تفسير آية الكرسي د.خالد السبت ( شريط مفرغ )

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع أ.عبود
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

أ.عبود

New member
إنضم
22/08/2005
المشاركات
3
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحبتي في الله ..
لقد قمت بتفريغ هذا الشريط النافع بإذن الله ووجدت فيه كثيرا من الفوائد العلمية والتربوية أقدمه لكم ولا تنسوني من دعائكم
بسم الله الرحمن الرحيم
( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا () ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا )

تفريغ شريط تفسير آية الكرسي لفضيلة الشيخ / د. خالد السبت حفظه الله

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد :
فأسأل الله عز وجل أن يكتب لنا في هذا الاجتماع العلم النافع والخير الذي نتبصر به الطريق الموصلة إلى الله تبارك وتعالى ، وأسأل الله عز وجل أن يجعل ذلك باعثا إلى تفهم كتابه وتدبره وتعلم معانيه .
في هذا الدرس الأول من دروس التفسير سيكون حديثنا بإذن الله عز وجل عن آية من كتاب الله تبارك وتعالى نبتدأ بها هذا اليوم :

( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السماوات وما في الأرض ، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم )

يقول الله عز وجل ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ) الآية . أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ابن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله فقال ، أي آية معك في كتاب الله أعظم ؟ فقال على البديهة : ( الله لا إله إلا هو الحي القوم )
فهذا السؤال يحتاج جوابه إلى نظر وتأمل واستقراء وتبصر في معاني كتاب الله عز وجل ..
القرآن فيه آلاف الآيات ، فإذا أراد أحد من الناس أن يحكم بأن هذه الآية هي أعظم آية في كتاب الله يحتاج أن يستحضر المعاني الواردة في القرآن بعد استحضار الآيات الواردة فيه ، ثم يستطيع أن يحكم بعد ذك هل هذه الآية أعظم أم تلك ..
أبي بن كعب رضي الله عنه لشدة حذقه في حفظ كتاب الله عز وجل ولشدة تبصره ومعرفة معانيه قال على البديهة : ( الله لا إله إلا هو ..)
ولم يقل ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمه هذا المعنى في يوم من الأيام .. لا ..
والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أخبره به أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما سمع هذه الإجابة : ( ليهنك العلم أبا المنذر ) يعني هنيئا لك بالعلم يا أبا المنذر ..
هنأه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا البصر والفقه والفهم في كتاب الله تبارك وتعالى الذي أهله ليتعرف على هذا المعنى من بين آلاف الآيات القرآنية ، فحكم بأن هذه الآية هي أعظم آية في كتاب الله عز وجل .
ولماذا كانت أعظم آية في كتاب الله ؟..
يا إخوة .. شرف العلم بشرف المعلوم .. وشرف الذكر بشرف المذكور .
فالعلوم والصنائع إنما تشرف وتتفاضل بحسب مضامينها ومحتوياتها .. فالعلم الذي يتعلق بالطبابة مثلا أشرف من العلم الذي يتعلق بالحدادة ، والعلوم التي تتعلق بالمعادن أشرفها ما كان يتعلق بالمعادن النفيسة كالعلوم المتعلقة بالذهب ، ويلي ذلك العلوم التي تتعلق بالمعادن الخسيسة كالحديد ، فهذه علوم تتعلق بباب واحد ومع ذلك تفاوتت أشد التفاوت .
لماذا ؟.. لأن متعلقها متفاوت .. فهذا علم يتعلق بالذهب وهذا علم يتعلق بالحديد .
المهن .. الذي يقود الطائرة صنعته أشرف من الذي يقود القطار ، وأشرف من الذي يقود السيارة مثلا ..
الذي يعمل في الطبابة .. مهنته طبابة الإنسان .. هذه الصنعة أشرف ممن يتعاطى طبابة الحيوان ..
لماذا ؟.. لأن شرف العلم بشرف المعلوم .. وشرف الذكر بشرف المذكور .
فهذه الأية تتعلق بأسماء الله عز وجل وصفاته بل تتعلق بأعظم الأسماء والصفات .. بل تتعلق بأسماء ترجع إليها سائر الأسماء الحسنى التي تدل على أوصاف الكمال ، ولذلك كانت هذه الآية أعظم من غيرها .. كانت أعظم آية في القرآن الكريم .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه جماعة من الصحابة منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والمغيرة بن شعبة ، وأبو أمامة الباهلي وجابر ببن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ) .

وجاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة الشيطان الذي كان يحثو من تمر الصدقة – والحديث مشهور- وفيه أن أبا هريرة رضي الله عنه لما أخذه في المرة الثالثة قال له : لا أدعنك حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له : ألا أعلمك شيئا ينفعك الله به ؟! فقال : بلى . فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح .
إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليك من الله حافظ .. يحفظه ويحوطه ويرعاه ..
ولا يقربك شيطان حتى تصبح .. فهذا الحفظ ، الأرجح – والله أعلم – أنه حفظ مطلق ، من الهوام وشياطين الإنس وشياطين الجن ..
فالله عز وجل يحفظه ويحوطه ويكلؤه ويرعاه من كل مخوف ، وكذلك لا يقربه شيطان فلا يرى الرؤى المزعجة ، ولا تقع في قلبه الخواطر و الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب العبد ليوقع الشك في قلبه ، أو يريه رؤى مزعجة فيقع الحزن في نفسه .
هذه بعض الأحاديث الثابتة التي وردت في فضل هذه الآية العظيمة من كتاب الله عز وجل .

أما التفسير ، فالله عز وجل يقول : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) ..

( الله ) : قال كثير من أهل العلم : إنه الاسم الأعظم ، واستدلوا على ذلك بأمور منها :
أن جميع الأسماء الحسنى تعود إليه لفظا ومعنى .. ما معنى تعود إليه لفظا ومعنى ؟ ..
تعود إليه لفظا : أي أنها تأتي معطوفة عليه دائما في القرآن ( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن ) ..
ولا تجد في القرآن أن هذا الاسم الكريم يعطف على شيء من الأسماء الحسنى .. يعني لا تجد ( الرحمن الرحيم الله ) .. لا
( بسم الله الرحمن الرحيم ) فكل الأسماء الحسنى تعود إليه لفظا ..كما أنها تعود إليه معنى ..
أنتم إذا تأملتم في هذه الأشياء التي تذكر في معاني هذه الأسماء الحسنى ستدركون أن هذه الآية فعلا تستحق أن تكون فعلا أعظم آية في كتاب الله .. يعني ستخرجون بهذه النتيجة ..

ومعنى أن الأسماء الحسنى تعود إليه معنى .. ( الله ) مشتق على الأرجح من (....أو....) ، كما هو قول المحققين من أهل اللغة مثل سيبوبه والخليل بن أحمد والزجاج والفراء ، وهو اختيار ابن القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله أجمعين .
والإله هو المعبود .. والتأله معناه التعبد .
هذا الإسم الكريم ( الله ) مشتق من صفة الإلهية ، أو يتضمن صفة الإلهية ..
والذي يكون إلها لا بد أن يكون ربا خالقا رازقا حيا مالكا غنيا قادرا وغير ذلك مما نعرف من أوصاف الكمالات ومالا نعرف ، فلا يكون إلها إلا من كان متحققا بجميع صفات الكمال والجلال والعظمة والكبرياء وما إلى ذلك ، وإلا فلا يكون إلها .. الإله لا يكون عاجزا ، ولا يكون فقيرا ، ولا يكون ضعيفا ، ولا يكون فيه نقص بوجه من الوجوه ، فهو الذي له الكمال المطلق وبالتالي يستحق أن يعبد ، فالفقير العاجز المربوب لا يصلح أن يعبد وإنما يعبد الغني الخالق القادر ، الرازق المحيي المميت المدبر ، الذي بيده مقاليد كل شيء ، فإذا سئل أعطى وإذا دعي أجاب .. هذا هو الإله .
ولهذا يقول العلماء إن توحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية .
إذا قلت هو إله فهذا يتضمن أنه هو الرازق المحيي المميت القادر ..إلخ ، ولهذا يقولون أيضا إن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الإلهية ، معنى هذا الكلام .. إذا أقررت أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت الضار النافع ، فما حاجتك إلى غيره ؟! . ولهذا احتج النبي صلى الله عليه وسلم على حصين –والد عمران بن حصين – جيء به وهو شيخ هرم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليجادله في الإيمان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : كم إلها تعبد ؟ قال : سبعة ، ستة في الأرض وواحد في السماء .
فسأله النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأسئلة: من لحاجتك؟ من لرغبتك ؟ فيقول : الذي في السماء .. ، فحجه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القضية قال : فما حاجتك بهؤلاء الآلهة ؟ ما حاجتك بغيره ؟! فكان ذلك سببا لإسلامه رضي الله عنه ، وقد جاء للاحتجاج على النبي صلى الله عليه وسلم في قضية التوحيد .
فإذا .. حينما نقر بأن الله هو الإله ، فهذا يتضمن أنه موصوف بجميع صفات الكمال . وبهذا نعرف الجواب عن السؤال في معنى كون هذا الاسم ترجع إليه الأسماء الحسنى من جهة المعنى . أي أن معناه يتضمن جميع معاني الأسماء الحسنى الدالة على الكمال ، فالله عز وجل ترجع إليه جميع معاني الأسماء الأخرى كالرازق والحي والقادر والمدبر والسميع والبصير وما إلى ذلك .
ولهذا قال جمع من أهل العلم : إنه الاسم الأعظم الذي إذا سئل الله به أعطى ، وإذا دعي أجاب ،فهو أعظم الأسماء الحسنى وأجلها على الإطلاق ، كما أنه أيضا من الأسماء المختصة بالله تبارك وتعالى .. يعني بعض أسماء الله عز وجل يمكن أن يسمى بها المخلوق مثل العزيز ( وقالت امرأت العزيز ) ، أما ( الله ) فلا يمكن أن يسمي به أحد من المخلوقين ، فهو اسم مختص بالله تبارك وتعالى .

( الله لا إله إلا هو ) هذه أشرف كلمة قيلت على الإطلاق ، وهي كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) .. هي أصدق كلمة وأعدل كلمة .. ما قال قائل قط أصدق كلمة من هذه الكلمة .. كلمة الشهادة .. كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) .. ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفضل ما قلت أنا و النبيون قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) الحديث .
الله لا إله إلا هو : أي لا معبود بحق سواه .

ثم قال : ( الحي القيوم ) : الحي : الذي له الحياة الكاملة من كل وجه ، فهي حياة لم تسبق بعدم .
المخلوق حي يوصف بالحياة .. ولكن الفرق بين حياة المخلوق وحياة الخالق .. حياة الخالق لم تسبق بعدم ، هو الأول ، ولا يلحقها عدم ، وهو الآخر ، ولا يعتريها نقص بوجه من الوجوه ..
حياة المخلوق مسبوقة بالعدم ، ويعقبها الفناء والعدم .. يموت الإنسان ، ويعتريها النقص والضعف والخلل بما يحصل للإنسان من الأوجاع والأمراض التي تكون ضعفا في حياته ، إضافة إلى السنة والنعاس والنوم ، لأن النوم في الواقع هو موتة صغرى .. فنحن حينما ننام ، فنحن في الواقع نموت في كل يوم ، بل قد نموت في كل يوم عدة مرات ، فهذا نقص في حياتنا في الواقع ، وإن كان بالنسبة للمخلوق الضعيف الفقير المحتاج يعد النوم كمالا في حياته ، لأنه لو لم ينم لكان ذلك علة ومرضا يستدعي ذهابه إلى الأطباء .. فهذا كمال ، ولكنه ليس كمالا مطلقا ، بل هو كمال نسبي يليق بالمخلوق . أما إذا قيمنا هذه الصفة ونظرنا إليها ( النوم ) من حيث هي ، فإنها لا تكون كمالا على سبيل الإطلاق ، بل هي كمال نسبي يليق بالمخلوقين فحسب . أما الخالق فلا يليق به النوم جل وعلا ، لأن النوم نقص في الحياة ، ولهذا قال :
( الله لا إله إلا هو الحي ) الذي له الحياة الكاملة ، لم تسبق بعدم ولا يلحقها عدم ، وهي أيضا لا يعتريها نقص ..
وهنا سؤال .. أن أهل الجنة يخلدون فيها ، فهل يرد ذلك على كون الله عز وجل له الحياة الكاملة التي لا يسبقها عدم ، فما الجواب ؟ ..
بقاؤهم في الجنة .. هل قيامهم بأنفسهم ؟! .. لا .. وإنما بإقامة الله عز وجل لهم ، فقيامهم مفتقر إلى إقامة غيرهم .. إلى إقامة الله تبارك وتعالى ، فهو ليس قياما بنفسه ، وإنما قيام بغيره .
أما قيام الله عز وجل وبقاؤه وحياته الكاملة فإنه مقيم لنفسه سبحانه وتعالى ويقيم غيره .. وأنتم تلاحظون هذه المعاني المترابطة فيما يلوح لكم من الأسماء الآتية .. هو يقيم غيره ، ولا يفتقر إلى غيره في بقائه وحياته الأبدية . وأما أهل الجنة فإنما بقاؤهم بإبقاء الله لهم .. فهم مفتقرون إليه كل الافتقار .

( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) .. تلاحظون أن حرف العطف محذوف بين هذه الأسماء .. فما وجه هذا الحذف ؟ لماذا لم يقل الله لا إله إلا هو الحي والقيوم والذي لا تأخذه سنة ولا نوم .. إلى آخره . لماذا لم يذكر العطف ؟
إذا تأملنا في كتاب الله عز وجل نجد أن ذكر الأسماء الحسنى لا يذكر معه حرف العطف إلا في موضعين اثنين :
الأول : مع الاسم الموصول ( سبح اسم ربك الأعلى ، الذي خلق فسوى ، والذي قدر فهدى ، والذي أخرج المرعى .. ) إلى آخره .
والموضع الثاني : في مقام واحد في كتاب الله عز وجل ، وهو قوله تبارك تعالى ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) في هذا المقام فقط .
لاحظ الآن .. الأسماء المذكورة هنا ( الأول والآخر والظاهر والباطن ) هل هي أسماء متقاربة أم متقابلة ؟ .. متقابلة .. الأول والآخر ..
( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء )
فهذه الأسماء متقابلة تماما .. بينما المواضع الأخرى التي يحذف معها حرف العطف تكون متقاربة تجد العزة مع الحكمة .. العزيز الحكيم .
المغفرة يتبادر معها الرحمة .. الغفور الرحيم .
والحياة ما الذي يناسبها ؟ .. القيومية ، ولهذا قال (الحي القيوم) .. له الحياة الكاملة وهو أيضا قيوم .
قيوم .. صيغة مبالغة .. معناها : أنه قائم بنفسه مقيم لغيره سبحانه وتعالى ، قائم على خلقه في كل شيء ، قائم عليهم في حياتهم وفي أرزاقهم ، وقائم عليهم في آجالهم ، وقائم عليهم في كل شأن من شئونهم ، فهو الذي يدبرهم التدبير المطلق ، وهو الذي يحكم عليهم ولا معقب لحكمه جل وعلا ، هذا معنى القيوم . ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت )
وهذا من كمال حياته ، فهو كما أنه قائم بنفسه هو أيضا مقيم لغيره .

( لا تأخذه سنة ولا نوم ) .. وانظر إلى هذا المعنى العجيب الذي نفاه الله عز وجل بعد أن ذكر الحياة والقيومية ، فقد يتوهم المتوهم من ذكر حياته جل وعلا أن حياته كحياة المخلوقين يرد عليها ما يرد على المخلوقين من حاجة إلى الراحة وغياب عن هذا العالم المشاهد بالنوم أو ما دونه من مقدماته وهي السنة ، فنفى الله عز وجل هذا الوهم فقال : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) .. وحينما ينفي السنة والنوم لا يكون ذلك نفيا لهذه المعاني الناقصة فحسب ، بل إن النفي في كتاب الله عز جل إذا نفى الله عز وجل عن نفسه أو عن كتابه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا فإن ذلك يتضمن ثبوت كمال ضده ، فإذا قال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، فهذا يتضمن ثبوت كمال حياته سبحانه وتعالى .
أما نحن الضعفاء الفقراء المساكين فحسبنا النفي ، فيقال : فلان ليس ضعيفا ،فلان ليس عالما ،فلان ليس جاهلا . فيكون مبلغ ذلك الكلام هو نفي هذه الصفة فحسب ولا يتضمن ذلك ثبوت كمال الضد .
أما إذا نفى الله عن نفسه شيئا من النقائص أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم أو عن كتابه فإن هذا يتضمن ثبوت كمال ضده ، فيكون ذلك إثباتا لكمال حياته وقيوميته .
( لا تأخذه سنة ولا نوم ) .. وما معنى السنة ؟ .. السنة هي مقدمة النوم وخثورته والضعف الطبيعي الذي يعتري الإنسان قبل أن ينام . هذه هي السنة . وبعض العلماء يقولون هي والنعاس بمعنى واحد . وبعضهم يفرقون بينهما فيقولون : السنة في الرأس والنعاس في العين ، والنوم في القلب . وهنا ذكر الله السنة ولم يذكر النعاس ، فتكون السنة والنعاس بمعنى – أي واحد – والله أعلم .
فنفى الله عز وجل عن نفسه مقدمة النوم وهي السنة أو النعاس ، ونفى النوم وهو غياب الإنسان هذا الغياب الطبيعي عن العالم المشاهد بحيث أن حواس الإنسان وقلبه وعقله يفتر ، فلا يحس بما حوله . لا يشعر بشيء مما حوله .
قد يقول قائل : نفى الله عز وجل السنة ونفى النوم ، أما كان يكفي أن ينفي السنة فيكون نفي النوم من باب أولى ؟ أو ينفي النوم فيكون ذلك أيضا نفيا أيضا لمقدماته ؟ فما الجواب ؟
يمكن أن يقال زيادة في التأكيد .. لكن القاعدة في هذا الباب أن التأسيس مقدم على التوكيد ، لأنه يبني معنى جديدا . يقال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) أن السنة قد ترد من غير النوم ، فيدافع الإنسان النوم ، فيحصل له نعاس ولكن لا يحصل النوم ، قد توجد السنة منفردة عن النوم ، وقد يوجد النوم من غير سنة .. أليس كذلك ؟ .. فنفى الله عز وجل الأمرين . ولاحظ هذا النفي أنه أدخل بينهما لا النافية مرة أخرى ، قال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) وكان يكفي أن يقال ( لا تأخذه سنة ونوم ) ولكن مبالغة في التوكيد وأن كل واحد منهما منفيا على سبيل الاستقلال ، قال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) أي ولا يأخذه نوم .

ثم قال : ( له ما في السماوات وما في الأرض ) .. هذا الإله العظيم الذي له جميع أوصاف الكمال ، وله القيومية الكاملة ، والحياة الكاملة ، ولا يعتريه غفلة ولا نقص بوجه من الوجوه . ( له ما في السماوات وما في الأرض ) بعد أن قرر أنه تبارك وتعالى لا تعتريه الآفات ولا تغيره الليالي والأيام كما تغير البشر ، فهو الكامل الكمال المطلق ، الذي لا يرد عليه نقص بوجه من الوجوه ، قال ( له ما في السماوات وما في الأرض ) .. ( له ) : اللام هنا للملك .
العلماء يذكرون ثلاث لامات ، ما هي ؟ .. لام الاستحقاق ، ولام الاختصاص ، ولام الملك .
- نحن نأتي بفوائد علمية وأحيانا لغوية وأحيانا تربوية ، ليكون هذا الدرس في أشياء متنوعة من الفوائد ، تقرؤون في بعض الكتب فتدركون بعض المعاني وتتصورون بعض القضايا التربوية من كلام الله عز وجل –
ما الفرق بين اللامات الثلاث ؟ .. الآن اللام حينما نقول ( الكأس لزيد ) .. الآن الكأس ذات .. ذات أم معنى ؟ .. ذات
أضفناه إلى ذات ، فإضافة ذات إلى ذات من شأنها أن تملك الذات المضاف إليها ، تكون اللام للملك .( الكأس لزيد ، السيارة لمحمد ، البيت لصالح,القلم لسعيد )
إذا أضفنا ذات إلى ذات ليس من شأنها أن تملك صارت اللام للاختصاص ( المفتاح للسيارة ) المفتاح ذات والسيارة ذات ، ولكن السيارة ليس من شأنها أن تملك ( الباب للمنزل ، السلك للمكبر ، الورق للمسجد ) .. فهذه اللام لام الاختصاص .
باقي اللام الثالثة وهي لام الاستحقاق .. أن نضيف معنى إلى ذات مثل ( الحمد لله ) الحمد معنى أم ذات ؟ .. معنى .. ( لله ) اللام للاستحقاق
تقول ( الشكر لله ) الشكر معنى ، فاللام للاستحقاق .. وهكذا .
فهنا يقول ( له ما في السماوات ) اللام ما نوعها ؟ .. لام الملك .. ( له ما في السماوات ) أي ملكا . و ( ما ) صيغة عموم تدل على العموم ، أي جميع ما في السماوات السبع كله ملك لله عز وجل لا يشاركه فيه أحد ، ( له ما في السماوات وما في الأرض ) أي كل ما في الأرض هو ملك لله عز وجل .
ولا حظ أن السماوات مجموعة ، والأرض مفردة . ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن ) فلماذا تذكر السماوات مجموعة والأرض مفردة ، إذا ذكرت السماء والأرض ؟ ما الجواب ؟
يمكن أن يقال والله أعلم ، الأرض .. اسم جنس ، يدل على الواحد والجمع فيشمل ذلك الأرضين السبع ( له ما في السماوات وما في الأرض ) أي ملكا ، وهذا يدل على سعة ملك الله عز وجل ، وإذا علم العبد أن الله عز وجل له ما في السماوات وما في الأرض فهل يطلب الغنى من غير الله تبارك وتعالى ؟ .. كل ما في السماوات وما في الأرض ملك لله عز وجل ، فإذا افتقرت واحتجت ، إلى أين تلجأ ؟ .. إلى الله وحده لا شريك له ، فهو الذي بيده خزائن السماوات والأرض ، والمخلوق الضعيف لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا . ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جيد ، وما ذلك على الله بعزيز ) فنحن وما نملك كلنا ملك لله عز وجل .
ثم قال مبينا عظمة هذا الملك : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) .. ( من ذا الذي ) : هذا استفهام ، وهذا الاستفهام يتضمن معنى النفي ، وإيراد النفي بصيغة الاستفهام أبلغ وأبلغ .
المعنى ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) معناه .. لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه ، وهذا يدل على كمال ملك الله عز وجل .. ومن أي وجه ؟ .. لأن المخلوق إذا كان موصوفا بالملك فإن الناس قد يتقدمون بين يديه بالشفاعة من غير استئذان ، وقد يشفع هو من غير رغبة .. قد لا يرغب في هذه الشفاعة التي قدمت بين يديه ، لكنه قد يحرج أو يستحي أو قد يقبل هذه الشفاعة خوفا من غائلة الشافع لأن ملكه لا يقوم إلا به .. قد يكون من أعوانه .. الذين لا يقوم ملكه إلا بهم فيقبل الشفاعة خوفا من غائلة هذا الشافع ، وقد يقبلها حياء منه وخجلا وإحراجا ، وقد يقبلها ردا لجميله السابق عليه وإفضاله .
وأما الله عز وجل فهو لا يخاف من أحد ولا يقبل الشفاعة إحراجا من أحد ، وليس لأحد فضل على الله عز وجل حتى يكون ذلك القبول على سبيل المقايضة .. من هو الذي يتفضل على الله عز وجل حتى يحتاج رب العالمين جل وعلا وتقدس وتنزه أن يرد له هذا الجميل ؟
والناس كلهم لا يقومون إلا بإقامته جل وعلا ، فهذا هو الفرق بين ملك المخلوقين وبين ملك رب السماوات والأرض .. فهو لعظمة ملكه وقوته وغناه التام الكامل لا يحتاج إلى أحد على سبيل الإطلاق .. فلا أحد يتجرأ أن يشفع عنده إلا بإذنه .. (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) أي لا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه .. بإذنه لمن ؟! .. بإذن للشافع أصلا أن يشفع .. ما يتقدمون بين يديه بالشفاعة ابتداء .. لا .. لابد من الاستئذان . ثم لا بد من الإذن في الشفاعة ، ولا بد من الرضى عن المشفوع له ، ولهذا يقول الله عز وجل ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) ، ولهذا قال الله عن أهل الإشراك ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) فلا يتقدم إذن أحد بين يدي الله بالشفاعة إلا بعد إذن الله للشافع أن يشفع وبعد إذنه في الشفاعة وبعد رضاه عن المشفوع له . وهذا لكمال ملك الله جل وعلا ، بخلاف المخلوق الذي يتقدم بين يديه بالشفاعة من دون استئذان ، وقد يقبلها على مضض محرجا أو خائفا من هذا الشافع .
( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) لاحظ .. هناك قرر أنه ذو الألوهية ، وقرر أيضا أنه موصوف بالحياة الكاملة ، وبالقيومية الكاملة ، وأن له ما في السماوات وما في الأرض .. فماذا بقي للأرباب والأنداد ؟ هل بقي لها شيء ؟ هل بقي لأحد مع الله عز وجل شرك في هذا الكون يقاسم الرحمن به ؟ .. أبدا .
فلما قرر هذه المعاني نفى أمرا قد يتوهمه المتوهمون ، فيقولون : نلوذ بشفاعة الشافعين ممن يقربون إليه بألوان القربات ، فقال لهم : فكما أن أولئك لا يملكون نفعا ولا ضرا ، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ، وليس لهم في هذا الكون قليل ولا كثير . قال أيضا : فهؤلاء أيضا لا يملكون الشفاعة ، ولا يتقدمون بين يدي الجبار عز وجل ليشفعوا لأحد إلا بعد إذنه جل وعلا ، فأين المفر إلا إليه ؟. فيكون هو ملاذ العبد وملجؤه ، ويكون فقر العبد بكليته إلى ربه وخالقه جل وعلا .. لا يكون في القلب أدنى افتقار إلى المخلوقين .. هكذا يربي القرآن أهل الإيمان لتعمر قلوبهم بمعرفة الله عز وجل معرفة صحيحة بأسمائه وصفاته .
( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) .. إذن ما حاجتكم لهؤلاء الأرباب الذين تتوسلون بهم وتصرفون ألوان القربات إليهم ، وتقولون ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا ) ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) .

ثم يقول ( يعلم ما بين أيهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) ذكر سبحانه وتعالى علمه الكامل المحيط بجميع شئون المخلوقين .. ( يعلم ما بين أيهم وما خلفهم ) يعلم ما قدموا وما أخروا . ( عالم الغيب والشهادة ) فلا يعزب عنه سبحانه وتعالى مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، فعلمه محيط ، يعلم ما كان وما يكون ، وما لا يكون لو كان كيف يكون كما قال الله عز وجل ( ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه ) وقال ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ) وقال أيضا جل وعلا مخبرا عن هذا العلم المحيط لما قال المنافقون ليهود بني النضير ( لئن أخرجتم لنخرجن معكم ، ولئن قوتلتم لننصرنكم ) فرد الله عليهم قال ( لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) يقول هذا لا يكون ولو كان ليولن الأدبار .. سينهزمون .. فربنا جل وعلا هذا علمه .
هذا الرب الذي نعبد وله نصلي ونسجد .. هذا هو الإله الذي نتقرب إليه وندعوا إليه ونتوكل عليه ، فنحن نتوكل على جناب عظيم .
فـ ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيهم وما خلفهم )
وبالمقابل ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) شيء : نكرة في سياق النفي ، والنكرة في سياق النفي تدل على العموم ، يعني : ولا يحيطون بأي شيء من علم الله عز وجل إلا بما شاء .

( ولا يحيطون بشيء من علمه ) الضمير الهاء .. إلى أي شيء يرجع ؟ .. يمكن أن يكون يرجع إلى الله ( ولا يحيطون بشيء من علمه ) يعني : من علم الله عز وجل . وهل تحتمل الآية معنى آخر ؟ .. نعم .. يحتمل أن يكون عائد إلى علم ما بين أيديهم وما خلفهم ، فيكون المعنى ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) ما قدموا وما أخروا ولا يحيطون بشيء من علم ما بين أيديهم وما خلفهم إلا بما شاء أن يطلعهم عليه . يكون المعنى هكذا . وأيهما الراجح ؟ .. لا نحتاج أن نقول أيهما الراجح لأن القرآن يعبر به في الألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة ، فالخلق لا يحيطون بشيء من علم الله عز وجل إلا بما شاء ، ولا يحيطون أيضا بشيء من علم ما بين أيديهم وما خلفهم إلا بما أطلعهم الله عليه . والمعنى الثاني مستلزم للمعنى الأول . يعني إذا كانوا لا يحيطون بعلم شيء مما بين أيديهم وما خلفهم فمن باب أولى أنهم لا يحيطون بشيء من علم الله عز وجل ، لأن علم ما بين أيديهم وما خلفهم هو بعض من علم الله عز وجل .
ولهذا يقال إذا دلت الآية على معنيين بينهما تلازم فإن الآية تحمل عليهما ، وإذا دل القرآن على معنى واحتمل غيره من غير ما نع يمنع من حمله عليه حمل على المعنيين ، لأن القرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة .
مثلا : الله عز وجل يقول ( ومن شر غاسق إذا وقب ) معنى الغاسق .. بعض العلماء يقولون الليل ، وبعضهم يقولون القمر . فيحاول بعض العلماء أن يرجح وفي الواقع لا حاجة للترجيح ، لأن القمر يخرج في الليل ، فالمعنيان بينهما ملازمة ، فالقولان حق .

( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) أن يطلعهم عليه ، كما قال ( إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا )

ثم قال ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) فيه بيان كمال عظمة الله جل وعلا .
الكرسي : موضع القدمين في لغة العرب .. الذي يوضع بين يدي العرش كالمرقاة له . والعرش هو سرير الملك .
( وسع كرسيه السماوات والأرض ) فما معنى الكرسي في الآية ؟ .. هو ذلك المخلوق الهائل العظيم الذي يكون بين يدي عرش الرحمن جل وعلا .. ما صفته ؟ كيف هو ؟ .. لا نعلم ، لأن هذه أمور غيبية نثبتها لله عز وجل كما أخبر ولا نخوض فيها متأولين بأفهامنا وآرائنا .
لكن تصور هذا المخلوق الذي بين يدي العرش ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) يعني أضخم من السماوات والأرض ، إذا ما ضخامة العرش ؟! .. إذا كان الكرسي وهو صغير بالنسبة للعرش أضخم من السماوات والأرض ، وتعلمون ما معنى السماوات ؟ ..العلماء يتحيرون في السماء الدنيا بأفلاكها ومجراتها وشموسها ومجموعاتها الشمسية .. يتحيرون في ضخامتها وسعتها فكيف السماء الثانية التي هي أوسع منها ، والسماء الثالثة التي هي أوسع من الثانية ، وهكذا حتى تصل إلى السماء السابعة .

يا أخي النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه في الحديث أنه قال : ( أذن لي أن أحدث عن أحد حملة العرش ، ما بين شحمة أذنه ومنكبه سبعمائة سنة تخفق الطير ) يعني تصور سرعة الطير سبعمائة سنة يمشي يخفق .. يطير .. حتى يقطع هذه المسافة في ملك من الملائكة .
إذا كانت هذه عظمة مخلوق فما عظمة الخالق .. عظمة الله أعظم مما نتصور ومما يخطر في أذهاننا ..
الله جل جلاله له العظمة الكاملة التي لا تخطر على بال .. والله جل وعلا صاحب هذه العظمة يقول عن الملائكة : ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آ منوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ) ويقول أيضا عن الملائكة ( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل صلى الله عليه وسلم في صورته الحقيقية مرتين ، رآه له ستمائة جناح قد سد ما بين الأفق . ويذكر في الأخبار والتواريخ أن قرى قوم لوط ( والمؤتفكة أهوى ) قرى ليست قرية واحدة .. المؤتفكات .. جمع .. جاء في التاريخ والأخبار أن جبريل صلى الله عليه وسلم رفعها بطرف جناحه حتى صعد بها إلى السماء بأهلها .. بدوابها .. فلما وصل بها إلى السماء قلبها .. المؤتفكة أفكها أي قلبها ، .. المؤتفكات المنقلبات .. أهوى ، أي أسقطها . هذا ملك ، فما هي إذا عظمة الرحمن ؟ .. ثم نحن هذه الهباءة الصغيرة في هذا الكون .. الضعفاء المساكين نتمرد على الله عز وجل ونعصيه ونشمخ بأنوفنا عاليا إذا ذكرنا بالله جل وعلا وأمرنا بتقواه أو أنكر علينا منكر من المنكرات .. نتكبر ونتعاظم .. ولربما يبدر من هذا الإنسان الضعيف بعض التصرفات التي تنبئ عن استخفافه بالله عز وجل .. فأين نحن من هؤلاء الملائكة الذين هم بهذه العظمة ، والله يقول ( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) .

( ولا يؤوده حفظهما ) أي لا يعجزه ولا يثقله حفظ السماوات والأرض .. هذه المخلوقات الهائلة يحفظها .. وهذا من قيوميته سبحانه وتعالى ، ومع ذلك لا يثقله هذا الحفظ، ولا يعجزه .. ومعنى ( يؤوده ) أي يثقله ويعجزه مأخوذ من قول العرب آده يؤوده وهو أن الشيء إذا وضع عليه شيء ثقيل فإنه ينثني من هذا الثقل ويعوج ويميل وينحني ، فالله عز وجل يحفظ السماوات والأرض ومن فيهن ، وهن خاضعات لعظمته ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) فهو له ما في السماوات وما في الأرض ، وهو يحفظها ، وأيضا لا يعجزه ولا يثقله حفظ السماوات والأرض .

( وهو العلي العظيم ) الذي له العلو المطلق .. علو الذات ، فهو فوق العرش سبحانه وتعالى ( الرحمن على العرش استوى )
وعلو القدر والمنزلة ، وعلو القهر ، فله جميع معاني العلو ، ( وهو العلي العظيم ) ذو العظمة الكاملة ، وقد سمعتم من أوصافه وأسمائه الدالة على عظمته ما يدرك معه شيء من هذه العظمة .

( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السماوات وما في الأرض ، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم )

أقول للإخوة نحن بحاجة إلى تدبر هذا القرآن وتفهم معانيه ، وأنتم تلاحظون هذه آية من كتاب الله عز وجل نقرأها ، ولربما نحفظها جميعا ، ونسمعها في الصلاة ، فكم يغيب عنا من معانيها ، ولو كنا نتفهم القرآن ونتدبره ، ونفهم هذه المعاني منه لكنا أسعد أمة وأقوى أمة ، وانشرحت صدورنا من كتاب الله عز وجل وما شبعنا من قراءته وسماعه ..
يعني أنت الآن حينما تدرس تفسير آية مثل هذه أو سورة وتفهم معانيها ، حينما تقرأها أو تسمعها من الإمام ، هل يكون سماعها لك كسماعها من قبل ؟ .. فرق كبير جدا ..يلوح لك فيها من المعاني أشياء كثيرة جدا لم تتفطن لها ، ولهذا أقول ينبغي العناية بكتاب الله عز وجل وقراءة شيء من التفاسير وتفهم هذا الكلام ..
لو أنك تأتي مثلا في صلاة التراويح .. الآيات التي يقرؤها الإمام لو قرأتها من تفسير واحد على الأقل ثم تابعت الإمام في قراءتها لتمنيت أن الإمام لا يركع ، لأن المعاني تتوارد في ذهنك بشكل عجيب جدا .. بل قد يسبق اللسان أحيانا ، فيتكلم الإنسان من غير قصد .. أكمل الآية .. أكمل الآيات .. لا تركع الآن ، لأنها متسلسلة ومترابطة ترابطا عجيبا ، فإذا ركع الإمام قطع عليك سلسلة هذه المعاني ، فتكاد تتكلم أكمل الآيات لما يلوح لك من معانيها .
أما إذا كان الإنسان لا يفهم هذه الأشياء ولا يدرك معانيها ، فتجده يصلي وهو يكسر أصابعه ويتململ كأنه على ملة ، ولا يتأثر بهذا القرآن . وإذا سمع الإمام بكى .. كأنه جاء من مكان بعيد .. إيش عنده الإمام ؟! .. فإذا اكتشف مثلا أن الإمام بكى في سورة الفاتحة يجلس يتساءل سنة كاملة .. فيه أحد يبكي من سورة الفاتحة ؟! ..هي أعظم سورة في كتاب الله عز وجل .
فأقول أيها الإخوة نحن نعيش بعيدا عن معاني القرآن ، فما أحوجنا إلى تدبره وتفهمه وتدارسه .
 
عودة
أعلى