محمود الشنقيطي
New member
[align=justify]الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه , وبعد:
فإنَّ منَ المُلاحَـظِ في أرفُـفِ مطبوعاتِ كتبِ التفسير في معارضِ الكتاب ومكتباتِ الجامعات والهيئات والأفراد خلو الجميعِ من مطبوعات تفاسير الشناقطة , وانضافَ إلى ذلك خُـلو بعضِ معاجمِ المفسرين الحديثة من الإشـارةِ إلى مفسري الشانقطةِ وتفاسيرهم مما رسَّـخَ هذه الصورة وأكَّـد هذا الظنَّ , حتى قاد ذلك إلى اعتقـادِ أنَّ إسهاماتِ الشناقطةِ العلميةَ إنَّما انحصرت في بعضِ العلوم كالفقه والعربية والسيرة وغير ذلك , والحقيقةُ التي لا يعلمها البعضُ من الباحثينَ هي أنَّ للشناقطة إسهاماً كبيراً في التفسير لم يبلغ إسهاماتهم في الفقه والعربية بيد أنهُ ليس عنها ببعيد , وقبل الإشـارة إلى طرفٍ من ذلك فإنَّ للقارئ الكريم أن يضعَ في ذهنه أنَّ أغلبَ هذه المجهوداتِ العلميةَ قضتْ عليها عدةُ عوامل اقتضتها طبيعةُ العيشِ والبيئةُ البدويةُ في شنقيط كالترحال الدائم والأمطار التي لا يقومُ لها حبرُ المخطوطات خصوصاً في ظل العجز وقلة إمكانيات الحفظِ والصيانة خلافاً لما عليهِ الحالُ في حواضر العالم الإسلامي الأخرى , مع الصعوباتِ البالغةِ في الحصولِ على بعضِها من ورثةِ المؤلفينَ نظراً لاختصاصهم بها لأنفسهم إضافةً إلى ما يقابلُ ذلك من تفريطٍ في الجانب الآخرِ تُعطى معهُ المخطوطاتُ لكل طالب وراغبٍ إحساناً من البعضِ ظنَّهم بكل منتسبٍ للعلمِ , وقد يُضافُ إلى ذلك الحروب الطاحنةُ التي تذهبُ فيها النفسُ قبل الطِّـرس , ولا أستبعدُ أن يكونَ أيضاً لاستعمار الفرنسيين دوراً بالغاً في طمسِ هذه المعالمِ خصوصاً إذا علمنا أنَّ حجم المخطوطات التي تمت سرقتها واستيداعُـها مكتباتِ فرنسا ليست باليسيرة فقد تجاوزت الألفينِ في عدِّ بعضِ العادِّين.
ولربَّما عزَّز اعتقادَ عدمِ إسهام الشناقطة في التفسيرِ ما كان ولا يزالُ قائماً في نفوسِ بعضهم وجارٍ على ألسنتهم من تحريمِ التفسيرِ فراراً من القولِ على اللهِ بغيرِ علمٍ فبالغوا في هذا الجانبِ حتى صارَ الكلامُ في التفسيرِ بأيِّ نوعٍ من أنواعه جنايةً وجرأةً عظيمةً , وفي ذلك يقولُ قائلهم:
مفسر الرأي إن تقسَـم خطيئته *** تسع جميعَ الورى ولو أصاب هدى
حتى كان بعضُ أعيانِ فُقهائهم يضعُ تفسيراً مُعينا يرجعُ إليهِ عند الحاجة دون أن أن يزيد عليه أو ينقص عنهُ مخافة الخطإ , وكانَ المُجتمعُ أحياناً يُحاصرُ من يفسِّـرُ القرآنَ حصاراً اجتماعياً يتمثلُ في استنباتِ العداء لهُ من أجل خوضهِ في التفسير , وأضافوا إلى ذلك أيضاً جانب الحديثِ النبوي خوفاً من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلمَ وهذه أمورٌ ذكرها بعضُ الباحثينَ مثل محمد الحافظ ابن المجتبى في كتابه "الحديث وأهله في بلاد شنقيط " وهذا المسلكُ وإن كان أغلبُ سالكيهِ من العوامِّ غير الأئمةِ العُلماءِ إلا أنَّ أثرهُ في إضعافِ الحركةِ العلمية لا يخفى.
وهُـو أمرٌ غيرُ جديدٍ ولا يختصُّ بالشناقطةِ فحسبُ , بل ذكرهُ السيوطيُّ رحمه اللهُ عن بلاد التكرور عموماً , فأشـار إلى أنَّ من عادةِ بعضِ فُقهاءِ هذه البلادِ تركَ القُـرآنِ والسُّـنة , يعني ترك الاشتغال بالتفسيرِ والحديثِ , واقتصارَ الجهودِ على مُدوَّناتِ الفقهِ ومختصراتهِ وأنظامهِ , وكلامه كما لا يخفى مرادٌ به البعضُ.
ولعلَّ هذا البُعدَ عن التفسير كانت نتيجةً طبيعيةً لغلَـبةِ بعضِ الثقافاتِ وسيادتها حقبةً من الزمنِ , لكنَّ ذلك لم يَشُـلَّ حركةَ التأليفِ في التفسير فقد جرى مفتى شنقيط العلاَّمة الطالب محمد بن المختار الأعمش العلوى المتوفى (1107هـ) على اسم الله وخالفَ هذ الإلفَ عند الفقهاءِ فكتبَ في التفسير وألَّفَ فيه كما قال الباحث الفرنسى أفرنك لاكونت: "ولما حاول مفتى شنقيط أن يفسر القرآن الكريم بادر أنداده من الفقهاء بالنكير عليه، وطالبوه بالتوقف عن ذلك، ودافع عن موقفه دفاعاً شديداً ", ومن المؤلفين كذلك في التفسير العلاَّمةُ محمد بن محمد سالم المجلسي صاحبُ "الريان في تفسير القرآن" وقد امتاز في تفسيره ذلك بتتبعِ الطرقِ الواهية والموضوعاتِ والمناكير التي كثُرت في كتب التفسير فبيَّنها وكان لا يُـمِـرُّ الأسانيد الواهية دون تمحيصٍ ولا يُقِـرُّ الأخبار الباطلة المرسلة التي تُشحَنُ بها بعضُ التفاسير , وكتب كذلك العلاَّمةُ محمد بن المختار بن محمد سعيد بن المختار اليدالي المولود عامَ 1166هـ , تفسيرهُ الموسومَ بـ "الذهب الإبريز فى تفسير كتاب الله العزيز" وهو تفسيرٌ لا يزالُ حتى الساعةَ - فيما أظنُّ - مخطوطاً , وهذا التفسيرُ أثنى عليه مؤلفهُ رحمه الله تعالى بقوله:
( ولما جاء هذا الكتاب بحمد الله تعالى محتوياً على ما تضمنته الدواوين الكثيرة والطويلة، ولكن بعد تلخيصها ومحلى بعقود الأحاديث النبوية، والأحكام الشرعية، ومطرزاً ببواقيت الفوائد السنية، والنكت الحسان البهية، ومرصعاً بفوائد درر القصص الشهية والوقائع، وموشحاً باللطائف والنفائس الجليلة، وجامعاً للزوائد، ومقتنصاً للشوارد، وكافياً من اقتصر عليه، ووافياً ببغية من جنح عليه، تقربه عين الودود، وتكمد به عين الحسود، سميته(بالدر الفريد، فى تفسير القرآن المجيد، أو بالذهب الإبريز، فى تفسير كتاب الله العزيز)..) .
وممن ألف في التفسير العلامة الشيخ سيد المختار الكنتى المُتوفى عام 1226هـ، فى كتابه "كشف النقاب عن أسرار فاتحة الكتاب"، وكذلك الشيخ حبيب الله بن الأمين بن الحاج الشقروي , وألف كتابه "تفسير القرآن الكريم " وقد ذكر الباحثُ الشيخ محمد مولاي أنهُ من التفاسير المفقودة , وممن ألف كذلك محمذن فال بن متالي التندغى ت1287هـ في كتابه "صلاح الآخرة والأولى فى صلاح الآخرة والأولى" وهو تفسيرٌ مخطوطٌ موجود , وكذلك الشيخ/ محمد بن حنبل الحسنى ت1300هـ , الذي ألَّف تفسير "ري الظمآن فى تفسير القرآن"
وألَّفَ كذلك الشيخ معروف بن الكورى بن إبراهيم البركنى تفسيرهُ "تأويل محكم التنزيل، فى تفسير القرآن العظيم" وهو تفسيرٌ مفقودٌ نصفُـهُ الأولُ , والموجودُ منهُ النصفُ الأخيرُ وحدهُ .
بل أشار بعضُ الباحثين كالدكتور محمد بن مولاي الشنقيطي حفظه الله صاحب كتاب التفسير والمفسرون ببلاد شنقيط (وعنهُ أخذتُّ أغلبَ مُحتوى هذه الأسطرِ) إلى أنَّ الشناقطة كانت لهم مناهجُ في تعلُّم التفسير ومنها منهجُ مجاهد بن جبر مع ابن عباس في تتبعِ القرآنِ كُلهِ آيةً آيةً , وعدَّ من أولئك:
سيد أحمد بن محمد الزيدى، فقد فسر كتاب الله على شيخه سيد عبدالله بن محمد العلوى المتوفى (1143هـ).
عبد الله الودود بن حميه(ت1397هـ) قرأ تفسير القرآن كله على شيخه الشيخ باب بن الشيخ سديا المتوفى(1342هـ) آية آية وسورة سورة حتى استكمله.
وقد جنحَ الشناقطةُ في خدمةِ التفاسير إلى الخروج عن النمطِ المألوفِ في التفسير المنثور إلى إعمالِ مهـارةِ النظمِ فأخرجوا تفاسيرَ منظومةً بلغت أبياتُ بعضها سبعة آلافٍ أو تزيد , ومن أشهرِ ما كُتب كذلك نظمُ " مراقي الأواه إلى تدبر كتاب الله "وهو نظم العلامة أحمد بن أحمذى الذي يبلغُ تسعة آلاف بيت , وكذلك نظم الشيخ/ عبد الودود بن حميه للتفسير بالمأثور المسمى " التنوير الذي ضم ما في الصحيحين وباقي الكتب الخمسة من المأثور", وفي ذلك النَّمطِ من التأليفِ في التفسيرِ يقول الدكتور محمد بن مولاي:
(وقد استأنس الشنقيطيون بالنظم وانسجم مع أذواقهم وكلفوا به حتى استخدموه فى كل الأغراض العلمية، وغير العلمية، لهذا كان أسلوب التفسير عندهم منقسماً قسمين :
أولاً: أسلــوب النظــم :
وهو الغالب على التفاسير الجزئية، والموضوعية، لأن أصحابها يهتمون بناحية معينة من التفسير، كجمع الغريب والمشكل وغيره، وبوسع الناظم أن يدخل المعلومات من هذا النوع في نظمه دون كبير عناء0
ومن الملاحظ أن بعض النظام يشحنون أنظامهم بالمعاني الكثيرة ولو أدى ذلك إلى استخدام الرمز والتلميح، وتظهر هنا أهمية مقدرة المؤلف الشعرية، وقوة بيانه، وإتقانه لعلوم الآلة، فهي تلعب دوراً كبيراً في رونق النظم، وسلامة لغته، ووزنه، ووضوح معناه)0
واتجهَ بعضُـهم إلى نظمِ بعضِ كتُب التفسير المنثورة كما فعل ذلك الشيخ محمد المامى بن البخارى الشمشوى المتوفى عام 1382هـ , فقد نظم التسهيل لابن جُـزيٍّ رحمه الله.
وأفردَ بعضُ الشناقطةِ عند كتابتهم في التفسيرِ كُتُـباً لبعضِ موضوعاتِ التفسير كما صنعَ العلاَّمةُ الشيخ البشير بن امباريكى المتوفى ( 1354هـ ): في كتابه "كشف الأستار عن بعض ما في الذكر من الإضمار " وهو كتابٌ تتبع فيه الشيخُ المضمراتِ في القرآن , وقال في مُقدَّمته إنهُ لا يعلمُ من سبقهُ إليه.
إلى غير أولئك من مؤلفي وجامعي التفسير في شنقيط , وأنا لم أحصلْ على نُسخةِ كتابِ الشيخِ الكريم محمد مولاي وإن كانَ سبقَ مني الوعدُ للكتابة حولَ هذا الموضوعِ بشكلٍ مُفصَّـلِ في هذا الموضوعِ:
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=16920
ولكن لعل في هذه الأسطر تحلة الوعدِ ومن طالعَ هذه الرسالة التي تقدم بها الشيخُ لنيل درجة الدكتوراه في جامعة محمد الخامس وجد الضالة بإذن الله , وعلمَ يقينا أنَّ إخراجَ التفسيرِ من مجالاتِ الشناقطةِ العلمية اعتماداً على المطبوعاتِ المُتدوَلةِ ليس من الإنصافِ , والله أعلمُ , والحمد لله رب العالمين.[/align]
فإنَّ منَ المُلاحَـظِ في أرفُـفِ مطبوعاتِ كتبِ التفسير في معارضِ الكتاب ومكتباتِ الجامعات والهيئات والأفراد خلو الجميعِ من مطبوعات تفاسير الشناقطة , وانضافَ إلى ذلك خُـلو بعضِ معاجمِ المفسرين الحديثة من الإشـارةِ إلى مفسري الشانقطةِ وتفاسيرهم مما رسَّـخَ هذه الصورة وأكَّـد هذا الظنَّ , حتى قاد ذلك إلى اعتقـادِ أنَّ إسهاماتِ الشناقطةِ العلميةَ إنَّما انحصرت في بعضِ العلوم كالفقه والعربية والسيرة وغير ذلك , والحقيقةُ التي لا يعلمها البعضُ من الباحثينَ هي أنَّ للشناقطة إسهاماً كبيراً في التفسير لم يبلغ إسهاماتهم في الفقه والعربية بيد أنهُ ليس عنها ببعيد , وقبل الإشـارة إلى طرفٍ من ذلك فإنَّ للقارئ الكريم أن يضعَ في ذهنه أنَّ أغلبَ هذه المجهوداتِ العلميةَ قضتْ عليها عدةُ عوامل اقتضتها طبيعةُ العيشِ والبيئةُ البدويةُ في شنقيط كالترحال الدائم والأمطار التي لا يقومُ لها حبرُ المخطوطات خصوصاً في ظل العجز وقلة إمكانيات الحفظِ والصيانة خلافاً لما عليهِ الحالُ في حواضر العالم الإسلامي الأخرى , مع الصعوباتِ البالغةِ في الحصولِ على بعضِها من ورثةِ المؤلفينَ نظراً لاختصاصهم بها لأنفسهم إضافةً إلى ما يقابلُ ذلك من تفريطٍ في الجانب الآخرِ تُعطى معهُ المخطوطاتُ لكل طالب وراغبٍ إحساناً من البعضِ ظنَّهم بكل منتسبٍ للعلمِ , وقد يُضافُ إلى ذلك الحروب الطاحنةُ التي تذهبُ فيها النفسُ قبل الطِّـرس , ولا أستبعدُ أن يكونَ أيضاً لاستعمار الفرنسيين دوراً بالغاً في طمسِ هذه المعالمِ خصوصاً إذا علمنا أنَّ حجم المخطوطات التي تمت سرقتها واستيداعُـها مكتباتِ فرنسا ليست باليسيرة فقد تجاوزت الألفينِ في عدِّ بعضِ العادِّين.
ولربَّما عزَّز اعتقادَ عدمِ إسهام الشناقطة في التفسيرِ ما كان ولا يزالُ قائماً في نفوسِ بعضهم وجارٍ على ألسنتهم من تحريمِ التفسيرِ فراراً من القولِ على اللهِ بغيرِ علمٍ فبالغوا في هذا الجانبِ حتى صارَ الكلامُ في التفسيرِ بأيِّ نوعٍ من أنواعه جنايةً وجرأةً عظيمةً , وفي ذلك يقولُ قائلهم:
مفسر الرأي إن تقسَـم خطيئته *** تسع جميعَ الورى ولو أصاب هدى
حتى كان بعضُ أعيانِ فُقهائهم يضعُ تفسيراً مُعينا يرجعُ إليهِ عند الحاجة دون أن أن يزيد عليه أو ينقص عنهُ مخافة الخطإ , وكانَ المُجتمعُ أحياناً يُحاصرُ من يفسِّـرُ القرآنَ حصاراً اجتماعياً يتمثلُ في استنباتِ العداء لهُ من أجل خوضهِ في التفسير , وأضافوا إلى ذلك أيضاً جانب الحديثِ النبوي خوفاً من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلمَ وهذه أمورٌ ذكرها بعضُ الباحثينَ مثل محمد الحافظ ابن المجتبى في كتابه "الحديث وأهله في بلاد شنقيط " وهذا المسلكُ وإن كان أغلبُ سالكيهِ من العوامِّ غير الأئمةِ العُلماءِ إلا أنَّ أثرهُ في إضعافِ الحركةِ العلمية لا يخفى.
وهُـو أمرٌ غيرُ جديدٍ ولا يختصُّ بالشناقطةِ فحسبُ , بل ذكرهُ السيوطيُّ رحمه اللهُ عن بلاد التكرور عموماً , فأشـار إلى أنَّ من عادةِ بعضِ فُقهاءِ هذه البلادِ تركَ القُـرآنِ والسُّـنة , يعني ترك الاشتغال بالتفسيرِ والحديثِ , واقتصارَ الجهودِ على مُدوَّناتِ الفقهِ ومختصراتهِ وأنظامهِ , وكلامه كما لا يخفى مرادٌ به البعضُ.
ولعلَّ هذا البُعدَ عن التفسير كانت نتيجةً طبيعيةً لغلَـبةِ بعضِ الثقافاتِ وسيادتها حقبةً من الزمنِ , لكنَّ ذلك لم يَشُـلَّ حركةَ التأليفِ في التفسير فقد جرى مفتى شنقيط العلاَّمة الطالب محمد بن المختار الأعمش العلوى المتوفى (1107هـ) على اسم الله وخالفَ هذ الإلفَ عند الفقهاءِ فكتبَ في التفسير وألَّفَ فيه كما قال الباحث الفرنسى أفرنك لاكونت: "ولما حاول مفتى شنقيط أن يفسر القرآن الكريم بادر أنداده من الفقهاء بالنكير عليه، وطالبوه بالتوقف عن ذلك، ودافع عن موقفه دفاعاً شديداً ", ومن المؤلفين كذلك في التفسير العلاَّمةُ محمد بن محمد سالم المجلسي صاحبُ "الريان في تفسير القرآن" وقد امتاز في تفسيره ذلك بتتبعِ الطرقِ الواهية والموضوعاتِ والمناكير التي كثُرت في كتب التفسير فبيَّنها وكان لا يُـمِـرُّ الأسانيد الواهية دون تمحيصٍ ولا يُقِـرُّ الأخبار الباطلة المرسلة التي تُشحَنُ بها بعضُ التفاسير , وكتب كذلك العلاَّمةُ محمد بن المختار بن محمد سعيد بن المختار اليدالي المولود عامَ 1166هـ , تفسيرهُ الموسومَ بـ "الذهب الإبريز فى تفسير كتاب الله العزيز" وهو تفسيرٌ لا يزالُ حتى الساعةَ - فيما أظنُّ - مخطوطاً , وهذا التفسيرُ أثنى عليه مؤلفهُ رحمه الله تعالى بقوله:
( ولما جاء هذا الكتاب بحمد الله تعالى محتوياً على ما تضمنته الدواوين الكثيرة والطويلة، ولكن بعد تلخيصها ومحلى بعقود الأحاديث النبوية، والأحكام الشرعية، ومطرزاً ببواقيت الفوائد السنية، والنكت الحسان البهية، ومرصعاً بفوائد درر القصص الشهية والوقائع، وموشحاً باللطائف والنفائس الجليلة، وجامعاً للزوائد، ومقتنصاً للشوارد، وكافياً من اقتصر عليه، ووافياً ببغية من جنح عليه، تقربه عين الودود، وتكمد به عين الحسود، سميته(بالدر الفريد، فى تفسير القرآن المجيد، أو بالذهب الإبريز، فى تفسير كتاب الله العزيز)..) .
وممن ألف في التفسير العلامة الشيخ سيد المختار الكنتى المُتوفى عام 1226هـ، فى كتابه "كشف النقاب عن أسرار فاتحة الكتاب"، وكذلك الشيخ حبيب الله بن الأمين بن الحاج الشقروي , وألف كتابه "تفسير القرآن الكريم " وقد ذكر الباحثُ الشيخ محمد مولاي أنهُ من التفاسير المفقودة , وممن ألف كذلك محمذن فال بن متالي التندغى ت1287هـ في كتابه "صلاح الآخرة والأولى فى صلاح الآخرة والأولى" وهو تفسيرٌ مخطوطٌ موجود , وكذلك الشيخ/ محمد بن حنبل الحسنى ت1300هـ , الذي ألَّف تفسير "ري الظمآن فى تفسير القرآن"
وألَّفَ كذلك الشيخ معروف بن الكورى بن إبراهيم البركنى تفسيرهُ "تأويل محكم التنزيل، فى تفسير القرآن العظيم" وهو تفسيرٌ مفقودٌ نصفُـهُ الأولُ , والموجودُ منهُ النصفُ الأخيرُ وحدهُ .
بل أشار بعضُ الباحثين كالدكتور محمد بن مولاي الشنقيطي حفظه الله صاحب كتاب التفسير والمفسرون ببلاد شنقيط (وعنهُ أخذتُّ أغلبَ مُحتوى هذه الأسطرِ) إلى أنَّ الشناقطة كانت لهم مناهجُ في تعلُّم التفسير ومنها منهجُ مجاهد بن جبر مع ابن عباس في تتبعِ القرآنِ كُلهِ آيةً آيةً , وعدَّ من أولئك:
سيد أحمد بن محمد الزيدى، فقد فسر كتاب الله على شيخه سيد عبدالله بن محمد العلوى المتوفى (1143هـ).
عبد الله الودود بن حميه(ت1397هـ) قرأ تفسير القرآن كله على شيخه الشيخ باب بن الشيخ سديا المتوفى(1342هـ) آية آية وسورة سورة حتى استكمله.
وقد جنحَ الشناقطةُ في خدمةِ التفاسير إلى الخروج عن النمطِ المألوفِ في التفسير المنثور إلى إعمالِ مهـارةِ النظمِ فأخرجوا تفاسيرَ منظومةً بلغت أبياتُ بعضها سبعة آلافٍ أو تزيد , ومن أشهرِ ما كُتب كذلك نظمُ " مراقي الأواه إلى تدبر كتاب الله "وهو نظم العلامة أحمد بن أحمذى الذي يبلغُ تسعة آلاف بيت , وكذلك نظم الشيخ/ عبد الودود بن حميه للتفسير بالمأثور المسمى " التنوير الذي ضم ما في الصحيحين وباقي الكتب الخمسة من المأثور", وفي ذلك النَّمطِ من التأليفِ في التفسيرِ يقول الدكتور محمد بن مولاي:
(وقد استأنس الشنقيطيون بالنظم وانسجم مع أذواقهم وكلفوا به حتى استخدموه فى كل الأغراض العلمية، وغير العلمية، لهذا كان أسلوب التفسير عندهم منقسماً قسمين :
أولاً: أسلــوب النظــم :
وهو الغالب على التفاسير الجزئية، والموضوعية، لأن أصحابها يهتمون بناحية معينة من التفسير، كجمع الغريب والمشكل وغيره، وبوسع الناظم أن يدخل المعلومات من هذا النوع في نظمه دون كبير عناء0
ومن الملاحظ أن بعض النظام يشحنون أنظامهم بالمعاني الكثيرة ولو أدى ذلك إلى استخدام الرمز والتلميح، وتظهر هنا أهمية مقدرة المؤلف الشعرية، وقوة بيانه، وإتقانه لعلوم الآلة، فهي تلعب دوراً كبيراً في رونق النظم، وسلامة لغته، ووزنه، ووضوح معناه)0
واتجهَ بعضُـهم إلى نظمِ بعضِ كتُب التفسير المنثورة كما فعل ذلك الشيخ محمد المامى بن البخارى الشمشوى المتوفى عام 1382هـ , فقد نظم التسهيل لابن جُـزيٍّ رحمه الله.
وأفردَ بعضُ الشناقطةِ عند كتابتهم في التفسيرِ كُتُـباً لبعضِ موضوعاتِ التفسير كما صنعَ العلاَّمةُ الشيخ البشير بن امباريكى المتوفى ( 1354هـ ): في كتابه "كشف الأستار عن بعض ما في الذكر من الإضمار " وهو كتابٌ تتبع فيه الشيخُ المضمراتِ في القرآن , وقال في مُقدَّمته إنهُ لا يعلمُ من سبقهُ إليه.
إلى غير أولئك من مؤلفي وجامعي التفسير في شنقيط , وأنا لم أحصلْ على نُسخةِ كتابِ الشيخِ الكريم محمد مولاي وإن كانَ سبقَ مني الوعدُ للكتابة حولَ هذا الموضوعِ بشكلٍ مُفصَّـلِ في هذا الموضوعِ:
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=16920
ولكن لعل في هذه الأسطر تحلة الوعدِ ومن طالعَ هذه الرسالة التي تقدم بها الشيخُ لنيل درجة الدكتوراه في جامعة محمد الخامس وجد الضالة بإذن الله , وعلمَ يقينا أنَّ إخراجَ التفسيرِ من مجالاتِ الشناقطةِ العلمية اعتماداً على المطبوعاتِ المُتدوَلةِ ليس من الإنصافِ , والله أعلمُ , والحمد لله رب العالمين.[/align]