تفسير جزء عم بداية مشروعي (ترجمان القرآن) دائم التعديل والإضافة في الردود

إنضم
06/07/2010
المشاركات
40
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
العمر
43
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخواني في الله ترددت كثيرا في كتابة ما سأكتب ولكن قلبي يدفعني لكتابته ولا بد فهي آلام وآمال أسطرها بين أيديكم آلام لأني أرى أن التفسير يحتاج إلى التحقيق الدقيق خاصة في زماننا الذي انتشر فيه التصديق للأحاديث الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات في التفسير والتفسيرات الباطنية الصوفية والرافضية وما شابهها حتى صارت عند عوام الناس من المسلمات التي لو انكرها أحد استنكر الناس عليه ذلك فقد صار في زمننا المعروف منكرا والمنكر معروفا وشاع تصديق الكاذب وتكذيب الصادق وذلك مشعرٌ باقتراب الساعة كما أخبر عليه الصلاة والسلام ، هذه آلامي وآمالي هي أن نحقق التفسير بشكل مفصل ودقيق فلعل الله يعدنا من الغرباء الذين يُصلِحون إذا أفسد الناس كما أخبر عليه وآله الصلاة والسلام.
أخواني في الله أنا لا أحسبني إلا كأحدكم وأحب علم التفسير جدا وقد انعقدت النية على القيام بتفسير القرآن ولست إلا ناقل ومرتب وجامع لأقوال العلماء وترجيحاتهم حسب ما يقتضيه الدليل فهي خواطري في التفسير أسطرها بين أيديكم وهذا البحث أسميته بـ (ترجمان القرآن) وسيكون متجدد اعدله واضيف عليه بتفسير آيات أخر على الترتيب وسأبدأ بجزء عمَّ ولا شك أن تفسيروي هذا سيكون مفصلا وليس تفسيرا مختصراً فسيأخذ مني وقتا طويلاً فستجدوني بين حين وآخر آتي بتفسير آية أخرى على الترتيب في السور ويمكن إختصاره فيما بعد إن شاء الله وأسأل الله أن ينفعني وإياكم به وأسأله سبحانه الإخلاص في القول والعمل .
أود لو أن طلاب العلم والمشائخ والمتخصصين منهم في باب تفسير القرآن خاصة علقوا بشيء بخصوص ما أكتب ونبهوا لخطأ تفسيري أو كتابي يغير المعنى أقول ذلك لأني اكتب بسرعة على لوحة المفاتيح وغالبا ما يوجد اخطاء كتابية في كتابتي كما نبهي صاحب لي من طلاب العلم فالمهم عندي الآن الأخطاء التفسيرية والأخطاء المغيرة للمعنى فقط أما غير ذلك من أخطاء إملائية نتيجة السرعة في الكتابة فيمكن تصحيحها بعد إنهاء تفسير كل سورة وليتني اجد من ينقحه بعدي فإن كان هنالك من يريد إعانتي فليفعل واسأل الله له الأجر .
والآن أبدأ بما جئتكم به:
بسم الله الرحمن الرحيم
جز عَمَّ
عدد السور في هذا الجزء: سبعة وثلاثون سورة تبدأ بسورة النبأ وتنتهي بسورة الناس التي هي آخر سُوَرِ القرآن الكريم.
سبب تسميته بجزء عَمَّ: لأن هذا الجزء بدأ بقوله تعالى ( عَّمَّ ) في أول آيةٍ من أول سورة فيه وهي قوله تعالى: ( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ) (1) سورة النبأ والمراد من عَمَّ هو عن ما أَيْ عن ماذا؟
سورة النَّبَأ
سورة مكية كما ذكر ابن كثير في تفسيره.
من أطلق عليها سورة النبأ فلذكر النبأ فيها، ومن أطلق عليها عمَّ فلابتدائها بكلمة ( عمَّ ). إنظر سلسلة التفسير للشيخ المحدث مصطفى العدوي
فائدة: تُسَمَّى السور بأهم شيءٍ ذُكِرَ فيها أو بشيءٍ ذُ كِرَ فيها ولم يُذكَر في غيرها وهذا واضح معلوم لو تتبعنا أسماء السور وأسباب تسميتها كما نص عل ذلك العلماء.
قال الشيخ مصطفى العدوي مختصرا ما في السورة من معنانيٍٍ في سلسلة التفسير: ( ذكر الله تعالى في هذه السورة العظيمة أدلة البعث الأربعة، ثم ذكر حال الكافرين في جهنم، وذكر حال المؤمنين في الجنة، ورغب في الإنابة إلى الله تعالى، وختمها بالإخبار أن كل امرئ سيرى ما قدمت يداه في هذه الدنيا، وعند ذلك يتحسر الكافر على ما فرط أشد التحسر حتى إنه يتمنى أنه كان تراباً، فما أعظم ما اشتملت عليه هذه السورة من المعاني الجليلة، والأصول الكبيرة، والمواعظ البليغة. ) (إنتهى)
قوله تعالى: ( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ) (1)
يقول الله عز وجل تفخيما لما يتسائلون عنه واستنكاراً وتوبيخاً وتقريعاً وتهديداً للمتسائلين عَمَّ يتسائلون: عن ما أَيْ عن ماذا عن أيّ شيء
يَتَسَاءَلُونَ: يسأل المشركون من قريش وغيرها وأهل الكتاب من اليهود والنصارى بعضُهم بعضاً
تنبيه: قوله تعالى (يتسائلون) يعم جميع المشركين أهل الكتاب ومشركو قريش في مكة وغيرها وليس مشركو قريش وحسب كما توهم عبارات بعض المفسرين رحمهم الله
قول ضعيف: قال الفرّاء : التساؤل هو أن يسأل بعضهم بعضاً كالتقابل ، وقد يستمعل أيضاً في أن يتحدّثوا به ، وإن لم يكن بينهم سؤال . قال الله تعالى : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } [ الطور : 25 ] { قَالَ قَائِلٌ
مّنْهُمْ إِنّى كَانَ لِى قَرِينٌ } [ الصافات : 51 ] الآية ، وهذا يدل على أنه التحدّث) (إنتهى نقله عنه الشوكاني والرازي في تفسيريهما لهذه الآية)
أقول وليس كذلك الأمر فإن التسائل في اللغة يراد به معنيان الأول ان يسأل بعضهم بعضا والثاني أن يحدث بعضهم بعضاً دون سؤالٍ كما ذكر الفراء فتحديد أحدهما يحتاج إلى قرينة من القرآن في سياق الآية هذه وليس من سياق آية أخرى!
فتحديد الفراء رحمه الله لهذا المعنى يحتاج قرينة تدل على أنه التحدث وحسب هنا ولا قرينة وإنما هو احتمال فالصواب أنه يشمل المعنيان وهو تحدثهم سائلين بعضهم بعضهم بعضاً في ذلك.
شبهة وجوابها: قد يثير بعض أعداء الدين شبهة هنا فيقولون كيف يسأل ربكم هذا أليس هو يعلم الغيب!.
وهذا طرع أعوج ينم عن جهل عظيم بلغة العرب وأساليبهم في الخطاب وذلك أن هذا من أساليب الإستنكار التوبيخ والتقريع والتهديد عند العرب بل وعند غيرهم وذلك أنك ترى أن الأب إذا أراد توبيخ ابنه وتقريعه بشيء ما قال له عَمَّ تسأل ولله المثل الأعلى فمعلومٌ أنه سبحانه هنا لا يسأل سؤال جاهلٍ عياذاً بالله وإنما يسأل سؤال عالم بحقيقة الحال والمآل موبخا ومهددا ومخوفا ومقرعا لا إستفهاما ويدل على ذلك سياق الآيات بعد هذه الآية ( الآية 2 إلى الآية 28 ) إذ يقول سبحانه بعد ذلك: عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) سورة النباء) والآيات بعد ذلك وهذا فيه من التوبيخ والتقريع والتهديد والتخويف لأهل الكفر ما لا يخفى ففيه بيان عظم ذلك النبأ وتكرار أنهم سيعلمون وتقريعهم وتوبيخهم بأنه خلق لهم نِعَماً كثيرةً إمتناناً منه ومع ذلك يكفرون ولذلك قال سبحانه بعد تعداده تلك النعم : ( إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) ) سورة النبأ .
وكذلك يريد سبحانه من هذا السؤال التفخيم لما كان المشركون يتسائلون عنه فيما بينهم وهو البعث بعد الموت الذي أخبرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم
ملاحظة: ذكر بعض العلماء قولين آخرين وهو أن التسائل وقع بين الكفار والمؤمنين والقول الثالث أن يكون التسائل حصل بين الكفار والنبي صلى الله عليه وسلم فأقول في القولين بُعْدٌ لأن الآيات بعد ذلك ( الآية 4 إلى الآية 28 ) فيها تقريع للمتسائلين أي للطرفين السائل والمجيب ولا يمكن أن يكون ذلك التقريع للمؤمنين ولا من باب أولى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى هذا ذهب الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب (31 / 4) إذ قال رحمه الله: ( المسألة السادسة أولئك الذين كانوا يتساءلون من هم فيه احتمالات الاحتمال الأول أنهم هم الكفار والدليل عليه قوله تعالى كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ( النبأ 5 4 ) الضمير في يتساءلون وهم فيه مختلفون وسيعلمون راجع إلى شيء واحد وقوله كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ تهديد والتهديد لا يليق إلا بالكفار فثبت أن الضمير في قوله يَتَسَاءلُونَ عائد إلى الكفار فإن قيل فما تصنع بقوله هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ مع أن الكفار كانوا متفقين في إنكار الحشر قلنا لا نسلم أنهم كانوا متفقين في إنكار الحشر وذلك لأن منهم من كان يثبت المعاد الروحاني وهم جمهور النصارى وأما المعاد الجسماني فمنهم من كان شاكاً فيه كقوله وَمَا أَظُنُّ السَّاعَة َ قَائِمَة ً وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَى رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَى ( فصلت 50 ) ومنهم من أصر على الإنكار ويقول إِنْ هِى َ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ( المؤمنون 37 ) ومنهم من كان مقرّاً به لكنه كان منكراً لنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فقد حصل اختلافهم فيه..) (إنتهى)
ملاحظة: إن تفسير الفخر الرازي مفاتيح الغيب من الكتب التي احتوت الغث والسمين لأن الفخر الرازي رحمه الله وقع في كتابه هذا في تعطيل صفات الله سبحانه وتعالى وهذا خلال منهج القرآن والسنة وسلف الأمة فلا ينبغي أن يقرأ فيه إلا عالم أو طالب علم متمكن كما هو معلوم إذ لا يفرق بين غثه وسمينه إلا العالم بالغث والسمين.
قوله تعالى: ( عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ ) (2)
عن الخبر العظيم الشأن الكبير القدْر الهائل المفظع الباهر عن البعث بعد الموت يوم القيامة
والعلماء على اربعة اقوال في تفسير النبأ العظيم الأول انه البعث بعد الموت أيْ يوم القيامة وهو قول الجمهور والثاني القرآن والثالث بعثة النبي عليه وآله الصلاة والسلام والرابع جميع الثلاثة والراجح أنه البعث بعد الموت لثلاثة أمور:
الأول: أن الله ذكر اختلاف المشركين بين مصدق ومكذب في النبأ العظيم بعد أن ذكره في قوله { الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } (3) سورة النبأ وهم لم يختلفوا بين مصدق ومكذب في القرآن ولا في بعثة النبي فكلهم يكذب بالقرآن وبعثة النبي وإنما اختلفوا بين مصدق ومكذب في البعث يوم القيامة وأدلة ذلك في القرآن ذكرها العلماء وستأتي على لسان بعضهم.
الثاني: لأنه سبحانه جاء بعد ذكره النبأ العظيم بدلائل وبراهين البعث الأربعة كلها وإنما استدل سبحانه بهذه الأدلة لِمَا ذُكِرَ قبلها وهو النبأ العظيم ولَمَّا كانت أدلة للبعث وأنها أدلة لَمَّا مر ذكره قبلها لزم أن يكون ما ذكر قبلها (الذي هو النبأ العظيم) هو البعث ولا شك وهذه الأدلة كثيرة الدوران والتكرار في القرآن، وعقبها بالنص على يوم الفصل صراحة أما الأدلة الأربعة للبعث يوم القيامة فأولها خلق السماوات والأرض ، فيستدل بخلق السماوات والأرض على البعث، (ففي سورة النبأ قال سبحانه : ( وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ) (12) سورة النبأ ) ووجه هذا الاستدلال: أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، وثانيها أحياء بعض الموتى في الدنيا ففي سورة عمَّ شيء مشابه لهذا، ألا وهو: { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا } [النبأ:9]، فالنوم موت أصغر وثالثها إحياء الأرض بعد موتها ففي سورة النبأ قال تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) سورة النبأ) ، فالذي أحيا الأرض بعد موتها سيحيي الموتى أيضاً فمن قدر على ذلك قدر من باب الأولى على هذا ، اورابعها بيان القدرة على الخلق الأول من العدم ، وهو الاستدلال على البعث بأن الذي خلقك أول مرة قادر على أن يعيد خلقك، فالذي صنع شيئاً أول مرة قادر على إعادة صنع هذا الشيء مرة أخرى، (ففي سورة النبأ قال تعالى : ( وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) سورة النبأ وسيأتي تفصيل هذا في كلام العلماء وهذه الأدلة الأربعة مجتمعة في قوله تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)} [النبأ : 6 - 16] ثم عقبها مباشرة بالنص على يوم الفصل صراحة بقوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)} [النبأ : 17 - 19] الآيات.
الثالث: ويؤكذ ذلك كثرة إنكارهم وشدة اختلافهم في البعث لسخافة عقولهم أكثر منهم في البعثة ، وفي القرآن ، فقد أقر أكثرهم ببلاغة القرآن ، وأنه ليس سحراً ولا شعراً ، كما أقروا جميعاً بصدقه عليه السلام وأمانته ، ولكن شدة اختلافهم في البعث.
وهذا البيان والله المستعان:
قال قتادة، وابن زيد: النبأ العظيم: البعث بعد الموت. وقال مجاهد: هو القرآن. والأظهر الأول لقوله: { الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } يعني: المشركون فيه على قولين: مؤمن به وكافر فالمشركون لم يختلفوا في القرآن فكلهم كافر به أما البعث بعد الموت فقد اختلفوا فيه وإلى هذا ذهب العلامة المحدث ابن كثير رحمه الله في تفسيره الرائع ( تَفْسِير القرآن العظيم ) (8 / 302) والآثار في ذلك عن السلف ذكرها ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره ( جامع البيان في تأويل القرآن ) (24 / 149-150) فإن قيل قد صدق بعض المشركون من قريش واهل الكتاب من اليهود والنصار بالقرآن ولم يؤمنوا بالإسلام عناداً فأقول ليس هؤلاء مصدقون فهم مكذبون لعدم إيملنهم وإقرارهم فهم متفقون مع من كذبه قلبا وقالبا فهم جميعلا لا يؤمنون بالقرآن فهم متفقون وغير مختلفون في الكفر بالقرآن الكريم فليس المؤمنون من المتسائلين فالمتسائلون هم الكفار من قريش واهل الكتاب من اليهود والنصارى أما المصدقون المؤمنون كعبد الله بن سلام رضي الله عنه كان يهودياً فأسلم فأمثاله ليس من المتسائلين وقد مر ان المتسائلين مشركون وحسب في تفسيرنا الآية السابقة لما في الآيات من تقريع لا يليق إلا بالكافرين وذكرنا كلام الرازي وسيأتي أن الإختلاف في الآية القادمة هو بين تصديق مؤمن وتكذيب وشك كافر.
وهناك قول ثالث في تفسير النبأ العظيم قال الشيخ العدوي في سلسلة التفسير: ومن العلماء من قال: إن النبأ العظيم هو بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وإرساله إليهم.
فهذه ثلاثة أقوال مشهورة في تفسير النبأ العظيم، وكل قول منها قال به بعض العلماء، والذي عليه الجمهور: أن النبأ العظيم هو: البعث بعد الموت، والمراد بالنبأ الخبر. ) (إنتهى)
ورواه الطبري في تفسيره (24/ 149) وابن أبي حاتم في تفسيره كلاهما عن الحسن البصري.
قلت: والرد على هذا القول الثالث هو بعينه الرد على القول الثاني بانه القرآن فالمشركون من قريش واليهود والنصارى لم يختلفوا في الكفر والتكذيب لبعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد رجح الشيخ العدوي ما ذهبنا إليه إذ قال: ( والذي يرجح أن النبأ العظيم هو البعث بعد الموت أن أدلة البعث الأربعة ذكرت في هذه السورة؛ لأن أدلة البعث التي يستدل بها الله في كتابه على البعث تدور على أربعة أشياء، وتتكرر في سور القرآن بأساليب متنوعة، ويصرفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بسياقات متعددة، وبراهين البعث الأربعة وأدلة البعث الأربعة تدور على الآتي:
الدليل الأول من أدلة البعث: خلق السماوات والأرض، فيستدل بخلق السماوات والأرض على البعث، (ففي سورة النبأ قال سبحانه : ( وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ) (12) سورة النبأ ) ووجه هذا الاستدلال: أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، كما قال تعالى: { لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } [غافر:57]، فالذي خلق الأكبر قادر على خلق الأصغر، إذا كان الله خلق السماوات والأرض فهو قادر على أن يخلق من هو أدنى وأقل من السماوات والأرض، قال تعالى: { لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } [غافر:57].
وهذا الدليل يتصرف بعدة أساليب، والمعنى ثابت، فيأتي هذا المعنى في سياقات متنوعة ومتعددة، في خلال قصص، وفي خلال آيات التذكير، وكله ينصب على هذا المعنى: السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، فالذي خلقها قادر على أن يخلق الناس، والأدلة على هذا في كتاب الله متعددة: كقوله تعالى: { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [يس:78-79]، إلى قوله: { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ } [يس:81]، وكذلك في مطلع سورة (ق) قال الله حاكياً عن المشركين: { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } [ق:3]، يقول تعالى: { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [ق:4-7]، فلما أنكروا البعث -كما في سورة ق- استدل على البعث بخلق السماوات والأرض قال تعالى حاكياً مقالتهم: { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } [ق:3]، فيقول تعالى: { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } [ق:4-7] الآيات.
ونحو هذا في سورة الغاشية: { وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } [الغاشية:18-20]، فكلها آيات تدور على هذا الشيء، فهذا أول استدلال على البعث ألا وهو الاستدلال بخلق السماوات وخلق الأرض.
والدليل الثاني على البعث: يكون بالاستدلال على إحياء بعض الأنفس بعد موتها، كقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيما حكى الله عنه: { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة:260]، وقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } [البقرة:243]، وقال تعالى: { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [البقرة:73]، وقال تعالى: { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } [البقرة:259].
وكان عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله، وفي سورة عمَّ شيء مشابه لهذا، ألا وهو: { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا } [النبأ:9]، فالنوم موت كما قال الله: { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } [الزمر:42]، وكان النبي عليه الصلاة والسلام (عند استيقاضه من النوم) يقول: ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) فهذا وجه الدليل الثاني على البعث.
الدليل الثالث على البعث هو: إحياء الأرض بعد موتها، (ففي سورة النبأ قال تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) سورة النبأ) ويذكره الله في كتابه بعدة أساليب، كقوله: { وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الحج:5-6]، فالذي أحيا الأرض بعد موتها سيحيي الموتى أيضاً، الاستدلال الثالث على البعث وهو: إحياء الأرض بعد موتها.
الدليل الرابع على البعث: الخلق الأول، وهو الاستدلال على البعث بأن الذي خلقك أول مرة قادر على أن يعيد خلقك، فالذي صنع شيئاً أول مرة قادر على إعادة صنع هذا الشيء مرة أخرى، (ففي سورة النبأ قال تعالى : ( وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) سورة النبأ وفيها توضيح قدرة الله على الخلق الأول وبعد بضع آيات قال عز وجل: ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) سورة النبأ وفيه النتبيه على قدرته سبحانه على إعادة صنع ذلك مرة أخرى ) كما قال تعالى: { أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ق:15]، أي: أفأتعبنا وأرهقنا الخلق الأول حتى يتشككوا في البعث؟! فهذه أربعة أدلة على البعث ومضامينها مذكورة في سورة عمَّ، وهذا هو الذي رجح أن المراد بالنبأ العظيم البعث بعد الموت، وسيأتي الكلام عليها واحداً واحداً إن شاء الله. )(إنتهى) (ما بين قوسين نقلا عن سورة النبأ من كلامي)
وقد ذهب الطبري الى الجمع بين الأقوال الثلاثة
في تفسير النبأ العظيم وهذا مردود لأن السياق في النبإ هو مفرد وسبقت الأدلة على تعينه وحده وبطلان القولين الآخرين وإلى هذا ذهب العلامة الشنقيطي في رده على الطبري في تفسيره الرائق أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (8 / 406-408) إذ قال الشنقيطي: ( ولكن بقي بيان هذا النبإ العظيم ما هو؟
فقيل : هو الرَّسول صلى الله عليه وسلم في بعثته لهم .
وقيل : في القرآن الذي أنزل عليه يدعوهم به .
وقيل في البعث بعد الموت .
وقد رجح ابن جرير : احتمال الجميع وألا تعارض بينها .
والواقع أنها كلها متلازمة ، لأن من كذب بواحد منها كذب بها كلها ، ومن صدق بواحد منها صدق بها كلها ، ومن اختلف في واحد منها لا شك أن يختلف فيها كلها .
ولكن السياق في النبإ وهو مفرد . فما المراد به هنا بالذات؟
قال ابن كثير والقرطبي : من قال إنه القرآن : قال بدليل قوله : { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [ ص : 67 - 68 ] .
ومن قال : إنه البعث قال بدليل الآتي بعدها : { إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ مِيقَاتاً } [ النبإ : 17 ] .
والذي يظهر والله تعالى أعلم : أن أظهرها دليلاً هو يوم القيامة والبعث ، لأنه جاء بعده بدلائل وبراهين البعث كلها ، وعقبها بالنص على يوم الفصل صراحة ، أما براهين البعث فهي معلومة أربعة : خلق الأض والسماوات ، وإحياء الأرض بالنبات ، ونشأة الإنسان من العدم ، وإحياء الموتى بالفعل في الدنيا لمعاينتها وكلها موجودة هنا .
أما خلق الأرض والسماوات ، فنبه عليه بقوله : { أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مِهَاداً والجبال أَوْتَاداً } [ النبأ : 6 - 7 ] ، وقوله : { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } [ النبأ : 12 - 13 ] فكلها آيات كونية دالة على قدرته تعالى كما قال : { لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس } [ غافر : 57 ] .
وأما إحياء الأرض بالنبات ففي قوله تعالى : { وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَآءً ثَجَّاجاً لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } [ النبأ : 14 - 16 ] كما قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرض خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ إِنَّ الذي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الموتى } [ فصلت : 39 ] .
وأما نشأة الإنسان من العدم ، ففي قوله تعالى : { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } [ النبأ : 8 ] أي أصنافاً ، كما قال تعالى : { قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [ يس : 79 ] .
وأما إحياء الموتى في الدنيا بالفعل ، ففي قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } [ النبأ : 9 ] والسبات : الانقطاع عن الحركة . وقيل : هو الموت ، فهو ميتة صغرى ، وقد سماه الله وفاة في قوله تعالى : { الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَ } [ الزمر : 42 ] ، وقوله تعالى : { وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم بالليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ } [ الأنعام : 60 ] ، وهذا كقتيل بني إسرائيل وطيور إبراهيم ، فهذه آيات البعث ذكرت كلها مجملة .
وقد تقدَّم للشَّيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه إيرادها مفصلة في أكثر من موضع ، ولذا عقبها تعالى بقوله : { إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ مِيقَاتاً } [ النبإ : 17 ] أي للبعث الذي هم فيه مختلفون ، يكون السياق مرجحاً للمراد بالنبأ هنا .
ويؤكد ذلك أيضاً ، كثرة إنكارهم وشدة اختلافهم في البعث أكثر منهم في البعثة ، وفي القرآن ، فقد أقر أكثرهم ببلاغة القرآن ، وأنه ليس سحراً ولا شعراً ، كما أقروا جميعاً بصدقة عليه السلام وأمانته ، ولكن شدة اختلافهم في البعث كما في أول سورة ص وق ، ففي ص قال تعالى : { وعجبوا أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الكافرون هذا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ ص : 4 - 5 ] .
وفي ق قال تعالى : { بَلْ عجبوا أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الكافرون هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ } [ ق : 2 - 3 ] ، فهم أشد استبعاداً للبعث مما قبله ، والله تعالى أعلم . ) (إنتهى)
قلت وهو قولٌ فَصْلٌ في الباب فعض عليه بالنواجذ.
قلت: وللرافضة الإثني عشرية قول شنيع كعادتهم في تفسير القرآن فغلوهم جعلهم يضعون القرآن في أهل البيت كذباً وزوراً إذ ذهب الرافضة إلى أن النبأ العظيم هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومنهم من عبر عن ذلك بأن النبأ العظيم هو ولاية علي بن ابي طالب ! يروون ذلك عن الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر رحمه الله كذباً وزوراً رواه علاّمَتهم محمد بن الحسن الصفار في كتابه (بصائر الدرجات ص 96-97) قال: ( حدثنا احمد بن محمد عن ابن ابى عمير وغيره عن محمد بن الفضيل عن ابى حمزة الثمالى عن ابى جعفر عليه السلام قال قلت جعلت فداك ان الشيعة يسئلونك عن تفسير هذه الاية عم يتسائلون عن النباء العظيم قال فقال ذلك إليّ ان شئت اخبرتهم وان شئت لم اخبرهم قال فقال لكنى اخبرك بتفسيرها قال فقلت عم يتسائلون قال فقال هي في امير المؤمنين عليه السلام قال كان امير المؤمنين يقول ما لله آية اكبر منى ولا لله من نبأ عظيم اعظم منى ولقد عرضت ولايتى على الامم الماضية فابت ان تقبلها قال قلت له قل هو نباء عظيم انتم عنه معرضون قال هو والله امير المؤمنين عليه السلام.) إنتهى
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (35 / 150) إعتقاد النصيرية بهذا القول الشنيع إذ قال انهم يقولون: (ان النباء العظيم والامام المبين هو علي بن أبى طالب ) (إنتهى) فيال مشابهة الرافضة الإثني عشرية بالرافضة النصيرية!!! ولذلك قال شيخ الإسلام بعد ذلك في مجموع الفتاوى لابن تيمية - (35 / 152) في شأن النصيرية ما نصه: ( وهم كما قال العلماء فيهم ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض وحقيقة أمرهم انهم لا يؤمنون بنبى من من الانبياء والمرسلين لا بنوح ولا ابراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا محمد صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ولا بشىء من كتب الله المنزلة لا التورة ولا الانجيل ولا القرآن ولا يقرون بأن للعالم خالقا خلقه ولا بان له دينا امر به ولا ان له دارا يجزى الناس فيها على اعمالهم غير هذه الدار ) (إنتهى) قلت: وهذا كلام نفيس متين فعض عليه بالنواجذ
فائدة: النبأ الخبر انظر لسان العرب لابن منظور عند (نبأ)
فائدة: مما سبق يتبين ان النبأ العظيم من أسماء يوم القيامة.
قوله تعالى: ( الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) (3)
الذي هم فيه مختلفون بين مؤمن وكافر فهم بين مُصَدّقٍ مؤمنٍ به ومُكَذَبٍ به وشاكٍ به كافرٍ.
قال العلامة القاسمي محدث الشام رحمه الله في تفسيره (محاسن التأويل) عند تفسيره هذه الآية : ( { الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } أي : منقسمون ، بعضهم يجحدهُ وآخر يرتاب فيه . ) (إنتهى)
ملاحظة: تفسير القاسمي (محاسن التأويل) وصفه العلامة المحدث مشهور بن حسن آل سلمان (أحد طلاب العلامة المحدث الألباني) بأنه أفضل التفاسير من حيث الإختيارات. (إنتهى)
أقول وهو بحق جدير بأن يهتم به طالب العلم فهو كتاب رائع فسر فيه القاسمي على منهج السلف الصالح تفسيرا جليلا فرحمه الله ورزقنا الله أمثاله.
قال العلامة المحدث الشوكاني في تفسيره تفسير فتح القدير (5 / 363) : ( ومما يدل على أنه البعث أنه أكثر ما كان يستنكره المشركون وتأباه عقولهم السخيفة وأيضا فطوائف الكفار قد وقع الاختلاف بينهم في البعث فأثبت النصارى المعاد الروحاني واثبتت طائفة من اليهود المعاد الجسماني وفي التوراة التصريح بلفظ الجنة باللغة العبرانية بلفظ جنعيذا بجيم مفتوحة ثم نون ساكنة ثم عين مكسورة مهملة ثم تحتية ساكنة ثم ذال معجمة بعدها ألف وفي الإنجيل في مواضع كثيرة التصريح بالمعاد وأنه يكون فيه النعيم للمطيعين والعذاب للعاصين وقد كان بعض طوائف كفار العرب ينكر المعاد كما حكى الله عنهم بقوله إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما نحن بمبعوثين وكانت طائفة منهم غير جازمة بنفيه بل شاكة فيه كما حكى الله عنهم بقوله : { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } [ الجاثية : 32 ] وما حكاه عنهم بقوله : { وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً وَلَئِن رُّجّعْتُ إلى رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ للحسنى } [ فصلت : 50 ] فقد حصل الاختلاف بين طوائف الكفر على هذه الصفة..) (إنتهى)
قال الشيخ المحدث مصطفى العدوي حفظه الله في سلسلة التفسير(المشركين لم يكونوا جميعاً مطبقين على أن البعث غير آت، بل كان منهم من يقر بالبعث، ومنهم من كان يتشكك في أمره، ومنهم من كان ينفيه بالكلية، فطوائف النصارى يقرون بالبعث، لكن البعث عندهم له صفات أُخَر، وأحداث أُخَر غير البعث الذي يعتقده أهل الإسلام، وكذلك طوائف من اليهود، فإنهم يقولون: { لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً } [البقرة:80]، وهذا يفيد أنهم يقرون بالبعث، لكن له صفة معينة عندهم.
أما الذين يتشككون في أمر البعث، فكما حكى الله مقالتهم في قوله: { وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى } [فصلت:50]، وقال حاكياً عن بعضهم: { وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا } [الكهف:36]، أي:
على فرض أن هناك بعثاً، فهذا الكافر يقول: لئن رددت إلى ربي فإنه قد أكرمني في الدنيا، فسيكرمني بكرامة أكبر منها في الآخرة.
وقال تعالى: { بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ } [النمل:66]، فكانت هناك طوائف تثبت البعث، لكن على صفات أخر، وطوائف تتشكك في أمر البعث، وطوائف تنفي البعث مطلقاً، كما قال تعالى: { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [يس:78-79]، وقال الله سبحانه وتعالى: { بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } [ق:2-3]، فكانت طائفة منهم تنكر البعث، فهذه أوجه اختلافهم ) (إنتهى)
قول ضعيف: قال العلامة الشوكاني في تفسيره تفسير فتح0القدير (5 / 363) : (وقد استدل على أن النبأ العظيم هو القرآن بقوله ( الذي هم فيه مختلفون ) فإنهم اختلفوا في القرآن فجعله بعضهم سحرا وبعضهم شعرا وبعضهم كهانة وبعضهم قال هو اساطير الأولين ) (إنتهى) قلت ويمكن ان يقال ان الإختلاف هو الإختلاف في تكذيبهم لبعثة النبي فمنهم من قال شاعر ومنهم قال كان ومنهم قال ساحر هذا على القول بأن النبأ العظيم هو بعثة النبي وقد مر بطلان القولان ثم هذا التفسير للإختلاف باطلٌ بُنِيَ على باطل فهو باطل ثم هو تكلف في تفسير الإختلاف إذ الأصل في الإختلاف عدم الإتفاق قال ابن منظور في لسان العرب عند (خلف) : ( وتَخالَفَ الأَمْران واخْتَلَفا لم يَتَّفِقا.. ) (إنتهى) فالأصل فيه عدم الإتفاق في النباء العظيم وليس في طريقة التكذيب فيه ثم القول بهذا يحتاج إلى قرينة من السياق ولا قرينة فيبقى على الأصل وعن قتادة( الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) قال: مصدّق ومكذّب.) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره ذكرها ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره ( جامع البيان في تأويل القرآن ) (24 / 150) فيبقى على الأصل وهو أن الإختلاف هنا هو في أصل الأمر أي أموجود حقا أم لا اي أموجود يوم البعث أم لا وليس في فروعه اي ليس في طريقة وجوده فهم بين مصدق ومكذب وقدر رددنا على القولين بأنه القرآن وانه بعثة النبي في تفسير الآية السابقة وقلنا أن مشركو قريش واليهود والنصارى لم يختلفوا في شأن القرآن الكريم فكلهم مكذبٌ له فليس المراد القرآن بل البعث بعد الموت.
فائدة: لو سلمنا جدلاً لا إقراراً أن جميع المشركين لم يثبتوا البعث وانكروه ولم يختلفوا في إنكار أصل وجوده وهذا ما لا يقول به عاقل يعلم الكتاب والسنة ولكن من باب التسليم الجدلي نقول أجاب الرازي رحمه الله في مفاتيح الغيب (31 / 4) على هذا الطرح بعد أن سلّمه جدلا لا إقراراً قائلاً : وأيضاً هب أنهم كانوا منكرين له لكن لعلهم اختلفوا في كيفية إنكاره فمنهم من كان ينكره لأنه كان ينكر الصانع المختار ومنهم من كان ينكره لاعتقاده أن إعادة المعدوم ممتنعة لذاتها والقادر المختار إنما يكون قادراً على ما يكون ممكناً في نفسه
وكتب أبو جعفر الزهيري في يوم السبت الموافق لـ 21 من رجب 1431
بين فترة وأخرى أضيف تفسير للآيات التي بعدها حتى أنهي جزء عم إن شاء الله أسأل الله الإخلاص وأن يطيل في عمري كي أكمل هذا العمل.
قوله تعالى: ( كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) )
يقول تعالى متوعدا ومهددا المشركين المنكرين والمشككين بالبعث يوم القيامة كلا ردعاً وزجراً للمشركين ليس الأمر على كما زعموا من النكران والشك سيعلمون بطلان زعمهم يوم القيامة حين يرون حقيقة حال البعث الذي تسائلوا عنه وما فيه من الأهوال بأعينهم فيعلمونه يقيناً بالمعاينة كما قال تعالى في سورة الكوثر: ( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) سورة الكوثر
فائدة: (كلا) كلمة: ردع وزجر ونفي لمعنىً وتصرف متقدم فهي هنا لنفي ظن المشركين وزعمهم بشأن البعث يوم القيامة.
قوله تعالى: ( ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) )
ثم كلا ليس الأمر كما زعموا من النكران والشك في البعث وأن الله ليس بمعذبهم يوم القيامة سيعلمون ذلك علماً أكبر وأشد وأأكد سيعلمون بطلان شكهم وكفرهم بعلم أنهم مواقعون العذاب بحواسهم وأجسامهم علماً يقينياً ولا محالة في هذا البعث يوم القيامة حين يُدَعُّونَ إلى نار جهنم دَعّاً، ويقال لهم: { هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } لكفرهم بالبعث وشكهم وتكذيبهم به أو ببعض صفاته مع تصديقهم بأصله وهذا وعيد بعد وعيد كما قال الحسن البصري رحمه الله فهو وعيد أشد من سابقه فمواقعة العذاب بالحواس والأجسام علم أشد من العلم به من خلال رؤيته فتأمل.
وما علمت آيةً تفسر هاتين الآيتين مثل قوله تعالى ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) سورة الكهف
وإنما قلنا أن هذا العلم اكبر واشد وأأكد من سابقه لأمرين الأول: انه مسبوق بثم وهي تفيد البعد الزماني والتفاوت الرُّتَبِي ولذا قال العلامة القاسمي في تفسيره محاسن التأويل عند هذه الآية : ( وفي { ثُمَّ } إشعار بأن الوعيد الثاني أشد ؛ لأنها هنا للبعد والتفاوت الرتبيّ ، فكأنه قيل : ردع وزجر لكم شديد ، بل أشد وأشد . وبهذا الاعتبار صار كأنه مغاير لما قبله . ولذا خص عطفه بـ { ثُمَّ } غالباً . هذا ملخص ما في " العناية " ) (إنتهى) قلت وهذا كلام متين بحق. وقال الرازي نحوه في تفسيره (31/ 6) لهذه الآية وهذا نص كلامه ( ومعنى ثم الإشعار بأن الوعيد الثاني أبلغ من الوعيد الأول وأشد ) (إنتهى)
والثاني: أنه تأكيد لفظي بطريقة تكرار اللفظ إذ كرر سبحانه قوله (كلا سيعلمون) وأشار ابن كثير لذلك التأكيد في تفسيره (8 / 302) بقوله: ( ثم قال تعالى متوعدًا لمنكري القيامة: { كَلا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ } وهذا تهديدٌ شديد ووعيد أكيد.) (إنتهى)
تنبيه: قد يخطر بالبال كلام بعض المفسرين من أنه لا تكرار هنا إذا اختلف المعنى فنقول ليس الأمر كذلك لأمرين الأول: أن التكرار في اللفظ واقع وهو من أساليب التأكيد والتحقيق والثاني: أنه لم يختلف المعنى وإنما زاد توكيدا بحصول مزيد من البطلان لشكهم ونكرانهم للبعث فكلا العلمين علمٌ ببطلان ما انكروه وشكوا فيه من البعث يوم القيامة وكلاهما حاصل بالرؤية يعني رؤيتهم البعث يوم القيامة وما فيه من الأهوال وما زاد الثاني على الأول إلا تأكيدا بالحس زيادة على الرؤية بأن علموا أنهم مع رؤيتهم لذلك البعث وأهواله وعذابه أنهم لا شك مواقعونه بحواسهم وأجسامهم لكفرهم وشكهم ونكرانهم فتأمل.
وذهبنا إلى أن العلم الأول هو علمهم بطلان زعمهم برؤيتهم بأعينهم ذلك يوم القيامة وأن العلم الثاني هو حين يعلمون انهم مواقعون العذاب ولا محالة لثلاث أمور:
الأول : قوله تعالى: ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) سورة الكهف إذ فيه العلم الأول والثاني فالأول رؤيتهم ذلك والعلم الثاني هو علمهم اليقين انهم مواقعونها لا محالة والظن هنا هو العلم اليقيني كما هو معلوم وقد أشار العلماء لذلك عند تفسير الظن في هذه الآية وآيات أخر ورد فيها الظن بهذا المعنى.
الثاني : بيانه سبحانه أن المنكرين والمشككين للبعث سيعلمون ذلك والسين تدل على أن ذلك سيحصل في المستقبل فهو مُشعِرٌ بأن ذلك العلم سيكون حين البعث يوم القيامة في وقت لا ينفع فيه العلم صحابه ولا ينفعه الندم ولا ناصر له فيتردى في الجحيم قال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54) سورة يونس ) وقال: ( وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) سورة سبأ ) وقال أيضاً: ( حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) سورة الجن ) ولذا قال الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب (31 / 4) : ( قوله سَيَعْلَمُونَ والظاهر أن المراد منه أنهم سيعلمون هذا الذي يتساءلون عنه حين لا تنفعهم تلك المعرفة ومعلوم أن ذلك هو القيامة) (إنتهى) وقال الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان (8 / 408) : ( ولكن العلم الحقيقي بالمعاينة لم يأت بعد لوجود السين وهي للمستقبل ، وقد جاء في سورة التكاثر في قوله : ( أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ) ، وهذا الذي سيعلمونه يوم الفصل المنصوص عليه ) (إنتهى)
أقول فليس المراد أن علمهم يكون في المستقبل من الدنيا بقرينة السياق التي هي دليل ظاهر على أن ذلك العلم حاصل يوم القيامة وهو الأمر الثاني.
الثالث : ويؤكد ذلك أن سياق الآيات بعد ذلك يتكلم عن ادلة يوم القيامة ثم ذكر يوم الفصل صراحة ثم بعض أهواله فيلزم أن علمهم في الآيتين إنما هو في الآخرة حين البعث والنشور وحلول يوم القيامة وليس في الدنيا وترتيب العلم بالبعث حين وقوعه لا يستقيم إلا بما ذكرنا وهو المنسجم وسياق الآيات فتأمل والله أعلم.
الرابع : أن الترتيب بثم يفيد ان العلم الثاني أشد وابعد زمنا من الأول كما مر بيانه ومعلومٌ أن العلم الثاني لا يكون أشد إن كان مجرد تكرار الرؤية وحدها وإنما المراد من الثاني شيء زائد على مجرد الرؤية للبعث وأهواله وذلك الشيء هو علمهم أنهم مواقعون العذاب وداخلون جهنم ولا محالة وهذا يكون أيضا بعد الرؤية التي هي علمهم الأول فيتحقق الترتيب والبعد الزماني الذي سببته ثم فتأمل.
والذي ذهبنا إليه في تفسير الآيتين هو معنى ما ذكره العلامة ابن جرير إمام المفسرين في تفسيره (24 / 150 -151) إذ قال : ( وقوله:( كَلا ) يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون الذين ينكرون بعث الله إياهم أحياء بعد مماتهم، وتوعدهم جل ثناؤه على هذا القول منهم، فقال:( سَيَعْلَمُونَ ) يقول: سيعلم هؤلاء الكفار المنُكرون وعيد الله أعداءه، ما الله فاعل بهم يوم القيامة، ثم أكد الوعيد بتكرير آخر، فقال: ما الأمر كما يزعمون من أن الله غير محييهم بعد مماتهم، ولا معاقبهم على كفرهم به، سيعلمون أن القول غير ما قالوا إذا لقوا الله، وأفضوا إلى ما قدّموا من سيئ أعمالهم. ) (إنتهى) فتأمله.
وجاء في المنتخب (هو تفسير لجنة من علماء الأزهر) عين ما ذهبنا إليه في تفسير الآيتين وهذا نص ما فيه: ( 4- زجراً لهم عن هذا التساؤل ، سيعلمون حقيقة الحال حين يرون البعث أمراً واقعاً .
5- ثم زجراً لهم ، سيعلمون ذلك عندما يحل بهم النكال . ) (إنتهى) وأيضا في أيسر التفاسير لأسعد حومد ما نصه: ( كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ( 4 ) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى : أَنَّ الأَمْرَ لَيْسَ كَمَا زَعَمَ هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّهُ لاَ بَعْثَ بَعْدَ المَوْتِ ، وَلاَ نُشُورَ ( كَلاَّ ) فَهُنَاكَ بَعْثٌ ، وَهُنَاكَ حِسَابٌ .
وَيَتَهَدَّدُ اللهُ تَعَالَى المُنْكِرِينَ المُكَذِّبِينَ بِأَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ مَا كَانُوا يُنْكِرُونَ ، حِينَما يُعَاينُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ ، وَحِينَ يُسْأَلُ كُلُّ إِنْسَانٍ عَمَّا اكْتَسَبَ مِنْ عَمَلٍ فِي الحِيَاةِ الدُّنْيَا .
كَلاَّ - رَدْعٌ وَزَجْرٌ عَنِ الاخْتِلاَفِ فِيهِ .
ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)
( 5 ) - ثُمَّ كَرَّرَ اللهُ تَعَالَى تَهْدِيدَهُ لِهَؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ بِأَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ بِدُونِ شَكٍّ حَقِيقَةَ مَا كَانُوا يُنْكِرُونَ ، عِنْدَمَا يَحِلُّ بِهِم النَّكَالُ يَوْمَ القِيَامَةِ . ) (إنتهى)
قال الشيخ العدوي في سلسلة التفسير: ( قوله تعالى: (كلا سيعلمون .) { كَلَّا سَيَعْلَمُونَ } [النبأ:4]، (كلا) كلمة: ردع وزجر ونفي لمعنىً متقدم، فمثلاً: قوله تعالى: { عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا } [عبس:1-11]، فكلا هنا معناها: وليس الأمر كما تصرفت يا محمد! ليس التصرف الصحيح هو الذي تصرفته في هذا المقام.
فكلا نفي للتصرف الذي تقدم، وللظن الذي تقدم، فكلا أحياناً تتضمن معنى الردع والزجر، فهنا قال تعالى: (كَلَّا)، أي: ليس الأمر كما ظننتم أنه ليس هناك بعث...إلى أن قال الشيخ العدوي: ({ سَيَعْلَمُونَ } [النبأ:4] أن ظنهم خاطئ، وأن قولهم في غير محله.
{ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ } [النبأ:5]، لماذا كررت { ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ } ؟ قال فريق من أهل العلم: إنها كررت للتأكيد، أي: إن الأمر ليس كما تظنون، ثم إن الأمر ليس كما تظنون، بل هذا القرآن من عند الله منزل، والبعث آت لا شك فيه.....) (إنتهى بتصرف عنه حفظه الله).
قولٌ في غاية البطلان والنكارة والغرابة: قال ابن جرير الطبري في تفسيره (24 / 151) : ( وذُكر عن الضحاك بن مزاحم في ذلك ما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك( كَلا سَيَعْلَمُونَ ) الكفار( ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ ) المؤمنون، وكذلك كان يقرأها. ) (إنتهى)
وهذا منكر من وجوه اولها أنه مخالف لسياق الآيات كما مر بيانه إذ يدل السياق على أن المتسائلون هم كفار وحسب لا مؤمنون إذ فيه تقريع شديد لا يليق بغير الكفار من المؤمنين!!! ولذلك قال الشوكاني في تفسيره (5 / 363) : ( ( كلا سيعلمون ) ردع لهم وزجر وهذا يدل على أن المختلفين فيه هم الكفار وبه يندفع ما قيل إن الخلاف بينهم وبين المؤمنين فإنه إنما يتوجه الردع والوعيد إلى الكفار فقط ) (إنتهى)
وثاني الوجوه: أن الضمير في سيعلمون في الآيتين والضمير في مختلفون هو نفسه الضمير في قوله تعالى يتسائلون فمن تسائلوا هم المختلفون والذي سيعلمون في الآيتين هنا كما نص على ذلك الرازي فيما سبق من نقل فكيف يجوز أن يكون العلم الأول للمتسائلين فيما بينهم والعلم في الآية التي بعدها لأناس ليسوا من المتسائلين!!! ثم هذل ليس قولا مرفوعا بل مقطوعا من كلام التابعي الجليل الضحاك وليس قول أحد دون رسول الله حجة إذا خالف النص من القرآن والسنة ,
قلت: وضعفه الشيخ المحدث مصطفى العدوي في سلسلة التفسير بقوله: ( ومن أهل العلم من قال: إن كلا الأولى التي هي { كَلَّا سَيَعْلَمُونَ } خاصة بالكفار، وقوله: { ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ } خاصة بأهل الإيمان، وليس هناك دليل يدل على هذا القول. ) (إنتهى) قلت ومن أهل العلم من نقل أن هنالك من قال بعكذ هذا أي أن الأولى للمؤمنين والثانية للكفار وهذا القول أيضا كسابقه باطل لا دليل عليه.
قول ضعيف لا دليل عليه: ورد قول غريب جدا وهو أن العلم الأول يحصل عند الموت والنزع وخروج الروح ! وأن العلم الثاني يكون يوم القيامة وهذا قول لا دليل عليه فكلا العلمين على ما فصبنا في يوم القيامة قال الألوسي في تفسيره القيم ( رُوح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ) (30/ 5) : ( وقيل الأول ( يريد الألوسي العلم الأول )إشارة إلى ما يكون عند النزع وخروج الروح من زجر ملائكة الموت عليهم السلام وملاقاة كربات الموت وشدائده وانكشاف الغطاء والثاني ( يريد الألوسي العلم الثاني ) إشارة إلى ما يكون في القيامة من زجر ملائكة العذاب عليهم السلام وملاقاة شديدة العقاب ) (إنتهى)
قلت وهذا قول باطل لا دليل عليه لا من القرآن ولا من السنة فليس له قرينة في سياق الآيات كما هو ظاهر بل السياق يدل على ان ذلك العلم يكون يوم القيامة عند البعث ولذلك ضعفه الألوسي نفسه بإسباقه له بأحد صيع التمريض والتضعيف لدى المحدثين وهي قوله قبله سرد القول : ( قيل ).
ملاحظة: قد يخطر بالبال أن العلمين رؤيتين الأولى رؤية حصوله للوهلة الأولى البعث حين القيامة من القبور للنشور والثانية رؤية أهواله وعذابه وما فيه فيكون العلم الثاني اشد وأأكد على التفصيل السابق فأقول إن قلنا أن العلم الثاني هو رؤية ثانية لكنها لتفاصيل البعث من عذاب وأهوال فهذا يلزم علمهم تلقائياً أنهم مواقعوا ذلك العذاب في هذا البعث لأنهم أنكروا البعث أو شك فيه أو أنكروا بعض صفاته فاستلزم إذن أن يكون العلم الثاني هو رؤية اهوال البعث وعذابه مع علمهم الملازم لرؤيتهم تلك أنهم مواقعون العذاب لنكرانهم وأما العلم الأول فهو يشمل رؤيتهم خصول البعث للوهلة الأولى وكذلك رؤيتهم أهواله وعذابه فالعلم الأول رؤية والعلم الثنية رؤية وإحساس فيكون الثاني أعظم من الذي قبله وأشد والعياذ بالله وهذا العلمان وردا على هذا الترتيب في القرآن فهذا دليلٌ آخر لصحة ما اخترناه فقد وقع ذكرهما في القرآن فقد ذكر الله العلمين هذين في قوله: ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) سورة الكهف فرؤيتهم النار تكون يوم القيامة فهذا العلم الأول وظنهم هو علمهم بعد ذلك إنما هو العلم الثاني والظن يأتي بمعنى العلم وهو كما نص العلماء هنا وفي مواضع أخر من كتاب الله أنه يفيد العلم واليقين أي علم اليقين فتأمل .
وكتب أبو جعفر الزهيري في يوم الإثنين الموافق لـ 23 من رجب 1431
قوله تعالى: ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ) (6)
ثم شرع سبحانه وتعالى يُبَيّن أدلة البعث الأربعة التي تتكرر في سور القرآن بأساليب متنوعة، ويصرفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بسياقات متعددة وهي أدلة قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة، الدالة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد.
وأدلة البعث أربعة أدلة وهي مجتمعة في سورة النبأ في هذه الآيات قال تعالى: ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) [النبأ : 6 - 16] ) كما مر الإشارة إليه مسبقاً.
فأما قوله سبحانه وتعالى: ( ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) سورة النبأ )
يقول تعالى مستنكرا على المشركين زعمهم بشأن البعث ومدلِلاً لقدرته على البعث بعد الموت يوم القيام ومُعَظّماَ لنفسه بذكر نِعَمِهِ ألم نجعل الأرض بِسَاطًا وفِرَاشاً وَوِطاءً مُوَطَّأً لِلاسْتِقْرَارِ والحياة عَلَيْهَا مُمَهّدَةً للخلائق ذَلُولاً سهلةً لهم في مشيهم ومجلسهم ومأكلهم ومشربهم، ودليل هذه المعاني قوله عز وجل: قوله تعالى: ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (10) سورة الزخرف وقال: ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ) (19) سورة نوح وقوله تعالى: ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا ) (22) سورة البقرة وقوله: ( وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ) (48) سورة الذاريات وقوله أيضا: ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ) (16) سورة الملك
قال ابن جرير في تفسيره (24 / 151) : ( حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة( أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا ) :أي بساطا ...) (إنتهى) ورواه غيره عن قتادة أيضا وهو من عظيم تنبه السلف إلى تفسير القرآن بالقرآن فنراه فسر المهاد بالبساط والذي يبدو أنه فهم ذلك من قوله تعالى السابق الذكر: ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ) (19) سورة نوح فتأمل فقه السلف للقرآن وأين الأمة من هذا اليوم!
قال أسعد حومد في تفسيره الطيب ( أيسر التفاسير ) : ( مِهَاداً - فِرَاشاً مُوَطَّأً لِلاسْتِقْرَارِ عَلَيْهَا .) (إنتهى)
قال العلامة المحدث الشوكاني في تفسيره فتح القدير (5 / 364) : ( والمهاد الوِطاْء والفراش كما في قوله (الذي جعل لكم الأرض فراشا ) قرأ الجمهور مهادا وقرأ مجاهد وعيسى وبعض الكوفيون مهدا والمعنى أنها كالمهد للصبي وهو ما يُمهد له فَيُنَوّمُ عليه ....إلى أن قال الشوكاني رحمه الله: ( وفي هذا دليل على أن التساؤل الكائن بينهم هو أمر البعث لا عن القرآن ولا عن نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كما قيل لأن هذا الدليل إنما يصلح للاستدلال به على البعث. ) (إنتهى)
قلت وقد صرح القرآن بأن الله جعل الأرض مهدا في موضعين الأول قوله تعالى: ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) سورة طه ) والثاني قوله تعالى: ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (10) سورة الزخرف وهذا الموضع مر ذكره.
قال ابن منظور في لسان العرب (3 / 410) : ( ( مهد ) والمِهادُ الفِراش وقد مَهَدْتُ الفِراشَ مَهْداً بَسَطْتُه ووَطَّأْتُه يقال للفِراشِ مِهاد لِوِثارَتِه .... إلى أن قال ابن منظور: ( وأَصل المَهْد التَّوْثِيرُ يقال مَهَدْتُ لنَفْسي ومَهَّدت أَي جعلت لها مكاناً وَطيئاً سهلاً ومَهَدَ لنفسه خيراً وامْتَهَدَه هَيّأَه وتَوَطَّأَه ومنه قوله تعالى فلأَنفسهم يَمْهَدُون أَي يُوَطِّئُون قال أَبو النجم وامْتَهَدَ الغارِب فِعْلُ الدُّمَّلِ والمَهْد مَهْدُ الصبيّ ومَهْدُ الصبي موضعه الذي يُهَيّأُ له ويُوَطَّأُ لينام فيه..) (إنتهى)
قال الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان (4 / 20) عند تفسيره آية سورة طه: ( قرأ هذا الحرف عاصم وحمزة والكسائي ( مَهْداً ) بفتح الميم وإسكان الهاء من غير ألف . وقرأ الباقون من السبعة بكسر الميم وفتح الهاء بعدها ألف . والمهاد : الفراش . والمهد بمعناه . وكون أصله مصدراً لا ينافي أن يُسْتَعْمَل اسماً للفراش .) (إنتهى)
والخلاصة أن المهد والمهاد بمعنى واحد كما قال الشنقيطي آنافا: ( والمهاد : الفراش . والمهد بمعناه) (إنتهى) والمراد أنه سبحانه جعل الأرض فَرْشاً وبساطاً كمهد الطفل قال البغوي في تفسيره الرائع (معالم التنزيل(5 / 277) : ( { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا } قرأ أهل الكوفة: { مَهْدًا } ها هنا (يقصد البغوي في سورة طه هنا)، وفي الزخرف، فيكون مصدرا، أي: فرشا، وقرأ الآخرون: "مهادا " ، كقوله تعالى: "ألم نجعل الأرض مهادا"( النبأ: 16 ) ، أي: فراشا وهو اسم لما يفرش، كالبساط: اسم لما يبسط.) (إنتهى) وكلام البغوي هذا فيه تحقيق جميل في الفرق بين المهد والمهاد لغويا ولذلك لما فسرت المهد قلت فرش ولم اقل فراش بينما تجدني فعلت العكس مع المهاد مع أنهما بمعنىً واحد.
ملاحظة: (ذكر الشوكاني في تفسيره فتح القدير (3/ 369) تجويز البعض أن يكون مهاداً جمع مهد والمهد هو الفراش فالمهاد على قولهم فُرُش جمع فَرْش ، أي جعل كل موضع منها مهداً أي فرشاً لكل واحد منكم.) فأقول: هذا القول في إخراج (مهادا) في سورة النبأ وغيرها عن كونه مصدرا من التكلف والإحتمال إذ قد ورد في القرآن في موضعين كما سبق ذكره سبحانه أنه جعل الأرض مهداً وهو مفرد وليس جمع وكذلك قال تعالى : ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ) (19) سورة نوح وقوله تعالى: ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا ) (22) سورة البقرة فهنا أيضا عبر عن ذلك بالمفرد فقال بساطا مرة وفراشا أخرى فيدل ذلك على أن مهادا مفردٌ أيضا فالذي ينسجم والقرآن أن يكون مهادا في سورة النبأ وغيرها مفردا لا جمعا كما جاء مهدا مفردا هكذا في موضعين من الفرآن وكما جاء بساطا وفراشا في القرآن فتأمل.
فائدة: قال تعالى ( نجعل ) وليس ( أجعل ) تعظيما لنفسه لأن صيغة الجمع في التعبير عن الواحدة هي من صيغ التعظيم المعروفة في لغة العرب ومثاله في اللغة قول ملك من ملوك البلدان لرعيته أمرنا لفلان بكذا وكذا والمراد تعظيم النفس فتأمل.
فائدة: الإستفهام هنا بالهمزة هو إستفهامٌ إنكاري يريد منه سبحانه تقرير قدرته على ذلك والإستنكار والتقريع للمشركين في مقالتهم في البعث فتامل.
فائدة ثانية: الأرض في هذه الآية والآيات التي اشرنا اليها في تفسيرها كلها تريد سطح الأرض أي يابستها لا الأرض الكروية فليس مراد الله منها كرة الأرض إذ الأرض كروية الشكلة بيضاوية لأنها ليست كروية بشكل تام كما هو معلوم عند المختصين ثم إن كونها بيضاوية مع بيان الله هنا أنها فراش منبسط للمخلوقات يستلزم أن يكون مراده سطحها لا كرتها البيضاوية إذ الكرة البيضاوية ليست شكل منبسطاً كما هو ظاهر لكل عاقل.
فائدة ثالثة : قال الدكتور فاضل السامرائي اللغوي العراقي الشمهور حفظه الله أن لفظ بيضوية خطأ لغوي شائع والصواب بيضاوية وكان ذلك في حديثه في برنامجه الممتح حقا ( لمسات بيانية )
وكتب أبو جعفر الزهيري في يوم الإثنين الموافق لـ 23 من رجب 1431
قوله تعالى: ( وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) )
يقول تعالى وجعلنا الجبال الشاهقة الطول أوتاداً للأرض ألقيناها في لُبّها ونصبناها قائمة من فوقها كالأوتاد التي تثبت خيمة البيت تُرسي الأرض وتُثَبّتُها وتُثقلها لتحفظ توازنها فتسكن وتَثبُتَ ولا تميد بكم ولا تتحرك ولا تضطرب ولا تميل بمن عليها من الناس وغيرهم من المخلوقات والأبنية فلا تسقط عليكم فصارت الأرض قراراً مستقرةً ساكنةً ثابتةً
روى ابن جرير في تفسيره (24 / 151) عن قتادة في قوله تعالى: ( ( وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) يقول: والجبال للأرض أوتادا أن تميد بكم) إنتهى وهذا جزء من الأثر السابق في الآية السابقة وهو تفسير للقرآن في القرآن فدليله ما جاء في القرآن في ذلك في مواضع عديدة منها قوله تعالى: ( {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15} [النحل : 15] أي كي لا تميد بكم والمراد كي لا تتحرك وتميل بكم وتضطرب قال ابن منظور في لسان العرب - (3 / 411) (ميد) : (ومادَ الشيءُ يَمِيدُ مَيْداً تحرّك ومال ) (إنتهى) وقال ابن كثير في تفسيره (4 / 563) :( ولا تميد، أي: تضطرب بما عليها من الحيوان فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك ) (إنتهى)
وكلام العلماء في تفسير الآية لا يتعدى ما ذكرنا قال ابن كثير في تفسيره (8 / 302) : ( { وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } أي: جعلها لها أوتادًا أرساها بها وثبتها وقرّرها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها. ) (إنتهى)
وقال الشوكاني في تفسيره (5 / 364) : ( والأوتاد جمع وتد أي جعلنا الجبال أوتادا للأرض لتسكن ولا تتحرك كما يرسي الخيام بالأوتاد ) (إنتهى)
وقال العلامة أبو بكر الجزائري في تفسيره الرائق (أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير) (9 / 419) :( الجبال أوتادا تثبت الأرض بها فيأمنون على حياتهم من الميدان وسقوط كل بناء )
فائدة: قال أسعد حود في تفسيره (أيسر التفاسير) : (الوَتِدُ هو قِطْعَةٌ مِنَ الخَشَبِ عَلَى شَكْلِ مِسْمَارٍ يُدَقُّ فِي الأَرْضِ لِتُشَدَّ إِلَيْهِ الخَيْمَةُ . ) (إنتهى) وقال الزنداني في كتابه (البينة العلمية في القرآن) : ( والوتد يكون منه جزء ظاهر على سطح الأرض ، ومعظمه غائر فيها ، ووظيفته التثبيت لغيره.) (إنتهى) وقال زغلول النجار في بحث له بعنوان (الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية): (والأوتاد قِطَعٌ من خشب أو حديد غليظة الرأس , مدببة النهاية , تثبت بها أركان الخيمة في الأرض بدكها حتي يدفن أغلبها في الأرض , ويبقي أقلها ظاهرا فوق السطح , فتشد بذلك العمق أركان الخيمة إلي الأرض فتثبتها وتجعلها قادرة علي مقاومة فعل الرياح , والعواصف الهوجاء .) (إنتهى)
قلت: إن الله عز وجل شبه الجبال بالأوتاد للأرض فهي رواسي كالمسامير ملقاة في الأرض جزءٌ منها ظاهر منصوبٌ قائمٌ من فوق سطح الأرض ومعظمها غائر فيها لتمسك بيابستها وتثقلها وتمنع تحركها وميلانها واهتزازها كما قال علماء الجيلوجيا ومن نقل عنهم من المتكلمين في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وسيأتي كلامهم إن شاء الله.
قال الألوسي في تفسيره روح المعاني لمحمود (30 / 6) : ( والجبال أوتادا أي كالأوتاد ففيه تشبيه بليغ أيضا والمراد أرسينا الأرض بالجبال كما يرسي البيت بالأوتاد ) (إنتهى)
وقال القطان في تفسيره: ( أوتادا : جمع وتد ، والجبال كالأوتاد المغروزة في الارض تحفظ توازنها ، وتمنعها من الاضطراب والميلان .) (إنتهى)
فائدة: ورد المعنى الذي في الآية في القرآن بكثرة وهذا سرد ما ورد على الترتيب :
1- وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) سورة الرعد
2- وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) سورة الحجر
3- وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) سورة النحل
4- وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) [الأنبياء : 31]
5- أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) [النمل : 61]
6- خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) سورة لقمان
7- وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) سورة فصلت
8- وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) [ق : 7]
9- وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) سورة المرسلات
10- وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) سورة النبأ وهي ألاية التي نفسرها
11- وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) سورة النازعات
وجه الإعجاز في هذه الآية ودلالتها على صدق رسول الله محمد صلى الله عليه وآله صوحبه وسلم.
قال الشيخ الزنداني في كتابه البينة العلمية في القرآن: ( قال تعالى : ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا6وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) (النبأ:6-7) . تشير الآية إلى أن الجبال أوتاد للأرض ، والوتد يكون منه جزء ظاهر على سطح الأرض ، ومعظمه غائر فيها ، ووظيفته التثبيت لغيره . بينما نرى علماء الجغرافيا والجيولوجيا يعرفون الجبل بأنه: كتلة من الأرض تبرز فوق ما يحيط بها، وهو أعلى من التل(راجع Websters Seventh New Collegiate Dictionary ). ويقول د. زغلول النجار: إن جميع التعريفات الحالية للجبال تنحصر في الشكل الخارجي لهذه التضاريس، دون أدنى إشارة لامتداداتها تحت السطح، والتي ثبت أخيراً أنها تزيد على الارتفاع الظاهر بعدة مرات(راجع كتاب الفكرة الجيولوجية عن الجبال في القرآن / الدكتور زغلول النجار ص3 بالإنجليزية ، 1992 إصدارات هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة/ رابطة العالم الإسلامي/ مكة .). ثم يقول الدكتور زغلول النجار: ولم تكتشف هذه الحقيقة إلا في النصف الأخير من القرن التاسع عشر عندما تقدم السيرجورج ايري بنظرية مفادها أن القشرة الأرضية لا تمثل أساساً مناسباً للجبال التي تعلوها، وافترض أن القشرة الأرضية وما عليها من جبال لا تمثل إلا جزءاً طافياً على بحر من الصخور الكثيفة المرنة ، وبالتالي فلا بد أن يكون للجبال جذور ممتدة داخل تلك المنطقة العالية الكثافة لضمان ثباتها واستقرارها(راجع المرجع السابق). وقد أصبحت نظرية ايري حقيقة ملموسة مع تقدم المعرفة بتركيب الأرض الداخلي عن طريق القياسات الزلزالية، فقد أصبح معلوماً على وجه القطع أن للجبال جذوراً مغروسة في الأعماق ويمكن أن تصل إلى ما يعادل 15مرة من ارتفاعاتها فوق سطح الأرض، وأن للجبال دوراً كبيراً في إيقاف الحركة الأفقية الفجائية لصفائح طبقة الأرض الصخرية. هذا وقد بدأ فهم هذا الدور في إطار تكتونية الصفائح منذ أواخر الستينيات. ويعرف الدكتور زغلول الجبال في ضوء المعلومات الحديثة فيقول إن الجبال ما هي إلا قمم لكتل عظيمة من الصخور تطفو في طبقة أكثر كثافة(راجع المرجع السابق ويقول : وإن جبلاً ذا متوسط جاذبية نوعية مقداره 2.7 وهي جاذبية الجرانيت يمكن أن يغطس في طبقة من الصخور البلاستيكية متوسط جاذبيتها النوعية حوالي 3.0 ، حتى يطفو مرسلاً جذراً يبلغ حوالي تسعة أعشار امتداده الكلي، وتاركاً عشر حجمه الكلي فقط فوق سطح الأرض. وفي بعض الحالات تكون نسبة جذر الجبل إلى ارتفاعه الظاهر 15 إلى 1 تبعاً لتركيبة صخوره .) كما تطفو جبال الجليد في الماء ولقد وصف القرآن الجبال شكلاً ووظيفة، فقال تعالى: ( وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) (النبأ:7) وقال تعالى ( وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ )(لقمان:10) وقال أيضاً ( وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) (الأنبياء:31) والجبال أوتاد بالنسبة لسطح الأرض، فكما يختفي معظم الوتد في الأرض للتثبيت، كذلك يختفي معظم الجبل في الأرض لتثبيت قشرة الأرض . وكما تثبت السفن بمراسيها التي تغوص في ماء سائل ، فكذلك تثبت قشرة الأرض بمراسيها الجبلية التي تمتد جذورها في طبقةٍ لزجةٍ نصف سائلة تطفو عليها القشرة الأرضية ( تسمى المنطقة اللزجة "منطقة الوشاح" ). ولقد تنبه المفسرون رحمهم الله إلى هذه المعاني فأوردوها في تفسيرهم لقوله تعالى: ( وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) ، واليك أمثلة من ذلك :
1- قال ابن الجوزي : ( وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) للأرض لئلا تميد(في تفسيره زاد المسير) .
2- وقال الزمخشري(في تفسيره الكشاف) ( وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ): أي أرسيناها بالجبال كما يرس البيت بالأوتاد.
3- وقال القرطبي : ( وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) أي لتسكن ولا تتكفأ بأهلها (في تفسيره المسمى الجامع لاحكام القرآن ).
4- وقال أبو حيان: ( وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) أي ثبتنا الأرض بالجبال كما يثبت البيت بالأوتاد(في تفسيره البحر المحيط).
5- وقال الشوكاني: ( وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) الأوتاد جمع وتد أي جعلنا الجبال أوتاداً للأرض لتسكن ولا تتحرك كما يرسُ البيت بالأوتاد(في تفسيره فتح القدير).
.....إلى أن قال:
أوجه الإعجاز :
إن من ينظر إلى الجبال على سطح الأرض لا يرى لها شكلاً يشبه الوتد أو المرساة، وإنما يراها كتلاً بارزة ترتفع فوق سطح الأرض، كما عرفها الجغرافيون والجيولوجيون. ولا يمكن لأحدٍ أن يعرف شكلها الوتدي ، أو الذي يشبه المرساة إلا إذا عرف جزءها الغائر في الصهير البركاني في منطقة الوشاح، وكان من المستحيل لأحدٍ من البشر أن يتصور شيئاً من ذلك حتى ظهرت نظرية سيرجورج ايري عام 1855م . فمن أخبر محمداً - صلى الله عليه وسلم - بهذه الحقيقة الغائبة في باطن القشرة الأرضية وما تحتها على أعماق بعيدة تصل إلى عشرات الكيلومترات ، قبل معرفة الناس لها بثلاثة عشر قرناً ؟ ومن أخبر محمداً - صلى الله عليه وسلم - بوظيفة الجبال ، وأنها تقوم بعمل الأوتاد والمراسي، وهي الحقيقة التي لم يعرفها الإنسان إلا بعد عام 1960م ؟!..... إلى أن قال: لا يكفي ذلك دليلاً على أن هذا العلم وحي أنزله الله على رسوله النبي الأمي في الأمة الأمية ، في العصر الذي كانت تغلب عليه الخرافة والأسطورة ؟ إنها البينة العلمية الشاهدة بأن مصدر هذا القرآن هو خالق الأرض والجبال ، وعالم أسرار السموات والأرض القائل : ( قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ( (الفرقان:6). ) (إنتهى بتصرف)
ملاحظة: ذكر الزنداني هو ولعله ناقل ذلك عن النجار كلاما لي عليه التنبيه بتعليق سريع بعد سرده من كتابه البينة العلمية في القرآن وهو ما نصه: ( أول الجبال خلقاً البركانية : عندما خلق الله القارات بدأت في شكل قشرةٍ صلبةٍ رقيقة تطفو على مادة الصهير الصخري ، فأخذت تميد وتضطرب، فخلق الله الجبال البركانية التي كانت تخرج من تحت تلك القشرة ، فترمي بالصخور خارج سطح الأرض ، ثم تعود منجذبةً إلى الأرض وتتراكم بعضها فوق بعض مكونة الجبال ، وتضغط بأثقالها المتراكمة على الطبقة اللزجة فتغرس فيها جذراً من مادة الجبل ، الذي يكون سبباً لثبات القشرة الأرضية واتزانها . وفي قوله تعالى : ? وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ ? (لقمان:10) إشارة إلى الطريقة التي تكونت بها الجبال البركانية بإلقاء مادتها من باطن الأرض إلى الأعلى ثم عودتها لتستقر على سطح الأرض . ويجلي حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذه الكيفية ، فقد روى أنس بن مالك(61) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال( لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ ، فَخَلَقَ الْجِبَالَ فَعَادَ بِهَا عَلَيْهَا .. الحديث ) (قال في الهامش: أخرجه الترمذي في آخر كتاب التفسير من سننه واللفظ له، وقال حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه تحقيق أحمد شاكر وآخرين وأخرجه أحمد في مسنده 3/124، وأبو يعلى في مسنده 7/682، وعبد بن حميد في مسنده 1/365 ، والبيهقي في شعب الإيمان 3/244 ، والأصبهاني في العظمة 4/1353 ، وفيه سليمان بن أبي سليمان الهاشمي، قال الذهبي في الكاشف : مجهول، وقال ابن معين : لا أعرفه ، وقال ابن حجر : مقبول من الثالثة، وحسن إسناده المقدسي في المختارة 6/153 -154 ).. فتأمل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - المبين لكيفية خلق الجبال : "فعاد بها عليها"، أي أن خلقها كان بخروجها من الأرض وعودتها عليها....إلى أن قال: (وهل شهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - خلق الأرض وهي تميد ؟ وتكوين الجبال البركانية عن طريق الإلقاء من باطن الأرض وإعادتها عليها لتستقر الأرض ؟ألا يكفي ذلك دليلاً على أن هذا العلم وحي أنزله الله على رسوله النبي الأمي في الأمة الأمية ، في العصر الذي كانت تغلب عليه الخرافة والأسطورة ؟ إنها البينة العلمية الشاهدة بأن مصدر هذا القرآن هو خالق الأرض والجبال ، وعالم أسرار السموات والأرض القائل : ? قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ?(الفرقان:6).) (إنتهى)
اقول كنت قد تركت ذكره في النقل السابق كي اخصه بالتعليق بعده فأقول إن هذا القول منه مبني على حديث ضعيف لا يصح حسب صناعة الحديث وهو أشبه ما يكون من الإسرئايليات المتلقاة من أهل الكتاب وممن ضعفه العلامة المحدث الألباني في التعليق الرغيب ( 2 / 31 ) وضعيف المشكاة 1923 وضعيف الجامع الصغير 477 0) وقال شعيب الأرنؤوط : ( إسناده ضعيف ) في تعليقه على مسند أحمد ( 3/ 124 ح 12275 ) وضعفه الترمذي نفسه في سننه ( 5 / 123 ح 3428 ) بقوله: ( حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه ) ومر في كلام الكاتب! وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 68) : [ لا يتطرق إليه احتمال التحسين] وقال محمد المناوي في تخريج أحاديث المصابيح 2/143 : [فيه] سليمان بن أبي سليمان مجهول) وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 211) : ( [فيه] سليمان بن أبي سليمان مولى ابن عباس. لا يكاد يُعْرَف ) وقال ابن حجر العسقلاني في تخريج مشكاة المصابيح (2/ 299) : (سليمان راويه عن أنس مجهول) ولو سلمنا أن سليمان هذا مقبول فهذا عند المتابعة ولا متابعة هنا ! فالحديث ضعيف على القول بأنه سليمان مقبول أيضا! ومما يدل على ذلك ان متن الحديث يدل على أنه من الإسرائليات فهو أشبه ما يكون بالأخبار الإسرائيلية المتلقاة من أهل الكتاب الترمذي: ( لما خلق الله الارض جعلت تميد ، فخلق الجبال ، فقال : بها عليها ، فاستقرت ، فعجبت الملائكة من شدة الجبال.
فقالوا : يا رب ! هل من خلقك شئ أشد من الجبال ؟ قال : نعم ! الحديد.
فقالوا : يا رب ! فهل من خلقك شئ أشد من الحديد ؟ قال : نعم ! النار.
قالوا : يا رب ! فهل من خلقك شئ أشد من النار ؟ قال : نعم ! الماء.
قالوا : يا رب ! فهل في خلقك شئ أشد
من الماء ؟ قال : نعم ! الريح.
قالوا : يا رب ! فهل في خلقك شئ أشد من الريح ؟ قال : نعم ! ابن آدم تصدق بصدقة بيمينه يخفيها من شماله ".) فهذا من الإسرائيليات التي جعلها بعض الرواة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم غلطاً ودليل ذلك ان أن ابو الشيخ رواه مقطوعا من كلام التابعي الجليل قيس بن عباد! إذ قال ابو الشيخ في العظمة (4 / 1354) ح 8737777 : أخبرنا أبو يعلى حدثنا العباس بن الوليد حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد أن الله عز و جل لما خلق الأرض جعلت تميد فقالت الملائكة ما هذه بمقرة ما على ظهرها أحدا فأصبحت صبحا وفيها رواسيها فبلغنا أن الملائكة قالوا ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من هذا قال نعم الحديد قالوا هل من خلقك شيء هو أشد من هذا قال نعم النار قالوا ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من هذا قال نعم الماء قالوا ربنا هل من خلقك شيء أشد من هذا قال نعم خلق الريح.)
وكما ترى التطابق في لفظ من رواه مرفوعا ومن رواه مقطوعا! فهذا من الإسرائيليات التي ينبغي أن ينزه القرآن عن التفسير بها .
ولذلك ينبغي التنبه والحذر في التعامل مع ما يُكْتَب في الإعجاز العلمي فهذا مثال على ما قد يقع فيه المتكلمون في الإعجاز من غلط وخطأ فهو عفا الله عنه ذهب يثبت إعجازاً علميا قرآنياً بناءً على حديث ضعيف لا يصح !.
وقال عادل الصعدي في بحث له بعنوان (والجبال أوتاداً) راجعه عبد الحميد أحمد مرشد : ( خلق الله تعالى الجبال وجعلها آية من آياته الدالة على عظيم قدرته وبديع صنعه , وأشار سبحانه وتعالى إلى هذه الجبال في كتابه العظيم, ووصف شكلها الظاهر والباطن مشبهاً لها بالأوتاد,قال تعالى : ( وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ) [ النبأ : 7] , ولم يكن العقل البشري يتصور أن هذه الجبال بشكلها الظاهر والعظيم لا تمثل إلا نسبة بسيطة من حجم الجبل الحقيقي , ولم يقف القرآن الكريم عند هذا الحد من وصف الشكل , فقد جاء السياق القرآني مبيناً لوظيفة الجبال بأبسط عبارة , قال تعالى : ( وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ) [لقمان : 10 ], فأشارت إلى أن وظيفة الجبال هي تثبيت قشرة الأرض ومنعها من الاضطراب , وكل هذه الأمور كانت غائبة عن العين والتصور البشري إلى القرنين الماضيين .
أقوال المفسرين لهذه الآيات :
على الرغم من أن هذه المعلومات كانت غائبة عن أنظار الناس في تلك الفترة الماضية إلا أننا نجد أن الأئمة المفسرين قد أشاروا إلى هذه المعلومات , معتمدين في ذلك على التفسير اللغوي لا على معلومات عصرهم , فأوردوا هذا في تفاسيرهم لقوله تعالى :) وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ( [ النبأ : 7] , ومنها على سبيل المثال :
1- قال ابن الجوزي : ( وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ) للأرض لئلا تميد .( في تفسيره زاد المسير ( 9/ 5 ))
2- وقال الزمخشري : ( وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ) : أي أرسيناها بالجبال كما يرس البيت بالأوتاد.( في تفسيره الكشاف ( 1/ 1332 ))
3- وقال القرطبي : ( وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ) أي لتسكن ولا تتكفأ بأهلها . (في تفسيره الجامع لأحكام القران ( 19/ 151 ))
4- وقال أبو حيان: ( وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ) أي ثبتنا الأرض بالجبال كما يثبت البيت بالأوتاد .(في تفسيره البحر المحيط ( 10/ 384 ))
5- وقال الشوكاني : ( وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ) الأوتاد جمع وتد أي جعلنا الجبال أوتاداً للأرض لتسكن ولا تتحرك كما يرسى الخيام بالأوتاد .(في تفسيره فتح القدير (5/ 512 ))
6- ذكر ابن كثير ( يرحمه الله ) في تفسير تفسيره ( 4/594 ) قول الحق تبارك وتعالي : ( وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ) : ( أي جعل لها أوتادا ًً, أرساها بها , وثبتها , وقررها حتى سكنت , ولم تضطرب بمن عليها .) (إنتهى)
7- وقال سيد قطب في تفسيره ظِلال القرآن (6/ 3804 ) : (وجعل الجبال أوتادا ًً.. يدركه الإنسان من الناحية الشكلية بنظره المجرد , فهي أشبه شيء بأوتاد الخيمة التي تشد إليها . أما حقيقتها فنتلقاها من القرآن , وندرك منه أنها تثبت الأرض وتحفظ توازنها ..
وقد يكون هذا لأنها تعادل بين نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال .. وقد يكون لأنها تعادل بين التقلصات الجوفية للأرض والتقلصات السطحية , وقد يكون لأنها تثقل الأرض في نقط معينة فلا تميد بفعل الزلازل والبراكين والاهتزازات الجوفية .. وقد يكون لسبب آخر لم يكشف عنه بعد .. وكم من قوانين وحقائق مجهولة أشار إليها القرآن الكريم ثم عرف البشر طرفاً منها بعد مئات السنين .) (إنتهى)
الجبال [نظرة تاريخية وعلمية] :
كانت معرفة الناس بالجبال معرفة تأملية قائمة على الوصف النظري والمشاهد ؛ لذلك جاءت كل التعاريف للجبال مقتصرة على الشكل الخارجي , ولذلك يعرف علماء الجيولوجيا الجبل بأنه : كتلة من الأرض تبرز فوق ما يحيط بها، وهو أعلى من التل .(راجع Websters Seventh New Collegiate Dictionary ) وهذا هو تعريف الموسوعة البريطانية للجبل , ويقول د. زغلول النجار: إن جميع التعريفات الحالية للجبال تنحصر في الشكل الخارجي لهذه التضاريس، دون أدنى إشارة لامتداداتها تحت السطح، والتي ثبت أخيراً أنها تزيد على الارتفاع الظاهر بعدة مرات , ثم يقول: ولم تكتشف هذه الحقيقة إلا في النصف الأخير من القرن التاسع عشر عندما تقدم السيرجورج ايري بنظرية مفادها أن القشرة الأرضية لا تمثل أساساً مناسباً للجبال التي تعلوها، وافترض أن القشرة الأرضية وما عليها من جبال لا تمثل إلا جزءاً طافياً على بحر من الصخور الكثيفة المرنة ، وبالتالي فلا بد أن يكون للجبال جذور ممتدة داخل تلك المنطقة العالية الكثافة لضمان ثباتها واستقرارها .(نقلاً عن كتاب الفكرة الجيولوجية عن الجبال في القرآن الدكتور زغلول النجار ص3 بالإنجليزية ، 1992 إصدارات هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة/ رابطة العالم الإسلامي/ مكة)
ويعرف الدكتور زغلول الجبال في ضوء المعلومات الحديثة فيقول: إن الجبال ما هي إلا قمم لكتل عظيمة من الصخور تطفو في طبقة أكثر كثافة .(نفس المرجع السابق)
يقول الدكتور حسن باحفظ الله : لقد فتن الإنسان بالجبال شكلاً وجذب إليها لما فيها من منافع واكتفى بمعرفتها ظاهرياً إلي بداية القرن الثامن عشر عندما تنبه بير بوجر Griviational Attraction والذي كان يرأس بعثة إلي جبال (الأنديز) إلي أن قوة الجذب المقاسة في هذه المنطقة لا يتناسب مع كتلة هذه الجبال الهائلة وإنما هي أقل بكثير مما هو متوقع، معتمداً على الانحراف في اتجاه القمم البركانية في تلك المنطقة، والملاحظ على قياس الجذب التقليدي الذي كان متوفراً لديه والمسمى: بميزان البناء Plumb Bab ونتيجة لهذه الملاحظة الأولية افترض بوجر ضرورة وجود كتلة صخرية هائلة غير مرئية ليس لها مكان إلا أسفل تلك الجبال البارزة، ولقد حفلت بدايات القرن التاسع عشر الميلادي بالكثير من أعمال المسح الجيولوجي التي قامت بها بعثات جيولوجية بريطانية في شبه الجزيرة الهندية وفسرت من خلالها الكثير من الظواهر. غير أن ظاهرة الشذوذ في قراءات الجاذبية قريباً من جبال الهيمالايا والتي اشتهرت باسم لغز الهند لم تفسر تفسيراً منطقياً إلا في منتصف ذلك القرن من خلال أعمال المسح التي كان يتولى الإشراف عليها سير جورج أفرست والتي كانت تشير بوضوح إلى أنه لا يمكن تفسير هذا الشذوذ إلا بافتراض وجود امتدادات لهذه الجبال الهائلة منغرسة في جوف القشرة الأرضية إلى مسافات عميقة، وأن هذه الامتدادات إما أن تكون من نفس مادة الجبال البارزة أو أكثر كثافة منها.
بهذه الفرضية أمكن حل مشكلة الفارق
الملاحظ في قياس المسافة بين محطة كاليانا الواقعة في أحضان جبال الهيمالايا وكاليان بور البعيدة نسبياً عن جبال الهيمالايا والواقعة في المنطقة المنبسطة والذي قدر بحوالي 153 متراً، هذا الفرق كان قد لوحظ عندما قيست المسافة بطريقتي قياس مختلفتين:
الأولي تعتمد علي حساب المثلثات وتسمى بطريقة المسح الثلثي Triangulation Technique
الثانية تعتمد على موقع النجم القطبي وتسمى بطريقة المسح الفلكي Astronoical Technique وقد عزى الشماس جون هاري برات Archdeacan John Henry Pratt هذا الفارق إلي تأثر الطريقة الثانية المستخدمة في القياس بقوة جذب كتلة غير منظورة لم يتم إدخالها في المعادلات المستخدمة لإنجاز الحسابات النهائية للقياسات. وبعبارة أخري كان يشير إلي وجود جذور Roots لجبال الهيمالايا ممتدة أسفل منها وهي التي أثرت علي القياسات وأظهرت الفارق سالف الذكر.
في عام 1865 م تقدم سير جورج أيري بنظرية مفادها أن القشرة الأرضية لا تمثل أساساً مناسباً للجبال التي تعلوها وافترض أن القشرة الأرضية وما عليها من جبال لا تمثل إلا جزراً طافية علي بحر من صخور أعلى كثافة. وعليه فلا بد للجبال لضمان ثباتها واستقرارها على هذه المادة الأكثر كثافة أن تكون لها جذور ممتدة من داخل تلك المنطقة العالية الكثافة .( نقلا من بحثٍ بعنوان والجبال أوتاداً للدكتور حسن باحفظ الله )
إن التفسير العلمي لنظرية جورج أيري أتى من خلال النموذج الذي قدمه الجيولوجي الأمريكي دتون في عام 1989 م Theory of Isostasy شارحاً به نظريته المسماة بنظرية الاتزان والمتمثل في مجموعة من حوض مملوء بالماء شكل المجسمات الخشبية المختلفة الارتفاعات طافية فيه تبين من هذا النموذج أن الجزء المغمور في الماء من المجسمات الخشبية يتناسب طرداً مع ارتفاعه ذاكراً أنها في حالة أسماها بحالة الاتزان الهيدروستاني State of Hydrostatic Balance أما التمثيل الطبيعي والتقليدي لهذه الحالة فهي في الواقع حالة جبال الجليد العائمة Iceebergs (المرجع السابق ) .
أوجه الإعجاز :
إن من ينظر إلى الجبال على سطح الأرض لا يرى لها شكلاً يشبه الوتد أو المرساة، وإنما يراها كتلاً بارزة ترتفع فوق سطح الأرض، كما عرفها الجغرافيون والجيولوجيون. ولا يمكن لأحدٍ أن يعرف شكلها الوتدي ، أو الذي يشبه المرساة إلا إذا عرف جزءها الغائر في الصهير البركاني في منطقة الوشاح، وكان من المستحيل لأحدٍ من البشر أن يتصور شيئاً من ذلك حتى ظهرت نظرية سيرجورج ايري عام 1865م , وقد وصف القرآن الشكل الكامل للجبل بأبسط عبارة , فشبهه بالوتد , والكل يعرف أن الوتد يكون معظمه تحت الأرض , بينما لا يظهر على السطح إلا الشيئ اليسير من الوتد .
0ولم يتوصل العلم إلى معرفة وظيفة الجبال ـ وهي تثبيت القشرة الأرضيةـ إلا في عام 1989م, في حين جاء القرآن بها قبل ألف وأربعمائة عام , فقال تعالى : ( وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ) [لقمان : 10 ] , فجعل الجبال كالمرساة بالنسبة للسفينة , وفي هذا بيان بليغ لحقيقة الجبال ووظيفتها , فالسفينة حتى تستقر ولا تميد على سطح الماء فإنها تحتاج إلى مرساة تغوص إلى الأسفل تحت سطح الماء , وهذا يصف حالة القشرة الأرضية (الوشاح) فهي تسبح فوق مادة الصهير الصخري ـ وهي طبقة سائلة ـ فأشبهت السفينة , وحتى لا تميد هذه القشرة فإن الله ثبتها بالجبال التي تغوص جذورها في طبقة الصهير البركاني , فتصير كالمرساة بالنسبة للسفينة .
فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة الغائبة في باطن الأرض والتي يستحيل على أي إنسان معرفتها إلا بواسطة الأجهزة الحديثة؟ إن هذا دليل واضح على أن هذا العلم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو من عند الله تعالى خالق هذه الجبال والعالم بأسرارها سبحانه وتعالى, قال تعالى : ( قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ) (الفرقان:6 ) . ( بتصرف, من كتاب بينات الرسول ومعجزاته للشيخ الزنداني ص 95 .) ) (إنتهى بتصرف)
وقال الدكتور محمد السيد راضى جبريل أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين بالقاهرة في رسالة له بعنوان (عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز ): (وفي هذا الإطار نسوق قول الله تعالى في سورة النبأ: { ألم نجعل الأرض مهاداً. والجبال أوتاداً } ففي إبراز وجه الإعجاز العلمي فيها يقول الأستاذ الدكتور زغلول راغب النجار: ( من أروع الحقائق الكونية التي وردت في هذا السياق أن الله تعالى قد جعل الجبال أوتاداً { ألم نجعل الأرض مهاداً. والجبال أوتاداً } - النبأ:6،7- ووصف الجبال بأنها أوتاد هو من أبلغ صور الإعجاز العلمي في كتاب الله، وهذه شهادة صدق بأن القرآن الكريم كلام الله، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هو خاتم أنبيائه ورسله، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان موصولاً بالوحى، مُعلما من قبل خالق السموات والأرض { وما ينطق عن الهوى .إن هو إلا وحي يوحى } (النجم:3،4).
ففي الوقت الذي يصف فيه القرآن الكريم الجبال بأنها أوتاد قبل أربعة عشر قرناً، نجد كل المجامع اللغوية والعلمية إلى يومنا هذا تعرف الجبل بأنه: نتوء أرضي يرتفع بارزاً فوق ما يحيط به من الأرض بصوره تفوق ارتفاع التل، ويختلف الدارسون في تحديد ارتفاع كل من الجبل والتل، فبينما يضع بعضهم الحد الفاصل بين هذين الشكلين من أشكال سطح الأرض عند ارتفاع 305أمتار فوق مستوى سطح البحر، نجد آخرين يرفعونه إلى ضعف هذا الرقم، ومن ثم فإنهم يقصرون الجبال على المرتفعات الأرضية التي تفوق 610 أمتار فوق سطح البحر، ويعتبرون كل مادون ذلك من التلال أو الربى، والربوة عندهم هي التل المرتفع.
وانطلاقاً من ذلك فإن "معجم مصطلحات علوم الأرض" يعرف الجبل بأنه: تل مرتفع، أو بصياغة أدق ربوة مرتفعة، أو مرتفع أرضي يفوق في ارتفاعه الأراضي المجاورة له بشكل ملحوظ.
… وفي معجم البيئة الطبيعية "الفطرية" يعرف الجبل بأنه :" نتوء أرضي مرتفع بشكل ملحوظ تحيط به منحدرات شديدة تصل ارتفاعاته إلى مستوى الجروف البارزة، أو القمم الفردية السامقة، وليس للجبل ارتفاع محدد، وإن وصل ذلك في بريطانيا عادة إلى ما فوق-600 متر أو 2000 قدم -إلا إذا ارتفع الجبل فجأة من أرض منخفضة محيطه به"
وفي دائرة المعارف البريطانية الجديدة يعرف الجبل بأنه :" منطقة من الأرض تعلو الأراضي المحيطة بها نسبيا بشكل واضح، وتضيف : وعليه فإن ما يدعى بالتلال في مناطق السلاسل الجبلية العظيمة كجبال الهملايا تعد جبالاً لو وجدت في إطار منطقة أخرى أقل تضاريسَ"
وبالمثل تعرف دائرة المعارف الأمريكية الجبل بأنه: جزء من سطح الأرض يرتفع فوق مستوى المنطقة المحيطة به" وتضيف: : وبصفة عامة يتناقص ارتفاع السلاسل الجبلية على مراحل حتى يصل إلى مستوى السهول مروراً بمرحلة التلال، إلا أنه في بعض الأحوال تكون عمليه الانتقال من الجبال إلى السهول فجائية على هيئة منحدرات شديدة.
ويتضح مما تقدم أن جميع التعريفات البشرية للجبال، اللغوية منها والعلمية تقتصر على تضاريس الأرض الناتئة بشموخ فوق باقي المناطق الأرضية المحيطة بها، سواء كانت تتميز بقمم سامقة أم لا، أو بسفوح متدرجة في الانخفاض، أو فجائية في الانحدار، التي عادة ما توجد في مجموعات متوازنة أو شبه متوازنة من الأطواق الطولية،أو المجموعات أو النظم أو السلاسل الجبلية، أو في محاور جبلية عملاقة للقارات، توجد بينها اتجاهات سائدة لمحاورها الطولية، وإن كان من الممكن للجبل أن يوجد على هيئة مرتفع منفرد معزول.
إن الدراسات الميدانية قد أثبتت منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي أن القشرة الأرضية تزداد في السمك تحت كل التضاريس المرتفعة فوق سطح البحر مثل- الجبال، الربى، التلال، الهضاب، القارات- ويبلغ سمك القشرة الأرضية مداه في المناطق الجبلية، حيث تندفع مادة الجبل لتخترق الغلاف الصخري للأرض- الذي يبلغ سمكه في المتوسط مائة كيلومتر- لتطفو في مادة لزجة شبه منصهرة، عالية الكثافة، توجد تحت الغلاف الصخري للأرض مباشرة، وتعرف باسم-النطاق الضعيف- وتحكم مادة الجبل الطافية في نطاق الضعف هذا قوانين الطفو التي تؤمن لكتلة الجبل دعما طافيا يعين الجبل على الانتصاب فوق سطح الأرض، وسبحان القائل: { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت . وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت } ( الغاشية: 17-19)
وكلما أخذت عوامل التعرية من قمم الجبال ارتفعت تلك الجبال بفعل مادة وشاح الأرض، ويظل الأمر كذلك حتى تتساوى تلك الامتدادات العميقة للجبال مع سمك الغلاف الصخري للأرض، وحينئذ يتوقف الجبل عن الارتفاع وتصل الامتدادات العميقة للجبال إلى أضعاف مضاعفة لارتفاعها فوق سطح الأرض، وتتراوح بين عشرة أضعاف وخمسة عشر ضعفا بناء على التباين في كثافة الصخور المكونة للكتلة الجبلية.
… وعلى ذلك: فإن امتدادات الجبال تحت سطح الأرض تفوق ارتفاعاتها فوق سطحها بأضعاف مضاعفة، تصل إلى أكثر من خمسة عشر ضعفا، فقمة :إفرست" التي يبلغ ارتفاعها فوق سطح البحر حوالي التسعة كيلومترات تقريبا ( 8848 متر ) لها امتدادات في الغلاف الصخري للأرض يصل إلى حوالي 135 كيلو مترا.
وهنا تتضح صورة من أروع صور الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الذي نزل قبل أربعة عشر قرنا ليصف الجبال بأنها "أوتاد" ففي كلمةٍ واحدةٍ أوتاد شمل التعبير القرآني وصف كلٍ من الشكل الخارجي للجبال فوق سطح الأرض، وامتداداتها العميقة تحت ذلك السطح، كما وصف وظيفة الجبال، وهى تثبيت الغلاف الصخري للأرض في مادة الوشاح اللدنة، الموجودة تحت ذلك الغلاف الصخري مباشرة، تماما كالوتد الذي يندس معظمه تحت سطح الأرض، بينما يرتفع الجزء الأصغر منه فوق ذلك السطح.
فسبحان الذي أنزل هذا الوصف الدقيق للجبال قبل أربعة عشر قرنا على خاتم أنبيائه ورسله، وسبحان الذي حفظ لنا هذا الوصف الدقيق شاهداً على أن القرآن الكريم كلام الله الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته) ( (إنتهى) راجع كلامه في مجلة (القافلة): العدد 7، المجلد:43 رجب سنة 1415ه‍-ديسمبر سنة1994، مقال بعنوان: " "من آيات الإعجاز العلمي في القرآن" للدكتور زغلول النجار من ص1 إلى ص 4).
ثم قال الدكتور محمد السيد راضى جبريل كلاما نفسياً ختم به رسالته بخصوص حساسية أمر الكلام في الإعجاز العلمي ويحسن أن نختم كلامنا في تفسير الإعجاز في هذه الآية به إذ يقول: (بقى بعد ذلك أن ننبه إلى وجوب وضع هذا الوجه من الإعجاز في موضعه الصحيح، فإننا وإن قلنا به، ورغبنا فيه، وعددناه وسيلة لدعوة فريق من الناس إلى الحق ،إلا أن ذلك ليس معناه أن كون القرآن حقا وصدقا يتوقف على القول بالإعجاز العلمي، حتى يتكلف البعض ذلك تكلفاً يوقع في أخطاء تعود في النهاية على الباحث في هذا المجال بعكس مقصوده، فالقرآن الكريم قد ثبت صدقه وكونه وحياً من عند الله تعالى بما سبق من وجوه الإعجاز الأخرى وبغيرها من الأدلة.
ومن ثم فنحن مع الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى عندما نعى على المتكلفين في هذا الأمر، وبين كيفية التعامل مع هذا الوجه من الإعجاز في اعتدال لا شطط فيه ولا غلو، قال رحمه الله: ( وكل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة كما أسلفنا تحتوى أو لا على خطأ منهجي، كما أنها تنطوي على معان ثلاثة كلها لا يليق بجلال القرآن الكريم:
الأولى: هي الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع، ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم، أو الاستدلال له من العلم، على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه، ونهائي في حقائقه، والعلم ما يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس…
والثانية: سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته، وهى أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان بناءً يتفق بقدر ما تسمح به طبيعة الإنسان النسبية مع طبيعة هذا الوجود وناموسه الإلهي، حتى لا يصطدم بالكون من حوله، بل يصادقه ويعرف بعض أسراره..
والثالثة: هي التأويل المستمر مع التمحل والتكلف لنصوص القرآن كي نحملها ونلهث بها وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر، وكل يوم يَجِدُّ فيها جديد.
وكل أولئك لا يتفق وجلال القرآن ،كما أنه يحتوي على خطأ منهجي كما أسلفنا، ولكن هذا لا يعني ألا ننتفع بما يكشفه العلم من نظريات ومن حقائق عن الكون والحياة والإنسان في فهم القرآن ..كلا!إن هذا ليس هو الذي عنيناه بالبيان، ولقد قال الله سبحانه: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } ( فصلت: 53). ومن هذه الإشارة أن نظل نتدبر كل ما يكشفه العلم في الآفاق وفي الأنفس من آيات الله وأن نوسع بما يكشفه مدى المدلولات القرآنية في تصورنا) (راجع تفسير السيد قطب المسمى ظلال القرآن:1/182،183.).
فالقول بالإعجاز العلمي للقرآن، والبحث فيه أمر لا بأس به، بل هو مرغوب ومطلوب فيما أشرنا إليه من زيادة يقين المؤمن لإيناسه وتثبيته على الحق بما يرى من دلائله آناً بعد آن، وكذلك من إقامة الحجة على الكافر في مجالٍ فتن البشر بمنجزاته في مرحلة من الزمن تقدمت فيها العلوم المادية تقدما غير مسبوق.
هذا وهناك وجوه الإعجاز ذكرها العلماء ولم نتطرق إليها لضيق المقام، وهي:
1-كون القرآن محفوظاً من الزيادة والنقصان على مر الدهور والأزمان.
2-تيسير حفظه.
3-شموله على جميع البراهين والأدلة على توحيد الألوهية والربوبية.
4-إعجاز القرآن في أسمائه وأوصافه.
5-إعجاز القرآن في حروف المعجم.) (إنتهى)
شبهة وردها: ورد في كتاب شبهات المشككين شبهةً اثارها بعض المشككين من النصارى وغيرهم من الملاحدة وممن ذكرها المهندس أيضاً عبد الدائم الكحيل وهي حول ذكر القرآن الكريم لتثبيت الأرض بالجبال تشكيكاً في سلامة القرآن من التحريف! وهي قولهم: (أن الجبال ليس لها أي دور في تثبيت الأرض وأن التثبيت يكون للأرض الثابتة أصلاً وليس المتحركة ويكون التثبيت للجسم المستوي وليس الكروي لأن الأرض كروية. )!!!
والرد من ثلاث وجوه :
ألأول أن كتابهم الذي يزعمون أنه مقدس ورد فيه تثبيت الجبال للأرض!
ففي العهد القديم الذي هو التوراة في سفر المزامير 75: 2 النص التالي: [ أنا وزنت أعمدتها ] وفى سفر المامير أيضا 104: 5 النص التالي [ المؤسس الأرض على قواعد فلا تتزعزع إلى الدهر والأبد ] (إنتهى) وهذا فيه رد على اليهود النصارى إذ اليهود تؤمن بالتوراة والنصارى تؤمن بها أيضا ! لكن تضيف النصارى اليها الإيمان بالعهد الجديد وهو الإنجيل.
والوجه الثاني أن هذا امر ثابت علميا في علم الجيولوجيا! وقد مر توضيح ذلك إذ قلنا أن الله عز وجل شبه الجبال بالأوتاد للأرض وبالرواسي للسفن فالجبال رواسي كالمسامير ملقاة في الأرض جزءٌ منها ظاهر منصوبٌ قائمٌ من فوق سطح الأرض ومعظمها غائر فيها لتمسك بقشرة يابستها وتثقلها وتمنع تحركها وميلانها واهتزازها وعن أن تغوص في باطن الأرض كما قال علماء الجيلوجيا ومن نقل عنهم من المتكلمين في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وكل ذلك مر ذكره آنِفاً
والوجه الثالث: إن قولهم ( وأن الجبال ليس لها أي دور في تثبيت الأرض وأن التثبيت يكون للأرض الثابتة أصلاً وليس المتحركة ويكون التثبيت للجسم المستوي وليس الكروي لأن الأرض كروية. ) يدل قولهم هذا على جهل متناهي فيما اتفق عليه العقلاء وذلك لأمرين:
الأول: في قولهم ( أن الجبال ليس لها أي دور في تثبيت الأرض وأن التثبيت يكون للأرض الثابتة أصلاً وليس المتحركة ) فأقول: أن التثبيت يكون للثابت والمتحرك إذ الثبيت للثابت لقلة ثباته فلا يُدْرَى متى يتحرك ومثال ذلك تثيت أرض بيت ثابتة تحتها مخزن أو سقف ثابت بسبب القِدَم قد يسقط في أي وقت فاحتيج للتثبيت بأعمدةٍ أخرى لضمان عدم سقوطه فتأمل كم الجهل يعمي صاحبه عن المعقولات الحسية !
الثاني: في قولهم ( ويكون التثبيت للجسم المستوي وليس الكروي لأن الأرض كروية.) فأقول: إن كلامهم هذا كم هو أشبه بعربة السكران وهذيان المحموم إي وربي إذ إن تفاسير العلماء كلها وأقوال من تكلموا في الإعجاز مُطْبِقةٌ على أن المراد من الأرض في الآيات التي المشار إليها هو قشرة الأرض اي اليابسة من الأرض وليس كرة الأرض فكلامهم جميعهم هو حول تثبيت الجسم المستوي الذي هو الأرض اليابسة وليس الكروي الذي هو كرة الأرض فمعلومٌ أن ليس كل لفظ أرض في القرآن واللغة والعُرْف والشرع يُرِدُ منه كرة الأرض فقد يراد منه يابستها وذلك إنما يعرف بالسياق وهنا السياق دل على ان الجبال تثبت قشرة الأرض وليس كرتها وهذا أمر ظاهر للعيان ولذلك أثبته علماء الجيولوجيا بمهذا المعنى!!! فأين عقول هؤلاء المهرطقين الذين يكتبون هذه الترهات!. )
وقال المهندس عبد الدائم الكحيل وهو باحث في إعجاز القرآن الكريم والسنّة النبوية في بحث له بعنوان ( الجبال والتوازن الأرضي ) : ( لقد قرأتُ العديد من الأبحاث في إعجاز القرآن الكريم والتي تدور حول حديث القرآن عن حقائق علمية في علم الجبال قبل أن يكتشفها العلم بقرون طويلة. ولكن الذي أثار اهتمامي بهذا الموضوع ما قرأته على أحد المواقع الذي ينشر سلسلة مقالات بعنوان: أكذوبة الإعجاز العلمي!! وقد تناولوا في إحدى مقالاتهم نشوء الجبال وأكدوا أن القرآن قد أخطأ علمياً في الآية التي تقول: ( وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [النحل: 15]. وأن الجبال ليس لها أي دور في تثبيت الأرض وأن التثبيت يكون للأرض الثابتة أصلاً وليس المتحركة ويكون التثبيت للجسم المستوي وليس الكروي لأن الأرض كروية.
وبما أن هؤلاء لا تقنعهم كلمات علمائنا من المسلمين، فسوف نلجأ إلى علماء الغرب وهم من غير المسلمين ونتأمل في آخر ما توصلت إليه أبحاثهم وماذا يقولون حول هذا الموضوع وسوف نرى التطابق الكامل بين ما تكشفه الأبحاث الجديدة في علوم الأرض وبين القرآن العظيم.
فقد تابعتُ ما يعتقده علماء الغرب اليوم حول الجبال، وقرأتُ ما يدرِّسونه لطلابهم من أشياء يعدّونها حقائق facts وإليك عزيزي القارئ ما اكتشفه هؤلاء العلماء وهم من غير المسلمين: "التوازن الأرضي هو توازن لَبِنَات القشرة الأرضية العائمة على الغلاف الصخري للأرض. الجبال تملك جذوراً تمتد إلى داخل الغلاف الصخري بهدف تأمين التوازن"[1].
شكل (1) نرى فيه كيف أن قطعة الجليد أو الخشب تطفو على سطح الماء ولكن هنالك جزء منها يغوص داخل الماء لتحقيق التوازن، وبغير هذا الجزء لا يتحقق التوازن لقطعة الخشب. وهذا ما يحدث بالضبط في الجبال فجميع جبال الدنيا لها جذور تمتد في الأرض وتعمل على تثبيت الأرض واستقرار الجبال.
وهذا ما نجد له وصفاً دقيقاً في كتاب الله تعالى عندما يقول: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [النحل: 15]. إذن سمّى القرآن الجبال بالرواسي تشبيهاً لها بالسفينة التي ترسو ويغوص جزء كبير منها في الماء. وهو ما تفعله الجبال فهي ترسو وتغوص في قشرة الأرض خصوصاً إذا علمنا أن القشرة الأرضية تتألف من مجموعة من الألواح العائمة على بحر من الحمم والصخور المنصهرة [4].
ولو بحثنا عن معنى كلمة (رسا) في المعاجم مثل مختار الصحاح نجد معناها (ثبت)، وهذا ما تقوم به الجبال من تثبيت للأرض لكي لا تميل وتهتز بنا. ويؤكد العلماء اليوم أن كثافة الجبال تختلف عن كثافة الأرض التي حولها، تماماً مثل قطعة الجليد العائمة على سطح الماء.
فإذا وضعنا قطعة من الجليد في الماء نجد أن جزءاً كبيراً منها يغوص في الماء ويظهر جزء صغير منها على وجه الماء ولولا ذلك لا تستقر قطعة الجليد وتنقلب وتميل.
ونحن نعلم من هندسة تصميم السفن أن السفينة يجب أن يكون لها شكل محدد لتستقر في الماء ولا تنقلب. والجبال قد صمّمها الله تعالى بشكل محدد فهي لا تنقلب برغم مرور ملايين السنين عليها!! ومن أعجب ما قرأت حول هذه الجبال ودورها في التوازن الأرضي أن العلماء عندما قاسوا كثافة الجبال وكثافة الأرض المحيطة بها وجدوا أن النسبة هي ذاتها كثافة الجليد بالنسبة للماء.
وهنا تتجلّى عظمة القرآن في دقة التشبيه وروعته، ولذلك قال تعالى: (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) [الأنبياء: 31]. فشبّه الجبال بالسفن الرواسي وهو تشبيه دقيق جداً من الناحية العلمية!! فمن الذي أخبر النبي الأمي عليه الصلاة والسلام بهذه الحقائق؟.
شكل (2) جميع جبال الدنيا تمتد عميقاً في الغلاف الصخري للأرض، ويبلغ عمق هذه الجذور عشرات الكيلو مترات، ونجد أن عمق جذر الجبل يزيد على ارتفاعه فوق سطح الأرض بأكثر من عشرة أضعاف!!! وهذا ما نجده في الوتد. فالوتد من الناحية الهندسية وحتى يؤدي مهمته في التثبيت يجب أن يغوص في الأرض لعدة أضعاف الجزء البارز منه. فسبحان الذي سمى الجبال (أوتاداً) وهذا التشبيه أفضل تشبيه من الناحية العلمية.
ثم إن جميع العلماء يؤكدون اليوم بأن الجبال لها أوتاد تمتد في الأرض وتغوص لعشرات الكيلو مترات، وهذا ما حدثنا عنه القرآن العظيم بقوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) [النبأ: 6-7]. فإذا كان القرآن يصرّح بأن الجبال هي أوتاد، والعلماء يقولون إن للجبال جذوراً تثبت الأرض وتعمل على توازنها[5] ، وهنالك علم قائم بذاته يدرس هذا التوازن الأرضي، والسؤال: هل هذه المعجزات هي أكذوبة أم هي حقيقة؟ [2]
وقفة لغوية
ربما يأتي من يقول بأننا نحمّل هذه الآيات غير ما تحتمل من المعاني، وهذه عادة المشككين بكتاب الله تعالى. ولذلك سوف نقدم من خلال هذه الوِقفة ما فهمه العرب قديماً من هذه الآيات. فلو بحثنا في معجم لسان العرب عن معنى كلمة (رَسَا)، لوجدنا: "رَسَا الشَّيءُ يَرْسُو رُسُوّاً و أَرْسَى: ثَبَتَ، و أَرْساه هو. و رَسَا الجَبَلُ يَرْسُو إِذا ثَبَت أَصلهُ في الأَرضُ، وجبالٌ راسِياتٌ. و الرَّواسِي من الجبال: الثَّوابِتُ الرَّواسخُ. و رَسَتِ السَّفينةُ تَرْسُو رُسُوّاً: بَلَغَ أَسفلُها القَعْرَ وانتهى إِلى قرارِ الماءِ فَثَبَتَت وبقيت لا تَسير، وأَرْساها هو. وفي التنزيل العزيز في قصة نوح عليه السلام وسفينته: (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [هود: 41]. و المِرْساةُ: أَنْجَرُ السَّفينة التي تُرْسَى بها، وهو أَنْجَرُ ضَخْمٌ يُشَدُّ بالجِبال و يُرْسلُ في الماءِ فيُمْسِكُ السَّفينة و يُرْسِيها حتى لا تَسير. قال ابن بري: يقال: أَرْسَيْتُ الوَتِدَ في الأَرض إِذا ضَرَبْتَه فيها".
وجاء في هذا المعجم معنى كلمة (وتد): "الوتِدُ، بالكسر، و الوَتْدُ و الوَدُّ: ما رُزَّ في الحائِط أَو الأَرض من الخشب، والجمع أَوتادٌ، قال الله تعالى: (والجِبالَ أَوتاداً) [النبأ: 7]. و وَتَدَ الوَتِدُ وَتْداً وتِدَةً و وَتَّدَ كلاهما: ثَبَتَ، و وَتَدْتُه أَنا أَتِدُه وَتْداً وتِدَةً وَوَتَدْتُه: أَثْبَتُّه".
ونلاحظ أن العرب فهمت من الآيات ما نفهمه نحن اليوم مع فارق التطور العلمي! فهم فهموا من كتاب الله تعالى أن للجبال أصلاً في الأرض يثبته كما تثبت المرساة السفينة ولذلك سمى الله الجبال بالرواسي، وهذا ما يقوله العلماء اليوم كما نرى من خلال الأبحاث الصادرة حديثاً في علم التوازن الأرضي.
وهنا نود أن نقول: إذا كان القرآن العظيم يستخدم تشبيهاً للجبال بالسفن التي ترسو في الماء، وإذا كان العلماء حديثاً يستخدمون تشبيهاً لتوازن الجبال كقطعة خشب تطفو على سطح الماء ويغوص منها جزء كبير لضمان توازن القطعة الخشبية، ويشبّهون توازن الجبل بتوازن هذه القطعة الخشبية في الماء، أي يستخدمون نفس التشبيه القرآني، والسؤال: لولا أن العلماء وهم من غير المسلمين وجدوا في هذا التشبيه منتهى الدقة العلمية فهل كانوا سيستخدمونه في مراجعهم ويدرسونه لطلابهم في القرن الحادي والعشرين؟
إن هذا يثبت أن القرآن كتاب علم وليس كتاب أساطير كما يدّعي الملحدون، ويثبت أن القرآن معجز من الناحية العلمية ويتضمن سبقاً علمياً في علم الجبال، ويعني أيضاً أننا لا نحمّل النص القرآني أي معنى لا يحتمله، إنما نفهم النص كما فهمه العرب أثناء نزول القرآن، ولكن هم فهموه حسب معطيات عصرهم ولم يكن هنالك مشكلة على الرغم من عدم وجود أي تفسير علمي لجذور الجبال ودورها في التوازن الأرضي، ونحن اليوم نفهمه حسب أحدث المكتشفات العلمية ولا نجد أي مشكلة أيضاً، ألا يدلّ هذا على أن القرآن كتاب صالح لكل زمان ومكان؟!
وهذه مراجع بحثه ذكرها في آخر بحثه وهي مواقع على شبكة الإنترنت
[1] http://highered.mcgraw-hill.com/sites/0072402466/student_view0/
[2]http://honolulu.hawaii.edu/distance/gg101/Programs/program8%20MountainBuilding/program8.html
[3] http://geosciences.ou.edu/~msoreg/tes/isostasy.html
[4] http://maps.unomaha.edu/Maher/ESSlectures/ESSlabs/isostasylab/isostasy.html
[5] http://rst.gsfc.nasa.gov/Sect2/Sect2_1a.html
والبحث في موقعه هنا: http://www.kaheel7.com/modules.php?name=News&file=article&sid=108 ) (إنتهى)
قوله تعالى: ( وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ) (8)
يقول تعالى: وخلقناكم أصنافاً مختلفة ومتضادة أجناساً ذكوراً وإناثاً وخِناثا وألواناً أسودا وأبيضا وأحمرا وأصفرا وصوراً جميلا وقبيحا وطويلا وقصيرا وصفاتاً وأحوالاً ذكيا وغبيا وغنيا وفقيراً وألْسِنَةً ولغاتاً من عربي وأعجمي إلى غير ذلك من أصناف البشر.
أقول وبالله وحده أستعين إن للعلماء في تفسير الأزواج هنا أقولاً أربعة الأول منها: أصنافاً مختلفة ومتضادة من أصناف البشر وهو قولنا وهذا القول رواه ابن جرير عن التابعي الجليل قتادة بن دعامة ويأتي ذكر الأثر وذهب إليه بعض المفسرين والثاني: مزدوجين ذكوراً وإِناثاَ ليتم الائتناس والتعاون على هذه الحياة وحفظ النسل وتكميله بالتربية وهو قول كثير من المفسرين والأول أعم منه إذ يشمله أما القول الثالث: خلقناكم أزواجاً أي من مَنِيَّيْن مَنِيّ الرجل ومَنِيّ المرأة فيكون المراد خلقنا كل واحد منكم من مَنِيّ زوجين والقول الرابع: أصنافاً مختلفةً من المخلوقات جميعها قبيحة وجميلة طويلة وقصيرة قوية وضعيفة فيعم الإنسان والحيوان والنبات والجماد إلى غير ذلك فهذا القول يشمل الأول والثاني.
أقول والراجح الأول وهذا البيان والله المستعان:
لأن قوله تعالى: ( وخلقناكم أزواجا ) هي دليل للبعث الذي مر ذكره بطريقة الإستدلال بالقدرة على الخلق الأول للقدرة على الخلق الثاني يوم القيامة فكان الأقوى والأبلغ في الدليل واللائق أن يكون مرادا به اصناف الناس كلها وليس فقط الذكور والإناث فلما كان مراده سبحانه هنا من ذكر خلقه للبشر أزواجا الإستدلال للبعث كان الأولى أن يعم ولا يخص ليشمل كل من سيحشر يوم القيامة بأصنافهم المختلفة! فيكون المعنى أعم يعم جميع أصناف البشر المختلفة والمتضادة أجناساً ذكوراً وإناثاً وخِناثا وألواناً أسودا وأبيضا وأحمرا وأصفرا وصوراً جميلا وقبيحا وطويلا وقصيرا وصفاتاً وأحوالاً قويا وضعيفا ذكيا وغبيا وغنيا وفقيرا وعزيزا وذليلا وصالحاً وطالحاً وألْسِنَةً ولغاتاً من عربي وأعجمي إلى غير ذلك من أصناف البشرويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: { وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [طه:131]. أي أصنافاً منهم فتأمل.
ولذلك قال الشيخ مصطفى العدوري حفظه الله في سلسلة التفسير (عند تفسيره لقوله تعالى: ( { لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ } [النساء:57] ): ( وقوله تعالى: { لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ } [النساء:57] الأزواج قد تطلق على النساء، وقد يأتي الزوج بمعنى الصنف، كقوله تعالى: { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا } [النبأ:8]، ومن أهل العلم من قسر الأزواج في قوله تعالى: : { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا } [النبأ:8] فقال: أي: ذكراً وأنثى، ومنهم من عمم التفسير وقال: إن أزواجاً معناها أصنافاً، والتفسير الأعم أولى من التفسير ببعض المفردات في كثير من الأحيان، فالأخذ بالعموم في هذا التأويل أولى من الأخذ بالخصوص؛ لأنه يدخل فيه الخصوص (يقصد الشيخ العدوي أن القول بأن الأزواج ذكر وانثى يدخل في عموم القول بأن الأزوان أصنافاً)، فمعنى قوله تعالى: { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا } [النبأ:8] أي: أصنافاً، فمنكم الذكر ومنكم الأنثى، ومنكم القوي ومنكم الضعيف، ومنكم العزيز ومنكم الذليل، ومنكم الجميل ومنكم الدميم، إلى غير ذلك.
وأحياناً يتعين التفسير بالخصوص في بعض المفردات كما في قوله تعالى هنا: { لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ } [النساء:57]، فالأزواج هنا لا بد أن تحمل على النساء بقرينة وهي: ( مُطَهَّرَة )، ومعنى: ( مُطَهَّرَة ) قال فريق من العلماء: مطهرة من البول والحيض والبزاق والتفل ونحو ذلك، وقد جاء في ذلك خبرٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله: ( أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، لا يبزقون فيها، ولا يبولون ولا يمتخطون )، ومن أهل العلم من قال: مطهرة أيضاً من الغل والأحقاد، وصنوف الحيل والمكر التي تتسرب إلى نساء الدنيا.) (إنتهى)
وقال ايضا في سلسلة التفسير عند تفسير الآية التي نحن بصدد تفسيرها: ( { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا } ، والمراد بالأزواج هنا الأصناف، أي: خلقناكم أصنافاً، فمنكم الطويل ومنكم القصير، ومنكم الذكي ومنكم الغبي، ومنكم الصالح ومنكم الطالح، ومنكم الغني ومنكم الفقير، ومنكم الجميل ومنكم الدميم.
ومن العلماء من قال: { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا } ، أي: ذكراً وأنثى، كما قال تعالى: { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الذاريات:49]، ومن المفسرين من فسر قوله تعالى: { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } [الفجر:3]، بقوله: (الشفع): الخلق، فكل شيء زوجان من الخلق، (والوتر) هو: الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، وهو وتر يحب الوتر )، فقوله تعالى: { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا } ، لأهل العلم فيها تأويلان: التأويل الأول: أن المراد بالأزواج الأصناف.
التأويل الثاني: أن المراد بالأزواج الذكور والإناث.
ويشهد للمعنى الأول قوله تعالى: { وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [طه:131]، وأما قوله تعالى: { وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } [الزخرف:12] فيشهد للمعنيين معاً، ففي قوله تعالى: { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا } ، قولان: الأول: ( أزواجاً ) أي: أصنافاً.
والثاني: ( أزواجاً ) أي: ذكراً وأنثى.) (إنتهى)
ومر انه رجح الأول ونص عليه هنا في بداية كلامه فتنبه.
وقال بهذا القول إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره (24 / 151) فقد ذكر في تفسير هذه الآية أثراً واحدا عن التابعي الجليل قتادة رحمه الله مر ذكره في تفسير آياتٍ سابقة يقول قتادة فيه : (( وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ) ذُكرانا وإناثا، وطوالا وقصارا، أو ذوي دمامة وجمال، مثل قوله:( الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ) يعني به: صيرناهم ).(إنتهى)
وابن عطية ذهب له ايضا في تفسيره ذو الفوائد المهمة ( المحرر الوجزي في تفسير الكتاب العزيز ) (5 / 424) إذ قال: ( و " ازواجا " معناه انواعا في ألوانكم وصوركم وألسنتكم) (إنتهى)
واختاره الشيخ محمد بن جميل بن غازي الدروبي (أحد طلاب الألباني في سوريا) في تفسيره المختصر الرائع جدا ( شرح الكلمات وما ترشد إليه الآيات ) إذ قال: ( أَزْوَاجًا: أصنافا وأضدادا ) (إنتهى)
فائدة: يحسن بطالب العلم الحرص على قراءة وحفظ تفسير الشيخ الدروربي ( شرح الكلمات وما ترشد إليه الآيات ) فهو تفسير مختصر جداً في كلمات قليلة في غاية الروعة والإتقان استفيدُ كثيراً منه ، حرص الشيخ الدروبي فيه على ذكر التفسير الصحيح متبعاً لما ورد في القرآن وصحيح السنة ومن الجدير بالذكر أنه أشار في مقدمته إلى بعض أخطاءٍ خطيرة في مسائل صفات الله عز وجل والتي وقع فيها الشيخ مخلوف في تفسيره المختصر الذي بعنوان ( كلمات القرآن تفسير وبيان ) الذي طبع على حاشية بعض طبعات القرآن المطبوع في الشام ولعله في حواشي طبعات أخرى والله المستعان! وقد قرأت تفسيره فوجدت تلك الأخطاء الخطيرة في تفسير الصفات وهو تفسير أهل التعطيل على طريقة الأشاعرة هداهم الله فهذا التفسير للشيخ مخلوف لا أنصح به لطالب العلم ولا لعوام المسلمين ومن باب أولى أن لا يحفظونه ولا يتوهمن متوهمٌ أني أرى عصمة كل ما في تفسير الشيخ الدروبي فإنه بشر والبشر يخطيء ولكنه حسب ما أراه أفضل تفسير مختصر جدا في كلمات قليلة والله أعلم.
فالقول الثاني ضعيف لما سبق بيانه في ترجيحنا القول الأول إذ قلنا أن ما يزيده بطلاناً أن ذكر الله هنا لخلقه البشر أزواجا إنما اراد الله به الإستدلال للبعث فالأولى أن يعم ولا يخص ليشمل كل من سيحشر بأصنافهم المختلفة وليس الذكر والأنثى وحسب! وهذا القول الثاني هو قول كثير من المفسرين وممن ذهب لهذا القول العلامة ابن كثير قال في تفسريه (8 / 302) : ( ثم قال: { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا } يعني: ذكرًا وأنثى، يستمتع كل منهما بالآخر، ويحصل التناسل بذلك، كقوله: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } [الروم : 21] . ) (إنتهى)
أما القول الثالث فهو تكَلُّفٌ لا حاجة له لمخالفته للظاهر جدا فهو في غاية الركاكة !، وضعفه العلانة الألوسي رحمه الله إذ قال في تفسيره (روح المعاني) (30 / 7) : ( وقيل يجوز أن يكون المراد من الخلق أزواجا الخلق من منيين منى الرجل ومنى المرأة والمعنى خلقنا كل واحد منكم أزواجا باعتبار مادته التي هي عبارة عن منيين فيكون خلقناكم أزواجا من قبيل مقابلة الجمع بالجمع وتوزيع الأفراد على الأفراد وهو خلاف الظاهر جدا ولا داعي إليه ) ( إنتهى )
أما القول الرابع بأن أزواجا تعني أصنافاً مختلفةً من المخلوقات جميعها قبيحة وجميلة طويلة وقصيرة قوية وضعيفة فيعم الإنسان والحيوان والنبات والجماد إلى غير ذلك فهذا القول يشمل الأول والثاني.
فأقول إنه قول ضعيف جدا وباطل إذ ان المخاطَبين في ألاية عقلاء وهم المشركون فجعل ذلك يعم غيرهم من غير العقلاء من نبات وحيوان وجماد لا يصح في موضع الإستدلال لأن غير العقلاء ليسوا مخاطبين مع المشركين كما هو ظاهر ثم إن غير العاقل لا يفهم الخطاب بموضع الإستدلال ولذلك لا يصح أن يكون الخطاب بموضع الإستدلال لغير العاقل! وممن ضعف هذا القول العلامة المحدث الشوكاني في تفسيره فتح القدير (5 / 364) إذ أسبقه بأحد صيغ التمريض لدى المحدثين (قيل) إذ يقول الشوكاني: ( وقيل يدخل في هذا كل زوج من المخلوقات من قبيح وحسن وطويل وقصير ) (إنتهى)
والظاهر أن الرازي يذهب لهذا القول في تفسيره مفاتيح الغيب (31 / 7) : ( قوله تعالى وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْواجاً وفيه قولان الأول المراد الذكر والأنثى كما قال وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاْنثَى ( النجم 45 ) والثاني أن المراد منه كل زوجين و ( كل ) متقابلين من القبيح والحسن والطويل والقصير وجميع المتقابلات والأضداد كما قال وَمِن كُلّ شَى ْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ( الذاريات 49 ) وهذا دليل ظاهر على كمال القدرة ونهاية الحكمة حتى يصح الابتلاء والامتحان فيتعبد الفاضل بالشكر والمفضول بالصبر ويتعرف حقيقة كل شيء بضده فالإنسان إنما يعرف قدر الشباب عند الشيب وإنما يعرف قدر الأمن عند الخوف فيكون ذلك أبلغ في تعريف النعم ) (إنتهى)
قلت ظاهر كلام الرازي في القول الثاني يشمل غير العاقلين من نبات وحيوان وجماد لأن الرازي قال في القول الثاني : (أن المراد منه كل زوجين ....إلى أن قالوجميع المتقابلات والأضداد ، كما قال : { وَمِن كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [ الذاريات : 49 ]) ومعلوم أن قوله كل زوجين وايضا قوله جميع المتقابلات وكذا استدلاله بقوله تعالى (ومن كل شيء) الآية يدخل فيه غير المخاطَبين من حيوان ونبات وجماد وغيره فهم غير مخاطبين في الآية مع المشركين! ثم كيف يصح الخطاب في موضع الإستدلال لغير العاقل من نبات وحيوان وجماد إذ غير العاقل لا يعقل الدليل! فهو بعيد جدا لأنه لأن الله عز وجل خاطب المشركين قائلا: (وخلقناكم) أي انتم وليس مراده غيرهم من كل شيء! إلا أن يكون مراد الرازي القول الأول واستدل بآية أعم منه له فالله أعلم إذ لا يصح أن يكون معناه خلقه لكل شيء ليعم غيرهم اصناف المخلوقات من حيوانات ونباتات وغير ذلك فهو في غاية الركاكة ويتنزه الله عن ان يريده إذ المراد أزواجا من جنس المخاطَبين بالتهديد والوعيد وهم المشركين اي من الناس فالمراد ازواجا اصنافا ذكورا واناثا والوانا اسود وابيض واحمر واصفر وأسمر وقبيح وجميل وقصير وطويل وكبير وصغير وما اشبه ذلك.​
 
أخي العزيز عمر الزهيري وفقه الله وحياه أخاً عزيزاً وطالبَ علمٍ منتفعاً بما يقرؤه في هذا الملتقى من نفائس أنفاس الباحثين . وقد سعدتُ بانضمامكم إلى هذا الملتقى كثيراً، وقرأتُ في تعريفك بنفسك ما أسعدني وأثلج صدري، وأسأل لي ولك ولجميع الإخوان والأخوات الثبات على الحق حتى الممات .
وأما ما أشرتم إليه في هذه البداية التي ترغبون أن تكون مشروعاً لتفسير القرآن فأطمئنك أخي العزيز عمر أن علم التفسير محفوظ وأصوله منضبطة ، وقواعده متينة، والعلماء المخلصون قائمون على خدمته منذ بدأ حتى اليوم، وحفظ الله لكتابه يشتمل على حفظ بيانه وفهمه، وأقترح عليك أن يكون مشروعك هذا خاصاً بك على جهازك الحاسوبي، تجمع وترتب وتنقِّح، وتنتفع به لنفسك أولاً، وما يشكل عليك في طريقك فضعه بين يدي الزملاء في الملتقى للنقاش والاستفسار . حيث إن مشروعاً كهذا لا يناسبه أن يطرح بهذه الطريقة من وجهة نظري المتواضعة ، والرأي لكم أخي العزيز .
أسأل الله أن يوفقك ويزيدك علماً وحرصاً على طلبه، وأن يكتب أجرك على هذه النية الصادقة، والهمة العالية .
 
شكرا لكم أخي الفاضل عبد الرحمن الشهري على ما ذكرتم وأسأل الله لكم البركة في القول والعمل
أما بالنسبة لمشروعي هذا فلا شك أني لم انهيه وعدله بين حين وآخر وأضيف عليه تفسير آيات أخرى وهكذا إلى أن أكمله إن شاء الله فهو مسودة ولي من طرح هذه مسودة هذا المشروع بهذه الطريقة أربعة أغراض الأول أن أحصل على الأجر من الله فلا أدري قد أموت ولا يكون بين يدي من يريده والثاني التنبيه من المختصين على الأخطأ التفسيرية والمغيرة للمعنى والثالث أن أحفظه من الضياع فقد يحصل خلل في جهازي يوما ما وتكون الحسرات عظيمة والرابع بوضعي له في منتداكم المبارك أكون قد جعلته محفوظاً لي فلا يسرقه غيري فيقول وإن سرقه غيري ونسبه إلى نفسه يَسْهُلُ فضحه من خلال منتداكم وأني أكتبه فيه خاصة وأنه منتدى معروف مشهور في علم التفسير وأيضا من المعلوم أن كل منتدى يحتفظ بنسخة مما يُكتَب فيه فلهذا كله أود أن أكمل هنا بوركتم وأود أن تتحملوني وتعينوني بتعليقاتكم حين تجدون الوقت لذلك.
أخي الشهري إني والله في غاية الحرج لأني أخالفكم لما سبق ذكره من أغراض وأرجو أن تسامحني في هذا الشأن فإني أريد الإستمرار بكتابة المسودة هنا في منتداكم بوركتم وإنك خيرتني في ذلك بقولك والرأي رأيكم فأقول ولكن جزاكم الله خيرا على إتاحة الفرصة فسامحني إن كنت أخطأت في نظركم .​

وعوداً إلى المسودة هذا تفسير الآية التي توقفنا عندها​

قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ) (9)
يقول تعالى: وجعلنا نومكم في ليلكم ونهاركم قَطْعاً لحركتكم وسكوناً وهدوئاً راحةً لأبدانكم كأنكم أموات لا تشعرون، وأنتم أحياء لم تفارقكم الأرواح
فائدة: إن ما ذهبنا له من أن النوم في الآية هو في الليل والنهار لأنه يحصل واقعا في نوم القيلولة أو لحاجة بعض أصحاب الأعمال الليلية إليه ولذلك قال تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) (23) سورة الروم فإن قيل كيف وقد قال تعالى بعد ذلك ( والنهار معاشاً) فالمناسب ان المراد بالنوم هنا هو النوم بالليل فنقول ليس الأمر كذلك فالنهار معاشاً هذا في غالب أحوال الناس فإن من الناس من يعتاش ويعمل في الليل كالشرطة والحرس ونحوهم وإنما قال تعالى (والنهار معاشاً) من باب الغالب الأعم من الناس ولا ينافي إرادته سبحانه من النوم المذكور قبله النوم في الليل والنهار.
للعلماء في تفسير الآية أقوال: أولها أن السبات هنا هو قطع الحركة والسكون لتحصل الراحة للأبدان وثانيها: انه الموت وثالثها الجمع بينهما وثالثها: السبات التمدد والمراد النوم الطويل الممتد غير المتقطع الذي لا يفي بالغرض ولا يريح البدن والرابع: النوم الخفيف على أن المعنى جعلنا نومكم نوما خفيفا غير ممتد فيختل به أمر معاشكم ومعادكم والخامس وجعلنا نومكم نوماً متقطعاً لا دائماً .
والراجح الجمع بين الأول والثاني لثلاثة أمور:
الأول: أنه لا تعارض بينهما لغة ولا شرعا بل دل عليهما اللغة والشرع ولذا فالجمع بينهما أولى من الأخذ بأحدهما ففي اللغة من معاني السبات الموت إضافة لمعنيي قطع الحركة والراحة ففي لسان العرب - (2 / 36) ( سبت ) قال ابن منظور: (والسَّبْتُ الراحةُ وسَبَتَ يَسْبُتُ سَبْتاً اسْتَراحَ وسَكَنَ ... إلى أن قال ابن منظور : والسُّباتُ النَّومُ وأَصْلُه الراحةُ تقول منه سَبَتَ يَسْبُتُ هذه بالضم وحدها ابن الأَعرابي في قوله عز وجل وجَعَلْنا نومَكم سُباتاً أَي قِطَعاً والسَّبْتُ القَطْع فكأَنه إِذا نام فقد انقطع عن الناس وقال الزجاج السُّباتُ أَن ينقطع عن الحركة والروحُ في بدنه أَي جعلنا نومكم راحة لكم) إنتهى وفي الصحاح (2 / 131) قال الجوهري: ( [ سبت ] السبت: الراحة. إلى أن قال الجوهري: والسبات: النوم، وأصله الراحة. ومنه قوله تعالى: (وجعلنا نومكم سباتا) ) إنتهى وفي مختار الصحاح - (1 / 326) قال :( [ سبت ] س ب ت : السَّبْتُ الراحة والدهر وحلق الرأس وضرب العنق ومنه يسمى يوم السبت لانقطاع الأيام عنده وجمعه أسْبُتٌ و سُبُوتٌ و السَّبْتُ أيضا قيام اليهود بأمر سبتها ومنه قوله تعالى { يوم سبتهم شرعا ويوم لا يَسْبِتُون } وباب الأربعة ضرب و أسْبَتَ اليهودي دخل في السبت و السُّبَاتُ النوم وأصله الراحة ومنه قوله تعالى { وجعلنا نومكم سباتا } وبابه نصر و المَسْبُوتُ الميت والمغشي عليه) إنتهى وفي القاموس المحيط (باب التاء فصل السين) قال الفيروزآبادي ( السَّبْتُ : الرَّاحةُ والقَطْعُ والدَّهْرُ وحَلْقُ الرأسِ وإرْسالُ الشَّعَرِ عن العَقْصِ وسَيْرٌ للاْ بِلِ) وفي نفس المصادر هذه نصوا على أن من معاني السبات الموت فقال كل من صاحب لسان العرب وصاحب الصحاح في الصفحة 133 وصاحب مختار الصحاح: ( والمَسْبُوتُ المَيِّتُ والمَغْشِيُّ عليه.) وقال صاحب القاموس والمَسْبوتُ : المَيِّتُ.) إنتهى
وفي الشرع صرح الله أن النوم وفاة فالنوم موت كما قال الله: { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } [الزمر:42] وقال أيضاً: ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (60) سورة الأنعام ، وعبر النبي عليه الصلاة والسلام عن النوم بالموت فكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول عند استيقاظه من النوم : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) رواه البخاري في صحيحه ح 5837 و 5839 و 6845 و 5849 عن حذيفة ورواه ايضا في صحيحه ح 5850 و 6846 عن أبي ذر ورواه مسلم في صحيحه ح 4886 عن البراء بن عازب وقال صلى الله عليه وآله وسلم ( النوم أخو الموت و لا ينام أهل الجنة ) وهو حديث صحيح خرجه الألباني في السلسلة الصحيحة المجلدات الكاملة ح 1087 ) فالنوم موتٌ أصغر ووفاةٌ صغرى كما قال العلماء لما سبق من الأدلة ولأنه شبيه بالموت الأكبر لِما بينهما من المشاكلة التامة في انقطاع أحكام الحياة إذ يشتركان في صفات معلومة منها ظاهر في الواقع كعدم الحركة والكلام وكذلك فالنوم شبيه بالسبات جدا ولذلك وصفه الله بانه سبات في هذه الآية لاشتراكه معه أيضا في صفة السكون وعدم الحركة والكلام قال تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُون قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[ القصص : 7173 ] وبالتالي فالنوم والسبات والموات متشابهة جدا لأشتراكها بانقطاع الحركة والكلام فلا تعارض بين المعنيين البتة! ولذا قال الألوسي في تفسيره (روح المعاني) (30 / 7) : (وجعلنا نومكم سباتا أي كالسبات ففي الكلام تشبيه بليغ كما تقدم والمراد بالسبات الموت وقد ورد في اللغة بهذا المعنى ووجه تشبيه النوم به ظاهر وعلى ذلك قوله تعالى وهو الذي يتوفاكم بالليل وهو على بناء الأدواء مشتق من السبت بمعنى القطع لما فيه من قطع العمل والحركة ... إلى أن قال الألوسي: واختار المحققون كون السبات هنا بمعنى الموت لأنه أنسب بالمقام كما لا يخفى) إنتهى قلت والألوسي ممن يقول بالقول الثاني والصحيح الجمع بين القولين فالنوم شبيه بالسبات والموت وسيأتي مزيد تفصيل أن ذلك مناسب للمقام ففي كون النوم سباتا اي انقطاعا للحركة وإحياء الله لنا منه باستيقاظنا منه إشارة إلى أن النوم كالموت الأكبر ففيه الدليل لقدرة الله عز وجل على إحياء الموتى يوم القيامة وبعثهم فإن قيل الموت ليس راحة دائما فقد يكون عذابا وقد يكون نعيما فهو ليس سباتا فنقول لا شك أن من معاني السبات في الآية هنا الراحة ولَمْ نقل نحن ان السبات مماثلا للموت الأكبر وإنما هما متشابهان في بعض الصفات كعدم الحركة والسكون كما أن النوم مشابه لهما في عدم الحركة والسكون ففي تشبيه النوم بالسبات وإحيائنا منه تنبيه على قدرته على إحيائنا من سباتنا الأكبر الذي هو الموت فتأمل.
الثاني: أن الله تعالى في هذه الآية كان مستدلاً للبعث بطريق الإشارة بإحياء الأنفس في الدينا بعد موتها فكما أحياكم بإقاظكم من موتكم الأصغر الذي هو سباتكم بإنقطاع حركتكم في نومكم في الدنيا يحييكم من موتكم الأكبر في الآخرة ويبعثكم يوم القيامة كما أشار بعض العلماء وسيأتي كلامهم .
الثالث: أن هذا الجمع مروي عن السلف إذ رواه ابن جرير في تفسيره (24 / 151) عن التابعي قتادة بن دعامة وقد مر ذكر بعض متنها في تفسير آياتٍ سبقت وفيها قال قتادة رحمه الله: ( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ) يقول: وجعلنا نومكم لكم راحة ودَعة، تهدءون به وتسكنون، كأنكم أموات لا تشعرون، وأنتم أحياء لم تفارقكم الأرواح، والسبت والسبات: هو السكون، ولذلك سمي السبت سبتا، لأنه يوم راحة ودعة) إنتهى
وذهب إلى الجمع بين القولين الأول والثاني العلامة الشنقيطي ففي الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان ( 8/ 407-708 ) بعد أن نصَّ رحمه الله على أن سورة النبأ مشتملة على أدلة البعث الأربعة وجعل يذكرها بأدلتها حتى ذكر هذه الآية التي نحن بصدد تفسيرها مستدلا بهى على احد ادلة البعث وقد مر كلامه في تفسير الثانية من سورة النبأ وهي قوله تعالى : ( عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ (2) سورة النبأ ) وهذا نص كلام الشنقيطي: ( وأما إحياء الموتى في الدنيا بالفعل ، ففي قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } [ النبأ : 9 ] والسبات : الانقطاع عن الحركة . وقيل : هو الموت ، فهو ميتة صغرى ، وقد سماه الله وفاة في قوله تعالى : { الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَ } [ الزمر : 42 ] ، وقوله تعالى : { وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم بالليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ } [ الأنعام : 60 ] ، وهذا كقتيل بني إسرائيل وطيور إبراهيم ، فهذه آيات البعث ذكرت كلها مجملة .) إنتهى
وكذلك ذهب له الشيخ مصطفى العدوي في سلسلة التفسير إذ قال: ({ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا } [النبأ:9] السبات هو: السكون والراحة، أي: وجعلنا نومكم راحة وسكوناً لأبدانكم، وهي مأخوذة من السبت، وأصل معنى السبت الراحة، فيوم السبت كان عند اليهود يوم الراحة، قال الله: { وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ } [الأعراف:163] .الآيات. ) إنتهى
وقال قبل ذلك في تفسيره للآية الثانية من هذه السورة وهي قوله تعالى : ( عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ (2) سورة النبأ ) : ( والدليل الثاني على البعث: يكون بالاستدلال على إحياء بعض الأنفس بعد موتها، كقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيما حكى الله عنه: { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة:260]، وقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } [البقرة:243]، وقال تعالى: { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [البقرة:73]، وقال تعالى: { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } [البقرة:259].
وكان عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله، وفي سورة عمَّ شيء مشابه لهذا، ألا وهو: { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا } [النبأ:9]، فالنوم موت كما قال الله: { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } [الزمر:42]، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول (يريد الشيخ عند استيقاضه من النوم) : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) فهذا وجه الدليل الثاني على البعث.) إنتهى
أما القول الأول فقد مر أن الراجح الجمع بينه وبين القول الثاني
فممن قال بالقول الأول ابن كثير في تفسيره (8 / 302 - 303) إذ قال: (وقوله: { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا } أي: قطعا للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد (1) والسعي في المعايش (1) في عرض النهار. وقد تقدم مثل هذه الآية في سورة "الفرقان" (2) .) (إنتهى)
وذهب له القاسمي في تفسيره محاسن التأويل إذ قال عند تفسيره لقوله تعالى: ( { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً } [ 46 - 47 ] .
{ وَالنَّوْمَ سُبَاتاً } أي : راحة للأبدان تستعيض به ما خسرته من قواها) إنتهى وقال عند تفسير آيتنا:( { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } أي : راحة ودَعَة ، يريح القوى من تعبها ويعيد إليها ما فقد منها . إطلاقاً للملزوم وهو السبات بمعنى النوم ، وإرادة لّلازم وهو الاستراحة .) إنتهى
وذهب له أيضا الشيخ الدروبي في تفسيره ( شرح الكلمات وما ترشد إليه الآيات ) إذ قال: ( ( والنَّوْمَ سُبَاتًا ) قاطعا للحركة لراحة الأبدان) إنتهى
أما القول الثاني فذهب له الألوسي الألوسي في تفسيره (روح المعاني) (30 / 7) وقد مر نقل كلامه آنفاً.
أما القول الثالث فضيف إذ ليس مناسبقاً للمقام فالسياق لا يدل عليه بل يدل على القولين الأول والثاني فالمراد من الآية أن النوم كالسبات وهو انقطاع الحركة والراحة الشبيه بالموت والاية دليل من أدلة البعث كما مر ولذا فالقول الرابع غير مناسب كدليل للبعث كما هو ظاهر ولأن النوم قد يكون ممتدا طويلاً وقد يكون قصيرا ولم تحدد الآية ايهما بل أطلقت ولا دليل على تعيين ذلك فيبقى السبات على إطلاقه وهو اصله المراد منه وهو قطع الحركة والسكون راحة كالموت.
وضعفه الألوسي ورجح القول الثاني في تفسيره روح المعاني (30 / 7) فقد سبقه بقوله قيل التي تدل على التضعيف وهذا نص كلامه: ( وقيل السبت التمدد كالسبط يقال سبت الشعر إذا حل عقاصه وعليه تفسير السبات بالنوم الطويل الممتد والأمتنان به لما فيه من عدم الأنزعاج ... إلى أن قال: واختار المحققون كون السبات هنا بمعنى الموت لأنه أنسب بالمقام كما لا يخفى ) إنتهى
وكذلك فعل العلامة القاسمي في تفسيره محاسن التأويل عند تفسيره آيتنا هذه إذ قال : ( وقيل : السبات هو النوم الممتد الطويل السكون ؛ ولهذا يقال فيمن وصف بكثرة النوم : إنه مسبوت وبه سبَات . ووجه الامتنان بذلك ظاهر ؛ لما فيه من المنفعة والراحة ، لأن التهويم والنوم الغرار لا يكسبان شيئاً من الراحة . وقد أفاض السيد المرتضى في" أماليه" في لطائف تأويل هذه الآية .) إنتهى قلت فقد سبقه بكلمة قيل التي تدل على التضعيف فتنبه وقد مر اختيار القاسمي للقول الأول .
أما القول الرابع بأنه النوم الخفيف على أن المعنى جعلنا نومكم نوما خفيفا غير ممتد فيختل به أمر معاشكم ومعادكم
فضعيف والرد عليه هو الرد على القول الثالث ولأن النوم قد يكون خفيفا وقد يكون ثقيلا ولم تحدد الآية ايهما بل أطلقت ولا دليل على تعيين ذلك فيبقى السبات على إطلاقه وهو اصله المراد منه وهو قطع الحركة والسكون راحة كالموت .
أما القول الخامس فضيف كسابقيه والرد عليه كالرد عليهما ولأن النوم قد يكون متقطعا وقد يكون ممتدا طويلاً ولم تحدد الآية ايهما بل أطلقت ولا دليل على تعيين ذلك فيبقى السبات على إطلاقه وهو اصله المراد منه وهو قطع الحركة والسكون راحة كالموت.
شبهة للملاحدة والرد عليها
وقال الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب (31 / 7) : ( قوله تعالى وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً طعن بعض الملاحدة في هذه الآية فقالوا السبات هو النوم والمعنى وجعلنا نومكم نوماً واعلم أن العلماء ذكروا في التأويل وجوهاً أولها قال الزجاج سُبَاتاً موتاً والمسبوت الميت من السبت وهو القطع لأنه مقطوع عن الحركة ودليله أمران أحداهما قوله تعالى وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ ( الأنعام 60 ) إلى قوله ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ ( الأنعام 60 ) والثاني أنه لما جعل النوم موتاً جعل اليقظة معاشاً أي حياة في قوله وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً ( النبأ 11 ) وهذا القول عندي ضعيف لأن الأشياء المذكورة في هذه الآية جلائل النعم فلا يليق الموت بهذا المكان وأيضاً ليس المراد بكونه موتاً أن الروح انقطع عن البدن بل المراد منه انقطاع أثر الحواس الظاهرة وهذا هو النوم ويصير حاصل الكلام إلى إنا جعلنا نومكم نوماً وثانيها قال الليث السبات النوم شبه الغشي يقال سبت المريض فهو مسبوت وقال أبو عبيدة السبات الغشية التي تغشى الإنسان شبه الموت وهذا القول أيضاً ضعيف لأن الغشي ههنا إن كان النوم فيعود الإشكال وإن كان المراد بالسبات شدة ذلك الغشي فهو باطل لأنه ليس كل نوم كذلك ولأنه مرض فلا يمكن ذكره في أثناء تعديد النعم وثالثها أن السبت في أصل اللغة هو القطع يقال سبت الرجل رأسه يسبته سبتاً إذا حلق شعره وقال ابن الأعرابي في قوله سُبَاتاً أي قطعاً ثم عند هذا يحتمل وجوهاً الأول أن يكون المعنى وجعلنا نومكم نوماً متقطعاً لا دائماً فإن النوم بمقدار الحاجة من أنفع الأشياء أما دوامه فمن أضر الأشياء فلما كان انقطاعه نعمة عظيمة لا جرم ذكره الله تعالى في معرض الإنعام الثاني أن الإنسان إذا تعب ثم نام فذلك النوم يزيل عنه ذلك التعب فسميت تلك الإزالة سبتاً وقطعاً وهذا هو المراد من قول ابن قتيبة وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً أي راحة وليس غرضه منه أن السبات اسم للراحة بل المقصود أن النوم يقطع التعب ويزيله فحينئذ تحصل الراحة الثالث قال المبرد وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً أي جعلناه نوماً خفيفاً يمكنكم دفعه وقطعه تقول العرب رجل مسبوت إذا كان النوم يغالبه وهو يدافعه كأنه قيل وجعلنا نومكن نوماً لطيفاً يمكنكم دفعه وما جعلناه غشياً مستولياً عليكم فإن ذلك من الأمراض الشديدة وهذه الوجوه كلها صحيحة) إنتهى
أقول: هذه الشبهة يكفي في الرد عليها أن الله سبحانه وتعالى لم يرد بيان التماثل بين النوم والسبات وإنما أراد بيان التشابه بينهما ومعلوم ان التشابه هو اشتراك في بعض الصفات لا جميعها أما التماثل فهو اشتراك في جميع الصفات فقول الملاحدة أن السبات هو النوم يريدون منه المماثلة وقول المسلمين السبات هو النوم يريدون منه المشابهة وهو كثير في لغة العرب فالعرب تصف الرجل الشجاع فتقول هو أسد! ومعلوم أن الرجل الشجاع ليس مماثل للأسد وإنما اراد العرب من ذلك مشابهته له في قوته وشجاعته وبهذا يتضح جهل وتفاهة هذه الشبهة التي هي كعبربدة السكران وهذيان المحموم.
ومن العجب قول الرازي : ( وأيضاً ليس المراد بكونه موتاً أن الروح انقطع عن البدن بل المراد منه انقطاع أثر الحواس الظاهرة وهذا هو النوم ويصير حاصل الكلام إلى إنا جعلنا نومكم نوماً وثانيها قال الليث السبات النوم شبه الغشي يقال سبت المريض فهو مسبوت وقال أبو عبيدة السبات الغشية التي تغشى الإنسان شبه الموت وهذا القول أيضاً ضعيف لأن الغشي ههنا إن كان النوم فيعود الإشكال ) إنتهى
فإنه ذكر القول بأن السبات هو الموت أي أن المراد وجعلنا نومكم موتا في الآية وفهم منه أن ذلك يستلزم أن المراد يصبح وجعلنا نومكم نوماً مستدلاً لذلك بأن المراد من هذا الموت انقطاع أثر الحواس الظاهرة وهذا هو النوم! فاقول من المعلوم أن هذا الموت هو كما قال الرازي وهو موتٌ اصغر ولكن ليس المراد من الآية المماثلة بين النوم والموت الأصغر الذي تنقطه فيه الحواس الظاهرة كالكلام والحركة والنظر والذي هو النوم! بل المراد كما سبق بيانه أن الله جعل النوم كالموت الأكبر أي جعله مشابها للموت الأكبر إشارة منه سبحانه على قدرته على إحياء الخلق من الموت الأكبر حين البعث وإنما ذكر بعض العلماء عند هذه الآية الأدلة من القرآن والسنة على ان النوم هو الموت الأصغر والوفاة الصغرى تنبيهاً إلى صحة مشابهة النوم للموت الأكبر في الآية ولأن الأدلة تلك قامت على أنه يشابه الموت الأكبر ولذلك سماه العلماء الموت الأصغر والوفاة الصغرى .
وفي آخر كلامه رجح الجمع بين القول الثاني وهو قطع الحركة للراحة والقول الرابع وهو النوم الخفيف والقول الخامس وهو النوم المتقطع أقول وكل هذه الأقوال فصلنا في ما مر الكلام عليها بما لا حاجة لإعادته هنا.
ومن الغريب نفي الرازي أن يكون أن السبات هو الراحة! إذ يقول الرازي: ( الثاني أن الإنسان إذا تعب ثم نام فذلك النوم يزيل عنه ذلك التعب فسميت تلك الإزالة سبتاً وقطعاً وهذا هو المراد من قول ابن قتيبة وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً أي راحة وليس غرضه منه أن السبات اسم للراحة بل المقصود أن النوم يقطع التعب ويزيله فحينئذ تحصل الراحة) إنتهى فتلك كتب اللغة تصرح بأن من معاني السبات الراحة! وقد مر بعض من كلام اللغويين.
وكتب أبو جعفر الزهيري في يوم الأربعاء الموافق لـ 26 من رجب 1431 هـ
 
شكرا لكم أخي الفاضل عبد الرحمن الشهري على ما ذكرتم وأسأل الله لكم البركة في القول والعمل
أما بالنسبة لمشروعي هذا فلا شك أني لم انهيه وعدله بين حين وآخر وأضيف عليه تفسير آيات أخرى وهكذا إلى أن أكمله إن شاء الله فهو مسودة ولي من طرح هذه مسودة هذا المشروع بهذه الطريقة أربعة أغراض الأول أن أحصل على الأجر من الله فلا أدري قد أموت ولا يكون بين يدي من يريده والثاني التنبيه من المختصين على الأخطأ التفسيرية والمغيرة للمعنى والثالث أن أحفظه من الضياع فقد يحصل خلل في جهازي يوما ما وتكون الحسرات عظيمة والرابع بوضعي له في منتداكم المبارك أكون قد جعلته محفوظاً لي فلا يسرقه غيري فيقول وإن سرقه غيري ونسبه إلى نفسه يَسْهُلُ فضحه من خلال منتداكم وأني أكتبه فيه خاصة وأنه منتدى معروف مشهور في علم التفسير وأيضا من المعلوم أن كل منتدى يحتفظ بنسخة مما يُكتَب فيه فلهذا كله أود أن أكمل هنا بوركتم وأود أن تتحملوني وتعينوني بتعليقاتكم حين تجدون الوقت لذلك.
أ[/SIZE][/FONT]​
أخي الكريم عمر ، حياك الله وأهلا بك وبمشاركاتك ونسعد بوجودك بيننا ، ولكن اسمح لي بتعليقات يسيرة
ذكرت أن لك أغراضا أربعة :
أولها : حصول الأجر من الله ، فنسأل الله لك أن يتقبل منك ويؤجرك على هذا العمل ، وأن يبارك في عمرك ، واعلم أن سعة انتشار الكتاب وإقبال الناس عليه ليس عاملها الرئيس سعي صاحبه في نشره - وإن كان ذلك مطلوبا - لكن إخلاص العبد في قصده وطلبه بعمله مرضاة ربه هو الذي عليه المعول في بقاء آثاره ، وقد رحل كثير من أهل العلم ولم تنتشر مؤلفاتهم إلا بعد موتهم ولم ينتفع بها في حياتهم كانتفاعهم منها بعد موتهم ، فأجرك حاصل بإذن الله ، ثم إن طرق النشر للأعمال العلمية لها طرق أخرى غير المنتديات .
ثاني الأغراض : لا أظن الفائدة تحصل لك بتلك الصورة ، بل بإنهاء عملك في صورته التي ترضاها وعرضه مباشرة على المتخصصين عن طريق اللقاء بهم والتواصل معهم على عناوينهم الشخصية ، فسيجد صنيعك هذا اهتمام منهم وعناية لن تصل إليها بنشره في المنتديات
ثالث الأغراض : هناك وسائل أخرى لحفظ الأعمال وهي كثيرة وليس منها الملتقى وانظر لو أن كل عضو من أعضاء الملتقى أراد حفظ أعماله بوضعها هنا فكيف يكون الحال ؟
الرابع : بوضعك لعملك بهذه الطريقة هنا فأنت تفتح للسراق أبوابا وليس الملتقى جهة رسمية تستند إليها في القضاء لجلب حقوقك
وفقك الله ورعاك أهلا بك مرة أخرى وما يمانع الملتقى وأهله في الاستفادة منك لكن اجعل تواصلك بخصوص الكتاب مع من تثق بهم من أهل العلم هنا وفي أي مكان تستطيعه سيكون هذا أجدى لك وأنفع لعملك ، وما أردت إلا النصح لك .
 
السلام عليكم أخي الفاضل أبو صفوت سوف أُرْجِعُ لكم الجواب على تعليقاتكم المهمة غدا إن شاء الله فإن الوقت قد داهمني وقد كنت جئت لأضيف شيئاً لبحثي فوجدت تعليقاتكم فقد كنت منشغلا بذلك فانتظرني وهذا ما جئت لأضيفه

تعديل وإضافة لما سبق :

قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ) (9)
يقول تعالى: وجعلنا نومكم في ليلكم ونهاركم قَطْعاً لحركتكم وسكوناً وهدوئاً راحةً لأبدانكم كأنكم أموات لا تشعرون، وأنتم أحياء لم تفارقكم الأرواح
فائدة: إن ما ذهبنا له من أن النوم في الآية هو في الليل والنهار لأنه يحصل واقعا في نوم القيلولة أو لحاجة بعض أصحاب الأعمال الليلية إليه ولذلك قال تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) (23) سورة الروم فإن قيل كيف وقد قال تعالى بعد ذلك ( والنهار معاشاً) فالمناسب ان المراد بالنوم هنا هو النوم بالليل فنقول ليس الأمر كذلك فالنهار معاشاً هذا في غالب أحوال الناس فإن من الناس من يعتاش ويعمل في الليل كالشرطة والحرس ونحوهم وإنما قال تعالى (والنهار معاشاً) من باب الغالب الأعم من الناس ولا ينافي إرادته سبحانه من النوم المذكور قبله النوم في الليل والنهار.
للعلماء في تفسير الآية أقوال: أولها أن السبات هنا هو قطع الحركة والسكون لتحصل الراحة للأبدان وثانيها: انه الموت وثالثها الجمع بينهما وثالثها: السبات التمدد والمراد النوم الطويل الممتد غير المتقطع الذي لا يفي بالغرض ولا يريح البدن والرابع: النوم الخفيف على أن المعنى جعلنا نومكم نوما خفيفا غير ممتد فيختل به أمر معاشكم ومعادكم والخامس وجعلنا نومكم نوماً متقطعاً لا دائماً .
والراجح الجمع بين الأول والثاني لثلاثة أمور:
الأول: أنه لا تعارض بينهما لغة ولا شرعا بل دل عليهما اللغة والشرع ولذا فالجمع بينهما أولى من الأخذ بأحدهما ففي اللغة من معاني السبات الموت إضافة لمعنيي قطع الحركة والراحة ففي لسان العرب - (2 / 36) ( سبت ) قال ابن منظور: (والسَّبْتُ الراحةُ وسَبَتَ يَسْبُتُ سَبْتاً اسْتَراحَ وسَكَنَ ... إلى أن قال ابن منظور : والسُّباتُ النَّومُ وأَصْلُه الراحةُ تقول منه سَبَتَ يَسْبُتُ هذه بالضم وحدها ابن الأَعرابي في قوله عز وجل وجَعَلْنا نومَكم سُباتاً أَي قِطَعاً والسَّبْتُ القَطْع فكأَنه إِذا نام فقد انقطع عن الناس وقال الزجاج السُّباتُ أَن ينقطع عن الحركة والروحُ في بدنه أَي جعلنا نومكم راحة لكم) إنتهى وفي الصحاح (2 / 131) قال الجوهري: ( [ سبت ] السبت: الراحة. إلى أن قال الجوهري: والسبات: النوم، وأصله الراحة. ومنه قوله تعالى: (وجعلنا نومكم سباتا) ) إنتهى وفي مختار الصحاح - (1 / 326) قال :( [ سبت ] س ب ت : السَّبْتُ الراحة والدهر وحلق الرأس وضرب العنق ومنه يسمى يوم السبت لانقطاع الأيام عنده وجمعه أسْبُتٌ و سُبُوتٌ و السَّبْتُ أيضا قيام اليهود بأمر سبتها ومنه قوله تعالى { يوم سبتهم شرعا ويوم لا يَسْبِتُون } وباب الأربعة ضرب و أسْبَتَ اليهودي دخل في السبت و السُّبَاتُ النوم وأصله الراحة ومنه قوله تعالى { وجعلنا نومكم سباتا } وبابه نصر و المَسْبُوتُ الميت والمغشي عليه) إنتهى وفي القاموس المحيط (باب التاء فصل السين) قال الفيروزآبادي ( السَّبْتُ : الرَّاحةُ والقَطْعُ والدَّهْرُ وحَلْقُ الرأسِ وإرْسالُ الشَّعَرِ عن العَقْصِ وسَيْرٌ للاْ بِلِ) وفي نفس المصادر هذه نصوا على أن من معاني السبات الموت فقال كل من صاحب لسان العرب وصاحب الصحاح في الصفحة 133 وصاحب مختار الصحاح: ( والمَسْبُوتُ المَيِّتُ والمَغْشِيُّ عليه.) وقال صاحب القاموس والمَسْبوتُ : المَيِّتُ.) إنتهى
وفي الشرع صرح الله أن النوم وفاة فالنوم موت كما قال الله: { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } [الزمر:42] وقال أيضاً: ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (60) سورة الأنعام ، وعبر النبي عليه الصلاة والسلام عن النوم بالموت فكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول عند استيقاظه من النوم : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) رواه البخاري في صحيحه ح 5837 و 5839 و 6845 و 5849 عن حذيفة ورواه ايضا في صحيحه ح 5850 و 6846 عن أبي ذر ورواه مسلم في صحيحه ح 4886 عن البراء بن عازب وقال صلى الله عليه وآله وسلم ( النوم أخو الموت و لا ينام أهل الجنة ) وهو حديث صحيح خرجه الألباني في السلسلة الصحيحة المجلدات الكاملة ح 1087 ) فالنوم موتٌ أصغر ووفاةٌ صغرى كما قال العلماء لما سبق من الأدلة ولأنه شبيه بالموت الأكبر لِما بينهما من المشاكلة التامة في انقطاع أحكام الحياة إذ يشتركان في صفات معلومة منها ظاهر في الواقع كعدم الحركة والكلام وكذلك فالنوم شبيه بالسبات جدا ولذلك وصفه الله بانه سبات في هذه الآية لاشتراكه معه أيضا في صفة السكون وعدم الحركة والكلام وهذه الصفة ثابتة في القرآن فقد نص الله عز وجل على أن النوم سكون فقال تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُون قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[ القصص : 7173 ] وبالتالي فالنوم والسبات والموات متشابهة جدا لأشتراكها بانقطاع الحركة والكلام فلا تعارض بين المعنيين البتة! ولذا قال الألوسي في تفسيره (روح المعاني) (30 / 7) : (وجعلنا نومكم سباتا أي كالسبات ففي الكلام تشبيه بليغ كما تقدم والمراد بالسبات الموت وقد ورد في اللغة بهذا المعنى ووجه تشبيه النوم به ظاهر وعلى ذلك قوله تعالى وهو الذي يتوفاكم بالليل وهو على بناء الأدواء مشتق من السبت بمعنى القطع لما فيه من قطع العمل والحركة ... إلى أن قال الألوسي: واختار المحققون كون السبات هنا بمعنى الموت لأنه أنسب بالمقام كما لا يخفى) إنتهى قلت والألوسي ممن يقول بالقول الثاني والصحيح الجمع بين القولين فالنوم شبيه بالسبات والموت وسيأتي مزيد تفصيل أن ذلك مناسب للمقام ففي كون النوم سباتا اي انقطاعا للحركة وإحياء الله لنا منه باستيقاظنا منه إشارة إلى أن النوم كالموت الأكبر ففيه الدليل لقدرة الله عز وجل على إحياء الموتى يوم القيامة وبعثهم فإن قيل الموت ليس راحة دائما فقد يكون عذابا وقد يكون نعيما فهو ليس سباتا فنقول لا شك أن من معاني السبات في الآية هنا الراحة ولَمْ نقل نحن ان السبات مماثلا للموت الأكبر وإنما هما متشابهان في بعض الصفات كعدم الحركة والسكون كما أن النوم مشابه لهما في عدم الحركة والسكون ففي تشبيه النوم بالسبات وإحيائنا منه تنبيه على قدرته على إحيائنا من سباتنا الأكبر الذي هو الموت فتأمل.
الثاني: أن الله تعالى في هذه الآية كان مستدلاً للبعث بطريق الإشارة بإحياء الأنفس في الدينا بعد موتها فكما أحياكم بإقاظكم من موتكم الأصغر الذي هو سباتكم بإنقطاع حركتكم في نومكم في الدنيا يحييكم من موتكم الأكبر في الآخرة ويبعثكم يوم القيامة كما أشار بعض العلماء وسيأتي كلامهم .
الثالث: أن هذا الجمع مروي عن السلف إذ رواه ابن جرير في تفسيره (24 / 151) عن التابعي قتادة بن دعامة وقد مر ذكر بعض متنها في تفسير آياتٍ سبقت وفيها قال قتادة رحمه الله: ( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ) يقول: وجعلنا نومكم لكم راحة ودَعة، تهدءون به وتسكنون، كأنكم أموات لا تشعرون، وأنتم أحياء لم تفارقكم الأرواح، والسبت والسبات: هو السكون، ولذلك سمي السبت سبتا، لأنه يوم راحة ودعة) إنتهى
وذهب إلى الجمع بين القولين الأول والثاني العلامة الشنقيطي ففي الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان ( 8/ 407-708 ) بعد أن نصَّ رحمه الله على أن سورة النبأ مشتملة على أدلة البعث الأربعة وجعل يذكرها بأدلتها حتى ذكر هذه الآية التي نحن بصدد تفسيرها مستدلا بهى على احد ادلة البعث وقد مر كلامه في تفسير الثانية من سورة النبأ وهي قوله تعالى : ( عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ (2) سورة النبأ ) وهذا نص كلام الشنقيطي: ( وأما إحياء الموتى في الدنيا بالفعل ، ففي قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } [ النبأ : 9 ] والسبات : الانقطاع عن الحركة . وقيل : هو الموت ، فهو ميتة صغرى ، وقد سماه الله وفاة في قوله تعالى : { الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَ } [ الزمر : 42 ] ، وقوله تعالى : { وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم بالليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ } [ الأنعام : 60 ] ، وهذا كقتيل بني إسرائيل وطيور إبراهيم ، فهذه آيات البعث ذكرت كلها مجملة .) إنتهى
وكذلك ذهب له الشيخ مصطفى العدوي في سلسلة التفسير إذ قال: ({ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا } [النبأ:9] السبات هو: السكون والراحة، أي: وجعلنا نومكم راحة وسكوناً لأبدانكم، وهي مأخوذة من السبت، وأصل معنى السبت الراحة، فيوم السبت كان عند اليهود يوم الراحة، قال الله: { وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ } [الأعراف:163] .الآيات. ) إنتهى
وقال قبل ذلك في تفسيره للآية الثانية من هذه السورة وهي قوله تعالى : ( عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ (2) سورة النبأ ) : ( والدليل الثاني على البعث: يكون بالاستدلال على إحياء بعض الأنفس بعد موتها، كقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيما حكى الله عنه: { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة:260]، وقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } [البقرة:243]، وقال تعالى: { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [البقرة:73]، وقال تعالى: { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } [البقرة:259].
وكان عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله، وفي سورة عمَّ شيء مشابه لهذا، ألا وهو: { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا } [النبأ:9]، فالنوم موت كما قال الله: { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } [الزمر:42]، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول (يريد الشيخ عند استيقاضه من النوم) : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) فهذا وجه الدليل الثاني على البعث.) إنتهى
أما القول الأول فقد مر أن الراجح الجمع بينه وبين القول الثاني
فممن قال بالقول الأول ابن كثير في تفسيره (8 / 302 - 303) إذ قال: (وقوله: { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا } أي: قطعا للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد (1) والسعي في المعايش (1) في عرض النهار. وقد تقدم مثل هذه الآية في سورة "الفرقان" (2) .) (إنتهى)
وذهب له القاسمي في تفسيره محاسن التأويل إذ قال عند تفسيره لقوله تعالى: ( { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً } [ 46 - 47 ] .
{ وَالنَّوْمَ سُبَاتاً } أي : راحة للأبدان تستعيض به ما خسرته من قواها) إنتهى وقال عند تفسير آيتنا:( { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } أي : راحة ودَعَة ، يريح القوى من تعبها ويعيد إليها ما فقد منها . إطلاقاً للملزوم وهو السبات بمعنى النوم ، وإرادة لّلازم وهو الاستراحة .) إنتهى
وذهب له أيضا الشيخ الدروبي في تفسيره ( شرح الكلمات وما ترشد إليه الآيات ) إذ قال: ( ( والنَّوْمَ سُبَاتًا ) قاطعا للحركة لراحة الأبدان) إنتهى
أما القول الثاني فذهب له الألوسي الألوسي في تفسيره (روح المعاني) (30 / 7) وقد مر نقل كلامه آنفاً.
أما القول الثالث فضيف إذ ليس مناسبقاً للمقام فالسياق لا يدل عليه بل يدل على القولين الأول والثاني فالمراد من الآية أن النوم كالسبات وهو انقطاع الحركة والراحة الشبيه بالموت والاية دليل من أدلة البعث كما مر ولذا فالقول الرابع غير مناسب كدليل للبعث كما هو ظاهر ولأن النوم قد يكون ممتدا طويلاً وقد يكون قصيرا ولم تحدد الآية ايهما بل أطلقت ولا دليل على تعيين ذلك فيبقى السبات على إطلاقه وهو اصله المراد منه وهو قطع الحركة والسكون راحة كالموت.
وضعفه الألوسي ورجح القول الثاني في تفسيره روح المعاني (30 / 7) فقد سبقه بقوله قيل التي تدل على التضعيف وهذا نص كلامه: ( وقيل السبت التمدد كالسبط يقال سبت الشعر إذا حل عقاصه وعليه تفسير السبات بالنوم الطويل الممتد والأمتنان به لما فيه من عدم الأنزعاج ... إلى أن قال: واختار المحققون كون السبات هنا بمعنى الموت لأنه أنسب بالمقام كما لا يخفى ) إنتهى
وكذلك فعل العلامة القاسمي في تفسيره محاسن التأويل عند تفسيره آيتنا هذه إذ قال : ( وقيل : السبات هو النوم الممتد الطويل السكون ؛ ولهذا يقال فيمن وصف بكثرة النوم : إنه مسبوت وبه سبَات . ووجه الامتنان بذلك ظاهر ؛ لما فيه من المنفعة والراحة ، لأن التهويم والنوم الغرار لا يكسبان شيئاً من الراحة . وقد أفاض السيد المرتضى في" أماليه" في لطائف تأويل هذه الآية .) إنتهى قلت فقد سبقه بكلمة قيل التي تدل على التضعيف فتنبه وقد مر اختيار القاسمي للقول الأول .
أما القول الرابع بأنه النوم الخفيف على أن المعنى جعلنا نومكم نوما خفيفا غير ممتد فيختل به أمر معاشكم ومعادكم
فضعيف والرد عليه هو الرد على القول الثالث ولأن النوم قد يكون خفيفا وقد يكون ثقيلا ولم تحدد الآية ايهما بل أطلقت ولا دليل على تعيين ذلك فيبقى السبات على إطلاقه وهو اصله المراد منه وهو قطع الحركة والسكون راحة كالموت .
أما القول الخامس فضيف كسابقيه والرد عليه كالرد عليهما ولأن النوم قد يكون متقطعا وقد يكون ممتدا طويلاً ولم تحدد الآية ايهما بل أطلقت ولا دليل على تعيين ذلك فيبقى السبات على إطلاقه وهو اصله المراد منه وهو قطع الحركة والسكون راحة كالموت.
شبهة للملاحدة والرد عليها
وقال الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب (31 / 7) : ( قوله تعالى وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً طعن بعض الملاحدة في هذه الآية فقالوا السبات هو النوم والمعنى وجعلنا نومكم نوماً واعلم أن العلماء ذكروا في التأويل وجوهاً أولها قال الزجاج سُبَاتاً موتاً والمسبوت الميت من السبت وهو القطع لأنه مقطوع عن الحركة ودليله أمران أحداهما قوله تعالى وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ ( الأنعام 60 ) إلى قوله ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ ( الأنعام 60 ) والثاني أنه لما جعل النوم موتاً جعل اليقظة معاشاً أي حياة في قوله وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً ( النبأ 11 ) وهذا القول عندي ضعيف لأن الأشياء المذكورة في هذه الآية جلائل النعم فلا يليق الموت بهذا المكان وأيضاً ليس المراد بكونه موتاً أن الروح انقطع عن البدن بل المراد منه انقطاع أثر الحواس الظاهرة وهذا هو النوم ويصير حاصل الكلام إلى إنا جعلنا نومكم نوماً وثانيها قال الليث السبات النوم شبه الغشي يقال سبت المريض فهو مسبوت وقال أبو عبيدة السبات الغشية التي تغشى الإنسان شبه الموت وهذا القول أيضاً ضعيف لأن الغشي ههنا إن كان النوم فيعود الإشكال وإن كان المراد بالسبات شدة ذلك الغشي فهو باطل لأنه ليس كل نوم كذلك ولأنه مرض فلا يمكن ذكره في أثناء تعديد النعم وثالثها أن السبت في أصل اللغة هو القطع يقال سبت الرجل رأسه يسبته سبتاً إذا حلق شعره وقال ابن الأعرابي في قوله سُبَاتاً أي قطعاً ثم عند هذا يحتمل وجوهاً الأول أن يكون المعنى وجعلنا نومكم نوماً متقطعاً لا دائماً فإن النوم بمقدار الحاجة من أنفع الأشياء أما دوامه فمن أضر الأشياء فلما كان انقطاعه نعمة عظيمة لا جرم ذكره الله تعالى في معرض الإنعام الثاني أن الإنسان إذا تعب ثم نام فذلك النوم يزيل عنه ذلك التعب فسميت تلك الإزالة سبتاً وقطعاً وهذا هو المراد من قول ابن قتيبة وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً أي راحة وليس غرضه منه أن السبات اسم للراحة بل المقصود أن النوم يقطع التعب ويزيله فحينئذ تحصل الراحة الثالث قال المبرد وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً أي جعلناه نوماً خفيفاً يمكنكم دفعه وقطعه تقول العرب رجل مسبوت إذا كان النوم يغالبه وهو يدافعه كأنه قيل وجعلنا نومكن نوماً لطيفاً يمكنكم دفعه وما جعلناه غشياً مستولياً عليكم فإن ذلك من الأمراض الشديدة وهذه الوجوه كلها صحيحة) إنتهى
أقول: هذه الشبهة يكفي في الرد عليها أن الله سبحانه وتعالى لم يرد بيان التماثل بين النوم والسبات وإنما أراد بيان التشابه بينهما ومعلوم ان التشابه هو اشتراك في بعض الصفات لا جميعها أما التماثل فهو اشتراك في جميع الصفات فقول الملاحدة أن السبات هو النوم يريدون منه المماثلة وقول المسلمين السبات هو النوم يريدون منه المشابهة وهو كثير في لغة العرب فالعرب تصف الرجل الشجاع فتقول هو أسد! ومعلوم أن الرجل الشجاع ليس مماثل للأسد وإنما اراد العرب من ذلك مشابهته له في قوته وشجاعته وبهذا يتضح جهل وتفاهة هذه الشبهة التي هي كعبربدة السكران وهذيان المحموم.
ومن العجب قول الرازي: ( والثاني أنه لما جعل النوم موتاً جعل اليقظة معاشاً أي حياة في قوله وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً ( النبأ 11 ) وهذا القول عندي ضعيف لأن الأشياء المذكورة في هذه الآية جلائل النعم فلا يليق الموت بهذا المكان ) إنتهى
فأقول: إن الإحياء بالإستيقاظ من الموتة الصغرى التي هي النوم من النعم العظيمة إذ لو شاء الله ما أيقظنا من نوما أبدا فسبحان الله كيف استقام للرازي أن ذلك ليس من جلائل النعم! وقد أشار تعالى إلى عِظَمِ هذه النعمة بقوله في موضوعين آخرين مر ذكرهما { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } [الزمر:42] وقال أيضاً: ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (60) سورة الأنعام وكلا الموضعين فيه بيان جلائل النعم !
ومن العجب أيضا قول الرازي : ( وأيضاً ليس المراد بكونه موتاً أن الروح انقطع عن البدن بل المراد منه انقطاع أثر الحواس الظاهرة وهذا هو النوم ويصير حاصل الكلام إلى إنا جعلنا نومكم نوماً وثانيها قال الليث السبات النوم شبه الغشي يقال سبت المريض فهو مسبوت وقال أبو عبيدة السبات الغشية التي تغشى الإنسان شبه الموت وهذا القول أيضاً ضعيف لأن الغشي ههنا إن كان النوم فيعود الإشكال ) إنتهى
فإنه ذكر القول بأن السبات هو الموت أي أن المراد وجعلنا نومكم موتا في الآية وفهم منه أن ذلك يستلزم أن المراد يصبح وجعلنا نومكم نوماً مستدلاً لذلك بأن المراد من هذا الموت انقطاع أثر الحواس الظاهرة وهذا هو النوم! فاقول من المعلوم أن هذا الموت هو كما قال الرازي وهو موتٌ اصغر ولكن ليس المراد من الآية المماثلة بين النوم والموت الأصغر الذي تنقطه فيه الحواس الظاهرة كالكلام والحركة والنظر والذي هو النوم! بل المراد كما سبق بيانه أن الله جعل النوم كالموت الأكبر أي جعله مشابها للموت الأكبر إشارة منه سبحانه على قدرته على إحياء الخلق من الموت الأكبر حين البعث وإنما ذكر بعض العلماء عند هذه الآية الأدلة من القرآن والسنة على ان النوم هو الموت الأصغر والوفاة الصغرى تنبيهاً إلى صحة مشابهة النوم للموت الأكبر في الآية ولأن الأدلة تلك قامت على أنه يشابه الموت الأكبر ولذلك سماه العلماء الموت الأصغر والوفاة الصغرى .
وفي آخر كلامه رجح الجمع بين القول الثاني وهو قطع الحركة للراحة والقول الرابع وهو النوم الخفيف والقول الخامس وهو النوم المتقطع أقول وكل هذه الأقوال فصلنا في ما مر الكلام عليها بما لا حاجة لإعادته هنا.
ومن الغريب نفي الرازي أن يكون أن السبات هو الراحة! إذ يقول الرازي: ( الثاني أن الإنسان إذا تعب ثم نام فذلك النوم يزيل عنه ذلك التعب فسميت تلك الإزالة سبتاً وقطعاً وهذا هو المراد من قول ابن قتيبة وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً أي راحة وليس غرضه منه أن السبات اسم للراحة بل المقصود أن النوم يقطع التعب ويزيله فحينئذ تحصل الراحة) إنتهى فتلك كتب اللغة تصرح بأن من معاني السبات الراحة! وقد مر بعض من كلام اللغويين.
وكتب أبو جعفر الزهيري في يوم الأربعاء الموافق لـ 28 من رجب 1431 هـ​
 
ليتك تذكر لنا مؤهلاتك العلمية
ومنهجيتك في كتابة هذا التفسير، هل أنت مجرد ناقل؟ وما مصادرك إن كنت ناقلاً
أم أنك تنقل وتعلق وتبدي رأيك؟ وما منهجيتك في النقل والتعليق والاختيار
قرأت بعضا مما كتبت فوجدت تغايرا في الأساليب وتغايرا بين تعليقك وبين تفسيرك
هل تعلم أن علم التفسير من أخطر العلوم؟
وهل ترى نفسك مؤهلا بالشروط الواجب توفرها في المفسر؟
وهل أنت مؤصل علميا بحيث تستطيع التعاطي مع هذه العلم بجدارة؟
 
ليتك تذكر لنا مؤهلاتك العلمية
ومنهجيتك في كتابة هذا التفسير، هل أنت مجرد ناقل؟ وما مصادرك إن كنت ناقلاً
أم أنك تنقل وتعلق وتبدي رأيك؟ وما منهجيتك في النقل والتعليق والاختيار
قرأت بعضا مما كتبت فوجدت تغايرا في الأساليب وتغايرا بين تعليقك وبين تفسيرك
هل تعلم أن علم التفسير من أخطر العلوم؟
وهل ترى نفسك مؤهلا بالشروط الواجب توفرها في المفسر؟
وهل أنت مؤصل علميا بحيث تستطيع التعاطي مع هذه العلم بجدارة؟

!!!!!​
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخي في الله أبو صفوت جزاك الله خيرا على ما نصحتمونا به وإني أعتذر لتأخري عن الرد فقد انشغلت جدا .
بعد قراءة ظهر لي الآن أن أفكر بكلامك جيدا قبل أن أقرر هل استمر أم لا بكتابة التفسير في المنتدى.
اريد بضعة أيام افكر في الأمر وأستشير.
خالد أخي في الله أنا لست متخصص بالعلوم الشرعية وإنما طالب علم أحسبني كذلك والله أعلم ولم يشترط العلماء أن تكون ذو تخرج جامعي حتى تكتب في العلوم الشرعية وإنما العلم هو الشرط وإن كان التأهيل الجامعي مهم ولست هنا يا اخي هداك الله للمهاترات الجدلية العقيمة.
تسألني عن مصادري! هذه المهاترات لا أحبها وتالله ما كنت أريد الرد عليك فيها إذ هي لا تساوي حكايتها أصلا! فكل ذي عينين يعلم من اين انقل! ثم بعد ذلك تسأل ما منهجي فيما اكتب! وإن كنت ترى تغايرا في الأساليب وبين التعليق والإختيار فاذكر دليلك ولا تطلق كلاما مرسلا ! ثم تساؤلك حول خطورة علم التفسير ليس له معنى إذ أنك تتكلم بلا دليل على أني وقعت في خطر عظيم! فمن قبلك وهو مشرف المنتدى والدكتور ابو صفوت لم يقولوا لي كلامك هذا وإنما نصحوني ولم يقولوا كقولك ثم تسائلت تساؤلا أخرا حول أهليتي في الكتابة في التفسير فإن قلت لك لا قلت لا تكتب وان قلت لك نعم قلت من انت! فليس لديك إلا تضييع وقتي وأنا والله نادم على كتابة هذا للرد عليك إذ الوقت أعز من أن يكون في هذا فمعلوم أني لم اقل إلا أني اكتب مسودة واعرضها على اهل الإختصاص ولم أقل ايها الناس هذا تفسير من عالم مختص بالتفسير ويجب الأخذ به كباقي تفاسير العلماء الموثوقة! فسبحان الله كيف ذهبت بعيدا عن القصد.
لكن الحمد لله هناك من فهم مرادي من كتابتي كالمشرف والدكتور ابو صفوت فإنها مسودة لبحث في التفسير من طالب علم يريد عرضها على أهل العلم وطلابه المختصين في التفسير! وليحصل الأجر له إن أصاب بذلك .

أخي الفاضل ابو صفوت سوف افكر بكلامك جيدا فأمهلني بعض الأيام وعندها اقرر أأستمر أم لا.​
 
أخي الفاضل عمر : مرحبا بك بين إخوانك وزملائك والإخوة الفضلاء المشاركين في هذا الموضوع الظن بهم أنهم يريدون نصيحتك ومعرفتك والنصح لكتاب الله وما قصدوا إساءة لشخصك ، ولعلك تلتمس العذر فكثيرا ما تقصر لوحة المفاتيح عن التعبير عن نيات الكاتبين ومقاصدهم الحسنة . وفقك الله
 
أشكر أخي عمر الزهيري على تقبله رأي إخوانه بصدر رحب، فغرضنا أن ندله على ما ينفعه بإذن الله، وما منعني أن أصر على رأيي بالاكتفاء بأن تكمل مشروعك أو أجزاء منه ثم تعرضه عبر البريد الإلكتروني على من تثق به من المتخصصين إلا الحياءُ منك ورغبةً في عدمِ جرحِ مشاعرك أخي الحبيب، وإلآ فإنني أميل لهذا الرأي الذي اقترحه الزملاء وفقهم الله، وأرجو أن ينفعك الله بذلك، ولا تخف على مشروعك من أي سرقة، وسوف تنتفع بعملك هذا إن شاء الله في خاصة نفسك، وسيكون في هذا ربط لك بالقرآن، وأشكرك على توجهك وعنايتك بالقرآن وفهمه فهماً صحيحاً في زمن انشغلنا فيه بما هو دون ذلك من الأمور والله المستعان ، فجزاك الله خيراً وثبتنا وإياك على الحق حتى نلقاه غير مفرطين ولا مبدلين .
وتقبل من أخيك أطيب تحية وتقدير ،،
ولمن سأل عن تعريف الأخ عمر الزهيري بنفسه ومؤهلاته فقد سبق له التعريف بنفسه مشكوراً هنا ضمن موضوع عرفنا بنفسك .
 
جزاكما الله خيرا الأمر هين بإذن الله
ولي عودة بعد أيام اذكر فيها ما انتهيت إليه من قرار بشأننا هذا اللهم وفقني للصواب
واسألكم الدعاء
أخوكم في الله ابو جعفر الزهيري
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.​
أخواني في الله قررت أن لا أكتب شيئاً إلا بعد أن أحقق أمرين
الأول: أكمل تفسير سورة بكاملها
الثاني: ثم أقوم بعرضها على أهل الإختصاص في باب التفسير
ثم بعد إجازة المختصين لما أكتبه في تفسير تلك السورة وقيامي بتنقيح وتصحيح الأخطاء التي نبهوا عليها أكتب تفسيرها هنا في ملتقى أهل التفسير إن شاء الله

والذي أطلبه من الأخوين المشرف عبد الرحمن الشهري والأخ الدكتور أبو صفوت وغيرهم أن يقترحوا لي من يقوم بمراجعة تفسيري لكل سورة وأرجو لو يقبل الأخوان عبد الرحمن الشهري وأبو صفوت بالقيام بذلك فهما من المختصين في التفسير وليتهما لا يأبيان طلبي هذا فبقبولهما أكون قد وجدت من يساعدني على القيام بما أتمناه .

ولكم جزيل الشكر على ما أسديتم من النصح اخواي الفاضلان

بانتظار ردكما على ما اقترحته .
 
أينكم يا أخواني عبد الرحمن الشهري وابو صفوت

أنا ما زلت بانتظار ردكما
 
أخي عبد الرحمن الشهري أنتظر ردك على ما طلبته بوركت أنا بحاجة لمن يراجع تفسير كل سورة بعد أن أنهيه من أهل الإختصاص كما اقترح الأخ الفاضل أبو صفوت
 
عودة
أعلى