تعليقات لغوية على مقتطفات علمية من أجوبة الدكتور غانم قدوري الحمد

إنضم
13/01/2006
المشاركات
245
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
كنت قد سمعت قديماً بالأستاذ الدكتور غانم عن طريق أحد الإخوة المتخرجين من قسم اللغات بجامعة الإمام محمد بن سعود ، ولكني لم أطلع على شيء من أعماله حتى فاجأنا الإخوة في ملتقى أهل التفسير بثروة علمية وبحوث مؤصلة لهذا العالم ، ورأيت في أجوبته بعض النقولات والفوائد التي لا أملك مراجعها وأصولها ، وأردت التعليق على بعضها ، لمجرد الفائدة وطرح الخواطر العلمية ، على حسب ما يسنح به الخاطر وتجود به الذاكرة ، بعيداً عن التعمق ،ورغبة في التيسير والإفادة العامة.

************************************
أقول وبالله أستعين: : جميل أن نرى الإشارات اللطيفات من علماءنا الأوائل لبعض المباحث اللغوية التي لم تتنبه لها الدارسات الغربية إلا في عصور متأخرة. ومن هذه الإشارات كلام أبي شامة – الذي نقله الأستاذ الدكتور غانم وفقه الله – وفيه أنه قال "الواضح من ذلك يكون أن الله تعالى أنزل القرآن بلغة قريش ومن جاورهم من فصحاء العرب ثم أباح للعرب المخاطبين به المنزل عليهم أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب ، ولم يكلفهم الانتقال من لغة إلى غيرها لمشقة ذلك عليهم ، ولأن العربي إذا فارق لغته التي طبع عليها يدخل عليه الحمية من ذلك فتأخذه العزة ، فجعلهم يقرؤون على عاداتهم وطباعهم ولغاتهم مَنّاً منه – عزّ وجلّ – لئلا يكلفهم ما يشق عليهم ، فيتباعدوا عن الإذعان" أ.هـ.

والشاهد هنا هو قوله " ولأن العربي إذا فارق لغته التي طبع عليها يدخل عليه الحمية من ذلك فتأخذه العزة ، فجعلهم يقرؤون على عاداتهم وطباعهم ولغاتهم مَنّاً منه – عزّ وجلّ – لئلا يكلفهم ما يشق عليهم ، فيتباعدوا عن الإذعان".

وهذا صحيح ، ومسألة الحمية اللغوية – إن صح التعبير – ظاهرة لغوية أفردت لها الدراسات الغربية أبحاثاً كثيرة ، ويسمى التخصص الذي يدرسها "علم اللغة الاجتماعي " (sociolinguistics) ، والظاهرة المذكورة تتعلق بنوعين من التفاعل اللغوي الاجتماعي ، وهو موجود في لهجات كل اللغات تقريباً ، النوع الأول: الامتياز الظاهر (overt prestige) والنوع الثاني : الامتياز الخفي (covert prestige). ففي النوع الأول يقف المتحدث بلهجته الأصلية موقفاً يتمسك فيه بخصائص لهجته وتراكيبها ، حتى ولو كان يعيش بين أصحاب لهجة غريبة عليه ، مختلفة عنه ، وهذه رسالة لا واعية للطرف "بأني أيها المستمع ، صاحب اللهجة الأخرى ، معتز بأصلي ، مفتخر بلهجة قومي لا أحيد عنها ! " . ويمكن ملاحظة أمارات هذه الحمية اللغوية والاعتداد باللهجة المحلية في قول أبي عمرو بن العلاء "ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم عربيتنا".

وأما في النوع الثاني – الامتياز الخفي – فالمتحدث بلهجة ما ينساق لمجاراة لهجة المستمع ، وخاصة إذا كان يمثل الشريحة الاجتماعية الغالبة آنذاك ، فيقوم المتحدث بتقمص خصائص اللهجة المقابلة ويتنازل عن بعض خصائص لهجته الأصلية. وهذه الأخيرة لا تعني الاستسلام والخضوع – وإن احتمله - بقدر ما تعني حصافة لغوية لكسب ألفة أصحاب اللهجة الأخرى ، وفطنة لسانية يزيل بها الوحشة اللاواعية بينه وبين أصحاب ا للهجة المقابلة، ويتخلل هذه ظواهر لغوية متعددة، من الأمثلة عليها ظاهرة "الاستبدال" ، كأن يستعمل الآتي من منطقة بني شهر (بجنوب المملكة) إلى مدينة الرياض كلمة "قطه هناك" بدلاً من "إزق به هناك " و "إزق به" في اللهجة الشهرية تعني "إرمه" أو "ألق به".

وبناء عليه يمكن أن نقرر فائدة وهي أنه نظراً لما يغلب على طبع الإنسان العربي في عهد التنزيل من الأنفة والحمية (الامتياز الظاهر) ، وضعف قوة (الامتياز الخفي) لديه ، كان من المناسب الترخيص في تعدد أوجه القراءات (لا القراءات) على أحرف مختلفة ، استيعابا لأمرين:

1-طبيعة وسحنة الإنسان العربي آنذاك (ولابن خلدون كلامٌ حسنٌ في هذا ، وإن كان لا يوافق على بعضه).
2-اختلاف اللهجات الموزعة في أرض الجزيرة العربية ، الأمر الذي يقلل مشقة تعلم القرآن.

وللحديث بقية إن شاء الله.
 
ملاحظات قيمة أشكرك عليها .
ولم يتبين لي وجه الحمية اللغوية في قولكم : ( ويمكن ملاحظة أمارات هذه الحمية اللغوية والاعتداد باللهجة المحلية في قول أبي عمرو بن العلاء "ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم عربيتنا").
فالذي أفهمه من قول أبي عمرو أن الصلة منقطعة بين اللغتين ، والاختلاف كبير. فكيف نلحظ هذه الحمية اللغوية التي تفضلتم بالإشارة إليها. ودمتم موفقين.
 
جزاك الله خيرا ، وقد فهمت ما أردت ، وكلامك صحيح وكذلك كلام عمرو ، وكما ذكرت فالاختلاف بين اللغتين كبير ولكن الصلة ليست منقطعة تماماً ، إذا لانقول لما ليس بينهما علاقة البتة أن الاختلاف بينهما كبير كما لا يخفى عليك ، ولذلك فحمية عمرو نفت أي اتصال وأي اشتراك بين اللغتين ، مع أنه بينهما نوع علاقة في الخصائص ، بل سماها - أي لغة حمير - عمرو بن العلاء "عربية". والحمية اللغوية في عبارة عمرو السابقة لم تترك مجالاً للإلتقاء كما ترى. وهو فرق دقيق لطيف يظهر لك من تأمل عبارته. والله يرعاك.
 
شكراً جزيلاً يا أبا سعيد على هذه اللفتات العلمية الدقيقة الرائعة ، وقد استفدت من إشارتك الثمينة إلى مسألة الحمية اللغوية ، وكنت تنبهت يوماً تنبهاً عفوياً لها ، لكنني لم أستحضر تسميتها بالحمية اللغوية ، ولم أدر أنها تدرس دراسة علمية هكذا ، وليتك تتكرم بدلالتي على مرجع أتوسع من خلاله في أمثلتها وأبعادها أحسن الله إليك . وليتك تواصل الوقوف مع أجوبة الأستاذ الدكتور غانم الحمد على هذا الوجه ، ففي أجوبته نفائس علمية لم نتوقف عندها كما ينبغي بعدُ. وعبارة أبي عمرو بن العلاء مشهورة نحفظها من سنوات ، ولم أتنبه لهذا الاستنباط إلا من هذه المشاركة ، وقد اتضح لي وجه استنباطها بعد جوابك للأخ الكشاف بارك الله فيكما .
اللهم علمنا ما ينفعنا ، واشكر سعي من علمنا حرفاً ننتفع به .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك ادلة كثيرة من اقوال الصحابة وافعالهم تدل على الحمية اللغوية التي ذكرها الدكتور عبدالله متعنا الله به ونفعنا بعلمه وهو أمر تطرق إليه بعض من صنف في القراءات وتوجيهها
لكن يشكل كثيرا - على نظرية اختلاف القراءات لتعدد اللهجات - حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع هشام بن حكيم وأثر تكليف زيد بن ثابت لجمع المصحف وكتابته وهو كما هو معلوم أنصاري وليس بقرشي ومن ثمَّ شكلت معه لجنة علمية للتصحيح.
 
موضوع قيم ، وموضوع الحمية اللغوية موضوع طريف ، يستحق التتبع في كتب اللغة العربية عموماً ، والمعاجم على وجه الخصوص . وليت الإخوة يدلوننا على مصادر توسعت في هذا الموضوع من كتب القراءات أو اللغة .
 
لا أملك إلا أن أشكر الله تعالى ثم الإخوة الفضلاء هنا على حسن ظنهم بي ، ولم أر هذه الردود إلا الساعة نظرا لبعدي وانقطاعي بسبب كثرة العلائق أعانني على التخفف منها للوفاء بما أستطيع. وكان قد سئل الإمام أبي حنيفة بم يجمع الهم فقال بقطع العلائق ، ونسأله تعالى ألا يجعل الدنيا أكبرهمنا.
 
عودة
أعلى