تفسير سورة القصص من مختصري لتفسير الطبري (متجدد)

إنضم
12/06/2004
المشاركات
456
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
سُورَةُ الْقَصَصِ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ
{طسم}[القصص: 1]
{طسم}[القصص: 1] قَدْ بَيَّنَّا قبل فِيمَا مَضَى تأويلَه.
{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}[القصص: 2]
{تِلْكَ} هَذِهِ..
{آيَاتُ الْكِتَابِ} الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ..
{الْمُبِينِ}[القصص: 2] أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّكَ لَمْ تَتَقَوَّلْهُ وَلَمْ تَتَخَرَّصْهُ.. قَالَ قَتَادَةُ: : مُبِينٌ وَاللَّهِ بَرَكَتُهُ وَرُشْدُهُ وَهُدَاهُ.
{نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[القصص: 3]
{نَتْلُوا عَلَيْكَ} نَقْرَأُ عَلَيْكَ وَنَقُصُّ فِي هَذَا الْقُرْآنِ..
{مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} مِنْ خَبَرِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ..
{لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[القصص: 3] لِقَوْمٍ يُصَدِّقُونَ بِهَذَا الْكِتَابِ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ مَا نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَئِهِمْ فِيهِ نَبَؤُهُمْ، وَتَطْمَئِنَّ نُفُوسُهُمْ، بِأَنَّ سُنَّتَنَا فِيمَنْ خَالَفَكَ وَعَادَاكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سُنَّتُنَا فِيمَنْ عَادَى مُوسَى وَمَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، أَنْ نُهْلِكَهُمْ كَمَا أَهْلَكْنَاهُمْ، وَنُنْجِيَهُمْ مِنْهُمْ كَمَا أَنْجَيْنَاهُمْ.
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ، يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص: 4]
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} إِنَّ فِرْعَوْنَ تَجَبَّرَ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَتَكَبَّرَ، وَعَلَا أَهْلَهَا وَقَهَرَهُمْ، حَتَّى أَقَرُّوا لَهُ بِالْعُبُودَةِ..
{وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} وَجَعَلَ أَهْلَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِرَقًا مُتَفَرَّقِينَ..
{يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} يستعَبْدُ طَائِفَةً مِنْهُمْ، وَيُذَبِّحُ طَائِفَةً، وَيَقْتُلُ طَائِفَةً، وَيَسْتَحْيِي طَائِفَةً..
{إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص: 4] إِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ بِقَتْلِهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهُ الْقَتْلُ، وَاسْتِعْبَادِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ اسْتِعْبَادُهُ، وَتَجَبُّرِهِ فِي الْأَرْضِ عَلَى أَهْلِهَا، وَتَكَبُّرِهِ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ.
{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص: 5]
{وَنُرِيدُ} إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِرَقًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ وَنَحْنُ نُرِيدُ..
{أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتَضْعَفَهُمْ فِرْعَوْنُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ..
{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} وُلَاةً وَمُلُوكًا..
{وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص: 5] وَنَجْعَلَهُمْ وَرَّاثَ آلِ فِرْعَوْنَ، يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَلَدِ مَهْلِكِهِمْ.
{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}[القصص: 6]
{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} وَنُوَطِّئُ لَهُمْ فِي أَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ..
{وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} كَانُوا قَدْ أُخْبِرُوا أَنَّ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجَلٍ مِنْهُمْ، وَلِذَلِكَ كَانَ فِرْعَوْنُ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، فَأَرَى اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا.. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (وَيَرَى فِرْعَوْنُ) عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لِفِرْعَوْنَ، بِمَعْنَى: وَيُعَايِنُ فِرْعَوْنُ، بِالْيَاءِ مِنْ يَرَى، وَرَفْعِ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَالْجُنُودِ.. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ لِيَرَى مِنْ مُوسَى مَا رَأَى، إِلَّا بِأَنْ يُرِيَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِيُرِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا رَآهُ..
{مِنْهُمْ} مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ نَبِيِّهِ..
{مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}[القصص: 6] مَا كَانُوا يَحْذَرُونَهُ مِنْهُمْ مِنْ هَلَاكِهِمْ وَخَرَابِ مَنَازِلِهِمْ وَدُورِهِمْ.
 
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[القصص: 7]
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} حِينَ وَلَدَتْ مُوسَى..وكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ: قَذَفْنَا فِي قَلْبِهَا..
{أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} وَالْيَمُّ الَّذِي أُمِرَتْ أَنْ تُلْقِيَهُ فِيهِ هُوَ النِّيلُ.. فَقَدْ فَعَلَتْ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا فِيهِ..
{وَلَا تَخَافِي} عَلَى وَلَدِكِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ أَنْ يَقْتُلُوهُ..
{وَلَا تَحْزَنِي} لِفِرَاقِهِ..
{إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} إِنَّا رَادُّو وَلَدَكِ إِلَيْكِ لِلرَّضَاعِ لِتَكُونِي أَنْتِ تُرْضِعِيهِ..
{وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[القصص: 7] وَبَاعِثُوهُ رَسُولًا إِلَى مَنْ تَخَافِينَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهَا وَبِهِ.
 
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا، إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}[القصص: 8]
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ فَأَصَابُوهُ وَأَخْذُوهُ، وَأَصْلُهُ مِنَ اللُّقَطَةِ، وَهُوَ مَا وُجِدَ ضَالًّا فَأُخِذَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ لَهُ وَلَا إِرَادَةٍ: أَصَبْتُهُ الْتِقَاطًا، وَلَقِيتُ فُلَانًا الْتِقَاطًا.. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: «آلُ فِرْعَوْنَ» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ: جَوَارِي امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ.. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهِ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ.. وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهِ أَعْوَانُ فِرْعَوْنَ..
{لِيَكُونَ} مُوسَى فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَخَذُوهُ..
{لَهُمْ} لِآلِ فِرْعَوْنَ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ مُحْسِنُونَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، لِيَكُونَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُمْ، فَكَانَتْ عَاقِبَةُ الْتِقَاطِهِمْ إِيَّاهُ مِنْهُ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدَيْهِ..
{عَدُوًّا} فِي دِينِهِمْ..
{وَحَزَنًا} عَلَى مَا يَنَالُهُمْ مِنْهُ مِنَ الْمَكْرُوهِ..
{إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا} بِرَبِّهِمْ..
{خَاطِئِينَ}[القصص: 8] آثِمِينَ، فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُمْ مُوسَى عَدُوًّا وَحَزَنًا.
 
{وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[القصص: 9]
{وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ} لَهُ هَذَا..
{قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} يَا فِرْعَوْنُ..
{لَا تَقْتُلُوهُ} مَسْأَلَةٌ مِنَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ، وَذُكِرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا قَالَتْ هَذَا الْقَوْلَ لِفِرْعَوْنَ، قَالَ فِرْعَوْنُ: أَمَّا لَكِ فَنَعَمْ، وَأَمَّا لِي فَلَا، فَكَانَ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيْثِ الفُتُوْن..
{عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} ذُكِرَ أَنَّ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ قَالَتْ هَذَا الْقَوْلَ حِينَ هَمَّ بِقَتْلِهِ.. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حِينَ أُتِيَ بِهِ يَوْمَ أَلْتَقَطَهُ مِنَ الْيَمِّ.. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمَ نَتَفَ مِنْ لِحْيَتِهِ أَوْ ضَرَبَهُ بِعَصًا كَانَتْ فِي يَدِهِ.
{وَهُمْ} وَفِرْعَوْنُ وَآلُهُ..
{لَا يَشْعُرُونَ}[القصص: 9] بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ هَلَاكِهِمْ عَلَى يَدَيْهِ..
 
{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا، إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[القصص: 10]
{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى..
{إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} إِنْ كَادَتْ لِتَقُولُ: يَا بُنَيَّاهُ..
{لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} لَوْلَا أَنْ عَصَمْنَاهَا مِنْ ذَلِكَ بِتَثْبِيتِنَاهَا وَتَوْفِيقِنَاهَا لِلسُّكُوتِ عَنْهُ..
{لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[القصص: 10] عَصَمْنَاهَا مِنْ إِظْهَارِ ذَلِكَ وَقِيلِهِ بِلِسَانِهَا، وَثَبَّتْنَاهَا لِلْعَهْدِ الَّذِي عَهِدْنَا إِلَيْهَا «لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» بِوَعْدِ اللَّهِ، الْمُوقِنِينَ بِهِ.
 
عودة
أعلى