تفسير سورة ال عمران من مختصري لتفسير الطبري (متجدد)

إنضم
12/06/2004
المشاركات
456
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ مَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا مِائَتَانِ
{آلم}[آل عمران:1]
{الم}[آل عمران:1] قَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَانِ عَنْ مَعْنَاها فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ..
 
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[آل عمران: 2]
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أَخْبَرَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَزَّ- عِبَادَهُ أَنَّ الْأُلُوهِيَّةَ خَاصَّةٌ بِهِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ, وَأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَصْلُحُ وَلَا تَجُوزُ إِلَّا لَهُ؛ لِانْفِرَادِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ, وَتَوَحُّدِهِ بِالْأُلُوهِيَّةِ, وَأَنَّ كُلَّ مَا دُونَهُ فَمِلْكُهُ , وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ فَخَلْقُهُ, لَا شَرِيكَ لَهُ فِي سُلْطَانِهِ وَمُلْكِهِ; احْتِجَاجًا مِنْهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ إِذْ كَانَ كَذَلِكَ, فَغَيْرُ جَائِزَةٍ لَهُمْ عِبَادَةُ غَيْرِهِ, وَلَا إِشْرَاكُ أَحَدٍ مَعَهُ فِي سُلْطَانِهِ؛ إِذْ كَانَ كُلُّ مَعَبُودٍ سِوَاهُ فَمِلْكُهُ, وَكُلُّ مُعَظَّمٍ غَيْرِهِ فَخَلْقُهُ, وَعَلَى الْمَمْلُوكِ إِفْرَادُ الطَّاعَةِ لِمَالِكِهِ, وَصَرْفُ خِدْمَتِهِ إِلَى مَوْلَاه وَرَازِقِهِ، وَمُعَرِّفًا مَنْ كَانَ مِنْ خَلْقِهِ -يَوْمَ أَنْزَلَ ذَلِكَ إِلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, بِتَنْزِيلِهِ ذَلِكَ إِلَيْهِ , وَإِرْسَالِهِ بِهِ إِلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ- مُقِيمًا عَلَى عِبَادَةِ وَثَنٍ أَوْ صَنَمٍ أَوْ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَوْ إِنْسِيٍّ أَوْ مَلِكٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَتْ بَنُو آدَمَ مُقِيمَةً عَلَى عِبَادَتِهِا وَإِلَاهَتِهِا, وَمُتَّخِذَهُ دُونَ مَالِكِهِ وَخَالِقِهِ إِلَهًا وَرَبًّا, أَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى ضَلَالَةٍ, وَمُنْعَزلٌ عَنِ الْمَحَجَّةِ, وَرَاكِبٌ غَيْرَ السَّبِيلِ الْمُسْتَقِيمَةِ بِصَرْفِهِ الْعِبَادَةَ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا أَحَدَ لَهُ الْأُلُوهِيَّةُ غَيْرَهُ..
{الْحَيُّ} وَصَفَ اللهُ نَفْسَهُ بِالْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ الَّتِي لَا فَنَاءَ لَهَا وَلَا انْقِطَاعَ, وَنَفَى عَنْهَا مَا هُوَ حَالٌّ بِكُلِّ ذِي حَيَاةٍ مِنْ خَلْقِهِ, مِنَ الْفَنَاءِ وَانْقِطَاعِ الْحَيَاةِ عِنْدَ مَجِيءِ أَجَلِهِ, فَأَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّهُ الْمُسْتَوْجِبُ عَلَى خَلْقِهِ الْعِبَادَةَ وَالْأُلُوهَةَ, وَالْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَلَا يَبِيدُ كَمَا يَمُوتُ كُلُّ مَنِ اتَّخَذَ مِنْ دُونِهِ رَبًّا, وَيَبِيدُ كُلُّ مَنِ ادَّعَى مِنْ دُونِهِ إِلاهًا, وَاحْتَجَّ عَلَى خَلْقِهِ بِأَنَّ مَنْ كَانَ يَبِيدُ فَيَزُولُ وَيَمُوتُ فَيَفْنَى فَلَا يَكُونُ إِلَهًا يَسْتَوْجِبُ أَنْ يُعْبَدَ دُونَ الْإِلَهِ الَّذِي لَا يَبِيدُ وَلَا يَمُوتُ, وَأَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَلَا يَبِيدُ، وَلَا يَفْنَى , وَذَلِكَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ..
{الْقَيُّومُ}[آلعمران:2] الْقَيِّمُ بِحِفْظِ كُلِّ شَيْءٍ وَرِزْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَتَصْرِيفِهِ فِيمَا شَاءَ وَأَحَبَّ مِنْ تَغْيِيرٍ وَتَبْدِيلٍ وَزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ.
 
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ}[ آل عمران:3]

{نَزَّلَ عَلَيْكَ}
يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ وَرَبَّ عِيسَى وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ..
{الْكِتَابَ}
الْقُرْآنَ..
{بِالْحَقِّ}
بِالصِّدْقِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَفِيمَا خَالَفَكَ فِيهِ مُحَاجُّوكَ مِنْ نَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ، وَسَائِرِ أَهْلِ الشِّرْكِ غَيْرِهِمْ..
{مُصَدِّقًا}
يَعْنِي بِذَلِكَ الْقُرْآنَ أَنَّهُ مُصَدِّقٌ..
{لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}
لِمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَمُحَقِّقٌ مَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُ اللَّهِ مِنْ عِنْدِهِ؛ لِأَنَّ مُنَزِّلَ جَمِيعِ ذَلِكَ وَاحِدٌ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ كَانَ فِيهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ..
{وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ}
عَلَى مُوسَى..
{وَالْإِنْجِيلَ}[ آل عمران:3]
عَلَى عِيسَى.
 
{مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}[آل عمران: 4]

{مِنْ قَبْلُ}
مِنْ قَبْلِ الْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَهُ عَلَيْكَ..
{هُدًى لِلنَّاسِ}
بَيَانًا لِلنَّاسِ مِنَ اللَّهِ، فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ، وَمُفِيدًا يَا مُحَمَّدُ أَنَّكَ نَبِيِّي وَرَسُولِي، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ دَيْنِ اللَّهِ..
{وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ}
وَأَنْزَلَ الْفَصْلَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فِيمَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَحْزَابُ وَأَهْلُ الْمِلَلِ فِي أَمْرِ عِيسَى وَغَيْرِهِ.. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ الْفُرْقَانَ إِنَّمَا هُوَ الْفُعْلَانُ مِنْ قَوْلِهِمْ: فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِنَصْرِهِ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ، إِمَّا بِالْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ، وَإِمَّا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ بِالْأَيْدِي وَالْقُوَّةِ.. وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَّهَ تَأْوِيلَهُ إِلَى أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فِي أَمْرِ عِيسَى، وَبَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فِي أَحْكَامِ الشَّرَائِعِ.. وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْفُرْقَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: فَصَلَ اللَّهُ بَيْنَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِين حَاجُّوهُ فِي أَمْرِ عِيسَى وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِ بِالْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ الْقَاطِعَةِ عُذْرَهُمْ وَعُذْرَ نُظَرَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ إِخْبَارَ اللَّهِ عَنْ تَنْزِيلِهِ الْقُرْآنَ قَبْلَ إِخْبَارِهِ عَنْ تَنْزِيلِهِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَدْ مَضَى بِقَوْلِهِ: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ هُوَ الْقِرَانُ لَا غَيْرُهُ، فَلَا وَجْهَ لِتَكْرِيرِهِ مَرَّةً أُخْرَى، إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَكْرِيرِهِ، لَيْسَتْ فِي ذِكْرِهِ إِيَّاهُ وَخَبَرِهِ عَنْهُ ابْتِدَاءً..
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}
إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا أَعْلَامَ اللَّهِ وَأَدِلَّتَهُ وَحُجَجَهُ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَأُلُوهَتِهِ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدٌ لَهُ، وَاتَّخَذُوا الْمَسِيحَ إِلَهًا وَرَبًّا، أَوْ ادَّعُوهُ لِلَّهِ وَلَدًا..
{لَهُمْ عَذَابٌ}
مِنَ اللَّهِ..
{شَدِيدٌ}
يَوْمُ الْقِيَامَةِ.. وَهَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ عَانَدَ الْحَقَّ بَعْدَ وُضُوحِهِ لَهُ، وَخَالَفَ سَبِيلَ الْهُدَى بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ..
{والله عزيز}
فِي سُلْطَانِهِ لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِمَّنْ أَرَادَ عَذَابَهُ مِنْهُمْ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَائِلٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعَانِدَهُ فِيهِ أَحَدٌ..
{ذو انتقام}[آلعمران:4]
وَأَنَّهُ ذُو انْتِقَامٍ مِمَّنْ جَحَدَ حُجَجَهُ وَأَدِلَّتَهُ، بَعْدَ ثُبُوتِهَا عَلَيْهَا، وَبَعْدَ وُضُوحِهَا لَهُ وَمَعْرِفَتِهِ بِهَا.
 
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}[آل عمران: 5]

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ}
وَهُوَ فِي الْأَرْضِ..
{وَلَا فِي السَّمَاءِ}[آل عمران: 5]
وَلَا شَيْءٌ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ.. فَكَيْفَ يَخْفَى عَلِيَّ يَا مُحَمَّدُ، وَأَنَا عَلَّامُ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، مَا يُضَاهِى بِهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَكَ فِي آيَاتِ اللَّهِ مِنْ نَصَارَى فِي شَأْنِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، إِذْ جَعَلُوهُ رَبًّا وَإِلَهًا.
 
{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران: 6]​

{هُوَ} اللَّهُ..
{الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ} فَيَجْعَلُكُمْ صُوَرًا أَشْبَاحًا..
{فِي الْأَرْحَامِ} فِي أَرْحَامِ أُمَّهَاتِكُمْ..
{كَيْفَ يَشَاءُ} كَيْفَ شَاءَ وَأَحَبَّ، فَيُجْعَلُ هَذَا ذَكَرًا وَهَذَا أُنْثَى، وَهَذَا أَسْوَدُ وَهَذَا أَحْمَرُ، يُعَرِّفُ عِبَادَهُ بِذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ مَنِ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ النِّسَاءِ مِمَّنْ صَوَّرَهُ وَخَلَقَهُ كَيْفَ شَاءَ، وَأَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مِمَّنْ صُوَّرَهُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ وَخَلَقَهُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ وَأَحَبَّ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِلَهًا لَمْ يَكُنْ مِمَّنِ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ رَحِمُ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ خَلَّاقَ مَا فِي الْأَرْحَامِ لَا تَكُونُ الْأَرْحَامُ عَلَيْهِ مُشْتَمِلَةً، وَإِنَّمَا تَشْتَمِلُ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ..
{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} وَهَذَا الْقَوْلُ تَنْزِيهٌ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى ذِكْرُهُ- نَفْسَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ نِدٌّ أَوْ مِثْلٌ، أَوْ أَنْ تَجُوزَ الْأُلُوهَةُ لِغَيْرِهِ.. وَتَكْذِيبٌ مِنْهُ لِلَّذِينَ قَالُوا فِي عِيسَى مَا قَالُوا، وَسَائِرِ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي عِيسَى، وَلِجَمِيعِ مَنِ ادَّعَى مَعَ اللَّهِ مَعْبُودًا، أَوْ أَقَرَّ بِرُبُوبِيَّةِ غَيْرِهِ.. ثُمَّ أَخْبَرَ -جَلَّ ثناؤُهُ- خَلْقَهُ بِصِفَتِهِ وَعِيدًا مِنْهُ لِمَنْ عَبَدَ غَيْرَهُ أَوْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَتِهِ أَحَدًا سِوَاهُ، فَقَالَ..
{الْعَزِيزُ} الَّذِي لَا يَنْصُرُ مَنْ أَرَادَ الِانْتِقَامَ مِنْهُ أَحَدٌ، وَلَا يُنَجِّيهِ مِنْهُ ملَجَأٌ، وَذَلِكَ لِعِزَّتِهِ الَّتِي يَذِلُّ لَهَا كُلُّ مَخْلُوقٍ، وَيَخْضَعُ لَهَا كُلُّ مَوْجُودٍ، ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ..
{الْحَكِيمُ}[آل عمران: 6] فِي تَدْبِيرِهِ، وَإِعْذَارِهِ إِلَى خَلْقِهِ، وَمُتَابَعَةِ حُجَجِهِ عَلَيْهِمْ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ.
 
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}[آل عمران: 7]​

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ} يَا مُحَمَّدُ..
{الْكِتَابَ} الْقُرْآنَ..
{مِنْهُ آيَاتٌ} مِنَ آيَاتِ الْقُرْآنِ..
{مُحْكَمَاتٌ} قَدْ أُحْكِمْنَ بِالْبَيَانِ وَالتَّفْصِيلِ، وَأُثْبِتَتْ حُجُجُهُنَّ وَأَدِلَّتِهِنَّ عَلَى مَا جُعْلِنَ أَدِلَّةً عَلَيْهِ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَثَوَابٍ وَعِقَابٍ، وَأَمْرٍ وَزَجْرٍ، وَخَبَرٍ وَمَثَلٍ، وَعِظَةَ وَعِبَرٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، ثُمَّ وَصَفَ جَلَّ ثناؤُهُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ بِـأَنَّهُنَّ..
{هُنَّ أُمُّ الْكِتَابٍ} أَصْلُ الْكِتَابِ الَّذِي فِيهِ عِمَادُ الدِّينِ وَالْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ، وَسَائِرِ مَا بِالْخَلْقِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، وَمَا كُلِّفُوا مِنَ الْفَرَائِضِ فِي عَاجِلِهِمْ وَآجِلِهِمْ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُنَّ أُمَّ الْكِتَابِ، لِأَنَّهُنَّ مُعْظَمُ الْكِتَابِ، وَمَوْضِعُ مَفْزَعِ أَهْلِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ.. وَوَحَّدَ أُمَّ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَجْمَعْ فَيَقُولُ: «هُنَّ أُمَّهَاتُ الْكِتَابِ»؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ أُمُّ الْكِتَابِ، لَا أَنَّ كُلَّ آيَةٍ مِنْهُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ آيَةٍ مِنْهُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، لَكَانَ لَا شَكَّ قَدْ قِيلَ:«هُنَّ أُمَّهَاتُ الْكِتَابِ»، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً}[المؤمنون:50] وَلَمْ يَقُلْ آيَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَجَعَلْنَا جَمِيعَهُمَا آيَةً، إِذْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا فِيمَا جَعَلَا فِيهِ لِلْخَلْقِ عِبْرَةً، وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ الْخَبَرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، بِأَنَّهُ جُعِلَ لِلْخَلْقِ عِبْرَةً، لَقِيلَ: «وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَتَيْنِ»؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُمْ عِبْرَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ رَجُلٍ، وَنَطَقَ ابْنُهَا فَتَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلنَّاسِ آيَةٌ..
{وَأُخَرُ} وَآيَاتٍ أُخَرَ .. جَمْعُ أُخْرَى..
{مُتَشَابِهَاتٌ} فِي التِّلَاوَةِ، مُخْتَلِفَاتٌ فِي الْمَعْنَى، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}[البقرة: 25] يَعْنِي فِي الْمَنْظَرِ مُخْتَلِفًا فِي الْمَطْعَمِ، وَكَمَا قَالَ مُخْبِرًا عَمَّنْ أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ قَالَ: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا}[البقرة: 70] يَعْنُونَ بِذَلِكَ: تَشَابَهَ عَلَيْنَا فِي الصِّفَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ..
{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَيْلٌ عَنِ الْحَقِّ، وَانْحِرَافٌ عَنْهُ..
{فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} مَا تَشَابَهَتْ أَلْفَاظُهُ وَتَصَرَّفَتْ مَعَانِيهِ بِوجُوهِ التَّأْوِيلَاتِ، لَيُحَقِّقُوا بِادِّعَائِهِمُ الْأَبَاطِيلَ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ فِي ذَلِكَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالزَّيْغِ عَنْ مَحَجَّةِ الْحَقِّ تَلْبِيسًا مِنْهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ ضَعُفَتْ مَعْرِفَتُهُ بِوجُوهِ تَأْوِيلِ ذَلِكَ وَتَصَارِيِفِ مَعَانِيهِ..
{ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} إِرَادَةُ الشُّبُهَاتِ وَاللَّبْسِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، احْتِجَاجًا بِهِ عَلَى بَاطِلِهِ الَّذِي مَالَ إِلَيْهِ قَلْبُهُ دُونَ الْحَقِّ الَّذِي أَبَانَهُ اللَّهُ فَأَوْضَحَهُ بِالْمُحْكَمَاتِ مِنْ آيِ كِتَابِهِ.. وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ، فَإِنَّهُ مَعْنِيُّ بِهَا كُلُّ مُبْتَدِعٍ فِي دِينِ اللَّهِ بِدْعَةً، فَمَالَ قَلْبُهُ إِلَيْهَا، تَأْوِيلًا مِنْهُ لِبَعْضِ مُتَشَابِهِ آيِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ حَاجَّ بِهِ وَجَادَلَ بِهِ أَهْلَ الْحَقِّ، وَعَدَلَ عَنِ الْوَاضِحِ مِنْ أَدِلَّةِ آيِهِ الْمُحْكَمَاتِ، إِرَادَةً مِنْهُ بِذَلِكَ اللَّبْسَ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَطَلَبًا لَعِلْمِ تَأْوِيلِ مَا تَشَابَهَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَأَيُّ أَصْنَافِ الْبِدْعَةِ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ كَانَ أَوِ الْيَهُودِيَّةِ أَوِ الْمَجُوسِيَّةِ، أَوْ كَانَ سَبَئِيًّا، أَوْ حَرُورِيًّا، أَوْ قَدَرِيًّا، أَوْ جَهْمِيًّا، كَالَّذِي قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ بِهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ»..
{وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} هُوَ مَعْرِفَةُ انْقِضَاءِ مُدَّةِ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِ أُمَّتِهِ، وَوَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ.. وَذَلِكَ التَّأْوِيلَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ..
{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} وَمَا يَعْلَمُ وَقْتَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ أُكُلِ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَّا اللَّهُ، دُونَ مَنْ سِوَاهُ مِنَ الْبَشَرِ الَّذِينَ أَمَّلُوا إِدْرَاكَ عِلْمِ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْحِسَابِ وَالتَّنْجِيمِ وَالْكَهَانَةِ..
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} وَأَمَّا الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ قَدْ أَتْقَنُوا عِلْمَهُمْ وَوَعَوْهُ فَحَفِظُوهُ حِفْظًا، لَا يَدْخُلُهُمْ فِي مَعْرِفَتِهِمْ وَعِلْمِهِمْ بِمَا عَلِمُوهُ شَكٌّ وَلَا لَبْسٌ ، فَـ..
{يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} آمَنَّا بِالْمُتَشَابِهِ، وَصَدَّقْنَا أَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ.. وَلَكِنَّ فَضْلَ عِلْمِهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِمُ الْعِلْمُ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَالِمُ بِذَلِكَ دُونَ مَنْ سِوَاهُ مِنْ خَلْقِهِ..
{كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} كُلُّ الْمُحْكَمِ مِنَ الْكِتَابِ وَالْمُتَشَابِهِ مِنْهُ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَهُوَ تَنْزِيلُهُ وَوَحْيُهُ إِلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
{وَمَا يَذَّكَّرُ} وَمَا يَتَذَكَّرُ وَيَتَّعِظُ وَيَنْزَجِرُ عَنْ أَنْ يَقُولَ فِي مُتَشَابِهِ آيِ كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ..
{إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}[آل عمران: 7] إِلَّا أُولُو الْعُقُولِ وَالنُّهَى.
 
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران: 8]​

{رَبَّنَا} يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ: آمَنَّا بِمَا تَشَابَهَ مِنْ آيِ كِتَابِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ وَالْمُحْكَمُ مِنْ آيِهِ مِنْ تَنْزِيلِ رَبِّنَا وَوَحْيِهِ، وَيَقُولُونَ أَيْضًا رَغْبَةً مِنْهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ، فِي أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُمْ مَا ابْتَلَى بِهِ الَّذِينَ زَاغَتْ قُلُوبُهُمْ مِنَ اتِّبَاعِ مُتَشَابِهِ آيِ الْقُرْآنِ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُ اللَّهِ، يَا رَبَّنَا..
{لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} لَا تُمِلْهَا فَتَصْرِفْهَا عَنْ هُدَاكَ، ولَا تَجْعَلْنَا مِثْلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَاغَتْ قُلُوبُهُمْ عَنِ الْحَقِّ فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِكَ..
{بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} فَوَفَّقْتَنَا لِلْإِيمَانِ بِمُحْكَمِ كِتَابِكَ وَمُتَشَابِهِهِ..
{وَهَبْ لَنَا} يَا رَبَّنَا..
{مِنْ لَدُنْكَ} مِنْ عِنْدَكِ..
{رَحْمَةً} تَوْفِيقًا وَثَبَاتًا لِلَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، مِنَ الْإِقْرَارِ بِمُحْكَمِ كِتَابِكَ وَمُتَشَابِهِهِ..
{إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران: 8] إِنَّكَ أَنْتَ الْمُعْطِي عِبَادَكَ التَّوْفِيقَ وَالسَّدَادَ لِلثَّبَاتِ عَلَى دِينِكَ وَتَصْدِيقِ كِتَابِكَ وَرُسُلِكَ.. وَفِي مَدْحِ اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِمَا مَدَحَهُمْ بِهِ مِنْ رَغْبَتِهِمْ إِلَيْهِ فِي أَنْ لَا يُزِيغَ قُلُوبَهُمْ، وَأَنْ يُعْطِيَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ، مَعُونَةٌ لَهُمْ لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ الْبَصِيرَةِ بِالْحَقِّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ، مَا أَبَانَ عَنْ خَطَأِ قَوْلِ الْجَهَلَةِ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّ إِزَاغَةَ اللَّهِ قَلْبَ مَنْ أَزَاغَ قَلْبَهُ مِنْ عِبَادِهِ عَنْ طَاعَتِهِ، وَإِمَالَتَهُ لَهُ عَنْهَا جَوْرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ الَّذِينَ قَالُوا: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}بِالذَّمِّ أَوْلَى مِنْهُمْ بِالْمَدْحِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا، لَكَانَ الْقَوْمُ إِنَّمَا سَأَلُوا رَبَّهُمْ مَسْأَلَتَهُمْ إِيَّاهُ «أَنْ لَا يَزِيغَ قُلُوبَهُمْ» أَنْ لَا يَظْلِمَهُمْ وَلَا يَجُورَ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ مِنَ السَّائِلِ جَهْلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ لَا يَظْلِمُ عِبَادَهُ وَلَا يَجُورُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ أَعْلَمَ عِبَادَهُ ذَلِكَ، وَنَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]، وَفِي فَسَادِ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ عَدْلًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِزَاغَةُ مَنْ أَزَاغَ قَلْبَهُ مِنْ عِبَادِهِ عَنْ طَاعَتِهِ، فَلِذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْمَدْحَ مَنْ رَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ لَا يُزِيغَهُ؛ لِتَوْجِيهِهِ الرَّغْبَةَ إِلَى أَهْلِهَا وَوَضْعِهِ مَسْأَلَتَهُ مَوْضِعَهَا، مَعَ تَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَغْبَتِهِ إِلَى رَبِّهِ فِي ذَلِكَ مَعَ مَحَلِّهِ مِنْهُ، وَكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ، يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُ كَيْفَ يَشَاءُ» ثُمَّ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ».
 
{رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[آل عمران: 9]
{رَبَّنَا} يَقُولُونَ أَيْضًا مَعَ قَوْلِهِمْ: آمَنَّا بِمَا تَشَابَهَ مِنْ آيِ كِتَابِ رَبِّنَا، كُلُّ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا يَا رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، رَبَّنَا..
{إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا شَكَّ فِيهِ فَاغْفِرْ لَنَا يَوْمَئِذٍ، وَاعْفُ عَنَّا..
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[آل عمران: 9] فَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ وَعَدَكَ أَنَّ مَنْ آمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَ رَسُولَكَ، وَعَمِلَ بِالَّذِي أَمَرْتَهُ بِهِ فِي كِتَابِكَ أَنَّكَ غَافِرُهُ يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ الْقَوْمِ مَسْأَلَةُ رَبِّهِمْ أَنْ يُثَبِّتَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ بَصِيرَتِهِمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ تَنْزِيلِهِ، حَتَّى يَقْبِضَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ وَجَبَتْ لَهُمُ الْجَنَّةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَعَدَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ مِنْ عِبَادِهِ أَنَّهُ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، فَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الْخَبَرِ، فَإِنَّ تَأْوِيلَهَا مِنَ الْقَوْمِ مَسْأَلَةٌ وَدُعَاءٌ وَرَغْبَةٌ إِلَى رَبِّهِمْ.
 
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِي عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ}[آل عمران: 10]
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}
إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا الْحَقَّ الَّذِي قَدْ عَرَفُوهُ مِنْ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمُنَافِقِيهِم ْ، وَمُنَافِقِي الْعَرَبِ وَكُفَّارِهِمُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، فَهُمْ يَتَّبِعُونَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الْمُتَشَابِهَ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ..
{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}
لَنْ تُنْجِيَهُمْ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ إِنْ أَحَلَّهَا بِهِمْ عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا عَلَى تَكْذِيبِهِمْ بِالْحَقِّ بَعْدَ تَبَيُّنِهِمْ، وَاتِّبَاعِهِمُ الْمُتَشَابِهَ طَلَبَ اللَّبْسِ فَتَدْفَعَهَا عَنْهُمْ، وَلَا يُغْنِي ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنْهَا شَيْئًا..
{وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ}[آل عمران: 10]
يَعْنِي بِذَلِكَ حَطَبَهَا..
 
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[آل عمران: 11]
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ}
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا عِنْدَ حُلُولِ عُقُوبَتِنَا بِهِمْ، كَسُنَّةِ آلِ فِرْعَوْنَ وَعَادَتِهِمْ.. وَأَصْلُ الدَّأْبِ مِنْ دَأَبْتَ فِي الْأَمْرِ دَأَبًا، إِذَا أَدْمَنْتُ الْعَمَلَ وَالتَّعَبَ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّ الْعَرَبَ نَقَلَتْ مَعْنَاهُ إِلَى الشَّأْنِ وَالْأَمْرِ وَالْعَادَةِ..
{وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ عُوجِلُوا بِالْعُقُوبَةِ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ رَبَّهُمْ مِنْ قَبْلِ آلِ فِرْعَوْنَ، مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَقَوْمِ هُودٍ وَقَوْمِ لُوطٍ وَأَمْثَالِهِمْ ..
{كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ}
فَأَخَذْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُ مْ حِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا، فَلَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا حِينَ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا..
{وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[آل عمران: 11]
لِمَنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَ رُسُلَهُ بَعْدَ قِيَامِ الْحِجَّةِ عَلَيْهِ.
 
{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}[آل عمران: 13]
{قَدْ كَانَ لَكُمْ} قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ بَلَدِكَ: قَدْ كَانَ لَكُمْ..
{آيَةٌ} عَلَامَةً وَدِلَالَةً عَلَى صِدْقِ مَا أَقُولُ أَنَّكُمْ سَتُغْلَبُونَ وَعِبْرَةٌ، وَتَفَكَّرٌ..
{فِي فِئَتَيْنِ} فِرْقَتَيْنِ وَحِزْبَيْنِ.. وَالْفِئَةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ..
{الْتَقَتَا} لِلْحَرْبٍ، وَإِحْدَى الْفِئَتَيْنِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِمَّنْ شَهِدَ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَالْأُخْرَى مُشْرِكُو قُرَيْشٍ..
{فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} جَمَاعَةٌ تُقَاتِلُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَعَلَى دِينِهِ، وَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ..
{وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} وَهُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ..
{يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} يَرَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَيْهِمْ، يَعْنِي مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ لِتَقْلِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ فِي حَالٍ، فَكَانَ حَزْرُهُمْ إِيَّاهُمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ عَنِ التَّقْلِيلِ الْأَوَّلِ، فَحَزَرُوهُمْ مِثْلَ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ تَقْلِيلًا ثَالِثًا، فَحَزَرُوهُمْ أَقَلَّ مِنْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ..
{وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ} يُقَوِّي الْمُسْلِمَةَ وَهُمْ قَلِيلٌ عَدَدُهُمْ، عَلَى الْكَافِرَةِ وَهُمْ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ حَتَّى ظَفِرُوا بِهِمْ.. مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَدْ أَيَّدْتُ فُلَانًا بِكَذَا: إِذَا قَوَّيْتُهُ وَأَعَنْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ}، يَعْنِي: ذَا الْقُوَّةِ..
{بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ} إِنَّ فِيمَا فَعَلْنَا بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا أَمْرَهُمْ مِنْ تَأْيِيدِنَا الْفِئَةَ الْمُسْلِمَةَ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِمْ، عَلَى الْفِئَةِ الْكَافِرَةِ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهَا..
{لَعِبْرَةً} لَمُتَفَكَّرًا وَمُتَّعَظًا..
{لِأُولِي الْأَبْصَارِ}[آل عمران: 13] لِمَنْ عَقَلَ وَادَّكَرَ فَأَبْصَرَ الْحَقَّ.
 
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}[آل عمران: 12]
{قُلْ} يَا مُحَمَّدُ..
{لِلَّذِينَ كَفَرُوا} مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْ آيِ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ..
{سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} وَتُجْمَعُونَ فَتُجْلَبُونَ..
{إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}[آل عمران: 12] وَبِئْسَ الْفِرَاشُ جَهَنَّمُ الَّتِي تُحْشَرُونَ إِلَيْهَا.
{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}[آل عمران: 13]
{قَدْ كَانَ لَكُمْ} قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ بَلَدِكَ: قَدْ كَانَ لَكُمْ..
{آيَةٌ} عَلَامَةً وَدِلَالَةً عَلَى صِدْقِ مَا أَقُولُ أَنَّكُمْ سَتُغْلَبُونَ وَعِبْرَةٌ، وَتَفَكَّرٌ..
{فِي فِئَتَيْنِ} فِرْقَتَيْنِ وَحِزْبَيْنِ.. وَالْفِئَةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ..
{الْتَقَتَا} لِلْحَرْبٍ، وَإِحْدَى الْفِئَتَيْنِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِمَّنْ شَهِدَ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَالْأُخْرَى مُشْرِكُو قُرَيْشٍ..
{فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} جَمَاعَةٌ تُقَاتِلُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَعَلَى دِينِهِ، وَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ..
{وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} وَهُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ..
{يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} يَرَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَيْهِمْ، يَعْنِي مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ لِتَقْلِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ فِي حَالٍ، فَكَانَ حَزْرُهُمْ إِيَّاهُمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ عَنِ التَّقْلِيلِ الْأَوَّلِ، فَحَزَرُوهُمْ مِثْلَ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ تَقْلِيلًا ثَالِثًا، فَحَزَرُوهُمْ أَقَلَّ مِنْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ..
{وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ} يُقَوِّي الْمُسْلِمَةَ وَهُمْ قَلِيلٌ عَدَدُهُمْ، عَلَى الْكَافِرَةِ وَهُمْ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ حَتَّى ظَفِرُوا بِهِمْ.. مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَدْ أَيَّدْتُ فُلَانًا بِكَذَا: إِذَا قَوَّيْتُهُ وَأَعَنْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ}، يَعْنِي: ذَا الْقُوَّةِ..
{بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ} إِنَّ فِيمَا فَعَلْنَا بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا أَمْرَهُمْ مِنْ تَأْيِيدِنَا الْفِئَةَ الْمُسْلِمَةَ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِمْ، عَلَى الْفِئَةِ الْكَافِرَةِ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهَا..
{لَعِبْرَةً} لَمُتَفَكَّرًا وَمُتَّعَظًا..
{لِأُولِي الْأَبْصَارِ}[آل عمران: 13] لِمَنْ عَقَلَ وَادَّكَرَ فَأَبْصَرَ الْحَقَّ.
 
عودة
أعلى