أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة.
تفسير سورة الفرقان من مختصري لتفسير الطبري (متجدد)
سُورَةُ الْفُرْقَانِ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ وَسَبْعُونَ
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان: 1]
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفَصْلَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَصْلًا بَعْدَ فَصْلٍ، وَسُورَةً بَعْدَ سُورَةٍ..
{عَلَى عَبْدِهِ} مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
{لِيَكُونَ} مُحَمَّدٌ..
{لِلْعَالَمِينَ} لِجَمِيعِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الَّذِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ دَاعِيًا إِلَيْهِ..
{نَذِيرًا}[الفرقان: 1] مُنْذِرًا يُنْذِرُهُمْ عِقَابَهُ، وَيُخَوِّفُهُمْ عَذَابَهُ، إِنْ لَمْ يُوَحِّدُوهُ، وَلَمْ يُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَيَخْلَعُوا كُلَّ مَا دُونَهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ.. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ رَسُولًا إِلَى النَّاسِ عَامَّةً إِلَّا نُوحًا، بَدَأَ بِهِ الْخَلْقَ، فَكَانَ رَسُولَ أَهْلِ الْأَرْضِ كُلِّهِمْ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَتَمَ بِهِ..
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[الفرقان: 2]
{الَّذِي} تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ، الَّذِي..
{لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} لَهُ سُلْطَانُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُنْفِذُ فِي جَمِيعِهَا أَمْرَهُ وَقَضَاءَهُ، وَيُمْضِي فِي كُلِّهَا أَحْكَامَهُ، يَقُولُ: فَحَقٌّ عَلَى مَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَنْ يُطِيعَهُ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ وَمَنْ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَعْصُوهُ، يَقُولُ: فَلَا تَعْصُوا نَذِيرِي إِلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، وَاتَّبِعُوهُ، وَاعْمَلُوا بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ..
{وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} يَقُولُ تَكْذِيبًا لِمَنْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْوَلَدَ وَقَالَ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ: مَا اتَّخَذَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ وَلَدًا، فَمَنْ أَضَافَ إِلَيْهِ وَلَدًا فَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى عَلَى رَبِّهِ..
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} يَقُولُ تَكْذِيبًا لِمَنْ كَانَ يُضِيفُ الْأُلُوهَةَ إِلَى الْأَصْنَامِ وَيَعْبُدُهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَيَقُولُ فِي تَلْبِيَتِهِ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكْ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكْ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكْ، كَذَبَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْلِ، مَا كَانَ لِلَّهِ شَرِيكٌ فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، فَيَصْلُحُ أَنْ يَعْبُدَ مِنْ دُونِهِ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَفْرِدُوا أَيُّهَا النَّاسُ لِرَبِّكُمُ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُلُوهَةَ، وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، دُونَ كُلِّ مَا تَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ خَلْقُهُ وَفِي مُلْكِهِ، فَلَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لِلَّهِ الَّذِي هُوَ مَالِكُ جَمِيعِ ذَلِكَ..
{وَخَلَقَ} الَّذِي نَزَّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ الْفُرْقَانَ..
{كُلَّ شَيْءٍ} فَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا خَلْقُهُ وَمُلْكُهُ، وَعَلَى الْمَمَالِيكِ طَاعَةُ مَالِكِهِمْ، وَخِدْمَةُ سَيِّدِهِمْ دُونَ غَيْرِهِ، يَقُولُ: وَأَنَا خَالِقُكُمْ، وَمَالِكُكُمْ، فَأَخْلِصُوا لِيَ الْعِبَادَةَ دُونَ غَيْرِي..
{فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[الفرقان: 2] فَسَوَّى كُلَّ مَا خَلَقَ وَهَيَّأَهُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ، فَلَا خَلَلَ فِيهِ وَلَا تَفَاوَتَ.
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ، وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا}[ الفرقان: 3]
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُقَرِّعًا مُشْرِكِي الْعَرَبِ بِعِبَادَتِهِمَا مَا دُونَهُ مِنَ الْآلِهَةِ، وَمُعْجِبًا أُولِي النُّهَى مِنْهُمْ، وَمُنَبِّهُهُمْ عَلَى مَوْضِعِ خَطَأِ فِعْلِهِمْ، وَذَهَابِهِمْ عَنْ مَنْهَجِ الْحَقِّ، وَرِكُوُبِهِمْ مِنْ سُبُلِ الضَّلَالَةِ مَا لَا يَرْكَبُهُ إِلَّا كُلُّ مَدْخُولِ الرَّأْيِ، مَسْلُوبِ الْعَقْلِ: وَاتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ دُونِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَحْدَهُ، مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ، الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ..
{آلِهَةً} أَصْنَامًا بِأَيْدِيهِمْ يَعْبُدُونَهَا..
{لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} لَا تَخْلُقُ شَيْئًا وَهِيَ تُخْلَقُ..
{وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} وَلَا تَمْلِكُ لِأَنْفُسِهَا نَفْعًا تَجُرُّهُ إِلَيْهَا، وَلَا ضَرًّا تَدْفَعُهُ عَنْهَا مِمَّنْ أَرَادَهَا بِضُرٍّ..
{وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا} وَلَا تَمْلِكُ إِمَاتَةَ حَيٍّ..
{وَلَا حَيَاةً} وَلَا إِحْيَاءَ مَيِّتٍ..
{وَلَا نُشُورًا}[ الفرقان: 3] وَلَا نَشْرَهُ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِهِ، وَتَرَكُوا عِبَادَةَ خَالِقِ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقِ آلِهَتِهِمْ، وَمَالِكِ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ، وَالَّذِي بِيَدِهِ الْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ وَالنُّشُورُ.. وَالنُّشُورُ: مَصْدَرُ: نُشِرَ الْمَيِّتُ نُشُورًا، وَهُوَ أَنْ يُبْعَثَ وَيَحْيَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
{وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا}[سورة:4]
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً..
{إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي جَاءَنَا بِهِ مُحَمَّدٌ..
{إِلَّا إِفْكٌ} إِلَّا كَذِبٌ وَبُهْتَانٌ..
{افْتَرَاهُ} اخْتَلَقَهُ وَتَخَرَّصَهُ بِقَوْلِهِ..
{وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} ذُكِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّمَا يُعَلِّمُ مُحَمَّدًا هَذَا الَّذِي يَجِيئُنَا بِهِ الْيَهُودُ، يَقُولُ: وَأَعَانَ مُحَمَّدًا عَلَى هَذَا الْإِفْكِ الَّذِي افْتَرَاهُ يَهُودُ..
{فَقَدْ جَاءُوا} فَقَدْ أَتَى قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ، يَعْنِي الَّذِينَ قَالُوا: «إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ»..
{ظُلْمًا} يَعْنِي بِالظُّلْمِ: نِسْبَتَهُمْ كَلَامَ اللَّهِ، وَتَنْزِيلَهُ إِلَى أَنَّهُ إِفْكٌ افْتَرَاهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى الظُّلْمِ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَكَانَ ظُلْمُ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْقُرْآنَ بِقِيلِهِمْ هَذَا، وَصْفَهُمْ إِيَّاهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ..
{وَزُورًا}[سورة:4] وَالزُّورُ: أَصْلُهُ تَحْسِينُ الْبَاطِلِ.. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَقَدْ أَتَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فِي قِيلِهِمْ «إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ» كَذِبًا مَحْضًا.
{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفرقان: 5]
{وَقَالُوا} وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، الَّذِينَ قَالُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ: إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا الَّذِي جَاءَنَا بِهِ مُحَمَّدٌ..
{أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} يَعْنُونَ: أَحَادِيثَهُمُ الَّتِي كَانُوا يُسَطِّرُونَهَا فِي كُتُبِهِمْ..
{اكْتَتَبَهَا} مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودَ..
{فَهِيَ} فَهَذِهِ الْأَسَاطِيرُ..
{تُمْلَى عَلَيْهِ} تُقْرَأُ عَلَيْهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَمْلَيْتُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَأَمْلَلْتُ..
{بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفرقان: 5] غُدْوَةً وَعَشِيًّا.