مرحباً بكم أخي العزيز بالله مع إخوانك في ملتقى أهل التفسير ونرجو أن نكون عند حسن ظنك.
ما ذكرته أخي الكريم في تفسير (مفاتيح الغيب) للرازي المعروف بالتفسير الكبير ، هو المعروف المتناقل عند كثير من طلاب العلم ، وهو أن الرازي لم يتم تفسيره كما ذكر ذلك بعض علماء التراجم الذين ترجمو له. وقد نقل كلامهم الدكتور محمد حسين الذهبي عند حديثه عن منهج الرازي في كتابه الرائد (التفسير والمفسرون)[1/290-293]، وحاول بناء على ذلك تلمس الموضع الذي وصل إليه الرازي في تفسيره ، ونقل قولاً لأحد العلماء أنه بلغ في تفسيره سورة الأنبياء. وذكر عدة قرائن لذلك.
ولكن الدكتور محسن عبدالحميد - وفقه الله- قد درس منهج الرازي في كتابه (الرازي مفسراً) الذي أعده كرسالة علمية لنيل درجة الدكتوراه عام 1392هـ (1972م) من جامعة القاهرة - والدكتور محسن عبدالحميد من علماء العراق الجادين ، وله بحوث ومؤلفات - وتوصل إلى مخالفة هذا الرأي السائد ، والذي كان الدكتور محمد حسين الذهبي سبباً في إشاعته بين الدارسين المحدثين.
ورأي الدكتور محسن عبدالحميد أن الرازي قد أتم تفسير القرآن الكريم كاملاً ، وأنه لم يتدخل أحد من تلامذته في إكماله ، وأن ما ذكر من بعض التعليقات والتهميشات كانت لا تعدو كونها تعليقات جانبية ، ولا تصل إلى أن تكون إكمالاً للكتاب.
يقول الدكتور محسن عبدالحميد :(والذي انتهيت إليه بعد قراءتي التفسير كله أن جميع هؤلاء قد أخطأوا ، نتيجة لعدم قراءتهم جميع التفسير ؛ إذ لو فعلوا مثلما فعلت لكان من الممكن أن يصلوا إلى ما وصلت إليه. وهو أن تفسيره(مفايح الغيب) اعتباراً من سورة الفاتحة ، إلى نهاية سورة الناس له وليس لغيره .
وأن ما ورد فيه من عبارات تدل على أن شخصاً آخر اشترك في كتابته ليس إلا تعليقات متناثرة من بعض تلامذته ، أضيفت إلى المتن ، أو كتبت في الحاشية ، ودخلت في المتن في أثناء استنساخه...)أ.هـ [الرازي مفسراً ص 56].
وقد دعم قوله هذا بأدلة مقنعة ، وذلك أن الرازي كثيراً ما كان يكتب في نهاية كل سورة تاريخ انتهائه من تفسيرها ، ولم يكن يفسر السور بحسب ترتيبها في المصحف ، ولذلك تجده قد فسر سورة متأخرة في الترتيب قبل المتقدمة.
فقد انتهى من تفسير سورة الأنفال (يوم الأحد في رمضان سنة 601هـ في قرية يقال لها بغدان) [تفسيره 15/222]، وسورة التوبة في (يوم الجمعة 14من شهر رمضان من سنة 601هـ [16/244]. وقبلهما فسر سورة يوسف في شهر شعبان من السنة نفسها. ويمكنك مراجعة تواريخ انتهائه من التفسير في خواتم بعض السور.
وقد تابع الدكتور محمد حسين الذهبي عدد من الباحثين في هذا الوهم ذكرهم الدكتور صلاح الخالدي في كتابه (تعريف الدارسين بمناهج المفسرين) ص 473. بينما ذهب الدكتور الخالدي إلى تأييد ما ذهب إليه الدكتور محسن عبدالحميد من القول بأن الرازي قد أتم تفسيره . حيث يقول في كتابه تعريف الدارسين (473) :(وهي نتيجة صحيحة أوافق الدكتور محسن عليها تمام الموافقة ، وأذكر أني أعددت بحثاً في هذه المسألة أثناء دراستي لمادة البحث في مرحلة الماجستير سنة 1977م بعنوان (هل أتم الرازي تفسيره مفاتيح الغيب) في أكثر من خمسين صفحة ، نال إعجاب مدرس المادة الدكتور محمد بلتاجي )أ.هـ.
وبهذا يكون العزو لتفسير الرازي صحيحاً إن شاء الله على ما توصل له الدكتور محسن عبدالحميد ، وأرجو أن يكون في هذا الجواب المختصر ما يجيب على سؤالك أخي العزيز بالله ، ولو رجعت لكتاب الدكتور محسن عبدالحميد (الرازي مفسراً) لكان في ذلك خير كثير لكم وفقكم الله ، ونفعنا وإياكم بالعلم ، ولا نستغني عن تسديد الأعضاء الكرام في هذا الجواب والله الموفق.