تفسير القرآن بالقرآن (2)

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,318
مستوى التفاعل
1
النقاط
36
تقدمت الحلقة الأولى على هذا الرابط :

http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=235

وإليك بقية البحث :

(6) ما يطلب من المفسر في تفسير القرآن بالقرآن :
من أراد أن يتعرض لتفسير القرآن الكريم فإن لذلك شروطه العامة لكن هناك شروط خاصة فيمن يفسر القرآن بالقرآن ذكر د. علي العبيد(1) أهمها أجملها هنا .
1-أن يكون المفسر ملماً بالقرآن كله في نظرة شاملة حتى يتسنى له مايلي:
أ-جمع ما تكرر منه في موضوع واحد ومحور واحد لمقابلة الآيات بعضها ببعض حتى يتكون لديه التفسير الصحيح .
ب- استنباط مصطلحات القرآن وعاداته من كلمه ونظمه ويسمى ذلك عند بعض العلماء بـ كليات القرآن , وعند بعضهم بـ عادات القرآن .
2-أن يكون عارفاً بالوجوه والنظائر في القرآن وفائدة ذلك حتى لا يخطئ المفسر بالتعميم أو التنظير .
3-أن يكون عارفاً بالقراءات المتواترة إذ ربما يكون تفسيرها وإيضاحها هو في القراءة الأخرى إذ كل قراءة بمثابة آية مستقلة وبه يستطيع أن يحيط بمعاني الآيات وأحكامها .

(7) معتمد الربط بين الآيات :

هذا المبحث هو كالتوطئة لمبحث أوجه تفسير القرآن بالقرآن إذ من خلال التأمل فيما نقل عن المفسرين من السلف وغيرهم نجد أن معتمدهم في جعل هذه الآية مفسرة ومبينتة للآية الأخرى إما أن يكون :
1-تشابه في المعنى .
2-أو تشابه في اللفظ .
3-أو تشابه في الموضوع .
4-أو تشابه في الحكم .
5-أو أن المعتمد وجه نحوي أوبلاغي أوغير ذلك .
وسيأتي مزيد بيان عند الحديث عن أوجه تفسير القرآن بالقرآن .

(8) أقسام القرآن من جهة البيان :
ينقسم القرآن من جهة البيان إلى قسمين :
الأول : ما هو بين في نفسه بلفظ لا يحتاج إلى بيان منه ولا من غيره .
الثاني : ما ليس ببين في نفسه فيحتاج إلى بيان وبيانه إما : في آية أخرى – وهو موضوع البحث – أو في السنة لأنها موضوعة للبيان .
وبيان القرآن للقرآن إما أن يكون :
1-مضمراً فيه : كقوله تعالى " حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها " فهذا يحتاج إلى بيان لأن " حتى " لا بد لها من تمام وتأويله حتى إذا جاءوها جاءوها وفتحت أبوابها .
2-وقد يومئ إلى محذوف وهو إما :
أ – متأخر : كقوله تعالى " أ فمن شرح الله صدره للإسلام " فإنه لم يجئ له جواب في اللفظ لكن أومأ إليه قوله :" فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله " تقديره : أ فمن شرح الله صدره للإسلام " كمن قسى قلبه
ب- وإما متقدم: كقوله تعالى " أمن هو قانت آ ناء الليل " فإنه أومأ إلى ما قبله " وإذا مس الأنسان ضر دعا ربه منيباً إليه " كأنه قال أهذا الذي هو هكذا خير أم من هو قانت ؟ فأضمر المبتدأ
3-وقد يكون بيانه واضحاً وهو أقسام :
أ-أن يكون عقبه : كقوله تعالى " الله الصمد " قال محمد بن كعب القرظي : تفسيره : لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد "
وكقوله " وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب "
وكقوله " إن الإنسان خلق هلوعاً " قال أبو العالية تفسيره : إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً " .
ب- أن يكون بيانه منفصلاً عنه في السورة معه أو في غيره (1)
وانظر أمثلته في البرهان للزركشي(2/ 205) وسيأتي ذكر لشئ
منها في أوجه تفسير القرآن بالقرآن .

(9) أوجه تفسير القرآن بالقرآن :
توطئة : ليس من السهل بيان معتمد الربط بين الآيات بل يحتاج إلى دقة وطول نظر خاصة فيما يروى عن السلف إذ قد يتجاذب ذلك أكثر من وجه لكن ينبغي التأمل كثيراً فكم من وجه من هذه الأوجه يبدو عند أول وهلة وعند التأمل يتبين لك معنى آخر هو ألصق وأ وضح وأبين للمراد والله أعلم .

الوجه لأول : تفسير ما جاء موجزاً في موضع بما جاء مبسوطاً في موضع آخر:
أكثر ما ينطبق ذلك على قصص القرآن كقصة موسى وفرعون وقصة
آدم وإبليس وقصة بني إسرائيل ومن أمثلة ما ورد عن السلف ما رواه ابن
جرير بإسناده إلى السدي رحمه الله في قصة الذين اعتدوا في السبت 1/ 331
وقد تركته لطوله .

الوجه الثاني : حمل العام على الخاص
مثاله :تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم الظلم بالشرك كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه(2) . ومن الأمثلة مايلي :
قال الله تعالى " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً " [البقرة : 234] فهي عامة في الحامل والحائل وخصت بقوله " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " [ سورة الطلاق : 4 ]
وقد روى ذلك عن ابن عباس وابن شهاب انظر تفسير ابن جرير 2/ 512
قال الزركشي : وقد يأتي التخصيص في آخر الآية : كقوله تعالى " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " فهذا عام في البالغة والصغيرة عاقلة أو مجنونة ثم خص في آخرها بقوله " فإن طبن لكم عن شيئ منه نفساً " فخصها بالعاقلة البالغة لأن من عداها عباراتها ملغاة من العفو.
وتارة في أولها كقوله تعالى " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً " فإن هذا خاص في الذي أعطاها الزوج ثم قال بعد ذلك " فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به" فهذا عام فيما أعطاها الزوج أو غيره إذا كان ملكاً لها .
وقد يؤخذ التخصيص من آية أخرى كقوله " حرمت عليكم الميتة " وهذا عام في جميع الميتات ثم خصه بقوله " فكلوا مما امسكن عليكم " فأباح الصيد الذي يموت في فم الجارح المعلم " (1) .

الوجه الثالث : حمل المجمل على المبين :
مثاله " مالك يوم الدين " بيانها في سورة الإنفطار " وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً ولأمر يومئذ لله " ومثاله ما رواه ابن جرير في جامع البيان (1/ 245 ) في تفسير " فتلقى آدم من ربه كلمات " قال مجاهد وقتادة وابن زيد : هو قوله " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "
وللإجمال أسباب كثيرة ذكر منها الزركشي تسعة أسباب (2) فليراجعها من شاء .
ولبقية الأمثلة يراجع البرهان (2/ 234) .

الوجه الرابع : حمل المطلق على المقيد :
مثاله : قال تعالى " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير .....الآية فلفظ الدم في هذه الآية مطلق وقيد بالمسفوح في قوله تعالى " قل لاأجد في فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً ".

الوجه الخامس : تفسير الألفاظ الغريبة وله صورتان :
الأولى : تفسير اللفظة بلفظة أشهر منها في آية أخرى
مثاله : " وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل " فسر السجيل بالطين في قوله " لنرسل عليهم حجارة من طين " وكلاهما في قصة قوم لوط .
الثانية : أن تفسر اللفظه ثم يذكر ما يؤيد ذلك من القرآن
مثاله ما رواه ابن جرير في تفسيره (1/ 520) عن قيس بن سعد وفي (1/ 521)
عن عكرمة في تفسير قوله تعالى " يتلونه حق تلاوته " قالا : يتبعونه حق اتباعه أما سمعت قول الله عزوجل " والقمر إذا تلاها " قال : إذا تبعها.

الوجه السادس : أن تكون الكلمة لها أكثر من استعمال فتذكر الآيات التي فيها الكلمة ليدل على أن أحد هذه الاستعمالات هو المراد في القرآن لا غيره
مثاله : ما رواه ابن جرير في تفسيره (30/ 39) في تفسير قوله تعالى " هل لك إلى أن تزكى " قال ابن زيد : إلى تسلم قال : والتزكي في القرآن كله الإسلام وقرأ قول الله تعالى " وذلك جزاء من تزكى " قال : من أسلم ، وقرأ " وما يدريك لعله يزكى " قال : يسلم ، وقرأ " و ما عليك الا يزكى " أن لا يسلم .

الوجه السابع : الجمع بين ما يتوهم أنه مختلف .
مثاله : ما رواه ابن جرير في تفسيره (30 / 259) عن ابن عباس في قوله تعالى " إنا أنزلناه في ليلة القدر " قال أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا فكان بموقع النجوم فكان الله ينزله على رسوله ، بعضه في إثر بعض ، ثم قرأ : " وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً "
فدفع بهذا الكلام بين ما يتوهم تعارضه واختلافه إذا دلت الآية الأولى على أنه أنزل القرآن جمله والآية الثانية دلت على إنزاله مفرقاً .(1)

الوجه الثامن : حمل المبهم على الواضح .
مثاله : قوله تعالى " وآخرون مرجون لأمر الله الآية " حيث أبهمت المرجون لأمر الله ووضحتها الآية الأخرى بقوله " وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت بهم الأرض بما رحبت ....... الآية فوضحت هذه الآية بأنهم الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك(2).

الوجه التاسع : حمل القراءات بعضها على بعض .
مثاله : " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن " في يطهرن قراءتان :
الأولى : بتخفيف الطاء وضم الهاء ومعناها : حتى ينقطع عنهن الدم
الثانية : بتشديد الطاء والهاء وفتحها والمعنى : حتى يتطهرن بأن يغتسلن بالماء
فيلا حظ أن كل قراءة أفادت معنى يختلف عن الآخر وقد رجح الطبري قراءة التشديد
والأولى حمل المعنى على مجموع القرآء تين (3).

الوجه العاشر : نسخ آية بآية أخرى .
مثاله : ما رواه ابن جرير (1 / 490 ) عن قتادة في تفسير قوله تعالى " فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره " قال : أتى الله بأمره فقال : " قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر " حتى بلغ " وهم صاغرون " أي صغاراً ونقمة منهم فنسخت هذه الآية ما كان قبلها .
وفي رواية عنه : قال : نسختها " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ".

الوجه الحادي عشر : تأكيد معنى في آية قد يفهم منه خلافه.
مثاله : ما رواه ابن جرير في تفسيره (30/116) عن ابن زيد في قوله " فسوف يحاسب حساباً يسيراً" قال : الحساب اليسير : الذي يغفر ذنوبه ويتقبل حسناته ، ويسر الحساب :الذي يعفى عنه وقرأ " ويخافون سوء الحساب " وقرأ " أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة "
ولذا فهمت عائشة رضي الله عنها خلاف ما في الآية عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم " من نوقش الحساب عذب فقالت : أليس الله يقول " فسوف يحاسب حسابا
يسيراً" قال ذلك العرض يا عائشة من نوقش الحساب عذب . رواه ابن جرير في الموضع المتقدم وقد رواه البخاري في صحيحه في كتاب تفسير القرآن ( 6/ 81)
وانظر كذلك تفسير ابن جرير (1 / 285).

الوجه الثاني عشر :تفسير معنى آية بآية أخرى .
مثاله : ما رواه ابن جرير في تفسيره (30/ 201 ) عن ابن زيد في تفسير " إنا هديناه النجدين " قال قاطع طريق الخير والشر ، وقرأ قول الله " إناهديناه السبيل " وانظر كذلك ( 30 / 69 ) عن عمر وفي (30/ 248) عن الحسن البصري .

الوجه الثالث عشر : جمع تفاصيل القصة القرآنية .
مثاله : انظر ما رواه ابن جرير في تفسيره (1/ 276) عن ابن عباس وفي (1/277)
عن السدي وفي (1/286) عن السدي وفي (1/288) عن ابن زيد .

الوجه الرابع عشر : معرفة كليات القرآن .
والمقصود بها الألفاظ أو الأساليب الواردة في القرآن على معنى مطرد .
مثاله : ما رواه ابن جرير في تفسيره (1/ 354) عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى " فذبحوها وما كادوا يفعلون " يقول : كادوا لايفعلون ولم يكن الذي أرادوا لأنهم أرادوا أن يذبحوها وكل شئ في القرآن كاد أو كادوا أو لو فإنه لايكون وهو مثل قوله "أكاد أخفيها ".

الوجه الخامس عشر : جمع الآيات التي تتحدث عن موضوع واحد
والفرق بينه وبين وجه الثالث عشر أن ذاك خاص في القصة القرآنية وهذا عام في القصة وغيرها .
مثاله : ما رواه ابن جرير في تفسيره (30/ 186) عن الضحاك يقول : إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا بأهلها ونزل من فيها من الملائكة .........فذلك قوله " وجاء ربك والملك صفا صفا وجيئ يومئذ بجهنم " وقوله :" يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض ...." وذلك قول الله " وانشقت السماء فهي يومئذ واهيه والملك على أرجائها" وانظر (1/154) عن ابن عباس
و(30/ 111) عن قتادة .

الوجه السادس عشر : أن يذكر في القرآن أمر ثم يذكر في مكان آخر وقوعه أو كيفيته أوزمانه أومكانه .
مثاله : ما رواه ابن جرير في تفسيره (30/308 ) عن ابن عباس قال :" وآمنهم من خوف " حيث قال إبراهيم عليه السلام " رب أجعل هذا البلد آمناً " وانظر
(30 / 309 ) عن ابن زيد .

الوجه السابع عشر : التفسير بالسياق :
مثاله : ما رواه ابن جرير (30/ 203) عن قتادة في تفسير " وما أدراك ما العقبة " ثم أخبر عن اقتحامها فقال " فك رقبة أوإطعام "
قال ابن جرير معلقاً : وإذا وجه الكلام إلى هذا الوجه كان قوله " فك رقبة أو إطعام " تفسيراً لقوله " وما أدراك ما العقبة" كما قال جل ثناؤه " وما أدراك ماهيه " ثم قال : " نار حامية " مفسراً قوله " وأمه هاويه "
وأمثلة هذا الوجه كثيرة جداً أشرنا إلى شيء منها في المبحث الثامن وبقيتها في البرهان للزركشي( 2/ 203).

الوجه الثامن عشر : أن يختار المفسر قولاً في الآية سواء كان نحوياً أو بلاغياً أو فقيهاً إستناداً على آية أخرى .
ومن أمثلته : ما ذكره ابن جرير(1/181) عند تفسيره لقوله تعالى في سورة البقرة " يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً" فقال : وقد زعم بعضهم أن ذلك خبر عن المنافقين كأنهم قالوا : ماذا أراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد يضل به هذا ويهدي به هذا ثم أستؤنف الكلام والخبر عن الله فقال الله " وما يضل به إلا الفاسقين " وفيما في سورة المدثر من قول الله " وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء " ما ينبئ عن أنه في سورة البقرة كذلك مبتدأ .
وانظركذلك :(30 / 209) – (30 / 332)


وفي الختام أسأل الله أن يرزقني وإياكم تدبر كتابه والعمل بما فيه ومن نظر وتأمل في القرآن وكلام السلف والمفسرين رأى من ذلك شيئاً كثيراً إلا أنه ليس ذلك بالأمر السهل قال الذهبي : ليس حمل المجمل على المبين أو المطلق على المقيد أو العام على الخاص أو إحدى القراء تين على الأخرى بالأمر الهين الذي يدخل تحت مقدور كل إنسان وإنما هو أمر يعرفه أهل العلم والنظر خاصة . ( التفسير والمفسرون 1/41
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 
أيها الأخوة ارجو إضافة ما ترون حول هذا الموضوع او مناقشة ماورد فيه خاصة وان الموضوع مازال يحتاج إلى مزيد تحرير
اسأل الله ان ينبري له أحد المتخصصين برسالة مستقلة .
 
بسم الله

شكر الله سعيك أخي أباخالد ؛ وقد قرأت ما سطرته يمينك هنا ، وأشكل علي مسائل :

منهما : المثال الذي ذكرته لحمل القراءات بعضها على بعض ، هل يدل على المراد ؛ فقد ذكرت أن الأولى حمل المعنى على مجموع القراءتين . فأين تفسير القرآن بالقرآن هنا ؟

ومنها : مثال النسخ الذي ذكرته ؛ فمن المعلوم عند أهل التحقيق أن الحكم الموقت بزمن معين لا نسخ فيه . [انظر مباحث في علوم القرآن للقطان عندما ذكر شروط النسخ ، ونقل قول مكي في ذلك ص238 طبعة دار المعارف ]
إلا إذا كان المراد بالنسخ المعنى العام له ، فعندئد يكون هذا المثال داخلاً تحت وجه : بيان المجمل أو الخفي .

ومنها : لم يظهر لي وجه الربط بين الوجه السادس عشر ومثاله . فأين المفسِّر من المفسَّر ؟ وما وجه الربط بين المثال والوجه بالتحديد ؟

وبعد ؛ أرجو أن يتسع وقتك وصدرك للإجابة عن هذه التساؤلات .
 
حياك الله ابا مجاهد وصدري متسع لما أوردت بل مسرور غاية السرور فحلاوة العلم مدارسته
واما جوابك فكالتالي :
المسألة الأولى :قولك :المثال الذي ذكرته لحمل القراءات بعضها على بعض ، هل يدل على المراد ؛ فقد ذكرت أن الأولى حمل المعنى على مجموع القراءتين . فأين تفسير القرآن بالقرآن هنا ؟

فجواب وجه حمل القراءتين في الآية يجيب عن ذلك الشوكاني رحمه الله ودونك كلامه في كتابه فتح القدير:
قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن كثير، وابن عامر، وعاصم في رواية حفص عنه بسكون الطاء، وضم الهاء. وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر: «يطهرن» بتشديد الطاء، وفتحها، وفتح الهاء، وتشديدها. وفي مصحف أبيّ، وابن مسعود: «ويتطهرن» والطهر انقطاع الحيض، والتطهر: الاغتسال. وبسبب اختلاف القراء اختلف أهل العلم، فذهب الجمهور إلى أن الحائض لا يحل وطؤها لزوجها حتى تتطهر بالماء. وقال محمد بن كعب القرظي، ويحيـى بن بكير: إذا طهرت الحائض، وتيمّمت حيث لا ماء حلت لزوجها، وإن لم تغتسل. وقال مجاهد، وعكرمة: إن انقطاع الدم يحلها لزوجها، ولكن تتوضأ. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد: إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له أن يطأها قبل الغسل، وإن كان انقطاعه قبل العشر لم يجز حتى تغتسل، أو يدخل عليها، وقت الصلاة. وقد رجح ابن جرير الطبري قراءة التشديد. والأولى أن يقال: إن الله سبحانه جعل للحلّ غايتين كما تقتضيه القراءتان: إحداهما انقطاع الدم، والأخرى التطهر منه، والغاية الأخرى مشتملة على زيادة على الغاية الأولى، فيجب المصير إليها. وقد دلّ أن الغاية الأخرى هي المعتبرة. قوله تعالى بعد ذلك: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر، لا مجرد انقطاع الدم. وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين، فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة بالعمل بتلك الزيادة، كذلك يجب الجمع بين القراءتين.

اما المسألة الثانية :قولك : مثال النسخ الذي ذكرته ؛ فمن المعلوم عند أهل التحقيق أن الحكم الموقت بزمن معين لا نسخ فيه . [انظر مباحث في علوم القرآن للقطان عندما ذكر شروط النسخ ، ونقل قول مكي في ذلك ص238 طبعة دار المعارف ]
إلا إذا كان المراد بالنسخ المعنى العام له ، فعندئد يكون هذا المثال داخلاً تحت وجه : بيان المجمل أو الخفي .

فجوابي ما يلي :
صرح المفسرون من السلف وغيرهم بالنسخ قال ابن جرير :
فنسخ الله جل ثناؤه العفو عنهم والصفح بفرض قتالهم علـى الـمؤمنـين حتـى تصير كلـمتهم وكلـمة الـمؤمنـين واحدة، أو يؤدّوا الـجزية عن يد صَغَاراً. كما: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو صالـح، قال: حدثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس قوله: {فـاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتـى يَأْتِـيَ اللَّهُ بأمْرِهِ إنَّ اللَّهَ علـى كلِّ شَيْءٍ قَدِير} ونسخ ذلك قوله:
{فَـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ}
. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: {فَـاعْفُوا وَاصْفَحُوا حتـى يأتِـي اللَّهُ بأمْرِهِ} فأتـى الله بأمره فقال:
{قَاتِلُوا الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِـاللَّهِ وَلا بالْـيَوْمِ الآخِرِ}
حتـى بلغ:
{وهُمْ صَاغِرُونَ}
أي صَغَاراً ونقمة لهم فنسخت هذه الآية ما كان قبلها: {فَـاعْفُوا وَاصْفَحُوا حتـى يَأْتِـيَ اللَّهُ بأمْرِهِ}. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع فـي قوله: {فـاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتـى يَأْتِـيَ اللَّهُ بأمْرِهِ} قال: اعفوا عن أهل الكتاب حتـى يحدث الله أمرا. فأحدث الله بعد فقال:
{قَاتِلُوا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـاللَّهِ وَلا بـالْـيَوْمِ الآخِرِ}
إلـى:
{وهُمْ صَاغِرُونَ}
. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أنا معمر، عن قتادة فـي قوله: {فـاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتـى يَأْتِـيَ اللَّهُ بِأمْرِهِ} قال: نسختها: «اقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ». حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: {فَـاعْفُوا وَاصْفَحُوا حتـى يَأتِـيَ اللَّهُ بأمْرِهِ} قال: هذا منسوخ، نَسَخَه:
{قاتِلُوا الذين لا يُؤمِنُونَ بـاللَّهِ وَلا بـالْـيَوْمِ الآخِرِ" ا.هـ
وذهب بعض المفسرين إلى ما ذكرت قال ابن الجوزي في زاد المسير :
فصل وقد روي عن ابن مسعود، و ابن عباس، و أبي العالية، وقتادة، رضي الله عنهم: ان العفو والصفح منسوخ بقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله} التوبة: 29. وأبى هذا القول جماعة من المفسرين والفقهاء، واحتجوا بأن الله لم يأمر بالصفح والعفو مطلقا، وإنما أمر به الى غاية، وما بعد الغاية يخالف حكم ما قبلها، وما هذا سبيله لا يكون من باب المنسوخ، بل يكون الأول قد انقضت مدته بغايته، والآخر يحتاج الى حكم آخر. ا. هـ
ولعل فيما ذكره ابن عطية ما يزيل الإشكال حيث قال بعد ذكره للقول بالنسخ :
وقال قوم : ليس هذا حد المنسوخ , لأن هذا في نفس الأمر كان التوقيف على مدته.
وعقب بقوله : وهذا على من يجعل الأمر المنتظر أوامر الشرع أو قتل قريظة واجلاء النضير , وأما من يجعله آجال بني آدم فيترتب النسخ في هذه الآية بعينها , لأنه لا يختلف أن آية الموادعة المطلقة قد نسخت كلها, والنسخ هو مجيئ الأمر في هذه المقيدة , وقيل مجيئ الأمر هو فرض القتال , وقيل قتل بني قريظة واجلاء بني النضير.
وأما المسألة الثالثة : قولك :لم يظهر لي وجه الربط بين الوجه السادس عشر ومثاله . فأين المفسِّر من المفسَّر ؟ وما وجه الربط بين المثال والوجه بالتحديد ؟

فجوابي عنه ما يلي :
ابن عباس يشير إلى أن الله تعالى استجاب دعوة إبراهيم عليه السلام في جعل البيت آمنا فآية البقرة دعاء وآية قريش تبين حصول هذا الدعاء زمانا ومكانا وهو بين كما ترى
وشكر الله لك ابا مجاهد مرة أخرى .
 
أخي الكريم أبا خالد :
شكر الله لك على هذا البحث القيم ، ولكن :
هلا قمت بتنزيله في ملف وورد خاصة وأن أرقام الحواشي لم تظهر أسفل الصفحة ، وحتى نستطيع حفظه منسقاً لنستفيد منه .
 
شكر الله لك ابا خالد حسن ظنك بأخيك , وسأنفذ طلبك قريباً ان شاء الله .
 
كنت كتبت في هذا الموضوع شيئا قديا غالبه ترتيب وتهذيب لما كتبه الشنقيطي في مقدمة أضواء البيان أحببت به إثراء ما طرحه الأخ أبو خالد وفقه الله هنا فأقول مستعينا بالله في بيان الطريق الأولى من طرق تفسير القرآن

الطريق الأولى: تفسير القرآن بالقرآن:
وهو أبلغ الطرق وأدلها على المقصود، لأنه لا أحد أعلم بكلام الله من الله-جلّ وعلا-،وقد فعله رسول الله-صلى الله عليه وسلم- عندما فسّر الظلم في قوله تعالى:"الذين آمنوا وَلمَ يلبِسُوا إِيمَانهُم بِظُلمٍ أُولئِك لهَمُ الأَمنُ وَهُم مُهتدون"، بقوله تعالى:"ِإنَّ الشِّركَ لظُلمٌ عَظِيم". وسار عليه السلف الصالح وممن شهر به عبدالرحمن بن زيد بن أسلم.
واعتنى به ابن كثير في تفسيره،
وأفرده الأمير الصنعاني محمد بن ا سماعيل[ت1181]بمؤلف سماه "مفاتيح(مفتاح) الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن"، وهو مخطوط. ثم جاء الإمام محمد الأمين الشنقيطي[ت1393]فكتب فيه تفسيره العظيم:"أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن".ويعد خير كتاب ألف فيه إلى اليوم زيّنه بمقدمة متينة في "أنواع بيان القرآن بالقرآن".
وتفسير القرآن بالقرآن نوعان:
الأول:صريح قطعي:وهو أن يكون سياق الآية واضحا في الدلالة على التفسير. ومن أمثلته:قوله تعالى:"ويلٌ للمُطَفِّفين" ثم بين المراد بهم بقوله"الذينَ إِذا اكْتالُوا عَلى النّاسِ يَستوفُون - وَإذا كَالُوهُم أو وَزنُوهُم يُخسِرُون"، وقوله تعالى:" ألا إِنّ أولِياءَ اللهِ لا خَوفٌ عَليهِم وَلا هُم يحزَنونْ" ثم بين المراد بهم بقوله:"الذين آمنُوا وكَانُوا يَتقُون".
وهذا النوع يجب قبوله والأخذ به ولايجوز العدول عنه.
الثاني: اجتهادي ظني: وهو أن يجتهد المفسر في بيان آية بأخرى يرى أنها موضحة لها دون أن يكون في النص مايقطع المراد.
ومن أمثلته: قوله تعالى:"والنّجمُ والشّجرُ يَسجُدَان". حيث قال جماعة: النجم مالا ساق له من النبات بخلاف الشجر، ودليل هذا التفسير اقترانه بالشجر، وقال آخرون:بل المراد النجم المعروف في السماء لأنه الغالب في الاستعمال، ولورود مايدل على ذلك في القرآن حيث قرن الله بين النجوم والشجر في قوله تعالى:"ألم ترَ أنَّ الله يَسجُدُ لَه مَن فِي السّماوَاتِ وَمَن فِي الأرضِ والشّمسُ والقَمرُ والنّجُومُ والجِبَالُ والشّجرُ والدَّوابُّ وكَثيرٌ مِن النَّاسِ وكَثيرٌ حَق عَلَيهِ العَذَاب…الآية".
ومنه قوله تعالى:"ثلاثةَ قُرُوء" حيث فسره بعضهم بالحيض، وفسره آخرون بالطهر لقوله تعالى:"فطَلّقُوهُنّ لِعِدَّتهِن" فاللام للتوقيت ووقت الطلاق المأمور به في الآية الطهر لا الحيض .
وهذا النوع يختلف الحكم فيه باختلاف قوة الاجتهاد وقربه من الصواب، ومقابلته بالأقوال الأخرى.

أنواع بيان القرآن للقرآن:
ألوان بيان القرآن للقرآن كثيرة من أهمها مايلي:
1- بيان الإجمال الواقع بسبب اشتراك في اسم أو فعل أو حرف.
المشترك: هو اللفظ الدال على أكثر من معنى.
فمثال الأول:(الاشتراك في اسم) قوله تعالى:"وليطوفوا بالبيت العتيق". فالعتيق يطلق بالاشتراك على:القديم، وعلى المعتق من الجبارة، وعلى الكريم. ويدل للأول قوله تعالى:" إِنَّ أوَّلَ بيتٍ وُضِعَ للنّاسِ لَلذِي بِبَكّةَ مُبارَكاً".
ومثال الثاني:(الاشتراك في فعل) قوله تعالى :" ثمَّ الذِينَ كفَرُوا بِرَبهِم يَعدِلُون" فعدل تأتي بمعنى(سوّى) وتأتي بمعنى:(مال وصدّ) ويدل للأول قوله تعالى:"تاللهِ إن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ- إِذ نُسَويكُم بِرَبّ العَالمَين "،وقوله تعالى:"وَمِن النّاسِ مَن يتّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أندَاداً يحِبَّونَهُم كَحُبّ الله".
ومثال الثالث:(الاشتراك في حرف)قوله تعالى:"خَتمَ اللهُ عَلَى قلُوبِهِم وَعلَى سَمعِهم وَعلَى أبْصَارِهِم غِشَاوَة" فإن الواو في قوله:(وَعلَى أبْصَارهِم) محتملة للاستئناف وللعطف وقد بينت آية الجاثية أنها للاستئناف وهي قوله تعالى:"أفَرأيتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأضَلَّهُ الله عَلَى عِلمٍ وَخَتمَ عَلَى سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَل عَلَى بَصرِه غِشَاوَة".
وكقوله:" فَامْسَحُوا بوجُوهِكُم وَأيدِيكُم مِنْه". فقيل(من) للتبعيض، ولذا اشترطوا صعيدا له غبار يعلق باليد، وقيل: هي لابتداء الغاية ولذا لم يشترطوا ماله غبار بل يجوز التيمم على الرمل والحجارة، وهذا أنسب لما بعده وهو قوله"مَا يُرِيدُ الله لِيَجعَلَ عَليكُم مِن حَرَج". أي:أيّ حرج. والتكليف بما له غبار فيه نوع من الحرج، لأن كثيرا من بلاد الله لايوجد فيها إلا الجبال والرمال.

2- بيان الإجمال الواقع بسبب إبهام في اسم جنس جمعا كان أو مفردا أو اسم جمع أو صلة موصول أو معنى حرف:
مثال الأول:( اسم الجنس الجمعي-وهو الذي يفرق بينه وبين مفرده بالتاء-)قوله تعالى:"فَتلقَّى آدمُ مِن رَبهِ كَلِمَاتٍ فَتابَ عَلَيه "فأبهم الكلمات وذكرها في قوله"قَالا رَبنَا ظَلمنَا أنفُسَنَا وَإِن َلم تغفِر لَنَا وَترحَمنا لَنكُو نَنّ مِن الخَاسِرِين".
ومثال الثاني:(اسم الجنس المفرد) قوله تعالى:"وَتمّت كَلِمةُ رَبكَ الحُسنَى عَلَى بَني إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا"فأبهم الكلمة هنا وبينها بقوله"وَنرِيدُ أن نمُنَّ عَلَى الذِينَ استُضْعِفُوا في الأرضِ وَنجعَلَهُم أئِمّةً وَنجَعلَهُم الوَارثِين- وَُنمكّنَ لَهُم في الأرض .." .
ومثال الثالث:(اسم الجمع-وهو ماليس له واحد في لفظه-)قوله تعالى:"وَنعَمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِين -كَذَلِك وَأوْرَثنَاهَا قَوماً آخرِين" فالقوم:اسم جمع وقد بينه في الشعراء بقوله"كَذَلِكَ وَأورَثنَاهَا بَني إِسْرَائِيل".
ومثال الرابع:(صلة الموصول) قوله تعالى:"صِرَاطَ الذينَ أنعَمتَ عَليهِم" بينه بقوله"أولَئِكَ الذِينَ أنعَمَ الله عَليهِم مِن النَّبيّينَ والصّدِيقِين…".
ومثال الخامس:(معنى حرف) قوله تعالى:"وَأنفَقُوا ممّا رَزَقنَاكُم" فإن لفظة (من) للتبعيض والبعض مبهم هنا مبين بقوله"وَيَسألُونَكَ مَاذا يُنفِقُون قُلِ العَفْو" والعفو الزائد عن الحاجة الضرورية.
ومثال السادس:(اللفظ الذي يطلق على المذكر والمؤنث) قوله تعالى:"وَإِذ قَتلتمُ نفساً" فإن النفس تُطلق على الذكر والأنثى وقد أشار تعالى هنا على أنها هنا "ذكر" حيث ذكر الضمير العائد إليها في قوله:"فَقُلنا اضْرِبُوهُ ببَعضِها".



3- بيان الإجمال الواقع بسبب احتمال في مُفسر الضمير:
مثاله: قوله تعالى:"وَإِنهُ عَلَى ذَلِكَ لَشهِيد" فيُحتمل عود الضمير على الرّب-سبحانه-وعلى الإنسان المذكور في قوله:(إِنّ الإنسَانَ لِرَبهِ لَكَنُود) والسّياق يدل على عوده على الإنسان لأنه قال بعده:"وَإِنه لحُبِّ الخيرِ لَشَدِيد"ولا خلاف بأن المراد به هنا هو الانسان.

4- صرف اللّفظ عن ظاهره لدليل:
يكون الظاهر المتبادر للأذهان من الآية غير مُراد بدليل قرآني على أن المراد غيره.
مثاله: قوله تعالى:"الطّلاقُ مَرّتان" فإن ظاهره المتبادر منه أن الطلاق كله محصور في المرّتين، ولكن بيّنت الآية بعدها أن المراد بالمحصور هنا هو الطّلاق الرّجعي.قال تعالى:"فِإنّ طَلقَهَا فَلا تحِلُّ لَهُ مَن بَعد حَتى تنكِحَ زَوجاً غَيرِه".

5- أن يذكر أمر ما في القرآن ثم يُبيّن في موضع آخر شيء يتعلق به (كالمقصود منه أو سببه أو مفعوله أو صفته أو مكانه أو زمانه أو متعلقه أو كيفية وقوعه أو يأتي سؤال وجواب عنه أو حكمته أو هل تم الامتثال به أو يخبر بوقوع شيء ثم يُبيّن وقوعه):
فمثال الأول:(ذكر المقصود) قوله تعالى:"وَقَالُوا لَولا أٌنزِلَ عَلَيهِ مَلكٌ وَلو أَنزَلنَا مَلكَاً لَقُضِيَ الأَمر"فإنه بيّن في سورة الفرقان أن مرادهم بالمَلَك المقترح إنزاله أن يكون نذيرا آخر مع الرسول-صلى الله عليه وسلم-وذلك في قوله تعالى:"وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يأكُلُ الطَّعَامَ وَيمَشِي فِي الأسْوَاقِ لَولا اُنزِلَ إِليهِ مَلَكٌ فَيكُونَ مَعَهُ نَذِيرَا".
ومثال الثاني:(وهو السّبب) قوله تعالى:"يَومَ تَبيَضُّ وُجُوهٌ وَتسْوَدُّ وُجُوه" فإنه أشار إلى سبب اسودادها بعدها بقوله:"فَأمَّا الذِين اسوَدَّت وُجُوهُهُم اكَفر تُم..الآية". وبقوله:"وَيومَ القِيَامَةِ تَرَى الذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُم مُسْوَدَّة" وغيرها.
ومثال الثالث:(وهو ذكر المفعول الواحد) قوله تعالى:"إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبَرةً لِمَن يخشَى". فإنه لم يذكر مفعول"يخشى". وذكره في سورة هود بقوله:"إِن في ذلِكَ لآيةً لمَن خَافَ عَذَابَ الآخِرَة" فالآية الأولى في قصة فرعون وموسى ، والثانية كذلك وردت بعد قصة فرعون وموسى. ومثلها أيضا ما ورد في سورة الذاريات .
ومثال(المفعول الثاني) قوله تعالى:"ثُمّ اتخَذتُم العِجل" فإن المفعول الثاني لِ"اتخذ" محذوف في جميع الآيات التي ورد فيها ذكر اتخاذ العجل إلهاً، وتقديره:(اتخذتم العجل إلها). ونكتة حذفه: التنبيه على أنه لا ينبغي أن يُتلفظ بأن عجلاً مصطنعاً إله. وقد أشار إلى هذا المفعول في سورة طه بقوله:"فَكَذلِكَ ألقَى السَّامِرِيّ _ فّاخْرَجَ لَهُم عِجلاً جَسَداً لُه خُوَار، فَقَالُوا هَذَا إِلهُكُم وِإلَهُ مُوسَى فَنَسِي".
ومثال الرابع:(وهو ذكر الصفة) قوله تعالى:"وَندْخِلُهُم ظِلاً ظَلِيلا" فقد بيّن بعض أوصاف الظلّ في قوله تعالى:" أُكُلهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا" وقوله:"وَظِلٍّ مَمدُود" وقد يذكر نقيض ذلك الوصف لضد ذلك الشيء كقوله في وصف ظل أهل النار:"انطَلِقُوا إلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَب – لاظَلِيلَ وَلايُغني مِنَ اللَّهَب".
ومثال الخامس:(وهو ذكر المكان) قوله تعالى:"الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمِين" حيث بيّن في سورة الروم أن السّماوات والأرض مكانٌ لحمده، قال تعالى:"وَلَهُ الحَمدُ في السَّمَاوَاتِ وَالأرض".
ومثال السادس:(وهو ذكر الزمان) قوله تعالى:"لَهُ الحَمدُ في الأُولَى وَالآخِرَة" وقوله" وَلَهُ الحَمدُ في الآخِرَة" فبيّن أن الدنيا والآخرة زمان لحمده.
ومثال السابع:(وهو ذكر المتعلق) قوله تعالى:"وَحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أن يَكُفَّ بَأسَ الذِينَ كَفَرُوا..الآية". فإنه لم يبيّن هنا مُتعلق التحريض، ولكنه بيّنه في الأنفال بقوله:"وَحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتال".
ومثال الثامن:(وهو كيفية الوقوع) قوله تعالى:"وِإِذ وَاعَدنا مُوسَى أربَعِينَ لَيلَةً ثُمَّ اتخَذتُم العِجلَ مِن بَعدِه". فإنه لم يبين هنا كيفية الوعد بالليالي، هل كانت مجتمعة أم مُفرقة؟ وبيّنها في الأعراف بقوله:"وَوَاعَدناَ مُوسَى ثلاثِينَ لَيلَةً ثُمَّ أتمَمنَاهَا بِعَشرٍ فَتمَّ مِيقَاتُ رَبهِ أربَعِينَ لَيلَة".
ومثال التاسع:(وهو إتيان سؤال وجواب عنه) قوله تعالى:"مَالِكِ يَومِ الدِّين".فإنه لم يبيّن هنا. ووقع عنه سؤال وجواب في موضع آخر وهو قوله تعالى:"وَمَا أدرَاكَ مَايَومُ الدِّينِ- ثُمَّ مَا أدرَاكَ مَايَومُ الدِّين.."
وقوله:"الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين". فإن"العالمين"وقع عنه سؤال وجواب في موضع آخر وهو قوله:"قَالَ فِرعَونُ وَمَارَبُّ العَالمِينَ- قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ وَمَابَينَهُمَا إِن كُنتُم مُوقِنِين". وسؤال فرعون وإن كان في الأصل سؤالاً عن الرب سبحانه فقد دخل فيه الجواب عن المراد بالعالمين .
ومثال العاشر:(وهو ذكر الحكمة) قوله تعالى:"وَهُوَ الذِي جَعَلَ النُّجُومَ لِتهتدُوا بهَا". فإن من حِكم خلق النجوم تزيين السّماء الدّنيا ورجم الشّياطين بها كما قال تعالى:"وَلَقَد زَيَّنَا السَّماءَ الدُّنيَا ِبمَصَابِيحَ وَجَعَلنَاهَا رُجُومَاً لِلشَّياطِين". وقال:"وَلَقَد زَيَّنا السَّماءَ الدُّنيَا بِزِينَةِ الكَواكِبِ وَحِفظاً مِن كُلِّ شَيطَانٍ مَارِد".
ومثال الحادي عشر:(وهو هل تم امتثال الأمر والنهي أو حصل الشّرط) قوله تعالى لنبيّه –صلى الله عليه وسلم-والمؤمنين:"قُولُوا آمنَّا بِاللهِ وَمَا أنزِلَ إلينَا..".فقد بين في آخر السورة أنهم امتثلوا فقال:"آمَن الرَّسُولُ ِبما أنزِلَ إِلَيهِ مِن رَبِّهِ وَالمُؤمِنُون..".
ومثله أيضًا لكنه في النهي قوله تعالى:"وَقُلنَا لَهُم لاتعدُوا ِفي السَّبت" فقد بين أنهم لم يمتثلوا في قوله:"وَلَقَد عَلِمتُم الذِينَ اعتدَوا مِنكُم ِفي السَّبت.." وقوله:"وَاسأَلهُم عَنِ القَريةِ الّتِي كَانت حَاضِرَةَ البَحرِ إِذ يَعدُونَ ِفي السَّبت ". والمراد بعضهم.
ومثله أيضًا لكنه في حصول الشرط قوله تعالى:"وَلا يَزالُونَ يُقَاتِلُونكُم حَتَّى يَرُدُّوكُم عَن دِينكُم إِنِ استطَاعُوا" فقد بين في أول المائدة أنهم لم يستطيعوا بقوله:"اليَومَ يَئِسَ الذِين كَفَرُوا مِن دِينكُم قَلا تخشَوهُم وَاخشَون".
ومثال الثاني عشر:(وهو أن يذكر أن شيئاً سيقع ثم يبيّن وقوعه بالفعل) قوله تعالى:"سَيَقُولُ الذِينَ أَشرَكُوا لَو شَاءَ اللهُ مَا أشرَكنَا" وصرّح في النحل بأنهم قالوا ذلك بالفعل بقوله:"وَقَالَ الذِينَ أشرَكُوا لَو شَاءَ اللهُ مَاعَبدنَا مِن دُونِه مِن شَيء".

6- أن يكون للفظٍ في الآية معنى غالب في القرآن فيجب تفسيره به وعدم إخراجه من معناه:
مثاله: قوله تعالى:"لأَغْلِبَنَّ أناَ وَرُسُلِي". فإن الغالب في القرآن استعمال (الغلبة) مرادا بها الغلبة بالسّيف والسّنان كما في قوله:"غُلِبَتِ الرُّوم". وقوله:"قُل لِلذِينَ كَفَرُوا سَتُغلَبُون..". وقوله:"وَإِن تكُن مِنكُم مائةٌ يَغلِبُوا ألفاً مِنَ الذِينَ كَفَرُوا". وعليه فيجب تفسير الغلبة في الآية الأولى بذلك، ومن قال: إنما المراد الغلبة بالحجّة والبرهان فهو صحيح لكن لا يجوز إخراج المعنى الغالب عن مراد الآية لأنه مما ورد به القرآن.
فإن كان المعنى المذكور متكرراً قصْده في القرآن إلا انه ليس أغلب من قصد سواه، فإنه دون الأول في الرتبة ،والاستدلال به استئناس،كإطلاق (الظلم) على الشّرك في قوله:"وَلمَ يَلبِسُوا إِيمَانهَم بظُلم"وقوله:"إِنَّ الشِّركَ لظُلمٌ عَظِيم".وقوله:"وَالكَافِرُونَ هُمُ الظا لمُون" .وورد مراداً به غير الشرك كقوله تعالى:"ثُمَّ أَورَثنا الكِتابَ الذِينَ اصطَفَينَا مِن عِبَادِنا فَمِنهُم ظَالِمٌ لِنَفسِه.."

7- أن يحيل في آية على شيء ذُكر في آية أخرى وهذا من صريح تفسير القرآن بالقرآن
مثاله: قوله تعالى:"وَ قَد نزَّلَ عَلَيكُم ِفي الكِتابِ أن إِذا سَمِعتُم آياتِ اللهِ يُكفَرُ بهَا وَيُستهزَأ بهَا فَلاَ تقعُدُوا مَعَهُم". والمراد بما نزّل هو قوله في سورة الأنعام:"وَإِذا رَأيتَ الذِينَ يخُوضُونَ ِفي آياتِنَا فَأعرِض عَنهُم حَتى يخُوضُوا ِفي حَدِيثٍ غَيرِه".
ومثله: قوله تعالى:"وَعَلَى الذِينَ هَادُوا حَرَّمنَا مَا قَصَصنَا عَلَيكَ مِن قَبل"والمراد به ما في سورة الأنعام:"وَعَلَى الذِينَ هَادُوا حَرَّمنَا كُلَّ ذِي ظُفْر".
ومثله: قوله تعالى:"فِإذا تطَهَّرنَ فآتوُهُنَّ مِن حَيثُ أمَرَكُمُ الله". فإن محل الإتيان المحال عليه مذكور في موضعين.الأول:قوله بعد الآية:"نِسَاؤُكُم حَرثٌ لَكُم فَأتوُا حَرثكَم أنى شِئتم". فقد بين أن موضع الإتيان هو مكان حرث الأولاد.وهو القبل دون الدبر. والثاني:قوله تعالى:"فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابتغُوا مَا كَتبَ الله لَكُم" أي جامعوهن وابتغوا ماكتب الله لكم أي ولتكن تلك المجامعة في محل ابتغاء الولد. وهو القُبل دون الدبر.
8- تفسير اللفظ إما بلفظٍ أشهر منه و أوضح عند السامع أو بذكر مقابلة الموضح له:
مثال الأول:قوله تعالى:"وَأمطَرنا عَلَيهِم حِجَارَة مِن سِجِّيل". فإنه بين في موضع آخر في القصة نفسها معنى السّجيل وذلك في قوله:"قَالُوا إِنَّا أُرسِلنَا إِلَى قَومٍ مجُرِمينَ- لِنُرسِلَ عَلَيهِم حِجَارَةٍ مِن طِين".
ومثال الثاني قوله تعالى:"اللهُ يَعلَمُ مَاتحَمِلُ كُل أنثى وَمَا تغِيضُ الأَرحَامُ وَمَا تزدَادُ وَكُل شَيءٍ عِندَهُِبمقدَار". فقد بان معنى"تغِيض" وهو تنقص لما ذكر مقابله وهو"تزدَاد".

9- أن يكون في الآية قرينة تدل على منع أحد المعاني أو ردِّ بعض الأقوال:
ومن أمثلته: قوله تعالى:"وَكَتبنَا عَلَيهِم فِيهَا أنَّ النَّفسَ بالنَّفس" فيرى أبو حنيفة-رحمه الله-أن عموم الآية يفيد أن المسلم يُقتل بالكافر، ويمنع منه قوله في آخر الآية"فَمَن تصَدَّق بهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَه". فإنها قرينة على عدم دخول الكافر، لأن صدقته لا تكفر عنه شيئا، إذ لاتنفع الأعمال الصالحة مع الكفر.
ومثله أيضاً: قوله تعالى:"وَاتلُ عَليهِم نبأَ ابنَيْ آدمَ بالحَق.."قال الحسن:المراد بابني آدم رجلان من بني إسرائيل، ويمنع منه قوله في القصة:"فَبَعَثَ الله غُرَاباً يَبحَثُ فِي الأرضِ ليُريَهُ كَيفَ يُوَاريَ سَوءَةَ أخِيه". إذ فيها أن ذلك وقع في مبدأ الأمر قبل أن يعرف الناس كيفية دفن الموتى، أما في زمن بني إسرائيل فقد عُرف الدفن فلا يخفى على أحد.
ومثله أيضاً: قول بعضهم أن آية الحجاب:"وَإِذا سَألتُمُوهُنَّ مَتاعَاً فَاسأَلوُهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَاب". خاصّة بأزواج النبي-صلى الله عليه وسلم-. فإن تعليله لهذا الحكم بقوله:"ذلِكُم أطْهُرُ لِقُلُوبكُم وَقُلُوبهِن". قرينة واضحة على قصد تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد أن غير أزواج النبي-صلى الله عليه وسلم-لاحاجة إلى طهارة قلوبهن ولا إلى طهارة قلوب الرجال من الريبة منهن.
ومثله: قول بعضهم أن ازواجـه-صلى الله عليه وسلم-غير داخـلات في أهـل بيته المذكورين في قوله"إِنمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِّجسَ أهَلَ البَيت". ويمنع منه: أن السّيــاق مصرِّح بدخولهن، لأنه ورد قبلها قوله"قُل ِلأزوَاجِكَ إِن كُنتنَّ ترِدن..". وبعدها قوله:"وَاذكُرنَ ما يتلى ِفي ِبيُوتِكُن..".
10- أن يذكر لفظ عام ثم يخصصه أو يصرح في بعض المواضع بدخول بعض أفراد ذلك العام في حكمه:
مثال الأول:قوله تعالى:"وَ المُطَلَّقاتُ يَترَبصنَ ِبأنفُسِهِنَّ ثلاَثةَ قُرُوء". فهذا حكم عام في جميع المطلقات، ثم أتى ما يخصص من هذا العام الحوامل وهو قوله تعالى:"وَأولاَتُ الأَحمَالِ أجَلُهنَّ أن يَضَعنَ حَملَهُن". فخصص من عموم المطلقات أولات الأحمال.
ومثال الثاني: قوله تعالى:"ذلِكَ وَمِن يُعَظِم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنهَا مِن تقَوَى القُلوُب". فقد صرح بدخول"البُدْن " في هذا العموم بقوله بعده:"وَالبُدنَ جَعلنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِالله".بلغ 25 جمادى الثانية،
 
لأخي وحبيبي الشيخ مساعد الطيار رأي في موضوع تفسير القرآن بالقرآن سبق أن نشره في مجلة البيان أتمنى أن يقدمه هاهنا
 
اإخوة الكرام : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، اما بعد :
فأشكر لأخي الكريم المفضال أبي عبد الله محمد الخضيري حرصه على طرح ما كتبت ، وها أنذا أطرحه كما هو ، فأقول :
تفسير القرآن بالقرآن:
يعتبر القرآن أول مصدر لبيان تفسيره؛ لأن المتكلم به هو أولى من يوضّح مراده بكلامه؛ فإذا تبيّن مراده به منه ، فإنه لا يُعدل عنه إلى غيره.
ولــــذا عــدّه بعض العلماء أول طريق من طرق تفسير القرآن(3) ، وقال آخر: إنه من أبلغ التفاسير(4)، وإنما يُرْجَع إلـى القـرآن لبيان القرآن؛ لأنه قد يَرِدُ إجمال في آية تبيّنه آية أخرى ، وإبهام في آية توضّحه آية أخرى ، وهكذا.
وسأطرح في هذا الموضوع قضيتين:
الأولى : بيان المصطلح.
الثانية: طريقة الوصول إلى تفسير القرآن بالقرآن.
بيان المصطلح:
التفسير: كشفٌ وبيانٌ لأمر يحتاج إلى الإيضاح ، والمفَسّر حينما يُجْري عملية التفسير ، فإنه يبيّن المعنى المراد ويوضّحه.
فتفسير المفسر لمعنى »عُطّلت« في قوله (تعالى): ((وَإذَا العِشَارُ عُطِّلَتْ)) [التكوير: 4] بأنها: أُهمِلت ، هو بيان وتوضيح لمعنى هذه اللفظة القرآنية.
وفي هذا المثال يُقَال: تفسير القرآن بقول فلان؛ لأنه هو الذي قام ببيان معنى اللفظة في الآية.
ومن هنا ، فهل كل ما قيل فيه: (تفسير القرآن بالقرآن) يعني أن البيان عن شيء في الآية وقع بآية أخرى فسّرتها ، أم أن هذا المصطلح أوسع من البيان؟
ولكي يتضح المراد بهذا الاستفسار استعرض معي هذه الأمثلة:
المثال الأول: عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: لما نزلت ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)) [الأنعام: 82].
قلنا: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، أيّنا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون ، ((لم يلبسوا إيمانهم بظلم)): بشرك ، أو لم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: ((يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان: 13]«(5).
المثال الثاني: قال الشيخ الشنقيطي (ت: 1393هـ): »ومن أنواع البيان المذكورة أن يكون الله خلق شيئاً لحِكَمٍ متعددة ، فيذكر بعضها في موضع ، فإننا نُبيّن البقية المذكورة في المواضع الأُخر.
ومثاله: قوله تعالى: ((وَهُوَ الَذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا)) [الأنعام: 97].
فإن من حِكَمِ خلق النجوم تزيين السماء الدنيا ، ورجم الشياطين أيضاً ، كما بينّه (تعالى) بقوله: ((وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ)) [الملك: 5] وقوله: ((إنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِب * وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ)) [الصافات: 6 ، 7](6).
المثال الثالث: قال الشيخ محمد حسين الذهبي: »ومن تفسير القرآن بالقرآن: الجمع بين ما يُتَوهم أنه مختلف؛ كخلق آدم من تراب في بعضٍ ، ومن طينٍ في غيرها ، ومن حمأ مسنون ، ومن صلصالٍ ، فإن هذا ذِكْرٌ للأطوار التي مرّ بها آدم من مبدأ خلقه إلى نفخ الروح فيه«(7).
نقد الأمثلة:
إذا فحصت هذه الأمثلة فإنه سيظهر لك من خلال الفحص ما يلي:
ستجد أن المثال الأول وقع فيه البيان عن المراد بالظلم بآية أخرى ، أي: إن القرآن وضّح القرآن.
لكنك هل تجد في المثالين الآخرين وقوع بيان عن آية بآية أخرى؟
ففي المثال الثاني: تجد أن المفَسّر جمع عدة آيات يربطها موضوع واحد ، وهو حكمة خلق النجوم ، فهل وقع بيان لآية بآية أخرى في هذا الجمع؟
لاشك أنه لم يقع هذا البيان ، لأن الأية الأولى التي جمع المفسر معها ما يوافقها في الموضوع لم يكن فيها ما يحتاج إلى بيان قرآني آخر.
وفي المثال الثالث: تجد أن المفَسّر جمع بين عدّة آيات تُوهم بالاختلاف ، لكن هل وقع في جمع هذه الآيات تفسير بعضها ببعض؟ أم أن تفسيرها جاء من مصدر آخر خارج عن الآيات؟
الذي يبدو أن جمع هذه الآيات أثار الإشكال؛ إذ التراب لا يُُفسّّر بالطين ، ولا بالحمأ المسنون...إلخ ، كما أن كل واحدٍ من الآخرين لا يُفسّر بالآخر؛ لأنه مختلف عنه. ولما كان الخبر عن خلق آدم والإخبار عنه مختلف احتاج المفسر إلى الربط بين الآيات ومحاولة حلّ الإشكال الوارد فيها ، ولكن الحلّ لم يكن بآية أخرى تزيل هذا الإشكال ، بل كان حلّه بالنظر العقلي المعتمد على دلالة هذه المتغايرات وترتيبها في الوجود ، مما جعل المفسر لهذه الآيات ينتهي إلى أنها مراحل خلق آدم عليه السلام ، وأن كل آية تتحدث عن مرحلة من هذه المراحل ، حيث كان آدم تراباً ، ثم طيناً ، ثم... إلخ.
وبهذا يظهر جليّاً أنّ جمع الآيات لم يكن فيه بيان آية بآية أخرى ، وإن كان في هذا الجمع إفادة في التفسير.
وبعد.. فإن النتيجة التي تظهر من هذه الأمثلة: أن كل ما قيل فيه: إنه تفسير قرآن بقرآن ، إذا لم يتحقق فيه معنى البيان عن شيء في الآية بآية أخرى ، فإنه ليس تعبيراً مطابقاً لهذا المصطلح ، بل هو من التوسع الذي يكون في تطبيقات المصطلح.
تفسير القرآن بالقرآن عند المفسرين:
ظهر مما سبق أن مصطلح (تفسير القرآن بالقرآن) قد استُعمل بتوسع في تطبيقاته ، ويبرز هذا من استقراء تفاسير المفسرين ، خاصة من نصّ على هذا المصطلـح أو إشـار إليـه في تفسيره؛ كابن كثير (ت: 774هـ) ، والأمير الصنعاني (ت: 1182هـ) ، والشنقيطي (ت: 1393هـ).
ويبدو أن كل استفادة من آيات القرآن؛ كالاستشهاد أو الاستدلال بها يكون داخلاً ضمن تفسير القرآن بالقرآن.
ومن أمثلة ذلك ما ذكره الصنعاني في تفسير قوله تعالى: ((لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) [الشعراء: 3] حيث قال: »أي قاتلها لعدم إيمان قومك.
»تكرر هذا المعنى في القرآن في مواضع: ((وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ)) [الحجر: 88] وفي الكهف: ((فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً)) [الكهف: 6]. وفي فاطر: ((فَلاتَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)) [فاطر: 8]. ونحوه: ((إن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن يُضِلّ)) [النحل: 37]. ونحو ذلك مما هو دليل على شفقته على الأمة ، ومحبته لإسلامهم ، وشدة حرصه على هدايتهم مع تصريح الله له بأنه ليس عليه إلا البلاغ«(8).
ويمكن القول: إنه ليس هناك ضابط يضبط المصطلح المتوسع بحيث يمكن أن يقال: هذا يدخل في تفسير القرآن بالقرآن ، وهذا لا يدخل فيه؛ ولذا يمكن اعتبار كتب (متشابه القرآن)(9) ، وكتب (الوجوه والنظائر) من كتب تفسير القرآن بالقرآن بسبب التوسع في المصطلح.
فكتب (متشابه القرآن) توازن بين آيتين متشابهتين أو أكثر ، وقد يقع الخلاف بينهما في حرف أو كلمة ، فيبين المفسر سبب ذلك الاختلاف.
وكتب (الوجوه والنظائر) تبيّن معنى اللفظ في عدة آيات ، وتذكر وجه الفرق فيها في كل موضع.
* المفسرون المعتنون بهذا المصدر:
إن مراجعة روايات التفسير المروية عن السلف تدل على أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت: 182هـ) كان من أكثر السلف اعتناءً بتفسير القرآن بالقرآن.
ومن أمثلة ذلك ما رواه عنه الطبري (ت: 310هـ) بسنده في تفسير قوله تعالى: ((وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ)) [الطور: 6] قال: »الموقَد ، وقرأ قول الله تعالى: ((وَإذَا البِحَارُ سُجِّرَتْ)) [التكوير: 6] قال: أُوقِدَتْ«(10).
أما كتب التفسير ، فإن من أبرز من اعتنى به ثلاثة من المفسرين هم:
(1) الحافظ ابن كثير (ت: 774هـ) في كتابه (تفسير القرآن العظيم).
(2) الأمير الصنعاني (ت: 1182هـ) في كتابه: (مفاتح الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن).
(3) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت1393هـ) في كتابه: (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)(11).
* بيان بعض الأمثلة التي تدخل في المصطلَحَين:
سبق البيان عن مصطلح (تفسير القرآن بالقرآن) ، وأنه ينقسم إلى نوعين:
الأول: ما يعتمد على البيان ، والمراد أن وقوع البيان عن آية بآية أخرى يُعَدّ تعبيراً دقيقاً عن هذا المصطلح.
الثاني: ما لم يكن فيه بيان عن آية بآية أخرى ، وهو بهذا مصطلح مفتوح ، يشمل أمثلة كثيرة.
وقد مضى أن هذا التوسع هو الموجود في كتب التفسير ، وأنها قد سارت عليه ، وفي هذه الفِقْرة سأطرح محاولة اجتهادية لفرز بعض أمثلة هذا المصطلح.
أولاً: الأمثلة التي يَصْدُقُ إدخالها في المصطلح المطابق:
يمكن أن يدخـل فـي هـذا المصطلـح ما يلي:
1- الآية المخصصة لآية عامة:
ورد لفظ الظلم عاماً في قوله تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)) [الأنعام: 82]. وقد خصّه الرسول صلى الله عليه وسلم بالشرك ، واستدل له بقوله تعالى: ((إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان: 13].
ـ وفي قوله تعالى: ((وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا)) [الإسراء: 24].عموم يشمل كل أبٍ: مسلم وكافر ، وهو مخصوص بقوله تعالى: ((مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى)) [التوبة: 113].فخرج بهذا الاستغفار للأبوين الكافرين ، وظهر أن المراد بها الأبوان المؤمنان(12).
2- الآية المبيّنة لآية مجملة:
ـ أجمل الله القدر الذي ينبغي إنْفَاقُهُ في قوله تعالى: ((وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)) [البقرة: 3] ، وبين في مواضع أخر: أن القدر الـذي ينبغي إنفاقـه هـو الزائد عن الحاجة وسدّ حاجة الخَلّة التي لابد منها ، وذلك كقوله: ((وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العَفْوَ)) [البقرة: 219] والمراد بالعفو: الزائد على قدر الحاجة التي لابدّ منها ، على أصحّ التفسيرات ، وهو مذهب الجمهور...(13).
ـ وفي قوله تعالى: ((أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ)) [المائدة: 1] ، إجمال في المتلو ، وقد بيّنه قوله تعالى: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)) [المائدة: 3].
3- الآية المقيدة لآية مطلقة:
ـ أطلق الله استغفار الملائكة لمن في الأرض ، كما في قوله تعالى: ((وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُون لِمَن فِي الأَرْضِ)) [الشورى: 5] ، وقد قيّد هذا الإطلاق بالمؤمنين في قوله تعالى: ((الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا)) [ غافر: 7].
ـ وفي قوله تعالى: ((إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ)) [آل عمران: 90] ، إطلاق في عدم قبول التوبة ، وهو مقيّد في قول بعض العلماء بأنه إذا أخّروا التوبة إلى حضور الموت ، ودليل التقييد قوله تعالى: ((وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ)) [النساء: 14].
4- تفسير لفظة غريبة في آية بلفظة أشهر منها في آية أخرى:
ورد لفظ »سِجّيل« في قوله تعالى: ((وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ)) [هود: 82] ، والممطر عليهم هم قوم لوط (عليه الصلاة والسلام) ، وقد وردت القصة في الذاريات وبان أن المراد بالسجيل: الطين ، في قوله تعالى: ((قَالُوا إنَّا أُرْسِلْنَا إلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ*لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ)) [الذاريات: 32 ، 33](15).
5- تفسير معنى آية بآية أخرى:
التسوية في قوله تعالى: ((يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ)) [النساء: 42] ، يراد بها: أن يكونوا كالتراب ، والمعنى: يودّون لو جُعِلوا والأرض سواءً ، ويوضح هذا المعنى قوله تعالى: ((وَيَقُولُ الكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً)) [النبأ: 40](16).
ثانياً: أمثلة للمصطلح المتوسع:
يمكن أن يدخـل في هـذا النوع كل آية قرنت بأخرى على سبيل التفسيـر ، وإن لـم يكـن فـي الآيــة ما يشكل فتُبَيّـنـُهُ الآية الأخـرى ، ومن أمثلته ما يلي:
1- الجمع بين ما يُتوهم أنه مختلف:
سبق مثال في ذلك ، وهو: مراحل خلق آدم(17) ، ومن أمثلته عصا موسى (عليه الصلاة والسلام)؛ حيث وصفها مرة بأنها ((حَيَّةٌ تَسْعَى)) [طه: 20] ، ومرة بأنها ((تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانّ)) [النمل: 10] ، ومرة بأنها ((ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ)) [الأعراف: 107] ، فاختلف الوصف والحدث واحد ، وقد جمع المفسرون بين هذه الآيات: أن الله (سبحانه) جعل عصا موسى كالحية في سعيها ، وكالثعبان في عِظَمها ، وكالجان (وهو: صغار الحيّات) في خِفّتِها(18).
2- تتميم أحداث القصة:
إذا تكرر عرض قصة ما في القرآن فإنها لا تتكرر بنفس أحداثها ، بل قد يزاد فيها أو ينقص في الموضع الآخر ، ويَعْمَدُ بعض المفسرين إلى ذكر أحداث القصة متكاملة كما عرضها القرآن في المواضع المختلفة ، ومثال ذلك:
قوله (تعالى): ((إذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ)) [طه: 40] ، حيث ورد في سورة القصص ثلاثــة أمور غيــر واردة في هذه الآية ، وهي:
1- أنها مرسلة من قبل أمها.
2- أنها أبصرته من بُعدٍ وهم لا يشعرون.
3- أن الله حرّم عليه المراضع.
وذلك في قوله (تعالى): ((وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)) [القصص: 11 ، 12](19).
3- جمع الآيات المتشابهة في موضوعها:
قال الشنقيطي في قوله (تعالى): ((قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَذِي يَقُولُونَ)) [الأنعام: 33].
قال: »صرح (تعالى) في هذه الآية الكريمة بأنه يعلم أن رسوله يَحْزُنُه ما يقوله الكفار في تكذيبه ، وقد نهاه عن هذا الحـزن المفـرط في مواضع أخرى كقوله: ((فَلا تَذْهَبْ نَفْسُـكَ عَلَيْهِـمْ حَسَرَات)) [ فاطر: 8] ، وقولـه: ((فَلا تَأْسَ عَلَى القَـوْمِ الكَافِـرِينَ)) [المائدة: 68] ، وقولـه: ((فَلَعَلَّكَ بَاخِـعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِـمْ إن لَّمْ يُؤْمِنُـوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً)) [الكهف: 6] ، وقوله: ((لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) [الشعراء: 3].
والباخع: المهلك نفسه...إلخ(21).
4- جمع موارد اللفظة القرآنية:
قد يورد المفَسّر »وصفاً« وُصف به شيء ، ثم يذكر الأشياء الأخرى التي وصفت به ، أو يعمد إلى لفظة فيذكر أماكن ورودها ، ومن أمثلة الأول:
* قال: الأمير الصنعاني »والبقعة مباركة (لما)(21) وصفها الله لما أفاض (تعالى) (فيه)(22) من بركة الوحي وكلام الكليم فيها.
كما وصف أرض الشام بالبركة ، حيث قال: ((وَنَجَّيْنَاهُ)) أي: إبراهيم ((وَلُوطاً إلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء: 71]
ووصف بيته العتيق بالبركة في قوله: ((إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ)) [ال عمران: 96].
ووصف شجرة الزيت بالبركة في قوله: ((شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ)) [النور: 35](23).
* ومن أمثلة الثاني قوله: »وسمّى الله كتابه هدى في آيات: ((ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)) [البقرة: 2] ، ((إنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)) [الإسراء: 9] ، ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)) [ فصلت: 44] ، وفي لقمان: ((هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ)) [لقمان: 3] ، وفي النحل: ((تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)) [النحل: 89] ، فهو هدى وبشرى للمسلمين والمحسنين ، وفي يونس: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)) [يونس: 57](24).
طريقة الوصول إلى تفسير القرآن بالقرآن:
التفسيـر إمـا أن يكـون طريقه النقـل ، وإما أن يكون طريقه الاستدلال ، والأول: يطلق عليه (التفسير المأثور) ، والثاني: يطلق عليه (التفسير بالرأي).
ومن هنا فإن تصنيف (تفسير القرآن بالقرآن) ، في أحدهما يكون بالنظر إلى القائل به أولاً ، لا إلى طريقة وصوله إلى ما بعد القائل؛ لأن ذلك طريقهُ الأثر.
وتفسير القرآن بالقرآن ينسب إلى الذي فسّر به ، فالمفَسّـر هـو الذي عَمَدَ ـ اجتهاداً منه ـ إلى الربط بين آية وآية ، وجعل إحداهما تفسر الآخرى.
وبهذا فإن طريق الوصول إليه هو الرأي والاستنباط ، وعليه فإنه لا يلزم قبول كل قول يرى أن هذه الآية تفسر هذه الآية؛ لأن هذا الاجتهاد قد يكون غير صواب.
كما أنه إذا ورد تفسير القرآن بالقرآن عن مفسر مشهور معتمد عليه فإنه يدلّ على علو ذلك الاجتهاد؛ لأنه من ذلك المفسر.
فورود التفسير به عن عمر بن الخطاب أقوى من وروده عن من بعده من التابعين وغيرهم ، وهكذا.
حُجّيّةُ تَفْسير القرآن بالقرآن:
كلـمــا كـــان تفسير القرآن بالقرآن صحيحاً ، فإنه يكون أبلغ التفاسير ، ولذا: فإن ورُود تفسير الـقـرآن بالقرآن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أبلغ من وروده عن غيره؛ لأن ما صح مما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مَحَلّهُ القبول.
بيد أن قبوله لم يكن لأنه تفسير قرآن بقرآن ، بل لأن المفسّر به هو النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن أمثلة تـفـسـيـره الـقـــرآن بالقرآن ما رواه ابن مسعود: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: »مفاتح الغيب(26) خمسٌ ، ((إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [لقمان: 34](26).
أما ورود تفسير القرآن بالقرآن عن غير الرسول فإنه قد قيل باجتهاد الـمفسر ، والاجتهاد معرض للخطأ.
وبهـذا لا يمكن القول بحجيّـة تفسير القـرآن بالقـرآن مطلقاً ، بحيث يجب قبوله ممن هو دون النبي -صلى الله عليه وسلم- ، بل هو مقيد بأن يكون ضمن الأنــواع الـتـي يجـــب الأخذ بها في التفسير(27).
هذا.. وقد سبق البيان أن تفسير القرآن بالقرآن يكون أبلغ الـتـفـاسـير إذا كان المفسّرُ به من كبار المفسرين من الصحابة ومن بعدهم من التابعين.
وأخيراً:
فإن كون تفسير القرآن بالقرآن من التفسير بالرأي ، لا يـعـنـــي صعوبة الوصول إليه في كل حالٍ ، بل قد يوجد من الآيات ما تفسّر غيرها ـ ولا يكاد يختلف في تفسيرها اثنان ، مثل تفسير »الطارق« في قوله (تعالى): ((وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ)) [الطارق: 1] بأنه يُفسر بقوله (تعالى): ((النَّجْمُ الثَّاقِبُ)) [الطارق: 3] ، ومثل هذا كثيرٌ في القرآن ، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
(1) مقدمة في أصول التفسير ، (ت: د. عدنان زرزور) ، ص93 وما بعدها.
(2) انظر: البرهان في علوم القرآن ، جـ2 ، ص156-164.
(3) شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمته في (أصول التفسير) ، (ت: عدنان زرزور) ، ص93.
(4) ابن القيم في (التبيان في أقسام القرآن) ، (ت: طه شاهين) ، ص116.
(5) رواه الإمام البخاري ، انظر: فتح الباري (ط: الريان) ، جـ6 ، ص448 ، ح3360.
(6) أضواء البيان ، جـ1 ، ص87.
(7) التفسير والمفسرون ، جـ1 ، ص42.
(8) مفاتح الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن ، للأمير الصنعاني ، تحقيق عبد الله بن سوفان الزهراني (رسالة ماجستير ، على الآلة الكاتبة) ص71،72 ، وانظر: الأمثلة التي سبق نقلها عن الشنقيطي ومحمد حسين الذهبي.
(9) تنقسم الكتابة في متشابه القرآن إلى قسمين:
الأول: ما يتعلق بالمواضع التي يقع فيها الخطأ في الحفظ لتشابهها ، وهذه الكتب تخص القراء.
الثاني: ما يتعلق بالخلاف في التفسير بين الآيات المتشابهة ، وهذا المقصود هنا ، ككتاب (البرهان في متشابه القرآن) للكرماني وغيره.
(10) تفسير الطبري ، جـ27 ، ص19 ، وانظر له في الجزء نفسه ص22 ، 37 ، 38 ، 61 ، 69 ، 74 ، 76 ، 92 ، 113 ، 120 ، وفي الجزء نفسه عن علي ص18 ، وابن عباس ، ص55 ، 72 ، وعكرمة ، ص72.
(11) يمكن أن يستنبط من هذا الموضوع دراسات علمية مقترحة ، وهي كالتالي:
1- جمع مرويات السلف في (تفسير القرآن بالقرآن) ودراستها؛ لإبراز طرق استفادة السلف من القرآن ومنهجهم في ذلك.
2- دراسة منهج تفسير القرآن بالقرآن عند ابن كثير والصنعاني والشنقيطي ، وطرق إفادتهم من القرآن في التفسير ، مع بيان الفرق بينهم في هذا الموضوع.
(12) انظر: تفسير الطبري ، جـ15 ، ص6768 ، والتحرير والتنوير ، جـ15 ، ص72.
(13) انظر: أضواء البيان ، جـ1 ، ص107،108.
أضواء البيان جـ1 ص 343.
(14) انظر: أضواء البيان ، جـ1 ، ص343.
(15) انظر: أضواء البيان ، جـ1 ، ص86.
(16) انظر: تفسير الطبري ، جـ5 ، ص93 ، والحجة للقراءات السبعة لأبي علي الفارسي ، جـ1 ، ص246.
(17) انظر: ص4 من المجلة نفسها.
(18) انظر: أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة من غرائب آي التنزيل ، للرازي ص327 ، وكشف المعاني في المتشابه من المثاني ، ص282،283 ، وتيجان البيان في مشكلات القرآن ، للخطيب العمري ، ص173.
(19) انظر: أضواء البيان ، جـ4 ، ص408.
(20) أضواء البيان، جـ2، ص189، وانظر:مفاتح الرضوان للأمير الصنعاني، ص71،72.
(21) كذا في الأصل وانظر: حاشية 2، ص194 من التحقيق ، حيث قال المحقق: والصواب (كما).
(22) الصواب (فيها) انظر: حاشية 7 ، ص194 ، من التحقيق.
(23) مفاتح الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن ، ص194.
(24) المصدر السابق ، ص188،189.
(25) وردت في قوله (تعالى): ((وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ)) [الأنعام: 59].
(26) رواه البخاري ، انظر: فتح الباري ، جـ8 ، ص141.
(27) سبق أن طرحتها في مجلة البيان ، ع76 ، ص15.
 
اشكر للشيخين الفاضلين ابي عبد الله وابي عبد الملك اضافتهيما المتميزتين , وبمثل هذه الاضافات والزيادات على موضوع ما تتكامل فكرته , وتتبين مواطن قوته وضعفه .
ارجو ان يكون ذلك ديدننا في هذا الملتقى المبارك .
بارك الله في الجهود .
 
ومما يطلب ممن يفسر القرآن بالقرآن أن يرجع إلى السنة؛ ففيها أمثلة لهذا النوع المهم من أنواع التفسير.


ومن الأمثلة التي قل من نبّه إليها في هذا الباب ما ذكره الشيخ ابن عثيمين في تفسيره للشكر في قول الله تعالى : ‏﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ ‏تَعْبُدُونَ﴾(البقرة:172) ‏، حيث قال :

( قوله تعالى: { واشكروا لله }؛ «الشكر» في اللغة: الثناء؛ وفي الشرع: القيام بطاعة المنعم؛ وإنما فسرناها بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً}، وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله }»؛ فالشكر الذي أُمر به المؤمنون بإزاء العمل الصالح الذي أُمر به المرسلون؛ والقرآن يفسر بعضه بعضاً.)
 
[align=justify]
الوجه الثامن عشر : أن يختار المفسر قولاً في الآية سواء كان نحوياً أو بلاغياً أو فقيهاً إستناداً على آية أخرى .

هذا الوجه له أهمية كبيرة في الترجيح بين الأقوال الواردة في التفسير ، وقد ذكر ابن هشام في كتابه القيّم مغني اللبيب باباً في ذكر الجهات التي يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها
ومن هذه الجهات:

الجهة السابعة: أن يحمل كلاماً على شيء، ويشهد استعمال آخر في نظير ذلك الموضع بخلافه، وله أمثلة:

أحدها: قول الزمخشري في (مخْرِج الميِّتِ منَ الحيّ) إنه عطف على (فالق الحبِّ والنّوى) ولم يجعله معطوفاً على (يخرج الحي من الميت) لأن عطف الاسم على الاسم أولى، ولكن مجيء قوله تعالى (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) بالفعل فيهما يدلّ على خلاف ذلك.

الثاني: قول مكي وغيره في قوله تعالى (ماذا أراد اللهُ بهذا مثَلاً يُضِلُّ به كثيراً): إن جملة يضل صفة لمثلاً أو مستأنفة، والصواب الثاني، لقوله تعالى في سورة المدثر (ماذا أرادَ اللهُ بهذا مَثلاً؟ كذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يشاءُ).

الثالث: قول بعضهم في (ذلكَ الكتابُ لا ريبَ): إن الوقف هنا على ريب ويبتدئ فيه هدًى ويدل على خلاف ذلك قوله تعالى في سورة السجدة (ألم تنزيل الكتابِ لا ريْبَ فيه منْ ربِّ العالمين).

الرابع: قول بعضهم في (ولمنْ صبرَ وغفرَ إن ذلكَ لمنْ عزمِ الأمور): إن الرابط الإشارة، وإن الصابر والغافر جُعلا من عزْم الأمور مبالغةً، والصوابُ أن الإشارة للصبر والغفران، بدليل (وإن تصبِروا وتتّقوا فإنّ ذلك منْ عزْمِ الأمور) ولم يقل إنكم.

الخامس: قولهم في (أينَ شُركائيَ الذين كُنتم تزْعمون): إن التقدير تزعمونهم شركاء، والأولى أنْ يقدر تزعمون أنهم شركاء، بدليل (وما نرى معَكمْ شُفعاءَكم الذين زعمْتم أنّهُمْ فيكم شُركاء) ولأن الغالب على زعم ألاّ يقع على المفعولين صريحاً، بل على أنّ وصلتها، ولم يقع في التنزيل إلا كذلك.
ومثله في هذا الحكم تعلّم كقوله:
تعلّمْ رسولَ اللهِ أنّكَ مدرِكي
ومن القليل فيهما قوله:
زعمتْني شيْخاً ولسْتُ بشيخٍ
وقوله:
تعلّمْ شفاءَ النفْسِ قهْر عدُوِّها
وعكسهما في ذلك هَبْ بمعنى ظُنَّ، فالغالب تعدّيه الى صريح المفعولين كقوله:
فقلتُ: أجرْني أبا خالدٍ ... وإلا فهَبْني امْرأً هالِكا
ووقوعه على أنّ وصلتها نادر، حتى زعم الحريري أن قول الخواص هَبْ أنّ زيداً قائم لحنٌ، وذهل عن قول القائل هبْ أنّ أبانا كانَ حِماراً ونحوه.

السادس: قولهم في (سواءٌ عليهمْ أأنذرْتهمْ أم لم تُنذِرْهم لا يؤمنون) إن لا يؤمنون مستأنف، أو خبر لإنّ، وما بينهما اعتراض، والأولى الأول، بدليل (وسَواءٌ عليهمْ أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون).
السابع: قولهم في نحو (وما ربُّكَ بظلامٍ)، (وما الله بغافلٍ): إن المجرور في موضع نصب أو رفع على الحجازية والتميمية، والصواب الأول، لأن الخبر ما بعد ما لم يجئ في التنزيل مجرداً من الباء إلا وهو منصوب نحو (ما هنّ أمهاتِهمْ) (ما هذا بشراً).

الثامن: قولُ بعضهم في (ولئن سألتَهمْ من خَلقهُمْ ليقولُنّ: الله): إن اسم الله سبحانه وتعالى مبتدأ أو فاعل، أي الله خلقهم أو خلقهم الله. والصوابُ الحمل على الثاني، بدليل (ولئنْ سألتُهمْ منْ خلقَ السمواتِ والأرضَ ليقولُنَّ خلقَهُنَّ العزيزُ العليم).

التاسع: قول أبي ابقاء في (أفمنْ أسّسَ بُنيانَهُ على تقوى): إن الظرف حال أي على قصد تقوى، أو مفعول أسس، وهذا الوجه هو المعتمد عليه عندي، لتعينه في (لمسجدٌ أسِّسَ على التقوى).
تنبيه
وقد يحتمل الموضع أكثر من وجه، ويوجد ما يرجح كلاً منها، فينظر في أولاها كقوله تعالى (فاجْعلْ بيْننا وبيْنكَ موعِداً) فإنّ الموعد محتمل للمصدر، ويشهد له (لا نخلِفهُ نحْنُ ولا أنتَ) وللزمان ويشهد له (قال موعدُكمْ يومُ الزّينةِ) وللمكان ويشهد له (مكاناً سُوًى) وإذا أعرب مكاناً بدلاً منه لا ظرفاً لنخلفه تعين ذلك.)

ثم ذكر جهة ثامنة ، وفيها أمثلة مهمة له صلة مباشرة بتفسير القرآن بالقرآن من جهة الوجه الثامن عشر من الوجوه التي ذكره أخي الشيخ أحمد البريدي.

وما أورده ابن هشام في مغني اللبيب يستحق الدراسة والبحث.
[/align]
 
جزاكم الله خيرا .
حقا ما أجمل هذه المواضيع إذا شارك فيها أهل الفضل والعلم .

.............. وبمثل هذه الاضافات والزيادات على موضوع ما تتكامل فكرته , وتتبين مواطن قوته وضعفه .
ارجو ان يكون ذلك ديدننا في هذا الملتقى المبارك .
بارك الله في الجهود .
 
لم أطلع على الموضوع قبل هذه اللحظة ، وهو جدير بالاهتمام والمدارسة ؛ فجزى الله الإخوة على طرحه .
ومع أني لم أجد الوقت الكافي لقراءة كل ما كتب ، فأنبه على نقطتين :
الأولى : دور القرآن المنسوخ ( بأقسامه ) في تفسير القرآن.
الثاني : الترجيح بين القراءات تبعا للوجه الإعرابي ، ودور ذلك في تفسير القرآن بالقرآن.
وهذه النقطة الأخيرة مع كثرة ما كتب فيها وبيان الأقدمين والمعاصرين لإعراب كثير من القرآن الكريم إلا أني وحسب اطلاعي على الكتب التي تعنى بهذا الجانب لم أجد واحدا منهم يستقصي الأوجه الإعرابية ، وغالبا ما يركز على المشهور عند جمهور النحاة ؛ مع أرجحية غيره في بعض الكلمات القرآنية أرجحية تؤثر في التفسير .
والله تعالى أعلم .
 
((لمسجدٌ أسِّسَ على التقوى)).
لو تأملنا لفظ (أُسِّس) ..
لِمَ استعمل بدل : بُني ؟
لعل هذا هو الجواب :
أنّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا ثم ......
رواه البخاري

حيث إنّ المقصود هو التأسيس لا البناء والتشييد .
والـتأسيس هو : الاكتفاء بما هو ضروري في البنيان فحسْب .
 
((مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى)) [التوبة: 113]
لعل من مناسبة الآية الكريمة لما قبلها : أنّ من كانت يتصف بالصفات الواردة في آية : ((التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله ....))
فينبغي له أن يستغفر لإخوانه المؤمنين ، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم مَن لقي أويس بن عامر القرني أن يستغفر له .
 
"ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً"
تفسير القشيري - (1 / 219) :
قوله جلّ ذكره : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً } .
فإِن في الخبر « العائد في هبته كالعائد في قَيْئِه » .
انتهى النقل

ومن فوائد الآية الكريمة : إشارتها إلى أنّ الهبة تلزم بالقبض لا بمجرد التلفظ .. بدلالة لفظ : الإيتاء .
 
"إنا أنزلناه في ليلة القدر"
وقال سبحانه : ((وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ))
الذي يظهر : أنه هو الكتاب الذي كان مع جبريل حين قال لنبي الله : اقرأ ..
 
عودة
أعلى