بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه , ونستهديه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وبعد :
لا شكّ أنّ علم التّفسيرمن العلوم المقصودة لذاتها ولغيرها، فهو ليس علماً من علوم الآلة ، وذلك لأنّ الله تعالى أمر بتدبّر كتابه، فقال )): أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )) ([1])، فكلام الله تعالى هو ينبوع كلّ حكمة،ومعدن كلّ فضيلة، وهو لا يزال المصدر الأوّل لكلّ علم من علوم الدّنيا والآخرة.
ومن هذه الأهمية التي نالها علم التفسير أحببت أن يكون لي نصيبا في الوقوف على شيء يسير من ذلك
العلم وذلك بتقديم بحث بعنوان " تفسير تحليلي لبعض آيات من سورة البقرة" :
وذلك من قوله تعالى :[FONT=QCF_BSML]ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮃ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT]
إلى قوله تعالى : [FONT=QCF_BSML]ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P012]ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT]
وقد ارتأيت أن يكون البحث على عشرة مطالب كالتالي:
المطلب الأول: مناسبات الآيات بما قبلها.
المطلب الثاني: أسباب نزول الآيات و المخاطبين بها .
المطلب الثالث : القراءات وتوجيهها .
المطلب الرابع :أقوال السلف في تفسير الآيات .
المطلب الخامس : بيان الغريب في الآيات .
المطلب السادس : إعراب المشكل في الآية .
المطلب السابع : اللطائف الأسلوبية .
المطلب الثامن : المعنى الإجمالي للآيات .
المطلب التاسع : المسائل الفقهية .
المطلب العاشر: الفوائد المستنبطة من الآيات
هذا واسأل الله التوفيق والتيسير والسداد إنه سميع مجيب .
المطلب الأول :مناسبات الآيات .
في قوله تعالى : ([FONT=QCF_P011] ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮃ[FONT=QCF_P011]ﮃ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ [/FONT][/FONT][FONT=QCF_P011]ﮊ ﮋ ﮌ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮍ[/FONT] )
تَصْدِيرُهُ بإذْ عَلَى طَرِيقَةِ حِكَايَةِ مَا سَبَقَ مِنْ تَعْدَادِ النِّعَمِ وَالْأَلْطَافِ وَمُقَابَلَتِهِمْ إِيَّاهَا بالكفران وَالِاسْتِخْفَاف يومىء إِلَى أَنَّ هَذِهِ قِصَّةٌ غَيْرُ قِصَّةِ الذَّبْحِ وَلَكِنَّهَا حَدَثَتْ عَقِبَ الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ لِإِظْهَارِ شَيْءٍ مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الَّذِي أَظْهَرُوا اسْتِنْكَارَهُ عِنْدَ سَمَاعِهِ إِذْ قَالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً [الْبَقَرَة: 67] وَفِي ذَلِكَ إِظْهَارُ مُعْجِزَةٍ لِمُوسَى. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَا حُكِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ أَوَّلُ الْقِصَّةِ وَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ هُوَ آخِرُهَا .([4])
في قوله سبحانه : ([FONT=QCF_P011]ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮢ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮪ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﯓ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﯛ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ [/FONT])
لما كان حصول المعصية منهم بعد رؤية هذه الخارقة مستبعد التصور فضلاً عن الوقوع أشار إليه بقوله {ثم قست قلوبكم}.
في قوله :( [FONT=QCF_P011]ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ [/FONT])
لما بيّن سبحانه أن قلوبهم صارت من كثرة المعاصي وتوالي التجرؤ على بارئها محجوبة بالرين كثيفة الطبع بحيث إنها أشد قسوة من الحجارة تسبب عن ذلك بعدهم عن الإيمان فالتفت إلى المؤمنين يؤيسهم من فلاحهم تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما كان يشتد حرصه عليه من طلب إيمانهم في معرض التنكيت عليهم والتبكيت لهم منكراً للطمع في إيمانهم بعد ما قرر أنه تكرر من كفرانهم فقال: {أفتطمعون}([5]) .
في قوله عز وجل : ([FONT=QCF_P011]ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﰌ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﰍ ﰎ [/FONT])
لما كان الكلام مرشداً إلى أن التقدير فهم لجرأتهم على الله إذا سمعوا كتابكم حرفوه وإذا حدثوا عباد الله لا يكادون يصدقون عطف عليه قوله {وإذا لقوا الذين آمنوا} ([6])
في قوله تعالى:( [FONT=QCF_P012]ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ[/FONT])
هذا توبيخ من الله لهم ، أي إذا كان علم الله محيطاً بجميع أفعالهم ،وهم عالمون بذلك ،فكيف يسوغ لهم أن ينافقوا ويتظاهروا للمؤمنين بما يعلم الله منهم خلافه ، فلا يجامع حالة نفاقهم بحالة علمهم بأن الله عالم بذلك. ([7])
المطلب الثاني: أسبــاب النزول والمخاطب في الآيات .
في قوله تعالى : ([FONT=QCF_P011]ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ[/FONT][FONT=QCF_P011]ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﰌ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﰍ ﰎ [/FONT])
عن مجاهد : أن النبي عليه الصلاة والسلام قام يوم قريظة تحت حصونهم فقال يا إخوان القردة و يا إخوان الخنازير و يا عبدة الطاغوت فقالوا من أخبر بهذا محمدا ما خرج هذا إلا منكم أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليكون لهم حجة عليكم فنزلت الآية .
وعن ابن عباس قال: كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا أن صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أيحدث العرب بهذا فإنكم كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم فأنزل الله: وإذا لقوا الآية . ([8])
المخاطب في الآية :
قال السدي: نزلت في ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به، فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب، ليقولوا نحن أحب إلى الله منكم، وأكرم على الله منكم؟ ([9]).
وعَن عِكْرِمَة : أَن امْرَأَة من الْيَهُود أَصَابَت فَاحِشَة فجاؤوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَبْتَغُونَ مِنْهُ الحكم رَجَاء الرُّخْصَة فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عالمهم وَهُوَ ابْن صوريا فَقَالَ لَهُ: احكم ، قَالَ: فجبوه ([10]) ، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أبحكم الله حكمت قَالَ: لَا
وَلَكِن نِسَاءَنَا كن حسانا فأسرع فِيهِنَّ رجالنا فغيرنا الحكم وَفِيه أنزلت {وَإِذا خلا بَعضهم إِلَى بعض}.([11])
المطلب الثالث : القراءات وتوجيــهها
اخْتَلَفُوا فِي قوله تعالى : (عَمَّا تَعْمَلُونَ أَفَتَطْمَعُونَ ) . فَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ (عَمَّا يَعْمَلُونَ)،وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ( تعملون).
قوله تعالى : }فادارأتم فيها { فيه وجهان :
الوجه الأول : اختلفتم فيها ، وقال بذلك مجاهد .
والوجه الثاني : اختصمتم فيها([13]) ، وروي ذلك عن الضحاك .
وقد قيل إن معنى قوله: (فادارأتم فيها) ، فتدافعتم فيها من قوله تعالى (و يدر ؤ عنها العذاب ) أي : يدفع عنها . ([14])
قوله تعالى :}ماكنتم تكتمون{ : أي ما كنتم تغيبون، قال به مجاهد . ([15])
قوله تعالى: }فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا{
قال ابن عباس : إن أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقرٍ له وكانت بقرة تعجبه ، قال فجعلوا يعطونه بها ويأبى حتى أعطوه ملء مسكها دنانير ، فذبحوها ، فضربوه بعضو منها فقام تشخب أوداجه دماً ، فقالوا له : من قتلك ؟ فقال قتلني فلان . ([16])
قوله تعالى : {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ من بعد ذلك } :
}مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ{ ، أي : قَسَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاهُمُ اللَّهُ ما أحيا من الموتى ، ومن بعد ما أراهم من أمر القتيل ما أراهم .قال به ابن عباس وقتادة ([17])
قَوْلِهِ: }فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً إِلَى قَوْلِهِ: لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ {
قال أبي العالية : عَذَرَ اللَّهُ الْحِجَارَةَ، وَلَمْ يَعْذُرِ الْقَاسِيَةَ قُلُوبُهُمْ ، وروي عن قتادة نحو ذلك .([18])
قوله : }وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {
قال ابن عباس :إِنَّ الْحَجَرَ لَيَقَعُ إِلَى الأَرْضِ فَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ النَّاسِ مَا اسْتَطَاعُوا الْقِيَامَ بِهِ، وَإِنَّهُ لَيَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.
وقال في ذلك أيضاً : أَيْ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لأَلْيَنَ مِنْ قُلُوبِكُمْ عَمَّا تُدْعَوْنَ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ .
وقال مجاهد : كُلُّ حَجَرٍ يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْمَاءُ، أَوْ يَنْشَقُّ عَنْ مَاءٍ أَوْ يَتَرَدَّى مِنْ رَأْسِ جَبَلٍ: لَمِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، نَزَلَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ.([19])
قوله } ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه { فيه وجهان :
الوجه الأول : قال مجاهد : فالذين يحرفونه والذين يكتمونه، هم العلماء منهم ، فهؤلاء كلهم يهود، والتوراة هي التي حرفوها . قاله السدي . ([20])
قوله تعالى : {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ}
قال قتادة : كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّهُ سَيَكُونُ نَبِيٌّ , فَجَاءَ بَعْضُهُمْ , فَقَالُوا: «أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيَحْتَجُّوا بِهِ عَلَيْكُمْ؟».([22])
المطلب الخامــــــــس: الغريــــــب في الآيــــــات .
{فادارأتم} : تدافعتم وألقى بعضكم على بعض , والدَّرْءُ: الدفع وقيل هو الميل إلى أحد الجانبين. ([23])
}تكتمون { الْكِتْمَانُ: ستر الحديث ، وهو نقيض الإعلان . ([24])
}قست { : أي اشتدت ويبست وصلبت ،والقساوة :غلظ القلب وصلابته ([25])
}يشقق{ : الشَّقُّ: الخرم الواقع في الشيء.
والشِّقُّ: الْمَشَقَّةُ والانكسار الذي يلحق النّفس والبدن .([26])
}يهبط{ الهُبُوط: الانحدار على سبيل القهر كهبوط الحجر .([27])
}من خشية الله{ :الخَشْيَة: خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خصّ العلماء بها في قوله: "إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ "([28]).([29])
أفتطمعون : الطَّمَعُ: نزوعُ النّفسِ إلى الشيء شهوةً له .([30])
( يحرفونه ) : يقلبونه ويغيرونه .([31]) وتَحريفُ الشيء: إمالته .
وتحريف الكلام: أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين. وهو المراد في الآية .([32]) .
}وإذا خلا بعضهم ببعض { : الخلاء: المكان الذي لا ساتر فيه من بناء ومساكن وغيرهما.
وخَلَا فلان بفلان: صار معه في خَلَاءٍ، وخَلَا إليه: انتهى إليه في خلوة .([33])
{بما فتح الله عليكم} :أي قضى والفتح عند العرب القضاء والحكم ،وقيل بما علمكم الله .
والفَتْحُ: إزالة الإغلاق والإشكال . ([34])
المطلب السادس : إعراب المشكل في الآية .
وإذ قتلتم : ظرف معطوفة على ما قبلها ،وتَقْديره: اذْكُرُوا إِذْ.([35])
(كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى ) موضع الكاف نصب لأنها نعت لمصدر محذوف ([36]) .
وَ(قَسْوَةً) : تَمْيِيزٌ، وَهِيَ مَصْدَرٌ (لَمَا يَتَفَجَّرُ) : مَا بِمَعْنَى الَّذِي فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ اسْمُ إِنَّ وَاللَّامُ لِلتَّوْكِيدِ. ([37])
وقَوْلُهُ تَعَالَى: (بِمَا فَتَحَ اللَّهُ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا بِمَعْنَى الَّذِي وَأَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً وَأَنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً.
المطلب السابع: اللطائـــــف الأسلوبيــــــة .
* يفهم من قوله تعالى ( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم ) أن قتل النفس وقع قبل ذبح البقرة ، وكأنه قيل (و إذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ) فقلنا : اذبحوا بقرة اضربوه ببعضها والسر في تغيير ترتيب الحكاية والله أعلم تكرير التوبيخ وتثنية التقريع .([38])
* في قوله تعالى ( وإذ قتلتم نفساً ) نسبة القتل هنا إلى المخاطبين لوجوده فيهم على طريقة العرب في نسبة الأشياء إلى القبيلة إذا وجد من بعضها ما يذم به أو يمدح . وقيل: إن القاتل جمع وهم ورثة المقتول، وقد روي أنهم اجتمعوا على قتله، ولهذا نسب القتل إلى الجمع .([39])
*دلت الآية على أنه يجوز ورود العام لإرادة الخاص لأن قوله : ماكنتم تكتمون يتناول كل المكتومات ثم إن الله تعالى أراد هذه الواقعة . ([40])
* الالتفات في قوله تعالى ( والله مخرج ما كنتم تكتمون ) من الغيبة الى التكلم في قوله تعالى (فقلنا اضربوه ببعضها ) وذلك لتربية المهابة .([41])
*( [FONT=QCF_P011]ﮎ ﮏﮐ ﮑ[/FONT]) الإشارة إلى محذوف للإيجاز : أي فضربوه فحيي فأخبر بمن قتله . ([42])
* عبر الله بالجمع في قوله تعالى ( [FONT=QCF_P011]ﮒ ﮓ[/FONT]) مع أنها كانت آية واحدة وذلك للدلالة على وجود الله القادر على كل المقدورات . العالم بكل المعلومات، المختار في الإيجاد والإبداع، وعلى صدق موسى عليه السلام، وعلى براءة من لم يكن قاتلا . وعلى تعين تلك التهمة على من باشر ذلك القتل ، فهي لما دلت على هذه المدلولات الكثيرة لا جرم جرت مجرى الآيات الكثيرة .
وقال أبو السعود : ويجوز أن يراد بالآيات هذا الإحياء والتعبير عنه بالجمع لاشتماله على أمور بديعة من ترتب الحياة على عضو ميت وإخباره بقاتله وما يلابسه من الأمور الخارقة للعادة.([43])
* التعبير بحرف الترجي " لعل " في قوله تعالى([FONT=QCF_P011]ﮔ ﮕ[/FONT]) للشك أو عدم القطع في انتفاعهم بما رأوا من آيات الله و معجزاته لطبيعتهم العنيدة . ([44])
*جاء التعبير عن قسوة قلوب اليهود بالجملة الفعلية في قوله سبحانه ([FONT=QCF_P011]ﮗ ﮘﮙ[/FONT]) وبالجملة الاسمية في قوله تعالى ([FONT=QCF_P011]ﮝ ﮞ [/FONT]) وذلك للدلالة على استمرارِهم في الثبات على قساوةِ قلوبهم.([45])
*في قوله تعالى([FONT=QCF_P011]ﮟ ﮠﮡ[/FONT]) عبر بقوله أشد قسوة، وفعل القسوة مما يخرج منه أفعل التفضيل وفعل التعجب وذلك لكونه أبين وأدلّ على فرط القسوة. ووجه آخر، وهو أن لا يقصد معنى الأقسى ولكن قصد وصف القسوة بالشدة، كأنه قيل: اشتدت قسوة الحجارة، وقلوبهم أشدّ قسوة .
*ووجه تفضيل قلوب اليهود على الحجارة في القساوة لأن قلوب اليهود قلوب صلدة يابسة لا يتسرب إلى داخلها شعاع هداية ولا تلين لموعظة فاشتركت مع الحجارة في جنس القساوة إلا أنها فاقت تلك الحجارة في قساوتها لما سيق ذكره ، أما الحجارة فقد يعتريها التحول عن صلابتها وقسوتها وشدتها بالتفرق والتشقق فيخرج منها المياه العظيمة كما أشار إليه قوله تعالى ([FONT=QCF_P011]ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ [/FONT]).([46])
* الخشية في قوله تعالى ([FONT=QCF_P011]ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ[/FONT]) مجاز عن الانقياد لأمر الله والخضوع له ، وهذا مجاز مرسل بعلاقة الإطلاق والتقييد ، أو استعارة تمثيلية . وذهب بعض المفسرين إلى أن خشية الحجارة من الله تعالى حقيقية فقد وصف سبحانه بعض الحجارة بالخشية وبعضها بالإرادة ووصف جميعها بالنطق و التأويب والتصدع ، وكل هذه صفات لا تصدر إلا عن أهل التمييز والمعرفة ، قال تعالى (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) ([47])
أي لو جعل فيه العقل والفهم لصار كذلك .وقال سبحانه ( يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ) ([48]).([49])
* في الآية نهى الله عن الطمع في إيمان اليهود بالرغم من أن الرسول والمؤمنون مأمورون بدعوتهم إلى الإيمان وجواب ذلك أن النهي إنما كان عَنِ الطَّمَعِ فِي إِيمَانِهِمْ لَا عَنْ دُعَائِهِمْ لِلْإِيمَانِ لِأَنَّنَا نَدْعُوهُمْ لِلْإِيمَانِ وَإِنْ كُنَّا آيِسِينَ مِنْهُ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ عَلَيْهِمْ وَفِي الْآخِرَةِ أَيْضًا، وَلِأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الْحَقِّ قَدْ تُصَادِفُ نَفْسًا نَيِّرَةً فَتَنْفَعُهَا، فَإِن استبعاد إيمَانه حُكْمٌ عَلَى غَالِبِهِمْ وَجَمْهَرَتِهِمْ أَمَّا الدَّعْوَةُ فَإِنَّهَا تَقَعُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ.([50])
وأجاب عنه آخرون :بأنه لزيادة التشنيع على هؤلاء اليهود والتأييس من إيمان اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم و لا يعكر هذا إيمان بعضهم .([52])
*حذف مفعول "يعلمون " في قوله تعالى (ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون )
والغرض من ذلك : لتذهب النفس في تقديره كل مذهب حيث يمكن تقديره بـــــ: وهم يعلمون أنهم كاذبون ، أو أنهم حرفوه أو أنه الحق ، أو ما في تحريفه من العقاب وحذف أيضا مراعاة لفواصل الآيات التي تنتهي بالنون .([53])
*التعبير بالماضي " آمنا " في قوله تعالى ( وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا) وذلك للمبالغة من اليهود في خداع المؤمنين ، بإظهار دعوى إيمانهم – اليهود - . ([54])
* في قوله تعالى ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون )
قُدم الإسرارُ على الإعلان للإيذانِ بافتضاحِهِم ووقوعِ ما يحذَرونه من أولِ الأمرِ و بيانِ شمولِ علمِه عز وجل المحيطِ لجميعِ المعلوماتِ كأنَّ علمَه بما يُسرونه أقدمُ منه بما يعلنونه مع كونِهِما في الحقيقةِ على السويةِ فإنَّ علمَه تعالَى بمعلوماتهِ ليسَ بطريقِ حصولِ صُورِها بل وجودُ كلِّ شيء في نفسِه عِلْمٌ بالنِّسبةِ إليه تعالى
ويجوزُ أنْ يكونَ ذلكَ باعتبار أن مرتبةَ السرِّ متقدمةٌ على مرتبة العلنِ إذ ما من شيء يُعلَنُ إلا وهُو أو مباديهِ قبل ذلك مضمرٌ في القلبِ يتعلقُ بهِ الإسرارُ غالباً فتعلُقُ علمِه تعالَى بحالتِهِ الأُولى متقدمٌ على تعلقه بحالتِهِ الثانية .([55])
المطلب الثامن : المعنى الإجمالي للآيات.
قوله تعالى : ([FONT=QCF_P011]ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ[/FONT][FONT=QCF_P011]ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﯶ[/FONT]
أي واذكروا ما جرى لكم مع موسى، حين قتلتم قتيلا وادارأتم فيه، أي: تدافعتم واختلفتم في قاتله، حتى تفاقم الأمر بينكم وكاد - لولا تبيين الله لكم - يحدث بينكم شر كبير، فقال لكم موسى في تبيين القاتل: اذبحوا بقرة، وكان من الواجب المبادرة إلى امتثال أمره، وعدم الاعتراض عليه، ولكنهم أبوا إلا الاعتراض، فقالوا: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} فلما ذبحوها، قلنا لهم اضربوا القتيل ببعضها، أي: بعضو منها، فضربوه ببعضها فأحياه الله، وأخرج ما كانوا يكتمون، فأخبر بقاتله، وكان في إحيائه وهم يشاهدون ما يدل على إحياء الله الموتى، {لعلكم تعقلون} فتنزجرون عن ما يضركم.
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} أي: اشتدت وغلظت، فلم تؤثر فيها الموعظة، {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} أي: من بعد ما أنعم عليكم بالنعم العظيمة وأراكم الآيات، ولم يكن ينبغي أن تقسو قلوبكم، لأن ما شاهدتم، مما يوجب رقة القلب وانقياده، ثم وصف قسوتها بأنها {كَالْحِجَارَةِ} التي هي أشد قسوة من الحديد، لأن الحديد والرصاص إذا أذيب في النار، ذاب بخلاف الأحجار.
وقوله: {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} أي: إنها لا تقصر عن قساوة الأحجار . وليست "أو "بمعنى "بل " إنما هي بمعنى "الواو " ، ثم ذكر فضيلة الأحجار على قلوبهم، فقال: {وإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} فبهذه الأمور فضلت قلوبكم. ثم توعدهم تعالى أشد الوعيد فقال: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} بل هو عالم بها حافظ لصغيرها وكبيرها، وسيجازيكم على ذلك أتم الجزاء وأوفاه. ([56])
ثم قال الله عز وجل ( أفتطمعون )والاستفهام للإنكار والاستبعاد ،وفيه قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب .
فإن حالتهم لا تقتضي الطمع فيهم، فإنهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه، فيضعون له معاني ما أرادها الله، ليوهموا الناس أنها من عند الله، وما هي من عند الله، فإذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم يصدون به الناس عن سبيل الله، فكيف يرجى منهم إيمان لكم؟! فهذا من أبعد الأشياء .
ثم ذكر حال منافقي أهل الكتاب فقال: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} فأظهروا لهم الإيمان قولا بألسنتهم، ما ليس في قلوبهم، {وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} فلم يكن عندهم أحد من غير أهل دينهم، قال بعضهم لبعض: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي: أتظهرون لهم الإيمان وتخبروهم أنكم مثلهم، فيكون ذلك حجة لهم عليكم؟.
يقولون: إنهم قد أقروا بأن ما نحن عليه حق، وما هم عليه باطل، فيحتجون عليكم بذلك عند ربكم {أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي: أفلا يكون لكم عقل، فتتركون ما هو حجة عليكم؟ هذا يقوله بعضهم لبعض.
والاستفهام هنا وفي قوله ( أتحدثونهم ) : للتسفيه والتنكير والتوبيخ .
ثم قال الله تعالى {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} فهم وإن أسروا ما يعتقدونه فيما بينهم، وزعموا أنهم بإسرارهم لا يتطرق عليهم حجة للمؤمنين، فإن هذا غلط منهم وجهل كبير، فإن الله يعلم سرهم وعلنهم، فيظهر لعباده ما أنتم عليه.([57])
المطلب التاسع : المسائل الفقهية .
في قوله تعالى :[FONT=QCF_BSML]ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ[/FONT][FONT=QCF_P011]ﮃ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮊ ﮋ ﮌ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮍ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ [/FONT]ﭼ
المسألة الأولى : في قاتل الخطأ هل يرث أو لا يرث ؟
حَكَى مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي" مُوَطَّئِهِ" أَنَّ قِصَّةَ أُحيحة بْنِ الجلَا حِ فِي عَمِّهِ هِيَ كَانَتْ سَبَبُ أَلَّا يَرِثَ قَاتِلٌ، ثُمَّ ثَبَّتَ ذَلِكَ الْإِسْلَامُ . وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَرِثُ قَاتِلُ الْعَمْدِ مِنَ الدِّيَةِ وَلَا مِنَ الْمَالِ .
أما قاتل الخطأ فاختلف فيه أهل العلم على قولين :
القول الأول : أنه يرث من المال ولا يرث من الدية . وبه قال مالك والشافعي .
القول الثاني : قال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ آخَرَ لَهُ أن قَاتِلُ الْخَطَأِ لا يرث شيئاً ، وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ . والله أعلم ([58])
المطلب العاشر : الفوائد المستنبطة من الآيات .
1/ أن قول الرسول قول لمرسله إذا كان بأمره؛ لقوله تعالى: { فقلنا اضربوه ببعضها }..([59])
2/ أنه ينبغي لطالب العلم أن يعتني بمعنى القصة، وغرضها دون من وقعت عليه؛ لقوله تعالى:
{ ببعضها }؛ ولم يعين لهم ذلك توسعة عليهم؛ ليحصل المقصود بأيّ جزء منها؛ ولهذا نرى أنه من التكلف ما يفعله بعض الناس إذا سمع حديثاً أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله..." كذا وكذا؛ تجد بعض الناس يتكلف في تعيين هذا الرجل؛ وهذا ليس بلازم؛ ولا يضر الإبهام . ([60])
3/ لا دلالة في الآيات في قوله "ببعضها" ولا [في] خبر تقوم به حجة، على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به ، ومحاولة بعض المفسرين أن يعينوه محاولة ليس لها داع؛ لأن المقصود الآية..([61])
4/ ومن فوائد الآيات: أن المبهم في أمور متعددة أيسر على المكلف من المعين؛ وذلك إذا كانوا قد أمروا أن يضربوه ببعضها فقط .([62])
5/ أن هذه الآية من آيات الله عزّ وجلّ . وهي أن تكون البقرة سبباً لحياة هذا القتيل؛ إذ لا رابطة في المعقول بين أن تُذبح البقرة، ويضرب القتيل ببعضها، فيحيى..([63])
6/ أن بيان الأمور الخفية التي يحصل فيها الاختلاف، والنِّزاع، من نعمة الله عزّ وجلّ؛ فإذا اختلفنا في أمور، وكاد الأمر يتفاقم، ويصل إلى الفتنة، ثم أظهر الله ما يبينه يزيل بذلك هذا الخلاف، وهذا النِّزاع..([64])
7/ التحذير من أن يكتم الإنسان شيئاً لا ير ضاه الله عزّ وجلّ؛ فإنه مهما يكتم الإنسان شيئاً مما لا يُرضي الله عزّ وجلّ فإن الله سوف يطلع خلقه عليه . إلا أن يعفو الله عنه ...([65])
8/ بيان قدرة الله سبحانه وتعالى، حيث جعل هذه الحجارة الصماء تتفجر منها الأنهار؛ وقد كان موسى عليه الصلاة والسلام . يضرب بعصاه الحجر، فينبجس، ويتفجر عيوناً بقدرة الله . ([66])
9/ ومن فوائد الآيات: عظمة الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { من خشية الله } .([67])
10/ ومنها : سعة علم الله سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: { وما الله بغافل عما تعملون }؛ وهذه الصفة من صفات الله سبحانه وتعالى السلبية؛ والصفات السلبية هي التي ينفيها الله سبحانه وتعالى عن نفسه. وتتضمن أمرين هما: نفي هذه الصفة؛ وإثبات كمال ضدها.. ([68])
11/ في قوله (أفتطمعون ) دليل عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ الْمُعَانِدَ فِيهِ أَبْعَدُ مِنَ الرُّشْدِ وَأَقْرَبُ إِلَى الْيَأْسِ مِنَ الْجَاهِلِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ يُفِيدُ زَوَالَ الطَّمَعِ فِي رُشْدِهِمْ لِمُكَا بَرَتِهِمُ الْحَقَّ بعد العلم به.([69])
12/ أن من كان لا يؤمن بما هو أظهر فإنه يبعد أن يؤمن بما هو أخفى؛ لأن من يسمع كلام الله، ثم يحرفه، أبْعَدُ قبولاً للحق ممن لم يسمعه..([70])
13/ إثبات أن الله يتكلم، وأن كلامه بصوت مسموع؛ لقوله تعالى: { يسمعون كلام الله }؛ وكلام الله تبارك وتعالى صفة حقيقية تتضمن اللفظ وهي من صفاته الفعلية وصفة ذاتية أيضا. .([71])
وفي هذه الآية رد على الأشعرية وغيرهم ممن يرون أن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه؛ وأن الحروف، والأصوات ليست كلام الله؛ بل خلقها الله ليعبر بها عما في نفسه؛ و الرد عليهم مفصلاً في كتب العقائد..
14/ قبح تحريف كلام الله، وأن ذلك من صفات اليهود؛ ومن هذه الأمة من ارتكبه، لكن القرآن محفوظ؛ فلا يمكن وقوع التحريف اللفظي فيه.([72])
15/ بيان قبح تحريف هؤلاء اليهود، لأنهم حرفوا ما عقلوه؛ والتحريف بعد عقل المعنى أعظم؛ لأن الإنسان الجاهل قد يعذر بجهله؛ لكن الإنسان العالم الذي عقل الشيء يكون عمله أقبح؛ لأنه تجرأ على المعصية مع علمه بها . فيكون أعظم.([73])
16/ ومنها: أن من سجايا اليهود وطبائعهم الغدر؛ لقوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض ... } إلخ؛ لأن هذا نوع من الغدر بالمؤمنين..
ومنها: أن العلم من الفتح؛ لقولهم: {بما فتح الله عليكم} ؛ ولا شك أن العلم فتح يفتح الله به على المرء من أنواع العلوم والمعارف ما ينير به قلبه..([74])
17/ ومنها: أن المؤمن، والكافر يتحاجَّان عند الله يوم القيامة؛ لقولهم: { ليحاجُّوكم به عند ربكم }؛ ويؤيده قوله تعالى: ( ثم إنكم بعد ذلك لميِّتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون }([75])([76])
18/ سفه اليهود باتخاذهم من صنيعهم سلاحا عليهم لقولهم : { أفلا تعقلون }وفي هذا أيضا الثناء على العقل، والحكمة؛ توبيخ لهم على هذا الفعل؛ وأنه ينبغي للإنسان أن يكون عاقلاً؛ ما يخطو خطوة إلا وقد عرف أين يضع قدمه؛ ولا يتكلم إلا وينظر ما النتيجة من الكلام؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً، أو ليصمت"([77])
19/ الوعيد على مخالفة أمر الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { أولا يعلمون أن الله يعلم.... } الآية؛ لأن المقصود بذلك تهديد اليهود وتحذيرهم وتوبيخهم على التحريف.([78])
20/ إثبات عموم علمه عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: ( يعلم ما يسرون وما يعلنون ).([79])
هذا ما يسر الله لي الوقوف عليه فما كان فيه من صواب فمن الله وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان . وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آ له وصحبه أجمعين .
([1])}محمد:24{ .
([2])مجموع الفتاوى (13/332) .
([3]) }طه :124{ .
([4])التحرير والتنوير (1/ 560) .
([5])المرجع السابق (1: ص:484 ،485) .
([6])المرجع السابق (1 : ص484 -485) .
([7])البحر المحيط في التفسير (1/ 443) .
([8])انظر لباب ا لنقول في أسباب النزول(ص :9ــــ 10) ، وتفسير الطبري (2/251 ) .
([9]) تفسير الطبري (2/253) ، لباب النقول في أسباب النزول ( 1 : 10) .
([10])التجبية يحملونه على حمَار ويجعلون أعلى وَجهه إِلَى ذَنْب الْحمار .
([11]) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 :150 ) ، والدر المنثور في التفسير بالمأثور ( 1 :199) .
([12])انظر النشر في القراءات العشر (2/217) ، ومعاني القراءات للأزهري ( 1 : ص ـ156، 157) ، وتحبير التيسير في القراءات العشر(1: ص ــ 289 ) ، غيث النفع في القراءات السبع ( 1 :79) .
([13]) يظهر من كلام ابن أبي حاتم في التفريق أن الخصومة قدر زائد على الاختلاف.
([14])تفسير ابن أبي حاتم ( 1 :144) ، وانظر جامع البيان (2/ 222،223،224) ،وتفسير ابن كثير (1/302) ..
([15]) تفسير مجاهد ( 1 :206) .
([16])تفسير ابن أبي حاتم ( 1 : 145) .
([17])انظر تفسير عبد الرزاق (277 /77 ) ، وتفسير ابن أبي حاتم ( 1 : 146) .
([18])تفسير ابن أبي حاتم ( 1 : 147) ، الدر المنثور ( 1 : 198) .
([19])تفسير ابن أبي حاتم ( 1 :147) ، الدر المنثور ( 1 :197) .
([20]) تفسير مجاهد ( 1 :207) . وانظر تفسير الطبري (2/ 246) ،تفسير ابن أبي حاتم ( 1 : 149).
([22])تفسير عبد الرزاق (1/ 278 / 78) .
([23]) تذكرة الأريب في بيان الغريب (1/18) ، وينظر: المفردات في غريب القرآن مادة(درأ) _ (ص:ــ313 ،314) ،والمشكل في غريب القرآن العظيم ( 1 :96) ،وتهذيب اللغة مادة (درأ) _(14: 111) .
([24])المفردات في غريب القرآن مادة (كتم )_ ( 1 : 702)، تهذيب اللغة مادة (ك ت م ) _(10/90).
([25])انظر المشكل في غريب القرآن العظيم ( 1 :96) ، تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ( 1 :55) .
([26]) المفردات في غريب القرآن مادة (شق) _ ( 1 : ـــ 459) .
([27]) المرجع السابق مادة ( هبط ) _ ( 1 :832) .
([28])}فاطر: 28{ .
([29]) التبيان في تفسير غريب القرآن (ص:82) .
([30]) المفردات في غريب القرآن مادة (طمع ) _ ( 1: 524) ،وينظر التبيان في تفسير غريب القرآن ( 1 : 82) .
([31]) التبيان في تفسير غريب القرآن ( 1 :82) .
([32]) المفردات في غريب القرآن مادة (حرف ) _( 1 :28) .
([33]) المرجع السابق مادة (خلا ) _ (1:ـ 297) .
([34]) انظر تذكرة الأريب في تفسير الغريب (ص: 18) ، المفردات في غريب القرآن مادة (فتح ) _ ( 1: 621)،
فتح القدير للشوكاني ( 1 :121) .
([35])إعراب القرآن للنحاس (1 : 61) التبيان في إعراب القرآن (1 : 78) .
([36]) انظر إعراب القرآن للنحاس ( 1 : 61) ، التبيان في إعراب القرآن ( 1 :78) .
([37])التبيان في إعراب القرآن ( 1 :79) ، المجتبى من مشكل إعراب القرآن ( 1 : 72) .
([38]) انظر تفسير الكشاف (1/154)،وانظر التحرير والتنوير ( 1 :546)،من غريب بلاغة القرآن الكريم (1 :290) .
([39])تفسير الألوسي ( 1: 292 ) .
([40])تفسير الرازي (3/ 552).
([41]) تفسير أبي السعود ( 1 :114) .
([42]) التحرير والتنوير ( 1 :561) .
([43])تفسير الرازي (3/ 554) ،تفسير أبي السعود ( 1 :114) .
([44]) من غريب بلاغة القرآن الكريم في سورتي الفاتحة والبقرة (1 : 288) .
([45]) تفسير أبي السعود ( 1 :115 ) .
([46]) انظر تفسير أبي السعود ( 1 :115 ) .
([47]) }الحشر:21{ .
([48]) }سبأ: 10{ .
([49])الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ( 1 :155) .
([50])التحرير والتنوير (1/ 567) بتصرف يسير .
([51]) تفسير الرازي (3/561) .
([52]) من غريب بلاغة القرآن الكريم في سورتي الفاتحة والبقرة (ص: 295) .
([53]) المرجع السابق (ص :295) .
([54]) من غريب بلاغة القرآن الكريم ( ص: 296) .
([55]) تفسير أبي السعود (ص :119)
([56]) تفسير السعدي (ص: 55) .
([57]) تفسير السعدي (ص:56) .
([58]) انظر: الجامع لأحكام القرآن ( 1 / 456) .
([59]) تفسير ابن عثيمين (1 :244) .
([60]) المرجع نفسه .
([61])انظرتفسير الطبري ( 1 :232) ، وتفسير ابن عثيمين ( 1 : 244)
([62]) تفسير ابن عثيمين ( 1 : 244) .
([63]) نفس المرجع ( 1 : 245) .
([64]) المرجع السابق .
([65]) المرجع السابق .
([66]) المرجع السابق ( 1 :248) .
([67]) المرجع نفسه .
([68]) نفس المرجع .
([69])تفسير الرازي (3/ 562) .
([70]) انظر تفسير ابن عثيمين ( 1 : 248) .
([71]) باعتبار آحاده فهي من صفاته الفعلية ، أما باعتبار أصل الصفة فهي صفة ذاتية ، والصفات الذاتية لازمة لذات الله أزلاً، وأبداً .و الصفات الفعلية هي التي تتعلق بمشيئته . انظر تفسير ابن عثيمين ( 1 : 251) .
([72]) تفسير ابن عثيمين ( 1 :251) .
([73]) المرجع نفسه .
([74]) المرجع نفسه ( 1 :254 ) .
([75])}المؤمنون: 15{.
([76]) تفسير ابن عثيمين ( 1 : 255).
([77])أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، (8/11/ ح 6018) .
([78]) تفسير ابن عثيمين (1 : 255) .
([79]) المرجع السابق .
إن الحمد لله نحمده و نستعينه , ونستهديه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وبعد :
لا شكّ أنّ علم التّفسيرمن العلوم المقصودة لذاتها ولغيرها، فهو ليس علماً من علوم الآلة ، وذلك لأنّ الله تعالى أمر بتدبّر كتابه، فقال )): أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )) ([1])، فكلام الله تعالى هو ينبوع كلّ حكمة،ومعدن كلّ فضيلة، وهو لا يزال المصدر الأوّل لكلّ علم من علوم الدّنيا والآخرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- :" العادة تمنع أن يقرأقوم كتاباً في فنّ من العلم كالطبّ والحساب ولا يستشرحوه ، فكيف بكلام الله الّذي هوعصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم " ([2])
فبمعرفة التفسير يعرف الإنسان منهج الله الذي أودعه كتابه، وما في هذا المنهج من الراحة والطمأنينة والرفعة والبركة ،كما يعلم أيضا منهج الشيطان ، وهو كل منهج خالف منهج القرآن ، وما فيه من الفساد والضياع والضنك والضلال كما قال تعالى : ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى)([3]) .
ومن هذه الأهمية التي نالها علم التفسير أحببت أن يكون لي نصيبا في الوقوف على شيء يسير من ذلك
العلم وذلك بتقديم بحث بعنوان " تفسير تحليلي لبعض آيات من سورة البقرة" :
وذلك من قوله تعالى :[FONT=QCF_BSML]ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮃ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT]
إلى قوله تعالى : [FONT=QCF_BSML]ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P012]ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT]
وقد ارتأيت أن يكون البحث على عشرة مطالب كالتالي:
المطلب الأول: مناسبات الآيات بما قبلها.
المطلب الثاني: أسباب نزول الآيات و المخاطبين بها .
المطلب الثالث : القراءات وتوجيهها .
المطلب الرابع :أقوال السلف في تفسير الآيات .
المطلب الخامس : بيان الغريب في الآيات .
المطلب السادس : إعراب المشكل في الآية .
المطلب السابع : اللطائف الأسلوبية .
المطلب الثامن : المعنى الإجمالي للآيات .
المطلب التاسع : المسائل الفقهية .
المطلب العاشر: الفوائد المستنبطة من الآيات
هذا واسأل الله التوفيق والتيسير والسداد إنه سميع مجيب .
قال تعالى : ﭽ [FONT=QCF_P011]ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮃ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮍ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮢ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮪ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﯓ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﯛ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﰌ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﰍ ﰎ ﰏ [/FONT][FONT=QCF_P012]ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ[/FONT]
المطلب الأول :مناسبات الآيات .
في قوله تعالى : ([FONT=QCF_P011] ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮃ[FONT=QCF_P011]ﮃ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ [/FONT][/FONT][FONT=QCF_P011]ﮊ ﮋ ﮌ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮍ[/FONT] )
تَصْدِيرُهُ بإذْ عَلَى طَرِيقَةِ حِكَايَةِ مَا سَبَقَ مِنْ تَعْدَادِ النِّعَمِ وَالْأَلْطَافِ وَمُقَابَلَتِهِمْ إِيَّاهَا بالكفران وَالِاسْتِخْفَاف يومىء إِلَى أَنَّ هَذِهِ قِصَّةٌ غَيْرُ قِصَّةِ الذَّبْحِ وَلَكِنَّهَا حَدَثَتْ عَقِبَ الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ لِإِظْهَارِ شَيْءٍ مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الَّذِي أَظْهَرُوا اسْتِنْكَارَهُ عِنْدَ سَمَاعِهِ إِذْ قَالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً [الْبَقَرَة: 67] وَفِي ذَلِكَ إِظْهَارُ مُعْجِزَةٍ لِمُوسَى. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَا حُكِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ أَوَّلُ الْقِصَّةِ وَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ هُوَ آخِرُهَا .([4])
في قوله سبحانه : ([FONT=QCF_P011]ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮢ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮪ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﯓ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﯛ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ [/FONT])
لما كان حصول المعصية منهم بعد رؤية هذه الخارقة مستبعد التصور فضلاً عن الوقوع أشار إليه بقوله {ثم قست قلوبكم}.
في قوله :( [FONT=QCF_P011]ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ [/FONT])
لما بيّن سبحانه أن قلوبهم صارت من كثرة المعاصي وتوالي التجرؤ على بارئها محجوبة بالرين كثيفة الطبع بحيث إنها أشد قسوة من الحجارة تسبب عن ذلك بعدهم عن الإيمان فالتفت إلى المؤمنين يؤيسهم من فلاحهم تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما كان يشتد حرصه عليه من طلب إيمانهم في معرض التنكيت عليهم والتبكيت لهم منكراً للطمع في إيمانهم بعد ما قرر أنه تكرر من كفرانهم فقال: {أفتطمعون}([5]) .
في قوله عز وجل : ([FONT=QCF_P011]ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﰌ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﰍ ﰎ [/FONT])
لما كان الكلام مرشداً إلى أن التقدير فهم لجرأتهم على الله إذا سمعوا كتابكم حرفوه وإذا حدثوا عباد الله لا يكادون يصدقون عطف عليه قوله {وإذا لقوا الذين آمنوا} ([6])
في قوله تعالى:( [FONT=QCF_P012]ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ[/FONT])
هذا توبيخ من الله لهم ، أي إذا كان علم الله محيطاً بجميع أفعالهم ،وهم عالمون بذلك ،فكيف يسوغ لهم أن ينافقوا ويتظاهروا للمؤمنين بما يعلم الله منهم خلافه ، فلا يجامع حالة نفاقهم بحالة علمهم بأن الله عالم بذلك. ([7])
المطلب الثاني: أسبــاب النزول والمخاطب في الآيات .
في قوله تعالى : ([FONT=QCF_P011]ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ[/FONT][FONT=QCF_P011]ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﰌ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﰍ ﰎ [/FONT])
عن مجاهد : أن النبي عليه الصلاة والسلام قام يوم قريظة تحت حصونهم فقال يا إخوان القردة و يا إخوان الخنازير و يا عبدة الطاغوت فقالوا من أخبر بهذا محمدا ما خرج هذا إلا منكم أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليكون لهم حجة عليكم فنزلت الآية .
وعن ابن عباس قال: كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا أن صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أيحدث العرب بهذا فإنكم كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم فأنزل الله: وإذا لقوا الآية . ([8])
المخاطب في الآية :
قال السدي: نزلت في ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به، فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب، ليقولوا نحن أحب إلى الله منكم، وأكرم على الله منكم؟ ([9]).
وعَن عِكْرِمَة : أَن امْرَأَة من الْيَهُود أَصَابَت فَاحِشَة فجاؤوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَبْتَغُونَ مِنْهُ الحكم رَجَاء الرُّخْصَة فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عالمهم وَهُوَ ابْن صوريا فَقَالَ لَهُ: احكم ، قَالَ: فجبوه ([10]) ، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أبحكم الله حكمت قَالَ: لَا
وَلَكِن نِسَاءَنَا كن حسانا فأسرع فِيهِنَّ رجالنا فغيرنا الحكم وَفِيه أنزلت {وَإِذا خلا بَعضهم إِلَى بعض}.([11])
المطلب الثالث : القراءات وتوجيــهها
اخْتَلَفُوا فِي قوله تعالى : (عَمَّا تَعْمَلُونَ أَفَتَطْمَعُونَ ) . فَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ (عَمَّا يَعْمَلُونَ)،وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ( تعملون).
توجيه القراءة : قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يعملون) فعلى الإخبار عنهم، وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فهو مخاطبة لهم([12]) .
المطلب الرابع: أقوال السلف في تفسير هذه الآيات .قوله تعالى : }فادارأتم فيها { فيه وجهان :
الوجه الأول : اختلفتم فيها ، وقال بذلك مجاهد .
والوجه الثاني : اختصمتم فيها([13]) ، وروي ذلك عن الضحاك .
وقد قيل إن معنى قوله: (فادارأتم فيها) ، فتدافعتم فيها من قوله تعالى (و يدر ؤ عنها العذاب ) أي : يدفع عنها . ([14])
قوله تعالى :}ماكنتم تكتمون{ : أي ما كنتم تغيبون، قال به مجاهد . ([15])
قوله تعالى: }فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا{
قال ابن عباس : إن أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقرٍ له وكانت بقرة تعجبه ، قال فجعلوا يعطونه بها ويأبى حتى أعطوه ملء مسكها دنانير ، فذبحوها ، فضربوه بعضو منها فقام تشخب أوداجه دماً ، فقالوا له : من قتلك ؟ فقال قتلني فلان . ([16])
قوله تعالى : {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ من بعد ذلك } :
}مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ{ ، أي : قَسَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاهُمُ اللَّهُ ما أحيا من الموتى ، ومن بعد ما أراهم من أمر القتيل ما أراهم .قال به ابن عباس وقتادة ([17])
قَوْلِهِ: }فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً إِلَى قَوْلِهِ: لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ {
قال أبي العالية : عَذَرَ اللَّهُ الْحِجَارَةَ، وَلَمْ يَعْذُرِ الْقَاسِيَةَ قُلُوبُهُمْ ، وروي عن قتادة نحو ذلك .([18])
قوله : }وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {
قال ابن عباس :إِنَّ الْحَجَرَ لَيَقَعُ إِلَى الأَرْضِ فَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ النَّاسِ مَا اسْتَطَاعُوا الْقِيَامَ بِهِ، وَإِنَّهُ لَيَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.
وقال في ذلك أيضاً : أَيْ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لأَلْيَنَ مِنْ قُلُوبِكُمْ عَمَّا تُدْعَوْنَ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ .
وقال مجاهد : كُلُّ حَجَرٍ يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْمَاءُ، أَوْ يَنْشَقُّ عَنْ مَاءٍ أَوْ يَتَرَدَّى مِنْ رَأْسِ جَبَلٍ: لَمِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، نَزَلَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ.([19])
قوله } ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه { فيه وجهان :
الوجه الأول : قال مجاهد : فالذين يحرفونه والذين يكتمونه، هم العلماء منهم ، فهؤلاء كلهم يهود، والتوراة هي التي حرفوها . قاله السدي . ([20])
والوجه الثاني : قال قتادة : عَمَدُوا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِمْ مِنْ نَعْتِ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَرَّفُوهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ.
قوله: }وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم{
قال ابن عباس : أن نفرا من منافقي اليهود كانوا إذا لقوا محمدا صلى الله عليه وسلم قالوا:
قوله: }وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم{
قال ابن عباس : أن نفرا من منافقي اليهود كانوا إذا لقوا محمدا صلى الله عليه وسلم قالوا:
آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم . ([21])
قوله تعالى : {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ}
قال قتادة : كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّهُ سَيَكُونُ نَبِيٌّ , فَجَاءَ بَعْضُهُمْ , فَقَالُوا: «أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيَحْتَجُّوا بِهِ عَلَيْكُمْ؟».([22])
المطلب الخامــــــــس: الغريــــــب في الآيــــــات .
{فادارأتم} : تدافعتم وألقى بعضكم على بعض , والدَّرْءُ: الدفع وقيل هو الميل إلى أحد الجانبين. ([23])
}تكتمون { الْكِتْمَانُ: ستر الحديث ، وهو نقيض الإعلان . ([24])
}قست { : أي اشتدت ويبست وصلبت ،والقساوة :غلظ القلب وصلابته ([25])
}يشقق{ : الشَّقُّ: الخرم الواقع في الشيء.
والشِّقُّ: الْمَشَقَّةُ والانكسار الذي يلحق النّفس والبدن .([26])
}يهبط{ الهُبُوط: الانحدار على سبيل القهر كهبوط الحجر .([27])
}من خشية الله{ :الخَشْيَة: خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خصّ العلماء بها في قوله: "إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ "([28]).([29])
أفتطمعون : الطَّمَعُ: نزوعُ النّفسِ إلى الشيء شهوةً له .([30])
( يحرفونه ) : يقلبونه ويغيرونه .([31]) وتَحريفُ الشيء: إمالته .
وتحريف الكلام: أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين. وهو المراد في الآية .([32]) .
}وإذا خلا بعضهم ببعض { : الخلاء: المكان الذي لا ساتر فيه من بناء ومساكن وغيرهما.
وخَلَا فلان بفلان: صار معه في خَلَاءٍ، وخَلَا إليه: انتهى إليه في خلوة .([33])
{بما فتح الله عليكم} :أي قضى والفتح عند العرب القضاء والحكم ،وقيل بما علمكم الله .
والفَتْحُ: إزالة الإغلاق والإشكال . ([34])
المطلب السادس : إعراب المشكل في الآية .
وإذ قتلتم : ظرف معطوفة على ما قبلها ،وتَقْديره: اذْكُرُوا إِذْ.([35])
(كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى ) موضع الكاف نصب لأنها نعت لمصدر محذوف ([36]) .
وَ(قَسْوَةً) : تَمْيِيزٌ، وَهِيَ مَصْدَرٌ (لَمَا يَتَفَجَّرُ) : مَا بِمَعْنَى الَّذِي فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ اسْمُ إِنَّ وَاللَّامُ لِلتَّوْكِيدِ. ([37])
وقَوْلُهُ تَعَالَى: (بِمَا فَتَحَ اللَّهُ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا بِمَعْنَى الَّذِي وَأَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً وَأَنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً.
المطلب السابع: اللطائـــــف الأسلوبيــــــة .
* يفهم من قوله تعالى ( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم ) أن قتل النفس وقع قبل ذبح البقرة ، وكأنه قيل (و إذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ) فقلنا : اذبحوا بقرة اضربوه ببعضها والسر في تغيير ترتيب الحكاية والله أعلم تكرير التوبيخ وتثنية التقريع .([38])
* في قوله تعالى ( وإذ قتلتم نفساً ) نسبة القتل هنا إلى المخاطبين لوجوده فيهم على طريقة العرب في نسبة الأشياء إلى القبيلة إذا وجد من بعضها ما يذم به أو يمدح . وقيل: إن القاتل جمع وهم ورثة المقتول، وقد روي أنهم اجتمعوا على قتله، ولهذا نسب القتل إلى الجمع .([39])
*دلت الآية على أنه يجوز ورود العام لإرادة الخاص لأن قوله : ماكنتم تكتمون يتناول كل المكتومات ثم إن الله تعالى أراد هذه الواقعة . ([40])
* الالتفات في قوله تعالى ( والله مخرج ما كنتم تكتمون ) من الغيبة الى التكلم في قوله تعالى (فقلنا اضربوه ببعضها ) وذلك لتربية المهابة .([41])
*( [FONT=QCF_P011]ﮎ ﮏﮐ ﮑ[/FONT]) الإشارة إلى محذوف للإيجاز : أي فضربوه فحيي فأخبر بمن قتله . ([42])
* عبر الله بالجمع في قوله تعالى ( [FONT=QCF_P011]ﮒ ﮓ[/FONT]) مع أنها كانت آية واحدة وذلك للدلالة على وجود الله القادر على كل المقدورات . العالم بكل المعلومات، المختار في الإيجاد والإبداع، وعلى صدق موسى عليه السلام، وعلى براءة من لم يكن قاتلا . وعلى تعين تلك التهمة على من باشر ذلك القتل ، فهي لما دلت على هذه المدلولات الكثيرة لا جرم جرت مجرى الآيات الكثيرة .
وقال أبو السعود : ويجوز أن يراد بالآيات هذا الإحياء والتعبير عنه بالجمع لاشتماله على أمور بديعة من ترتب الحياة على عضو ميت وإخباره بقاتله وما يلابسه من الأمور الخارقة للعادة.([43])
* التعبير بحرف الترجي " لعل " في قوله تعالى([FONT=QCF_P011]ﮔ ﮕ[/FONT]) للشك أو عدم القطع في انتفاعهم بما رأوا من آيات الله و معجزاته لطبيعتهم العنيدة . ([44])
*جاء التعبير عن قسوة قلوب اليهود بالجملة الفعلية في قوله سبحانه ([FONT=QCF_P011]ﮗ ﮘﮙ[/FONT]) وبالجملة الاسمية في قوله تعالى ([FONT=QCF_P011]ﮝ ﮞ [/FONT]) وذلك للدلالة على استمرارِهم في الثبات على قساوةِ قلوبهم.([45])
*في قوله تعالى([FONT=QCF_P011]ﮟ ﮠﮡ[/FONT]) عبر بقوله أشد قسوة، وفعل القسوة مما يخرج منه أفعل التفضيل وفعل التعجب وذلك لكونه أبين وأدلّ على فرط القسوة. ووجه آخر، وهو أن لا يقصد معنى الأقسى ولكن قصد وصف القسوة بالشدة، كأنه قيل: اشتدت قسوة الحجارة، وقلوبهم أشدّ قسوة .
*ووجه تفضيل قلوب اليهود على الحجارة في القساوة لأن قلوب اليهود قلوب صلدة يابسة لا يتسرب إلى داخلها شعاع هداية ولا تلين لموعظة فاشتركت مع الحجارة في جنس القساوة إلا أنها فاقت تلك الحجارة في قساوتها لما سيق ذكره ، أما الحجارة فقد يعتريها التحول عن صلابتها وقسوتها وشدتها بالتفرق والتشقق فيخرج منها المياه العظيمة كما أشار إليه قوله تعالى ([FONT=QCF_P011]ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ [/FONT]).([46])
* الخشية في قوله تعالى ([FONT=QCF_P011]ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ[/FONT]) مجاز عن الانقياد لأمر الله والخضوع له ، وهذا مجاز مرسل بعلاقة الإطلاق والتقييد ، أو استعارة تمثيلية . وذهب بعض المفسرين إلى أن خشية الحجارة من الله تعالى حقيقية فقد وصف سبحانه بعض الحجارة بالخشية وبعضها بالإرادة ووصف جميعها بالنطق و التأويب والتصدع ، وكل هذه صفات لا تصدر إلا عن أهل التمييز والمعرفة ، قال تعالى (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) ([47])
أي لو جعل فيه العقل والفهم لصار كذلك .وقال سبحانه ( يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ) ([48]).([49])
* في الآية نهى الله عن الطمع في إيمان اليهود بالرغم من أن الرسول والمؤمنون مأمورون بدعوتهم إلى الإيمان وجواب ذلك أن النهي إنما كان عَنِ الطَّمَعِ فِي إِيمَانِهِمْ لَا عَنْ دُعَائِهِمْ لِلْإِيمَانِ لِأَنَّنَا نَدْعُوهُمْ لِلْإِيمَانِ وَإِنْ كُنَّا آيِسِينَ مِنْهُ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ عَلَيْهِمْ وَفِي الْآخِرَةِ أَيْضًا، وَلِأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الْحَقِّ قَدْ تُصَادِفُ نَفْسًا نَيِّرَةً فَتَنْفَعُهَا، فَإِن استبعاد إيمَانه حُكْمٌ عَلَى غَالِبِهِمْ وَجَمْهَرَتِهِمْ أَمَّا الدَّعْوَةُ فَإِنَّهَا تَقَعُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ.([50])
*قَوْلُهُ تَعَالَى: من بعد ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ تَكْرَارٌ/ وفيه فائدة أَجَابَ الْقَفَّالُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، الأول: من بعد ما عقلوه مُرَادَ اللَّهِ فَأَوَّلُوهُ تَأْوِيلًا فَاسِدًا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ غير مراد الله تعالى. الثاني: أَنَّهُمْ عَقَلُوا مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلِمُوا أَنَّ التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ يُكْسِبُهُمُ الْوِزْرَ وَالْعُقُوبَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَتَى تَعَمَّدُوا التَّحْرِيفَ مَعَ الْعِلْمِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْوِزْرِ كَانَتْ قَسْوَتُهُمْ أَشَدَّ وَجَرَاءَتُهُمْ أَعْظَمَ . ([51])
وأجاب عنه آخرون :بأنه لزيادة التشنيع على هؤلاء اليهود والتأييس من إيمان اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم و لا يعكر هذا إيمان بعضهم .([52])
*حذف مفعول "يعلمون " في قوله تعالى (ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون )
والغرض من ذلك : لتذهب النفس في تقديره كل مذهب حيث يمكن تقديره بـــــ: وهم يعلمون أنهم كاذبون ، أو أنهم حرفوه أو أنه الحق ، أو ما في تحريفه من العقاب وحذف أيضا مراعاة لفواصل الآيات التي تنتهي بالنون .([53])
*التعبير بالماضي " آمنا " في قوله تعالى ( وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا) وذلك للمبالغة من اليهود في خداع المؤمنين ، بإظهار دعوى إيمانهم – اليهود - . ([54])
* في قوله تعالى ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون )
قُدم الإسرارُ على الإعلان للإيذانِ بافتضاحِهِم ووقوعِ ما يحذَرونه من أولِ الأمرِ و بيانِ شمولِ علمِه عز وجل المحيطِ لجميعِ المعلوماتِ كأنَّ علمَه بما يُسرونه أقدمُ منه بما يعلنونه مع كونِهِما في الحقيقةِ على السويةِ فإنَّ علمَه تعالَى بمعلوماتهِ ليسَ بطريقِ حصولِ صُورِها بل وجودُ كلِّ شيء في نفسِه عِلْمٌ بالنِّسبةِ إليه تعالى
ويجوزُ أنْ يكونَ ذلكَ باعتبار أن مرتبةَ السرِّ متقدمةٌ على مرتبة العلنِ إذ ما من شيء يُعلَنُ إلا وهُو أو مباديهِ قبل ذلك مضمرٌ في القلبِ يتعلقُ بهِ الإسرارُ غالباً فتعلُقُ علمِه تعالَى بحالتِهِ الأُولى متقدمٌ على تعلقه بحالتِهِ الثانية .([55])
المطلب الثامن : المعنى الإجمالي للآيات.
قوله تعالى : ([FONT=QCF_P011]ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ[/FONT][FONT=QCF_P011]ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﯶ[/FONT]
أي واذكروا ما جرى لكم مع موسى، حين قتلتم قتيلا وادارأتم فيه، أي: تدافعتم واختلفتم في قاتله، حتى تفاقم الأمر بينكم وكاد - لولا تبيين الله لكم - يحدث بينكم شر كبير، فقال لكم موسى في تبيين القاتل: اذبحوا بقرة، وكان من الواجب المبادرة إلى امتثال أمره، وعدم الاعتراض عليه، ولكنهم أبوا إلا الاعتراض، فقالوا: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} فلما ذبحوها، قلنا لهم اضربوا القتيل ببعضها، أي: بعضو منها، فضربوه ببعضها فأحياه الله، وأخرج ما كانوا يكتمون، فأخبر بقاتله، وكان في إحيائه وهم يشاهدون ما يدل على إحياء الله الموتى، {لعلكم تعقلون} فتنزجرون عن ما يضركم.
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} أي: اشتدت وغلظت، فلم تؤثر فيها الموعظة، {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} أي: من بعد ما أنعم عليكم بالنعم العظيمة وأراكم الآيات، ولم يكن ينبغي أن تقسو قلوبكم، لأن ما شاهدتم، مما يوجب رقة القلب وانقياده، ثم وصف قسوتها بأنها {كَالْحِجَارَةِ} التي هي أشد قسوة من الحديد، لأن الحديد والرصاص إذا أذيب في النار، ذاب بخلاف الأحجار.
وقوله: {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} أي: إنها لا تقصر عن قساوة الأحجار . وليست "أو "بمعنى "بل " إنما هي بمعنى "الواو " ، ثم ذكر فضيلة الأحجار على قلوبهم، فقال: {وإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} فبهذه الأمور فضلت قلوبكم. ثم توعدهم تعالى أشد الوعيد فقال: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} بل هو عالم بها حافظ لصغيرها وكبيرها، وسيجازيكم على ذلك أتم الجزاء وأوفاه. ([56])
ثم قال الله عز وجل ( أفتطمعون )والاستفهام للإنكار والاستبعاد ،وفيه قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب .
فإن حالتهم لا تقتضي الطمع فيهم، فإنهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه، فيضعون له معاني ما أرادها الله، ليوهموا الناس أنها من عند الله، وما هي من عند الله، فإذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم يصدون به الناس عن سبيل الله، فكيف يرجى منهم إيمان لكم؟! فهذا من أبعد الأشياء .
ثم ذكر حال منافقي أهل الكتاب فقال: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} فأظهروا لهم الإيمان قولا بألسنتهم، ما ليس في قلوبهم، {وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} فلم يكن عندهم أحد من غير أهل دينهم، قال بعضهم لبعض: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي: أتظهرون لهم الإيمان وتخبروهم أنكم مثلهم، فيكون ذلك حجة لهم عليكم؟.
يقولون: إنهم قد أقروا بأن ما نحن عليه حق، وما هم عليه باطل، فيحتجون عليكم بذلك عند ربكم {أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي: أفلا يكون لكم عقل، فتتركون ما هو حجة عليكم؟ هذا يقوله بعضهم لبعض.
والاستفهام هنا وفي قوله ( أتحدثونهم ) : للتسفيه والتنكير والتوبيخ .
ثم قال الله تعالى {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} فهم وإن أسروا ما يعتقدونه فيما بينهم، وزعموا أنهم بإسرارهم لا يتطرق عليهم حجة للمؤمنين، فإن هذا غلط منهم وجهل كبير، فإن الله يعلم سرهم وعلنهم، فيظهر لعباده ما أنتم عليه.([57])
المطلب التاسع : المسائل الفقهية .
في قوله تعالى :[FONT=QCF_BSML]ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ[/FONT][FONT=QCF_P011]ﮃ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮊ ﮋ ﮌ [/FONT][FONT=QCF_P011]ﮍ[/FONT][FONT=QCF_P011] ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ [/FONT]ﭼ
المسألة الأولى : في قاتل الخطأ هل يرث أو لا يرث ؟
حَكَى مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي" مُوَطَّئِهِ" أَنَّ قِصَّةَ أُحيحة بْنِ الجلَا حِ فِي عَمِّهِ هِيَ كَانَتْ سَبَبُ أَلَّا يَرِثَ قَاتِلٌ، ثُمَّ ثَبَّتَ ذَلِكَ الْإِسْلَامُ . وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَرِثُ قَاتِلُ الْعَمْدِ مِنَ الدِّيَةِ وَلَا مِنَ الْمَالِ .
أما قاتل الخطأ فاختلف فيه أهل العلم على قولين :
القول الأول : أنه يرث من المال ولا يرث من الدية . وبه قال مالك والشافعي .
القول الثاني : قال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ آخَرَ لَهُ أن قَاتِلُ الْخَطَأِ لا يرث شيئاً ، وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ . والله أعلم ([58])
المطلب العاشر : الفوائد المستنبطة من الآيات .
1/ أن قول الرسول قول لمرسله إذا كان بأمره؛ لقوله تعالى: { فقلنا اضربوه ببعضها }..([59])
2/ أنه ينبغي لطالب العلم أن يعتني بمعنى القصة، وغرضها دون من وقعت عليه؛ لقوله تعالى:
{ ببعضها }؛ ولم يعين لهم ذلك توسعة عليهم؛ ليحصل المقصود بأيّ جزء منها؛ ولهذا نرى أنه من التكلف ما يفعله بعض الناس إذا سمع حديثاً أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله..." كذا وكذا؛ تجد بعض الناس يتكلف في تعيين هذا الرجل؛ وهذا ليس بلازم؛ ولا يضر الإبهام . ([60])
3/ لا دلالة في الآيات في قوله "ببعضها" ولا [في] خبر تقوم به حجة، على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به ، ومحاولة بعض المفسرين أن يعينوه محاولة ليس لها داع؛ لأن المقصود الآية..([61])
4/ ومن فوائد الآيات: أن المبهم في أمور متعددة أيسر على المكلف من المعين؛ وذلك إذا كانوا قد أمروا أن يضربوه ببعضها فقط .([62])
5/ أن هذه الآية من آيات الله عزّ وجلّ . وهي أن تكون البقرة سبباً لحياة هذا القتيل؛ إذ لا رابطة في المعقول بين أن تُذبح البقرة، ويضرب القتيل ببعضها، فيحيى..([63])
6/ أن بيان الأمور الخفية التي يحصل فيها الاختلاف، والنِّزاع، من نعمة الله عزّ وجلّ؛ فإذا اختلفنا في أمور، وكاد الأمر يتفاقم، ويصل إلى الفتنة، ثم أظهر الله ما يبينه يزيل بذلك هذا الخلاف، وهذا النِّزاع..([64])
7/ التحذير من أن يكتم الإنسان شيئاً لا ير ضاه الله عزّ وجلّ؛ فإنه مهما يكتم الإنسان شيئاً مما لا يُرضي الله عزّ وجلّ فإن الله سوف يطلع خلقه عليه . إلا أن يعفو الله عنه ...([65])
8/ بيان قدرة الله سبحانه وتعالى، حيث جعل هذه الحجارة الصماء تتفجر منها الأنهار؛ وقد كان موسى عليه الصلاة والسلام . يضرب بعصاه الحجر، فينبجس، ويتفجر عيوناً بقدرة الله . ([66])
9/ ومن فوائد الآيات: عظمة الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { من خشية الله } .([67])
10/ ومنها : سعة علم الله سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: { وما الله بغافل عما تعملون }؛ وهذه الصفة من صفات الله سبحانه وتعالى السلبية؛ والصفات السلبية هي التي ينفيها الله سبحانه وتعالى عن نفسه. وتتضمن أمرين هما: نفي هذه الصفة؛ وإثبات كمال ضدها.. ([68])
11/ في قوله (أفتطمعون ) دليل عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ الْمُعَانِدَ فِيهِ أَبْعَدُ مِنَ الرُّشْدِ وَأَقْرَبُ إِلَى الْيَأْسِ مِنَ الْجَاهِلِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ يُفِيدُ زَوَالَ الطَّمَعِ فِي رُشْدِهِمْ لِمُكَا بَرَتِهِمُ الْحَقَّ بعد العلم به.([69])
12/ أن من كان لا يؤمن بما هو أظهر فإنه يبعد أن يؤمن بما هو أخفى؛ لأن من يسمع كلام الله، ثم يحرفه، أبْعَدُ قبولاً للحق ممن لم يسمعه..([70])
13/ إثبات أن الله يتكلم، وأن كلامه بصوت مسموع؛ لقوله تعالى: { يسمعون كلام الله }؛ وكلام الله تبارك وتعالى صفة حقيقية تتضمن اللفظ وهي من صفاته الفعلية وصفة ذاتية أيضا. .([71])
وفي هذه الآية رد على الأشعرية وغيرهم ممن يرون أن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه؛ وأن الحروف، والأصوات ليست كلام الله؛ بل خلقها الله ليعبر بها عما في نفسه؛ و الرد عليهم مفصلاً في كتب العقائد..
14/ قبح تحريف كلام الله، وأن ذلك من صفات اليهود؛ ومن هذه الأمة من ارتكبه، لكن القرآن محفوظ؛ فلا يمكن وقوع التحريف اللفظي فيه.([72])
15/ بيان قبح تحريف هؤلاء اليهود، لأنهم حرفوا ما عقلوه؛ والتحريف بعد عقل المعنى أعظم؛ لأن الإنسان الجاهل قد يعذر بجهله؛ لكن الإنسان العالم الذي عقل الشيء يكون عمله أقبح؛ لأنه تجرأ على المعصية مع علمه بها . فيكون أعظم.([73])
16/ ومنها: أن من سجايا اليهود وطبائعهم الغدر؛ لقوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض ... } إلخ؛ لأن هذا نوع من الغدر بالمؤمنين..
ومنها: أن العلم من الفتح؛ لقولهم: {بما فتح الله عليكم} ؛ ولا شك أن العلم فتح يفتح الله به على المرء من أنواع العلوم والمعارف ما ينير به قلبه..([74])
17/ ومنها: أن المؤمن، والكافر يتحاجَّان عند الله يوم القيامة؛ لقولهم: { ليحاجُّوكم به عند ربكم }؛ ويؤيده قوله تعالى: ( ثم إنكم بعد ذلك لميِّتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون }([75])([76])
18/ سفه اليهود باتخاذهم من صنيعهم سلاحا عليهم لقولهم : { أفلا تعقلون }وفي هذا أيضا الثناء على العقل، والحكمة؛ توبيخ لهم على هذا الفعل؛ وأنه ينبغي للإنسان أن يكون عاقلاً؛ ما يخطو خطوة إلا وقد عرف أين يضع قدمه؛ ولا يتكلم إلا وينظر ما النتيجة من الكلام؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً، أو ليصمت"([77])
19/ الوعيد على مخالفة أمر الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { أولا يعلمون أن الله يعلم.... } الآية؛ لأن المقصود بذلك تهديد اليهود وتحذيرهم وتوبيخهم على التحريف.([78])
20/ إثبات عموم علمه عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: ( يعلم ما يسرون وما يعلنون ).([79])
هذا ما يسر الله لي الوقوف عليه فما كان فيه من صواب فمن الله وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان . وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آ له وصحبه أجمعين .
([1])}محمد:24{ .
([2])مجموع الفتاوى (13/332) .
([3]) }طه :124{ .
([4])التحرير والتنوير (1/ 560) .
([5])المرجع السابق (1: ص:484 ،485) .
([6])المرجع السابق (1 : ص484 -485) .
([7])البحر المحيط في التفسير (1/ 443) .
([8])انظر لباب ا لنقول في أسباب النزول(ص :9ــــ 10) ، وتفسير الطبري (2/251 ) .
([9]) تفسير الطبري (2/253) ، لباب النقول في أسباب النزول ( 1 : 10) .
([10])التجبية يحملونه على حمَار ويجعلون أعلى وَجهه إِلَى ذَنْب الْحمار .
([11]) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 :150 ) ، والدر المنثور في التفسير بالمأثور ( 1 :199) .
([12])انظر النشر في القراءات العشر (2/217) ، ومعاني القراءات للأزهري ( 1 : ص ـ156، 157) ، وتحبير التيسير في القراءات العشر(1: ص ــ 289 ) ، غيث النفع في القراءات السبع ( 1 :79) .
([13]) يظهر من كلام ابن أبي حاتم في التفريق أن الخصومة قدر زائد على الاختلاف.
([14])تفسير ابن أبي حاتم ( 1 :144) ، وانظر جامع البيان (2/ 222،223،224) ،وتفسير ابن كثير (1/302) ..
([15]) تفسير مجاهد ( 1 :206) .
([16])تفسير ابن أبي حاتم ( 1 : 145) .
([17])انظر تفسير عبد الرزاق (277 /77 ) ، وتفسير ابن أبي حاتم ( 1 : 146) .
([18])تفسير ابن أبي حاتم ( 1 : 147) ، الدر المنثور ( 1 : 198) .
([19])تفسير ابن أبي حاتم ( 1 :147) ، الدر المنثور ( 1 :197) .
([20]) تفسير مجاهد ( 1 :207) . وانظر تفسير الطبري (2/ 246) ،تفسير ابن أبي حاتم ( 1 : 149).
([21])تفسير الطبري (2/ 250).
([22])تفسير عبد الرزاق (1/ 278 / 78) .
([23]) تذكرة الأريب في بيان الغريب (1/18) ، وينظر: المفردات في غريب القرآن مادة(درأ) _ (ص:ــ313 ،314) ،والمشكل في غريب القرآن العظيم ( 1 :96) ،وتهذيب اللغة مادة (درأ) _(14: 111) .
([24])المفردات في غريب القرآن مادة (كتم )_ ( 1 : 702)، تهذيب اللغة مادة (ك ت م ) _(10/90).
([25])انظر المشكل في غريب القرآن العظيم ( 1 :96) ، تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ( 1 :55) .
([26]) المفردات في غريب القرآن مادة (شق) _ ( 1 : ـــ 459) .
([27]) المرجع السابق مادة ( هبط ) _ ( 1 :832) .
([28])}فاطر: 28{ .
([29]) التبيان في تفسير غريب القرآن (ص:82) .
([30]) المفردات في غريب القرآن مادة (طمع ) _ ( 1: 524) ،وينظر التبيان في تفسير غريب القرآن ( 1 : 82) .
([31]) التبيان في تفسير غريب القرآن ( 1 :82) .
([32]) المفردات في غريب القرآن مادة (حرف ) _( 1 :28) .
([33]) المرجع السابق مادة (خلا ) _ (1:ـ 297) .
([34]) انظر تذكرة الأريب في تفسير الغريب (ص: 18) ، المفردات في غريب القرآن مادة (فتح ) _ ( 1: 621)،
فتح القدير للشوكاني ( 1 :121) .
([35])إعراب القرآن للنحاس (1 : 61) التبيان في إعراب القرآن (1 : 78) .
([36]) انظر إعراب القرآن للنحاس ( 1 : 61) ، التبيان في إعراب القرآن ( 1 :78) .
([37])التبيان في إعراب القرآن ( 1 :79) ، المجتبى من مشكل إعراب القرآن ( 1 : 72) .
([38]) انظر تفسير الكشاف (1/154)،وانظر التحرير والتنوير ( 1 :546)،من غريب بلاغة القرآن الكريم (1 :290) .
([39])تفسير الألوسي ( 1: 292 ) .
([40])تفسير الرازي (3/ 552).
([41]) تفسير أبي السعود ( 1 :114) .
([42]) التحرير والتنوير ( 1 :561) .
([43])تفسير الرازي (3/ 554) ،تفسير أبي السعود ( 1 :114) .
([44]) من غريب بلاغة القرآن الكريم في سورتي الفاتحة والبقرة (1 : 288) .
([45]) تفسير أبي السعود ( 1 :115 ) .
([46]) انظر تفسير أبي السعود ( 1 :115 ) .
([47]) }الحشر:21{ .
([48]) }سبأ: 10{ .
([49])الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ( 1 :155) .
([50])التحرير والتنوير (1/ 567) بتصرف يسير .
([51]) تفسير الرازي (3/561) .
([52]) من غريب بلاغة القرآن الكريم في سورتي الفاتحة والبقرة (ص: 295) .
([53]) المرجع السابق (ص :295) .
([54]) من غريب بلاغة القرآن الكريم ( ص: 296) .
([55]) تفسير أبي السعود (ص :119)
([56]) تفسير السعدي (ص: 55) .
([57]) تفسير السعدي (ص:56) .
([58]) انظر: الجامع لأحكام القرآن ( 1 / 456) .
([59]) تفسير ابن عثيمين (1 :244) .
([60]) المرجع نفسه .
([61])انظرتفسير الطبري ( 1 :232) ، وتفسير ابن عثيمين ( 1 : 244)
([62]) تفسير ابن عثيمين ( 1 : 244) .
([63]) نفس المرجع ( 1 : 245) .
([64]) المرجع السابق .
([65]) المرجع السابق .
([66]) المرجع السابق ( 1 :248) .
([67]) المرجع نفسه .
([68]) نفس المرجع .
([69])تفسير الرازي (3/ 562) .
([70]) انظر تفسير ابن عثيمين ( 1 : 248) .
([71]) باعتبار آحاده فهي من صفاته الفعلية ، أما باعتبار أصل الصفة فهي صفة ذاتية ، والصفات الذاتية لازمة لذات الله أزلاً، وأبداً .و الصفات الفعلية هي التي تتعلق بمشيئته . انظر تفسير ابن عثيمين ( 1 : 251) .
([72]) تفسير ابن عثيمين ( 1 :251) .
([73]) المرجع نفسه .
([74]) المرجع نفسه ( 1 :254 ) .
([75])}المؤمنون: 15{.
([76]) تفسير ابن عثيمين ( 1 : 255).
([77])أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، (8/11/ ح 6018) .
([78]) تفسير ابن عثيمين (1 : 255) .
([79]) المرجع السابق .