تفسير سورة الحج من مختصري لتفسير الطبري (متجدد)

إنضم
12/06/2004
المشاركات
456
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
سُورَةُ الْحَجِّ
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[الحج: 1]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا} يَا أَيُّهَا النَّاسُ احْذَرُوا عِقَابَ..
{رَبَّكُمْ} بِطَاعَتِهِ، فَأَطِيعُوهُ وَلَا تَعْصُوهُ، فَإِنَّ عِقَابَهُ لِمَنْ عَاقَبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَدِيدٌ، ثُمَّ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَوْلَ أَشْرَاطِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَبُدُوَّهُ، فَقَالَ..
{إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[الحج: 1] قَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ كَائِنَةٌ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ..فَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ وَقَدْ فَاوَتَ السَّيْرَ بِأَصْحَابِهِ، إِذْ نَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ»، قَالَ: فَحَثُّوا الْمَطِيَّ، حَتَّى كَانُوا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ ذَلِكَ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذَلِكَ يَوْمَ يُنَادَى آدَمُ، يُنَادِيهِ رَبُّهُ: ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ، وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِلَى النَّارِ.. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُقَالُ لِآدَمَ: أَخْرِجْ بَعَثَ النَّارِ قَالَ: فَيَقُولُ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ الْحَامِلُ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ، قَالَ: قُلْنَا فَأَيْنَ النَّاجِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَبْشِرُوا فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ، وَأَلْفًا مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا وَحَمِدْنَا اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا وَحَمِدْنَا اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِنَّمَا مَثَلُكُمْ فِي النَّاسِ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ، أَوْ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَبْيَضِ.
 
{ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج: 2]
{ يَوْمَ تَرَوْنَهَا} يَوْمَ تَرَوْنَ أَيُّهَا النَّاسُ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ..
{تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} تَنْسَى وَتَتْرُكَ كُلُّ وَالِدَةِ مَوْلُودٍ تُرْضِعُ وَلَدَهَا عَمَّا أَرْضَعَتْ..
{وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} وَتَسْقُطُ كُلُّ حَامِلٍ -مِنْ شِدَّةِ كَرْبِ ذَلِكَ- حَمْلَهَا..
{وَتَرَى النَّاسَ} يَا مُحَمَّدُ مِنْ عَظِيمِ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْكَرْبِ وَشِدَّتِهِ..
{سُكَارَى} مِنَ الْفَزَعِ..
{وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ..
{وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج: 2] وَلَكِنَّهُمْ صَارُوا سُكَارَى مِنْ خَوْفِ عَذَابِ اللَّهِ عِنْدَ مُعَايَنَتِهِمْ مَا عَايَنُوا مِنْ كَرِبِ ذَلِكَ، وَعَظِيمِ هَوْلِهِ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِشِدَّةِ عَذَابِ اللَّهِ.
 
{وَمَنِ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ}[الحج: 3]
{وَمَنِ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ} مَنْ يُخَاصِمُ فِي اللَّهِ، فَيَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى إِحْيَاءِ مَنْ قَدْ بَلِيَ وَصَارَ تُرَابًا..
{بِغَيْرِ عِلْمٍ} يَعْلَمُهُ، بَلْ بِجَهْلٍ مِنْهُ بِمَا يَقُولُ..
{وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ}[الحج: 3] وَيَتَّبِعُ فِي قِيلِهِ ذَلِكَ وَجِدَالِهِ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ.
 
{كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}[الحج: 4]
{كُتِبَ} قُضِيَ..
{عَلَيْهِ} عَلَى الشَّيْطَانِ..
{أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ} مِنْ أَتْبَاعِهِ..
{فَأَنَّهُ} فَإِنَّ الشَّيْطَانَ..
{يُضِلُّهُ} يُضِلُّ مَنْ تَوَلَّاهُ، وَلَا يَهْدِيهِمْ إِلَى الْحَقِّ..
{وَيَهْدِيهِ} وَيَسُوقُ مَنِ اتَّبَعَهُ.. وَسِيَاقُهُ إِيَّاهُ إِلَيْهِ بِدُعَائِهِ إِلَى طَاعَتِهِ، وَمَعْصِيَةِ الرَّحْمَنِ، فَذَلِكَ هِدَايَتُهُ مَنْ تَبِعَهُ..
{إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}[الحج: 4] إِلَى عَذَابِ جَهَنَّمَ الْمُوقَدَةِ.
 
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[ الحج: 5]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ قُدْرَتِنَا..
{مِنَ الْبَعْثِ} عَلَى بَعْثِكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ وَبِلَاكُمُ، اسْتِعْظَامًا مِنْكُمْ لِذَلِكَ..
{فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} فَإِنَّ فِي ابْتِدَائِنَا خَلْقَ أَبِيكُمْ آدَمَ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تُرَابٍ..
{ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} ثُمَّ إِنْشَائِنَاكُمْ مِنْ نُطْفَةِ آدَمَ..
{ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} ثُمَّ تَصْرِيفِنَاكُمْ أَحْوَالًا، حَالًا بَعْدَ حَالٍ، مِنْ نُطْفَةٍ إِلَى عَلَقَةٍ..
{ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ} ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ إِلَى مُضْغَةٍ، لَكُمْ مُعْتَبَرًا وَمُتَّعَظًا تَعْتَبِرُونَ بِهِ، فَتَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَغَيْرُ مُتَعَذِّرٍ عَلَيْهِ إِعَادَتُكُمْ بَعْدَ فَنَائِكُمْ، كَمَا كُنْتُمْ أَحْيَاءً قَبْلَ الْفَنَاءِ.. وَهَذَا احْتِجَاجٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، اتِّبَاعًا مِنْهُ لِلشَّيْطَانِ الْمَرِيدِ، وَتَنْبِيهٌ لَهُ عَلَى مَوْضِعِ خَطَأِ قِيلِهِ، وَإِنْكَارِهِ مَا أَنْكَرَ مِنْ قُدْرَةِ رَبِّهِ.
{مُخَلَّقَةٍ} مُصَوَّرَةٌ خَلْقًا تَامًّا سَوِيًّا..
{وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} وَهُوَ السِّقْطُ قَبْلَ تَمَامِ خَلْقِهِ؛ بِأَنْ تُلْقِيَهُ الْأُمُّ مُضْغَةً، وَلَا تُصَوَّرُ، وَلَا يُنْفَخُ فِيهَا الرُّوحُ..
{لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} جَعَلْنَا الْمُضْغَةَ: مِنْهَا الْمُخَلَّقَةُ التَّامَّةُ، وَمِنْهَا السِّقْطُ غَيْرُ التَّامِّ، لِنُبَيِّنَ لَكُمْ قُدْرَتَنَا عَلَى مَا نَشَاءُ، وَنُعَرِّفَكُمُ ابْتِدَاءَنَا خَلْقَكُمْ..
{وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} مَنْ كُنَّا كَتَبْنَا لَهُ بَقَاءً وَحَيَاةً إِلَى أَمَدٍ وَغَايَةٍ، فَإِنَّا نُقِرُّهُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ إِلَى وَقْتِهِ الَّذِي جَعَلْنَا لَهُ أَنْ يَمْكُثَ فِي رَحِمِهَا فَلَا تُسْقِطَهُ، وَلَا يَخْرُجَ مِنْهَا حَتَّى يَبْلُغَ أَجَلَهُ، فَإِذَا بَلَغَ وَقْتَ خُرُوجِهِ مِنْ رَحِمِهَا أَذِنَّا لَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا، فَيَخْرُجُ..
{ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ} مِنْ أَرْحَامِ أُمَّهَاتِكُمْ إِذَا بَلَغْتُمُ الْأَجَلَ الَّذِي قَدَّرْتُهُ لِخُرُوجِكُمْ مِنْهَا..
{طِفْلًا} صِغَارًا، وَوَحَّدَ الطِّفْلَ، وَهُوَ صِفَةٌ لِلْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ..
{ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} ثُمَّ لِتَبْلُغُوا كَمَالَ عُقُولِكُمْ، وَنِهَايَةَ قُوَاكُمْ بِعُمُرِكُمْ.
{وَمِنْكُمْ} أَيُّهَا النَّاسُ..
{مَنْ يُتَوَفَّى} قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ فَيَمُوتُ..
{وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} وَمِنْكُمْ مَنْ يُنْسَأُ فِي أَجَلِهِ فَيُعَمِّرُ حَتَّى يَهْرَمَ، فَيُرَدُّ مِنْ بَعْدِ انْتِهَاءِ شَبَابِهِ، وَبُلُوغِهِ غَايَةَ أَشُدِّهِ إِلَى أَرْذَلِ عُمْرِهِ، وَذَلِكَ الْهَرَمُ..
{لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ فِي حَالِ صِبَاهُ لَا يَعْقِلُ مِنْ بَعْدِ عَقْلِهِ الْأَوَّلِ شَيْئًا. .
{وَتَرَى الْأَرْضَ} يَا مُحَمَّدُ..
{هَامِدَةً} يَابِسَةً دَارِسَةَ الْآثَارِ مِنَ النَّبَاتِ وَالزَّرْعِ..
{فَإِذَا} نَحْنُ..
{أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا} عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الْهَامِدَةِ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا..
{الْمَاءَ} الْمَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ..
{اهْتَزَّتْ} تَحَرَّكَتْ بِالنَّبَاتِ..
{وَرَبَتْ} وَأَضْعَفَتِ النَّبَاتَ بِمَجِيءِ الْغَيْثِ..
{وَأَنْبَتَتْ} هَذِهِ الْأَرْضُ الْهَامِدَةُ بِذَلِكَ الْغَيْثِ..
{مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} مِنْ كُلِّ نَوْعٍ..
{بَهِيجٍ}[ الحج: 5] يَعْنِي بِالْبَهِيجِ: الْبَهِجَ، وَهُوَ الْحَسَنُ.
 
عودة
أعلى