تفسير الخازن والإسرائيليات للدكتور عيادة الكبيسي

إنضم
26/05/2003
المشاركات
284
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الإمارات - الشارقة
[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وإمام العلماء العاملين وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأحبابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضله وكرمه آمين .

أما بعد :

فليس الغرض من هذا البحث الكتابة عن شخصية الإمام الخازن وبيان مكانته العلمية ولا عن منهجه في التفسير وإن كنت سأشير إلى شيء من ذلك باختصار وإنما الباعث على ذلك هو إماطة اللثام عن أحد الجوانب المهمة التي سلكها هذا الإمام في تفسيره " لباب التأويل " وتعريف الكثيرين بموقفه منه إذ أن هذا الجانب كان ولا يزال السبب الأكبر وربما الأوحد في إعراض كثير من الناس عن قراءة هذا التفسير أو الاعتناء به بل والإسائة إليه بالتشهير والتحذير وقد كنت أحد أولئك المعرضين وذلك : أن كلمة ألقيت في أذني منذ الصغر : أن تفسير الخازن مليىء بالاسرائيليات مشحون بالاساطير والخرافات وخال من متن العلم وتمحيص الروايات فعزفت نفسي عنه ولم أطق النظر فيه فضلاً عن القراءة والتأمل وشاء الله أن اسجل رسالتي الماجستير تحت إشراف شيخ صالح ذي فراسة - كما عهدته - وهو فضيلة الأستاذ الكبير الدكتور مصطفى أمين التازي - رحمه الله تعالى - فإذا به يقول لي ذات يوم من غير سابقمعرفة : أذهب واقرأ في تفسير الخازن مدة أسبوع !!

فقلت في نفسي : سبحان الله ! في تفسير الخازن ولم ؟! .... فقرأت على مضض ثم لم أمض طويلاً حتى بدأت نظرتي تتغير إذ بان لي عن الرجل وعن تفسيره خلاف ما سمعت كما سيتضح من خلال هذا البحث إن شاء الله تعالى .

ثم إني أول ما دخلت على شيخي قال لي : كيف وجدت الخازن ؟ فقلت على الفور : إنه مظلوم فقال : هذا ما أردت أن تصل إليه .
ثم إني ومن ذلك الوقت بدأت أرجع إلى تفسير الإمام الخازن - رحمه الله تعالى - وأقرأ فيه بتأن وروية متأملاً متفحصاً فتحصل لي ما أحببت أن أطلع عليه المهتمين بالدراسات التفسيرية بوجه خاص والقراء الكرام بوجه عام .

فقرات البحث :

1-تعريف مختصر بالمؤلف

2-تعريف مماثل بالتفسير

3-توضيح المراد بالإسرائيليات

4-موقف المفسر منه ويتمثل في :

أ / المزايا
ب / المآخذ

5- الخاتمة [/align]
 
[align=justify]تعريف مختصر بالمؤلف :

هو الإمام علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر بن خليل الشيحي البغدادي الصوفي المعروف بالخازن كان فقيهاًافعياً مؤرخاً عالماً بالتفسير والحديث ولد ببغداد سنة 678هـ ثم بعد أن تعلم وسمع من بعض علمائعا هاجر إلى دمشق وسمع بها أيضاً
قال ابن القاضي شهبة : كان من أهل العلم جمع وألف وحدث ببعض مصنفاته .

مصنفاته :

ألف الإمام الخازن رحمه الله في فنون مختلفة في السيرة والفقه والحديث والتفسير وأشهر مصنفاته التي ذكرها العلماء في تراجمه هي :

* الروض والحدائق في سيرة خير الخلائق صلى الله عليه وسلم وهو كتاب حافل في السيرة النبوية المباركة .

*شرح العمدة لأبي بكر الشاشي في الفروع الشافعية وسماه في الأعلام : عدة الأفهام في شرح عمدة الأحكام .

*لباب التأويل في معاني التنزيل وهو التفسير المشهور بتفسير الخازن فرغ من تأليفه يوم الأربعاء من رمضان سنة 725هـ

*مقبول المنقول من علمي الجدل والأصول وهو كتاب كبير في الحديث يقع في عشر مجلدات جمع فيه بين مسندي الشافعي وأحمد والكتب الستة والموطأ وسنن الدار قطني ورتبه على الأبواب .

وكان رحمه الله كما وصفه مترجموه :

صوفياً ، حسن السمت ، بشوش الوحه ، كثير التودد للناس وسمي بالخازن لأنه كان خازن كتب خانقاه السميساطية بدمشق .

وفاته :

تجمع المصادر التي ترجمت له على أنه توفي بمدينة حلب سنة 741هـ رحمه الله تعالى ورضي عنه .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعريف مختصر بالتفسير :

وتفسيره كما تقدم هو لباب التأويل في معاني التنزيل وقد اشتهر باسم تفسير الخازن ومن المهم والمفيد أن نذكر نبذة مختصرة عن بعض الجوانب المشرقة في هذا التفسير قبل الدخول في صلب الموضوع فأقول وبالله التوفيق :

من خلال ما ذكر المؤلف في مقدمته وفي ضوء ما وقفت عليه أثناء قراءتي لتفسيره أستطيع أن أجمل أبرز الجوانب التفسيرية والمزايا العلمية التي ترسم الصورة الواضحة لهذا التفسير في النقاط التالية :

1/ اهتمامه بما يتعلق بالعقيدة وانتصاره لمذهب أهل السنة ويظهر ذلك جلياً في :

أ/ تنزيهه لمقام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ونفيه لكل ما يخدش عصمتهم من ذلك : توهم صدور الذنب منهم ، وعقد الفصول في إثبات عصمتهم وتوجيه ما يوهم منافاة العصمة مما حصل في قصصهم كما في قصة لوط ونوح ويوسف عليهم السلام .

ب/ رده على الفرق المبتدعة من المعتزلة والخوارج والمرجئة والرافضة وغيرهم ودحضه لمفترياتهم وتفنيد شبههم .

ج/تحريره لمذهبي السلف والخلف في آيات الصفات مع تأييده لمذهب السلف في ذلك ودعوته إلى وجوب اتباعه فيقول :

وللعلماء في آيات الصفات وأحاديث الصفات مذهبان :

أحدهما : وهو مذهب سلف هذه الأمة وأعلام أهل السنة :

الإيمان والتسليم لما جاء في آيات الصفات وأحاديث الصفات وأنه يجب علينا الإيمان بظاهرها ونؤمن به كما جاءت ونكل علمها إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى اللع عليه وسلم مع الإيمان والاعتقاد بأن الله تعالى منزه عن سمات الحدوث وعن الحركة والسكون .

ونقل عن الزهري والأوزاعي ومالك وابن المبارك وسفيان الثوري والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية أنهم كانوا يقولون فيها أقرؤها كما جاءت بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل . ثم قال : هذا مذهب أهل السنة ومعتقد سلف الأمة .

ثم يذكر مذهب الخلف في التأويل بعد ذلك ويقول في موضع آخر : فيجب على المسلم أن يمره على ما جاء

عقد فصولاً متنوعة في بيان المعجزة وكونها دليلاً على صدق الرسل عليهم الصلاة والسلام في إثبات عذاب القبر ، في خلود الجنة والنار .... في أن الأنبياء أفضل من الملائكة والرد على من زعم خلاف ذلك ، في الدفاع عن الصحابة رضي الله عنهم وبيان فضلهم وغير ذلك من الفصول .[/align]
 
[align=justify]2- اهتمامه بالتفسير بالرواية وإكثاره منه حتى ما كاد تخلو صفحة من صفحات كتابه من حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أثر عن الصحابة أو التابعين رضي الله عنهم .

3-عنايته بالحديث النبوي الشريف والتزامه ببيان حكمه وشرح غريبه وحل مشكلاته -إن مجدت- ودفع ما يوهم التعارض من ذلك .
وقد كان من منهجه استعمال الرموز في عزو الحديث غالباً وإنك لترى ( ق، خ، م ) ظاهرة كثيرة منورة لصفحات كتابه رحمه الله تعالى .

4- عنايته بآيات الأحكام وذكر خلاصة الحكم فيما يورده من المسائل دون التوسع غالباً في التفريعات الفقهية والخلافات المذهبية وقد يعقد الفصول لذلك .

5- اعتماده على أمهات كتب التفسير ونقله لآراء جهابذة العلماء من المفسرين والمحدثين والفقهاء وأهل اللغة وغيرهم . كمجاهد والثوري وابن عيينة والزهري وابن المبارك والخطابي والطبري والزمخشري وابن الجوزي والرازي وابن عطية والقرطبي والواحدي والأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والأوزاعي والزجاج والفراء والأزهري وأبي عبيد والجرجاني وغيرهم .

6- اعتماده أسلوب الترجيح أو التصحيح أو الجمع لكثير من الخلافات والوجوه التي يوردها وإن كان ذلك ليس مطرداً في تفسيره

7-له تحقيقات علمية نافعة مثل :

أ/ دفع توهم عزل أبي بكر بإرسال علي ببراءة رضي الله عنهما

ب/ توضيح المراد بقوله تعالى :" عفا الله عنك لم أذنت لهم " التوبة /43- والرد على من استدل بها على جواز صدور الذنوب عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .

ج/تحقيق في عمر النبي صلى الله عليه وسلم عند قوله تعالى :" فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون " - يونس /16- .

د/ استنباط أفضلية نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام من قوله تعالى :" فبهداهم اقتده " - الأنعام /90- .

هـ / بيان المراد من قوله تعالى : " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك " . - يونس /94- ودفع توهم حصول الشك من النبي صلى الله عليه وسلم .

و/ تحقيق في أن صلة الرحم تزيد في العمر وبيان الصحيح من أقوال العلماء في ذلك .

ز/ بيان التفسير الصحيح لقوله تعالى :" يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك " - التحريم /1 - والتحقيق فيمن تظاهر على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك كثير في تفسيره - رحمه الله تعالى -

8- تتبعه لأخطاء بعض المفسرين وبيان وجه الحق في ذلك كما في مناقشته للرازي والزمخشري في قصة غرق فرعون واستبعادهما أن يدس جبريل عليه السلام الطين في في فرعون مخافة أن تدركه الرحمة فيقول : والجواب عن هذا الاعتراض : أن الحديث قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا اعتراض عليه لأحد ثم يقبض في الرد ودفع الإشكال في فصلين عقدهما لذلك .

وقال عن طول عوج بن عنق الذي نقله هن الإمام البغوي : فيه نظر لأن آدم عليه السلام كان طوله على ما ورد في الأحاديث الصحيحة ستين ذراعاً

ونقل البغوي أيضاً : أن بابل إنما سميت بذلك لأن ألسنة الناس تبلبلت من الفزع حين سقط الصرح الذي بناه نمرود بن كنعان الجبار ليصعد إلى السماء وأن لسان الناس كان قبل ذلك السريانية ثم قال :
قلت : هكذا ذكره البغوي وفي هذا نظر لأن صالحاً عليه السلام كان قبلهم وكان يتكلم العربية وكان أهل اليمن عرباً منهم : جرهم الذين نشأ إسماعيل بينهم وتعلم منهم العربية وكانت قبائل من العرب قديمة قبل إبراهيم عليه السلام مثل : طسم وجديس وكل هؤلاء عرب تكلموا في قديم الزمان بالعربية ويدل على صحة هذا : قوله تعالى :" ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى "

9- اهتمامه البالغ بما بهذب الأخلاق ويقوي العزائم ويزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة ويذكر بالله تعالى واليوم الآخر ولا غرو فهو الواعظ الفذ والمذكر الفطن ولذا فهو كثيراً ما يستشهد بأبيات الزهد والرقائق وينقل عن الحسن البصري وأمثاله ..... وهذا يتمشى مه جانب الهداية الذي أنزل من أجله القرآن .

10- له عناية بذكر الفصول المتنوعة فيما يرى أن له تعلقاً بالآية وكأنه يرى أن هذه الفصول ليست من باب التفسير إنما هي من باب تمام الفائدة ..... والحق أقول : إنها فصول علمية نافعة يمكن أن تستل من التفسير وتحقق تحقيقاً علمياً ثم تنشر كأبحاث مستقلة وهي كثيرة جداً ومتفاوتة بين البسط والاختصار والتوسط .

11- رده لكثير من الإسرائيليات كما سنرى بعد قليل وفي هذا يقول الشيخ الزرقاني - رحمه الله تعالى - : ومن مزاياه أنه يتبع القصة ببيان ما فيها من باطل حتى لا ينخدع بها ولا يفتن جاهل . أقول : ولو سلك - رحمه الله تعالى- هذا الخط في جميع تفسيره لكان من أحسن التفاسير وأنفعها .

12- يعنى بذكر بعض علوم القرآن كأسباب النزول لا سيما في مفتتح تفسير السور وبيان الناسخ والمنسوخ وقد يعقد لذلك فصولاً والقراءات وغير ذلك .

وقد عقد بعض الفصول في مقدمته مثل : جمع القرآن ، وترتيب نزوله ، وكونه نزل على سبعة أحرف وبيان معنى التفسير والتأويل وغير ذلك .

13- وضوح الأسلوب وحسن الصياغة مع مراعاة الإيجاز وحسن الترتيب بعيداً عن لغة التعقيد والغموض .

14- اختياره تفسير معالم التنزيل للإمام البغوي ت:516هـ ، وانتخابه من غرر فوائده ودرر فرائده لما له من مكانة عالية بين التفاسير وما يظنه البعض من أنه اقتصر على تلخيصه واكتفى بنقل عبارته غير صحيح بل لقد زاد عليه فوائد و فرائد في جوانب من العلم متعددة وله عليه بعض الملاحظات كما أنه حافل بالنقول الأخرى والتحقيقات وغير ذلك مما يتضح لمن يقلب صفحات التفسير ومما تجدر ملاحظته هنا أن تفسير البغوي تفسير بالرواية وتفسير الخازن تفسير بالدراية .

15- وقد جاء التفسير شاملاً لكل آيات الكتاب الكريم متوسط الحجم حيث يقع في أربع مجلدات من القطع الكبير وقد طبع عدة طبعات .
16- وبالجملة : فهذا التفسير معدود ضمن التفاسير بالدراية وأنه قد توافرت فيه الشروط التي لا بد منها لأباحة التفسير بالرأي كما قد اشتمل على جملة واسعة من الأحاديث والآثار .

هذا : وقد يقال : إن بعض ما ذكرته في هذه الجوانب هو من لوازم التفسير فلا ميزة للخازن فيها ونقول : إن الغرض من هذا العرض المختصر الدفاع عن الخازن وتفسيره في أنه لا يقل شأناً عن جل التفاسير النافعة وإنه حري بالدراسة والانتفاع به بدل التحذير منه والتنفير عنه والله اعلم

وأما الإسرائيليات : فسنجعل الكلام حولها في أربع نقاط :

الأولى : في معناها وبيان المراد منها .

الثانية : أن الخازن لم يكن بدعاً في ذكرها.

الثالثة : في مزايا تفسيره فيها .

الرابعة : في المآخذ . [/align]
 
[align=justify]أما عن الأولى ، فنقول :

الإسرائيليات : جمع مفرده : إسرائلية وهي قصة أو حادثة تروى عن مصدر إسرائيلي والنسبة إلى بني إسرائيل والنسبة في مثل هذا تكون لعجز المركب الإضافي لا لصدره وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام .

وهو كمصطلح لم يتحث عنه المتقدمون وإنما تحدث عنه عدد من الباحثين المحدثين .

ولفظ الإسرائيليات وإن كان يدل بظاهره على اللون اليهودي للتفسير وما كان للثقافة اليهودية من أثر ظاهر فيه إلا أن المدققين من علماء الإسلام أطلقوه على ما هو أشمل من ذلك فهو عندهم يعم اللون اليهودي واللون النصراني وكل ما نقل عن أهل الملل والأديان الأخرى وما دسه أعداء الإسلام ممن تظاهروا بالدخول فيه على اختلاف أجناسهم وأهدافهم .

وإنما صح إطلاق لفظ الإسرائيليات على كل ذلك من باب التغليب للون اليهودي على غيره لأن غالب ما يروى من هذه الخرفات والأباطيل يرجع في أصله إلى مصدر يهودي ولأن الضرر فيه أكبر والأثر السيء منه أظهر ، غير أن هذا الإطلاق فيما أرى إنما هو من حيث إدراج تلك المدخلات تحت عنوان الإسرائيليات وأما من حيث التفاصيل فإن كل جزئية تنسب إلى مصدرها فيقال : هذه مأخوذة عن مصدر نصراني وهذه من وضع الزنادقة وهكذا .

وذلك التصريح نجد في مثل قصة زينب رضي الله عنها حيث قالوا : إنها من وضع يوحنا الدمشقي في العهد الأموي .

وفي قصة الغرانيق فقد ذكر جمع من العلماء من المفسرين والمحدثين أنها من وضع الزنادقة .

ومن وقف على أساني ابن جرير في تفسيره التي يعزو إليها الذين كتبوا في الإسرائيليات استطاع أن يحدد مصادر تلك الروايات .
ومن هذا القبيل ما وضعه الكذابون دووالأهواء المختلفة والنوايا الخبيثة .

أما الثانية :

فإن الإمام الخازن رحمه الله لم يكن في إيراد الإسرائيليات في تفسيره بدعاً من المفسرين في ذلك السابقين منهم واللاحقين إذ قد سبقه إلى ذلك أئمة أخيار من أمثال : ابن جرير الطبري ت 310هـ وأبي الليث السمرقندي ت373هـ وقيل 375هـ وأبي إسحاق الثعلبي ت 427هـ وقيل 428هـ والواحدي ت468هـ وأبي محمد البغوي ت510هـ أو 516هـ وجار الله الزمخشري ت538هـ وابن عطية الأندلسي ت546هـ وأبي عبدالله القرطبي ت 671هـ بل وحتى ابن أبي حاتم الرازي ت 327هـ على قلة في ذلك وغيرهم وتبعه في ذلك كبار العلماء من أمثال : أبي عبدالرحمن السيوطي ت911هـ والخطيب الشربيني ت977هـ والسيد رشيد رضا ت 1354هـ بل وحتى ابن كثير ت774هـ وأبي السعود العمادي ت 951هـ وأبي الثناء الألوسي ت 1270هـ على قلة في ذلك وغيرهم .

وفي هذا يقول الدكتور الذهبي : لا أكون مبالغاً ولا متجاوزاً حد الصدق إن قلت : إن كتب التفسير كلها قد أنزلق مؤلفوها إلى ذكر بعض الإسرائيليات وإن كان ذلك بتفاوت قلة وكثرة وتعقيباً عليها وسكوتاً عنها .

ولا تنازع في أن الخازن قد أكثر من رواية الإسرائيليات في تفسيره كما سيأتي في النقطة الرابعة غير أننا نجده وكما سيأتي أيضاً قد رد إسرائيليات باطلة متعددة لها مساس بالعقيدة قد سكت عنها جمع من المفسرين .

وإذا لا حظنا أن الإسرائيليات متفاوتة في مدى خطورتها على عقائد المسلمين وقدسية الإسلام وأنه لا يمكن المساواة بين إسرائيليات ذكرت شرحاً لبعض المجلات أو بياناً لبعض جزئيات الحوادث والأخبار أو ما شابه ذلك مما لا تعلق له بالعقائد والأحكام وبين إسرائيلية تمس معاقد الإيمان وقد وضعت عن خبث ومكر لهدم أصول العقائد والتشريع اتضح لنا أن الإمام الخازن رحمه الله تعالى أسلم بهذا الاعتبار من بعض التفاسير التي ذكرت بعض تلك الطامات ولم تردها .

فلم يبق بعد هذا للطعن في تفسيره والتحذير منه والسكوت بل والحث على دراسة غيره من التفاسير المماثلة في هذا الباب أو التي قد تزيد عليه معنى وإن قيل : إن في تلك التفاسير من متين العلم ودقائق التفسير ما يدعو إلى الاهتمام بها ودراستها وتدريسها قلنا : وإن في تفسير الخازن من ذلك الشيء الكثير .

وأما الثالثة :

فإن للخازن في ذلك شأناً جليلاً ومسلكاً مفيداً وسأركز منه على ما يعلق بالعقائد مما له مساس بمقام النبوة أو خدش لعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقد أبلى فيه الخازن بلاء حسناً وكان له في ذلك باع طويل فهو رحمه الله تعالى يتعقب الروايات الواردة في ذلك ويبطلها ويفند ويبين وجه الحق والتفسير الصحيح للآيات التي نسجت تلك الروايات حولها والأمثلة على ذلك كثيرة وسأكتفي ببعض النماذج فمن ذلك :

القصص المفترى على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لاسيما داود وسليمان اللذين لقيا من اليهود أذى كثيراً وبهتاناً عظيماً ولا غرابة فاليهود قوم بهت كما وصفهم الحبر المقدم فيهم الذي أنقذه الله بالإسلام الصحابي الجليل عبدالله بن سلام رضي الله عنه .

وقد ساق الخازن في تفسيره كثيراً من الروايات الطاعنة في نبي الله داود عليه السلام والقادحة في عصمته كقصة الشيطان الذي تمثل له في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن وجناحاها من الدر والزبرجد فطارت ثم وقعت بين رجليه وألهته عن صلاته ، وقصة امرأة أوريا التي وقع بصره عليها فأعجبه جمالها فاحتال على زوجها حتى قتل رجاء أن تسلم له هذه المرأة التي فتن بها وشغف بحبها وغير ذلك من الروايات العجيبة الغريبة التي أوردها في تفسير قوله تعالى :" وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب " الآيات إلى قوله تعالى :" وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب " .

وبعد أن أورد الخازن تلك الروايات التي يمكن أن تكون من باب

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ****** ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه

عقب ذلك بفصل : في تنزيه داود عليه الصلاة والسلام عما لا يليق به وما ينسب إليه فقال رحمه الله تعالى : اعلم أن من خصه الله تعالى بنبوته وأكرمه برسالته وشرفه على كثير من خلقه وأئتمنه على وحيه وجعله واسطة بينه وبين خلقه لا يليق أن ينسب إليه مالو نسب إلى آحاد الناس لاستنكف أن يحدث به عنه فكيف يجوز أن ينسب إلى بعض أعلام الأنبياء والصفوة الأمناء ؟!
ونقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة وهو حد الفرية على الأنبياء .!!

وعن القاضي عياض : لا يجوز أن يلتفت إلى ما سطره الأخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا ونقله بعض المفسرين ولم ينص الله تعالى على شيء من ذلك ولا ورد في حديث صحيح والذي نص عليه الله في قصة داود :" وظن داود أنما فتناه " وليس في قصة داود وأوريا خبر ثابت ولا يظن بنبي محبة قتل مسلم وهذا هو الذي ينبغي أن يعول عليه من أمر داود .

وينقل أيضاً عن الإمام الرازي والمحققين من المفسرين ما يؤيد هذا ويؤكد تنزيه نبي الله داود عليه السلام .

ولم يكتف الإمام الخازن رحمه الله تعالى بإبطال ذلك القصص وتلك الروايات فحسب بل يعمد إلى ذكر التفسير الصحيح للآية ويذكر في ذلك عدة أوجه ويختمها بقوله : وقيل : إن ذنب داود الذي استغفر منه ليس هو بسبب أوريا والمرأة وإنما هو بسبب الخصمين وكونه قضى لأحدهما قبل سماع كلام الآخر وقيل : هو قوله لأحد الخصمين :" لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه " فحكم على خصمه بكونه ظالماً بمجرد الدعوى فلما كان الحكم مخالفاً للصواب اشتغل داود بالاستغفار والتوبة .

قال الخازن : فثبت بهذه الوجوه نزاهة داود عليه الصلاة والسلام مما نسب إليه والله اعلم .

وهذا الوجه وإن بدت عليه مخايل الجودة وأنه موافق لسياق الآية " ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " حيث ذكرت استفتاء الخصمين واحتكامهما إلى داود عليه السلام وسرعة جوابه فقد رده بعض المحققين .
وبهذا تبطل قصة داود وأوريا وامرأته من أساسها ويحكم عليها بأنها فرية بدون مرية وهكذا نرى أن الإمام الخازن رحمه الله تعالى يتصدى لهذه القصة بالتزييف والإبطال بينما نجد بعض المفسرين يودعونها تفاسيرهم من غير نكير مع ما فيها من بشاعة ونكارة .
وقد ساق أيضاً الروايات الواردة بشأن سليمان عليه السلام ومنها قصو صخر المارد وتشبهه به وتسلطه على ملكه ونسائه ثم يكر على ذلك بالتفنيد وينقل عن القاضي عياض وغيره من المحققين أن ذلك كله غير صحيح وأن الشيطان لا سبيل له للتشبه بأنبياء الله أو التسلط على ملكهم لأن الله تعالى قد عصمهم منه

ثم يشرع في بيان التفسير الصحيح لقوله تعالى : " ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب " الذي نسجت حوله قصة صخر المارد فيقول :

والذي ذهب إليه المحققون : أن سبب فتنته ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال سليمان بن داود عليهما السلام : لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه : قل : إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل والذي نفس محمد بيده لو قال : إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون وفي رواية : لأطوفن بمائة امرأة فقال له الملك : قل إن شاء الله فلم يقل ونسي .

قال العلماء : والشق هو الجسد الذي ألقي على كرسيه وهي عقوبته ومحنته لأنه لم يستثن لما استغرقه من الحرص وغلب عليه من التمني وقيل : نسي أن يستثني كما صح في الحديث لينفذ أمر الله ومراده فيه .

وبينما نرى أن الإمام الخازن يسير في هذا الطريق المضيء وينكر ذلك القصص الباطل نرى غيره من أجلاء المفسرين يذكر ذلك ولا يبطله بل ربما أقره بعظهم يقول الإمام ابن عطية : اختلف الناس في الجسد الذي ألقي على كرسيه فقال الجمهور : الجني المذكور أي صخر المارد سماه جسداً لأنه قد تمثل في جسد سليمان عليه السلام ولبس به وهذا أصح الأقوال وأبينها معنى .

ويقول الإمام البغوي بعد ذكر القصة : وأشهر الأقاويل أن الجسد الذي ألقي على كرسيه هو صخر الجني . !! [/align]
 
[align=justify]
وهكذا يسلك الإمام الخازن رحمه الله تعالى هذا المنهج المنير في الدفاع عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإثبات عصمتهم بما لو تتبعناه لطال بنا الحديث ولكننا سنكتفي بالإشارة السريعة إلى بعض ذلك :

عقد فصلاً في الرد على الطاعنين في عصمة الأنبياء عند قوله تعالى :" وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم " ودحض الشبه في ذلك ثم نقل عن القاضي عياض قوله : واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه وكذا عقد فصلاً عند قوله تعالى :" ما كان النبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " وذكر في ذلك وجوهاً عدة وأجاب عنها .

وعقد فصلاً أيضاً عند قوله تعالى :" عفا الله عنك لم أذنت لهم "

وذكر كلاماً نفيساً في عصمة الأنبياء عند قوله تعالى :"فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك "

وعقد فصلاً في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عند قوله تعالى في قصة نوح عليه السلام :" إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح "
وبين في قوله تعالى في قصة لوط عليه السلام :" هؤلاء بناتي هن أطهر لكم " أنه أراد ببناته نساء قومه وأضافهن إلى نفسه لأن كل نبي أبو أمته وهو كالوالد لهم ثم قال : وهذا القول هو الصحيح وأشبه بالصواب إن شاء الله تعالى ثم دلل على ذلك وبين ضعف الأقوال الأخرى
ونقل الأقوال في قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز وما نسب في ذلك إلى السلف من الأباطيل ثم أقبت تنزيه يوسف وبيان عصمته وأن ما جاء بخلاف ذلك هو كذب بحت ونسبته إلى الصحابة أو التابعين غير صحيحة وهو بهذا يخالف ما ذهب إليه البغوي تبعاً لشيخه الثعلبي في أن ما روي في هم يوسف عليه السلام هو مذهب السلف .

والله تعالى اعلم

له تابع إن شاء الله تعالى[/align]
 
[align=justify]
وقد عقد فصلاً في قصة زينب رضي الله عنها وزواج النبي صلى الله عليه وسلم منها وبين أن ما ذهب إليه بعض المفسرين من وقوع محبتها في قلبه صلى الله عليه وسلم حين رآها إقدام عظيم من قائله وقلة معرفة بحق النبي صلى الله عليه وسلم وبفضله قال : وكيف يقال رآها فأعجبته وهي بنت عمته ولم يزل يرها منذ ولدت ولا كان النساء يحتجبن منه صلى الله عليه وسلم وهوزوجها لزيد فلا يشك في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يأمر زيداً بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها كما ذكر عن جماعة من المفسرين وهو كعادته لم يكتف برد الباطل بل يشرع بعده ببيان وجه الحق وقد فصل القول الصحيح في هذا الفصل فنقل عن زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما : أن الله عز وجل أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أنها ستكون من أزواجه وأن زيداً سيطلقها فلما جاء زيد قال : إني أريد أن أطلقها قال له : أمسك عليك زوجك فعاتبه الله تعالى ثم قال : وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة وبعد بيان وجه الدليل من ذلك قال :

فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله أنها ستكون زوجته وإنما أخفى ذلك استحياء أن يخبر زيداً أن التي تحتك وفي نكاحك ستكون زوجتي ثم قال الخازن رحمه الله تعالى وهذا قول حسن مرضي وكم من شيء يتحفظ منه الإنسان ويستحي من إطلاع الناس عليه وهو في نفسه مباح متسع وحلال مطلق لا مقال فيه ولا عيب عند الله وربما كان الدخول في ذلك المباح سلماً إلى حصول واجبات يعظم أثرها في الدين وهو إنما جعل الله طلاق زيد لها وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياها لإزالة التبني وإبطال سنته كما قال الله تعالى : " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم " وقال :" لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم " . [/align]
 
[align=justify]ملاحظة :

ولكن وبعد ما تقدم نقول : إن الإمام الخازن رحمه الله تعالى لم يلتزم بمنهجه هذا في جميع تفسيره فقد كان أحياناً يذكر من القصص ما يمس جانب العقيدة ولا يتفق مع الأصول الشرعية المقررة كما يقول الدكتور الذهبي ولا يعقب عليه بما يفيد بطلانه ومثل لذلك بما ذكره عند تفسيره لقوله تعالى :" وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " .

حيث قال : فقد روى عن وهب بن منبه قصة فيها نكارة ومنافاة للأصول الشرعية .

وقد قرأت القصة في تفسي الخازن وتأملتها فتعجبت من إيراده لها وسكوته عنها حيث لم يفندها ولم يبين بطلانها كعادته رحمه الله تعالى وإني وإن كنت لست مع الخازن فيما ذهب إليه من إقرار ما نسب إلى أيوب عليه السلام إلا أني أقول : قد نلتمس للإمام الخازن في ذلك عذراً إذ لعله رأى أن ما في هذه القصة لا يتعارض مع العصمة ولا يقدح في مقام النبوة ولا يمس جانب العقيدة بل ربما رأى أن في ذلك رفعة لمقام أيوب عليه السلام لما تصوره القصة من صبر عظيم استحق أن يقول الله تعالى فيه :" إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب "

وهو وإن كان يرى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منزهون عن الأمراض المنفرة إلا أنه قد يرى أن ما حل بأيوب كان عرضاً فهو كالعمى الذي حل بيعقوب بسبب فراق ولده يوسف عليهم السلام .

ومما ينبغي أن يعلم : أنه لا بد أن يكون البلاء الذي حل بأيوب عليه السلام عظيماً وفوق العادة وقد يكون مقارباً لبعض ما في مفردات القصة من حيث جمع البلاء الجسدي والمعنوي من مثل تبكيت أصحاب له ولومهم وقولهم له : تب إلى الله من الذنب الذي عوقبت به فقد ورد أن اتهامهم له كان أشد عليه مما هو فيه ولذا فإن الخازن يورد سؤالاً ويجيب عنه فيقول : فإن قلت : كيف سماه الله صابراً وقد أظهر الشكوى والجزع بقوله : مسني الضر ومسني الشيطان بنصب وعذاب ؟ قلت : ليس هذا شكاية وإنما هو دعاء ثم يدلل على ذلك .

ومهما يكن فإن قصة أيوب ليست كقصة داود عليهما السلام مع زوجة أوريا ولا كقصة زينب مع تبينا صلى الله عليه وسلم التي رواها وسكت عليها من هو أقدم من الخازن وأشهر وأيضاً فليس الخازن وحده هو الذي ذكر قصة أيوب بل ذكرها أو طرفاً منها دون نكير جمع من المفسرين منهم : ابن جرير الطبري ، وابن عطية ، وابن الجوزي ، والسيوطي ، ونقلها الشيخ سليمان بن عمر الشهير بالجمل عن الخازن مختصراً .


والله اعلم

له تابع إن شاء الله تعالى[/align]
 
[align=justify]ومن الإسرائيليات التي فندها الخازن وأنكر على من أقرها : قصة هاروت وماروت تلك القصة العجيبة الغريبة وقد عقد فصلاً في عصمة الملائكة ونقل عمن ذهب إلى عصمة جميعهم بأنه لم يصح من هذه القصة شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أخذت من اليهود ثم ساق وجوه إبطالها وقال :فبان بهذه الوجوه ركة هذه القصة والله اعلم بصحة ذلك وسقمه والأولى تنزيه الملائكة عن كل ما لا يليق بمنصبهم .

بينما نجد أن جمعاً من المفسرين قد أودعها تفاسيرهم من غير نكير منهم : الإمام عبدالرزاق الصنعاني ، وابن جرير الطبري وابن أبي حاتم الرازي وأبو إسحاق الثعلبي وأبو الليث السمرقندي وأبو منصور الماتريدي والإمام القشيري والإمام البغوي وغيرهم بل إن الإمام الشوكاني استبعد انكار وقوعها كما بسطنا ذلك في بحثنا : قصة هاروت وماروت في ميزان المنقول والمعقول .

ومما فنده الخازن من الإسرائيليات : قصة الغرانيق تلك الأكذوبة الشنيعة التي تخدش عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وتمس قدسية القرآن

فنرى أن الإمام الخازن رحمه الله تعالى بعد أن ينقلها يكر عليها بالرد والإبطال ويبين أن الدلائل قد قامت على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأن الأمة أجمعت فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الاختبار عن شيء منه بخلاف ما هو به لا قصداً ولا سهواً ولا غلطاً قال الله تعالى :" وما ينطق عن الهوى "
وقال الله تعالى :" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد "
ثم يشرع في دحض هذه الفرية بعدة وجوه ويذكر بعد ذلك التفسير الصحيح لقوله تعالى :" وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم "

الآية التي نسجت حولها قصة الغرانيق فيقول – رحمه الله تعالى – الجواب الراجح في تحقيق تفسير الآية وقد تقدم أن التمني يكون بمعنى حديث النفس وبمعنى التلاوة فعلى الأول : يكون معنى قوله " إلا إذا تمنى " أي خطر بباله وتمنى بقلبه بعض الأمور ولا يبعد أنه إذا قوي التمني اشتغل الخاطر فحصل السهو في الأفعال الظاهرة ، وعلى الثاني : وهو تفسير التمني بالتلاوة فيكون معنى قوله :" إلا إذا تمنى " أي تلا وهو ما يقع للنبي صلى الله عليه وسلم من السهو في إسقاط آية أو آيات أو كلمة أو نحو ذلك ولكنه لا يقر على هذا السهو بل ينبه عليه ويذكر به للوقت والحين كما صح في الحديث :" لقد اذكرني كذا وكذا آية كنت أنسيتها من سورة كذا "

وحاصل هذا أن الغرض من هذه الآية أن الأنبياء والرسل وإن عصمهم الله عن الخطأ في العلم فلم يعصمهم من جواز السهو عليهم بل حالهم في ذلك كحال سائر البشر والله اعلم

وبذلك يعطي القارئ صورة واضحة صحيحة لا لبس فيها ولا غموض فجزاه الله تعالى عن كتابه وعن نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين خير جزاء ومن المعلوم أن بعض المحققين في القديم والحديث قد أقروا بأصل هذه القصة وقد اختلف تأويل المتأولين لذلك .

والحق أن القصة باطلة سنداً ومتناً وقد بسطنا القول في ذلك في بحثنا : المدخلات في التفسير النقلي وذكرنا فيه تفسيراً آخر للآية غير ما ذكره الخازن رحمه الله .[/align]
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا على هذا البحث الماتع
وبحكم اطلاعكم على هذا التفسير ومعايشتكم له، فأحب إفادتكم حول رأي الخازن رحمه الله في مسألة تحريف الإنجيل وفي أي موضع من الكتاب ذكر ذلك للحاجة الماسة إليه زادكم الله علما وتوفيقا
 
[align=justify]الرابعة : المأخذ على الخازن في رواية الإسرائيليات :

بدءاً أقول : ليس بوسعي ولا بوسع غيري أن ينكر إكثار الإمام الخازن عفا الله تعالى عنه من رواية الإسرائيليات في تفسيره وإيراده لقصص كثير لا حاصل منه ولا طائل تحته كمثل تفاصيل قصه أصحاب الكهف وذكر أسمائهم ودقة وصف كلبهم وذكر الاختلاف في اسمه وذكر اسم النملة التي كلمت سليمان عليه السلام والاختلاف فيه وأنها كانت عرجاء وكانت ذات جناحين وإن كان قد صدر ذلك بقيل وكتوسعه في بيان صفة الدابة التي ذكرها الله تعالى بقوله سبحانه :" وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون " حيث نقل عن البغوي الذي نقل عن شيخه الثعلبي ما جاء في ذلك من الآثار العجيبة ومثل هذا ما ذكره في صفة اللوح المحفوظ الذي ذكره الله تعالى بقوله :" بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ " حيث قال : وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" إن في صدر اللوح : لا إله إلا الله وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله فمن آمن بالله عز وجل وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة وقال : واللوح لوح من درة بيضاء وطوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وحافتاه الدر والياقوت ودفتاه ....حمراء وقلمه من نور وكلامه سر معقود بالعرش وأصله في حجر ... والله تعالى اعلم بمراده .

ومع هذا فنرى أن من الإنصاف للرجل ولتفسيره أن ندعو القارئ الكريم للتأمل معنا في النقاط التالية :

1/ أن الخازن كما تقدم ليس بدعاً في هذا بل إن هناك من أجلاء المفسرين من أورد ما هو أشنع وأفظع فموقفه بوجه عام خير من موقف بعض المفسرين الذين ذكروا وسكتوا عما يمس العقيدة ويخل بمقام النبوة .

2/ أن كثيراً من ذلك القصص هو من النوع المسكوت عنه فهو مما لا يصدق ولا يكذب وإذا كان بعض العلماء يرى أنه لا تجوز روايته فالجمهور على جواز ذلك


3/ رأينا أن الخازن ذكر مصدر القصة التي يرويها وكأنه أراد بهذا أن يبريء عهدته جرياً على قاعدة من أسند لك فقد أحالك ولئن قيل إن هذا العزو لا قيمة له بعد حذف الإسناد قلنا: لعله إنما حذف الإسناد اعتماداً على وجودها في مصادرها فإن تلك الإسرائيليات تجدها مسندة في المراجع التي تعنى بذكر السند وقد صرح الخازن بسبب حذف تلك الأسانيد حيث قال في مقدمته : وحذفت الإسناد لأنه أقرب إلى تحصيل المراد .

وفي الختام :
إن تفسير الإمام الخازن المسمى : لباب التأويل في معاني التنزيل من التفاسير النافعة المفيدة فقد اشتمل على علم جم وفوائد متنوعة وتحقيقات قيمة ورد الكثير من الإسرائيليات الباطلة ومع هذا فهو كغيره من كثير من التفاسير ليس بخال منها .[/align]
 
أخي الكريم العوضي أدام الله مودتك ..

هل هذا كتاب للكبيسي أم مقال؟ وأين تم نشره للعزو إليه.
 
أشكر فضيلة أستاذي الكريم عيادة الكبيسي على التوضيح ، فقد كنت أخاف القراءة في هذا الكتاب من قبل ولكنني عندما قرأت فيه وأطلعت على مواضع متعددة من تفسيراته وكثيرا من تعليقاته الخاصة على بعض الآيات وجدته من خير ما كتب الكاتبون وأفضل ما جادت به القرائح النيرة والأفكار السليمة .. وجدته قد قرب البعيد وسهل العويص بعبارة مختصرة واضحة واشارة لطيفة تغني عن الإطناب والإسهاب . ومع هذا كانت التعليقات شافية كافية في أكثر الأحيان ولذلك أوجه إخواني الكرام الدارسين في علم التفسير إلى القراءة في هذا الكتاب بعيدا عن المؤثرات السابقة ...
ومن المؤسف جدا أن نكتفي بالحكم على المؤلفات بأقوال غيرنا بدون أن نتثبت ونتحقق وأن نستكين للضعف والعجز وقد نهانا الله تعالى عنه .
وها هو ذا أيها الأخ العزيز كتاب الخازن بين يديك فإن راقك كله فلله الحمد والمنة والفضل والنعمة وإن أعجبك بعضه ولم يعجبك بعضه فالخازن بشر يخطئ ويصيب و ليس بمعصوم وعسى الله أن يتوب عليه ويغفر له .
ولا أعني بهذا الكلام أن الخازن أجل من ابن جرير الطبري وأنبغ من البغوي والرازي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وغيرهم ...
فالخازن من بحرهم استقى ومن معينهم ارتوى [ وخاصة من البغوي ] وقد أخذ خلاصة آرائهم وزبدة أقوالهم واجتهد في ترجيح بعض الأقوال والتنبيه على بعض الأحكام والوقوف على بعض الأسرار . فقد عمل جاهدا أن يبسط للقارئ ما تحتاجه الكلمات والعبارات من معان كثيرة ليغنيه عن الموسوعات التي يضرب الباحث في صحرائها ويتيه في بيدائها ويتحمل حرها اللافح وشمسها المحرقة .. فتفسير الخازن وغيره من تفاسير أهل السنة الكرام إن شاء الله ملجئ للباحثين وملاذ للمتقين غير بعض الهنات وسبحان من تنزه عن السيئات جزى الله واضعيها خير الجزاء ..
ولكن من الإثم والعار أن نلغي ما وهبنا الله ونربط عقولنا بعقال غيرنا _ وقد يكون هذا الغير آثما أو مخطئا وكل بني آدم خطاء _ ونفرط في مثل هذا التراث العظيم
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه . أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب
 
تفسير الخازن

مختصر من البغوي مع إضافات، وله شهرة وانتشار بغير هذه البلاد ،
صاحبه يذكر أقوال بعض المتصوفة،
وله عناية بذكر ما يتعلق بالمرققات .


د.عبدالكريم الخضير
 
تفسير الخازن يحقق كاملاً وأظنه على وشك الأنتهاء ، وقد قام بتحقيقه عدد من الباحثين والباحثات بجامعة الإمام أولاً ثم بكليات التربية للبنات بقيته . وقد نوقشت العديد من الرسائل وبقي القليل منها .
 
عودة
أعلى