تفسير بياني لسورة القارعة

أبو عبد المعز

Active member
إنضم
20/04/2003
المشاركات
596
مستوى التفاعل
25
النقاط
28
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،باسم الله الرحمن الرحيم:

{الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} [القارعة : 1 - 11]


نشير -قبل التفسير التفصيلي-إلى ملاحظات إجمالية لها علاقة ببناء السورة:
يمكن توزيع آيات السورة إلى ثلاث مجموعات تكوّن أقسامها الثلاث:

أ
الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)
ب
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
ج
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)

يستجيب هذا التقسيم الثلاثي لاعتبارات تداولية ودلالية وأسلوبية :
لنلحظ مثلا أن:
المجموعة الأولى ذات مقصدية تهويلية،

وأن المجموعة الثانية ذات مقصدية بيانية،
وأن المجموعة الأخيرة ذات مقصدية تقريرية .

-مجموعة التهويل جاءت أسلوبيا تحت علامة الاستفهام (ما القارعة...ما أدراك ما القارعة)
-مجموعة البيان جاءت أسلوبيا تحت علامة التشبيه (كالفراش...كالعهن)
-مجموعة التقرير جاءت أسلوبيا تحت علامة التفصيل(أما من ثقلت...أما من خفت)

وفي كلٍّ نشهد جمال الاتساقٌ باعتبار الاثنينية :استفهامان،فتشبيهان،ثم فريقان.

لنلحظ كرة أخرى أن كل مجموعة تتجه بالخطاب نحو ملكة إدراك خاصة
فالمجموعة الأولى متجهة نحو "السمع"
والمجموعة الثانية متجهة نحو "الأبصار"
والمجموعة الثالثة متجهة نحو "الأفئدة"
فتكون لكل ملكة في الإنسان حظ من السورة وهذا من أسرار القرآن العظيم!
 
الْقَارِعَةُ{1} مَا الْقَارِعَةُ{2} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ{3}

المطلع لتحقيق مقصد التهويل، والتهويل تعظيم وتخويف:
فأما التعظيم فلموضوع الخطاب ،وأما التخويف فلمتلقيه...
الْقَارِعَةُ{1}
تحتمل أن تكون مستقلة تركيبيا ،كما تحتمل أن تكون مبتدأ أخبر عنه بالجملة الاستفهامية بعدها.. وإنما الإعراب الأول هو الأنسب لمقصدية التهويل، لما فيه من إثارة التوتر عند المتلقي. .فالإنسان مفطور على ترقب "المسند" كلما وقع في سمعه "مسند إليه" وتأجيل ذكره - أو عدم حصوله- يفضي إلى زيادة مدة التوتر واشتداده..
كيف و توتر غياب الخبر - الذي يشرئب له العنق- يعضده هنا حصول امتلاء السمع بجرس كلمة "القارعة"!
ويلحظ معها إيحاء صيغة التأنيث في اسم الفاعل ،فالعربية في الغالب تخصص هذه الصيغة لما هو مخيف وشديد مثل "الداهية" و "المصيبة" و" القاصمة" و "الصاعقة" و"الحالقة" وغيرها...ولهذا الملحظ كثرت في القرآن الأسماء المؤنثة الدالة على اليوم الآخر: "القيامة" و "الواقعة" و"الطامة" و"الصاخة" و"الغاشية" و "القارعة"...

مَا الْقَارِعَةُ{2}

استدامة للتوتر.. فلم يحصل إخبار ولكن حصل سؤال. .فيكون المتلقي واقعا تحت وطأة السؤال مرتين:
-السؤال المضمر في ذهنه الناشيء من سماعه الكلمة الغريبة "القارعة" "ما هذه القارعة "!
-السؤال الذي جاء في محل الجواب المرتقب .."ما القارعة"...
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ{3}
تأجيل الإخبار مرة ثانية لتأجيج التشوق إلى ما سوف يأتي..
خلاصة ما سبق :لقد اجتمع في هذا المطلع من أساليب التهويل ما لا يجتمع في الكلام عادة:
1-الجرس.
من لفظ القارعة
2-الصيغة.
تأنيث اسم الفاعل
3-الحذف.
حذف المسند إليه ( أو المسند ) في الآية الأولى
4-التكرار.
تكررت الكلمة المحورية ثلاث مرات في نهاية الفواصل الثلاث على وتيرة متقاربة
5-الاستفهام.
حصول الاستفهام في موضع توقع الإخبار
6-تأجيل الخبر.
تأجيل بعد تأجيل
7-الإظهار في موضع الإضمار.
(ما القارعة ) أظهر ولم يضمر كما أضمر في آخر السورة (ما هيه)
8-المواجهة بالخطاب.
ما أدراك.
 
عودة
أعلى