تفسير سورة الإسراء

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع روضة
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

روضة

New member
إنضم
06/01/2006
المشاركات
205
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الأردن
تفسير سورة الإسراء ملخصاً مما جاء في التفاسير التالية: تفسير الرازي، البحر المحيط، الجامع لأحكام القرآن، تفسير أبي السعود، تفسير الألوسي، الظلال، أيسر التفاسير، تفسير سورة الإسراء لمحمد سيد طنطاوي،
سورة الإسراء لزاهية الدجاني.


أرجو أن تكون به فائدة.


الآية ا لأولى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَىٰ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ



المعنى



يمجّد تعالى نفسه، ويعظّم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، فلا إله غيره ولا رب سواه .. تبدأ السورة بالتسبيح .. أليق حركة نفسية تتسق مع جو الإسراء اللطيف، وأليق صلة بين العبد والرب في ذلك الأفق الوضيء.
والإسراء من السير ليلاً، والرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مختارة من اللطيف الخبير، تربط بين عقائد التوحيد الكبرى، وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعاً، وهذه الرحلة تتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تنكشف عنها للنظرة الأولى.
وتذكر الآية صفة العبودية للرسول صلى الله عليه وسلم: (أسرى بعبده)؛ لتقريرها وتوكيدها في مقام الإسراء والمعراج إلى الدرجات التي لم يبلغها بشر، وذلك كي لا تُنسى هذه الصفة، ولا يلتبس مقام العبودية بمقام الألوهية، كما التبسا في العقائد المسيحية بعد عيسى عليه السلام.
ووصف المسجد الأقصى بـ(الذي باركنا حوله) وصف يرسم البركة حافّة بالمسجد، فائضة عليه، والإسراء آية صاحبتها آيات: (لنريه من آياتنا)، والنقلة العجيبة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في البرهة الوجيزة التي لم يبرد فيها فراش النبي صلى الله عليه وسلم آية من آيات الله، تفتح القلب على آفاق عجيبة في هذا الوجود.
(إنه هو السميع البصير): يسمع ويرى كل ما دقّ ولطف، وخفي على الأسماع والأبصار من اللطائف والأسرار.


المناسبة

مناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها أنه تعالى لما أمره بالصبر، ونهاه عن الحزن على المشركين وأن لا يضيق صدره من مكرهم، وكان من مكرهم نسبته إلى الكذب والسحر والشعر وغير ذلك مما رموه به، أعقب ذلك بذكر شرفه وفضله واحتفائه به، وعلو منزلته عنده.


البلاغة

- براعة الاستهلال (سبحان الذي أسرى)؛ لأنه لما كان أمراً خارقاً للعادة بدأه بلفظ يشير إلى كمال القدرة، وتنزُّه الله عن صفات النقص، وعلو النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المقام أنسب معه أن يسبَّح الله، وينزّه.
- قيل: (سبحان) مصدر كـ(غفران)، بمعنى التنزّه، ففيه مبالغة من حيث إضافة التنزه إلى ذاته المقدسة.
- إضافة (سبحان) إلى الموصول المذكور؛ للإشعار بعليّة ما في حيز الصلة للمضاف؛ فإن ذلك من أدلة كمال قدرته وبالغ حكمته، وغاية تنزهه تعالى عن صفات النقص.
- إيثار كلمة (العبد) على غيرها .. قال القشيري: لما رفعه الله تعالى إلى حضرته السنيّة، وأرقاه فوق الكواكب العلويّة، ألزمه اسم العبودية، أ.هـ.
والعبودية أشرف المقامات وأسمى المراتب العليّة، وحتى لا يلتبس مقام العبودية بمقام الألوهية.
- إضافة (العبد) إلى ضميره تعالى إضافة تشريف وتكريم واختصاص، قال الشاعر:
لا تدعني إلا بيا عبدها لأنه أشرف أسمائيا
- معلوم أن السرى لا يكون إلا بالليل، ولكنه ذكر هنا (ليلاً) على سبيل التأكيد، وكذلك للتظليل والتصوير، على طريقة القرآن الكريم، فيلقى ظل الليل الساكن، ويخيّم ليله الساجي على النفس وهي تتملى حركة الإسراء اللطيفة وتتابعها.
- التنكير في (ليلاً) يدل على تقليل مدة الإسراء، وأنه أُسريَ به في بعض أجزاء الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، وهذا أدلّ على القدرة.
- (الأقصى) سميَ المسجد الأقصى بذلك؛ إذ لم يكن حينئذٍ وراءه مسجد، والمقصد إظهار العجب في الإسراء إلى هذا البُعد في ليلة.
- (الذي باركنا حوله): صفة مدح لإزالة اشتراك عارض، ومن باب أولى أن يكون هو نفسه مباركاً.
- إطلاق البركة وعدم تقييدها يدل على العموم، فهي بركة دنيوية من كثرة الأشجار والأنهار وطيب الأرض، وبركته بما خُصّ به من الخيرات الدينية كالنبوة والشرائع والرسل الذين كانوا في نواحيه ... فالبركة عامة.
- وهذا التعبير (باركنا حوله) وصف يرسم البركة حافة بالمسجد، وهو ظل لم يكن ليلقيه تعبير مباشر، مثل: باركناه.
- الالتفات من الغيبة إلى التكلم (باركنا . . . لنريه من آياتنا) لتعظيم تلك البركات والآيات.
- (لنريه من آياتنا) عبّر بـ(من) الدالة على التبعيض؛ لأن إراءة جميع آيات الله تعالى لعدم تناهيها مما لا يكاد يقع، ولو قيل: (لنريه آياتنا) لتبادر الكل.
- (باركنا) (لنريه) نسبة الفعل إلى الله تعالى (نون العظمة) فيه تعظيم الفاعل وتعظيم القدرة، فهو المتصرف بخلقه.
- مناسبة التذييل (إنه هو السميع البصير): قرّب الله عز وجل عبده محمد، وخصّه بهذه الكرامة؛ لأنه سبحانه مطّلع على أحواله، عالم باستحقاقه لهذا المقام، أو: سميع ما يدعو، بصير بما يكابد. وقيل: وعيد من الله للكفار على تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم في أمر الإسراء، فهي إشارة لطيفة بليغة إلى ذلك، أي هو السميع لما تقولون، البصير بأفعالكم.
- توسيط ضمير الفصل بين اسم (إن) وخبرها؛ لتأكيد هذه الصفات، أو لأن سماعه تعالى بلا أذن، وبصره بلا عين، على نحو لا يشاركه فيه تعالى أحد.
- السياق ينتقل في آية الافتتاح من صيغة التسبيح لله (سبحان) إلى صيغة التقرير من الله (لنريه)، إلى صيغة الوصف لله (إنه هو السميع البصير)، وفقاً لدقائق الدلالات التعبيرية بميزان دقيق حساس، فالتسبيح يرتفع موجهاً إلى ذات الله سبحانه، وتقرير القصد من الإسراء يجيء منه تعالى نصّاً، والوصف بالسمع والبصر يجيء في صورة الخبر الثابت لذاته الإلهية، وتجتمع هذه الصيغ المختلفة لتؤدي دلالاتها بدقة كاملة.


الدروس المستفادة


- كلما تحقق مضمون العبودية من الخضوع والخشوع والإخلاص لله سما صاحبُها وزاد قدره.
- ربط الله عز وجل بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى؛ لتكون فلسطين بوابة العروج إلى السماء، وليربط بينهما في قلوب المسلمين، وليكون ارتباط المسلمين بالمسجد الأقصى وثيقاً، فالمسجد الحرام محور العبادة، والمسجد الأقصى محور الصراع.
- هذه الرحلة تربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعاً، وكأنما أريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول صلى الله عليه وسلم لمقدسات الرسل قبله، وارتباط رسالته بها جميعها.
- الإنسان مهما علا وارتفع لا يصل ولا يقترب من مقام الألوهية إطلاقاً.
- تقرير عقيدة الإسراء والمعراج بالنبي بالروح والجسد معاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم إلى السموات العُلى.
- بيان الحكمة في حادثة الإسراء والمعراج، وهي أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم بأم عينيه ما كان آمن به وعلمه من طريق الوحي، فأصبح الغيب لدى الرسول صلى الله عليه وسلم شهادة.

يتبع ...الآية الثانية
 
الآية الثانية والثالثة: { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }

المعنى

كثيراً ما يقرن القرآن الكريم بين ذكر موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وبين ذكر التوراة والقرآن، ولهذا قال بعد ذكر الإسراء: (وآتينا موسى الكتاب).
فذكر كتاب موسى (التوراة) وما اشتمل عليه من إنذار لبني إسرائيل، وتذكير لهم بجدهم الأكبر نوح العبد الشكور، وآبائهم الأولين الذين حملوا معه في السفينة، ولم يُحمل معه إلا المؤمنون، وتذكير لهم بالمطلب الأساس والرئيس، ألا وهو التوحيد.
وقد بيّن أن التوراة إنما كانت هدى لاشتمالها على النهي عن اتخاذ غير الله وكيلاً، ولا يتجهوا إلا لله، فهذا هو الهدى، وهذا هو الإيمان.
قال ابن الجوزي: قيل للرب وكيل؛ لكفايته وقيامه بشؤون عباده، لا على معنى ارتفاع منزلة الموكل وانحطاط أمر الوكيل. وقال الزمخشري: ربّاً تكلون إليه أموركم.
ولقد خاطبهم باسم آبائهم الذين حملهم مع نوح، وهم خلاصة البشرية على عهد الرسول الأول في الأرض، خاطبهم بهذا النسب ليذكرهم بوحدة أصلهم هم وباقي البشرية، وأن كل الناس متساوون، وليسوا بأفضل من باقي الأمم، وفيه حثٌّ لهم على الاقتداء بآبائهم.


المناسبة

انتقل من الحديث عن حادثة الإسراء إلى الخطر الذي يتهدد أرض الإسراء بذكر بني إسرائيل.
ويمكن أن يقال: إنه تعالى لما ذكر تشريفه لمحمد صلى الله عليه وسلم بالإسراء وما يحمله ذلك من إبراز قضية التوحيد، ذكر تشريف موسى بالتوراة وتركيزها على التوحيد أيضاً، فقال: (وآتينا موسى الكتاب ....).
(ذرية من حملنا مع نوح ... ): كأنه قال في الآية السابقة: لا تتخذوا من دوني وكيلاً ولا تشركوا بي؛ لأن نوحاً كان عبداً شكوراً، والشكر مرتبط هنا مع التوحيد والعبودية لله تعالى، وأنتم ذرية نوح، فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم.
كما أن هذه الآية تذكير لهم بنعمة الله عليهم التي هي بمثابة تعليل لِما طُلب منهم في الآية السابقة، وهو: (ألا تتخذوا من دوني وكيلاً)، فقد أنجيت آباءكم من الغرق، وهذه نعمة تستوجب الشكر والإيمان، والشرك هو أعلى درجات الكفران.


البلاغة


وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً
-انتقل الكلام من ضمير الغيبة في الآية السابقة إلى التكلم، وهذا الالتفات لتربية المهابة في النفوس، وتعظيم الفاعل وتعظيم القدرة، فهو المتصرف بخلقه.
-قرئ بتاء الخطاب: ألا تتخذوا، فـ(أن) هنا تفسيرية، و(لا) ناهية، والكلام فيه التفات.
وقرئ بياء الغيبة، فـ(أن) مصدرية، والمعنى: وآتينا موسى الكتاب . . . لئلا يتخذوا ...
-(من دوني) متعلق بـ(وكيلاً)، وقُدِّم عليه؛ فلم يقل: ألا تتخذوا وكيلاً من دوني؛ للمسارعة في النهي عن اتخاذ أحد من دون الله وكيلاً.
-تنكير (وكيل) لتفيد العموم، فنهاهم عن أن يتخذوا أيّ وكيل.


ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً
-إيثار التعبير بـ(ذرية من حملنا ..) على التعبير بـ(يا بني إسرائيل)؛ فيه تذكير لهم بأصلهم، فهم يعتزون بكونهم بني إسرائيل، والله تعالى يريد أن ينزع منهم هذا الاعتزاز، فيناديهم: يا ذرية من حملنا مع نوح، بحيث يلتقوا هم والبشرية في أب واحد، وهو نوح عليه السلام، فما وجه التعالي؟!
وفيه إثارة لعزائمهم نحو الإيمان والعمل الصالح، وتنبيههم إلى نعمه ـ سبحانه ـ عليهم، حيث جعلهم من ذرية أولئك الصالحين الذين آمنوا بنوح عليه السلام، وحضهم بالسير على مناهجهم في الإيمان والعمل، فإن شأن الأبناء أن يقتدوا بآبائهم في التقوى والصلاح.
-في إيثار لفظ (ذرية) الواقع على الأطفال والنساء في العرف الغالب مناسبة تامة لتذكيرهم بضعفهم حين حملهم.
-(حملنا): الإضافة إلى نون العظمة توحي بالامتنان بالنعمة والفضل.
-(إنه كان عبداً شكوراً): إيذان بأن إنجاء من كان معه كان ببركة شكره عليه السلام، وحثّ ذريته على الاقتداء به، وفيه تعريض بهم، والتقدير: اشكروني كشكره، وزجر لهم عن الشرك الذي هو أعظم مراتب الكفران.
-(شكوراً): صيغة مبالغة تفيد كثرة صدور الحمد منه عليه الصلاة والسلام.
-وصف نوح بالعبودية لإبراز صفة الرسل المختارين، وقد وُصف بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى، وهذا على طريقة التناسق القرآنية في جو السورة وسياقها.


الدروس المستفادة

وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً
-سيكون صراع بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأمة هذا النبي ـ موسى عليه السلام ـ إلى قيام الساعة.
-من سنن الله تعالى العدل، فلا يعاقب قوماً إلا بعد إبلاغهم عن طريق الكتاب الذي يحمل الهدى المؤدي للجزاء الحسن.
-بيان فضل الله تعالى على بني إسرائيل بإيتاء موسى الكتاب.
-بيان سر إنزال الكتب وهو هداية الناس إلى عبادة الله تعالى وتوحيده.


ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً
-ركزت الآية على أهمية الشكر، وذلك حين أشارت إلى التشريف الإلهي لنوح بوصفه عبداً شكوراً.
-بنو إسرائيل متساوون مع باقي البشر، فليسوا أفضل منهم، وهم جميعاً من أصل واحد.
-الشرك أعلى درجات الكفران.
-الشكر يعني تقدير النعم التي لا تحصى، ومن يُقدّر النعم تلك يدرك حجم قدراته وإمكاناته البشرية، فلا يعلو في الأرض بغير الحق، (كما سيأتي في الآية التالية).

يتبع...
 
أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }
http://www.kl28.com/Quran.php?aea=3&sora=17
"ذرية" مفعول أول مؤخر لـ"تتخذوا"، "مَن" اسم موصول مضاف إليه، ويكون "وكيلا" مما وقع مفرد اللفظ، والمعنيُّ به جمع، أي: لا تتخذوا ذرية مَنْ حملنا مع نوح وكلاء، وجملة "إنه كان عبدا" مستأنفة.
........
.......... وقيل : يجوز أن يكون " ذرية " مفعولا ثانيا " لتتخذوا " ويكون قوله : " وكيلا " يراد به الجمع فيسوغ ذلك في القراءتين جميعا أعني الياء والتاء في " تتخذوا " . ويجوز أيضا في القراءتين جميعا أن يكون " ذرية " بدلا من قوله " وكيلا " لأنه بمعنى الجمع ; فكأنه قال لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح .
 
عودة
أعلى