امصنصف كريم
Well-known member
- إنضم
- 12/08/2016
- المشاركات
- 202
- مستوى التفاعل
- 46
- النقاط
- 28
- العمر
- 46
- الإقامة
- المغرب
- الموقع الالكتروني
- sites.google.com
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة والسلام على النبي المصطفى.
أما بعد فهذه خلاصة تفسيرنا لسورة الإخلاص الموسوم ب: تفسير سورة الإخلاص جوهرة التوحيد الخالص أعرض فيه منظومتها العقدية المتكامل ونسقها الإيماني الشامل.
الخلاصة:
سورة الإخلاص، على الرغم من قصرها الشديد وإيجازها، تُعد منظومة نسقية عميقة للفكر العقدي الإسلامي الفلسفي والوجودي. إنها تُجيب عن أسئلة جوهرية حول حقيقة الله وصفاته وعلاقته بالوجود والكون. تُعرف بأنها "نسبة الله عز وجل" و"صفة الرحمن"، وقد أحبها رجل فكان يقرأها في صلاته فاستحق محبة الله له.
تُمثل هذه السورة جوهر التوحيد الخالص لله تعالى، وتفسيرًا للوجود ومنهجًا للحياة وعقيدة للقلب. وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أنها تعدل ثلث القرآن، ليس فقط في الثواب والأجر، بل لأنها تنفرد بجمع أصول العقيدة الإسلامية والتوحيد الخالص والأسماء والصفات، التي تُشكل ثلث معاني القرآن الرئيسية إلى جانب الأحكام والأخبار. وهي تُعد من أفضل سور القرآن، وتدل كثرة أسمائها -مثل التوحيد، النجاة، النسبة، المعرفة، المقشقشة، المانعة، وغيرها- على شرفها ومكانتها العظيمة.
أولا: الخلفية التاريخية وأسباب النزول:
هناك نقاش حول موضع نزول السورة، فذهب جمهور العلماء إلى أنها مكية، وآخرون قالوا مدنية، بينما جمع بعض العلماء بين الروايتين بقولهم بـتكرار النزول.
نزلت السورة جوابًا على أسئلة مختلفة من عدة جماعات عن نسب الله تعالى أو صفته:
- سأل المشركون النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم: "يا محمد، انسب لنا ربك" أو "أخبرنا عن ربك، صف لنا ربك ما هو، ومن أي شيء هو؟ أمن ذهب هو أم من فضة...؟".
- سأل اليهود: "من خلق الله؟".
- سأل النصارى (وفد نجران): "صف لنا ربك، وهل هو من زبرجد أو ياقوت...؟".
تُعد السورة ردًا حاسمًا على أبرز الانحرافات العقائدية التي كانت سائدة في زمن النبوة وما قبله، وتصحح الانحرافات التي أصابت عقائد أهل الكتاب.
ثانيا: تتأسس المنظومة العقدية لسورة الإخلاص على أربع آيات، كل منها يمثل ركيزة متكاملة:
"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" - توحيد الذات المطلق ونفي التعدد والتركيب:
- هذه الآية تُجيب عن سؤال "ما هي حقيقة الله؟" بتأكيد الوحدانية المطلقة لله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله.
- "هُوَ" ضمير الشأن: يُفيد الاهتمام والتعظيم والتفخيم والجلال بما سيأتي بعده.
- لفظ "أحد" يُفيد التفرد بالذات والصفات، بحيث لا نظير له ولا مثيل ولا شبيه. هو واحد في ذاته، ليس مركبًا من أجزاء أو عناصر مادية أو غير مادية. هذا ينفي عنه كل ما يُثلم الوحدة الكاملة والبساطة الحقة، مثل الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان.
- الفرق بين "أحد" و "واحد": "أحد" لا يدخله العدد ولا الجمع ولا الاثنان، ولا يُطلق على غير الله تعالى في الإثبات. هو أبلغ من الواحد، ويُشير إلى توحيد الذات بانتفاء جميع جهات التركيب عقلاً وخارجًا.
- تُعد هذه الآية أساس العقيدة الإسلامية وجوهر التوحيد الذي لا يتغير ولا ينقسم. تُبطل مذاهب التعددية مثل الثنوية (كإلهي النور والظلام عند الفرس)، والتثليث (عند النصارى)، والشرك بجميع أنواعه. كما تبطل مذهب الصابئة في عبادة الأفلاك والنجوم.
"اللَّهُ الصَّمَدُ" - الاستغناء المطلق والكمال الشامل:
- السيد المقصود في الحوائج: "الصمد" هو السيد الذي تُقصد إليه جميع المخلوقات في حوائجها ومطالبها. هذا يُشير إلى كمال استغنائه عن كل خلقه، واحتياج كل ما سواه إليه في وجودهم ودوامهم وجميع شؤونهم.
- لا يأكل ولا يشرب، ولا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء، مما يُبرز كماله المطلق وامتناعه عن التغير في وجوده وصفاته.
- الكمال في جميع الصفات: الصمدية تتضمن إثبات جميع صفات الكمال لله تعالى، فهو الكامل في سؤدده، شرفه، عظمته، حلمه، علمه، حكمته، وهو حي، عالم، مريد، قادر، متكلم، سميع، بصير.
- تُعتبر الصمدية نتيجة منطقية للأحدية؛ فمن كان واحدًا متفردًا بذاته وصفاته، لا يكون إلا غنيًا مطلقًا ومقصودًا لكل محتاج.
- تُبطل هذه الصفة اعتقاد وجود وسطاء أو شركاء لله في قضاء الحوائج، وتدحض مذاهب المشبهة والمجسمة والقدرية.
"لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ" - القدم والأزلية ونفي المشابهة والتكون:
- نفي الولادة ("لم يلد"): تنفي أن يكون لله ولد، سواء ذكر أو أنثى. وهذا رد قاطع على اليهود (عزير ابن الله)، والنصارى (المسيح ابن الله)، والمشركين (الملائكة بنات الله). الولادة تقتضي المجانسة والمماثلة والحاجة والفناء، والله منزه عن ذلك وغني عن الولد للتعاون أو الإعانة.
- نفي التولد ("ولم يولد"): تنفي أن يكون لله والد. هذا يؤكد أن الله قديم أزلي لا بداية لوجوده، ليس بمُحدَث أو مخلوق يحتاج إلى مُحدِث.
- هذا النفي هو نتيجة طبيعية وملازمة لأحدية الله وصمديته.
- تُبطل هاتان الآيتان مذاهب الفلاسفة التي تقول بصدور العقول والنفوس عن واجب الوجود (نظرية الفيض)، كما تبطل زعم المنافقين بتولد الملائكة.
"وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" - نفي المماثلة والندية الشامل:
- تُؤكد هذه الآية أنه ليس له نظير ولا مثيل ولا شبيه ولا عديل ولا مساوٍ مطلقًا في ذاته أو صفاته أو أفعاله أو ربوبيته أو إلهيته.
- هي نفي شامل لكل أنواع المماثلة والمقارنة، وتُعزز وتُكمل الأحدية والصمدية.
- تُبطل هذه الآية عقائد التشبيه والتجسيم، وإثبات الأكفاء والشركاء لله تعالى.
ثالثا: المنظومة النسقية المتكاملة:
سورة الإخلاص لا تقدم هذه الصفات بمعزل عن بعضها، بل تُشكل نسقًا عقديًا مترابطًا ومحكمًا.
" -أحد" تُثبت وحدة الذات وتنفي التركيب والتعدد.
" -الصمد" تُثبت استغناء الله المطلق وكمال صفاته، واحتياج كل المخلوقات إليه.
- "لم يلد ولم يولد" تُعد نتيجة منطقية لازمة للأحدية والصمدية.
" -ولم يكن له كفوا أحد" هي تأكيد جامع وتُرسخ مفهوم التنزيه الكامل لله عن أي نظير أو شبيه في الوجود.
رابعا: آثارها في حياة الإنسان وسلوكه:
هذا الفكر العقدي في السورة يُحدث آثارًا عميقة ومباشرة على بناء شخصية المسلم وسلوكه:
- يُحرر القلب البشري من التعلق بغير الله، ويُخلصه من الرغبة والرهبة من المخلوقات، مما يزرع فيه الطمأنينة.
- يُثبت تصورًا واضحًا لـ"الحقيقة الواحدة والفاعلية الواحدة في الكون". ليس سواه فاعلاً لشيء أو فاعلاً في شيء في هذا الوجود، مما يوصل إلى رؤية يد الله في كل شيء.
- يُعلّم رد كل شيء وكل حدث إلى السبب الأول وهو مشيئة الله وحده.
يُقدم منهجًا كاملاً للحياة قائمًا على:
- عبادة الله وحده، فهو الحقيقة الواحدة والفاعلية الوحيدة.
- الاتجاه إلى الله وحده في الرغبة والرهبة، في السراء والضراء.
- التلقي عن الله وحده في العقيدة والتصور والقيم والشرائع.
- التحرك والعمل لله وحده ابتغاء القرب من الحقيقة والخلاص من الحواجز.
- حب جميع المخلوقات لأنها صادرة من يد الله، وتفيض عليها أنواره.
- تُحقق إنسانية الإنسان وانتصار النفخة العلوية في كيانه من خلال الخلافة والقيادة في الأرض.
بالإضافة إلى ما سبق، تظهر آثار السورة بشكل مباشر في حياة الإنسان وسلوكه من جوانب عملية:
- محبة الله ودخول الجنة: حب السورة يوجب محبة الله تعالى، ويدخل قائلها الجنة.
- الحماية والوقاية من الشرور: قراءتها تكفي من الشر وتمنعه. تُعرف مع المعوذتين (الفلق والناس) بـ"المعوذات"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من قراءتها عند النوم للوقاية من الشر. كما تُبعد الشيطان وتنفر منه، وتُنجي من الكفر في الدنيا ومن النار في الآخرة، وتنفي الفقر عن أهل المنزل والجيران عند دخول المنزل.
- إجابة الدعاء: الدعاء بهذه السورة مستجاب، لما فيها من الاسم الأعظم، الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب.
- التطهير من الشرك والنفاق: تُسمى مع سورة الكافرون بـ"المقشقشتين"، أي المبرئتين من الشرك والنفاق. سورة الإخلاص تُطهر من الشرك العلمي، وسورة الكافرون تُطهر من الشرك العملي.
باختصار، تُقدم سورة الإخلاص رؤية شاملة للتوحيد وتصورًا إيمانيًا عميقًا للوجود، وتُعد صياغة موجزة وشاملة لعقيدة التوحيد الإسلامية، تبرئ الله من كل نقص أو عيب، وتنفيه عن أي مماثلة أو مشاركة مع مخلوقاته.
والحمد لله، والصلاة والسلام على النبي المصطفى.
أما بعد فهذه خلاصة تفسيرنا لسورة الإخلاص الموسوم ب: تفسير سورة الإخلاص جوهرة التوحيد الخالص أعرض فيه منظومتها العقدية المتكامل ونسقها الإيماني الشامل.
الخلاصة:
سورة الإخلاص، على الرغم من قصرها الشديد وإيجازها، تُعد منظومة نسقية عميقة للفكر العقدي الإسلامي الفلسفي والوجودي. إنها تُجيب عن أسئلة جوهرية حول حقيقة الله وصفاته وعلاقته بالوجود والكون. تُعرف بأنها "نسبة الله عز وجل" و"صفة الرحمن"، وقد أحبها رجل فكان يقرأها في صلاته فاستحق محبة الله له.
تُمثل هذه السورة جوهر التوحيد الخالص لله تعالى، وتفسيرًا للوجود ومنهجًا للحياة وعقيدة للقلب. وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أنها تعدل ثلث القرآن، ليس فقط في الثواب والأجر، بل لأنها تنفرد بجمع أصول العقيدة الإسلامية والتوحيد الخالص والأسماء والصفات، التي تُشكل ثلث معاني القرآن الرئيسية إلى جانب الأحكام والأخبار. وهي تُعد من أفضل سور القرآن، وتدل كثرة أسمائها -مثل التوحيد، النجاة، النسبة، المعرفة، المقشقشة، المانعة، وغيرها- على شرفها ومكانتها العظيمة.
أولا: الخلفية التاريخية وأسباب النزول:
هناك نقاش حول موضع نزول السورة، فذهب جمهور العلماء إلى أنها مكية، وآخرون قالوا مدنية، بينما جمع بعض العلماء بين الروايتين بقولهم بـتكرار النزول.
نزلت السورة جوابًا على أسئلة مختلفة من عدة جماعات عن نسب الله تعالى أو صفته:
- سأل المشركون النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم: "يا محمد، انسب لنا ربك" أو "أخبرنا عن ربك، صف لنا ربك ما هو، ومن أي شيء هو؟ أمن ذهب هو أم من فضة...؟".
- سأل اليهود: "من خلق الله؟".
- سأل النصارى (وفد نجران): "صف لنا ربك، وهل هو من زبرجد أو ياقوت...؟".
تُعد السورة ردًا حاسمًا على أبرز الانحرافات العقائدية التي كانت سائدة في زمن النبوة وما قبله، وتصحح الانحرافات التي أصابت عقائد أهل الكتاب.
ثانيا: تتأسس المنظومة العقدية لسورة الإخلاص على أربع آيات، كل منها يمثل ركيزة متكاملة:
"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" - توحيد الذات المطلق ونفي التعدد والتركيب:
- هذه الآية تُجيب عن سؤال "ما هي حقيقة الله؟" بتأكيد الوحدانية المطلقة لله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله.
- "هُوَ" ضمير الشأن: يُفيد الاهتمام والتعظيم والتفخيم والجلال بما سيأتي بعده.
- لفظ "أحد" يُفيد التفرد بالذات والصفات، بحيث لا نظير له ولا مثيل ولا شبيه. هو واحد في ذاته، ليس مركبًا من أجزاء أو عناصر مادية أو غير مادية. هذا ينفي عنه كل ما يُثلم الوحدة الكاملة والبساطة الحقة، مثل الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان.
- الفرق بين "أحد" و "واحد": "أحد" لا يدخله العدد ولا الجمع ولا الاثنان، ولا يُطلق على غير الله تعالى في الإثبات. هو أبلغ من الواحد، ويُشير إلى توحيد الذات بانتفاء جميع جهات التركيب عقلاً وخارجًا.
- تُعد هذه الآية أساس العقيدة الإسلامية وجوهر التوحيد الذي لا يتغير ولا ينقسم. تُبطل مذاهب التعددية مثل الثنوية (كإلهي النور والظلام عند الفرس)، والتثليث (عند النصارى)، والشرك بجميع أنواعه. كما تبطل مذهب الصابئة في عبادة الأفلاك والنجوم.
"اللَّهُ الصَّمَدُ" - الاستغناء المطلق والكمال الشامل:
- السيد المقصود في الحوائج: "الصمد" هو السيد الذي تُقصد إليه جميع المخلوقات في حوائجها ومطالبها. هذا يُشير إلى كمال استغنائه عن كل خلقه، واحتياج كل ما سواه إليه في وجودهم ودوامهم وجميع شؤونهم.
- لا يأكل ولا يشرب، ولا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء، مما يُبرز كماله المطلق وامتناعه عن التغير في وجوده وصفاته.
- الكمال في جميع الصفات: الصمدية تتضمن إثبات جميع صفات الكمال لله تعالى، فهو الكامل في سؤدده، شرفه، عظمته، حلمه، علمه، حكمته، وهو حي، عالم، مريد، قادر، متكلم، سميع، بصير.
- تُعتبر الصمدية نتيجة منطقية للأحدية؛ فمن كان واحدًا متفردًا بذاته وصفاته، لا يكون إلا غنيًا مطلقًا ومقصودًا لكل محتاج.
- تُبطل هذه الصفة اعتقاد وجود وسطاء أو شركاء لله في قضاء الحوائج، وتدحض مذاهب المشبهة والمجسمة والقدرية.
"لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ" - القدم والأزلية ونفي المشابهة والتكون:
- نفي الولادة ("لم يلد"): تنفي أن يكون لله ولد، سواء ذكر أو أنثى. وهذا رد قاطع على اليهود (عزير ابن الله)، والنصارى (المسيح ابن الله)، والمشركين (الملائكة بنات الله). الولادة تقتضي المجانسة والمماثلة والحاجة والفناء، والله منزه عن ذلك وغني عن الولد للتعاون أو الإعانة.
- نفي التولد ("ولم يولد"): تنفي أن يكون لله والد. هذا يؤكد أن الله قديم أزلي لا بداية لوجوده، ليس بمُحدَث أو مخلوق يحتاج إلى مُحدِث.
- هذا النفي هو نتيجة طبيعية وملازمة لأحدية الله وصمديته.
- تُبطل هاتان الآيتان مذاهب الفلاسفة التي تقول بصدور العقول والنفوس عن واجب الوجود (نظرية الفيض)، كما تبطل زعم المنافقين بتولد الملائكة.
"وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" - نفي المماثلة والندية الشامل:
- تُؤكد هذه الآية أنه ليس له نظير ولا مثيل ولا شبيه ولا عديل ولا مساوٍ مطلقًا في ذاته أو صفاته أو أفعاله أو ربوبيته أو إلهيته.
- هي نفي شامل لكل أنواع المماثلة والمقارنة، وتُعزز وتُكمل الأحدية والصمدية.
- تُبطل هذه الآية عقائد التشبيه والتجسيم، وإثبات الأكفاء والشركاء لله تعالى.
ثالثا: المنظومة النسقية المتكاملة:
سورة الإخلاص لا تقدم هذه الصفات بمعزل عن بعضها، بل تُشكل نسقًا عقديًا مترابطًا ومحكمًا.
" -أحد" تُثبت وحدة الذات وتنفي التركيب والتعدد.
" -الصمد" تُثبت استغناء الله المطلق وكمال صفاته، واحتياج كل المخلوقات إليه.
- "لم يلد ولم يولد" تُعد نتيجة منطقية لازمة للأحدية والصمدية.
" -ولم يكن له كفوا أحد" هي تأكيد جامع وتُرسخ مفهوم التنزيه الكامل لله عن أي نظير أو شبيه في الوجود.
رابعا: آثارها في حياة الإنسان وسلوكه:
هذا الفكر العقدي في السورة يُحدث آثارًا عميقة ومباشرة على بناء شخصية المسلم وسلوكه:
- يُحرر القلب البشري من التعلق بغير الله، ويُخلصه من الرغبة والرهبة من المخلوقات، مما يزرع فيه الطمأنينة.
- يُثبت تصورًا واضحًا لـ"الحقيقة الواحدة والفاعلية الواحدة في الكون". ليس سواه فاعلاً لشيء أو فاعلاً في شيء في هذا الوجود، مما يوصل إلى رؤية يد الله في كل شيء.
- يُعلّم رد كل شيء وكل حدث إلى السبب الأول وهو مشيئة الله وحده.
يُقدم منهجًا كاملاً للحياة قائمًا على:
- عبادة الله وحده، فهو الحقيقة الواحدة والفاعلية الوحيدة.
- الاتجاه إلى الله وحده في الرغبة والرهبة، في السراء والضراء.
- التلقي عن الله وحده في العقيدة والتصور والقيم والشرائع.
- التحرك والعمل لله وحده ابتغاء القرب من الحقيقة والخلاص من الحواجز.
- حب جميع المخلوقات لأنها صادرة من يد الله، وتفيض عليها أنواره.
- تُحقق إنسانية الإنسان وانتصار النفخة العلوية في كيانه من خلال الخلافة والقيادة في الأرض.
بالإضافة إلى ما سبق، تظهر آثار السورة بشكل مباشر في حياة الإنسان وسلوكه من جوانب عملية:
- محبة الله ودخول الجنة: حب السورة يوجب محبة الله تعالى، ويدخل قائلها الجنة.
- الحماية والوقاية من الشرور: قراءتها تكفي من الشر وتمنعه. تُعرف مع المعوذتين (الفلق والناس) بـ"المعوذات"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من قراءتها عند النوم للوقاية من الشر. كما تُبعد الشيطان وتنفر منه، وتُنجي من الكفر في الدنيا ومن النار في الآخرة، وتنفي الفقر عن أهل المنزل والجيران عند دخول المنزل.
- إجابة الدعاء: الدعاء بهذه السورة مستجاب، لما فيها من الاسم الأعظم، الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب.
- التطهير من الشرك والنفاق: تُسمى مع سورة الكافرون بـ"المقشقشتين"، أي المبرئتين من الشرك والنفاق. سورة الإخلاص تُطهر من الشرك العلمي، وسورة الكافرون تُطهر من الشرك العملي.
باختصار، تُقدم سورة الإخلاص رؤية شاملة للتوحيد وتصورًا إيمانيًا عميقًا للوجود، وتُعد صياغة موجزة وشاملة لعقيدة التوحيد الإسلامية، تبرئ الله من كل نقص أو عيب، وتنفيه عن أي مماثلة أو مشاركة مع مخلوقاته.