ ) من بعد يوسف إليكم ( رَسُولًا ) بالدعاء إلى الحقّ ( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ ) يصد الله عن إصابة الحقّ وقصد السبيل ( مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ ) كافر به ( مُّرْتَابٌ ) شاكّ فى حقيقة أخبار رسله.
(35)- ( الَّذِينَ يُجَادِلُونَ ) يخاصمون ( في آيَاتِ اللهِ ) حججه التي أتتهم بها رسله ( بِغَيْرِ سُلْطَانٍ ) حجة ( أَتَاهُمْ ) أتتهم من عند ربهم يدفعون بها حقيقة الحُجَج التي أتتهم بها الرسل ( كَبُرَ ) ذَلِكَ الجدال الَّذِي يجادلونه في آيات الله ( مَقْتًا عِندَ اللهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُواْ ) بالله ( كَذَلِكَ ) كما طبع الله عَلَى قلوب المسرفين الَّذِينَ يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ( يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ ) عَلَى الله أن يوحده، ويصدّق رسله ( جَبَّارٍ ) متعظم عن اتباع الحقّ.
(36)- ( وَقَالَ فَرْعَوْنُ ) لوزيره وزير السوء هامان ( فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا ) بناء ( لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ) طرقا (37)- ( أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ ) طُرُق وأبواب ومنازل السموات ( فَأَطَّلِعَ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ) فيما يقول ويدّعي من أن له في السماء ربا أرسله إلينا ( وَكَذَلِكَ ) وهكذا ( زُيِّنَ ) زين الله ( لِفِرْعَوْنَ ) حين عتا عليه وتمرّد ( سُوءُ عَمَلِهِ ) قبيحَ عمله، حتى سوّلت له نفسه بلوغ أسباب السموات، ليطلع إلى إله موسى ( وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ) وأعرض فرعون عن سبيل الله التي ابتُعث بها موسى استكبارا ( وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ ) وما احتيال فرعون الَّذِي يحتال للاطلاع إلى إله موسى ( إِلاَّ فِي تَبَابٍ ) في خسار وذهاب مال وغبن، لأنه ذهبت نفقته التي أنفقها عَلَى الصرح باطلا ولم ينل بما أنفق شيئا مما أراده
(38)- ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ ) من قوم فرعون لقومه ( يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ ) إن اتبعتموني فقبلتم مني ما أقول لكم ( أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ) بينت لكم طريق الصواب الَّذِي ترشدون إذا أخذتم فيه وسلكتموه وذلك هو دين الله الَّذِي ابتعث به موسى
(39)- ( ياقوم إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) العاجلة التي عجلت لكم في هذه الدار ( مَتَاعٌ ) تستمتعون بها إلى أجل أنتم بالغوه، ثم تموتون وتزول عنكم ( وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ) التي تستقرّون فيها فلا تموتون ولا تزول عنكم فلها فاعملوا، وإياها فاطلبوا.
(40)- ( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً ) معصية الله في هذه الحياة الدنيا ( فَلاَ يُجْزَى ) فلا يجزيه الله في الآخرة ( إِلاَّ ) سيئة ( مِثْلَهَا ) وذلك أن يعاقبه بها ( وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا ) طاعة الله فى الدنيا، وائتمر لأمره، وانتهى فيها عما نهاه عنه ( مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ) رجل أو امرأة ( وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) بالله ( فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ) في الآخرة ( يُرْزَقُونَ فِيهَا ) من ثمارها، وما فيها من نعيمها ولذاتها ( بِغَيْرِ حِسَابٍ ) بلا مكيال ولا ميزان.
(41)- ( وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ ) من عذاب الله وعقوبته بالإيمان به، واتباع رسوله موسى وتصديقه فيما جاءكم به من عند ربه ( وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ) إلى عمل أهل النار.
(42)- ( تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بالله وَأُشْرِكَ بِهِ ) وأشرك بالله في عبادته أوثانا ( مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ) لست أعلم أنه يصلح لي عبادتها وإشراكها فى عبادة الله، لأن الله لم يأذن لي في ذَلِكَ بخبر ولا عقل ( وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ) عبادة ( الْعَزِيزِ ) في انتقامه ممن كفر به، الَّذِي لا يمنعه إذا انتقم من عدوّ له شيء ( الْغَفَّارِ ) لمن تاب إليه بعد معصيته إياه، لعفوه عنه، فلا يضرّه شيء مع عفوه عنه
(43)- ( لاَ جَرَمَ ) حقا ( أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) من الأوثان ( لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ ) دعاء ( فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الْآخِرَةِ ) لأنه جماد لا ينطق، ولا يفهم شيئا ( وَأَنَّ مَرَدَّنَآ ) مرجعنا ومنقلبنا ( إِلَى اللهِ ) بعد مماتنا ( وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ ) المشركين بالله المتعدّين حدوده، القتلة النفوس التي حرم الله قتلها ( هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ) نار جهنم عند مرجعنا إلى الله.
(44)- ( فَسَتَذْكُرُونَ ) أيها القوم إذا عاينتم عقاب الله قد حل بكم، ولقيتم ما لقيتموه صدق ( مَآ أَقُولُ لَكُمْ ) وحقيقة ما أخبركم به من أن المسرفين هم أصحاب النار ( وَأُفَوِّضُ ) وأسلم ( أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ) وأجعله إليه وأتوكل عليه، فإنه الكافي من توكل عليه ( إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) عالم بأمور عباده، ومن المطيع منهم، والعاصي له، والمستحق جميل الثواب، والمستوجب سيئ العقاب.
(45)- ( فَوَقَاهُ اللَّهُ ) فدفع الله عن هَذَا المؤمن من آل فرعون بإيمانه وتصديق رسوله موسى ( سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ ) مكروه ما كان فرعون ينال به أهل الخلاف عليه من العذاب والبلاء، فنجاه منه ( وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ ) وحل ووجب عليهم ( سُوءُ الْعَذَابِ ) ما ساءهم من عذاب الله، وذلك نار جهنم .
(46)- ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا ) لما هلكوا وغرَّقهم اللهُ، جعلت أرواحهم في أجواف طير سود، فهي تعرض عَلَى النار كلّ يوم مرتين ( غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) إلى أن تقوم الساعة ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ) يقول الله لملائكته ( أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )
(47)- ( وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ ) يتخاصم الَّذِينَ أمر رسول الله × بإنذارهم من مشركي قومه ( فِي النَّارِ ) القادة والسفلة ( فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ ) منهم وهم المتبعون عَلَى الشرك بالله ( لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ) لرؤسائهم الَّذِينَ اتبعوهم عَلَى الضلالة ( إِنَّا كُنَّا لَكُمْ ) في الدنيا ( تَبَعًا ) عَلَى الكفر بالله ( فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ ) اليوم ( عَنَّا نَصِيبًا ) حظا ( مِّنَ النَّارِ ) تخففونه عنا؟.
(48)- ( قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ) وهم الرؤساء المتبوعون عَلَى الضلالة في الدنيا ( إِنَّا كُلٌّ ) إنا أيها القوم وأنتم كلنا مخلدون ( فِيهَآ ) في هذه النار ( إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ) بفصل قضائه، فأسكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فلا نحن مما نحن فيه من البلاء خارجون، ولا هم مما فيه من النعيم منتقلون
(49)- ( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ ) لخزنتها وقوّامها، استغاثة بهم من عظيم ما هم فيه من البلاء، ورجاء أن يجدوا من عندهم فرجا ( لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ) لخزنتها وقُوّامها ( ادْعُوا رَبَّكُمْ ) لنا ( يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا ) قدر يوم واحد من أيام الدنيا ( مِّنَ الْعَذَابِ ) الَّذِي نحن فيه.
(50)- ( قَالُوا ) خزنة جهنم لهم ( أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ ) في الدنيا ( رُسُلُكُمْ بالبينات ) الحجج عَلَى توحيد الله، فتوحدوه وتؤمنوا به، وتتبرّءوا مما دونه من الآلهة؟ ( قَالُواْ بَلَى ) قد أتتنا رسلنا بذلك ( قَالُواْ ) الخزنةُ لهم ( فَادْعُوا ) إذن ربكم الَّذِي أتتكم الرسل بالدعاء إلى الإيمان به ( وَمَا دُعَاءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ) لأنه دعاء لا ينفعهم، ولا يستجاب لهم
(51)- ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) إما بإعلائنا إياهم عَلَى من كذّبنا وإظفارنا بهم، حتى يقهروهم غلبة، ويذلوهم بالظفر ذلة، أو بانتقامنا في الحياة الدنيا من مكذّبيهم بعد وفاة رسولنا من بعد مهلكهم ( وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) من الملائكة والأنبياء والمؤمنين عَلَى الأمم المكذبة رسلها بالشهادة بأن الرسل قد بلغتهم رسالات ربهم، وأن الأمم كذّبتهم.
(52)- ( يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ ) أهل الشرك ( مَعْذِرَتُهُمْ ) اعتذارهم لأنهم لا يعتذرون -إن اعتذروا- إلا بباطل فلا حجة لهم في الآخرة إلا الاعتصام بالكذب ( وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ ) البعد من رحمة الله ( وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) شرّ ما في الدار الآخرة، وهو العذاب الأليم.
(53)- ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى ) البيان للحقّ الَّذِي بعثناه به ( وَأَوْرَثْنَا بني إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ) التوراة، فعلَّمناهموها.
(54)- ( هُدًى ) بيانا لأمر دينهم، وما ألزمناهم من فرائضها ( وَذِكْرَى ) وتذكيرا منا ( لأُوْلِي الْأَلْبَابِ ) لأهل الحجا والعقول منهم بها
(55)- ( فَاصْبِرْ ) يا محمد لأمر ربك، وبلِّغ قومك ومن أمرت بإبلاغه ما أنزل إليك ( إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ) لا خلف له وهو منجز له ( واستغفر لِذَنبِكَ ) وسله غفران ذنوبك وعفوه لك عنه ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وصلّ بالشكر منك لربك ( بِالْعَشِيِّ ) وذلك من زوال الشمس إلى الليل ( وَالْإِبْكَارِ ) وذلك من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس.
(56)- ( إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ ) يخاصمونك يا محمد ( في آيَاتِ اللَّهِ ) فيما أتيتهم به من عند ربك من الآيات ( بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ) بغير حجة جاءتهم من عند الله بمخاصمتك فيها ( إِنْ فِي صُدُورِهِمْ ) ما في صدورهم ( إِلاَّ كِبْرٌ ) يتكبرون من أجله عن اتباعك، وقبول الحق الَّذِي أتيتهم به حسدا منهم عَلَى الفضل الَّذِي آتاك الله، والكرامة التي أكرمك بها من النبوّة ( مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ) الَّذِي حسدوك عليه أمر ليسوا بِمُدركيه ولا نائليه، لأن ذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يشاء ( فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ) فاستجر بالله يا محمد من شرّ هؤلاء ( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ) لما يقول هؤلاء المجادلون في آيات الله وغيرهم من قول ( الْبَصِيرُ ) بما تعمله جوارحهم، لا يخفى عليه شيء من ذَلِكَ.
(57)- ( لَخَلْقُ ) لابتداع ( السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) وإنشاؤها من غير شيء ( أَكْبَرُ ) أعظم ( مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) وإنشائهم من غير شيء ( ولكن أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) أن خلق جميع ذَلِكَ هين عَلَى الله.
(58)- ( وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى ) وهو مثل الكافر الَّذِي لا يتأمل حجج الله بعينيه، فيتدبرها ويعتبر بها ( وَالْبَصِيرُ ) وذلك مئل للمؤمن الَّذِي يرى بعينيه حجج الله، فيتفكَّر فيها ويتعظ ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) بالله ورسوله ( وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ) المطيعون لربهم ( وَلاَ الْمُسِيءُ ) وهو الكافر بربه، العاصي له، المخالف أمره ( قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ ) فتعتبرون وتتعظون
(59)- ( إِنَّ السَّاعَةَ ) التي يحيي الله فيها الموتى للثواب والعقاب ( لآتِيَةٌ ) لجائية أيها الناس ( لاَّ رَيْبَ فِيهَا ) لا شكّ في مجيئها ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ ) قريش ( لاَ يُؤْمِنُونَ ) لا يصدّقون بمجيئها.
(60)- ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ) أيها الناس ( ادْعُونِي ) اعبدوني وأخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دوني من الأوثان والأصنام وغير ذَلِكَ ( أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) أُجِبْ دعاءكم فأعفو عنكم وأرحمكم ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ ) يتعظمون ( عَنْ عِبَادَتِي ) عن إفرادي بالعبادة، وإفراد الألوهة لي ( سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) صاغرين.
(61)- ( اللهُ ) الَّذِي لا تصلح الألوهة إلا له، ولا تنبغي العبادة لغيره ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ) أيها الناس ( اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ ) فتهدءوا من التصرّف والاضطراب للمعاش، والأسباب التي كنتم تتصرفون فيها في نهاركم ( وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ) من اضطرب [تحرك وسعى] فيه لمعاشه، وطلب حاجاته، نعمة منه بذلك عليكم ( إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ) متفضل عليكم أيها الناس بما لا كفء له من الفضل ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ) بالطاعة له، وإخلاص الألوهة والعبادة له، ولا يد تقدمت له عنده استوجب بها منه الشكر عليها.
(62)- ( ذَلِكُمُ ) الَّذِي فعل هذه الأفعال، وأنعم عليكم هذه النعم أيها الناس ( اللهُ رَبُّكُمْ ) مالككم ومصلح أموركم وهو خالقكم و( خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ) لا معبود تصلح له العبادة غيره ( فأنى تُؤْفَكُونَ ) فأي وجه تأخذون، وإلى أين تذهبون عنه، فتعبدون سواه؟.
(63)- ( كَذَلِكَ ) كذهابكم عنه أيها القوم، وانصرافكم عن الحقّ إلى الباطل، والرشد إلى الضلال ( يُؤْفَكُ ) ذهب عنه بآيات الله ( الَّذِينَ كَانُواْ ) من قبلكم من الأمم ( بِآيَاتِ اللهِ ) بحجج الله وأدلته ( يَجْحَدُونَ ) يكذّبون فلا يؤمنون.
(64)- ( اللهُ ) الَّذِي له الألوهة خالصة أيها الناس ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ) التي أنتم عَلَى ظهرها سكان ( قَرَارًا ) تستقرون عليها، وتسكنون فوقها ( وَالسَّمَاءَ بِنَآءً ) بناها فرفعها فوقكم بغير عمد ترونها لمصالحكم، وقوام دنياكم إلى بلوغ آجالكم ( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) وخلقكم فأحسن خلقكم ( وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ) حلال الرزق، ولذيذات المطاعم والمشارب ( ذَلِكُمُ ) فالذي فعل هذه الأفعال، وأنعم عليكم أيها الناس هذه النعم، هو ( اللهُ ) الَّذِي لا تنبغي الألوهة إلا له ( رَبُّكُمْ ) الَّذِي لا تصلح الربوبية لغيره، لا الَّذِي لا ينفع ولا يضر، ولا يخلق ولا يرزق ( فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العالمين ) مالك جميع الخلق جنهم وإنسهم، وسائر أجناس الخلق غيرهم
(65)- ( هُوَ الْحَيُّ ) الَّذِي لا يموت، الدائم الحياة، وكل شيء سواه فمنقطع الحياة غير دائمها ( لَا إِلَهَ ) لا معبود بحق تجوز عبادته، وتصلح الألوهة له ( إِلاَّ هُوَ ) الله الَّذِي هذه الصفات صفاته ( فَادْعُوهُ ) أيها الناس ( مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) مخلصين له الطاعة، مفردين له الألوهة، لا تشركوا في عبادته شيئا سواه، من وثن وصنم، ولا تجعلوا له ندا ولا عدلا ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) الشكر لله ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) مالك جميع أجناس الخلق، من ملك وجن وإنس وغيرهم، لا للآلهة والأوثان التي لا تملك شيئا، ولا تقدر عَلَى ضرّ ولا نفع
(66)- ( قُلْ ) يا محمد لمشركي قومك من قريش ( إِنِّي نُهِيتُ ) أيها القوم ( أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ ) من الآلهة والأوثان ( لَمَّا جَآءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ ) الآيات الواضحات ( مِن رَّبِّي ) وذلك آيات كتاب الله الَّذِي أنزله ( وَأُمِرْتُ ) وأمرني ربي ( أَنْ أُسْلِمَ ) أن أذلّ ( لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) لربّ كلّ شيء، ومالك كلّ خلق بالخضوع، وأخضع له بالطاعة دون غيره من الأشياء
(67)- ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) خلق أباكم آدم ( مِّن تُرَابٍ ثُمَّ ) خلقكم ( مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ) بعد أن كنتم نطفا ( ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ) من بطون أمهاتكم صغارا ( ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) فتتكامل قواكم، ويتناهى شبابكم، وتمام خلقكم شيوخا ( ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخًا ) ويتناهى شبابُكم، وتمام خلقكم شيوخا ( وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ ) أن يبلغ الشيخوخة ( وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى ) ميقاتا مؤقتا لحياتكم، وأجلا محدودا لا تجاوزونه، ولا تتقدمون قبله ( وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) وكي تعقلوا حجج الله عليكم بذلك، وتتدبروا آياته فتعرفوا بها أنه لا إله غيره فعل ذَلِكَ.
(68)- ( هُوَ الَّذِي يُحْيِي ) من يشاء بعد مماته ( وَيُمِيتُ ) من يشاء من الأحياء بعد حياته ( فَإِذَا قَضَى أَمْرًا ) من الأمور التي يريد تكوينها ( فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ ) ما أراد تكوينه موجودا بغير معاناة، ولا كلفة مؤنة.
(69)- ( أَلَمْ تَرَ ) يا محمد هؤلاء المشركين من قومك ( إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ في آيَاتِ اللهِ ) يخاصمونك في حجج الله وآياته ( أَنَّى يُصْرَفُونَ ) أيّ وجه يصرفون عن الحق، ويعدلون عن الرشد.
(70)- ( الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِالْكِتَابِ ) وهو هَذَا القرآن ( وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا ) وكذّبوا أيضا مع تكذيبهم بكتاب الله بما أرسلنا به رسلنا من إخلاص العبادة لله، والبراءة مما يعبد دونه من الآلهة والأنداد، والإقرار بالبعث بعد الممات للثواب والعقاب ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) فسوف يعلم هؤلاء الَّذِينَ يجادلون في آيات الله، المكذبون بالكتاب حقيقة ما تخبرهم به يا محمد، وهذا تهديد من الله المشركين به.
(71)- ( إِذِ ) حين تُجْعَلُ ( الأغلالُ في أَعْنَاقِهِمْ ) في جهنم ( وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ) يسحب [زبانيةُ العذاب يوم القيامة] هؤلاء الَّذِينَ كذّبوا في الدنيا بالكتاب.
(72)- - ( فِي الْحَمِيمِ ) وهو ما قد انتهى حَرُّه، وبلغ غايته ( ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) يحرقون في نار جهنم وتوقد بهم
(73)- ( ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ ) بعبادتكم إياها
(74)- ( مِن دُونِ اللهِ ) من آلهتكم وأوثانكم حتى يغيثوكم فينقذوكم مما أنتم فيه من البلاء والعذاب؟ ( قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا ) عدلوا عنا، فأخذوا غير طريقنا، وتركونا في هَذَا البلاء، بل ما ضلوا عنا ( بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئًا ) في الدنيا ( كَذَلِكَ ) كما أضل هؤلاء الَّذِينَ ضل عنهم في جهنم ما كانوا يعبدون ( يُضِلُّ اللهُ الْكَافِرِينَ ) به عنه، وعن رحمته وعبادته، فلا يرحمهم فينجيهم من النار، ولا يغيثهم فيخفف عنهم ما هم فيه من البلاء.
(75)- ( ذَلِكُمُ ) العذاب الَّذِي أنتم فيه ( بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ ) بفرحكم الَّذِي كنتم تفرحونه ( فِي الْأَرْضِ ) في الدنيا ( بِغَيْرِ الْحَقِّ ) بغير ما أذن لكم به من الباطل والمعاصي ( وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ) وبمرحكم فيها، وهو الأشر والبطر .
(76)- ( ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ) جهنم السبعة من كل باب منها جزء مقسوم منكم ( خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ) منزل ( الْمُتَكَبِّرِينَ ) في الدنيا عَلَى الله أن يوحدوه، ويؤمنوا برسله اليوم جهنم.
(77)- ( فَاصْبِرْ ) يا محمد عَلَى ما يجادلك به هؤلاء المشركون في آيات الله التي أنزلناها عليك، وعلى تكذيبهم إياك ( إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ) فإن الله منجِز لك فيهم ما وعدك من الظفر عليهم، والعلو عليهم، وإحلال العقاب بهم ( فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ ) يا محمد في حياتك ( بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ) من العذاب والنقمة أن يحل بهم ( أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ) قبل أن يَحِلَّ ذَلِكَ بهم ( فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ) فإلينا مصيرك ومصيرهم، فنحكم عند ذَلِكَ بينك وبينهم بالحقّ بتخليدهم في النار، وإكرامك بجوارنا في جنات النعيم.
(78)- ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا ) يا محمد ( رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ ) إلى أممها ( مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ ) نبأهم ( وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) نبأهم ( وَمَا كَانَ ) وما جعلنا ( لِرَسُولٍ ) ممن أرسلناه من قبلك الَّذِينَ قصصناهم عليك، وَالَّذِينَ لم نقصصهم عليك إلى أممها ( أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ ) فاصلة بينه وبينهم ( إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ) إلا أن نأذن له به ( فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ الله قُضِيَ بالحق ) بالعدل، وهو أن ينجي رسله وَالَّذِينَ آمنوا معهم ( وَخَسِرَ ) وهلك ( هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ) الَّذِينَ أبطلوا في قيلهم الكذب، وافترائهم عَلَى الله وادعائهم له شريكا.
(79)- ( اللهُ ) الَّذِي لا تصلح الألوهة إلا له أيها المشركون به من قريش ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ ) من الإبل والبقر والغنم والخيل، وغير ذَلِكَ من البهائم التي يقتنيها أهل الإسلام لمركب أو لمطعم ( لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا ) الخيل والحمير ( وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) الإبل والبقر والغنم
(80)- ( وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ) من جلودها وأصوافها وأوبارها وأشعارها ( وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا ) بالحمولة عَلَى بعضها، وذلك الإبل ( حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ ) لم تكونوا بالغيها لولا هي، إلا بشق أنفسكم ( وَعَلَيْهَا ) وعلى هذه الإبل، وما جانسها من الأنعام المركوبة ( وَعَلَى الفلك ) السفن ( تُحْمَلُونَ ) نحملكم عَلَى هذه في البر، وعلى هذه في البحر
(81)- ( وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ) ويريكم حججه ( فَأَيَّ آيَاتِ اللهِ ) فأي حجج الله التي يريكم أيها الناس في السماء والأرض ( تُنكِرُونَ ) صحتها، فتكذبون من أجل فسادها بتوحيد الله، وتدعون من دونه إلها؟
(82)- ( أَفَلَمْ يَسِيرُواْ ) يا محمد هؤلاء المجادلون في آيات الله من مشركي قومك في البلاد، فإنهم أهل سفر إلى الشأم واليمن، رحلتهم في الشتاء والصيف ( فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُواْ ) ويتفكروا ( كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ) جزاء ( الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) فيما وطئوا من البلاد إلى وقائعنا بمن أوقعنا به من الأمم قبلهم، ويروا ما أحللنا بهم من بأسنا بتكذيبهم رسلنا، وجحودهم آياتنا، كيف كان عقبى تكذيبهم ( كانوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ ) من قريش أكثر عددا من هؤلاء ( وَأَشَدَّ قُوَّةً ) وأشد بطشا ( وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ ) وأبقى في الأرض آثارا، لأنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتا ويتخذون مصانع ( فَمَآ أغنى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) لم يغن عنهم ما كانوا يعملون من البيوت في الجبال، ولم يدفع عنهم ذَلِكَ شيئا
(83)- ( فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ ) فلما جاءت هؤلاء الأمم الَّذِينَ من قبل قريش المكذّبة رسلها رُسُلُهُمْ ( رُسُلُهُم ) الَّذِينَ أرسلهم الله إليهم ( بالبينات ) بالواضحات من حجج الله عزّ وجلّ ( فَرِحُواْ ) جهلا منهم ( بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم ) وقَالُوا: لن نُبْعَثَ، ولن يُعذّبنا الله ( وَحَاقَ بِهِم ) من عذاب الله ( مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) يستعجلون رسلهم به استهزاء وسخرية.
(84)- ( فَلَمَّا رَأَوْاْ ) فلما رأت هذه الأمم المكذّبة رسلها ( بَأْسَنَا ) عقاب الله الَّذِي وعدتهم به رسلُهم قد حلّ بهم ( قَالُوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ ) أقررنا بتوحيد الله، وصدقنا أنه لا إله غيره ( وَكَفَرْنَا بِمَا ) وجحدنا الآلهة التي ( كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ) كنا قبل وقتنا هَذَا نشركها في عبادتنا الله ونعبدها معه، ونتخذها آلهة، فبرئنا منها.
(85)- ( فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ ) تصديقهم في الدنيا بتوحيد الله ( لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ) عند معاينة عقابه قد نزل، وعذابه قد حل، لأنهم صدقوا حين لا ينفع التصديق ( سُنَّتَ اللهِ ) كَذَلِكَ كانت سنة الله ( التي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ) من قبل إذا عاينوا عذاب الله لم ينفعهم إيمانهم عند ذَلِكَ ( وَخَسِرَ هُنَالِكَ ) وهلك عند مجيء بأس الله ( الْكَافِرُونَ ) بربهم الجاحدون توحيد خالقهم، المتخذون من دونه آلهة يعبدونهم من دون بارئهم.
(1) مقدمة في التفسير : ص : (68) .
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الإعمال
برنامج مع القرآن
٦٨ سورة غافر ج١
https://youtu.be/g0ZWWS6nizw
٦٩ سورة غافر ج٢
https://youtu.be/A3pGMn-qxpA
رابط على الفيس
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=10226329543564752&id=1226 774898
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، ماكثين فيه أبدا، المتفرد بنعوت الجلال والإكرام والخلق والأمر فلا يشرك في حكمه أحدا.... والصلاة والسلام على رسولنا الكريم وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد
فقد امتن الله عز وجل
وندب الشارع الحكيم إلى النظر في آياته وأحكامه، والتأمل في وجوه إعجازه وإحكامه، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) [ص: 29]، ولذا كانت علوم القرآن العظيم - ومنها علم التفسير- أكرم أصناف العلوم عند الله مكانة، وأوفرها فضلا
وقد تأملت في كتب التفاسير فوجدت كتاب الإمام العالم الجليل العلامة أبي جعفر، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير ابن غالب الطبري الموسوم بـ(جامع البيان في تأويل القرآن) من أجلها وأعظمها، وأكثرها فوائد وأقيمها، فهو صاحب التصانيف المشهورة، أبرز الأئمة الذين اعتنوا بالتفسير الإمام الجليل، المجتهد المطلق، إمام عصره، من أهل آمل طبرستان، وُلِدَ بها سنة 224 هـ ، ورحل من بلده في طلب العلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، وتوفي 310 هـ وطوَّف في الأقاليم، قال عنه ابن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير.
سُمِعَ بمصر والشام والعراق، ثم ألقى عصاه واستقر ببغداد، وبقي بها إلى أن مات سنة 310 هـ. [طبقات المفسرين للسيوطي، 83]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: تفسير محمد بن جرير الطبري أقرب التفاسير إلى الكتاب والسنة، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة وليس فيه بدعة ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير والكلبي اهـ (1)
وقد رغبت في انتقاء و اقتباس نفائس ودرر من هذا التفسير العظيم مع شيء من التصرف اليسير، وقد اسميته بـ [ تيسير المنان المنتقى من تفسير الإمام الطبري].
وكان من أبرز ما قمت به ما يلي:
- حذف الروايات المسندة، والشواهد اللغوية، والقراءات وتوجيهها.
- تقسيم الآية إلى مقاطع ليسهل فهمها:
- حذف التكرار ما أمكن:
- قد تفسير بعض الآيات التي فسرها في موضع سابق.
- يوضع الكلام الزائد في الغالب، بين قويسين [] كتوضيح بعض المفردات
- فصل الضمير المتصل عن عامله في بعض أحواله لتيسير فهمه على القارئ
- التقديم والتأخير في بعض الأحوال لتوضيح المعنى.
- حذف الخلافات، واعتماد ما رجحه الطبري في الغالب.
- تقسيم السورة إلى وحدات ومقاطع بحسب الوحدة الموضوعية للآيات
- لم يثبت شيء بشأن الحروف المقطعة أوائل السور ك(الم) و(كهيعص) ، و(يس) و(ن) والقول لدينا أنها إشارة إلى إعجاز القرآن; فقد وقع به تحدي المشركين, فعجزوا عن معارضته, وهو مركَّب من هذه الحروف التي تتكون منها لغة العرب
ولا يسعني إلا الشكر والتقدير لكل من ساهم في إخراج هذه العمل، وأخص بالذكر فضيلة الشيخ الفاضل المحقق/ أشرف على خلف وفقه الله.
أسأل الله - جل وعلا
وكتبه أفقر العباد
جمال بن إبراهيم القرش
سورة غافر
بسم الله الرحمن الرحيم
(1)- (2)- ( حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ ) في انتقامه من أعدائه ( الْعَلِيمِ ) يما يعملون من الأعمال وغيرها.
(3)- ( غَافِرِ الذَّنْبِ ) يغفر ذنوب العباد ( وَقَابِلِ التَّوْبِ ) التوبات ( شَدِيدِ الْعِقَابِ ) لمن عاقبه من أهل العصيان له، فلا تتكلوا عَلَى سعة رحمته، ولكن كونوا منه عَلَى حذر، باجتناب معاصيه، وأداء فرائضه ( ذِي الطَّوْلِ ) ذي الفضل والنعم المبسوطة عَلَى من شاء من خلقه ( لَا إِلَهَ ) يفعل ذَلِكَ ( إِلاَّ هُوَ ) لا معبود تصلح له العبادة إلا الله ( إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) إلى الله مصيركم ومرجعكم أيها الناس، فإياه فاعبدوا، فإنه لا ينفعكم شيء عبدتموه عند ذَلِكَ سواه.
(4)- ( مَا يُجَادِلُ ) يخاصم ( في آيَاتِ اللهِ ) في حجج الله وأدلته عَلَى وحدانيته بالإنكار لها ( إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ) جحدوا توحيده ( فَلاَ يَغْرُرْكَ ) فلا يخدعك يا محمد( تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ ) تصرفهم في البلاد وبقاؤهم ومكثهم فيها، مع كفرهم بربهم.
(5)- ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ) قبل قومك المكذبين لرسالتك إليهم ( قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ ) وهم الأمم الَّذِينَ تحزبوا وتجمعوا عَلَى رسلهم بالتكذيب لها، كعاد وثمود، وقوم لوط، وأصحاب مَدْيَن وأشباههم ( وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ ) من هذه الأمم المكذّبة رسلها، المتحزّبة عَلَى أنبيائها ( بِرَسُولِهِمْ الَّذِي أرسل إليهم ( لِيَأْخُذُوهُ ) فيقتلوه ( وَجَادَلُوا ) وخاصموا رسولهم ( بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ) ليبطلوا بجدالهم إياه وخصومتهم له ( الْحَقَّ ) الَّذِي جاءهم به من عند الله، من الدخول في طاعته، والإقرار بتوحيده، والبراءة من عبادة ما سواه، كما يخاصمك كفار قومك يا محمد بالباطل.
( فَأَخَذْتُهُمْ ) فأخذت الَّذِينَ هموا برسولهم ليأخذوه بالعذاب من عندي ( فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) عقابي إياهم، ألم أهلكهم فأجعلهم للخلق عبرة، ولمن بعدهم عظة؟ وأجعل ديارهم ومساكنهم منهم خلاء، وللوحوش ثواء.
(6)- ( وَكَذَلِكَ ) وكما حق عَلَى الأمم التي كذبت رسلها ( حَقَّتْ ) وجبت ( كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) من قومك، الَّذِينَ يجادلون في آيات الله ( أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ) وَكَذَلِكَ حقّ عليهم عذاب النار، الَّذِي وعد الله أهل الكفر به.
(7)- ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ) عرشَ اللهِ من ملائكتِه ( وَمَنْ حَوْلَهُ ) ومَن حَوْلَ عرشه، ممن يحفّ به من الملائكة ( يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) يصلون لربهم بحمده وشكره ( وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ) ويقرّون بالله أنه لا إله لهم سواه، ويشهدون بذلك، لا يستكبرون عن عبادته ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ) ويسألون ربهم أن يغفر للذين أقرّوا بمثل إقرارهم من توحيد الله، والبراءة من كلّ معبود سواه ذنوبهم، فيعفوها عنهم، يقولون ( رَبَّنَا ) يا ربنا ( وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا ) وسعت رحمتك وعلمك كل شيء من خلقك، فعلمت كل شيء، فلم يخف عليك شيء، ورحمت خلقك، ووسعتهم برحمتك ( فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ ) فاصفح عن جرم من تاب من الشرك بك من عبادك، فرجع إلى توحيدك ( واتبعوا سَبِيلَكَ ) وسلكوا الطريق الَّذِي أمرتهم أن يسلكوه، ولزموا المنهاج الَّذِي أمرتهم بلزومه، وذلك الدخول في الإسلام ( وَقِهِمْ ) واصرف عن الَّذِينَ تابوا من الشرك، واتبعوا سبيلك ( عَذَابَ الْجَحِيمِ ) يوم القيامة.
(8)- ( رَبَّنَا ) يا ربنا ( وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ) بساتين إقامة ( التي وَعَدْتَّهُمْ ) وعدت أهل الإنابة إلى طاعتك أن تدخلهموها ( وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ) فعمل بما يرضيك عنه من الأعمال الصالحة في الدنيا ( الْعَزِيزُ ) في انتقامه من أعدائه ( الْحَكِيمُ ) في تدبيره خلقه.
(9)- ( وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ) اصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم التي كانوا أتوها قبل توبتهم وإنابتهم ( وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ ) ومن تصرف عنه سوء عاقبة سيئاته بذلك ( يَوْمَئِذٍ ) يوم القيامة ( فَقَدْ رَحِمْتَهُ ) فنجيته من عذابك ( وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) لأنه من نجا من النار وأدخل الجنة فقد فاز، وذلك لا شك هو الفوز العظيم.
(10)- ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ) بالله ( يُنَادَوْنَ ) في النار يوم القيامة إذا دخلوها فمقتوا بدخولهموها أنفسهم حين عاينوا ما أعدّ الله لهم فيها من أنواع العذاب، فيقال لهم ( لَمَقْتُ اللهِ ) إياكم أيها القوم في الدنيا ( أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ) اليوم لما حل بكم من سخط الله عليكم ( إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ )
(11)- ( قَالُواْ ) الكفار في النار ( رَبَّنَآ ) يا ربنا ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم، فأحياهم الله في الدنيا، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ( وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) ثم أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما حياتان وموتتان( فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا ) فأقررنا بما عملنا من الذنوب في الدنيا ( فَهَلْ إلى خُرُوجٍ ) من النار ( مِّن سَبِيلٍ ) لنرجع إلى الدنيا، فنعمل غير الَّذِي كنا نعمل فيها.
(12)- ( ذَلِكُمْ ) هَذَا الَّذِي لكم من العذاب أيها الكافرون ( بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ) فأنكرتم أن تكون الألوهة له خالصة ( وَإِن يُشْرَكْ بِهِ ) وإن يُجْعَل لله شريك ( تُؤْمِنُواْ ) تصدّقوا من جعل ذَلِكَ له ( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ ) فالقضاء لله ( الْعَلِيِّ ) عَلَى كل شيء ( الْكَبِيرِ ) الَّذِي كل شيء دونه متصاغرا له اليوم.
(13)- ( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ أيها الناس ( آيَاتِهِ ) حججه وأدلته عَلَى وحدانيته وربوبيته ( وَيُنَزِّلُ لَكُم مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ) بإدرار الغيث الَّذِي يخرج به أقواتكم من الأرض، وغذاء أنعامكم عليكم ( وَمَا يَتَذَكَّرُ ) حجج الله التي جعلها أدلة عَلَى وحدانيته، فيعتبر بها ويتعظ، ويعلم حقيقة ما تدل عليه ( إِلاَّ مَن يُنِيبُ ) من يرجع إلى توحيده، ويقبل عَلَى طاعته.
(14)- ( فَادْعُوا اللَّهَ ) فاعبدوا الله أيها المؤمنون له ( مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) الطاعة، غير مشركين به شيئا مما دونه ( وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) المشركون في عبادتهم إياه الأوثان والأنداد.
(15)- هو ( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ ) السرير المحيط بما دونه ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ ) ينزل الوحي ( عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ) يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض، وهو يوم التلاق، وذلك يوم القيامة.
(16)- ( يَوْمَ هُم ) المنذرين الَّذِينَ أرسل الله إليهم رسله لينذروهم ( بَارِزُونَ ) ظاهرون للناظرين لا يحول بينهم وبينهم جبل ولا شجر، ولا يستر بعضهم عن بعض ساتر، ولكنهم بقاع صفصف لا أمت فيه ولا عوج ( لاَ يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ) ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) يقول الربّ: لمن السلطان اليوم؟ وذلك يوم القيامة، فيجيب نفسه فيقول ( لِلَّهِ الْوَاحِدِ ) الَّذِي لا مثل له ولا شبيه ( الْقَهَّارِ ) لكلّ شيء سواه بقدرته، الغالب بعزّته.
(17)- ( الْيَوْمَ ) يوم القيامة حين يبعث خلقه من قبورهم لموقف الحساب ( تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) يثاب كلّ عامل بعمله، فيوفى أجر عمله، فعامل الخير يجزى الخير، وعامل الشر يجزى جزاءه ( لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ ) لا بخس عَلَى أحد فيما استوجبه من أجر عمله في الدنيا، فينقص منه إن كان محسنا، ولا حُمِل عَلَى مسيء إثم ذنب لم يعمله فيعاقب عليه ( إِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَابِ ) ذو سرعة في محاسبة عباده يومئذ عَلَى أعمالهم التي عملوها في الدنيا.
(18)- - ( وَأَنذِرْهُمْ ) وأنذر يا محمد مشركي قومك، أن يوافوا الله فيه بأعمالهم الخبيثة، فيستحقوا من الله عقابه الأليم ( يَوْمَ الْآزِفَةِ ) يوم القيامة ( إِذِ الْقُلُوبُ ) قلوب العباد من مخافة عقاب الله ( لَدَى الْحَنَاجِرِ ) قد شخصت من صدورهم، فتعلقت بحلوقهم ( كَاظِمِينَ ) كاظميها، يرومون ردّها إلى مواضعها من صدورهم فلا ترجع، ولا هي تخرج من أبدانهم فيموتوا( مَا لِلظَّالِمِينَ ) للكافرين بالله يومئذ ( مِنْ حَمِيمٍ ) يحم لهم، فيدفع عنهم عظيم ما نزل بهم من عذاب الله ( وَلاَ شَفِيعٍ ) يشفع لهم عند ربهم ( يُطَاعُ )فيما شفع، ويُجاب فيما سأل.
(19)- ( يَعْلَمُ ) ربكم ( خَآئِنَةَ الأعين ) ما خانت أعين عباده ( وَمَا تُخْفِي الصدور ) وما أضمرته قلوبهم لا يخفى عليه شيء من أمورهم حتى ما يحدث به نفسه
(20)- ( واللهُ يَقْضِي ) في الَّذِي خانته الأعين بنظرها، وأخفته الصدور عند نظر العيون ( بِالْحَقِّ ) فيجزي الَّذِينَ أغمضوا أبصارَهم، وصرفوها عن محارمه بالحُسنى، وَالَّذِينَ ردّدوا النظر، وعزمت قلوبهم عَلَى مواقعة الفواحش إذا قدَرَتْ، جزاءَها.
( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ) والأوثان والآلهة التي يعبدها هؤلاء المشركون بالله من قومك ( لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ) لأنها لا تعلم شيئا، ولا تقدر عَلَى شيء ( إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ ) لما تنطق به ألسنتكم أيها الناس ( الْبَصِيرُ ) بما تفعلون من الأفعال، محيط بكل ذَلِكَ محصيه عليكم، ليجازي جميعكم جزاءه يوم الجزاء.
(21)- ( أَوَلَمْ يَسِيروُاْ ) هؤلاء المقيمون عَلَى شركهم بالله، المكذبون رسوله من قريش ( فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُواْ ) فيروا ( كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ) ما الَّذِي كان خاتمة أمم ( الَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ ) من الأمم الَّذِينَ سلكوا سبيلهم، في الكفر بالله، وتكذيب رسله ( كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) وبطشا ( وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ ) وأبقى في الأرض آثارا فلم تنفعهم شدة قواهم، وعظم أجسامهم، إذ جاءهم أمر الله ( فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ ) وأخذهم بما أجرموا من معاصيه، واكتسبوا من الآثام، ولكنه أباد جمعهم، وصارت مساكنهم خاوية منهم بما ظلموا ( وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللهِ ) من عذاب الله إذ جاءهم ( مِنْ وَاقٍ ) يقيهم، فيدفعه عنهم
(22)- ( ذَلِكَ ) هَذَا الَّذِي فعلت بهؤلاء الأمم الَّذِينَ من قبل مشركي قريش من إهلاكناهم بذنوبهم فعلنا بهم ( بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ) بالآيات الدالات عَلَى حقيقة ما تدعوهم إليه من توحيد الله، والانتهاء إلى طاعته ( فَكَفَرُواْ ) فأنكروا رسالتها، وجحدوا توحيد الله، وأَبَوْا أن يطيعوا الله ( فَأَخَذَهُمُ اللهُ ) بعذابه فأهلكهم ( إِنَّهُ قَوِيٌّ ) لا يقهره شيء، ولا يغلبه، ولا يعجزه شيء أراده ( شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لمن عاقب من خلقه
(23)- يقول -تعالى- مُسَلِّيا نبيه محمدًا × ، عما كان يلقى من مشركي قومه من قريش، بإعلامه ما لقي موسى ممن أرسل إليه من التكذيب ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا ) بأدلته ( وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ) وحججه المبينة لمن يراها أنها حجة محققة ما يدعو إليه موسى
(24) ( إلى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ ) لموسى هو ( سَاحِرٌ ) يسحر العصا، فيرى الناظر إليها أنها حية تسعى ( كَذَّابٌ ) يكذب عَلَى الله، ويزعم أنه أرسله إلى الناس رسولا.
(25)- ( فَلَمَّا جَآءَهُمْ ) موسى ( بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا ) بتوحيد الله، والعمل بطاعته، مع إقامة الحجة عليهم، بأن الله ابتعثه إليهم بالدعاء إلى ذَلِكَ ( قَالُواْ اقتلوا أَبْنَآءَ الَّذِينَ آمَنُواْ ) بالله ( مَعَهُ ) من بني إسرائيل ( وَاسْتَحْيُوا نِسَآءَهُمْ ) واستبقوا نساءهم للخدمة ( وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ ) وما احتيال أهل الكفر لأهل الإيمان بالله ( إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ) في جور عن سبيل الحقّ، وصدّ عن قصد المحجة، وأخذ عَلَى غير هدى.
(26)- ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ) لملئه ( ذروني أَقْتُلْ موسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ) الَّذِي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا ( إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ ) يغير دينكم الَّذِي أنتم عليه بسحره ( أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ ) أرضكم أرض مصر ( الْفَسَادَ ) عبادة ربه الَّذِي يدعوكم إلى عبادته وذلك كان عنده هو الفساد.
(27)- ( وَقَالَ موسى إِنِّي عُذْتُ ) استجرت أيها القوم ( بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ ) تكبر عن توحيده، والإقرار بألوهيته وطاعته ( لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ) يحاسب الله فيه خلقه، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بما أساء
(28)- ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) وهو ابن عم فرعون ( يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) يُسِرّ إيمانه من فرعون وقومه خوفا عَلَى نفسه ( أَتَقْتُلُونَ أيها القوم ( رَجُلًا ) موسى ( أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهً ) لأن يقول ربي الله؟ ( وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ) بالآيات الواضحات عَلَى حقيقة ما يقول من ذَلِكَ. وتلك البيّنات من الآيات يده وعصاه ( وَإِن يَكُ ) موسى ( كَاذِبًا ) في قيله: إن الله أرسله إليكم يأمركم بعبادته، وترك دينكم الَّذِي أنتم عليه ( فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ )فإنما إثم كذبه عليه دونكم ( وَإِن يَكُ صَادِقًا ) في قيله ذَلِكَ ( يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ) من العقوبة عَلَى مقامكم عَلَى الدين الَّذِي أنتم عليه مقيمون فلا حاجة بكم إلى قتله، فتزيدوا ربكم بذلك إلى سخطه عليكم بكفركم سخطا ( إِنَّ الله لاَ يَهْدِي ) لا يوفّق للحقّ ( مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ ) متعد إلى فعل ما ليس له فعله من الشرك والقتل ( كَذَّابٌ ) يقول عليه الباطل وغير الحقّ.
(29)- ( يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ ) السلطان ( اليوم ظَاهِرِينَ ) أنتم عَلَى بني إسرائيل ( فِي الْأَرْضِ ) أرض مصر ( فَمَن يَنصُرُنَا ) فمن يدفع عنا ( مِن بَأْسِ اللهِ إِن جَآءَنَا ) وسطوته إن حل بنا، وعقوبته ( قَالَ فِرْعَوْنُ ) مجيبا لهذا المؤمن الناهي عن قتل موسى ( مَآ أُرِيكُمْ ) أيها الناس من الرأي والنصيحة ( إِلاَّ مَآ أَرَى ) لنفسي ولكم صلاحا وصوابا ( وَمَآ أَهْدِيكُمْ ) أدعوكم ( إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ ) طريق الحق والصواب في أمر موسى وقتله، فإنكم إن لم تقتلوه بدل دينكم، وأظهر في أرضكم الفساد
(30)- ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ ) المؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه ( يَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ ) بقتلكم موسى إن قتلتموه ( مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ) الأحزاب الَّذِينَ تحزّبوا عَلَى رسل الله نوح وهود وصالح، فأهلكهم الله بتجرّئهم عليه، فيهلككم كما أهلكهم.
(31)- يفعل ذَلِكَ بكم فيهلككم ( مِثْلَ دَأْبِ ) سنته في ( قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ) وفعله بهم ( وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ) قوم إبراهيم، وقوم لوط، وهم أيضا من الأحزاب ( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ) لأنه لا يريد ظلم عباده، ولا يشاؤه، ولكنه أهلكهم بإجرامهم وكفرهم به، وخلافهم أمره.
(32)- ( وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ) يوم ينادي الناس بعضهم بعضا، من هول ما قد عاينوا من عظيم سلطان الله، وفظاعة ما غشيهم من كرب ذَلِكَ اليوم، ولتذكير بعضِهم بعضًا إنجازَ اللهِ إياهم الوعدَ الَّذِي وعدهم في الدنيا، واستغاثة من بعضهم ببعض، مما لقي من عظيم البلاء فيه.
(33)- ( يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ) هارِبينَ فِي الأرْضِ حِذَارَ عَذَابِ اللهِ وَعِقابِهِ عِنْدَ مُعَايَنَتِهم جَهَنَّمَ ( مَا لَكُمْ مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ ) مانع يمنعكم، وناصر ينصركم ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ ) يخذله الله فلم يوفّقه لرشده ( فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) موفّق يوفّقه له
(34)- ( وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ ) بن يعقوب يا قوم ( مِن قَبْلُ ) من قبل موسى ( بِالْبَيِّنَاتِ ) بالواضحات من حجج الله ( فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ ) فلم تزالوا مرتابين ( مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ ) فيما أتاكم به يوسف من عند ربكم غير موقني القلوب بحقيقته ( حَتَّى إِذَا هَلَكَ ) مات يوسف ( قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللهُ مِن بَعْدِهِ ) من بعد يوسف إليكم ( رَسُولًا ) بالدعاء إلى الحقّ ( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ ) يصد الله عن إصابة الحقّ وقصد السبيل ( مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ ) كافر به ( مُّرْتَابٌ ) شاكّ فى حقيقة أخبار رسله.
(35)- ( الَّذِينَ يُجَادِلُونَ ) يخاصمون ( في آيَاتِ اللهِ ) حججه التي أتتهم بها رسله ( بِغَيْرِ سُلْطَانٍ ) حجة ( أَتَاهُمْ ) أتتهم من عند ربهم يدفعون بها حقيقة الحُجَج التي أتتهم بها الرسل ( كَبُرَ ) ذَلِكَ الجدال الَّذِي يجادلونه في آيات الله ( مَقْتًا عِندَ اللهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُواْ ) بالله ( كَذَلِكَ ) كما طبع الله عَلَى قلوب المسرفين الَّذِينَ يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ( يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ ) عَلَى الله أن يوحده، ويصدّق رسله ( جَبَّارٍ ) متعظم عن اتباع الحقّ.
(36)- ( وَقَالَ فَرْعَوْنُ ) لوزيره وزير السوء هامان ( فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا ) بناء ( لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ) طرقا (37)- ( أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ ) طُرُق وأبواب ومنازل السموات ( فَأَطَّلِعَ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ) فيما يقول ويدّعي من أن له في السماء ربا أرسله إلينا ( وَكَذَلِكَ ) وهكذا ( زُيِّنَ ) زين الله ( لِفِرْعَوْنَ ) حين عتا عليه وتمرّد ( سُوءُ عَمَلِهِ ) قبيحَ عمله، حتى سوّلت له نفسه بلوغ أسباب السموات، ليطلع إلى إله موسى ( وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ) وأعرض فرعون عن سبيل الله التي ابتُعث بها موسى استكبارا ( وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ ) وما احتيال فرعون الَّذِي يحتال للاطلاع إلى إله موسى ( إِلاَّ فِي تَبَابٍ ) في خسار وذهاب مال وغبن، لأنه ذهبت نفقته التي أنفقها عَلَى الصرح باطلا ولم ينل بما أنفق شيئا مما أراده
(38)- ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ ) من قوم فرعون لقومه ( يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ ) إن اتبعتموني فقبلتم مني ما أقول لكم ( أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ) بينت لكم طريق الصواب الَّذِي ترشدون إذا أخذتم فيه وسلكتموه وذلك هو دين الله الَّذِي ابتعث به موسى
(39)- ( ياقوم إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) العاجلة التي عجلت لكم في هذه الدار ( مَتَاعٌ ) تستمتعون بها إلى أجل أنتم بالغوه، ثم تموتون وتزول عنكم ( وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ) التي تستقرّون فيها فلا تموتون ولا تزول عنكم فلها فاعملوا، وإياها فاطلبوا.
(40)- ( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً ) معصية الله في هذه الحياة الدنيا ( فَلاَ يُجْزَى ) فلا يجزيه الله في الآخرة ( إِلاَّ ) سيئة ( مِثْلَهَا ) وذلك أن يعاقبه بها ( وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا ) طاعة الله فى الدنيا، وائتمر لأمره، وانتهى فيها عما نهاه عنه ( مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ) رجل أو امرأة ( وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) بالله ( فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ) في الآخرة ( يُرْزَقُونَ فِيهَا ) من ثمارها، وما فيها من نعيمها ولذاتها ( بِغَيْرِ حِسَابٍ ) بلا مكيال ولا ميزان.
(41)- ( وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ ) من عذاب الله وعقوبته بالإيمان به، واتباع رسوله موسى وتصديقه فيما جاءكم به من عند ربه ( وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ) إلى عمل أهل النار.
(42)- ( تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بالله وَأُشْرِكَ بِهِ ) وأشرك بالله في عبادته أوثانا ( مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ) لست أعلم أنه يصلح لي عبادتها وإشراكها فى عبادة الله، لأن الله لم يأذن لي في ذَلِكَ بخبر ولا عقل ( وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ) عبادة ( الْعَزِيزِ ) في انتقامه ممن كفر به، الَّذِي لا يمنعه إذا انتقم من عدوّ له شيء ( الْغَفَّارِ ) لمن تاب إليه بعد معصيته إياه، لعفوه عنه، فلا يضرّه شيء مع عفوه عنه
(43)- ( لاَ جَرَمَ ) حقا ( أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) من الأوثان ( لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ ) دعاء ( فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الْآخِرَةِ ) لأنه جماد لا ينطق، ولا يفهم شيئا ( وَأَنَّ مَرَدَّنَآ ) مرجعنا ومنقلبنا ( إِلَى اللهِ ) بعد مماتنا ( وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ ) المشركين بالله المتعدّين حدوده، القتلة النفوس التي حرم الله قتلها ( هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ) نار جهنم عند مرجعنا إلى الله.
(44)- ( فَسَتَذْكُرُونَ ) أيها القوم إذا عاينتم عقاب الله قد حل بكم، ولقيتم ما لقيتموه صدق ( مَآ أَقُولُ لَكُمْ ) وحقيقة ما أخبركم به من أن المسرفين هم أصحاب النار ( وَأُفَوِّضُ ) وأسلم ( أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ) وأجعله إليه وأتوكل عليه، فإنه الكافي من توكل عليه ( إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) عالم بأمور عباده، ومن المطيع منهم، والعاصي له، والمستحق جميل الثواب، والمستوجب سيئ العقاب.
(45)- ( فَوَقَاهُ اللَّهُ ) فدفع الله عن هَذَا المؤمن من آل فرعون بإيمانه وتصديق رسوله موسى ( سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ ) مكروه ما كان فرعون ينال به أهل الخلاف عليه من العذاب والبلاء، فنجاه منه ( وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ ) وحل ووجب عليهم ( سُوءُ الْعَذَابِ ) ما ساءهم من عذاب الله، وذلك نار جهنم .
(46)- ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا ) لما هلكوا وغرَّقهم اللهُ، جعلت أرواحهم في أجواف طير سود، فهي تعرض عَلَى النار كلّ يوم مرتين ( غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) إلى أن تقوم الساعة ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ) يقول الله لملائكته ( أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )
(47)- ( وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ ) يتخاصم الَّذِينَ أمر رسول الله × بإنذارهم من مشركي قومه ( فِي النَّارِ ) القادة والسفلة ( فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ ) منهم وهم المتبعون عَلَى الشرك بالله ( لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ) لرؤسائهم الَّذِينَ اتبعوهم عَلَى الضلالة ( إِنَّا كُنَّا لَكُمْ ) في الدنيا ( تَبَعًا ) عَلَى الكفر بالله ( فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ ) اليوم ( عَنَّا نَصِيبًا ) حظا ( مِّنَ النَّارِ ) تخففونه عنا؟.
(48)- ( قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ) وهم الرؤساء المتبوعون عَلَى الضلالة في الدنيا ( إِنَّا كُلٌّ ) إنا أيها القوم وأنتم كلنا مخلدون ( فِيهَآ ) في هذه النار ( إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ) بفصل قضائه، فأسكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فلا نحن مما نحن فيه من البلاء خارجون، ولا هم مما فيه من النعيم منتقلون
(49)- ( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ ) لخزنتها وقوّامها، استغاثة بهم من عظيم ما هم فيه من البلاء، ورجاء أن يجدوا من عندهم فرجا ( لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ) لخزنتها وقُوّامها ( ادْعُوا رَبَّكُمْ ) لنا ( يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا ) قدر يوم واحد من أيام الدنيا ( مِّنَ الْعَذَابِ ) الَّذِي نحن فيه.
(50)- ( قَالُوا ) خزنة جهنم لهم ( أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ ) في الدنيا ( رُسُلُكُمْ بالبينات ) الحجج عَلَى توحيد الله، فتوحدوه وتؤمنوا به، وتتبرّءوا مما دونه من الآلهة؟ ( قَالُواْ بَلَى ) قد أتتنا رسلنا بذلك ( قَالُواْ ) الخزنةُ لهم ( فَادْعُوا ) إذن ربكم الَّذِي أتتكم الرسل بالدعاء إلى الإيمان به ( وَمَا دُعَاءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ) لأنه دعاء لا ينفعهم، ولا يستجاب لهم
(51)- ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) إما بإعلائنا إياهم عَلَى من كذّبنا وإظفارنا بهم، حتى يقهروهم غلبة، ويذلوهم بالظفر ذلة، أو بانتقامنا في الحياة الدنيا من مكذّبيهم بعد وفاة رسولنا من بعد مهلكهم ( وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) من الملائكة والأنبياء والمؤمنين عَلَى الأمم المكذبة رسلها بالشهادة بأن الرسل قد بلغتهم رسالات ربهم، وأن الأمم كذّبتهم.
(52)- ( يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ ) أهل الشرك ( مَعْذِرَتُهُمْ ) اعتذارهم لأنهم لا يعتذرون -إن اعتذروا- إلا بباطل فلا حجة لهم في الآخرة إلا الاعتصام بالكذب ( وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ ) البعد من رحمة الله ( وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) شرّ ما في الدار الآخرة، وهو العذاب الأليم.
(53)- ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى ) البيان للحقّ الَّذِي بعثناه به ( وَأَوْرَثْنَا بني إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ) التوراة، فعلَّمناهموها.
(54)- ( هُدًى ) بيانا لأمر دينهم، وما ألزمناهم من فرائضها ( وَذِكْرَى ) وتذكيرا منا ( لأُوْلِي الْأَلْبَابِ ) لأهل الحجا والعقول منهم بها
(55)- ( فَاصْبِرْ ) يا محمد لأمر ربك، وبلِّغ قومك ومن أمرت بإبلاغه ما أنزل إليك ( إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ) لا خلف له وهو منجز له ( واستغفر لِذَنبِكَ ) وسله غفران ذنوبك وعفوه لك عنه ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وصلّ بالشكر منك لربك ( بِالْعَشِيِّ ) وذلك من زوال الشمس إلى الليل ( وَالْإِبْكَارِ ) وذلك من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس.
(56)- ( إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ ) يخاصمونك يا محمد ( في آيَاتِ اللَّهِ ) فيما أتيتهم به من عند ربك من الآيات ( بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ) بغير حجة جاءتهم من عند الله بمخاصمتك فيها ( إِنْ فِي صُدُورِهِمْ ) ما في صدورهم ( إِلاَّ كِبْرٌ ) يتكبرون من أجله عن اتباعك، وقبول الحق الَّذِي أتيتهم به حسدا منهم عَلَى الفضل الَّذِي آتاك الله، والكرامة التي أكرمك بها من النبوّة ( مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ) الَّذِي حسدوك عليه أمر ليسوا بِمُدركيه ولا نائليه، لأن ذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يشاء ( فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ) فاستجر بالله يا محمد من شرّ هؤلاء ( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ) لما يقول هؤلاء المجادلون في آيات الله وغيرهم من قول ( الْبَصِيرُ ) بما تعمله جوارحهم، لا يخفى عليه شيء من ذَلِكَ.
(57)- ( لَخَلْقُ ) لابتداع ( السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) وإنشاؤها من غير شيء ( أَكْبَرُ ) أعظم ( مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) وإنشائهم من غير شيء ( ولكن أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) أن خلق جميع ذَلِكَ هين عَلَى الله.
(58)- ( وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى ) وهو مثل الكافر الَّذِي لا يتأمل حجج الله بعينيه، فيتدبرها ويعتبر بها ( وَالْبَصِيرُ ) وذلك مئل للمؤمن الَّذِي يرى بعينيه حجج الله، فيتفكَّر فيها ويتعظ ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) بالله ورسوله ( وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ) المطيعون لربهم ( وَلاَ الْمُسِيءُ ) وهو الكافر بربه، العاصي له، المخالف أمره ( قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ ) فتعتبرون وتتعظون
(59)- ( إِنَّ السَّاعَةَ ) التي يحيي الله فيها الموتى للثواب والعقاب ( لآتِيَةٌ ) لجائية أيها الناس ( لاَّ رَيْبَ فِيهَا ) لا شكّ في مجيئها ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ ) قريش ( لاَ يُؤْمِنُونَ ) لا يصدّقون بمجيئها.
(60)- ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ) أيها الناس ( ادْعُونِي ) اعبدوني وأخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دوني من الأوثان والأصنام وغير ذَلِكَ ( أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) أُجِبْ دعاءكم فأعفو عنكم وأرحمكم ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ ) يتعظمون ( عَنْ عِبَادَتِي ) عن إفرادي بالعبادة، وإفراد الألوهة لي ( سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) صاغرين.
(61)- ( اللهُ ) الَّذِي لا تصلح الألوهة إلا له، ولا تنبغي العبادة لغيره ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ) أيها الناس ( اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ ) فتهدءوا من التصرّف والاضطراب للمعاش، والأسباب التي كنتم تتصرفون فيها في نهاركم ( وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ) من اضطرب [تحرك وسعى] فيه لمعاشه، وطلب حاجاته، نعمة منه بذلك عليكم ( إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ) متفضل عليكم أيها الناس بما لا كفء له من الفضل ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ) بالطاعة له، وإخلاص الألوهة والعبادة له، ولا يد تقدمت له عنده استوجب بها منه الشكر عليها.
(62)- ( ذَلِكُمُ ) الَّذِي فعل هذه الأفعال، وأنعم عليكم هذه النعم أيها الناس ( اللهُ رَبُّكُمْ ) مالككم ومصلح أموركم وهو خالقكم و( خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ) لا معبود تصلح له العبادة غيره ( فأنى تُؤْفَكُونَ ) فأي وجه تأخذون، وإلى أين تذهبون عنه، فتعبدون سواه؟.
(63)- ( كَذَلِكَ ) كذهابكم عنه أيها القوم، وانصرافكم عن الحقّ إلى الباطل، والرشد إلى الضلال ( يُؤْفَكُ ) ذهب عنه بآيات الله ( الَّذِينَ كَانُواْ ) من قبلكم من الأمم ( بِآيَاتِ اللهِ ) بحجج الله وأدلته ( يَجْحَدُونَ ) يكذّبون فلا يؤمنون.
(64)- ( اللهُ ) الَّذِي له الألوهة خالصة أيها الناس ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ) التي أنتم عَلَى ظهرها سكان ( قَرَارًا ) تستقرون عليها، وتسكنون فوقها ( وَالسَّمَاءَ بِنَآءً ) بناها فرفعها فوقكم بغير عمد ترونها لمصالحكم، وقوام دنياكم إلى بلوغ آجالكم ( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) وخلقكم فأحسن خلقكم ( وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ) حلال الرزق، ولذيذات المطاعم والمشارب ( ذَلِكُمُ ) فالذي فعل هذه الأفعال، وأنعم عليكم أيها الناس هذه النعم، هو ( اللهُ ) الَّذِي لا تنبغي الألوهة إلا له ( رَبُّكُمْ ) الَّذِي لا تصلح الربوبية لغيره، لا الَّذِي لا ينفع ولا يضر، ولا يخلق ولا يرزق ( فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العالمين ) مالك جميع الخلق جنهم وإنسهم، وسائر أجناس الخلق غيرهم
(65)- ( هُوَ الْحَيُّ ) الَّذِي لا يموت، الدائم الحياة، وكل شيء سواه فمنقطع الحياة غير دائمها ( لَا إِلَهَ ) لا معبود بحق تجوز عبادته، وتصلح الألوهة له ( إِلاَّ هُوَ ) الله الَّذِي هذه الصفات صفاته ( فَادْعُوهُ ) أيها الناس ( مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) مخلصين له الطاعة، مفردين له الألوهة، لا تشركوا في عبادته شيئا سواه، من وثن وصنم، ولا تجعلوا له ندا ولا عدلا ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) الشكر لله ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) مالك جميع أجناس الخلق، من ملك وجن وإنس وغيرهم، لا للآلهة والأوثان التي لا تملك شيئا، ولا تقدر عَلَى ضرّ ولا نفع
(66)- ( قُلْ ) يا محمد لمشركي قومك من قريش ( إِنِّي نُهِيتُ ) أيها القوم ( أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ ) من الآلهة والأوثان ( لَمَّا جَآءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ ) الآيات الواضحات ( مِن رَّبِّي ) وذلك آيات كتاب الله الَّذِي أنزله ( وَأُمِرْتُ ) وأمرني ربي ( أَنْ أُسْلِمَ ) أن أذلّ ( لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) لربّ كلّ شيء، ومالك كلّ خلق بالخضوع، وأخضع له بالطاعة دون غيره من الأشياء
(67)- ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) خلق أباكم آدم ( مِّن تُرَابٍ ثُمَّ ) خلقكم ( مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ) بعد أن كنتم نطفا ( ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ) من بطون أمهاتكم صغارا ( ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) فتتكامل قواكم، ويتناهى شبابكم، وتمام خلقكم شيوخا ( ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخًا ) ويتناهى شبابُكم، وتمام خلقكم شيوخا ( وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ ) أن يبلغ الشيخوخة ( وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى ) ميقاتا مؤقتا لحياتكم، وأجلا محدودا لا تجاوزونه، ولا تتقدمون قبله ( وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) وكي تعقلوا حجج الله عليكم بذلك، وتتدبروا آياته فتعرفوا بها أنه لا إله غيره فعل ذَلِكَ.
(68)- ( هُوَ الَّذِي يُحْيِي ) من يشاء بعد مماته ( وَيُمِيتُ ) من يشاء من الأحياء بعد حياته ( فَإِذَا قَضَى أَمْرًا ) من الأمور التي يريد تكوينها ( فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ ) ما أراد تكوينه موجودا بغير معاناة، ولا كلفة مؤنة.
(69)- ( أَلَمْ تَرَ ) يا محمد هؤلاء المشركين من قومك ( إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ في آيَاتِ اللهِ ) يخاصمونك في حجج الله وآياته ( أَنَّى يُصْرَفُونَ ) أيّ وجه يصرفون عن الحق، ويعدلون عن الرشد.
(70)- ( الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِالْكِتَابِ ) وهو هَذَا القرآن ( وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا ) وكذّبوا أيضا مع تكذيبهم بكتاب الله بما أرسلنا به رسلنا من إخلاص العبادة لله، والبراءة مما يعبد دونه من الآلهة والأنداد، والإقرار بالبعث بعد الممات للثواب والعقاب ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) فسوف يعلم هؤلاء الَّذِينَ يجادلون في آيات الله، المكذبون بالكتاب حقيقة ما تخبرهم به يا محمد، وهذا تهديد من الله المشركين به.
(71)- ( إِذِ ) حين تُجْعَلُ ( الأغلالُ في أَعْنَاقِهِمْ ) في جهنم ( وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ) يسحب [زبانيةُ العذاب يوم القيامة] هؤلاء الَّذِينَ كذّبوا في الدنيا بالكتاب.
(72)- - ( فِي الْحَمِيمِ ) وهو ما قد انتهى حَرُّه، وبلغ غايته ( ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) يحرقون في نار جهنم وتوقد بهم
(73)- ( ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ ) بعبادتكم إياها
(74)- ( مِن دُونِ اللهِ ) من آلهتكم وأوثانكم حتى يغيثوكم فينقذوكم مما أنتم فيه من البلاء والعذاب؟ ( قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا ) عدلوا عنا، فأخذوا غير طريقنا، وتركونا في هَذَا البلاء، بل ما ضلوا عنا ( بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئًا ) في الدنيا ( كَذَلِكَ ) كما أضل هؤلاء الَّذِينَ ضل عنهم في جهنم ما كانوا يعبدون ( يُضِلُّ اللهُ الْكَافِرِينَ ) به عنه، وعن رحمته وعبادته، فلا يرحمهم فينجيهم من النار، ولا يغيثهم فيخفف عنهم ما هم فيه من البلاء.
(75)- ( ذَلِكُمُ ) العذاب الَّذِي أنتم فيه ( بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ ) بفرحكم الَّذِي كنتم تفرحونه ( فِي الْأَرْضِ ) في الدنيا ( بِغَيْرِ الْحَقِّ ) بغير ما أذن لكم به من الباطل والمعاصي ( وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ) وبمرحكم فيها، وهو الأشر والبطر .
(76)- ( ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ) جهنم السبعة من كل باب منها جزء مقسوم منكم ( خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ) منزل ( الْمُتَكَبِّرِينَ ) في الدنيا عَلَى الله أن يوحدوه، ويؤمنوا برسله اليوم جهنم.
(77)- ( فَاصْبِرْ ) يا محمد عَلَى ما يجادلك به هؤلاء المشركون في آيات الله التي أنزلناها عليك، وعلى تكذيبهم إياك ( إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ) فإن الله منجِز لك فيهم ما وعدك من الظفر عليهم، والعلو عليهم، وإحلال العقاب بهم ( فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ ) يا محمد في حياتك ( بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ) من العذاب والنقمة أن يحل بهم ( أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ) قبل أن يَحِلَّ ذَلِكَ بهم ( فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ) فإلينا مصيرك ومصيرهم، فنحكم عند ذَلِكَ بينك وبينهم بالحقّ بتخليدهم في النار، وإكرامك بجوارنا في جنات النعيم.
(78)- ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا ) يا محمد ( رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ ) إلى أممها ( مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ ) نبأهم ( وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) نبأهم ( وَمَا كَانَ ) وما جعلنا ( لِرَسُولٍ ) ممن أرسلناه من قبلك الَّذِينَ قصصناهم عليك، وَالَّذِينَ لم نقصصهم عليك إلى أممها ( أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ ) فاصلة بينه وبينهم ( إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ) إلا أن نأذن له به ( فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ الله قُضِيَ بالحق ) بالعدل، وهو أن ينجي رسله وَالَّذِينَ آمنوا معهم ( وَخَسِرَ ) وهلك ( هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ) الَّذِينَ أبطلوا في قيلهم الكذب، وافترائهم عَلَى الله وادعائهم له شريكا.
(79)- ( اللهُ ) الَّذِي لا تصلح الألوهة إلا له أيها المشركون به من قريش ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ ) من الإبل والبقر والغنم والخيل، وغير ذَلِكَ من البهائم التي يقتنيها أهل الإسلام لمركب أو لمطعم ( لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا ) الخيل والحمير ( وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) الإبل والبقر والغنم
(80)- ( وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ) من جلودها وأصوافها وأوبارها وأشعارها ( وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا ) بالحمولة عَلَى بعضها، وذلك الإبل ( حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ ) لم تكونوا بالغيها لولا هي، إلا بشق أنفسكم ( وَعَلَيْهَا ) وعلى هذه الإبل، وما جانسها من الأنعام المركوبة ( وَعَلَى الفلك ) السفن ( تُحْمَلُونَ ) نحملكم عَلَى هذه في البر، وعلى هذه في البحر
(81)- ( وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ) ويريكم حججه ( فَأَيَّ آيَاتِ اللهِ ) فأي حجج الله التي يريكم أيها الناس في السماء والأرض ( تُنكِرُونَ ) صحتها، فتكذبون من أجل فسادها بتوحيد الله، وتدعون من دونه إلها؟
(82)- ( أَفَلَمْ يَسِيرُواْ ) يا محمد هؤلاء المجادلون في آيات الله من مشركي قومك في البلاد، فإنهم أهل سفر إلى الشأم واليمن، رحلتهم في الشتاء والصيف ( فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُواْ ) ويتفكروا ( كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ) جزاء ( الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) فيما وطئوا من البلاد إلى وقائعنا بمن أوقعنا به من الأمم قبلهم، ويروا ما أحللنا بهم من بأسنا بتكذيبهم رسلنا، وجحودهم آياتنا، كيف كان عقبى تكذيبهم ( كانوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ ) من قريش أكثر عددا من هؤلاء ( وَأَشَدَّ قُوَّةً ) وأشد بطشا ( وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ ) وأبقى في الأرض آثارا، لأنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتا ويتخذون مصانع ( فَمَآ أغنى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) لم يغن عنهم ما كانوا يعملون من البيوت في الجبال، ولم يدفع عنهم ذَلِكَ شيئا
(83)- ( فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ ) فلما جاءت هؤلاء الأمم الَّذِينَ من قبل قريش المكذّبة رسلها رُسُلُهُمْ ( رُسُلُهُم ) الَّذِينَ أرسلهم الله إليهم ( بالبينات ) بالواضحات من حجج الله عزّ وجلّ ( فَرِحُواْ ) جهلا منهم ( بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم ) وقَالُوا: لن نُبْعَثَ، ولن يُعذّبنا الله ( وَحَاقَ بِهِم ) من عذاب الله ( مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) يستعجلون رسلهم به استهزاء وسخرية.
(84)- ( فَلَمَّا رَأَوْاْ ) فلما رأت هذه الأمم المكذّبة رسلها ( بَأْسَنَا ) عقاب الله الَّذِي وعدتهم به رسلُهم قد حلّ بهم ( قَالُوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ ) أقررنا بتوحيد الله، وصدقنا أنه لا إله غيره ( وَكَفَرْنَا بِمَا ) وجحدنا الآلهة التي ( كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ) كنا قبل وقتنا هَذَا نشركها في عبادتنا الله ونعبدها معه، ونتخذها آلهة، فبرئنا منها.
(85)- ( فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ ) تصديقهم في الدنيا بتوحيد الله ( لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ) عند معاينة عقابه قد نزل، وعذابه قد حل، لأنهم صدقوا حين لا ينفع التصديق ( سُنَّتَ اللهِ ) كَذَلِكَ كانت سنة الله ( التي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ) من قبل إذا عاينوا عذاب الله لم ينفعهم إيمانهم عند ذَلِكَ ( وَخَسِرَ هُنَالِكَ ) وهلك عند مجيء بأس الله ( الْكَافِرُونَ ) بربهم الجاحدون توحيد خالقهم، المتخذون من دونه آلهة يعبدونهم من دون بارئهم.
(1) مقدمة في التفسير : ص : (68) .
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الإعمال
برنامج مع القرآن
٦٨ سورة غافر ج١
https://youtu.be/g0ZWWS6nizw
٦٩ سورة غافر ج٢
https://youtu.be/A3pGMn-qxpA
رابط على الفيس
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=10226329543564752&id=1226 774898