تعليل تقديم السكت بين العصر والهمزة وتقديم الوصل بين الفلق والناس في قراءة الحزب الستين

إنضم
11/12/2015
المشاركات
14
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
35
الإقامة
المغرب
تعليل تقديم السكت بين العصر والهمزة
وتقديم الوصل بين الفلق والناس في قراءة الحزب الستين،

بسم الله الرحمن الرحيم:
تمهيد:
نعلم أن ورشاً من طريق الأزرق لا بسملةَ له بين السورتين، إذ لم تثبتْ له في ذلك رواية، ولا أداءٌ منقول ولا بها القراءة،
قال الحافظُ الداني في جامع البيان:
( قرأت لورش من طريق أبي يعقوب على ابن خاقان وأبي الفتح وأبي الحسن وغيرهم من قراءاتهم بالأسانيد المذكورة (وقد ذكر أسانيده) بغير تسمية بين السورتين في جميع القرآن ، وعلى ذلك عامةُ أهل الأداء من شيوخ المصريين الآخذين برواية الأزرق.
حدَّثنا طاهرُ بنُ غلبون عن أبي إسحق ؛ إبراهيم بن محمد،
قال: لا يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " بين السورتين، إلا في فاتحة الكتاب،
وذكر أنه كذلك قرأ على ابن سيف،
وذكر ابن سيف أنه قرأ كذلك على أبي يعقوب الأزرق،
وذكر أبو يعقوب أنه كذلك قرأ على ورش،
وذكر ورش أنه كذلك قرأ على نافع.
وقال السخاوي في فتح الوصيد عند شرحه لقوله الإمام الشاطبي: (وفيها خلاف جيده...):
" الخلاف المشار إليه لورش أن أبا غانم المظفر كان ياخذ بالتسمية لورش من غير رواية راواها ولا أداء نَقَلَه "
وهذا النص في جامع البيان، وفيه: " وكان يخالف جماعتَهم، وياخذ بالتسمية استحبابا منه ... إلخ. "
لكنها استُحِبَّتْ في الأربع الزهر فقط،
قال الحافظُ أبو عمرو الداني في "مفردة نافع" :
(وقرأتُ على ابنِ خاقان في مذهبه: بالتسمية بين أربع سور: بين المدثر والقيامة، وبين الانفطار والمطففين، وبين الفجر والبلد، وبين العصر والهمزة، وحكى لي ذلك عن قراءته).
قوله: " وحكى لي ذلك عن قراءته " يُشعِرُ بنوع من الرواية.
وقال الإمام الحصري في رائيته في قراءة نافع:
"ولكنهم يُقَـوُّون الروايةَ بالنصر"
وكأن الفصل فيهن بالتسمية رواية،
لكن الصحيح أن الفصل بين هذه السور إنما هو استحبابٌ، لأن الحافظَ أبا عمروٍ نفسَه صرح في أماكنَ أخرى من كتبه أنه لا فرقَ بين هذه السور وبين غيرها، والتعليلُ فيهن معروف، قال فيه ابن بري في " الدرر اللوامع" :
للفصل بين النفي والإثبات ** والصبر واسم الله والويلات
لكنه تعليلٌ ضعيف، كما سيرده ابن بري في قوله:
والسكتُ أولى عند كل ذي نظر ** لأن وصفه الرحيم معتبر،
فالسكتُ هو الأقوى في رواية ورش لما نص عليه الكثير من الأئمة، لذا هو مقدَّمٌ على الوصل،
أما البسملة فلم تثبت روايتها من طريق الأزرق،
ولكن جرى العمل عند المغاربة بأخذها في الأربع الزهر، سواءٌ جمعا للقراءات، أو إفراداً لرواية ورش.
أما كيفية ذلك جمعا؛ فمحله علم القراءات،
وأما كيفيته في روايةِ ورش إفراداً؛ فيعرفهُ الحَفَظَةُ والقَرَأَةُ للحزب الراتب،
وتفصيله كالآتي:
*** التعليل *** :
التصديرُ بالسكت، فالوصل، في جميع السور، إلا في الأربع الزهر، فإننا نبسمل، ونقدمها في الأداء، ثم نردف بوجه السكت، مثال بين الفاتحة والبقرة:
(ولا الضالينْ – سكت – ألم...)، فَـالوصل: (ولاَ الضالينَ ألم) ، ثم يسترسلون،
أما في الحزب الستين، فالوجهان يجريان بين كل سورتين أيضا، مع تقديم السكت كما لا يخفى، لكن الأمر يختلف بين العصر والهمزة، وبين الفلق والناس، بسبب أن سورتي العصر والفلق؛ لا وقف فيهما للإمام الهبطي، فكيف العمل؟
هنا تأملوا معي:
لابد أن تعرف : أنك إذا كنت تقرأ في جميع القرآن بوجه السكت فقط، فإنك إذا وصلتَ إلى الأربع الزهر، عليك أن تُبَسمِلَ، وتقفَ على البسملة، ثم تستأنف،
إذن: السكتُ يصيرُ بسملةً في الأربع الزهر، ووجهُ الوصل ينعدم.
أما إذا كنت تقرأ في جميع القرآن بوجه الوصل، فإنك إذا وصلت إلى الأربع الزهر؛ فعليك أن تسكت فيهن لا أن تُبسمل، إذن: الوصلُ يصير سكتا في الأربع الزهر، ولا بسملة.
تلخيص:
السكتُ يصير بسملةً في الأربع الزهر ولا وصلَ.
والوصلُ يصير سكتا فيهن ولا بسملة.
وهنا تدخل معنا قاعدة قرائية، وهي: أنك إذا كنت تقرأ بوجه من الوجوه، فإنك تلتزم به ما لم تقف إذا كنت تجمع الأوجه، أما إذا كنت تقرأ بوجه واحد فإنك تلتزم به، فمثلا: أنت تقرأ بجميع أوجه البدل لورش: فلا يصح أن تقرأ (وإذا قيل لهم ءامنوا كما ءامن الناس) بقصر البدل الأول وتوسط الثاني في نَفَسٍ واحد، هذا ممتنع، بل عليك الالتزامُ بوجهٍ فقط.
قال الحافظ ابن الجزري في " المقدمة" :
(واللفظُ في نظيره كمثله)، أي: كما قرأت الأول، عليك أن تقرأ نظيره إذا مر معك،
والأمرُ نفسُهُ يُقال أثناء قراءتك لسور: التكاثر والعصر والهمزة، فإنك تقرأ بوجه السكت فالوصل في جميع القرآن، فتقرأ بوجه السكت بين التكاثر والعصر، فتقول: (عن النعيمْ – سكت- والعصر)، ثم تأتي بالوصل: (عنِ النعيمِ والعصر) هنا تسترسل ولا تقف، لأن سورة العصر لا وقفَ فيها، ومن خلال القواعدِ المقدَّمَة أعلاه، فإنك تدخل إلى سورة الهمزة بالسكت أولا، هكذا: (بالصبرْ – سكت – ويل لكل همزة لمزة)، ثم تقف، فتبسمل، هكذا: (بالصبرْ – وقف – بسم الله الرحمن الرحيمْ – وقف – ويل...)
لماذا لم نقدم البسملة ؟ لأننا خرجنا بوجه الوصل من آخر التكاثر، وقلنا: إن الوصل يصير سكتا، فهذا هو السبب في تقديم السكت على البسملة هنا، وإلا فالمقدَّم البسملةُ، لأنها عوض عن السكت، والسكت هو المقدم دائما.
وكذلك فإن سورة الفلق لا وقف فيها: (ولم يكن له كفؤا احد – سكت – قل اعوذ برب الفلق) فَالوصل، هكذا: (كفؤا احدٌ قل اعوذ برب الفلق) الآن نحن في وجه الوصل، فندخل إلى سورة الناس بالوصل أيضا، هكذا: ( ومن شر حاسد اذا حسدَ قل اعوذ برب الناس)، ثم نقف ونعود إلى وجه السكت: (إذا حسد – سكت - قل اعوذ برب الناس...).
هذا هو تعليل هذه الصناعة في هذين الموضعين ، وسببه عدم وجود وقف الإمام الهبطي في سورتي العصر والفلق،
والقراء للحزب الراتب أغلبهم يعرفون هذه الطريقة حفظا لا تعليلا ،
وتجدر الإشارة أن بعض قراء المساجد بدأوا يتخلون عن هذا الأمر،
بسبب عدم الاِطلاع، وجهلهم بالدراية والسماع، فيقرأون بالبسملة بين السورتين؛ وهذا إفسادٌ لهذه الصناعة، وخروجٌ عن النقل والرواية،
وهذا هو العيبُ الأول الذي اسْتَحْدثُوه، والآخَر: قراءتُهم بلا قواعدَ، وهو أمرٌ قد عهِدوه،
ولو التزموا بالطريقة والتجويد، لأتوا بالفعل السديد.
والله المستعان.




ملحوظة: ما قيل أعلاه، مما رواه المغاربة وبما جرى العمل عندهم،
وما سُمي عيبا في الصناعة عندهم قد لا يُسمى كذلك عند غيرهم...
والله الهادي إلى أحسن طريق، والحمد لله رب العالمين.
 
السلام عليكم،
ما ذكرتموه من توجيه يسمى في صناعة الإرداف "العمل بما في اليد"، والله أعلم.
 
عودة
أعلى