تغير السياق الإعرابي في القرآن لداعي المدح أو الذم

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24/12/2014
المشاركات
400
مستوى التفاعل
48
النقاط
28
الإقامة
مصر
تغير السياق الإعرابي لداعي المدح أو الذم
من لطيف براعة القرآن وبلاغته أنه لا يترك أذن السامع تسترسل على سياق واحد، فتألف، وتركن، فتغفل عن بعض ما يجري به السياق من معان ذات أهمية خاصة، وإنما يعمد إلى مُنَبِّهات يطرق بها قلب القارئ أو السامع وأذنه فَيَتَنَبَّه، ويتوقف ليتساءل: لماذا؟
فينظر، ويتأمل، ويبحث، فيجد نفسه يقف على نكتة معنوية بارعة، ولفتة بلاغية بديعة، من ذلك التنبيه بالأدوات، والتنبيه بالالتفات، والتنبيه بالمقابلات، وغير ذلك من ألوان وأشكال التنبيهات في الأسلوب القرآني.

ويوجد نوع آخر لطيف، يروق لي أن أسميه التنبيه بالانعطاف الإعرابي، وفيه ينساق القارئ والسامع على نهج إعرابي واحد مدة، ثم فجأة يتغير هذا النهج فيجد القارئ والسامع نفسه على منعطف إعرابي مغاير لما أَلِفَتْهُ أُذُنُه، وتَفَاعَلَ معه قلبُه.

وإليكم أمثلة ثلاثة من كتاب الله:

المثال الأول: قول الله تعالى:
[{لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا]} [النساء: 162].

تأملوا معي هذه المعطوفات: [الراسخون .. والمؤمنون .. والمقيمين .. والمؤتون .. والمؤمنون ..] إن السياق النحوي الإعرابي في الآية يسير على نهج واحد [الرفع] من أول الآية حتى آخرها باستثناء تلك الانعطافة في وسط الآية [والمقيمين]، فلماذا؟

والجواب لدى أكثر المفسرين: أن نصب [المقيمين] ورد على المدح، بإضمار فعل [أعني أو أَخُصُّ] بغرض تعظيم شأن مقيمي الصلاة. قال الزمخشري: "{ وَالمقيمين } نصب على المدح لبيان فضل الصلاة".
وقال ابن عطية: "وإنما هذا من قطع النعوت إذا كثرت على النصب بأعني ، والرفع بعد ذلك بهم ، وذهب إلى هذا المعنى بعض نحويي الكوفة والبصرة ، وحكي عن سيبويه : أنه قطع على المدح".
وقال الشوكاني رحمه الله: "واختلف في وجه نصبه على قراءة الجمهور على أقوال : الأوّل قول سيبويه أنه نصب على المدح ، أي : وأعني المقيمين . قال سيبويه : هذا باب ما ينتصب على التعظيم"

المثال الثاني: قول الله تعالى:
{[وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}] [البقرة: 177]

تأملوا معي السياق النحوي الإعرابي في الآية، فقد جرى على الرفع مِن اسم الموصول [مَنْ] أول الآية: [لكن البر من ... والموفون .... والصابرين ...] فلماذا نصبت [الصابرين] وهي معطوفة على مرفوع؟!

والجواب لدى أكثر المفسرين: أنه لمدح الصابرين في هذه الأحوال والثناء عليهم، قال ابن كثير رحمه الله: "وإنما نُصِبَ { وَالصَّابِرِينَ } على المدح والحث على الصبر في هذه الأحوال لشدته وصعوبته". وقال الثعلبي: "وقال الخليل بن أحمد والفرّاء: نصب على المدح والعرب تنصب على المدح وعلى الذّم كانّهم يريدون بذلك إفراد الممدوح والمذموم ولا يتبعونه بأول الكلام فينصبونه".

وللشيخ الشعراوي كلام أكثر وضوحا، قال رحمه الله: "ولنا أن نلحظ أن الحق جاء ب {والموفون بِعَهْدِهِمْ} مرفوعة لأنها معطوفة على خبر لكن البر، فلماذا جاء {والصابرين} منصوبة؟ فماذا يعني كسر الإعراب؟ إن الأذن العربية اعتادت على النطق السليم الفصيح فإذا كان الكلام من بليغ نقول: لم يكسر الإعراب هنا إلا لينبهني إلى أن شيئاً يجب أن يفهم، لأن الذي يتكلم بليغ ومادام بليغاً وقال قبلها : {والموفون} ثم قال: {والصابرين} فلابد أن يكون هناك سبب ، ما هو السبب؟
إن كل ما سبق مطيةُ الوصول إليه هو الصبر ، إيتاء المال على حبه ذوي القربى و .. و .. ولذلك أراد الله أن ينبه إلى مزية الصبر فكسر عنده الإعراب ، وكسر الإعراب يقتضي أن نأتي له بفعل يناسبه فجاء قوله تعالى : والصابرين} وكأن معناها: وأخص الصابرين، ومدح الصابرين".

المثال الثالث: قول الله تعالى في سورة الأحزاب:
{[لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)}
تأمل المحل الإعرابي الذي نزلت فيه كلمة [ملعونين]،
إن السياق يقتضي الرفع [ملعونون]، فيكون التقدير: هم ملعونون، إلا أن السياق القرآني عدل عن الرفع إلى النصب ذما لهم وشتما وتقبيحا. قال الزمخشري غفر الله له ورحمه: "{مَلْعُونِينَ} نصب على الشتم أو الحال، أي: لا يجاورونك إلاّ ملعونين، دخل حرف الاستثناء على الظرف والحال معاً"


والله أعلم
د. محمد الجبالي
 
هل يتفرع عنها مثال الصابئين/الصابئون؟
- إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
- إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
- إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
 
السلام عليكم ورحمة الله
أترك الإجابة عن سؤال الأخ محمد سلامة للأخ محمد جبالي ولكن ما أريد قوله أن ابن عاشور قال الفائدة البلاغية من الإتيان بلفظ " الصابئون " موفوعاً ، فقال :

إن الرفع في هذا السياق غريب ، فيستوقف القارئ عنده : لماذا رفع هذا الاسم بالذات ، مع أن المألوف في مثل هذا أن ينصب ؟

فيقال : إن هذه الغرابة في رفع الصابئون تناسب غرابة دخول الصابئين في الوعد بالمغفرة ، لأنهم يعبدون الكواكب ، فهم أبعد عن الهدى من اليهود والنصارى ، حتى إنهم يكادون ييأسون من الوعد بالمغفرة والنجاة فنبه بذلك على أن عفو الله عظيم . يشمل كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً وإن كان من الصابئين . انظر تفسير آية المائدة من تفسير ابن عاشور .
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أحسنتم أخانا الكريم: صالح
وإن تغير السياق الإعرابي إنما هو حادث لغرض بلاغي مثل هذا الذي أشار إليه العلامة ابن عاشور رحمه الله، وكما هو حادث في الأمثلة التي سيقت في المنشور
بارك الله فيكم
 
السلام عليكم ورحمة الله
أترك الإجابة عن سؤال الأخ محمد سلامة للأخ محمد جبالي ولكن ما أريد قوله أن ابن عاشور قال الفائدة البلاغية من الإتيان بلفظ " الصابئون " موفوعاً ، فقال :

إن الرفع في هذا السياق غريب ، فيستوقف القارئ عنده : لماذا رفع هذا الاسم بالذات ، مع أن المألوف في مثل هذا أن ينصب ؟

فيقال : إن هذه الغرابة في رفع الصابئون تناسب غرابة دخول الصابئين في الوعد بالمغفرة ، لأنهم يعبدون الكواكب ، فهم أبعد عن الهدى من اليهود والنصارى ، حتى إنهم يكادون ييأسون من الوعد بالمغفرة والنجاة فنبه بذلك على أن عفو الله عظيم . يشمل كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً وإن كان من الصابئين . انظر تفسير آية المائدة من تفسير ابن عاشور .

و كيف يستقيم عبادة الكواكب مع الايمان بالله و اليوم الاخر....؟ أليس ذلك شرك ...
و لماذا تكون الغرابة حين وعدهم الله سبحانه تعالى الصائبون بالمغفرة حين كانت كلمة الصائبون مرفوعة(المائدة:69)و لا تكون الغرابة حين جاءت منصوبة(البقرة:62)؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السياق شرطي فالجزاء شرطه الإيمان وصالح العمل ، فكل الملل مطالبة بالدخول في الإسلام فإن فعلت يكون لها حسن الجزاء.
وعلى قول الخليل وسيبويه(الصابئون) مرفوعة على الابتداء لخبر محذوف تقديره والصابئون كذلك ،و بالتالي تكون الواو استئنافية.
وقيل (إن) تأتي بمعنى نعم والرفع يكون على الابتداء لخبر محذوف ،فالعطف يكون بعد تمام الكلام ،و انقضاء الاسم والخبر.
هذا والله أعلم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان من كان هذا كلامه. فالأسلوب الشرطي يشمل من لم يدركوا الإسلام فكل الملل إن صح إيمانها واقترن بصالح العمل يكن لها حسن الجزاء.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
من تفسير المنار: وَقَدْ تَجَرَّأَ بَعْضُ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَى دَعْوَى وُجُودِ الْغَلَطِ النَّحْوِيِّ فِي الْقُرْآنِ ! وَعَدَّ رَفْعَ الصَّابِئِينَ هُنَا مِنْ هَذَا الْغَلَطِ ! وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ السَّخْفِ وَالْجَهْلِ ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ هَذِهِ الْجُرْأَةُ مِنَ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ قَوَاعِدِ النَّحْوِ مَعَ جَهْلٍ أَوْ تَجَاهُلِ أَنَّ النَّحْوَ اسْتُنْبِطَ مِنَ اللُّغَةِ ، وَلَمْ تُسْتَنْبَطِ اللُّغَةُ مِنْهُ ، وَأَنَّ قَوَاعِدَهُ إِذَا قَصُرَتْ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِبَعْضِ مَا ثَبَتَ عَنِ الْعَرَبِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِقُصُورٍ فِيهَا ، وَأَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ نَقْلُهُ عَنِ الْعَرَبِ فَهُوَ عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ ، وَلَا يُنْسَبُ إِلَى الْعَرَبِ الْغَلَطُ فِي الْأَلْفَاظِ .
 
لا يدخل الجنة كافر. الصابئة مثلهم مثل اليهود والنصارى، كانوا مسلمين موحدين في فترة أولى ثم انحرفوا.
الصبة الحاليون ينسبون أنفسهم لـ يحيى أو نوح، وهم مختلفون عن صابئة حران الذين انتسبوا اسما للصابئة أيام العباسيين كي يخلصوا أنفسهم من ورطة عدم دخولهم في فئة أهل الكتاب.
فمن الخطأ الفاحش أن تنسبوا لله غفرانا لعبدة كواكب!..
المسألة ببساطة هي أن الله يتكلم عن الصابئة الأصليين، لا عن حالهم بعد التحريف. تماما كما أن النصارى الداخلين الجنة هم أتباع عيسى حقا، فئة صحابته القديمة المنقرضة الآن، لا المنحرفين الحاليين المؤمنين بالثالوث.

فلا يجوز أبدا، أبدا، أن تأخذوا الآية على أنها طمأنة للمشركين والمنحرفين!! بل هي - كما هو معروف - مثل آية "وما كان الله ليضيع إيمانكم"التي طمأن الله بها المسلمين على أن أجر صلواتهم للقبلة القديمة لن يضيع.
فهو في آية الصابئة يقول أن الصابئة الأصليين، الموحدين بالله، لن يضيع أجرهم لمجرد أنهم كانوا في زمن سابق على نزول القرآن. ونفس الشيء في حالة المسلمين من بني إسرائيل، الذين كانوا مؤمنين بالتوراة الأصلية والإنجيل الأصلي.
فالآية ليس فيها أي طمأنة ليهود اليوم ولا نصارى اليوم ولا صابئة اليوم.. ولا اليهود القدامى كلهم، ولا النصارى القدامى كلهم، ولا الصابئة القدامى كلهم. بل هي عن أفراد كانوا في العصور القديمة، كانوا موحدين بحق، ثم اندثروا، وتشوه دينهم وانحرف أبناؤهم. فلا يجوز أن نخلط بين النصارى المسلمين وبين الفئة الجديدة المستولية على التسمية!! ولا يجوز أن نخلط بين الصابئة الأصليين وبين الفئتين الجديدتين المستوليتين على التسمية! (سواء صبة العراق أو صابئة تركيا/حران)

وفعلا، الكلام في الآية هو عمن لم يدركوا الإسلام وكانوا أيضا على إسلام صحيح توحيدي غير مختلط بكفر. وبالتالي فالآية لا تتكلم عن صابئة عبدة كواكب!! ولا عن نصارى عبدة عيسى!! ولا عن يهود التلمود!
فالجمل الأخيرة في تعليق (صالح المصري) خطأ، ووجب توضيحها باستفاضة، لأنها - بتركيبها الحالي - تشعر القارئ بأن عبدة الكواكب مغفور لهم!!
الحق والباطل لا يجتمعان. إما هم عباد لله حقا أو عبدة كواكب. ولا منطقة "رمادية" بين الاثنين.

الآيات التي ورد فيها ذكر الصابئة واضحة، ومنها نرى أن الله عندما قال "لا خوف عليهم" جمعهم مع اليهود والنصارى والمؤمنين، لكن عندما جمعهم مع المجوس والمشركين لم يقل" لا خوف عليهم".
فالصابئة مثلهم مثل اليهود والنصارى: كان لهم رسول، وكانوا مؤمنين حقا، ثم انحرفوا مثلما انحرف اليهود والنصارى.
فمن كان نصرانيا - قبل بعثة محمد - بمعنى أنه نصر عيسى وآمن برسالته، فهو ممن لا خوف عليهم. أما من كان نصرانيا - قبل بعثة محمد - بمعنى أنه متبع لديانة بولس، فهو في خوف أبدي وعذاب جهنمي لن ينتهي.
ونفس الشيء في حالة الصابئة السابقين على الإسلام: من كان صابئا وقتها بمعنى أنه موحد بالله حقا، كافر بالكواكب، متبع لرسوله (سواء كان نوحا أو إبراهيم أو يحيى) فلا خوف عليه. أما من كان صابئا وقتها بمعنى أنه يؤمن بالكواكب، فهو مشرك بالله، مثله مثل كفار قريش.

وجب التوضيح لفك هذا اللبس.

أما اللين في هذه المسائل العقدية فهو ما فتح الباب أمام طوام ومصائب نراها بين عامة المسلمين اليوم، مثل ظن بعضهم أن المصريين القدماء لم يكونوا وثنيين!!
هذا "التسامح" الزائد عن الحد هو من قبيل المداهنة "ودوا لو تدهن فيدهنون"، ومبعثه في الغالب إما تسلل القيم الليبرالية للقلب، أو - في حالة المصريين القدماء - النزعة القومية التي لا تريد نسبة الكفر للأجداد (وكان كفار قريش أيضا يؤلمهم جدا الاعتراف بأن أجدادهم كانوا على ضلال)
 
فالآية تبين أن من النصارى من كانوا يؤمنون بالله و باليوم الآخر و أيضا من الصابئين من كانوا يؤمنون بالله و باليوم الآخر و هم الذي وعدهم بالمغفرة و ليس للذين يشركون بالله لأن الشرك و الايمان بالله لا يجتمعان.

فكلمة النصارى لم تكن كلمة يعنى بها الشرك و كذلك كلمة الصائبون لم تكن كلمة تطلق على من أشرك....
و الذين هادوا لا تعني بالضبط اليهود

و أيضا فإن الذين آمنوا في الآية الكريمة تعني أيضا المؤمنين قبل الذين هادوا أي قبل قول موسى عليه السلام عليه السلام عليه السلام في قوله تعالى "وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِی هَـٰذِهِ ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣰ وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَاۤ إِلَیۡكَۚ" الاعراف:156

فمنهم بني اسرائيل الذين آمنوا بالله و اليوم الآخر قبل بعثة موسى عليه السلام و فالأنبياء عليهم السلام كيوسف عليه السلام و إسحاق عليهم السلام و ابراهيم عليهم السلام كلهم يدخلون في فئة الذين آمنوا في الآية. ..
بمعنى آخر الذين آمنوا في الآية لا تقتصر على من آمن بمحمد صلى الله عليه و سلم


قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
و الله أعلم ...
 
عودة
أعلى