أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة.
تفسير سورة الكهف من مختصري لتفسير الطبري (متجدد)
سُورَةُ الْكَهْفِ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا عَشْرٌ وَمِائَةٌ
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا}[الكهف: 1]
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَصَّ بِرِسَالَتِهِ مُحَمَّدًا وَانْتَخَبَهُ لِبَلَاغِهَا عَنْهُ، فَابْتَعَثَهُ إِلَى خَلْقِهِ نَبِيًّا مُرْسَلًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ قَيِّمًا.. وَقِيلَ: إِنَّمَا افْتَتَحَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَذِهِ السُّورَةَ بِذِكْرِ نَفْسِهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَبِالْخَبَرِ عَنْ إِنْزَالِ كِتَابِهِ عَلَى رَسُولِهِ، إِخْبَارًا مِنْهُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ عَلَّمَهُمُوهَا الْيَهُودُ مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، وَأَمَرُوهُمْ بِمَسْأَلَتِهِمُوهُ عَنْهَا، وَقَالُوا: إِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهَا فَهُوَ نَبِيُّ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْكُمْ بِهَا فَهُوَ مُتَقَوِّلٌ، فَوَعَدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجَوَابِ عَنْهَا مَوْعِدًا، فَأَبْطَأَ الْوَحْيُ عَنْهُ بَعْضَ الْإِبْطَاءِ، وَتَأَخَّرَ مَجِيءُ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْهُ عَنْ مِيعَادِهِ الْقَوْمَ، فَتَحَدَّثَ الْمُشْرِكُونَ بِأَنَّهُ أَخْلَفَهُمْ مَوْعِدَهُ، وَأَنَّهُ مُتَقَوِّلٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ جَوَابًا عَنْ مَسَائِلِهِمْ، وَافْتَتَحَ أَوَّلَهَا بِذِكْرِهِ، وَتَكْذِيبِ الْمُشْرِكِينَ فِي أُحْدُوثَتِهِمُ الَّتِي تَحَدَّثُوهَا بَيْنَهُمْ..
{وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا}[الكهف: 1] وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مُلْتَبَسًا.
{قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}[الكهف: 2]
{قَيِّمًا} مُسْتَقِيمًا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا تَفَاوُتَ، بَلْ بَعْضُهُ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَبَعْضُهُ يَشْهَدُ لِبَعْضٍ، لَا عِوَجَ فِيهِ، وَلَا مَيْلَ عَنِ الْحَقِّ.. وَقِيلَ: عَنَى بِهِ: أَنَّهُ قَيِّمٌ عَلَى سَائِرِ الْكُتُبِ يُصَدِّقُهَا وَيَحْفَظُهَا.. وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاه؛ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: «وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا»[الكهف: 1]..
{لِيُنْذِرَ} أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْقُرْآنَ مُعْتَدِلًا مُسْتَقِيمًا لَا عِوَجَ فِيهِ لِيُنْذِرَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ.. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ مَفْعُولُ قَوْلِهِ «لِيُنْذِرَ»؟ قيل: إِنَّ مَفْعُولَهُ مَحْذُوفٌ، اكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ مُضْمَرٌ مُتَّصِلٌ بِيُنْذِرَ قَبْلَ الْبَأْسِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: لِيُنْذِرَكُمْ بَأْسًا، كَمَا قِيلَ: «يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ»[آل عمران: 175]، إِنَّمَا هُوَ: يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ..
{بَأْسًا} عَذَابَاً عَاجِلَاً، وَنَكَالَاً حَاضِرَاً، وَسَطْوَةً..
{شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ الَّذِي بَعَثَكَ رَسُولًا..
{وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ} وَيُبَشِّرَ الْمُصَدِّقِينَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..
{الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ} وَهُوَ الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِالْعَمَلِ بِهِ، وَالِانْتِهَاءُ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ..
{أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}[الكهف: 2] ثَوَابًا جَزِيلًا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَعَمَلِهِمْ فِي الدُّنْيَا الصَّالِحَاتِ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَذَلِكَ الثَّوَابُ: هُوَ الْجَنَّةُ الَّتِي وَعِدَهَا الْمُتَّقُونَ.
{مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}[الكهف: 3]
{مَاكِثِينَ} خَالِدِينَ.. وَنَصَبَ مَاكِثِينَ عَلَى الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ: «أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا»[الكهف: 2] فِي هَذِهِ الْحَالِ، فِي حَالِ مُكْثِهِمْ فِي ذَلِكَ الْأَجْرِ..
{فِيهِ أَبَدًا}[الكهف: 3] لَا يَنْتَقِلُونَ عَنْهُ، وَلَا يُنْقَلُونَ.
{وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}[الكهف: 4]
{وَيُنْذِرَ} وَيُحَذِّرُ أَيْضًا مُحَمَّدٌ بَأْسَ اللَّهِ وَعَاجِلَ نِقْمَتِهِ، وَآجِلَ عَذَابِهِ، الْقَوْمَ..
{الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}[الكهف: 4] مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ، عَلَى قِيلِهِمْ ذَلِكَ.. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَقُوْلُ: إِنَّمَا نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَهُنَّ بَنَاتُ اللَّهِ.
{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}[الكهف: 5]
{مَا لَهُمْ} مَا لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ: «اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا»..
{بِهِ} بِاللَّهِ..
{مِنْ عِلْمٍ} بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، فَلِجَهْلِهِمْ بِاللَّهِ وَعَظَمَتِهِ قَالُوا ذَلِكَ..
{وَلَا لِآبَائِهِمْ} وَلَا لِأَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُمْ عَلَى مِثْلِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ الْيَوْمَ، كَانَ لَهُمْ بِاللَّهِ وَبِعَظَمَتِهِ عِلْمٌ..
{كَبُرَتْ} عَظُمَتِ الْكَلِمَةُ..
{كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَالُوا: «اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا»، وَالْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ..
{إِنْ يَقُولُونَ} مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ «اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا» بِقِيلِهِمْ ذَلِكَ..
{إِلَّا كَذِبًا}[الكهف: 5] وَفِرْيَةً افْتَرَوْهَا عَلَى اللَّهِ.