عدنان البحيصي
New member
- إنضم
- 01/03/2006
- المشاركات
- 144
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
بسم الله الرحمن الرحيم
{ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }
( آل عمران:7)
الإهداء
إلى المعظمين لله تعالى، الرافعين لواء التوحيد.
إلى الدعاة لدين الله في كل مكان.
إلى الباحثين عن آيات الله في الأنفس والآفاق.
إلى المتخصصين في العلوم الإسلامية والدنيوية.
إلى روح والدي وإلى والدتي وزملائي وأساتذتي.
أهدي هذا الجهد البسيط راجياً من الله أن يجعل ثواب هذا العمل في ميزان حسناتي إنه نعم المولى ونعم النصير.
الباحث
الشكر والتقدير
أتقدم بشكري وتقديري لكل من ساهم في إنجاز هذا البحث سواء شارك بجهده أو بتوجيهه أو بوقته من أساتذة كرام وأخص الدكتور: عبد الكريم الدهشان، وموظفي مكتبة جامعة القدس المفتوحة، وموظفي مكتبة الجامعة الإسلامية، ولمن ساهم في هذا البحث المتواضع جزاهم الله عنا خير جزاء.
هذا وبالله التوفيق...
الباحث
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمد الشاكرين، القائل في كتابه العزيز { وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد }( إبراهيم:7)، والحمد لله الذي امتن على عباده بنبيه المرسل، وكتابه المنزل، ليخرجهم من ظلمات الكفر والجهالة إلى نور الخير والهداية، ومن جور الأديان، إلى عدل الإسلام، ومن عبودية العباد إلى عبودية رب العباد.
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه، واستن بسنته إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً وبعد:
فإن هذا القرآن الكريم هو دستورنا الأعظم، وشرعة الإنسانية السمحاء، فما زال هذا القرآن بحراُ زاخراُ بأنواع العلوم والمعارف،( يحتاج من يرغب في الحصول على لآلئه الغوص في أعماقه) ولا يكون ذلك إلا من خلال علم التفسير، الذي هو أشرف العلوم وأجلها وأعظمها أجراَ وأنبلها مقصداً، وأرفعها ذكراً.
فلذلك حثّ الله – تعالى – عباده المؤمنين على تدبر كتابه وفهم معانيه، والغوص في أعماقه للكشف عن لآلئه.
قال تعال: { أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبِ أقفالها} ( محمد:24)، وكذلك حث الله – تعالى – عباده المؤمنين على أن ينفروا ليتعلموا كتابه، ويتفهوا دينه، ومن ثم يرشدون أقوامهم ويعلمونهم.
قال تعالى: { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} ( التوبة: 122).
وقد بين رسول الله أن خير الناس من علم الكتاب وعلمه، فعن عثمان بين عفان رضي الله عنه قال: قال: رسول الله : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه)(1).
ومما لاشك فيه أن علوم القرآن والتفسير، هي خير العلوم على وجه الإطلاق لأنها متعلقة بخير الكلام، كلام رب العالمين.
وهذا العلم له أهمية عظيمة في حياة الأمم وشعوبها، فيوم أن فهمت الأمة كتاب الله واتخذته دستوراً لها، كانت لها السيادة والريادة، ويوم أن نبذت كتاب الله جانباً، ورضيت بالمناهج الوضعية دستوراَ ومشرعاَ، كان لها الهزيمة والضياع والخسران.
ومن أجل هذا حاول أعداء الله النيل من أمة محمد وذلك من خلال الطعن بكتاب الله – عز وجل – وصدّ الناس عن إتباعه وفهمه، والترويج للأفكار الوضعية لتكون بديلاً عن هذا الكتاب العظيم، ولكن أني لهم هذا وقد تكفّل الله بحفظ هذا الدين.
قال تعال: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ( الحجر:9 ).
ومما ولا شك فيه أن الباحثين والقائمين على خدمة كتاب الله تعالى، هم أداة من قدر الله لحفظ هذا الكتاب، سخرهم الله تعالى، لنيل هذا الشرف العظيم.
فلذلك أحببت أكون واحداَ من هؤلاء الدارسين والباحثين لكتاب الله، لأنهل من هذا العلم الذي لا تنتهي عجائبه.
ولقد كان ظهور التفسير الموضوعي كعلم مستقل بذاته بمثابة فتح لطالب العلم وللباحث، لذا رأيت قبل أن ألج إلى سورة النبأ وسورة تبارك أن أمهد بموجز عن هذا العلم الجديد مصطلحاً ، القديم عملاً، خاصة أنني سأتبع لون التفسير الموضوعي عند تفسيري لهاتين السورتين.
ووقع اختياري على سورة النبأ لتكون موضوع البحث لما فيها من لطائف لفتت انتباهي ودروس تربوية للدعاة، وبناء للعقيدة، وهدم للوثنيات.
أما سورة تبارك فهي تجعل المتأمل فيها في حالة من اليقظة المستمرة، بعرضها لمشاهد الجنة والنار، وخطاب الملائكة للكفار، والنظر إلى آيات الله والتفكر فيها، من الطير الصافّة، والنجوم العالية،كما أنها تعرض الحكمة من خلق الموت والحياة.
وأسأل الله – عز وجل – أن يوفقني لما يوجب رضاه وأن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به الإسلام والمسلمين
الباحث
عدنان أحمد البحيصي
الفصل الأول: ( التفسير الموضوعي )
ويضم ما يلي:
• أولاً : تعريف التفسير الموضوعي
• ثانياً : نشأة التفسير الموضوعي
• ثالثاً : ألوان التفسير الموضوعي
• رابعا : أسباب ظهور التفسير الموضوعي
• خامساً : أهمية التفسير الموضوعي
أولاً : تعريف التفسير الموضوعي
يتألف مصطلح التفسير الموضوعي من جزأين مركبا تركيباً وصفياً.
التفسير لغة:
مصدر على وزن تفعيل، فعله الثلاثي " فَسَر" والفعل الماضي من المصدر " تَفَسَّر" مضعف بالتشديد، وهو " فسَّر يُفَسر تفسَيرا" أي هو الكشف والبيان والتوضيح للمعني المعقول وإزالة إشكاله وكشف مراد الله فيه(2).
في الاصطلاح:
علم يكشف به عن معاني آيات القرآن وبيان مراد الله تعالى حسب الطاقة البشرية(3).
الموضوعي:
الموضوع لغة: مشتق من الوضع.
والوضع: جعل الشيء في مكان ما، سواء كان ذلك بمعنى الحط والخفض أو بمعني الالتقاء والتثبت في المكان.
الأول: وضع مادي حسي، ومنه: وضعه على الأرض، بمعني حطه وإلقائه وتثبيته عليها.
الثاني: وضع معنوي، ومنه: الوضيع، وهو الدنيء المهان الذليل، الذي قعدت به همته أو نسبه، فكأنه ملقى على الأرض، موضوع عليها: لا يفارق موضعه الذي التصق به أي أن النوعين يلتقيان على البقاء في المكان وعدم مفارقته، أي أن التفسير مع الموضوع لا يفارقه(1).
أما تعريف مصطلح التفسير الموضوعي:
هو علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر(2).
ثانياً : نشأة التفسير الموضوعي
لم يظهر مصطلح " التفسير الموضوعي" إلا في القرن الرابع عشر الهجري إلا أن لبنات هذا اللون من التفسير وعناصره الأولى كانت موجودة منذ عصر التنزيل في حياة رسول الله (2).
وبما أن التفسير الموضوعي ظهر حديثاً؛ لذا لم يتكلم المفسرون السابقون عن قواعده وخطواته وألوانه، ولكن العلماء والباحثين المعاصرين أقبلوا عليه يدرسونه ويقصدونه ويتحدثون عن قواعده وأسسه وكيفيته.
فظهرت مؤلفات كثيرة في هذا المجال ومنها كتاب " الأشباه والنظائر" لمؤلفه مقاتل بن سليمان البلخي المتوفى سنة 150هـ وذكر فيه الكلمات التي اتحدت في اللفظ واختلفت دلالاتها حسب السياق في الآية الكريمة.
وإلى جانب هذا اللون ظهرت دراسات تفسيرية لم تقتصر على الجوانب اللغوية بل جمعت بين الآيات التي تربطها رابطة واحدة أو تدخل تحت عنوان معين، كالناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم بن سلام التوفي سنة 224هـ ولازال هذا الخط مستمر إلى يومنا هذا(1).
وقد توجهت أنظار الباحثين إلى هدايات القرآن الكريم حول معطيات الحضارات المعاصرة وظهور المذاهب والاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية، والعلوم الكونية والطبيعية.
ومثل هذه الموضوعات لا تكاد تتناهى فكلما جد جديد في العلوم المعاصرة، التفت علماء المسلمين إلى القرآن الكريم ليسترشدوا بهداياته وينظروا في توجيهات الآيات الكريمة في مثل هذه المجالات(2).
ثالثاً : أقسام التفسير الموضوعي
• أقسام التفسير الموضوعي:
ويمكن حصر أقسام هذا التفسير في ثلاثة أقسام:
القسم الأول: التفسير الموضوعي للمصطلح القرآني: بحيث يختار الباحث لفظة أو مصطلحاً، تتكرر في القرآن كثيراً، فيتتبعها من خلال القرآن، ويأتي بمشتقاتها ويستخرج منها الدلالات واللطائف.
القسم الثاني: التفسير الموضوعي لموضوع قرآني: بحيث يختار الباحث موضوعاً من القرآن، له أبعاده الواقعية في الحياة أو العلم أو السلوك.....، مما يفيد المسلمين منه ويشكّل منه موضوعا معينا، يخرج بخلاصة تساعد على حل مشاكل المسلمين ومعالجة أمورهم.
القسم الثالث: التفسير الموضوعي للسور القرآنية: وهو أن يختار الباحث سورة من القرآن، تكون مدار بحثه – وهذا موضوع الباحث في هذا البحث – ويخرج منها بدراسة موضوعية متكاملة(1).
وهناك نوع رابع من أنواع التفسير الموضوعي وهو: [ التفسير الموضوعي للقرآن الكريم متكاملا]، بحيث تتضافر جهود عدد من الطلاب للبحث في الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم، وإخراجه في صورة واقعية وإلى حيز الوجود.
وهذه فكرة طيبة، تحتاج إلى من يتبناها ويدعّمها، ويحوطها بالعناية لتكون لبنة طيبة في هذا المجال الجديد.
رابعا : أسباب ظهور التفسير الموضوعي
إن من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور التفسير الموضوعي هي:
1- تجدد حاجات المجتمع وبروز أفكار جديدة ونظريات علمية حديثة لا يمكن تغطيتها ورؤية حلول صحيحة لها إلا باللجوء إلى التفسير الموضوعي، والطبيعة العامة لهذا العصر حيث شهد تحكم الجاهلية في العالم وقيادتها للبشرية وانتفاش الكفر، والآراء الجاهلية الكافرة ووصولها إلى عقول المجتمعات الإسلامية وتصعيد الغزو الفكري ضد المسلمين بشتى الوسائل المرئية والمسموعة، مما دعت الحاجة من المفكرين المسلمين من التوجه إلى القرآن الكريم وتدبّره واستخراج حقائقه ودلالاته التي فيها تفنيد هذه الأفكار الضالة الكافرة الغازية ومواجهتها ووقاية المسلمين من شرورها، وفي هذا حسن إدراك المفكرين المسلمين المعاصرين لمهمة القرآن الجهادية في المواجهة، مثل قوله تعالى:{ فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبير}( الفرقان:52).
2- الوضع العام المحزن للمسلمين في هذا العصر، حيث تم القضاء على الخلافة الإسلامية وأقصي الإسلام عن الحكم والتوجيه، ونشأت مناهج حياة في بلاد المسلمين على أسس غير إسلامية، وأصبح الإسلام غريباً في مؤسساته، مما دعا العلماء المسلمين إلى العودة إلى القرآن والالتزام به وتطبيق توجيهاته ومبادئه في حياتهم.
3- مواكبة التطور العلمي المعروف في هذا العصر، حيث شهد العصر الحديث تجوع العلماء والباحثين إلى مزيد من التخصص الدقيق، والتعمق المنهجي العلمي وتجميع الجزيئات المتفرقة في اطر عامة موحدة(1).
4- إصدار أعمال علمية موضوعية عامة تتعلق بالقرآن وألفاظه وموضوعاته ساعدت هذه الدراسات المعجمية العلمية الباحثين في القرآن الكريم وسهلت عليهم استخراج الموضوعات القرآنية من السور والآيات.
5- التفات أقسام التفسير في الدراسات العليا في الكليات الشرعية والجامعية وتشجيع طلاب العلم إلى الكتابة في التفسير الموضوعي والبحث في الموضوعات القرآنية(2).
خامساً : أهمية التفسير الموضوعي
التفسير الموضوعي هو تفسير العصر والمستقبل وله أهمية كبرى عند المسلمين وحاجتهم إليه ماسة، وهذا التفسير يحقق للمسلمين فوائد عديدة من حيث صلتهم بالقرآن وتعرفهم على مبادئه وحقائقه، وتشكيل تصوراتهم وتكوين ثقافتهم، ومن حيث عملهم على إصلاح أخطائهم وتكوين مجتمعاتهم، والوقوف أمام أعداء الإسلام(3).
وتبرز أهمية التفسير الموضوعي في:
1- حل مشكلات المسلمين المعاصرة وتقديم الحلول لها على أسس حث عليها القرآن الكريم.
2- تقديم القرآن الكريم تقديماً علمياً منهجياً لإنسان هذا العصر، وإبراز عظمة هذا القرآن وحسن عرض مبادئه وموضوعاته، واستخدام المعارف والثقافات والعلوم المعاصرة أداة لهذا الغرض.
3- بيان مدى حاجة الإنسان المعاصر إلى الدين عموماً وإلى الإسلام خصوصاً، وإقناعه بأن القرآن هو الذي يحقق له حاجاته ومتطلباته.
4- يقوم العلماء والباحثون بالوقوف أمام أعداء الله وتفنيد آرائهم وأفكار الجاهلية(1).
5- عرض أبعاد ومجالات آفاق جديدة لموضوعات القرآن، وهذه الأبعاد تزيد إقبال المسلمين على القرآن.
6- إظهار حيوية وواقعية القرآن الكريم حيث إنه يصلح لكل زمان ومكان فلا ينظر الباحثون إلى موضوعات القرآن على أنها موضوعات قديمة نزلت قبل خمسة عشر قرنا، وإنما يعرضونها في صورة علمية واقعية تناقش قضايا ومشكلات حية.
7- التفسير الموضوعي يتفق مع المقاصد الأساسية للقرآن الكريم، ويحقق هذه المقاصد في حياة المسلمين.
8- التفسير الموضوعي أساس تأصيل الدراسات القرآنية وعرضها أمام الباحثين عرضاً قرآنياً منهجياً وتصويب هذه الدراسات وحسن تخليصها مما طرأ عليها من مشارب وأفكار غير قرآنية.
9- عن طريق التفسير الموضوعي يستطيع الباحث أن يبرز جوانب جديدة من وجود إعجاز القرآن الذي لا تنقضي عجائبه.
10- تأهيل الدراسات القرآنية وتصحيح مسارها.
11- بالتفسير الموضوعي ينفذ الباحثون أمر الله بتدبر القرآن الكريم وإمعان النظر فيه وإحسان فقهه وفهم نصوصه(2).
الفصل الثاني
التفسير الموضوعي لسورة النبأ
ويتضمن
• أولا:التمهيد:
التعريف بالسورة:
- اسم السورة وعدد آياتها.
- زمن نزول السورة والجو الذي نزلت فيه.
- مناسبة السورة لما قبلها.
- مناسبة السورة لما بعدها.
- مناسبة افتتاحية السورة لخاتمتها.
• ثانيا: المحور الرئيسي للسورة:
إثبات عقيدة الإيمان باليوم الآخر.
• ثالثا: الأهداف الفرعية للسورة:
مشاهد يوم القيامة
• رابعا:
قد أعذر من أنذر.
التفسير الموضوعي لسورة النبأ
لقد أفردت للتفسير الموضوعي للسورة فصلاً خاصاً، وهو يشتمل على.
أولا: التمهيد ( بين يدي السورة)
ثانياً: موضوع السورة الأساسي حيث يتكلم عن إثبات عقيدة البعث، حيث إن السورة قد ذكرت تساؤل الكفار الذي شغل أذهانهم حتى صاروا فيه ما بين مصدق ومكذب، ثم أقامت الدلائل والبراهين على قدرة رب العالمين الذي لا يعجزه إعادة خلق الإنسان بعد فنائه.
ثالثاً: تناولت فيه مشاهد يوم البعث الذي صدر وقته وميعاده ومشهد الطغاة في النيران ومشهد التقاة في الجنان.
رابعاً: تناولت فيه ختام الآيات وموقف المقربين من الله وموقف الذين تساءلوا في ارتياب، لقد أعذر من أنذر.
موضوع السورة الأساسي ومحورها
( إثبات عقيدة البعث )
ويتكون من:
1- تساؤل الكفار عن اليوم الآخر.
2- الدلائل على قدرة الله
.
التعريف بالسورة:
سورة النبأ مكية بالإجماع، فقد أخرج البيهقي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه قال: نزلت { عم يتساءلون } [ أي : سورة النبأ] بمكة(1)، وعدد آياتها أربعون، وكلماتها مائة وثلاثة وسبعون، وحروفها ثمانمائة وست عشرة، يبدأ الجزء الثلاثون بسورة النبأ وهو يعني بجانب العقيدة وتسمى بسورة ( عمّ ) وسورة ( النبأ ) لافتتاحها بقول الله تعالى: { عم يتساءلون عن النبأ العظيم} وهو خبر القيامة والبعث الذي يهتم بشأنه ويسأل الناس عن وقته وحدوثه(2)
سبب نزول السورة:
{ عم يتساءلون}: أخرج ابن جرير عن الحسن البصري قال: لما بعث النبي جعلوا يتساءلون بينهم، فنزلت: { عم يتساءلون عن النبأ العظيم }(3).
1- مناسبة سورة النبأ لما قبلها وهي سورة المرسلات:
إن سورة المرسلات ختمت بقوله تعالى: { فبأي حديث بعده يؤمنون }، وكان المراد بالحديث فيه القرآن، افتتح الله سورة النبأ بتهويل التساؤل عنه والاستهزاء به، وهو مبني على ما روى ابن عباس ومجاهد وقتادة أن المراد بالنبأ العظيم: القرآن، وعلى القول بأن المراد بالنبأ العظيم اليوم الآخر، فإن الصلة كذلك قائمة، إذ أن الحديث عن اليوم الآخر يستغرق معظم سورة المرسلات وهو مبني على رأي الجمهور على أنه البعث(4)
2- مناسبة السورة لما بعدها من وجوه:
أ- اشتمال السورة على إثبات القدرة على البعث الذي ذكر في سورة النبأ { أن الكافرين كذبوا به}.
ب- أن في هذه السورة وما بعدها تأنيباً للمكذبين، فهنا قال تعالى: { ألم نجعل الأرض مهاداً}، وهناك قال: { إنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة}، وأن في كل منهما وصف الجنة والنار وما ينعم به المتقون وما يعذّب به المكذبون.
جـ - في كل منهما وصف لبعض مشاهد يوم القيامة.
3- مناسبة افتتاحيه السورة بخاتمتها:
نجد السورة تبدأ بقوله تعالى: { عم يتساءلون عن النبأ العظيم....}، فهي تبدأ بذكر تساؤل يطرحه الكافرون وترد عليه، وتنتهي السورة بقوله تعالى: { إنا أنذرناكم عذاباً قريباً، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً}، فبداية السورة تتحدث عن تساؤل الكافرين، ونهاية السورة تتحدث عن الإنذار، وكذلك صلاته بمحور السورة(1).
ثانيا : المحور الأساسي للسورة ( إثبات عقيدة الإيمان باليوم الآخر)
1- تساؤل الكفار:
{ عم يتساءلون، عن النبأ العظيم، الذي هم فيه مختلفون، كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون}.
ابتدأت السورة الكريمة بسؤال (( عم )) أصله عما، فحذف منه الألف إما فرقا بين ما الاستفهامية وغيرها أو قصدا للخفة لكثرة استعمالها، وقد قرئ على الأصل وما فيها من الإبهام للإيذان بفخامة شأن المسئول عنه وهوله، وخروجه عن حدود الأجناس المعهود أي شيء عظيم الشأن ( يتساءلون ) وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على إثبات أي هم راسخون في الاختلاف فيه(1).
وهذا الموضوع الذي شغل أذهان الكثيرين من كفار مكة حيث أصبحوا ما بين مصدق ومكذب، وقال مجاهد وغيره أنه البعث، وما يدل على أنه البعث أن كفار العرب ينكرون الميعاد فقال عنهم الله تعالى: { وما نحن بمبعوثين } ( المؤمنون:37).
وطائفة منهم غير جازمة بل شاكة فيه كما قال تعالى: { إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين} ( الجاثية:33)، ثم قال متوعدا لمنكري البعث { كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون}. وهنا تهديد شديد ووعيد أكيد(2)..
2- دلائل قدرة الله:
{ ألم نجعل الأرض مهادا، والجبال أوتادا، وخلقناكم أزواجا، وجعلنا نومكم سباتا، وجعلنا الليل لباسا، وجعلنا النهار معاشا}.
ثم شرع الله تعالى يبين عظيم قدرته وآيات رحمته التي غفل عنها هؤلاء المنكرون، أي كيف تنكرون أو تشكون أيها الجاحدون في البعث والنشور، وقد رأيتم ما يدل على قدرة الله التامة وعلمه المحيط بكل السماء، انظروا إلى الأرض جعلناها ممهدة وموطئاً للناس والدواب، يقيمون عليها وينتفعون بها وبخيراتها، ألا ينظرون إلى هذه الأرض التي منها خلقوا وفيها سيعودون ومنها سيخرجون منها تارة أخرى شاءوا أم أبوا.
قال تعالى: { والجبال أوتادا}، أي جعلنا الجبال للأرض كالأوتاد كي لا تميد أو تضطرب بأهلها.
ثم قال: { وخلقناكم أزواجا}، أي وجعلناكم أصنافاً ذكوراً وإناثاً، ليتمتع كل منكم بالآخر، وليتم حفظ الحياة بالإنسان والتوليد وتكملتها بالتربية والتعليم، قال تعالى: { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
ثم قال تعالى: {و جعلنا نومكم سباتا}، السبات الموت، والنوم نعمة كبرى على الناس، ولقد شبه الله الموت بالنوم واليقظة بالبعث والنشور(1)، فالنوم يريح القوى من تعبها وينشطها من كسلها.
ثم قال تعالى: { وجعلنا الليل لباساً}، أي جعل الليل يستركم بظلامه كما قال تعالى: { والليل إذا يغشاها}.
ثم قال تعالى: { وجعلنا النهار معاشاً}، أي جعل النهار مشرقا ليتمكن الناس من تحصيل المعاش والتكسّب وغير ذلك.
قال تعالى: { وبنينا فوقكم سبعاً شداداً}، يعني السماوات في اتساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها وتزيينها بالكواكب الثوابت و السيارات.
{ وجعلنا سراجاً وهاجاً}، وهو يعني الشمس التي يتوهج ضوؤها لأهل الأرض كلهم(2) .
ثم قال تعالى: { وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجا، لنخرج به حباً ونباتا، وجنات ألفافا}، المعصرات يعني الغيوم المتكاثفة التي تنعصر بالماء ولم تمطر بعد، والثجاج السريع الاندفاع، لتخرج بذلك الماء الكثير النافع الطيب، حبا يقتات به الناس ونباتات وبساتين وحدائق ذات بهجة وأغصان ملتفة على بعضها، وثمرات متنوعة ذات طعوم وروائح متفاوتة(1).
ويتضح في الآيات التقاء العلم مع الإيمان الصادق بقدرة الله وعظمته، فكلما ارتقت معارف الإنسان وازدادت معرفته بطبيعة هذا الكون، أدرك من وراءها التقدير الإلهي العظيم والتدبير الدقيق المحكم والتنسيق بين أفراد الوجود وحاجاتهم، فكل الدلائل السابقة أثبت العلم صحتها من القرآن، اذكر مع سبيل المثال: حقيقة الجبال فهي تحفظ توازن الأرض لعدة أسباب منها:
تعادل نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال ومنها قد يكون تعادل بين التقلصات الجوفية للأرض والتقلصات السطحية، وقد يكون لأنها تثقل الأرض في نقطة معينة فلا تميد بفعل الزلازل والبراكين والاهتزازات الجوفية، وقد يكون السبب آخر لم يكشف عنه بعد(2).
علاقة الآيات بما قبلها:
إن الله عز وجل ذكر دلائل قدرته إلزاما للكافرين بالحجج الدافعة على قدرته على البعث والنشور، كما أنه اقتدر أن يخلق هذه الكائنات، وأنه سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
ثالثا: (مشاهد يوم القيامة)
ويشتمل على
1- علامات يوم البعث.
2- مشهد الطغاة في النيران.
3- مشهد التقاة في الجنان.
1- علامات يوم البعث:
{ إن يوم الفصل كان ميقاتا، يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا، وفتحت السماء فكانت أبوابا، وسيرت الجبال فكانت سرابا}
أعقب الآيات السابقة ذكر البعث، وقد حدد وقته وميعاده، وهو أن يوم الفصل هو يوم الحساب والجزاء، وسمي بيوم الفصل لأنه يفصل فيه بين الخلائق، وجعل له وقتا وميعادا للأولين والآخرين، ويكون ذلك يوم ينفخ في الصور نفخة القيام من القبور، فيحضرون جماعات للحساب والجزاء، ثم ذكر من أوصاف هذا اليوم تتشقق السماء من كل جانب، فتكون كالأبواب في الجدران، كذلك قوله تعالى: { إذا السماء انشقت} ( الانشقاق 1)، ونسفت الجبال فأصبحت كالسراب يحسبه الناظر شيئا وهو وهم(1).
علاقة الآيات بما قبلها:
بعد أن بين دلائل قدرته على البعث، وذكر بعض مشاهد هذا البعث زيادة في تأكيد قدرته عليه وتخويفا للمنكرين الجاحدين له.
2- مشهد الطغاة في النيران:
يمضي السياق خطورة وراء النفخ والحشر، فيصور مصير الطغاة، ومصير التقاة، بادئاً بالأولين المكذبين المتسائلين عن النبأ العظيم.
قال تعالى: { إن جهنم كانت مرصادا، للطاغين مآبا، لابثين فيها أحقابا، لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا، إلا حميما وغسّاقا، جزاءاً وفاقاً، إنهم كانوا لا يرجون حسابا، وكذبوا بآياتنا كذابا، وكل شيء أحصيناه كتابا، فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا}.
إن جهنم خلقت ووجدت وكانت مرصاداً للطاغين، تنتظرهم وينتهون إليها فهي معدّة لهم، ومهيأة لاستقبالهم، فكانت جهنم مآبا لهم للإقامة الطويلة المتجددة أحقابا بعد أحقاب.
فشرابهم الماء الساخن والغسّاق الذي يغسق من أجساد المحروقين ويسيل {جزاء وفاقا } وهذا يوافق ما سلفوا وقدّموا { إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذّابا}، وجرس اللفظ فيه شدّة توحي بشدّة التكذيب وشدة الإصرار عليه، بينما كان الله يحصى عليهم كل شيء وهنا يجيء التأنيب الميئس من كل رجاء في تغيير أو تخفيف { فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا}(1).
علاقة الآيات بما قبلها:
بعد أن ذكر الله تعالى مشاهد من مشاهد يوم القيامة بين جزاء من كذب بيوم القيامة موضحاً أن تكذيبهم إنما يعود بالضرر عليهم.
3- ( مشهد التقاة في الجنان)
ثم يعرض المشهد المقابل، مشهد التقاة في النعيم.
{ إن للمتقين مفازا، حدائق وأعنابا، وكواعب أترابا، وكأساً دهاقا، لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا، جزاءً من ربك عطاءً حسابا}.
إن المتقين ينتهون إلى مفازة ومنجاة، تتمثل في الحدائق والأعناب وكواعب وهن الفتيات الناهدات اللواتي استدارت أثداؤهن، وأترابا متوافيات السن والجمال، وكأسا دهاقا ما كان فيه من شراب كلما فرغت ملئت مرة أخرى، فهم في حياة مصونة من اللغو والتكذيب الذي يصاحبه الجدل، { جزاءً من ربك عطاءُ حساباً }، وتلمح هنا ظاهرة الأناقة في التعبير والموسيقى في التقسيم بين ( جزاء) و( عطاء ) (2).
علاقة الآيات بما قبلها:
بعد أن ذكر الله تعالى عاقبة من كذب بيوم البعث بين جزاء من آمن به وصدق به..
رابعا: (قد أعذر من أنذر)
ويشتمل على:
1.موقف المقربين إلى الله.
2. موقف الذين يتساءلون في ارتياب.
1- موقف المقربين إلى الله:
{ رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا، يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا}.
إن موقف المقربين إلى الله وهم جبريل والملائكة، الأبرياء من الذنوب والمعصية موقفهم هكذا صامتين، لا يتكلمون إلا بإذن وحساب، يغمر الجو بالروعة والرهبة والإجلال والوقار(1).
علاقة الآيات بما قبلها:
تكملة لمشاهد اليوم الذي يتم فيه ذلك كله، يأتي المشهد الختامي في السورة حيث يقف جبريل والملائكة لا يتكلمون إلا ما هو صواب.
المطلب الثاني: ( موقف الذين يتساءلون في ارتياب)
{ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا، إنا أنذرناكم عذاباً قريبا، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا}.
في ظل هذا المشهد تنطلق صيحة من صيحات الإنذار، إنها الهزة العنيفة لأولئك الذين يتساءلون في شكٍ، فلا مجال للتساؤل والاختلاف والفرصة ما تزال سانحة قبل أن تكون جهنم مرصاداً ومآبا، وهو عذاب يؤثر الكافر العدم على الوجود، { يا ليتني كنت ترابا}، وهو أهون عليه من مواجهة الموقف المرعب الشديد، هو الموقف الذي يقابل تساؤل المتسائلين وشك المتشككين في ذلك النبأ العظيم !!!(2).
علاقة الآيات بما قبلها:
إنذار للبشر بعد عاقبة الكافرين، وعاقبة المتقين، ليختار كل واحد ما يريد.
الفصل الثالث
أولا:-
أساليب القرآن في عرض موضوعاته من خلال دراسة السورة.
ثانيا:-
ثمرة الإيمان باليوم الآخر في الدنيا والآخرة في حياة المسلم.
أولا:-
أساليب القرآن في عرض موضوعاته من خلال دراسة السورة.
ويشتمل على
أولا: أسلوب الترغيب والترهيب والوعيد.
ثانيا: الوصف.
ثالثا: الاستفهام والتعجب والتفخيم.
رابعا: الاستدلال العقلي.
أولا: أسلوب الترغيب والترهيب:
لقد استخدم القرآن الكريم أسلوبي الترهيب والترغيب في هذه السورة حينما ذكر مشهد الطغاة في النار { إن جهنم كانت مرصادا، للطاغين مآبا....}، وكذلك مشهد الترغيب حين ذكر مشهد التقاة في الجنة في قوله تعالى: { إن للمتقين مفازا، حدائق وأعنابا...}، هذان الأسلوبان يجعلان الإنسان في حالة يقظة دائمة ومراقبة للنفس، واجتهاد على العمل وإيقاظ للهمم.
ثانيا أسلوب الوصف:
لقد استخدم القرآن الكريم أسلوب وصفي للمشاهد والصور حين ذكر مشهد يوم الفصل، في قوله تعالى: { إن يوم الفصل كان ميقاتا....}، ومشهد العذاب بكل فوته وعنفه { إن جهنم كانت مرصادا....}، ومشهد النعيم كذلك وهو يتدفق تدفقاً، { إن للمتقين مفازا....}، كل هذا يعود بهم إلى النبأ العظيم(1).
ثالثا أسلوب الاستفهام والتعجب والتفخيم:
لم يكن السؤال في قوله تعالى: { عم يتساءلون} بقصد معرفة الجواب لهم، إنما للتعجب من حالهم وتوجيه النظر إلى غرابة تساؤلهم، بكشف الأمر الذي يتساءلون عن بيان حقيقته وصحته، عن النبأ العظيم لم يحدد ما يتساءلون عنه بلفظه إنما ذكر وصفه استطراداً في أسلوب التعجب والتضخيم وكان الخلاف عل اليوم الآخر بين الذين آمنوا به والذين كفروا به(2).
رابعا: أسلوب الاستدلال العقلي.
وخاصة مع أولئك الجاحدين المعاندين الذين لا تقبل نفوسهم النص، ونلحظه جليا في قوله
تعالى: { ألم نجعل الأرض مهادا....}.
ثانيا:-
ثمرة الإيمان بالله واليوم الآخر في حياة المسلم.
1- إن للأيمان باليوم اليوم الآخر أثرا عظيما في توجيه سلوك الإنسان في هذه الحياة الدنيا ذلك لأن الإيمان به، وبما فيه من حساب و ميزان، وثواب وعقاب وفوز وخسران، وجنة ونار له أعمق الأثر وأشده في سير الإنسان وانضباطه، والتزامه بالعمل الصالح وتقوى الله عز وجل.
2- المسلم مطلوب منه أن يقدم على الحق، ليدفع الباطل، وأن يجعل نشاطه كله في الأرض عبادة لله، وبالتوجه في هذا النشاط كله لله، ولابد من جزاء العمل، وهذا الجزاء لا يتم في رحلة الأرض، فيؤجل الحساب الختامي بعد نهابة الرحلة كلها... فلابد إذن من عالم آخر للحساب، وحين ينهار أساس الآخرة في النفس ينهار معه كل تصور لحقيقة هذه العقيدة وتكاليفها ولا تستقيم هذه النفس على طريق الإسلام أبداًُ(1).
3- الإيمان باليوم الآخر له أثر في تحريك العواطف مثل الخجل والحياء من الله تعالى والخشية من لقائه وحسابه والرغبة في تجنب سخطه وغضبه، وفي الوصول إلى مرضاته ومحبته وهذه العواطف إذا بقيت متوقدة في النفس، كانت حافزا للإنسان على العمل فيما يرضي الله(2).
4- الإيمان باليوم الآخر، يعلّم العبد كذلك أن شهوات الدنيا كلها لا تستحق منهم الطلب والجهد والتنافس فيها، وأن الذي يستحق إنما هو ما أعد لهم في ذلك اليوم العظيم(3).
5- الإيمان باليوم الآخر يجعل المسلم يؤمن أنه مراقب من الملائكة المرافقين له، الذين يقومون بتدوين كل أفعاله الصغيرة والكبيرة، ويقول تعالى: { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراً}(4).
6- الإيمان باليوم الآخر يكون كذلك سببا في الإخلاص في العمل(1).
7- الإيمان باليوم الآخر يكوّن في أعماق النفس دافعاً قويا إلى عمل الخير ومكافحة الشر، ويكون هذا الدافع أقوى من الجزاء الدنيوي(2).
8- الإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بالعدالة الإلهية المطلقة في الجزاء، وأن حياة الإنسان على هذه الأرض ليست سدى، إنما هي بميزان(3).
نتائج البحث
1- سورة النبأ سورة مكية بالإجماع، وعدد آياتها أربعون آية ويطلق عليها سورة ( عمّ).
2- إن القرآن الكريم أثبت صحة العلم خلال تعمق الإنسان في مخلوقات الله.
3- ظهر للباحث أن هذه السورة كغيرها من السور المكية تركز على أهداف القرآن المكي في تصحيح العقيدة المتمثلة في الإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وأهوال، واستخدام أسلوب الجمع بين الثواب والعقاب، فالبشارة للمؤمنين والعذاب للطغاة المجرمين.
4- الموضوع الأساسي للسورة هو ( الإيمان بعقيدة البعث)، فقد أثبت هذا الموضوع بأدلة مقنعة كافية للإجابة عن أسئلتهم.
5- تعتبر الأدلة الحسية أحدى الأساليب القرآنية في عرض موضوعاته.
6- ظهرت في السورة حقيقة أصل الإنسان وهو مخلوق من تراب { يا ليتني كنت ترابا}.
7- المنكرون للبعث ليس لهم دليل على إنكارهم؛ لأنه أمر من أمور الغيب وأمور الغيب لا يعلمها إلا الله.
8- ظهر في السورة أن موقف الكفار من البعث ما بين منكر أو كافر به وما ينتظرهم من عذاب، وموقف المؤمنين من البعث وما ينتظرهم من جنان.
9- لم يكن سيدنا محمد هو النبي الذي أخبر عن البعث، بل أخبر به نوح وآدم وإبراهيم وغيرهم، فقد قال تعالى على لسان نوح: { والله أنبتكم من الأرض نباتا، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا} ( نوح:18).
الفصل الرابع
التفسير الموضوعي لسورة الملك
ويتضمن
• أولا:التمهيد:
التعريف بالسورة:
- اسم السورة وعدد آياتها.
- زمن نزول السورة والجو الذي نزلت فيه.
- مناسبة السورة لما قبلها.
- مناسبة السورة لما بعدها.
- مناسبة افتتاحية السورة لخاتمتها.
• ثانيا: المحور الرئيسي للسورة:
إثبات قدرة الله جل جلاله.
• ثالثا: الأهداف الفرعية للسورة:
تهديد ووعيد للذين لا يخشون العذاب الشديد
التفسير الموضوعي لسورة الملك
لقد أفردت للتفسير الموضوعي للسورة فصلاً خاصاً، وهو يشتمل على.
أولا: التمهيد ( بين يدي السورة)
ثانياً: موضوع السورة الأساسي حيث يتكلم عن إثبات قدرة الله جل وجلاله، بذكر الأدلة المادية على ذلك من خلق سبع سموات طباقاً، وتزيينها بالنجوم.
ثالثاً: تهديد ووعيد للذين لا يخشون العذاب الشديد، وذلك بتهديدهم بخسف الأرض أو عذاب من السماء، أو إمساك الرزق عنهم إلى غيرها من المشاهد
رابعاً: تناولت فيه ختام الآيات وموقف المقربين من الله وموقف الذين تساءلوا في ارتياب، لقد أعذر من أنذر.
موضوع السورة الأساسي ومحورها
( إثبات قدرة الله جل جلاله )
ويتكون من:
3- تنزيه وتحدي وإعجاز
4- مصير المكذبين لآيات الله
أولاً : التمهيد
التعريف بالسورة:
سورة الملك مكية بالإجماع، فقد أخرج البيهقي وغيره عن أبن عباس رضي الله عنه قال :" نزلت بمكة سورة تبارك الملك (1)
وقال القرطبي :"مكية في قول الجميع" .
وعدد آياتها ثلاثون، ويبدأ بها الجزء التاسع والعشرون، وهي تُعنى بجانب العقيدة وإثبات قدرة الله جل جلاله، وتسمى بسورة الملك وتبارك لحديث ابن عباس المتقدم، ولبدئها بكلمة تبارك.
1.مناسبة بداية سورة الملك لنهاية ما قبلها وهي سورة التحريم.
لما ختمت سورة التحريم بقول الله تعالى :" وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ " جاءت بداية سورة تبارك مناسبة لها، حيث أن كلمة تبارك تعني تنزيه الله جل وجلاله عن صفات المخلوقين كالإنجاب، والولد ، ويشعرنا ذلك أن تبارك تنفي ما أدعاه النصارى بأن عيسى عليه السلام ابن الله، ببيان حقيقة مريم بنت عمران.
كما أن سورة الملك قد احتوت مناظر من يوم القيامة ومن عذاب أهل النار، وكذلك سورة التحريم(2)
2. مناسبة السورة لما بعدها وهي سورة القلم من عدة وجوه:
أ. أن كلتيهما تتحدث عن تكذيب الكفار للرسالة، ففي سورة الملك جاء قوله تعالى:
" قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ"
وفي سورة القلم جاء قوله تعالى : " إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ".
ب.أن في كلتيهما ذكر الله تعالى مواقف أهل النار فقال في سورة الملك :" وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ،إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُور" وقال تعالى في سورة القلم :" يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ، اشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ"
3.مناسبة فاتحة السورة بخاتمتها:
لما بدأت السورة بتنزيه الله وتعظيمه ، ختمت بتحدي البشر أمام قضاء رب البشر، وأنه من تمام تنزيه وتعظيمه نسب الفضل له ، وشكره على إنعامه و آلائه.
ثانياً : المحور الأساسي للسورة ( إثبات قدرة الله جل جلاله )
1. تنزيه وتحدي وإعجاز
"تبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)"
ابتدأت الآية الكريمة بهذه اللفظة"تبارك" التي توحي بالنماء والبركة والزيادة(1)، كما أنها تعني تنزيه الله عن مشابهة الخلق،"الذي بيده الملك" لا بيد غيره، وملكه أبدي لا ينزعه منه أحد، ولا ينازعه فيه أحد ، وهو " على كل شيء قدير" لا يعجزه أحد (2).
ثم يعدد الله بعضاً من مظاهر قوته ، فيقول تعالى "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً " فالموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن،والحياة تعلق الروح بالبدن، وهذه أضداد كلها بيد الله لا بيد غيره، ويبين لنا سبحانه الحكمة من خلق الموت والحياة، لاختبار عباده، أيهم يحسن عملاً ، و أيهم أكثر ذكراً، وأشدهم منه خوفا (3)
" وهو العزيز الغفور" العزيز الذي يقهر كل شيء بالموت ولا يقهره شيء(4)، وهو الغفور لمن اتعظ بالموت فأحسن العمل.
ثم يبين الله جل جلاله بعضاً من مظاهر قوته فيقول " الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ" فهو الذي خلق السموات السبع بعضها فوق بعض،نافياً أن يكون في خلقه أي تفاوت وتباين وتناقض، متحدياً من يشكك في قدرته بالنظر مرة تلو مرة لزيادة التأكيد، ولأن ذلك أبلغ في قيام الحجة وانتفاء الشك من قلوب الناظرين، فإن انقطعت حجة المشككين والمتشككين رجع إليهم بصرهم ذليلاً ، حسيراً كليلاً تعباً.
ثم يذكر الله المزيد من من مظاهر قدرته ، بقوله تعالى "ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير" فهذه النجوم الساطعات جاءت تزين السماوات التي ما وُجد فيها من فطور، فأكتمل بهاءها ، وللنجوم فوائد ثلاثة هي : مصابيح للسماء، ورجماً للشيطان ، وعلامات للمسافر في البر والبحر قال تعالى :"وعلامات وبالنجم هم يهتدون"، وقد أعد الله للشياطين هذه النجوم عذاباً في الدنيا، أما في الآخرة فلهم عذاب السعير وهو أشد الحريق"
2. مصير المكذبين لآيات الله
"وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ"
ويشترك مع الشياطين في عذاب السعير الذين كفروا بربهم قال تعالى " وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير" أي بئس المرجع والمئاب ، فهم " إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور" وإنما القوا في النار لأنهم وقودها ، فيسمعون لها شهيقاً من الغيظ عليهم ، لسوء أفعالهم، وتكذيبهم آيات خالقهم، تفور فوران المرجل، وهي فوق ذلك " تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ" فكأنها تتقطع عليهم غيظاً ، و "كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ" سؤال توبيخ وتأنيب وترذيل (1)، ألم يأتكم نبي يحذركم الآخرة وينذركم هذا الموقف العصيب فيكون جوابهم " قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ "" فهم مع تكذيبهم للنذر ، أنكروا أن يكون الله قد أنزل شيئاً ، وقد اتهموا الرسل أنهم على غير الجادة والصواب ، فكأنهم أسقطوا ما في أنفسهم من الضلال على غيرهم وظنوا أنهم المهتدون، العاقلون ، فلما وقع بهم عذاب يوم القيامة علموا حقيقة جهلهم الأكيد "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ " معترفين بجهلهم ، ذلك لأن عقلهم ما دلتهم على الحق فكان وجودها كعدمها،وإنما ذكر العقل والسمع لأن تحصيل العلوم والمعارف إنما يكون بهما، فعلموا مآلهم" فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِم " من تكذيب للأنبياء، وكفرهم بالله ورسله "ْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ" فبعداً لهم من الله ورحمته (1)
فلا رجاء لهم في مغفرة ، ولا إقالة لهم من عذاب ، وهم أصحاب السعير الملازمون له، ويالها من صحبة ويا لها من مصير! (2)
علاقة الآيات بما قبلها :
لما ذكر الله تعالى دلائل قدرته،وآيات نعمه ، بين الله جل جلاله مصير من كذب بآياته ، وانكر قدرته .
ثالثا: (تهديد ووعيد للذين لا يخشون العذاب الشديد)
ويشتمل على
1- مصير أهل الإيمان
2- علم الله لا يعجزه شيء
3- من نعم الله على عباده
4.تهديد ووعيد
5.يوم القيامة آت لا محالة
ثالثاً : ( تهديد ووعيد للذين لا يخشون العذاب الشديد )
1. مصير أهل الإيمان
"إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ"
بعد أن ذكر الله ذلك الحوار ، بين ملائكة الجبار وبين الكفار، وأن مآلهم إلى النار، ذكر مصير من استولت على قلبه خشية الله جل جلاله، فهو يعبده ولم يره، مؤمناً بالله غيباً، فكان جزائهم عند ربهم مغفرة لذنوبهم ، وأجر كبير لا يحصيه عاد.
علاقة الآيات بما قبلها :
لما ذكر الله مصير الكفار ، ذكر بعد ذلك مصير أهل الإيمان، ليظل المرء بين الخوف والرجاء، مبتعداً عن الكفر وأفعال الكافرين، ملازماً لأفعال المؤمنين وصفاتهم.
2. علم الله لا يعجزه شيء:
"َأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"
ثم يخاطب الله الخلائق أجمع، متحدياً لهم أنهم سواء اظهروا القول أو أخفوه فإنه يعلمه ، بل هو مطلع على ما هو أدق من الكلام، فهو مطلع على ما تخفيه الصدور، وهو أعلم بمن اتقاه وخشيه، ومن عصاه ورفض أمره، ثم يسأل الله سؤالاً للإنكار(1) على المتشككين بقدرة الله وهم كفار قريش الذين تهامسوا، أن أخفوا بغضكم لمحمد ولا تجهروا به لئلا يسمعه رب محمد بقوله تعالى :" ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" بل إن من خلق العباد أعلم بهم من غيرهم ، حتى من أنفسهم ، وهو اللطيف بعباده، لطف علمه بمعرفة ما في بواطن الأمور، والخبير الذي لا يعجز علمه شيء من خبايا الأمور وظواهرها على حد سواء ، فالسر عنده إعلان.
علاقة الآيات بما قبلها :
لما ذكر الله مصير أهل الإيمان، أكد بعدها أن حقيقة القلوب الذي تشتمل على الإيمان يعلمها، فهو يعلم من أخلص وصدق، ويعلم من نافق وكذب.
3. من نعم الله على عباده
"وَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"
لما بين الله تعالى قدرته ولطفه وعلمه وأنه بكل شيء خبير، أتبع ذلك بذكر دلائل القدرة، وأثار فضله وامتنانه على العباد، فهو الذي جعل الأرض لينة سهله مسالكها، آمراً عباده أن يسافروا حيث استطاعوا من أقطارها ، وأرجاءها للمكاسب والتجارات(1)
وعبر بالأكل هنا عن الإنتفاع بما أنعمه الله عليهم ، لأنه الأهم والأعم(2) ، وفي الآية دلالة على وجوب السعي للرزق والأخذ بالأسباب.
علاقة الآيات بما قبلها :
لما أظهر الله علمه ولطفه وأنه بكل شيء خبير، أمتن الله على عباده بمظهر من مظاهر هذا العلم واللطف والخبرة، ألا وهو تمهيد الأرض للسالكين، وذلك يدفع المتأمل إلى الإيمان بالله وحسن عبادته وشكره.
4. تهديد ووعيد
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
َ قال الله تعالى:أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ بعد أن ذكر الله أن هذه الأرض سهلت للسالكين، توعد الكافرين أن يجعل من الأرض نقمة بعد أن كانت نعمة، بخسفها فيغيبون في مجاهلها بعد أن كانوا على ظاهرها يتنعمون، واستخدم ذلك صيغة السؤال ليظهر لهم مدى عجزهم وافتقارهم إليه سبحانه.
ثم يسألهم مرة أخرى :" أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ " فهل أمنتم كذلك إن لم نخسف بكم الأرض أن نمطر عليكم السماء، فستعلمون صدق إنذاري لكم إن وقع العذاب بكم، ثم يوجههم الله جل جلاله إلى التأمل في مخلوق من مخلوقاته فيقول " أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ "لعل ذلك يدفعهم إلى الإيمان بالخالق ، فهلاً نظرتم إل الطير نظرات تأمل واعتبار، ولما كان الغالب عند الطير فتح الجناح قال تعالى صافات باسم الفاعل ، ولما كان القبض متجدداً عبر عنه الفعل ، فهل تفكرتم في ذلك ، وتساءلتم من يمسك هذا الطير أن يقع، إنه الله الذي بكل شيء بصير، فلا يغفل عنه شيء، وكل واقع تحت بصره الذي أحاط بكل شيء.
يقول تعالى "أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ"
فمن من اعوانكم ينصركم من الله إن أنزل بكم عذابه، فالكافرون في جهل عظيم وضلال مبين، حيث أنهم اعتقدوا أن الألهة من دون الله تنفع أو تضر.
قال تعالى " أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ" فإن أراد الله تعذيبكم بمنع الرزق عنكم ، من يرزقكم من دون الله، ورغم وضوح الحقيقة إلا أن الكفار أصروا في تماديهم في الطغيان وفرارهم من الحق والإيمان.
قال تعالى:" أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " ثم ضرب الله مثلاً للكافر وللمؤمن، فالكافر الذي تمادى في طغيانه وفر من الحق والإيمان، يمشي منسكاً وجهه فلا يرى الحق، فهل هو أهدى أم ذلك الذي انتفع بالحق فهو على صراط مستقيم لا اعوجاج في سيره.
قال تعالى : قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " ثم يأمر الله نبيه أن يخبر الناس أن الله تعالى هو الذي أوجدهم من العدم وخلق لهم السمع والأبصار والأفئدة، ومع ذلك قليل منهم من يشكر الله جل جلاله، وهو بتذكيره لهم بنعمه الجليلة يعرفهم على قبح ما هم فيه من الكفر والإشراك، فلعلهم يراجعوا حساباتهم فيؤمنوا بمن انعم عليهم بهذه النعم الجليلة، وإنما خص الله ذكر السمع والبصر والأفئدة لأنها أدوات العلم والفهم (1)، فكأن الله يعيب عليهم عدم استخدامها في الوصول إلى معرفته جل جلاله، ثم يذكر الله نعمة تكثيرهم في الأرض فيقول :" قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" وبعد تكثيرهم يموتون وإلى الله يحشرون ، وعلى أعمالهم يحاسبون.
علاقة الآيات بما قبلها :
لما ذكر الله إنعامه على عباده ، ذكر مغبة إنكار العباد لنعمه ، وأن الله تعالى قادر أن يحول من النعمة نقمة ، وفي ذلك إرشاد للناس لضرورة شكر الله على نعمه.
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
قال تعالى : "وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " بعد أن أخبرهم الله على لسان نبيه أنهم إليه يحشرون سألوا سؤالاً مستهزئين متى هذا الحشر الذي تخبرنا به ، إن كنت من الصادقين ، فيأمر الله نبيه بالجواب قائلاً " قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ " فهو لا يعلم وقتها ، ولا يعلم وقتها إلا الله ، وإنما هو مبعوث للإنذار لا للإخبار(1)
قال تعالى " فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ " وهذا وعد بانكشاف الموعود به عن كونه (2)، وعبر بالماضي هنا للدلالة على انه لا بد واقع، لا شك في ذلك والموعود به هو الحشر الذي كذب به المبطلون، فيومئذ تخاطبهم الملائكة أو الأنبياء ، هذا يومكم الذي كنتم تدعون ، أي تطلبونه في الدنيا وتستعجلون به استهزاءً (3).
قال تعالى : " أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ " فلما دعا الكفار على محمد والذين معه بالإهلاك، رد عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إن أهلكه الله ومن معه ، أو رحمنا، فمن يدفع عن الكفار عذاب الله الأليم،فهل تظنون أن الأصنام تنجيكم من العذاب الأليم؟.
قال تعالى :" قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" أي قل لهم آمنا بالله الواحد الأحد ، وعليه أعتمدنا وتوكلنا في جميع أمورنا ، وستعلمون أن اتهامكم لنا بالضلال هو اتهام باطل وأن الضلال ما أنتم عليه، وفيه تهديد للمشركين.
قال الله تعالى :" قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ " يأمر الله نبيه بتحديهم إن أصبح ماؤهم لا تصل إليه الدلاء ولا يستطيعون إخراجه ، من يخرجه حتى يكون جارياً على وجه الأرض، فلا غير الله يستطيع ذلك فلم به يشركون؟.
علاقة الآيات بما قبلها :
لما هددهم الله بالعذاب ، هددهم كذلك بيوم الحساب، فلو أنهم ماتوا في الدنيا ولم يبعثوا لاستراحوا ، لكنهم يبعثوا فيحاسبوا
الفصل الخامس
أولا:-
أساليب القرآن في عرض موضوعاته من خلال دراسة السورة.
ثانيا:-
ثمرة الإيمان بقدرة الله جل جلاله .
أولا:-
أساليب القرآن في عرض موضوعاته من خلال دراسة السورة.
ويشتمل على
أولا: أسلوب الترغيب والترهيب والوعيد.
ثانيا: الوصف.
ثالثا: الاستفهام الإنكاري
رابعا: الاستدلال العقلي.
أولا: أسلوب الترغيب والترهيب:
لقد استخدم القرآن الكريم أسلوبي الترهيب والترغيب في هذه السورة حينما ذكر مشهد الطغاة في النار { كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير....}، وكذلك مشهد الترغيب حين ذكر مشهد التقاة في الجنة في قوله تعالى: { إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير...}، هذان الأسلوبان يجعلان الإنسان في حالة يقظة دائمة ومراقبة للنفس، واجتهاد على العمل وإيقاظ للهمم.
ثانيا أسلوب الوصف:
لقد استخدم القرآن الكريم أسلوب وصفي للمشاهد والصور حين ذكر مشهد يوم القيامة في قوله تعالى: {إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور....}، ومشهد العذاب بكل فوته وعنفه { تكاد تميز من الغيظ....}،.
ثالثا أسلوب الاستفهام الإنكاري:
مثال ذلك قوله تعالى :" ألم يأتكم نذير" فيه دلالة الإنكار على الكافرين كفرهم بعد إقامة الحجة عليهم.
ولم يكن السؤال في قوله تعالى: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} بقصد انتظار الجواب إنما بقصد الإناكر والتحدي لهم، وكذلك الآيات اللاحقة لها .
رابعا: أسلوب الاستدلال العقلي.
وخاصة مع أولئك الجاحدين المعاندين الذين لا تقبل نفوسهم النص، ونلحظه جليا في قوله تعالى :" الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ"
وكذلك في قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ....}.
ثانيا:-
ثمرة الإيمان بقدرة الله جل جلاله وبيوم الحشر
1. إن الإيمان بقدرة الله جل جلاله تورث في النفس خشية منه سبحانه ، وإنابة إليه وتوكلاً عليه
2. أن قدرة الله تورث في القلب يقيناً لا يتزعزع، وثقة لا تهتز ، وتوكلاً لا يشرك به مع الله أحداً من خلقه.
3. إن للأيمان باليوم الآخر أثر عظيم في توجيه سلوك الإنسان في هذه الحياة الدنيا ذلك لأن الإيمان به، وبما فيه من حساب و ميزان، وثواب وعقاب وفوز وخسران، وجنة ونار له أعمق الأثر وأشده في سير الإنسان وانضباطه، والتزامه بالعمل الصالح وتقوى الله عز وجل.
نتائج البحث
10- سورة الملك سورة مكية بالإجماع، وعدد آياتها ثلاثون آية ويطلق عليها سورة ( تبارك).
11- إن القرآن الكريم أثبت قدرة خلال تعمق الإنسان بالنظر إلى مخلوقات الله.
12- ظهر للباحث أن هذه السورة كغيرها من السور المكية تركز على أهداف القرآن المكي في تصحيح العقيدة المتمثلة في إثبات قدرة الله جل جلالهو الإيمان باليوم الآخر و وما فيه من بعث وحساب وأهوال، واستخدام أسلوب الجمع بين الثواب والعقاب، فالبشارة للمؤمنين والعذاب للطغاة المجرمين.
13- الموضوع الأساسي للسورة هو ( إثبات قدرة الله)، فقد أثبت هذا الموضوع بأدلة مقنعة كافية للإجابة عن أسئلتهم.
14- تعتبر الأدلة الحسية أحدى الأساليب القرآنية في عرض موضوعاته.
15- المنكرون للبعث ليس لهم دليل على إنكارهم؛ لأنه أمر من أمور الغيب وأمور الغيب لا يعلمها إلا الله.
16- ظهر في السورة أن الكفار يحاولون إلصاق التهم للمؤمنين، وذلك بهدف تشويه صورتهم والنيل منهم، مع أن تلك الصفات الدنيئة واقعة بهم لا بالمؤمنين.
فهرس المصادر والمراجع
حسب موضوعاتها
أولًا: كتب الأحاديث:
1. البخاري، الإمام الحافظ أبي عبد الله بن إسماعيل البخاري( 1418هـ - 1997م) صحيح البخاري، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ط2.
2. النيسابوري، الإمام أبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري: صحيح مسلم.
ثانيا:كتب التفاسير:
3. حوى، سعيد( 1405هـ - 1985م) الأساس في التفسير، ط1،دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة.
4. الدمشقي، أبو النداء إسماعيل ابن كثير( 1401هـ - 1981م) تفسير القرآن العظيم، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
5. الحنفي، محمد بن محمد العمادي(1419هـ - 1999م) إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، وضع الحواشي عبد اللطيف عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1.
6. الزحيلي، وهبة( 1418هـ - 1998م) التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، دار الفكر، دمشق، سورية، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط1.
7. الزحيلي، وهبة(1422هـ - 2001م) التفسير الوسيط، دار الفكر، دمشق، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان.
8. خلة، محمود عبد الخالق( 1423هـ - 2001م) التفسير الموضوعي لسورة القصص، مكتبة الجامعة الإسلامية، غزة.
9. البلبيسي، حسن محمد( 1424هـ - 2003م) التفسير الموضوعي لسورة النمل.
10. الرملي، كفاح عبد الرحمن( 1425هـ - 2004م) التفسير الموضوعي لسورة إبراهيم، مكتبة الجامعة الإسلامية.
11. الصابوني، محمد علي(1417هـ - 1997م) تفسير القرآن الكريم، ط1، دار القرآن الكريم
12. جامعة القدس المفتوحة( 1969م) عقيدة ( 2).
13. الشوكاني، محمد بن علي بن محمد: فتح القدير، الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، دار الفكر، بيروت، ص. ب 7061.
14. كشك، عبد الحميد: في رحاب التفسير، المكتب المصري الحديث.
15. قطب، سيد(1391هـ - 1971م) في ظلال القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط7.
ثالثاً: كتب المعاجم:
16. الأصفهاني، الراغب( 1412هـ - 1992م) مفردات ألفاظ القرآن، دار الفكر، بيروت، لبنان.
رابعاً: كتب الثقافة:
17. الشرقاوي، محمد عبد الله: الإيمان حقيقته وأثره في النفس، مكتبة الأهرام، دار الجيل، بيروت.
18. الخالدي، صلاح(1418هـ - 1997م) التفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق، دار النفائس، الأردن، ط1.
19. اللوح، عبد السلام، وآخرون(1424هـ - 2003م) مباحث في التفسير الموضوعي، مكتبة الجامعة الإسلامية، غزة، ط1.
20. مسلم، مصطفى ( 1410هـ - 1989م) مباحث في التفسير الموضوعي، دار القلم للطباعة والنشر، بيروت.
21. جامعة القدس المفتوحة، مناهج البحث العلمي.
{ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }
( آل عمران:7)
الإهداء
إلى المعظمين لله تعالى، الرافعين لواء التوحيد.
إلى الدعاة لدين الله في كل مكان.
إلى الباحثين عن آيات الله في الأنفس والآفاق.
إلى المتخصصين في العلوم الإسلامية والدنيوية.
إلى روح والدي وإلى والدتي وزملائي وأساتذتي.
أهدي هذا الجهد البسيط راجياً من الله أن يجعل ثواب هذا العمل في ميزان حسناتي إنه نعم المولى ونعم النصير.
الباحث
الشكر والتقدير
أتقدم بشكري وتقديري لكل من ساهم في إنجاز هذا البحث سواء شارك بجهده أو بتوجيهه أو بوقته من أساتذة كرام وأخص الدكتور: عبد الكريم الدهشان، وموظفي مكتبة جامعة القدس المفتوحة، وموظفي مكتبة الجامعة الإسلامية، ولمن ساهم في هذا البحث المتواضع جزاهم الله عنا خير جزاء.
هذا وبالله التوفيق...
الباحث
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمد الشاكرين، القائل في كتابه العزيز { وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد }( إبراهيم:7)، والحمد لله الذي امتن على عباده بنبيه المرسل، وكتابه المنزل، ليخرجهم من ظلمات الكفر والجهالة إلى نور الخير والهداية، ومن جور الأديان، إلى عدل الإسلام، ومن عبودية العباد إلى عبودية رب العباد.
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه، واستن بسنته إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً وبعد:
فإن هذا القرآن الكريم هو دستورنا الأعظم، وشرعة الإنسانية السمحاء، فما زال هذا القرآن بحراُ زاخراُ بأنواع العلوم والمعارف،( يحتاج من يرغب في الحصول على لآلئه الغوص في أعماقه) ولا يكون ذلك إلا من خلال علم التفسير، الذي هو أشرف العلوم وأجلها وأعظمها أجراَ وأنبلها مقصداً، وأرفعها ذكراً.
فلذلك حثّ الله – تعالى – عباده المؤمنين على تدبر كتابه وفهم معانيه، والغوص في أعماقه للكشف عن لآلئه.
قال تعال: { أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبِ أقفالها} ( محمد:24)، وكذلك حث الله – تعالى – عباده المؤمنين على أن ينفروا ليتعلموا كتابه، ويتفهوا دينه، ومن ثم يرشدون أقوامهم ويعلمونهم.
قال تعالى: { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} ( التوبة: 122).
وقد بين رسول الله أن خير الناس من علم الكتاب وعلمه، فعن عثمان بين عفان رضي الله عنه قال: قال: رسول الله : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه)(1).
ومما لاشك فيه أن علوم القرآن والتفسير، هي خير العلوم على وجه الإطلاق لأنها متعلقة بخير الكلام، كلام رب العالمين.
وهذا العلم له أهمية عظيمة في حياة الأمم وشعوبها، فيوم أن فهمت الأمة كتاب الله واتخذته دستوراً لها، كانت لها السيادة والريادة، ويوم أن نبذت كتاب الله جانباً، ورضيت بالمناهج الوضعية دستوراَ ومشرعاَ، كان لها الهزيمة والضياع والخسران.
ومن أجل هذا حاول أعداء الله النيل من أمة محمد وذلك من خلال الطعن بكتاب الله – عز وجل – وصدّ الناس عن إتباعه وفهمه، والترويج للأفكار الوضعية لتكون بديلاً عن هذا الكتاب العظيم، ولكن أني لهم هذا وقد تكفّل الله بحفظ هذا الدين.
قال تعال: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ( الحجر:9 ).
ومما ولا شك فيه أن الباحثين والقائمين على خدمة كتاب الله تعالى، هم أداة من قدر الله لحفظ هذا الكتاب، سخرهم الله تعالى، لنيل هذا الشرف العظيم.
فلذلك أحببت أكون واحداَ من هؤلاء الدارسين والباحثين لكتاب الله، لأنهل من هذا العلم الذي لا تنتهي عجائبه.
ولقد كان ظهور التفسير الموضوعي كعلم مستقل بذاته بمثابة فتح لطالب العلم وللباحث، لذا رأيت قبل أن ألج إلى سورة النبأ وسورة تبارك أن أمهد بموجز عن هذا العلم الجديد مصطلحاً ، القديم عملاً، خاصة أنني سأتبع لون التفسير الموضوعي عند تفسيري لهاتين السورتين.
ووقع اختياري على سورة النبأ لتكون موضوع البحث لما فيها من لطائف لفتت انتباهي ودروس تربوية للدعاة، وبناء للعقيدة، وهدم للوثنيات.
أما سورة تبارك فهي تجعل المتأمل فيها في حالة من اليقظة المستمرة، بعرضها لمشاهد الجنة والنار، وخطاب الملائكة للكفار، والنظر إلى آيات الله والتفكر فيها، من الطير الصافّة، والنجوم العالية،كما أنها تعرض الحكمة من خلق الموت والحياة.
وأسأل الله – عز وجل – أن يوفقني لما يوجب رضاه وأن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به الإسلام والمسلمين
الباحث
عدنان أحمد البحيصي
الفصل الأول: ( التفسير الموضوعي )
ويضم ما يلي:
• أولاً : تعريف التفسير الموضوعي
• ثانياً : نشأة التفسير الموضوعي
• ثالثاً : ألوان التفسير الموضوعي
• رابعا : أسباب ظهور التفسير الموضوعي
• خامساً : أهمية التفسير الموضوعي
أولاً : تعريف التفسير الموضوعي
يتألف مصطلح التفسير الموضوعي من جزأين مركبا تركيباً وصفياً.
التفسير لغة:
مصدر على وزن تفعيل، فعله الثلاثي " فَسَر" والفعل الماضي من المصدر " تَفَسَّر" مضعف بالتشديد، وهو " فسَّر يُفَسر تفسَيرا" أي هو الكشف والبيان والتوضيح للمعني المعقول وإزالة إشكاله وكشف مراد الله فيه(2).
في الاصطلاح:
علم يكشف به عن معاني آيات القرآن وبيان مراد الله تعالى حسب الطاقة البشرية(3).
الموضوعي:
الموضوع لغة: مشتق من الوضع.
والوضع: جعل الشيء في مكان ما، سواء كان ذلك بمعنى الحط والخفض أو بمعني الالتقاء والتثبت في المكان.
الأول: وضع مادي حسي، ومنه: وضعه على الأرض، بمعني حطه وإلقائه وتثبيته عليها.
الثاني: وضع معنوي، ومنه: الوضيع، وهو الدنيء المهان الذليل، الذي قعدت به همته أو نسبه، فكأنه ملقى على الأرض، موضوع عليها: لا يفارق موضعه الذي التصق به أي أن النوعين يلتقيان على البقاء في المكان وعدم مفارقته، أي أن التفسير مع الموضوع لا يفارقه(1).
أما تعريف مصطلح التفسير الموضوعي:
هو علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر(2).
ثانياً : نشأة التفسير الموضوعي
لم يظهر مصطلح " التفسير الموضوعي" إلا في القرن الرابع عشر الهجري إلا أن لبنات هذا اللون من التفسير وعناصره الأولى كانت موجودة منذ عصر التنزيل في حياة رسول الله (2).
وبما أن التفسير الموضوعي ظهر حديثاً؛ لذا لم يتكلم المفسرون السابقون عن قواعده وخطواته وألوانه، ولكن العلماء والباحثين المعاصرين أقبلوا عليه يدرسونه ويقصدونه ويتحدثون عن قواعده وأسسه وكيفيته.
فظهرت مؤلفات كثيرة في هذا المجال ومنها كتاب " الأشباه والنظائر" لمؤلفه مقاتل بن سليمان البلخي المتوفى سنة 150هـ وذكر فيه الكلمات التي اتحدت في اللفظ واختلفت دلالاتها حسب السياق في الآية الكريمة.
وإلى جانب هذا اللون ظهرت دراسات تفسيرية لم تقتصر على الجوانب اللغوية بل جمعت بين الآيات التي تربطها رابطة واحدة أو تدخل تحت عنوان معين، كالناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم بن سلام التوفي سنة 224هـ ولازال هذا الخط مستمر إلى يومنا هذا(1).
وقد توجهت أنظار الباحثين إلى هدايات القرآن الكريم حول معطيات الحضارات المعاصرة وظهور المذاهب والاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية، والعلوم الكونية والطبيعية.
ومثل هذه الموضوعات لا تكاد تتناهى فكلما جد جديد في العلوم المعاصرة، التفت علماء المسلمين إلى القرآن الكريم ليسترشدوا بهداياته وينظروا في توجيهات الآيات الكريمة في مثل هذه المجالات(2).
ثالثاً : أقسام التفسير الموضوعي
• أقسام التفسير الموضوعي:
ويمكن حصر أقسام هذا التفسير في ثلاثة أقسام:
القسم الأول: التفسير الموضوعي للمصطلح القرآني: بحيث يختار الباحث لفظة أو مصطلحاً، تتكرر في القرآن كثيراً، فيتتبعها من خلال القرآن، ويأتي بمشتقاتها ويستخرج منها الدلالات واللطائف.
القسم الثاني: التفسير الموضوعي لموضوع قرآني: بحيث يختار الباحث موضوعاً من القرآن، له أبعاده الواقعية في الحياة أو العلم أو السلوك.....، مما يفيد المسلمين منه ويشكّل منه موضوعا معينا، يخرج بخلاصة تساعد على حل مشاكل المسلمين ومعالجة أمورهم.
القسم الثالث: التفسير الموضوعي للسور القرآنية: وهو أن يختار الباحث سورة من القرآن، تكون مدار بحثه – وهذا موضوع الباحث في هذا البحث – ويخرج منها بدراسة موضوعية متكاملة(1).
وهناك نوع رابع من أنواع التفسير الموضوعي وهو: [ التفسير الموضوعي للقرآن الكريم متكاملا]، بحيث تتضافر جهود عدد من الطلاب للبحث في الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم، وإخراجه في صورة واقعية وإلى حيز الوجود.
وهذه فكرة طيبة، تحتاج إلى من يتبناها ويدعّمها، ويحوطها بالعناية لتكون لبنة طيبة في هذا المجال الجديد.
رابعا : أسباب ظهور التفسير الموضوعي
إن من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور التفسير الموضوعي هي:
1- تجدد حاجات المجتمع وبروز أفكار جديدة ونظريات علمية حديثة لا يمكن تغطيتها ورؤية حلول صحيحة لها إلا باللجوء إلى التفسير الموضوعي، والطبيعة العامة لهذا العصر حيث شهد تحكم الجاهلية في العالم وقيادتها للبشرية وانتفاش الكفر، والآراء الجاهلية الكافرة ووصولها إلى عقول المجتمعات الإسلامية وتصعيد الغزو الفكري ضد المسلمين بشتى الوسائل المرئية والمسموعة، مما دعت الحاجة من المفكرين المسلمين من التوجه إلى القرآن الكريم وتدبّره واستخراج حقائقه ودلالاته التي فيها تفنيد هذه الأفكار الضالة الكافرة الغازية ومواجهتها ووقاية المسلمين من شرورها، وفي هذا حسن إدراك المفكرين المسلمين المعاصرين لمهمة القرآن الجهادية في المواجهة، مثل قوله تعالى:{ فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبير}( الفرقان:52).
2- الوضع العام المحزن للمسلمين في هذا العصر، حيث تم القضاء على الخلافة الإسلامية وأقصي الإسلام عن الحكم والتوجيه، ونشأت مناهج حياة في بلاد المسلمين على أسس غير إسلامية، وأصبح الإسلام غريباً في مؤسساته، مما دعا العلماء المسلمين إلى العودة إلى القرآن والالتزام به وتطبيق توجيهاته ومبادئه في حياتهم.
3- مواكبة التطور العلمي المعروف في هذا العصر، حيث شهد العصر الحديث تجوع العلماء والباحثين إلى مزيد من التخصص الدقيق، والتعمق المنهجي العلمي وتجميع الجزيئات المتفرقة في اطر عامة موحدة(1).
4- إصدار أعمال علمية موضوعية عامة تتعلق بالقرآن وألفاظه وموضوعاته ساعدت هذه الدراسات المعجمية العلمية الباحثين في القرآن الكريم وسهلت عليهم استخراج الموضوعات القرآنية من السور والآيات.
5- التفات أقسام التفسير في الدراسات العليا في الكليات الشرعية والجامعية وتشجيع طلاب العلم إلى الكتابة في التفسير الموضوعي والبحث في الموضوعات القرآنية(2).
خامساً : أهمية التفسير الموضوعي
التفسير الموضوعي هو تفسير العصر والمستقبل وله أهمية كبرى عند المسلمين وحاجتهم إليه ماسة، وهذا التفسير يحقق للمسلمين فوائد عديدة من حيث صلتهم بالقرآن وتعرفهم على مبادئه وحقائقه، وتشكيل تصوراتهم وتكوين ثقافتهم، ومن حيث عملهم على إصلاح أخطائهم وتكوين مجتمعاتهم، والوقوف أمام أعداء الإسلام(3).
وتبرز أهمية التفسير الموضوعي في:
1- حل مشكلات المسلمين المعاصرة وتقديم الحلول لها على أسس حث عليها القرآن الكريم.
2- تقديم القرآن الكريم تقديماً علمياً منهجياً لإنسان هذا العصر، وإبراز عظمة هذا القرآن وحسن عرض مبادئه وموضوعاته، واستخدام المعارف والثقافات والعلوم المعاصرة أداة لهذا الغرض.
3- بيان مدى حاجة الإنسان المعاصر إلى الدين عموماً وإلى الإسلام خصوصاً، وإقناعه بأن القرآن هو الذي يحقق له حاجاته ومتطلباته.
4- يقوم العلماء والباحثون بالوقوف أمام أعداء الله وتفنيد آرائهم وأفكار الجاهلية(1).
5- عرض أبعاد ومجالات آفاق جديدة لموضوعات القرآن، وهذه الأبعاد تزيد إقبال المسلمين على القرآن.
6- إظهار حيوية وواقعية القرآن الكريم حيث إنه يصلح لكل زمان ومكان فلا ينظر الباحثون إلى موضوعات القرآن على أنها موضوعات قديمة نزلت قبل خمسة عشر قرنا، وإنما يعرضونها في صورة علمية واقعية تناقش قضايا ومشكلات حية.
7- التفسير الموضوعي يتفق مع المقاصد الأساسية للقرآن الكريم، ويحقق هذه المقاصد في حياة المسلمين.
8- التفسير الموضوعي أساس تأصيل الدراسات القرآنية وعرضها أمام الباحثين عرضاً قرآنياً منهجياً وتصويب هذه الدراسات وحسن تخليصها مما طرأ عليها من مشارب وأفكار غير قرآنية.
9- عن طريق التفسير الموضوعي يستطيع الباحث أن يبرز جوانب جديدة من وجود إعجاز القرآن الذي لا تنقضي عجائبه.
10- تأهيل الدراسات القرآنية وتصحيح مسارها.
11- بالتفسير الموضوعي ينفذ الباحثون أمر الله بتدبر القرآن الكريم وإمعان النظر فيه وإحسان فقهه وفهم نصوصه(2).
الفصل الثاني
التفسير الموضوعي لسورة النبأ
ويتضمن
• أولا:التمهيد:
التعريف بالسورة:
- اسم السورة وعدد آياتها.
- زمن نزول السورة والجو الذي نزلت فيه.
- مناسبة السورة لما قبلها.
- مناسبة السورة لما بعدها.
- مناسبة افتتاحية السورة لخاتمتها.
• ثانيا: المحور الرئيسي للسورة:
إثبات عقيدة الإيمان باليوم الآخر.
• ثالثا: الأهداف الفرعية للسورة:
مشاهد يوم القيامة
• رابعا:
قد أعذر من أنذر.
التفسير الموضوعي لسورة النبأ
لقد أفردت للتفسير الموضوعي للسورة فصلاً خاصاً، وهو يشتمل على.
أولا: التمهيد ( بين يدي السورة)
ثانياً: موضوع السورة الأساسي حيث يتكلم عن إثبات عقيدة البعث، حيث إن السورة قد ذكرت تساؤل الكفار الذي شغل أذهانهم حتى صاروا فيه ما بين مصدق ومكذب، ثم أقامت الدلائل والبراهين على قدرة رب العالمين الذي لا يعجزه إعادة خلق الإنسان بعد فنائه.
ثالثاً: تناولت فيه مشاهد يوم البعث الذي صدر وقته وميعاده ومشهد الطغاة في النيران ومشهد التقاة في الجنان.
رابعاً: تناولت فيه ختام الآيات وموقف المقربين من الله وموقف الذين تساءلوا في ارتياب، لقد أعذر من أنذر.
موضوع السورة الأساسي ومحورها
( إثبات عقيدة البعث )
ويتكون من:
1- تساؤل الكفار عن اليوم الآخر.
2- الدلائل على قدرة الله
.
التعريف بالسورة:
سورة النبأ مكية بالإجماع، فقد أخرج البيهقي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه قال: نزلت { عم يتساءلون } [ أي : سورة النبأ] بمكة(1)، وعدد آياتها أربعون، وكلماتها مائة وثلاثة وسبعون، وحروفها ثمانمائة وست عشرة، يبدأ الجزء الثلاثون بسورة النبأ وهو يعني بجانب العقيدة وتسمى بسورة ( عمّ ) وسورة ( النبأ ) لافتتاحها بقول الله تعالى: { عم يتساءلون عن النبأ العظيم} وهو خبر القيامة والبعث الذي يهتم بشأنه ويسأل الناس عن وقته وحدوثه(2)
سبب نزول السورة:
{ عم يتساءلون}: أخرج ابن جرير عن الحسن البصري قال: لما بعث النبي جعلوا يتساءلون بينهم، فنزلت: { عم يتساءلون عن النبأ العظيم }(3).
1- مناسبة سورة النبأ لما قبلها وهي سورة المرسلات:
إن سورة المرسلات ختمت بقوله تعالى: { فبأي حديث بعده يؤمنون }، وكان المراد بالحديث فيه القرآن، افتتح الله سورة النبأ بتهويل التساؤل عنه والاستهزاء به، وهو مبني على ما روى ابن عباس ومجاهد وقتادة أن المراد بالنبأ العظيم: القرآن، وعلى القول بأن المراد بالنبأ العظيم اليوم الآخر، فإن الصلة كذلك قائمة، إذ أن الحديث عن اليوم الآخر يستغرق معظم سورة المرسلات وهو مبني على رأي الجمهور على أنه البعث(4)
2- مناسبة السورة لما بعدها من وجوه:
أ- اشتمال السورة على إثبات القدرة على البعث الذي ذكر في سورة النبأ { أن الكافرين كذبوا به}.
ب- أن في هذه السورة وما بعدها تأنيباً للمكذبين، فهنا قال تعالى: { ألم نجعل الأرض مهاداً}، وهناك قال: { إنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة}، وأن في كل منهما وصف الجنة والنار وما ينعم به المتقون وما يعذّب به المكذبون.
جـ - في كل منهما وصف لبعض مشاهد يوم القيامة.
3- مناسبة افتتاحيه السورة بخاتمتها:
نجد السورة تبدأ بقوله تعالى: { عم يتساءلون عن النبأ العظيم....}، فهي تبدأ بذكر تساؤل يطرحه الكافرون وترد عليه، وتنتهي السورة بقوله تعالى: { إنا أنذرناكم عذاباً قريباً، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً}، فبداية السورة تتحدث عن تساؤل الكافرين، ونهاية السورة تتحدث عن الإنذار، وكذلك صلاته بمحور السورة(1).
ثانيا : المحور الأساسي للسورة ( إثبات عقيدة الإيمان باليوم الآخر)
1- تساؤل الكفار:
{ عم يتساءلون، عن النبأ العظيم، الذي هم فيه مختلفون، كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون}.
ابتدأت السورة الكريمة بسؤال (( عم )) أصله عما، فحذف منه الألف إما فرقا بين ما الاستفهامية وغيرها أو قصدا للخفة لكثرة استعمالها، وقد قرئ على الأصل وما فيها من الإبهام للإيذان بفخامة شأن المسئول عنه وهوله، وخروجه عن حدود الأجناس المعهود أي شيء عظيم الشأن ( يتساءلون ) وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على إثبات أي هم راسخون في الاختلاف فيه(1).
وهذا الموضوع الذي شغل أذهان الكثيرين من كفار مكة حيث أصبحوا ما بين مصدق ومكذب، وقال مجاهد وغيره أنه البعث، وما يدل على أنه البعث أن كفار العرب ينكرون الميعاد فقال عنهم الله تعالى: { وما نحن بمبعوثين } ( المؤمنون:37).
وطائفة منهم غير جازمة بل شاكة فيه كما قال تعالى: { إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين} ( الجاثية:33)، ثم قال متوعدا لمنكري البعث { كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون}. وهنا تهديد شديد ووعيد أكيد(2)..
2- دلائل قدرة الله:
{ ألم نجعل الأرض مهادا، والجبال أوتادا، وخلقناكم أزواجا، وجعلنا نومكم سباتا، وجعلنا الليل لباسا، وجعلنا النهار معاشا}.
ثم شرع الله تعالى يبين عظيم قدرته وآيات رحمته التي غفل عنها هؤلاء المنكرون، أي كيف تنكرون أو تشكون أيها الجاحدون في البعث والنشور، وقد رأيتم ما يدل على قدرة الله التامة وعلمه المحيط بكل السماء، انظروا إلى الأرض جعلناها ممهدة وموطئاً للناس والدواب، يقيمون عليها وينتفعون بها وبخيراتها، ألا ينظرون إلى هذه الأرض التي منها خلقوا وفيها سيعودون ومنها سيخرجون منها تارة أخرى شاءوا أم أبوا.
قال تعالى: { والجبال أوتادا}، أي جعلنا الجبال للأرض كالأوتاد كي لا تميد أو تضطرب بأهلها.
ثم قال: { وخلقناكم أزواجا}، أي وجعلناكم أصنافاً ذكوراً وإناثاً، ليتمتع كل منكم بالآخر، وليتم حفظ الحياة بالإنسان والتوليد وتكملتها بالتربية والتعليم، قال تعالى: { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
ثم قال تعالى: {و جعلنا نومكم سباتا}، السبات الموت، والنوم نعمة كبرى على الناس، ولقد شبه الله الموت بالنوم واليقظة بالبعث والنشور(1)، فالنوم يريح القوى من تعبها وينشطها من كسلها.
ثم قال تعالى: { وجعلنا الليل لباساً}، أي جعل الليل يستركم بظلامه كما قال تعالى: { والليل إذا يغشاها}.
ثم قال تعالى: { وجعلنا النهار معاشاً}، أي جعل النهار مشرقا ليتمكن الناس من تحصيل المعاش والتكسّب وغير ذلك.
قال تعالى: { وبنينا فوقكم سبعاً شداداً}، يعني السماوات في اتساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها وتزيينها بالكواكب الثوابت و السيارات.
{ وجعلنا سراجاً وهاجاً}، وهو يعني الشمس التي يتوهج ضوؤها لأهل الأرض كلهم(2) .
ثم قال تعالى: { وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجا، لنخرج به حباً ونباتا، وجنات ألفافا}، المعصرات يعني الغيوم المتكاثفة التي تنعصر بالماء ولم تمطر بعد، والثجاج السريع الاندفاع، لتخرج بذلك الماء الكثير النافع الطيب، حبا يقتات به الناس ونباتات وبساتين وحدائق ذات بهجة وأغصان ملتفة على بعضها، وثمرات متنوعة ذات طعوم وروائح متفاوتة(1).
ويتضح في الآيات التقاء العلم مع الإيمان الصادق بقدرة الله وعظمته، فكلما ارتقت معارف الإنسان وازدادت معرفته بطبيعة هذا الكون، أدرك من وراءها التقدير الإلهي العظيم والتدبير الدقيق المحكم والتنسيق بين أفراد الوجود وحاجاتهم، فكل الدلائل السابقة أثبت العلم صحتها من القرآن، اذكر مع سبيل المثال: حقيقة الجبال فهي تحفظ توازن الأرض لعدة أسباب منها:
تعادل نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال ومنها قد يكون تعادل بين التقلصات الجوفية للأرض والتقلصات السطحية، وقد يكون لأنها تثقل الأرض في نقطة معينة فلا تميد بفعل الزلازل والبراكين والاهتزازات الجوفية، وقد يكون السبب آخر لم يكشف عنه بعد(2).
علاقة الآيات بما قبلها:
إن الله عز وجل ذكر دلائل قدرته إلزاما للكافرين بالحجج الدافعة على قدرته على البعث والنشور، كما أنه اقتدر أن يخلق هذه الكائنات، وأنه سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
ثالثا: (مشاهد يوم القيامة)
ويشتمل على
1- علامات يوم البعث.
2- مشهد الطغاة في النيران.
3- مشهد التقاة في الجنان.
1- علامات يوم البعث:
{ إن يوم الفصل كان ميقاتا، يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا، وفتحت السماء فكانت أبوابا، وسيرت الجبال فكانت سرابا}
أعقب الآيات السابقة ذكر البعث، وقد حدد وقته وميعاده، وهو أن يوم الفصل هو يوم الحساب والجزاء، وسمي بيوم الفصل لأنه يفصل فيه بين الخلائق، وجعل له وقتا وميعادا للأولين والآخرين، ويكون ذلك يوم ينفخ في الصور نفخة القيام من القبور، فيحضرون جماعات للحساب والجزاء، ثم ذكر من أوصاف هذا اليوم تتشقق السماء من كل جانب، فتكون كالأبواب في الجدران، كذلك قوله تعالى: { إذا السماء انشقت} ( الانشقاق 1)، ونسفت الجبال فأصبحت كالسراب يحسبه الناظر شيئا وهو وهم(1).
علاقة الآيات بما قبلها:
بعد أن بين دلائل قدرته على البعث، وذكر بعض مشاهد هذا البعث زيادة في تأكيد قدرته عليه وتخويفا للمنكرين الجاحدين له.
2- مشهد الطغاة في النيران:
يمضي السياق خطورة وراء النفخ والحشر، فيصور مصير الطغاة، ومصير التقاة، بادئاً بالأولين المكذبين المتسائلين عن النبأ العظيم.
قال تعالى: { إن جهنم كانت مرصادا، للطاغين مآبا، لابثين فيها أحقابا، لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا، إلا حميما وغسّاقا، جزاءاً وفاقاً، إنهم كانوا لا يرجون حسابا، وكذبوا بآياتنا كذابا، وكل شيء أحصيناه كتابا، فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا}.
إن جهنم خلقت ووجدت وكانت مرصاداً للطاغين، تنتظرهم وينتهون إليها فهي معدّة لهم، ومهيأة لاستقبالهم، فكانت جهنم مآبا لهم للإقامة الطويلة المتجددة أحقابا بعد أحقاب.
فشرابهم الماء الساخن والغسّاق الذي يغسق من أجساد المحروقين ويسيل {جزاء وفاقا } وهذا يوافق ما سلفوا وقدّموا { إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذّابا}، وجرس اللفظ فيه شدّة توحي بشدّة التكذيب وشدة الإصرار عليه، بينما كان الله يحصى عليهم كل شيء وهنا يجيء التأنيب الميئس من كل رجاء في تغيير أو تخفيف { فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا}(1).
علاقة الآيات بما قبلها:
بعد أن ذكر الله تعالى مشاهد من مشاهد يوم القيامة بين جزاء من كذب بيوم القيامة موضحاً أن تكذيبهم إنما يعود بالضرر عليهم.
3- ( مشهد التقاة في الجنان)
ثم يعرض المشهد المقابل، مشهد التقاة في النعيم.
{ إن للمتقين مفازا، حدائق وأعنابا، وكواعب أترابا، وكأساً دهاقا، لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا، جزاءً من ربك عطاءً حسابا}.
إن المتقين ينتهون إلى مفازة ومنجاة، تتمثل في الحدائق والأعناب وكواعب وهن الفتيات الناهدات اللواتي استدارت أثداؤهن، وأترابا متوافيات السن والجمال، وكأسا دهاقا ما كان فيه من شراب كلما فرغت ملئت مرة أخرى، فهم في حياة مصونة من اللغو والتكذيب الذي يصاحبه الجدل، { جزاءً من ربك عطاءُ حساباً }، وتلمح هنا ظاهرة الأناقة في التعبير والموسيقى في التقسيم بين ( جزاء) و( عطاء ) (2).
علاقة الآيات بما قبلها:
بعد أن ذكر الله تعالى عاقبة من كذب بيوم البعث بين جزاء من آمن به وصدق به..
رابعا: (قد أعذر من أنذر)
ويشتمل على:
1.موقف المقربين إلى الله.
2. موقف الذين يتساءلون في ارتياب.
1- موقف المقربين إلى الله:
{ رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا، يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا}.
إن موقف المقربين إلى الله وهم جبريل والملائكة، الأبرياء من الذنوب والمعصية موقفهم هكذا صامتين، لا يتكلمون إلا بإذن وحساب، يغمر الجو بالروعة والرهبة والإجلال والوقار(1).
علاقة الآيات بما قبلها:
تكملة لمشاهد اليوم الذي يتم فيه ذلك كله، يأتي المشهد الختامي في السورة حيث يقف جبريل والملائكة لا يتكلمون إلا ما هو صواب.
المطلب الثاني: ( موقف الذين يتساءلون في ارتياب)
{ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا، إنا أنذرناكم عذاباً قريبا، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا}.
في ظل هذا المشهد تنطلق صيحة من صيحات الإنذار، إنها الهزة العنيفة لأولئك الذين يتساءلون في شكٍ، فلا مجال للتساؤل والاختلاف والفرصة ما تزال سانحة قبل أن تكون جهنم مرصاداً ومآبا، وهو عذاب يؤثر الكافر العدم على الوجود، { يا ليتني كنت ترابا}، وهو أهون عليه من مواجهة الموقف المرعب الشديد، هو الموقف الذي يقابل تساؤل المتسائلين وشك المتشككين في ذلك النبأ العظيم !!!(2).
علاقة الآيات بما قبلها:
إنذار للبشر بعد عاقبة الكافرين، وعاقبة المتقين، ليختار كل واحد ما يريد.
الفصل الثالث
أولا:-
أساليب القرآن في عرض موضوعاته من خلال دراسة السورة.
ثانيا:-
ثمرة الإيمان باليوم الآخر في الدنيا والآخرة في حياة المسلم.
أولا:-
أساليب القرآن في عرض موضوعاته من خلال دراسة السورة.
ويشتمل على
أولا: أسلوب الترغيب والترهيب والوعيد.
ثانيا: الوصف.
ثالثا: الاستفهام والتعجب والتفخيم.
رابعا: الاستدلال العقلي.
أولا: أسلوب الترغيب والترهيب:
لقد استخدم القرآن الكريم أسلوبي الترهيب والترغيب في هذه السورة حينما ذكر مشهد الطغاة في النار { إن جهنم كانت مرصادا، للطاغين مآبا....}، وكذلك مشهد الترغيب حين ذكر مشهد التقاة في الجنة في قوله تعالى: { إن للمتقين مفازا، حدائق وأعنابا...}، هذان الأسلوبان يجعلان الإنسان في حالة يقظة دائمة ومراقبة للنفس، واجتهاد على العمل وإيقاظ للهمم.
ثانيا أسلوب الوصف:
لقد استخدم القرآن الكريم أسلوب وصفي للمشاهد والصور حين ذكر مشهد يوم الفصل، في قوله تعالى: { إن يوم الفصل كان ميقاتا....}، ومشهد العذاب بكل فوته وعنفه { إن جهنم كانت مرصادا....}، ومشهد النعيم كذلك وهو يتدفق تدفقاً، { إن للمتقين مفازا....}، كل هذا يعود بهم إلى النبأ العظيم(1).
ثالثا أسلوب الاستفهام والتعجب والتفخيم:
لم يكن السؤال في قوله تعالى: { عم يتساءلون} بقصد معرفة الجواب لهم، إنما للتعجب من حالهم وتوجيه النظر إلى غرابة تساؤلهم، بكشف الأمر الذي يتساءلون عن بيان حقيقته وصحته، عن النبأ العظيم لم يحدد ما يتساءلون عنه بلفظه إنما ذكر وصفه استطراداً في أسلوب التعجب والتضخيم وكان الخلاف عل اليوم الآخر بين الذين آمنوا به والذين كفروا به(2).
رابعا: أسلوب الاستدلال العقلي.
وخاصة مع أولئك الجاحدين المعاندين الذين لا تقبل نفوسهم النص، ونلحظه جليا في قوله
تعالى: { ألم نجعل الأرض مهادا....}.
ثانيا:-
ثمرة الإيمان بالله واليوم الآخر في حياة المسلم.
1- إن للأيمان باليوم اليوم الآخر أثرا عظيما في توجيه سلوك الإنسان في هذه الحياة الدنيا ذلك لأن الإيمان به، وبما فيه من حساب و ميزان، وثواب وعقاب وفوز وخسران، وجنة ونار له أعمق الأثر وأشده في سير الإنسان وانضباطه، والتزامه بالعمل الصالح وتقوى الله عز وجل.
2- المسلم مطلوب منه أن يقدم على الحق، ليدفع الباطل، وأن يجعل نشاطه كله في الأرض عبادة لله، وبالتوجه في هذا النشاط كله لله، ولابد من جزاء العمل، وهذا الجزاء لا يتم في رحلة الأرض، فيؤجل الحساب الختامي بعد نهابة الرحلة كلها... فلابد إذن من عالم آخر للحساب، وحين ينهار أساس الآخرة في النفس ينهار معه كل تصور لحقيقة هذه العقيدة وتكاليفها ولا تستقيم هذه النفس على طريق الإسلام أبداًُ(1).
3- الإيمان باليوم الآخر له أثر في تحريك العواطف مثل الخجل والحياء من الله تعالى والخشية من لقائه وحسابه والرغبة في تجنب سخطه وغضبه، وفي الوصول إلى مرضاته ومحبته وهذه العواطف إذا بقيت متوقدة في النفس، كانت حافزا للإنسان على العمل فيما يرضي الله(2).
4- الإيمان باليوم الآخر، يعلّم العبد كذلك أن شهوات الدنيا كلها لا تستحق منهم الطلب والجهد والتنافس فيها، وأن الذي يستحق إنما هو ما أعد لهم في ذلك اليوم العظيم(3).
5- الإيمان باليوم الآخر يجعل المسلم يؤمن أنه مراقب من الملائكة المرافقين له، الذين يقومون بتدوين كل أفعاله الصغيرة والكبيرة، ويقول تعالى: { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراً}(4).
6- الإيمان باليوم الآخر يكون كذلك سببا في الإخلاص في العمل(1).
7- الإيمان باليوم الآخر يكوّن في أعماق النفس دافعاً قويا إلى عمل الخير ومكافحة الشر، ويكون هذا الدافع أقوى من الجزاء الدنيوي(2).
8- الإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بالعدالة الإلهية المطلقة في الجزاء، وأن حياة الإنسان على هذه الأرض ليست سدى، إنما هي بميزان(3).
نتائج البحث
1- سورة النبأ سورة مكية بالإجماع، وعدد آياتها أربعون آية ويطلق عليها سورة ( عمّ).
2- إن القرآن الكريم أثبت صحة العلم خلال تعمق الإنسان في مخلوقات الله.
3- ظهر للباحث أن هذه السورة كغيرها من السور المكية تركز على أهداف القرآن المكي في تصحيح العقيدة المتمثلة في الإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وأهوال، واستخدام أسلوب الجمع بين الثواب والعقاب، فالبشارة للمؤمنين والعذاب للطغاة المجرمين.
4- الموضوع الأساسي للسورة هو ( الإيمان بعقيدة البعث)، فقد أثبت هذا الموضوع بأدلة مقنعة كافية للإجابة عن أسئلتهم.
5- تعتبر الأدلة الحسية أحدى الأساليب القرآنية في عرض موضوعاته.
6- ظهرت في السورة حقيقة أصل الإنسان وهو مخلوق من تراب { يا ليتني كنت ترابا}.
7- المنكرون للبعث ليس لهم دليل على إنكارهم؛ لأنه أمر من أمور الغيب وأمور الغيب لا يعلمها إلا الله.
8- ظهر في السورة أن موقف الكفار من البعث ما بين منكر أو كافر به وما ينتظرهم من عذاب، وموقف المؤمنين من البعث وما ينتظرهم من جنان.
9- لم يكن سيدنا محمد هو النبي الذي أخبر عن البعث، بل أخبر به نوح وآدم وإبراهيم وغيرهم، فقد قال تعالى على لسان نوح: { والله أنبتكم من الأرض نباتا، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا} ( نوح:18).
الفصل الرابع
التفسير الموضوعي لسورة الملك
ويتضمن
• أولا:التمهيد:
التعريف بالسورة:
- اسم السورة وعدد آياتها.
- زمن نزول السورة والجو الذي نزلت فيه.
- مناسبة السورة لما قبلها.
- مناسبة السورة لما بعدها.
- مناسبة افتتاحية السورة لخاتمتها.
• ثانيا: المحور الرئيسي للسورة:
إثبات قدرة الله جل جلاله.
• ثالثا: الأهداف الفرعية للسورة:
تهديد ووعيد للذين لا يخشون العذاب الشديد
التفسير الموضوعي لسورة الملك
لقد أفردت للتفسير الموضوعي للسورة فصلاً خاصاً، وهو يشتمل على.
أولا: التمهيد ( بين يدي السورة)
ثانياً: موضوع السورة الأساسي حيث يتكلم عن إثبات قدرة الله جل وجلاله، بذكر الأدلة المادية على ذلك من خلق سبع سموات طباقاً، وتزيينها بالنجوم.
ثالثاً: تهديد ووعيد للذين لا يخشون العذاب الشديد، وذلك بتهديدهم بخسف الأرض أو عذاب من السماء، أو إمساك الرزق عنهم إلى غيرها من المشاهد
رابعاً: تناولت فيه ختام الآيات وموقف المقربين من الله وموقف الذين تساءلوا في ارتياب، لقد أعذر من أنذر.
موضوع السورة الأساسي ومحورها
( إثبات قدرة الله جل جلاله )
ويتكون من:
3- تنزيه وتحدي وإعجاز
4- مصير المكذبين لآيات الله
أولاً : التمهيد
التعريف بالسورة:
سورة الملك مكية بالإجماع، فقد أخرج البيهقي وغيره عن أبن عباس رضي الله عنه قال :" نزلت بمكة سورة تبارك الملك (1)
وقال القرطبي :"مكية في قول الجميع" .
وعدد آياتها ثلاثون، ويبدأ بها الجزء التاسع والعشرون، وهي تُعنى بجانب العقيدة وإثبات قدرة الله جل جلاله، وتسمى بسورة الملك وتبارك لحديث ابن عباس المتقدم، ولبدئها بكلمة تبارك.
1.مناسبة بداية سورة الملك لنهاية ما قبلها وهي سورة التحريم.
لما ختمت سورة التحريم بقول الله تعالى :" وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ " جاءت بداية سورة تبارك مناسبة لها، حيث أن كلمة تبارك تعني تنزيه الله جل وجلاله عن صفات المخلوقين كالإنجاب، والولد ، ويشعرنا ذلك أن تبارك تنفي ما أدعاه النصارى بأن عيسى عليه السلام ابن الله، ببيان حقيقة مريم بنت عمران.
كما أن سورة الملك قد احتوت مناظر من يوم القيامة ومن عذاب أهل النار، وكذلك سورة التحريم(2)
2. مناسبة السورة لما بعدها وهي سورة القلم من عدة وجوه:
أ. أن كلتيهما تتحدث عن تكذيب الكفار للرسالة، ففي سورة الملك جاء قوله تعالى:
" قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ"
وفي سورة القلم جاء قوله تعالى : " إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ".
ب.أن في كلتيهما ذكر الله تعالى مواقف أهل النار فقال في سورة الملك :" وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ،إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُور" وقال تعالى في سورة القلم :" يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ، اشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ"
3.مناسبة فاتحة السورة بخاتمتها:
لما بدأت السورة بتنزيه الله وتعظيمه ، ختمت بتحدي البشر أمام قضاء رب البشر، وأنه من تمام تنزيه وتعظيمه نسب الفضل له ، وشكره على إنعامه و آلائه.
ثانياً : المحور الأساسي للسورة ( إثبات قدرة الله جل جلاله )
1. تنزيه وتحدي وإعجاز
"تبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)"
ابتدأت الآية الكريمة بهذه اللفظة"تبارك" التي توحي بالنماء والبركة والزيادة(1)، كما أنها تعني تنزيه الله عن مشابهة الخلق،"الذي بيده الملك" لا بيد غيره، وملكه أبدي لا ينزعه منه أحد، ولا ينازعه فيه أحد ، وهو " على كل شيء قدير" لا يعجزه أحد (2).
ثم يعدد الله بعضاً من مظاهر قوته ، فيقول تعالى "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً " فالموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن،والحياة تعلق الروح بالبدن، وهذه أضداد كلها بيد الله لا بيد غيره، ويبين لنا سبحانه الحكمة من خلق الموت والحياة، لاختبار عباده، أيهم يحسن عملاً ، و أيهم أكثر ذكراً، وأشدهم منه خوفا (3)
" وهو العزيز الغفور" العزيز الذي يقهر كل شيء بالموت ولا يقهره شيء(4)، وهو الغفور لمن اتعظ بالموت فأحسن العمل.
ثم يبين الله جل جلاله بعضاً من مظاهر قوته فيقول " الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ" فهو الذي خلق السموات السبع بعضها فوق بعض،نافياً أن يكون في خلقه أي تفاوت وتباين وتناقض، متحدياً من يشكك في قدرته بالنظر مرة تلو مرة لزيادة التأكيد، ولأن ذلك أبلغ في قيام الحجة وانتفاء الشك من قلوب الناظرين، فإن انقطعت حجة المشككين والمتشككين رجع إليهم بصرهم ذليلاً ، حسيراً كليلاً تعباً.
ثم يذكر الله المزيد من من مظاهر قدرته ، بقوله تعالى "ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير" فهذه النجوم الساطعات جاءت تزين السماوات التي ما وُجد فيها من فطور، فأكتمل بهاءها ، وللنجوم فوائد ثلاثة هي : مصابيح للسماء، ورجماً للشيطان ، وعلامات للمسافر في البر والبحر قال تعالى :"وعلامات وبالنجم هم يهتدون"، وقد أعد الله للشياطين هذه النجوم عذاباً في الدنيا، أما في الآخرة فلهم عذاب السعير وهو أشد الحريق"
2. مصير المكذبين لآيات الله
"وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ"
ويشترك مع الشياطين في عذاب السعير الذين كفروا بربهم قال تعالى " وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير" أي بئس المرجع والمئاب ، فهم " إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور" وإنما القوا في النار لأنهم وقودها ، فيسمعون لها شهيقاً من الغيظ عليهم ، لسوء أفعالهم، وتكذيبهم آيات خالقهم، تفور فوران المرجل، وهي فوق ذلك " تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ" فكأنها تتقطع عليهم غيظاً ، و "كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ" سؤال توبيخ وتأنيب وترذيل (1)، ألم يأتكم نبي يحذركم الآخرة وينذركم هذا الموقف العصيب فيكون جوابهم " قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ "" فهم مع تكذيبهم للنذر ، أنكروا أن يكون الله قد أنزل شيئاً ، وقد اتهموا الرسل أنهم على غير الجادة والصواب ، فكأنهم أسقطوا ما في أنفسهم من الضلال على غيرهم وظنوا أنهم المهتدون، العاقلون ، فلما وقع بهم عذاب يوم القيامة علموا حقيقة جهلهم الأكيد "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ " معترفين بجهلهم ، ذلك لأن عقلهم ما دلتهم على الحق فكان وجودها كعدمها،وإنما ذكر العقل والسمع لأن تحصيل العلوم والمعارف إنما يكون بهما، فعلموا مآلهم" فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِم " من تكذيب للأنبياء، وكفرهم بالله ورسله "ْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ" فبعداً لهم من الله ورحمته (1)
فلا رجاء لهم في مغفرة ، ولا إقالة لهم من عذاب ، وهم أصحاب السعير الملازمون له، ويالها من صحبة ويا لها من مصير! (2)
علاقة الآيات بما قبلها :
لما ذكر الله تعالى دلائل قدرته،وآيات نعمه ، بين الله جل جلاله مصير من كذب بآياته ، وانكر قدرته .
ثالثا: (تهديد ووعيد للذين لا يخشون العذاب الشديد)
ويشتمل على
1- مصير أهل الإيمان
2- علم الله لا يعجزه شيء
3- من نعم الله على عباده
4.تهديد ووعيد
5.يوم القيامة آت لا محالة
ثالثاً : ( تهديد ووعيد للذين لا يخشون العذاب الشديد )
1. مصير أهل الإيمان
"إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ"
بعد أن ذكر الله ذلك الحوار ، بين ملائكة الجبار وبين الكفار، وأن مآلهم إلى النار، ذكر مصير من استولت على قلبه خشية الله جل جلاله، فهو يعبده ولم يره، مؤمناً بالله غيباً، فكان جزائهم عند ربهم مغفرة لذنوبهم ، وأجر كبير لا يحصيه عاد.
علاقة الآيات بما قبلها :
لما ذكر الله مصير الكفار ، ذكر بعد ذلك مصير أهل الإيمان، ليظل المرء بين الخوف والرجاء، مبتعداً عن الكفر وأفعال الكافرين، ملازماً لأفعال المؤمنين وصفاتهم.
2. علم الله لا يعجزه شيء:
"َأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"
ثم يخاطب الله الخلائق أجمع، متحدياً لهم أنهم سواء اظهروا القول أو أخفوه فإنه يعلمه ، بل هو مطلع على ما هو أدق من الكلام، فهو مطلع على ما تخفيه الصدور، وهو أعلم بمن اتقاه وخشيه، ومن عصاه ورفض أمره، ثم يسأل الله سؤالاً للإنكار(1) على المتشككين بقدرة الله وهم كفار قريش الذين تهامسوا، أن أخفوا بغضكم لمحمد ولا تجهروا به لئلا يسمعه رب محمد بقوله تعالى :" ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" بل إن من خلق العباد أعلم بهم من غيرهم ، حتى من أنفسهم ، وهو اللطيف بعباده، لطف علمه بمعرفة ما في بواطن الأمور، والخبير الذي لا يعجز علمه شيء من خبايا الأمور وظواهرها على حد سواء ، فالسر عنده إعلان.
علاقة الآيات بما قبلها :
لما ذكر الله مصير أهل الإيمان، أكد بعدها أن حقيقة القلوب الذي تشتمل على الإيمان يعلمها، فهو يعلم من أخلص وصدق، ويعلم من نافق وكذب.
3. من نعم الله على عباده
"وَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"
لما بين الله تعالى قدرته ولطفه وعلمه وأنه بكل شيء خبير، أتبع ذلك بذكر دلائل القدرة، وأثار فضله وامتنانه على العباد، فهو الذي جعل الأرض لينة سهله مسالكها، آمراً عباده أن يسافروا حيث استطاعوا من أقطارها ، وأرجاءها للمكاسب والتجارات(1)
وعبر بالأكل هنا عن الإنتفاع بما أنعمه الله عليهم ، لأنه الأهم والأعم(2) ، وفي الآية دلالة على وجوب السعي للرزق والأخذ بالأسباب.
علاقة الآيات بما قبلها :
لما أظهر الله علمه ولطفه وأنه بكل شيء خبير، أمتن الله على عباده بمظهر من مظاهر هذا العلم واللطف والخبرة، ألا وهو تمهيد الأرض للسالكين، وذلك يدفع المتأمل إلى الإيمان بالله وحسن عبادته وشكره.
4. تهديد ووعيد
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
َ قال الله تعالى:أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ بعد أن ذكر الله أن هذه الأرض سهلت للسالكين، توعد الكافرين أن يجعل من الأرض نقمة بعد أن كانت نعمة، بخسفها فيغيبون في مجاهلها بعد أن كانوا على ظاهرها يتنعمون، واستخدم ذلك صيغة السؤال ليظهر لهم مدى عجزهم وافتقارهم إليه سبحانه.
ثم يسألهم مرة أخرى :" أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ " فهل أمنتم كذلك إن لم نخسف بكم الأرض أن نمطر عليكم السماء، فستعلمون صدق إنذاري لكم إن وقع العذاب بكم، ثم يوجههم الله جل جلاله إلى التأمل في مخلوق من مخلوقاته فيقول " أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ "لعل ذلك يدفعهم إلى الإيمان بالخالق ، فهلاً نظرتم إل الطير نظرات تأمل واعتبار، ولما كان الغالب عند الطير فتح الجناح قال تعالى صافات باسم الفاعل ، ولما كان القبض متجدداً عبر عنه الفعل ، فهل تفكرتم في ذلك ، وتساءلتم من يمسك هذا الطير أن يقع، إنه الله الذي بكل شيء بصير، فلا يغفل عنه شيء، وكل واقع تحت بصره الذي أحاط بكل شيء.
يقول تعالى "أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ"
فمن من اعوانكم ينصركم من الله إن أنزل بكم عذابه، فالكافرون في جهل عظيم وضلال مبين، حيث أنهم اعتقدوا أن الألهة من دون الله تنفع أو تضر.
قال تعالى " أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ" فإن أراد الله تعذيبكم بمنع الرزق عنكم ، من يرزقكم من دون الله، ورغم وضوح الحقيقة إلا أن الكفار أصروا في تماديهم في الطغيان وفرارهم من الحق والإيمان.
قال تعالى:" أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " ثم ضرب الله مثلاً للكافر وللمؤمن، فالكافر الذي تمادى في طغيانه وفر من الحق والإيمان، يمشي منسكاً وجهه فلا يرى الحق، فهل هو أهدى أم ذلك الذي انتفع بالحق فهو على صراط مستقيم لا اعوجاج في سيره.
قال تعالى : قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " ثم يأمر الله نبيه أن يخبر الناس أن الله تعالى هو الذي أوجدهم من العدم وخلق لهم السمع والأبصار والأفئدة، ومع ذلك قليل منهم من يشكر الله جل جلاله، وهو بتذكيره لهم بنعمه الجليلة يعرفهم على قبح ما هم فيه من الكفر والإشراك، فلعلهم يراجعوا حساباتهم فيؤمنوا بمن انعم عليهم بهذه النعم الجليلة، وإنما خص الله ذكر السمع والبصر والأفئدة لأنها أدوات العلم والفهم (1)، فكأن الله يعيب عليهم عدم استخدامها في الوصول إلى معرفته جل جلاله، ثم يذكر الله نعمة تكثيرهم في الأرض فيقول :" قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" وبعد تكثيرهم يموتون وإلى الله يحشرون ، وعلى أعمالهم يحاسبون.
علاقة الآيات بما قبلها :
لما ذكر الله إنعامه على عباده ، ذكر مغبة إنكار العباد لنعمه ، وأن الله تعالى قادر أن يحول من النعمة نقمة ، وفي ذلك إرشاد للناس لضرورة شكر الله على نعمه.
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
قال تعالى : "وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " بعد أن أخبرهم الله على لسان نبيه أنهم إليه يحشرون سألوا سؤالاً مستهزئين متى هذا الحشر الذي تخبرنا به ، إن كنت من الصادقين ، فيأمر الله نبيه بالجواب قائلاً " قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ " فهو لا يعلم وقتها ، ولا يعلم وقتها إلا الله ، وإنما هو مبعوث للإنذار لا للإخبار(1)
قال تعالى " فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ " وهذا وعد بانكشاف الموعود به عن كونه (2)، وعبر بالماضي هنا للدلالة على انه لا بد واقع، لا شك في ذلك والموعود به هو الحشر الذي كذب به المبطلون، فيومئذ تخاطبهم الملائكة أو الأنبياء ، هذا يومكم الذي كنتم تدعون ، أي تطلبونه في الدنيا وتستعجلون به استهزاءً (3).
قال تعالى : " أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ " فلما دعا الكفار على محمد والذين معه بالإهلاك، رد عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إن أهلكه الله ومن معه ، أو رحمنا، فمن يدفع عن الكفار عذاب الله الأليم،فهل تظنون أن الأصنام تنجيكم من العذاب الأليم؟.
قال تعالى :" قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" أي قل لهم آمنا بالله الواحد الأحد ، وعليه أعتمدنا وتوكلنا في جميع أمورنا ، وستعلمون أن اتهامكم لنا بالضلال هو اتهام باطل وأن الضلال ما أنتم عليه، وفيه تهديد للمشركين.
قال الله تعالى :" قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ " يأمر الله نبيه بتحديهم إن أصبح ماؤهم لا تصل إليه الدلاء ولا يستطيعون إخراجه ، من يخرجه حتى يكون جارياً على وجه الأرض، فلا غير الله يستطيع ذلك فلم به يشركون؟.
علاقة الآيات بما قبلها :
لما هددهم الله بالعذاب ، هددهم كذلك بيوم الحساب، فلو أنهم ماتوا في الدنيا ولم يبعثوا لاستراحوا ، لكنهم يبعثوا فيحاسبوا
الفصل الخامس
أولا:-
أساليب القرآن في عرض موضوعاته من خلال دراسة السورة.
ثانيا:-
ثمرة الإيمان بقدرة الله جل جلاله .
أولا:-
أساليب القرآن في عرض موضوعاته من خلال دراسة السورة.
ويشتمل على
أولا: أسلوب الترغيب والترهيب والوعيد.
ثانيا: الوصف.
ثالثا: الاستفهام الإنكاري
رابعا: الاستدلال العقلي.
أولا: أسلوب الترغيب والترهيب:
لقد استخدم القرآن الكريم أسلوبي الترهيب والترغيب في هذه السورة حينما ذكر مشهد الطغاة في النار { كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير....}، وكذلك مشهد الترغيب حين ذكر مشهد التقاة في الجنة في قوله تعالى: { إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير...}، هذان الأسلوبان يجعلان الإنسان في حالة يقظة دائمة ومراقبة للنفس، واجتهاد على العمل وإيقاظ للهمم.
ثانيا أسلوب الوصف:
لقد استخدم القرآن الكريم أسلوب وصفي للمشاهد والصور حين ذكر مشهد يوم القيامة في قوله تعالى: {إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور....}، ومشهد العذاب بكل فوته وعنفه { تكاد تميز من الغيظ....}،.
ثالثا أسلوب الاستفهام الإنكاري:
مثال ذلك قوله تعالى :" ألم يأتكم نذير" فيه دلالة الإنكار على الكافرين كفرهم بعد إقامة الحجة عليهم.
ولم يكن السؤال في قوله تعالى: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} بقصد انتظار الجواب إنما بقصد الإناكر والتحدي لهم، وكذلك الآيات اللاحقة لها .
رابعا: أسلوب الاستدلال العقلي.
وخاصة مع أولئك الجاحدين المعاندين الذين لا تقبل نفوسهم النص، ونلحظه جليا في قوله تعالى :" الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ"
وكذلك في قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ....}.
ثانيا:-
ثمرة الإيمان بقدرة الله جل جلاله وبيوم الحشر
1. إن الإيمان بقدرة الله جل جلاله تورث في النفس خشية منه سبحانه ، وإنابة إليه وتوكلاً عليه
2. أن قدرة الله تورث في القلب يقيناً لا يتزعزع، وثقة لا تهتز ، وتوكلاً لا يشرك به مع الله أحداً من خلقه.
3. إن للأيمان باليوم الآخر أثر عظيم في توجيه سلوك الإنسان في هذه الحياة الدنيا ذلك لأن الإيمان به، وبما فيه من حساب و ميزان، وثواب وعقاب وفوز وخسران، وجنة ونار له أعمق الأثر وأشده في سير الإنسان وانضباطه، والتزامه بالعمل الصالح وتقوى الله عز وجل.
نتائج البحث
10- سورة الملك سورة مكية بالإجماع، وعدد آياتها ثلاثون آية ويطلق عليها سورة ( تبارك).
11- إن القرآن الكريم أثبت قدرة خلال تعمق الإنسان بالنظر إلى مخلوقات الله.
12- ظهر للباحث أن هذه السورة كغيرها من السور المكية تركز على أهداف القرآن المكي في تصحيح العقيدة المتمثلة في إثبات قدرة الله جل جلالهو الإيمان باليوم الآخر و وما فيه من بعث وحساب وأهوال، واستخدام أسلوب الجمع بين الثواب والعقاب، فالبشارة للمؤمنين والعذاب للطغاة المجرمين.
13- الموضوع الأساسي للسورة هو ( إثبات قدرة الله)، فقد أثبت هذا الموضوع بأدلة مقنعة كافية للإجابة عن أسئلتهم.
14- تعتبر الأدلة الحسية أحدى الأساليب القرآنية في عرض موضوعاته.
15- المنكرون للبعث ليس لهم دليل على إنكارهم؛ لأنه أمر من أمور الغيب وأمور الغيب لا يعلمها إلا الله.
16- ظهر في السورة أن الكفار يحاولون إلصاق التهم للمؤمنين، وذلك بهدف تشويه صورتهم والنيل منهم، مع أن تلك الصفات الدنيئة واقعة بهم لا بالمؤمنين.
فهرس المصادر والمراجع
حسب موضوعاتها
أولًا: كتب الأحاديث:
1. البخاري، الإمام الحافظ أبي عبد الله بن إسماعيل البخاري( 1418هـ - 1997م) صحيح البخاري، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ط2.
2. النيسابوري، الإمام أبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري: صحيح مسلم.
ثانيا:كتب التفاسير:
3. حوى، سعيد( 1405هـ - 1985م) الأساس في التفسير، ط1،دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة.
4. الدمشقي، أبو النداء إسماعيل ابن كثير( 1401هـ - 1981م) تفسير القرآن العظيم، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
5. الحنفي، محمد بن محمد العمادي(1419هـ - 1999م) إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، وضع الحواشي عبد اللطيف عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1.
6. الزحيلي، وهبة( 1418هـ - 1998م) التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، دار الفكر، دمشق، سورية، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط1.
7. الزحيلي، وهبة(1422هـ - 2001م) التفسير الوسيط، دار الفكر، دمشق، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان.
8. خلة، محمود عبد الخالق( 1423هـ - 2001م) التفسير الموضوعي لسورة القصص، مكتبة الجامعة الإسلامية، غزة.
9. البلبيسي، حسن محمد( 1424هـ - 2003م) التفسير الموضوعي لسورة النمل.
10. الرملي، كفاح عبد الرحمن( 1425هـ - 2004م) التفسير الموضوعي لسورة إبراهيم، مكتبة الجامعة الإسلامية.
11. الصابوني، محمد علي(1417هـ - 1997م) تفسير القرآن الكريم، ط1، دار القرآن الكريم
12. جامعة القدس المفتوحة( 1969م) عقيدة ( 2).
13. الشوكاني، محمد بن علي بن محمد: فتح القدير، الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، دار الفكر، بيروت، ص. ب 7061.
14. كشك، عبد الحميد: في رحاب التفسير، المكتب المصري الحديث.
15. قطب، سيد(1391هـ - 1971م) في ظلال القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط7.
ثالثاً: كتب المعاجم:
16. الأصفهاني، الراغب( 1412هـ - 1992م) مفردات ألفاظ القرآن، دار الفكر، بيروت، لبنان.
رابعاً: كتب الثقافة:
17. الشرقاوي، محمد عبد الله: الإيمان حقيقته وأثره في النفس، مكتبة الأهرام، دار الجيل، بيروت.
18. الخالدي، صلاح(1418هـ - 1997م) التفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق، دار النفائس، الأردن، ط1.
19. اللوح، عبد السلام، وآخرون(1424هـ - 2003م) مباحث في التفسير الموضوعي، مكتبة الجامعة الإسلامية، غزة، ط1.
20. مسلم، مصطفى ( 1410هـ - 1989م) مباحث في التفسير الموضوعي، دار القلم للطباعة والنشر، بيروت.
21. جامعة القدس المفتوحة، مناهج البحث العلمي.