تفسير آية قرآنية يحل إشكالات فى أقوال المذاهب الأربعة في ربا العملة

إنضم
04/02/2006
المشاركات
389
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
57
الإقامة
مصر
الموقع الالكتروني
www.aldahereyah.net
إشكالات فى أقوال المذاهب الأربعة في ربا العملة
مذهب الحنفية ـ رغم كون العلة فى الربا فيه هي الوزن ـ إلا أنهم أجرواالربا في الفلوس إذا كانت نافقة ـ أي رائجة ـ كما هو المعتمد لديهم ، و لذلك فقد نسبوا للتناقض و قيل لهم / هلا جعلتم العلة هي الثمنية و الأمر منتهي في العملات الورقية لكون الصفة فيها أوضح و أولى ، و في مذهب المالكية و الشافعية فالعلة هي غلبة الثمنية ، و هي متوفرة في النقود الورقية المعاصرة بخلاف الفلوس النحاسية ،فلا تقاس النقود الورقية على الفلوس النحاسية لفارق هو غلبة الثمنية .

و لكن الإشكال حقا كان في مذهب الحنابلة ، حيث يتفقون ـ حسب الرواية المعتمدة عن أحمد ـمع الحنفية في التعليل بالوزن ، إلا أنهم ساروا على أصلهم ، فلم يجروا الربا في الفلوس النحاسية لكونها معدودة غير موزونة ، فلم تتوفر فيها علة تحريم الربا .

و هذا يحدث إشكالا ـ لدى الحنابلة ـ في الأوراق النقدية المعاصرة ، حيث يلزم من مذهبهم عدم جريان الربا فيها لانتفاء الوزن .

إذن علة الوزن التي بني عليها قياس الأجناس التي يجري عليها الربا خطأ ، فمن تعلق بهذه العلة سيجد نفسه مضطرا إلى تحليل ربا الأوراق النقدية !

فالإشكال في مسألة الربا بشكل عام يتحقق حتى في المذاهب الثلاثة الباقية وليس فقط عند الحنبليين ..

والسبب في ذلك ..

أن فقهاء هذه المذاهب تستعمل القياس في مسألة العملات الورقية ..

وتقارن وتطبق أحكام الذهب أو الفضة عليها ..

..

فالإشكال عندهم أن هذه العملات الورقية لا تقاس على الذهب والفضة ..

ومن قاسها بشكلها الحالي فهو قياس فاسد الاعتبار ..

والسبب في ذلك ..أن هذه العملات الورقية أول ما ظهرت كان يقابلها ذهب أو فضة في البنك الذي يصدرها ..

بحيث يقسم الأوراق النقدية على كمية الذهب لديه ..

فإن كان يريد مثلاً ألف ورقة ولديه 100 غرام فيقسم هذا الرقم على كمية الذهب فيعرف أن غطاء كل ورقة يساوي كذا من الذهب ..

وكانت أول ما صدرت في حدود سنة 1937 أو 1936 تسمى نقود ..

فإن توجهت للبنك تستطيع أن تستبدل هذه الورقة بما قابلها من الذهب والفضة تماماً دون نقص منها ..

واستمر العمل هكذا وتحددت قوة الدول الاقتصادية بناء على ما تملكه من ذهب أو فضة مقّسم على عملتها الورقية ..

إلا أن احتاجت هذه البنوك إلى زيادة هذه العملات ولا ذهب عندها إضافي ..

فطبعت هذه الأوراق دون غطاء لها من ذهب أو فضة وسميت نقود الثقة ..

أي بناء على ثقة الناس بهذه الدولة فإنهم يشترونها ..

وبعد سنين طويلة أوقفت بريطانيا وأمريكا إبدال هذه الأوراق بالذهب لأنه بدأ يستهلك مخزونها الذهبي ..

ثم بدأت هذه الدول تصدر هذه العملات دون غطاء البتة ..

والآن نادراً ما تجد غطاء للعملات الورقية للدول الاقتصادية والعملات المشهورة ..

وحتى عملات بعض الدول الإسلامية الغنية فإن الغطاء بالنسبة لها سلة من العملات القوية هذه والتي لا غطاء ذهبي لها ..

فبعد أن كانت العملة الورقية تعتبر صك بدين من مقدار معين في البنك ..

أصبح مجرد ورقة لا قيمة لها إن طرأ على الدولة المصدرة أمر ما ..

فعلى سبيل المثال ..

الكويت تعتبر من أقوى الدول في صرف عملتها ..

إذ يقابل الدينار الكويتي 3 دولار أمريكي تقريباً ، و2 جنيه استرليني ..

فعندما ذهبت الدولة في غزو العراق سنة 1990 م بطلت هذه العملة ..

وصار ما بين يدي صاحب الملايين منها مجرد مالك لأطنان من الورق المستعمل .. !

فهنا يقع الإشكال عند أهل القياس ..

الذهب معلوم أنه لا يبطل وإن كان مسكوكاً بعملة من العملات ..

لأن قيمة الذهب موجودة بهذا الشكل الدائري ويمكن إعادة إذابته واستخدامه كذهب خالص غير مسكوك ..

فإن زالت الدولة أو أبطلت هذه العملة أو غيرها من الأمور فتبقى هذه العملة الذهبية على ما كانت عليه من قيمة ..

وأما هذه العملات فلا يتحقق فيها هذا ..

وهذا فارق كبير بين الذهب والعملات الورقية ..

وحتى عند من قال بالثمنية ومن دار مداره يقعون بإشكال أعظم من ذلك ..

فى دولة مثل روسيا .. ؟!

هذا البلد فيه مناطق كثيرة يتم صرف رواتب للموظفين كغيرهم من الدول ..

إلا أن رواتب هؤلاء هي زجاجات الخمر ( فودكا ) ..

فكل موظف يأخذ عدد من الزجاجات بحسب عمله ..

وإذا ذهب هذا الموظف إلى البقال أو السوق فإنه يشتري ويبيع والثمن هو هذا الخمر .. !

فسألت أخت من روسيا وهي مسلمة عن حكم زكاتها لمن يملك منها مقدار الزكاة عندهم ..

والعجب أنها لم تسأل عن حكم أخذها كراتب .. !

المهم أفتاها شيخ ..

بوجوب إخراج زكاتها ويدخل فيها ربا الفضل ..

باعتبار الثمنية وأنها ثمن ..

فلا أدري لمن تخرج الزكاة ههنا ..

هل تخرج في سبيل إبليس .. ؟!

لكن بناء على ما سبق أن هذه العملات الورقية من المال ..

وما دامت من المال ففيها الزكاة وفيها ربا الفضل إن بيعت بمثلها ..

فقد يرد عليه بعض الإشكالات ..

فالمال معناه يدور حول ما يتمول ويقتنى غالباً ..

وما دامت من المال ففيها الزكاة وفيها ربا الفضل إن بيعت بمثلها

و الرجوع إلى النص كفيل بحسم هذا الإشكال ، و لكن بعض الفقهاء تركوا الرجوع إلى النص مباشرة ، و أجهدوا أنفسهم ، و أهدروا أوقاتهم في البحث عن أشياء لا أصل لها في دين الله !

و سأبين كيف يمكن بالرجوع إلى النص حل هذا الإشكال ، .... .

و الربا كما نعلم هي الزيادة بصورتيها ( الفضل و النسيئة ) ، و قد قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، و نعلم أن ما يؤكل يأتي بمعنى ما يؤخذ من المال على إطلاقه ، كما في قوله تعالى (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) ، ولذا قال الله تعالى (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ )

فكلمة ( أموال ) دلت على جريان الربا في كل أنواع المال ، و المال لفظ عام يُطلق على كل ما يملكه الإنسان من متاع أو نقد أو أراض أو عقارات أو دواب و غير ذلك

بعد ذلك يبقى أمامنا ثلاثة احتمالات :

الأول أن يكون هذا النص مطلقا و يُرد إلى نص آخر مقيد له يحدد الربا في أجناس معينة من المال ، و الثاني أن يكون عاما و يُرد إلى نص آخر يخصص أجناس معينة لا يجري فيها الربا . و الأخير أن يبقى النص على إطلاقه و عمومه دون تقييد أو تخصيص

الاحتمال الأول (وهو رأى بعض الظاهرية) حصر الربا في الأصناف الستة الواردة في الحديث ( الذهب بالذهب و الفضة بالفضة و البر بالبر و الملح بالملح و الشعير بالشعير و التمر بالتمر ، سواء بسواء ، يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ) .

النص لا يفيد الحصر ، فلم يقل محمد صلى الله عليه وسلم (لا ربا إلا في هذه الأصناف ) و يؤيد ذلك حديث رواه مسلم في صحيحه ( إنه نهي عن بيع الطعام إلا مثلا بمثل ) ، فعم كل أنواع الطعام و ليس الأصناف المذكورة وحدها .

فنستطيع بذلك أن نستبعد هذا الاحتمال .

الاحتمال الثاني يحتاج إلى تحقيق ، و لسنا بحاجة إلى طرحه الآن فلن يفيدنا في مسألة الأوراق النقدية ، لأنه من المحال تخصيصها بعدم سريان الربا عليها بنص لعدم وجودها في زمن التشريع .

و ما دمنا قد استبعدنا احتمال التقييد ، و تيقنا من عدم استثناء الأوراق النقدية من جريان الربا بالتخصيص ، فيبقى الأصل و هو سريان الربا عليها مادامت داخلة في مسمى المال وهو الاحتمال الأخير.
 
لا إشكال في أقوال الفقهاء أئمة المذاهب الفقهية الأربعة ، التي تلقتها الأمة بالقبول على مدى العصور و في مختلف المصور ،
فكلامهم هذا كان في البيوع ، و لم يكن في القروض .
قال الإمام ابن رشد – في كتابه " بداية المجتهد و كفاية المقتصد " - : " و اتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين :
في البيع ،
و فيما تقرر في الذمة من بيع ، أو سلف أو غير ذلك " .

- و ما ذكره الأئمة الفقهاء - أعلاه - كان في مفهوم علة التفاضل المنهي عنه في ربا البيوع – و لا شك في أن لكل منهم وجها فيما قال - و لم يكن في ربا القروض ( السلف ) أبدا ،
والمسألة المذكورة تدخل في باب القرض الذي يجرّ نفعا ، و هي مما لم ينقل فيها خلاف ،

فلم يقع خلاف بين الأئمة الفقهاء في تحريم القرض الذي يجرّ منفعة ،
فقد قال الإمام القرطبي في كتابه " الجامع لأحكام القرآن " – في تفسيره قول الله عز و جل : * { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة و الله يقبض و يبسط و إليه ترجعون } .[ سورة البقرة : 245 ] - ما يلي :

" وأجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف رِباً ، ولو كان قبضة من علَفٍ ـ كما قال ابن مسعود ـ أو حبّة واحدة. ويجوز أن يردّ أفضل مما يستلِف إذا لم يشترط ذلك عليه؛ لأن ذلك من باب المعروف؛ استدلالاً بحديث أبي هريرة في البكْر: " إنّ خِياركم أحسنكم قضاء " رواه الأئمة: البخاريّ ومسلم وغيرهما. فأثنى صلى الله عليه وسلم على من أحسن القضاء، وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة " . انتهى كلامه .
- فأي زيادة مشروطة في أي سلف - و لو حبة من شعير ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه - هي ربا إجماعا .
 
عودة
أعلى