تعليل كثرة ورود الجملة الاسمية ومركباتها في سورة الأنفال ؟

ر

رحيل

Guest
السلام عليكم
أرجوا أن تسمحوا لي بطلب مساعدة ممن له القدرة على تعليل ورود الجملة الاسمية ومركباتها في سورة الأنفال، أي تعليل الكثرة والقلة لورود المبتدأ الصريح أكثر مثلا، وربط ذلك بمعاني الآيات في السورة، لأني بصراحة لا أملك الجرأة ولا القدرة على ذلك، أرجوا أن أجد في الملتقى من يفيدني وفي أقرب وقت ممكن، وسأكون ممتنة له كثيرا وله من الله الثواب الجزيل بإذنه تعالى، وصل اللهم وبارك على أفضل خلقك محمدا عليه أفضل الصلاة والتسليم.
 
بارك الله فيك أختي الكريمة .
أنا لا أدري عن سبب سؤالك ، هل هو بحث علمي تريدين القيام به ، وما زلت في بداية الطريق ، وتريدين من يدلك على كيفية السير في البحث ؟ أم هو مجرد سؤال خطر على ذهنك عند قراءتك لسورة الأنفال فأردت الاستفسار ؟
فإن كان الأول فلا بد أن هناك خطة علمية للبحث ، ومشرف يوجهك أثناء البحث ، للسير على منهج علمي صحيح . وعلى هذا لا يجدي الجواب المختصر ، ولا بد من مراجعة ما كتب عن الجملة العربية . مثل كتاب الدكتور فاضل السامرائي (الجملة العربية والمعنى) وغيره ممن كتب حول هذا الموضوع في الدراسات النحوية والبلاغية.
وإن كان الثاني ، فبيني لنا مشكورة ، نجتهد في الجواب إن شاء الله .
 
السلام عليكم
أخي وأستاذي الفاضل أشكرك في البداية عن الرد وثانيا أنا مكلفة بإنجاز بحث علمي لكن على مستوى فوجي في الجامعة والأستاذ لم يقم بإعطائنا خطة أو منهج لنسير عليه كل ما فعله طلب منا انجاز الإحصائيات الخاصة بالجملة الاسمية ومركباتها في السورة ثم التعليق عليها أي تبريرها وتعليلها وهذا في نظري من اختصاص الراسخين في العلم، حان موعد تسليم العمل واحترت في أمري، فأرجوك أستاذي الكريم إن كان بإمكانك مساعدتي فتكرم بفعل ذلك، وبخصوص الإحصائيات فإن سمحت لي يمكنني تزويدك بها، لا أملك إلا أن أقول جزاك الله خيرا وأدع لي بالتوفيق.
 
قانون النصر والهزيمة

قانون النصر والهزيمة

الأخت الكريمة رحيل،
السلام عليكم،
يسعدني أن أبذل جهدي لتقديم المساعدة لك في بحثك المذكور، ولكن هذا يحتاج إلى بعض الوقت، بضعة أيام، وكنت قد كتبت أثناء دراستي في الجامعة بحثاً عن أسباب النصر في ضوء سورة الأنفال، لمادة (التفسير الموضوعي)، وكانت نتيجة البحث أن موضوع السورة الرئيس والمحوري هو (قانون النصر والهزيمة).
ومعلوم أن من أغراض الجملة الاسمية الدلالة على الثبات والدوام، وهذا يتناسب مع القانون الثابت الذي لا يتغير ..
هذا كلام مبدأي إلى حين الانتهاء من النظر في السورة الكريمة والبحث بدقة عن دلالة ورود الجمل الاسمية فيها بكثرة، ويمكنك الاطلاع على الرابط التالي، لتتبيني أغراض الجملة الاسمية:

HTML:
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4635

وأرجو أن تعلمينا بالموعد النهائي المحدد لتقديم بحثك.
 
السلام عليكم
أختي روضة لا تتصوري مدى سعادتي أن أجد من يفكر في مد يد المساعدة لي فألف ألف شكر وجزاك الله خيرا، فعلا لقد بدأت تتوضح معالم الصورة لدي فما ذكرته مهم جدا وأرجوا أن تتكرمي وتفيديني بالمزيد، وبالنسبة للموعد النهائي المفروض لتقديم البحث هو يوم الاربعاء المقبل انشاء الله فلو استطعتي أن تقدمي لي المساعدة قبل الموعد ولو بساعات تكوني قد أسديتي لي معروفا لن أنساه، وإن لم يكن الأمر كذلك فسأبقى بإنتظار المعلومات لسببين أولا لرغبتي في الاطلاع والمعرفة وثانيا لعل الله يحدث أمرا ويتأجل الموعد، أكرر شكري وامتناني وأنا في انتظار الرد ومن أسعد الفرص في حياتي أن أتلقى ردا من أخت فاضلة سأظل أذكرها ما حييت
 
أكرمك الله أختي رحيل، وعلمنا وإياك التأويل والفقه في كتابه العزيز ..
هل يمكنك تزويدي بالإحصائيات التي قمتِ بها؛ اختصاراً للوقت؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.



نزلت سورة الأنفال عقب أول غزوة وأعظم غزوة شهدتها الجماعة المسلمة التي كانت في طور النشوء والتكوين، فتضمنت السورة عرضاً لأحداث المعركة، وبينت قواعد وأصولاً تمثل في مجموعها قانون النصر الذي اقتضى نصر المسلمين على المشركين دون وجود تكافؤ بينهما، والموضوعات الأخرى التي اشتملت عليها السورة الكريمة مردّها إلى هذا الموضوع المحوري، بل هي مرتبطة به بشكل واضح، وتدور في فلكه، وليس هذا مكان الحديث عنها.



وقانون النصر المستخلَص من السورة مبني على توجيهات، إنْ التزمها المؤمنون ينالون النصر الذي وُعدوا به، من هذه التوجيهات ما جاء بجمل فعلية، وهناك أيضاً جمل إسمية، يمكن استخراج قواعد النصر منها، وبناء على هذا يمكن القول إن دلالة الجمل الاسمية في سورة الأنفال هو (السننية) ـ إنْ صح التعبير ـ، والثبات والحتمية، من خلال ربطها بالموضوع المحوري.



**********
أما عوامل النصر وأصوله المُصاغة بجمل اسمية والتي تؤدي إلى النصر، فأذكر منها:

* الثقة: من عوامل النصر في المعركة الثقة: ثقة القائد بالله تعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم أعظم قائد تظهر فيه هذه الصفة، فهو واثق بربه أنه ناصره، متيقن أنه مجيب الدعاء، فاجتهد في ذلك معلماً جندَه ـ والمسلمين من بعد ـ أن الله لا يخيب دعاء المخلصين، ولا يخلف وعده: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)، فالثقة نتجت من استمرار إمداد الله تعالى ما دام المسلمون على هذه الحالة من الاستغاثة والدعاء.

وتظهر أهمية هذه الصفة في القيادة حين نعلم أن الجنود يتأثرون بمعنويات القائد: "فالنواحي المعنوية والنفسية تسري إلى النفوس كما يسري الماء من المكان العالي إلى ما دونه، فيتقدم الجند طائعين واثقين مطمئنين؛ لأن وجدانهم يتبع وجدانه، فهم خاضعون لنفسه ونزوعه إلى الخير والفضيلة الإنسانية قبل أن يخضعوا لما يأمر وينهى". [بين العقيدة والقيادة، محمود شيت خطاب، ص12].

ويمكن استخراج عامل آخر من هذه الآية الكريمة، وهو:

* القوة المعنوية: وهذه من أهم العوامل الحاسمة في إحراز النصر، لأنها تؤثر بشكل مباشر على أداء المقاتل، وقد كان عون الله المستمر للمسلمين ـ على تنوع أشكاله ـ عاملاً أساسياً في رفع معنوياتهم، فقد استجاب الله لدعاء المسلمين واستغاثتهم، وأمدهم بالملائكة: أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)، وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)، وهذا غرس للطمأنينة في قلوبهم، إذ إن المعلوم أن عدة المسلمين كانت ثلث عدة الكافرين، ولذلك فإن النظرة المادية إلى هذا تجعل الكفة راجحة لصالح الكفار، وهذا قد يجعل اليأس يتسلل إلى قلوبهم، فيفقدون حماسهم للقتال، فكان الإمداد بالملائكة لتثبيت القلوب، ورفع الروح المعنوية.

قال الشيخ محمد رشيد رضا: "بيّن الله تعالى أن هذا الإمداد أمر روحاني يؤثر في القلوب، فيزيد قوتها المعنوية، فقال: (وما جعله الله إلا بشرى)، أي: وما جعل عز شأنه هذا الإمداد إلا بشرى لكم بأنه ينصركم كما وعدكم، (ولتطمئن به قلوبكم)، أي تسكن بعد ذلك الزلزال والخوف الذي عرض لكم في جملته، فكان من مجادلتكم للرسول صلى الله عليه وسلم في أمر القتال ما كان". [المنار: (613:9)].

* الصبر (أو إثبات معية الله للصابرين): (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46): "إن الله مع الصابرين بالمعونة والتأييد، وربط الجأش والتثبيت، ومن كان الله معه، فلا يغلبه شيء، فالله غالب على أمره، وهو القوي العزيز الذي لا يغالب". [المنار:25:10].

ومن آيات سورة الأنفال التي تحدثت عن الصبر بجملة اسمية: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ (65)

الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)، وعد الله المؤمنين أن يغلب الواحد الإثنين، ولكن هذا الوعد قُيِّد بالصبر، ثم ختمت الآية بما يثبت معية الله للصابرين.

وأيضاً هذه الآية نفيد منها عاملاً آخر من عوامل النصر، وهو:

* التعبئة النفسية والتحريض: وهي من أهم مهمات القيادة الواعية، وهذا التحريض قد يكون له أكثر من شكل: كنزع الخوف من قلوب المقاتلين، وأنهم قادرون على قتال ضِعف عددهم.

* وتذكيرهم بمعية الله تعالى، والتوكل عليه: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)/ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)، ودور القيادة يكمن هنا في التعبئة النفسية للجنود ضد محاولات الأعداء، وإعدادهم إعداداً نفسياً: "حتى لا تصل الأمة إلى اليأس الذي يريد عدوها أن تصل إليه، والإعداد النفسي أن يشعر كل فرد مسلم يعيش فترة التأهب للجهاد، وأنه يقول كما قال آباؤه وأجداده من قبل حينما قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل". [خماسيات مختارة، أ.د. فضل عباس، ص315].

وقد جمع صاحب المنار الآيات التي تثبت معية الله للمؤمنين، فقال: "وفي معناها ـ (يقصد آية12) ـ قوله تعالى في بيان أن كثرة العُدَد وحدها لا تقتضي النصر في الحرب، بل هناك قوة معنوية إلهية قد ينصر بها الفئة القليلة على الكثيرة: "وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)"، وقوله عز وجل بعد الأمر بأسباب النصر المعنوية كالثبات في القتال وذكره وطاعته وطاعة رسوله والنهي عن التنازع: " وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)"، ومثله قوله بعد جعل المؤمنين حقيقين بالنصر على عشرة أضعافهم من المشركين في حال القوة والعزيمة، وعلى مثليهم في حال الضعف والرخصة بشروطه: "وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)" " [المنار: (119:10)] (ملاحظة: الآية الأخيرة التي ذكرها تنسجم مع نفيه النسخ عن هذه الآية، وهو بهذا يخالف الجمهور في إثبات نسخها).

أقول: ومن الملاحظ أن هذه الجمل التي تثبت معية الله للمؤمنين، جاءت على شكل جمل اسمية، تفيد الثبات والدوام، ومُصّدَّرة بحرف التوكيد (إنّ) إلا الآية الأخيرة، وذلك للتأكيد على هذا المعنى وتقريره، ومن كان الله معه فلن يغلبه أحد، فهو المتصف بالقدرة والقوة، وهذا خيط بارز كذلك في السورة، وهو التذكير بصفات الله تعالى التي تقتضي أن من يتصف بها قادر على منح النصر لمن أراد، وتسيير المعركة كما يشاء، وليس بينه وبين ما يريد حائل: إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)/ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)/ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)/ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67).

"فهو تعالى بمقتضى عزته وحكمته عند إيمانهم به وتوكلهم عليه يكفيهم ما أهمهم، وينصرهم على أعدائهم، وإنْ كثر عددهم وعظُم استعدادهم، لأنه عزيز غالب على أمره، حكيم يضع كل أمر موضعه، على ما جرى عليه النظام والتقدير في سننه، ومنه نصر الحق على الباطل، بل كثيراً ما تدخل عنايته بالمتوكلين عليه باب الآيات وخوارق العادات، كما حصل في غزوة بدر، وآيات الله لا نهاية لها". [المنار: (31:10)].

إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)/ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42): تذكير بأن الله عز وجل سميع لدعاء المؤمنين واستغاثتهم، فيؤيدهم بالنصر والغلبة.

فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)/ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)/ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)/ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52): هذه الآيات تذكر بقوة الله وبأسه، وأن عقابه شديد يستحقه من وقف خصماً لله، وحارب دينه، والحق الذي جاء له رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومعرفة صفات الله القوي تقوي في المؤمنين شعور الثقة بأنه سينتصر للحق، وسيدمر الباطل، وأنه مهما عظمت القوة المادية للأعداء، فإن الله غالب على أمره لا يقف في وجهه شيء.

فعقيدة التوحيد إذن هي سر قوة المجاهدين يوم بدر، وسبب نجاحهم، وهي سبب كل نصر.

* الطاعة: وهي تمثل علاقة القاعدة بالقيادة، والطاعة تعكس مدى إيمان الجندي بقيادته، لأنها سلوك عملي محسوس يترجم الاعتقاد القلبي غير المحسوس، فيُعلم من سلوك الطاعة الصادق من الكاذب، ويظهر أثر الطاعة واضحاً حين نعلم أنها تؤثر على نتيجة المعركة بشكل مباشر، حيث إن القائد لن يستطيع أن يشرع في تنفيذ خططه إذا لم يكن متأكداً من طاعة جنوده، وقد نعت الآية التالية على الذين لا يسمعون سمع إذعان وطاعة، ووصفتهم بأنهم شر الدواب: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (22).

* روح الجماعة: بدأت السورة المتحدثة عن أعظم غزوة شهدها التاريخ ـ بدأت بالأمر بإصلاح ذات البين (آية 1)، إيذاناً بأهمية هذا الأمر عاملاً من عوامل النصر، حيث إنه يجب أن تحل علاقة الألفة والمحبة والتماسك بين الجنود بدلاً من أي علاقة أخرى يشوبها البغض أو الفرقة، لأن الجنود في خط الدفاع الأول والأهم أمام الأعداء، فإن كان هذا الخط مهزوزاً مفككاً، يسهل عندئذٍ القضاء عليه، ويبقى الوطن عارياً من وسائل الدفاع:

وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)

الفضل في زرع الألفة في قلوب المؤمنين يعود لمن يملك القلوب، حيث نزع الله تعالى التباغض من قلوبهم، فاتحدت كلمتهم، وأخذوا يرمون عن قوس واحدة، فنالوا النصر الذي لا يُنال إلا بالأسباب.

* معرفة سنن الله تبارك وتعالى: إن الأحداث التي تجري في العالم لا تجري صدفة ولا خبط عشواء، بل للعالم قانون يحكم الأحداث التاريخية، ويخضع له البشر في تصرفاتهم وأفعالهم، هذا القانون أطلق عليه اسم: (السنن الإلهية)، ومعرفة السنن ذات قيمة عظيمة في إحراز النصر، وتؤثر على سلوك الجنود في المعركة، ومن فوائد هذه المعرفة أن المجاهد حين يعلم أن السنة الإلهية لا تتخلف (ثابتة)، حيث إنها تعبر عن إرادة الله وحكمته، وحكمة الله نصر عباده المؤمنين... حين يعلم المقاتل هذا فإنه سيقاتل وهو مطمئن أن الله سينصره؛ لأن من سنته نصر الحق: إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)/ ومن سنته تعالى أن يحطم من يقف في وجه عباده: ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18):

"قاعدة وسنة، لا فلتة ولا مصادفة .. قاعدة وسنة أنه حيثما انطلقت العصبة المسلمة في الأرض لتقرير ألوهية الله وحده، وإقامة منهج الله وحده، ثم وقف منها عدو لها موقف المشاقة لله وللرسول، كان التثبيت والنصر للعصبة المسلمة، وكان الرعب والهزيمة للذين يشاقون الله ورسوله، ما استقامت العصبة المسلمة على الطريق، واطمأنت إلى ربها، وتوكلت عليه وحده، وهي تقطع الطريق". [في ظلال القرآن، سيد قطب، (820:3)].

وذكرت السورة الكريمة نموذجاً من التاريخ يؤكد مصداقية السنة، وشُبّه أمر قريش بأمره: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52)/................/ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ (54)، وهاتان الآيتان أحاطتا بآية هي قانون عام تخضع له البشرية على مر العصور: ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)، وفي هذه الآية الكريمة تنبيه على أهمية عامل (الإخلاص) في إحراز النصر، لأن الرياء من أهم أسباب زوال النصر وجلب الهزيمة.

* العقيدة الراسخة بأن الله تعالى هو الذي يتولى زمام المعركة: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)/ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)، الله عز وجل وحده هو الذي أيده بنصره، على معنى القصر المستفاد من المسند والمسند إليه، فليس الفضل في هذا النصر إلا لله تعالى، ومن هذا: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)، وأيضاً: وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)، وكذلك: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2).

* الولاية: وهي النصرة، ونقيضها الخيانة، وخطر الخائن أكبر من خطر العدو الظاهر، لأنه مأمون الجانب بناء على ما يُظهر، والخيانة من أخطر ما يعرض الأمة للهزيمة، لذلك كان التركيز في ختام سورة الأنفال على الإيمان والهجرة والجهاد بالأموال والأنفس في سبيل الله والنصرة، وما يتبع ذلك من الولاية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73).

إذا أصيب عامل (الولاية) بخلل، فإن القوات المحاربة تصاب في تماسكها وقوتها، وكيف ينتصر جيش من الجيوش على عدوه وولاء أفراده موزع ذات اليمين وذات الشمال!

* العنصر الفكري: يتمثل هذا العنصر بوجود هدف لكل طرف من أطراف المعركة يسعى لتحقيقه، وهدف الطرف الأول يختلف عن الثاني، فيحدث التصادم والصراع، وهو ما يسمى بحتمية التدافع.

وفي نهاية السورة عاتب الله نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في قضية الأسرى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)، وهو عتاب ونهي عن أخذ الأسرى طلباً لعرض الدنيا، فجاء التوجيه الإلهي للمسلمين ليرتفعوا بأهدافهم، وليرتفعوا عن أعراض الدنيا، وينظروا إلى ما هو أسمى من هذا، فيجعلوا الآخرة نصب عيونهم، حتى لا تجذبهم الدنيا إلى الأرض، وتمنعهم من العلو والرفعة.

* العنصر الطبيعي: المقصود بالعنصر الطبيعي هو ما يحيط بالمعركة من عناصر طبيعية جغرافية لا دخل لكلا الجيشين بها، ومن المعروف أن العمليات تتأثر تأثراً كبيراً بطبيعة الأرض التي تدور عليها المعركة، وقد أشارت سورة الأنفال إلى موقع معركة بدر: إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42).

لقد كانت الأرض التي نزل بها المسلمون سبباً من أسباب نصرهم لصلابتها، والأرض التي نزل بها المشركون سبباً من أسباب هزيمتهم لليونتها وصعوبة المسير عليها، وهكذا تكون الأرض سبباً من أسباب النصر والهزيمة.

والله تعالى أعلم بالصواب .. وأحكم ..



**********
أختي رحيل ... حفظها الله،

هذه ومضات أسأل الله أن تضيء لك سبيلَ إعداد بحثك، تستطيعين بالاعتماد عليها ـ إنْ أعجبتك ـ بناء بحثك وَفق طبيعة المادة التي تطلبت هذا البحث، فإن كانت مادة (نحو) فبإمكانك صياغة البحث بحيث تبرز فيه الصبغة النحوية، ولا بد من تشكيل المعلومات لتصب في هذا الاتجاه.



ولا بد من الانتباه إلى هذه الجمل الاسمية حين يأتي خبرها اسماً وحين يكون فعلاً، وبيان دلالة ذلك، كما تم بيانه في الرابط المذكور سابقاً.

**********
مع تمنياتي لك بالنجاح والتوفيق



 
السلام عليكم
بارك الله فيك أختي الكريمة روضة، وجعله الله في ميزان حسناتك.
 
جواب مسدد ، وبحث موفق انتفعت به كثيراً ، أحسن الله إليك ، ونفع بك ، ولعل الأخت رحيل تتدبر الطريقة التي صيغ بها البحث ، حتى تنتفع وتبني عليها ما يستجد مستقبلاً من أبحاث تنطلق من القرآن الكريم .
 
عودة
أعلى