تعليقات الشيخ مساعد الطيار على (منطوق القرآن ومفهومه)

بدر الجبر

New member
إنضم
22/08/2005
المشاركات
48
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
[align=center]التعليقات على كتاب الإتقان للسيوطي[/align]
[align=center]النوع الخمسون: في منطوقه ومفهومه[/align]

• قول السيوطي: (فإن حمل على المرجوح لدليل فهو تأويل، ويسمى المرجوح المحمول عليه مؤولاً كقوله: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ [الحديد:4] فإنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات فتعين صرفه عن ذلك) قال الشيخ مساعد: هذه الآية حقيقتها المعية بالعلم وليس القرب بالذات كما ذكر السيوطي فهو ليس من المرجوح.

• قول السيوطي: (وكقوله: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء:24] فإنه يستحيل حمله على الظاهر لاستحالة أن يكون للإنسان أجنحة فيحمل على الخضوع وحسن الخلق) قال الشيخ مساعد: الجناح في حقيقته يطلق على الطائر, والبعض قال: جناح الإنسان بحسبه فهو يطلق على اليدين والظاهر أنه يطلق على الجناح المعروف.

• فائدة: ابن عقيلة المكي أدخل في المنطوق : النص والظاهر والمفسر والمحكم فهو يخالف السيوطي فيما يدخل بالمنطوق, وسبب الاختلاف أنه حنفي فهو يتكلم بمصطلحات الحنفية في أصول الفقه.

• فائدة: البدهيات ويسميها الطاهر بن عاشور: (الصفة الكاشفة) هي كقوله تعالى ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ [آل عمران:21] فهذا القيد –بغير الحق- ليس له مفهوم ولوجوده حكمة, وقد كتب فيه الدكتور: فهد عبد الرحمن الرومي كتاباً.

تعقيب :
• هذا المبحث عقلي.
• علاقة هذا النوع بعلوم القرآن:
1. هو من علوم التفسير وله أثر في فهم المعنى.
2. له علاقة بالأحكام والأخبار مثل: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ [آل عمران:21], وقوله: ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ﴾ [المؤمنون:117] وقوله: ﴿فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى ﴾ [الشورى:9], وما دام يدخل في الأخبار فهو من التفسير.
3. له علاقة بأحكام القرآن والمتشابه النسبي والعلوم الأخرى كعلم الفقه وأصوله.
 
[align=center]التعليقات على كتاب الإتقان للسيوطي[/align]
[align=center]النوع الخمسون: في منطوقه ومفهومه[/align]

• قول السيوطي: (فإن حمل على المرجوح لدليل فهو تأويل، ويسمى المرجوح المحمول عليه مؤولاً كقوله: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ [الحديد:4] فإنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات فتعين صرفه عن ذلك) قال الشيخ مساعد: هذه الآية حقيقتها المعية بالعلم وليس القرب بالذات كما ذكر السيوطي فهو ليس من المرجوح.

ما المانع من حمل المعية على المعية بالسمع؟ أو بالبصر؟
أو ما الدليل المرجح لكون المعية علمية بدلا عن كونها سمعية أو بصرية؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة المعية بالذات صنف فيها الشيخ أحمد بن المبارك السجلماسي كتابا كاملا، ليبين عدم استحالتها، بالمفهوم الصحيح، وأنه لا إجماع على كون المعية بالعلم.. وهو كتاب فريد ـ على عادة كتبه ـ يستحق النظر والتأمل.
 
ما المانع من حمل المعية على المعية بالسمع؟ أو بالبصر؟
أو ما الدليل المرجح لكون المعية علمية بدلا عن كونها سمعية أو بصرية؟

المرجح ـ أخي نزار ـ أن السلف إنما فسروا المعية هنا بالعلم لا غير.
قال أبو الحسن الأشعري في كتابه رسالة إلى أهل الثغر - ص: (234): (وفسر ذلك أهل العلم بالتاويل أن علمه محيط بهم حيث كانوا)..
وبهذا فسره جمع من السلف ،كسفيان الثوري، وخالد بن معدان، والإمام أحمد ـ ررحمهم الله ـ .
بل حكى الإمامان المالكيان أبو عمر الطلمنكي وأبو عمر ابن عبدالبر الإجماع على أن المراد بذلك علمه سبحانه ـ كما نقله عنهما شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (2 / 38) ـ : .
وعبارة الطلمنكي : (وأجمع المسلمون من أهل السنة، على أن معنى : {وهو معكم أينما كنتم} ونحو ذلك من القرآن، أن ذلك علمه)
.

وأنصح بمراجعة كلام شيخ البخاري (نعيم بن حماد) رحمه الله ،والذي رواه ابن بطة في الإبانة (3 / 146) ففيه جواب شاف في هذا المعنى.
 
هذا كلام محقق محرر لشيخ الإسلام رحمه الله تعالى في معنى مع :
‏" (مَعَ) فِي اللُّغَةِ إذَا أُطْلِقَتْ فَلَيْسَ ظَاهِرُهَا إلا الْمُقَارَنَةَ الْمُطْلَقَةَ، مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ ‏مُمَاسَّةٍ أَوْ مُحَاذَاةٍ عَنْ يَمِينٍ أَوْ شِمَالٍ ، فَإِذَا قُيِّدَتْ بِمَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي دَلَّتْ عَلَى ‏الْمُقَارَنَةِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى ، فَإِنَّهُ يُقَالُ : مَا زِلْنَا نَسِيرُ وَالْقَمَرُ أَوْ وَالنَّجْمُ مَعَنَا، وهَذَا ‏الْمَتَاعُ مَعِي لِمُجَامَعَتِهِ معك في البيت وَإِنْ كَانَ فَوْقَ رَأْسِك ، وَقَدْ يَدْخُلُ عَلَى صَبِيٍّ ‏مَنْ يُخِيفُهُ فَيَبْكِي فَيُشْرِفُ عَلَيْهِ أَبُوهُ مِنْ فَوْقِ السَّقْفِ فَيَقُولُ : لَا تَخَفْ ؛ أَنَا مَعَك أَوْ ‏أَنَا هُنَا ؛ أَوْ أَنَا حَاضِرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ يُنَبِّهُهُ عَلَى الْمَعِيَّةِ الْمُوجِبَةِ بِحُكْمِ الْحَالِ دَفْعَ ‏الْمَكْرُوهِ .‏
ثُمَّ هَذِهِ الْمَعِيَّةُ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا بِحَسَبِ الْمَوَارِدِ فَلَمَّا قَالَ : " وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا ‏كُنْتُمْ والله بما تعملون بصير " ؛ دَلَّ ظَاهِرُ الْخِطَابِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ ‏وَمُقْتَضَاهَا أَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْكُمْ عَالِمٌ بِكُمْ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ السَّلَفِ : إنَّهُ مَعَهُمْ بِعِلْمِهِ .‏
وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : " مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ " الآية، وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ ‏عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِهِ فِي الْغَارِ : " لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا " كَانَ هَذَا أَيْضًا حَقًّا عَلَى ‏ظَاهِرِهِ وَدَلَّتْ الْحَالُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ هُنَا مَعِيَّةُ الِاطِّلَاعِ وَالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ .‏
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : ﴿ إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ ، وَقَوْلُهُ ‏لِمُوسَى وَهَارُونَ : " إنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى " . هُنَا الْمَعِيَّةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَحُكْمُهَا فِي ‏هَذِهِ الْمَوَاطِنِ النَّصْرُ وَالتَّأْيِيدُ . ‏
فَلَفْظُ " الْمَعِيَّةِ " قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي مَوَاضِعَ يَقْتَضِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ‏أُمُورًا لَا يَقْتَضِيهَا فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ ، فَإِمَّا أَنْ تَخْتَلِفَ دَلَالَتُهَا بِحَسَبِ الْمَوَاضِعِ أَوْ تَدُلَّ ‏عَلَى قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ جَمِيعِ مَوَارِدِهَا وَإِنْ امْتَازَ كُلُّ مَوْضِعٍ بِخَاصِّيَّةٍ ، فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ‏لَيْسَ مُقْتَضَاهَا أَنْ تَكُونَ ذَاتُ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ مُخْتَلِطَةً بِالْخَلْقِ حَتَّى يُقَالَ قَدْ صُرِفَتْ ‏عَنْ ظَاهِرِهَا .‏
وَنَظِيرُهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ " الرُّبُوبِيَّةُ وَالْتعبيد " فَلَمَّا قَالَ : { بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } { ‏رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } كَانَتْ رُبُوبِيَّةُ مُوسَى وَهَارُونَ لَهَا اخْتِصَاصٌ زَائِدٌ عَلَى الرُّبُوبِيَّةِ ‏الْعَامَّةِ لِلْخَلْقِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : " عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا " وَ " ‏سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا " ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ تَارَةً يَعْنِي بِهِ الْمُعبَّدَ فَيَعُمُّ الْخَلْقَ ، وَتَارَةً ‏يَعْنِي بِهِ الْعَابِدَ فَيَخُصُّ ، ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فَمَنْ كَانَ أَعْبَدَ عِلْمًا وَحَالًا كَانَتْ عُبُودِيَّتُهُ أَكْمَلَ فَمِنْ التَّكَلُّفِ أَنْ يَجْعَلَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ شَيْئًا مُحَالًا لَا يَفْهَمُهُ النَّاسُ مِنْهُ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَتَأَوَّلَهُ ‏‏‏" . اهـ كلامه بلفظه .
الرسائل الكبرى ص466 – 467 ( طبعة دار إحياء التراث العربي) ، وفي « الفتوى الحموية الكبرى» ص523-524 من طبعة حمد التويجري ، ‏وفي « مجموع الفتاوى » (5/103-105) ‏.

قلت : إذا تقرر هذا ، وعُلم أن ظاهر هذا اللفظ لا يقتضي ما توهمه أهل الحلول والاتحاد ، فلا موجب ‏للقول بأن تفسير السَّلف للمعية الواردة في الآيات من باب التأويل - الذي هو صرف اللفظ عن معناه ‏الراجح إلى معنى مرجوح لدليل يقترن به - ، وإنما يقال : اللفظ باق حقيقته ، فالله مستو على عرشه حقيقة ، ‏وهو معنا حقيقة . قال شيخ الإسلام في « الواسطية » : "كُلُّ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ - مِنْ أَنَّهُ ‏فَوْقَ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ مَعَنَا - حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْرِيفٍ ، وَلَكِنْ يُصَانُ عَنْ الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ مِثْلُ أَنْ يَظُنَّ ‏أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ : ( فِي السَّمَاءِ ) أَنَّ السَّمَاءَ تُقِلُّهُ أَوْ تُظِلُّهُ ؛ وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ " .‏
وقال الإمام أبو عبد الله بن منده : " .. فإن قيل : قد تأولتم قوله عز وجل : " وهو معكم أينما كنتم " ‏وحملتموه على العلم ؟ . قلنا : ما تأوَّلنا ذلك ، وإنما الآية دلت على أن المراد بذلك العلم ، لأنه قال في آخرها ‏‏: " إن الله بكل شيء عليم " " نقله أبو القاسم الأصبهاني في « الحجة في بيان المحجة » (2 /290-291 ) . ‏
على أنه لو قيل : إن هذا من باب التأويل – كما ذهب إليه بعض أهل العلم - ، فهو من ‏التأويل الذي له دليل نقلي أوجبه .‏
‏ قال شيخ الإسلام : " وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّا لَا نَذُمُّ كُلَّ مَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا مِمَّا فِيهِ كِفَايَةٌ وَإِنَّمَا نَذُمُّ تَحْرِيفَ الْكَلِمِ عَنْ ‏مَوَاضِعِهِ وَمُخَالَفَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقَوْلَ فِي الْقُرْآنِ بِالرَّأْيِ .‏
وَيَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ تُفَسَّرَ إحْدَى الْآيَتَيْنِ بِظَاهِرِ الْأُخْرَى وَيُصْرَفَ الْكَلَامُ عَنْ ظَاهِرِهِ ؛ إذْ لَا مَحْذُورَ ‏فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَإِنْ سُمِّيَ تَأْوِيلًا وَصَرْفًا عَنْ الظَّاهِرِ فَذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ وَلِمُوَافَقَةِ ‏السُّنَّةِ وَالسَّلَفِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ ؛ لَيْسَ تَفْسِيرًا لَهُ بِالرَّأْيِ ، وَالْمَحْذُورُ إنَّمَا هُوَ صَرْفُ الْقُرْآنِ ‏عَنْ فَحْوَاهُ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالسَّابِقِينَ كَمَا تَقَدَّمَ . وَلِلْإِمَامِ أَحْمَد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِسَالَةٌ فِي ‏هَذَا النَّوْعِ وَهُوَ ذِكْرُ الْآيَاتِ الَّتِي يُقَالُ : بَيْنَهَا مُعَارَضَةٌ وَبَيَانُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا يَظْهَرُ مِنْ ‏إحْدَى الْآيَتَيْنِ أَوْ حَمْلُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْمَجَازِ . ‏
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ فِي نَفْسِ الْمَعِيَّةِ وَيَقُولُ : إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ ‏وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْإِطْلَاقِ ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ لِدَلَالَةِ الْآيَاتِ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ ، وَيَجْعَلُ ‏بَعْضَ الْقُرْآنِ يُفَسِّرُ بَعْضًا ، لَكِنْ نَحْنُ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي ظَاهِرِ الْمَعِيَّةِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا جَمِيعَ ‏اسْتِعْمَالَاتِ " مَعَ " فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا تُوجِبُ اتِّصَالًا وَاخْتِلَاطًا فَلَمْ يَكُنْ بِنَا حَاجَةٌ إلَى أَنْ نَجْعَلَ ظَاهِرَهُ ‏الْمُلَاصَقَةَ ثُمَّ نَصْرِفَهُ " . « مجموع الفتاوى » (6/ 19- 22) .‏
 
مسألة المعية بالذات صنف فيها الشيخ أحمد بن المبارك السجلماسي كتابا كاملا، ليبين عدم استحالتها، بالمفهوم الصحيح، وأنه لا إجماع على كون المعية بالعلم.. وهو كتاب فريد ـ على عادة كتبه ـ يستحق النظر والتأمل.

كيف غير مستحيلة ؟! وما هو المفهوم الصحيح هذا !! .

والإجماع على كون المعية بالعلم نقله جمهرة من العلماء .
وإذا كنت لا تعتد بالإجماع الذي حكاه علماء أهل الحديث ، فقد حكى الإجماع أيضا بعض أئمة الأشعرية كالغزالي في الإحياء وابن الخطيب وابن عطية وأبو حيان في تفاسيرهم رحمة الله عليهم .
قال في الإحياء : ما نَصُّهُ : " قوله تعالى : ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ ﴾ حُملَ ‏بالاتفاق على العلم والإحاطَةِ " ا.هـ كلامه بلفظه . ‏
وقال ابن عطية في « تفسيره » ما نَصُّهُ : " قولُهُ تعالَى : ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ ﴾ مَعناهُ : ‏بقدْرَتِهِ وَعلمِهِ وإحاطَتِهِ ، وهذِه آيةٌ أجمَعتِ الأُمَّةُ على هَذَا التَّأويلِ فِيهَا ‏، وأنها مُخرَجَةٌ عن مَعنَى لفظِهَا المعهُودِ ، ودخَلَ في الإجماعِ من يقُولُ ‏بأنَّ المُشتَبِهَ كُلَّهُ ينبغِي أن يُمَرَّ ويؤمَنَ بِهِ ولا يُفسَّرَ ، فقد أجمَعُوا على ‏تأويلِ هذِهِ لبيانِ وُجُوب إخراجِها عن ظاهِرِهَا . ‏
قال سُفيانُ الثَّوريُّ : " معناهُ : علمُهُ معكُم " ا.هـ كلامه بلفظه . ‏

وقد عقد الشيخ محمد بن أبي مدين الشنقيطي رحمه الله تعالى فصلاً كاملاً نقل فيه كلام العلماء في الإجماع على هذا التفسير ، وذلك في كتابه : شَنُّ الغَارَات على أهلِ وحدَةِ الوجُودِ وأهلِ المعيَّةِ بالذََّات ‏
 
الأستاذ عمر:
الإجماع على تعيين تفسير معيّن للمعية شيء. والإجماع على صرف اللفظ عن بعض معنايه الظاهر لاستحالته شيء آخر. فلا يلزم من الإجماع على الثاني الإجماع على الأول، فقد اتفق جمع من العلماء على حمل المعية على المعية بالعلم أو بالقدرة أو بالسمع أو بالبصر أو بالحفظ والكلاءة أو النصرة أو الفضل أو الرحمة، وكلها تأويلات قال بها المفسرون، والإجماع الثاني متحقق، والأول غير متحقق، ولا يكفي مجرد نقله لتصحيح وقوعه، فما نقل هو فهم بعض السلف، لا إجماعهم عليه، وكم من دعوى على الإجماع باطلة، وتصحيح الإجماع بعد عصر الصحابة وانتشار العلماء والمفتين في جميع الأقطار من أصعب ما يكون.
قال أبو حيان في البحر المحيط (ج8/ص217) بعد أن فسر المعية بالعلم والقدرة: وهذه آية أجمعت الأمة على هذا التأويل فيها، وأنها لا تحمل على ظاهرها من المعية بالذات، وهي حجة على من منع التأويل في غيرها مما يجري مجراها من استحالة الحمل على ظاهرها.اهـ.
قلت: مقصوده بالمعية بالذات، معية الحلول والاتحاد والتحيز والجهات، فأهل السنة والجماعة مجمعون على استحالتها بالدليل العقلي والنقلي. والإجماع الذي نقله أبو حيان متعلق بالتأويل، أي صرف المعية من تلك المعاني الباطلة إلى معاني لائقة، لا الإجماع على كون المعية علمية.
ثم ينبغي التأمل في قوله تعالى (وهو معكم) أن الضمير عائد على (الله) الاسم العلم على الذات الإلهية المنزهة عن جميع النقائص المتصفة بجميع الكمالات، لا على العلم. فالحكم بالمعية في هذه القضية حكم على الذات العلية لا على علمه تعالى، فإن اسم الجلالة ليس موضوعا للعلم. والمعية بالذات لم تنحصر في المعية بالحلول والاتحاد والتحيز والكون في الجهات حتى ينحصر مقصود مثبتها مثلا في تلك المعاني الباطلة عقلا وشرعا.
 
الإجماع على تعيين تفسير معيّن للمعية شيء. والإجماع على صرف اللفظ عن بعض معنايه الظاهر لاستحالته شيء آخر. فلا يلزم من الإجماع على الثاني الإجماع على الأول، فقد اتفق جمع من العلماء على حمل المعية على المعية بالعلم أو بالقدرة أو بالسمع أو بالبصر أو بالحفظ والكلاءة أو النصرة أو الفضل أو الرحمة، وكلها تأويلات قال بها المفسرون، والإجماع الثاني متحقق، والأول غير متحقق، ولا يكفي مجرد نقله لتصحيح وقوعه، فما نقل هو فهم بعض السلف، لا إجماعهم عليه، وكم من دعوى على الإجماع باطلة، وتصحيح الإجماع بعد عصر الصحابة وانتشار العلماء والمفتين في جميع الأقطار من أصعب ما يكون.
الإجماع منقد على أن المعية بالعلم ، والذي يرجح ذلك هو سياق الآية .
سُئِلَ الإمام عليُّ بنُ المديني عن قوله تعالى : ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ ﴾ ‏، فقال : اقرأ ما قبله : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَعْلَمُ ﴾ .‏
وقال أبو طالب أحمدُ بن حميد : سألتُ أحمدَ بنَ حنبلٍ عن رَجُل قالَ : اللهُ معنَا ، ‏وتَلا : ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ ﴾ ، الآية . فقالَ : قد تجهَّمَ هذا ! ، ‏يأخذُونَ بآخرِ الآيةِ ويَدَعُونَ أوَّلَها : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَعْلَمُ ﴾ فعلمُهُ معهم ، فأوَّلُ الآيةِ ‏يدُلُّ على أنَّهُ علمُهُ .‏

قال الحافظ أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله بن لب بن يحيى بن محمد الطلمنكي ‏المالكي مؤلف « الروضة » ، أول من أدخل القراءات إلى الأندلس في كتابه « ‏الوصول إلى معرفة الأصول » ما نَصُّهُ : " أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى ‏قوله تعالى : ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ ﴾ ونحو ذلك من القرآن ؛ أنَّهُ علمُه " ‏ا.هـ ‏
وقال حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد ‏البر النَّمَريُّ المالكيُّ في كتابه « التمهيد » ما نَصُّهُ : " أجمع علماء ‏الصحابة والتابعين فقالوا في تأويل قوله تعالى : (ما يَكون مِنْ نَجْوَى ‏ثَلاثَةٍ إلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ ) هو على العرشِ كَمَا وصفَ وعلمُهُ في كُلِّ مكانٍ ‏، وما خالفَهُم في ذلكَ أحد يُحتجُّ بقولِهِ " ا.هـ ، نقله الحافظ الذهبي ‏في « جزء العلو » وابن القيم في « اجتماع الجيوشِ الإسلاميَّةِ » .‏


والإجماع الذي نقله أبو حيان متعلق بالتأويل، أي صرف المعية من تلك المعاني الباطلة إلى معاني لائقة، لا الإجماع على كون المعية علمية.

بل هو إجماع على أن المعية بالعلم والقدرة .
وكلامه واضح صريح : "‏( وهو معكم أين ما كنتم ) : أي : بالعلمِ والقُدرَةِ . قال الثَّورِيُّ : ‏المعني : علمُهُ معَكُم . وهذهِ آيةٌ أجمعتِ الأمَّةُ على هذا التَّأويلِ فيهَا ‏" . فلا أدري من أين فهمت ما ذكرته ! .
ولا أدري ما هو غرضك من التفريق بين هذين الأمرين ؟!
على أن هذا ليس صرفاً للفظ عن ظاهره كما تقدم في كلام شيخ الإسلام رحمه الله .

والأعجب من هذا هو قولك - تحكماً بدون دليل - : " مقصوده بالمعية بالذات، معية الحلول والاتحاد والتحيز والجهات، فأهل السنة والجماعة مجمعون على استحالتها بالدليل العقلي والنقلي " .
فهل هناك معية بالذات من نوع آخر ؟! .

والمعية بالذات لم تنحصر في المعية بالحلول والاتحاد والتحيز والكون في الجهات حتى ينحصر مقصود مثبتها مثلا في تلك المعاني الباطلة عقلا وشرعا.
ما هي الأنواع الأخرى غير معية أهل الحلول والاتحاد ؟! .
وما هو المقصود الآخر لمثبت المعية بالذات ؟! .

اللهم سلِّم .
 
للأسف ما فعلت إلا ترديد ما نقله الأستاذ عمر..
بل أضفت إجماعا آخر على أن المعية بالقدرة إضافة إلى الإجماع على أن المعية بالعلم فقلتَ.
بل هو إجماع على أن المعية بالعلم والقدرة ‏
وليس فيما نقلته إجماع على معنى واحد للمعية، كيف وأنت تزعم أن الإجماع على أن المعية بالقدرة، والقدرة ليست العلم. وغاية ما نقلته تفسيرات لبعض أئمة السلف.
ومن الغريب أنك تفهم اللغة العربية ولا تطبق قواعدها، وضمير (وهو) يعود على اسم الجلالة، والآيات واضحة في ذلك كل الوضوح. قال تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) [الحديد]
ثم ما هي المعية الحقيقية التي تقصدها بقولك:
وهو معنا حقيقة ‏
فالظاهر أنها ليست المعية العلمية التي تدعي الإجماع عليها. وتسميها معية حقيقية.
 
ثم ما رأيك فيما نقله أبو حيان من أن الأمة أجمعت على أن المعية في الآية لا تحمل على ظاهرها؟
فقد عطف ذلك على قوله بأنها أجمعت على حمل المعية على العلم والقدرة. وهذا يفيد أن الأمة أجمعت على أن ظاهر المعية المذكورة ليس معية العلم، وهذا يناقض رأسا كلام من ادعى أن الظاهر من المعية هو المعية بالعلم، وأنه لا يحتاج إلى تأويل أصلا.
 
أنا أعرف ان أكثر ما يغيظكم هو تقريرات شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه .
لكن لا بأس فهو رجل قيضه الله تعالى شجى في حلوق المبتدعة ما دام الحق يقارع الباطل .
فليتك تطالع كلام شيخ الإسلام الذي نقلته لك سابقاً بإنصاف مع ترك الأحقاد جانباً ، ففيه نفع بإذن الله .
للأسف ما فعلت إلا ترديد ما نقله الأستاذ عمر..
بل أضفت إجماعا آخر على أن المعية بالقدرة إضافة إلى الإجماع على أن المعية بالعلم فقلتَ.

هذا لا يناقض هذا ..
فالإجماع على انها بالعلم لا يمنع أن تكون بالقدرة أو الإحاطة فمفهوم الصفة هنا غير مراد .

وغاية ما نقلته تفسيرات لبعض أئمة السلف
بل نقلت إجماعات وليس أقوال أفراد .

ومن الغريب أنك تفهم اللغة العربية ولا تطبق قواعدها
لا أدري ما هي القواعد التي أغفلتها .
ولم تجبني عن السؤال الذي كررته مرارا : ما هي الأنواع الأخرى للمعية بالذات غير معية أهل الحلول والاتحاد ؟! .

الظاهر أنها ليست المعية العلمية التي تدعي الإجماع عليها
بل هي كذلك ، ولا أدري كيف ظهر لك هذا ! .

ثم ما رأيك فيما نقله أبو حيان من أن الأمة أجمعت على أن المعية في الآية لا تحمل على ظاهرها؟

هنا ينبغي أن يقال : ما المراد بالظاهر ؟ .
المعروف عند أهل الأصول أن اللفظ إذا احتمل معنيين هو في أحدهما أرجح سمي الراجح ظاهراً .
قال في المرتقى : والظاهر الذي مرجحا بدا * وضده مؤول إن عضدا .
فما هو المعنى الراجح هنا ؟ .
تأمل هذا الكلام لشيخ الإسلام وانزع من صدرك الحقد والتحامل الذي هو طبع اللئام : "وَهَذَا اللَّفْظُ - أي الظاهر - مُجْمَلٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ : " ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ " : يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالظَّاهِرِ نُعُوتَ الْمَخْلُوقِينَ وَصِفَاتِ ‏المحدثين ؛ مِثْلُ أَنْ يُرَادَ بِكَوْنِ " اللَّهِ قَبِلَ وَجْهِ الْمُصَلِّي " أَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ فِي الْحَائِطِ الَّذِي يُصَلِّي إلَيْهِ وَإِنَّ " اللَّهَ مَعَنَا ‏‏" ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إلَى جَانِبِنَا وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ . ‏
وَمَنْ قَالَ : إنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ فَقَدْ أَصَابَ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ أَخْطَأَ بِإِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّ هَذَا ‏ظَاهِرُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ ، فَإِنَّ هَذَا الْمُحَالَ لَيْسَ هُوَ الظَّاهِرُ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، اللَّهُمَّ إلَّا ‏أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَعْنَى الْمُمْتَنِعُ صَارَ يَظْهَرُ لِبَعْضِ النَّاسِ فَيَكُونُ الْقَائِلُ لِذَلِكَ مُصِيبًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مَعْذُورًا فِي هَذَا ‏الْإِطْلَاقِ ، فَإِنَّ الظُّهُورَ وَالْبُطُونَ قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ . ‏
وَكَانَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنْ يُبَيِّنَ لِمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الظَّاهِرَ حَتَّى يَكُونَ قَدْ أَعْطَى ‏كَلَامَ اللَّهِ وَكَلَامَ رَسُولِهِ حَقَّهُ لَفْظًا وَمَعْنًى . ‏
وَإِنْ كَانَ النَّاقِلُ عَنْ السَّلَفِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ : الظَّاهِرُ غَيْرُ مُرَادٍ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ ‏وَالْأَحَادِيثِ مِمَّا يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِلَّهِ أَوْ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ جَوَازًا ‏ذِهْنِيًّا أَوْ جَوَازًا خَارِجِيًّا غَيْرَ مُرَادٍ : فَهَذَا قَدْ أَخْطَأَ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ السَّلَفِ أَوْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ ؛ فَمَا يُمْكِنُ أَحَدٌ قَطُّ ‏أَنْ يَنْقُلَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ مَا يَدُلُّ - لَا نَصًّا وَلَا ظَاهِرًا - أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَلَا ‏أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ وَلَا يَدٌ حَقِيقَةً ".
فعلى هذا : من قال من العلماء إن المعية هنا ليست على ظاهرها ، إنما أراد بالظاهر المعنى المتبادر غير اللائق بالله تعالى وهو معية الحلول والمخالطة ، لذلك قال : نؤولها بمعنى يليق بالله تعالى فقال : هو معهم بعلمه أو بقدرته أو إحاطته .
قال شيخ الإسلام : " وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ فِي نَفْسِ الْمَعِيَّةِ وَيَقُولُ : إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ ‏وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْإِطْلَاقِ ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ لِدَلَالَةِ الْآيَاتِ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ ، وَيَجْعَلُ ‏بَعْضَ الْقُرْآنِ يُفَسِّرُ بَعْضًا ، لَكِنْ نَحْنُ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي ظَاهِرِ الْمَعِيَّةِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا جَمِيعَ ‏اسْتِعْمَالَاتِ " مَعَ " فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا تُوجِبُ اتِّصَالًا وَاخْتِلَاطًا فَلَمْ يَكُنْ بِنَا حَاجَةٌ إلَى أَنْ نَجْعَلَ ظَاهِرَهُ ‏الْمُلَاصَقَةَ ثُمَّ نَصْرِفَهُ " .
وتأمل أن القرينة التي أوجبت التأويل - إذا سميناه تأويلاً - هنا قرينة نقلية ، وهي علمنا أن الله تبارك وتعالى فوق عرشه كما تواتر بذلك النقل ، وكذلك دلالة السياق كما تقدم في كلام علي بن المديني والإمام أحمد وابن منده ، وهذا فيصل التفرقة بين اهل السنة والمتكلمين في هذه المسألة .
قال الشيخ محمد بن أبي مدين في شن الغارات على اهل وحدة الوجود وأهل المعية بالذات : "واعلم أن السَّلَفَ الصالح إنما يرجع في صِفَات الله تعالى وأسمائِهِ إلى مُجرَّدِ النَّقلِ وبه ‏يردُّ على من خالفَ ، كردِّ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما على معبدٍ الجُهَنِيِّ في مسألةِ القَدَر ‏بجوابِهِ صلى الله عليه وسلم لجبريلَ عليه السلام ، وهو أول حديث في « صحيح مسلم » ، وقد أخرجه ‏مسلمٌ أيضاً والبخاري عن أبي هريرة مُختصراً ، وغير ذلك مما لا يحصى .‏
وأما المتكلِّمُون فيرجعونَ في ذلك إلى الدَّليلِ العقلِيِّ ويُحكِّمُونه في ما لا مدخلَ لهُ ‏فيهِ ، فإن وافق الدليلُ النقلي قبلوه وإلا ردُّوهُ أو تأولوه ، وحقيقةُ ذلك الدليلِ العقليِّ ‏مبنيةٌ على تقسيم الفلاسفة العالمَ إلى عرضٍ وجوهرَ ، وهو أمرٌ لا أصل له في دين ‏الإسلام ، لا في كتابٍ ولا في سُنَّةٍ ولا في أقوالِ سلفِ هذه الأُمَّةِ ، فعلى المسلم أن ‏يجعل العقل تابعاً للنَّقل لئلا يقعَ في المهالك .‏
انظر : « شرح القرطبي لصحيح مسلم » في الكلامِ على حديث : " أبغض ‏الرجال إلى الله الألدُّ الخصم " ، وشرح علي القاري للشفا في الكلام على الباطنِيَّة ، ‏ومقدمة « تاريخ ابن خلدُون » في الكلام على العلوم الإلهيَّات ، والجُزء الأول من ‏‏«الاعتصام » لأبي إسحاقَ الشَّاطبيِّ ، وكتاب « التعليم والإرشاد » لمُحمد بدرِ الدين ‏الحلبيِّ .‏
قال العلامة الفقيهُ مُحمَّد يحيى بن محمد المختار بن الطالب عبد الله الداوودي ثم ‏السعيدي الولاتي وطناً المتوفى سنة ثلاثين وثلثمائة ما نصه : " ومذهبُ أهل السنة أن ‏العقل لا عبرة به إلا إذا وافق دليلاً نقلياً من كتاب أو سنة ، فلا يعتبرُ إلا تبعاً للشرع، ‏ولا استقلال له في إثباتِ حكمٍ شرعي " ا.هـ كلامه بلفظه . ‏
وقال السندي في حاشيته على « سُنن ابن ماجه » في الكلام على زيادة الإيمانِ ‏ونُقصانه ما نصه : " والسَّلفُ كانوا يتبعون الوارد ولا يلتفتون إلى نحو تلك المباحث ‏الكلاميَّةِ التي استخرجها المتأخِّرُون " ا.هـ كلامه بلفظه . ‏
وقال العلامة أحمد بك الهاشميُّ في كتابه « جواهر الأدب » ما نصه : " كان ‏السَّلفُ الصالحُ من الصَّحابةِ والتابعين يستدلُّون على عقائدهم بظاهرِ الكتابِ والسُّنَّة ، ‏وما وقع فيهمَا من المتشابه أو أوهم التشبيه المنافي لتنزيه المعبود توقَّفُوا فيه خوفَ أن ‏يحيد فهمُهُم في التأويل عن القصد " ا.هـ كلامه بلفظه .‏
وبهذا كلِّه تعلم أنَّ الدَّليلَ الذي يُحمل اللَّفظُ على غير ظاهره إنَّمَا هو عند السَّلف ‏النقليُّ لا العقلي، وبه أول الأدلةَ التي احتجَّ بها جهم وأتباعهُ لمعيَّة الذات ، وقد جمعتُ ‏لك – ولله الحمد – في هذا الكتاب من ذلك ما فيه – إن شاء الله تعالى – كفاية " ا.هـ كلام الشيخ محمد بن ابي مدين .‏
 
للأسف لقد طوّلت من غير طائل.
ولا أدري لم تنكر أن يكون الإجماع حاصلا على نبذ المعنى الفاسد الذي يظهر ولو للبعض من المعية بالحلول والاتحاد والأمكنة والجهات، مع أنه أمر لازم بناء على القول بالمعية العلمية أو بغيرها من المعاني الصحيحة. فصرت تنقل كلاما لا فائدة منه.
ثم ما ينبغي عليك فهمه ـ إن كنت عاقلا لما تقول أو تنقل ـ أن الإجماع المزعوم على تفسير المعية بالعلم يقتضي أن كل من فسرها بغير العلم من المعاني الصحيحة التي ذكرتها لك يكون مخالفا للإجماع، ومخالف الإجماع مبتدع، ولم يقله عاقل.
أما عن سؤالك، الذي تكرره، فالمعية بالذات يمكن أن يراد بها المعية التي معها تجلى الله تعالى للجبل فجعله دكا، أو المعية التي معها يرى المؤمنون ربهم في الجنة، أو المعية التي معها رأى النبي صلى الله عليه وسلم الله تعالى ليلة الإسراء على أحد الأقوال، وهي معية منزهة عن الحلول والاتحاد والحيز والكون في الأمكنة والجهات تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

بقي أن تجيبنا على قولك: هو معنا حقيقة. فإنك لم تفعل. وعليك تصحيح النقل عمن ذكرت هذه العبارة ومن قالها من السلف الصالح أو حتى الخلف الصالح.

ومسألة اللغة العربية فهي ظاهرة، وضمير الشأن عائد على اسم الجلالة، وهو موضوع للذات الإلهية المنزهة عن جميع النقائص المتصفة بجميع الكمالات، ولا موجب للعدول والتمجز بحمله على العلم والقطع بأن ذلك هو المراد. وحتى الحمل على العلم فيه ظاهر باطل وهو أن علم الله تعالى انفصل عن ذاته وصار معنا في كل مكان، فيصير تفسير بعض السلف للمعية العملية محمولا على أن علمه تعالى متعلق بنا وبجميع أحوالنا، ومعلوم عند أهل السنة والجماعة أن سمعه كذلك، وبصره كذلك، وكلامه كذلك، وقدرته كذلك، فالقطع بأن المراد العلم ولا غير تحكم لا يقول به السلف ولا يجمعون عليه، ولذلك نقول بأن الصواب هو تفسير بعض السلف للمعية بالعلم دفعا لتوهم ما لا يليق بالله تعالى، وهذا هو التأويل لقرينة من القرائن، والتأويل هنا الصرف عن بعض المعاني الباطلة خشية توهم ما لا يليق بالله تعالى، ولا إجماع على كون المعية بالعلم بحيث لا يجوز الحمل على غيرها.
ملاحظة: أحبذ محاورة من لا يعتمد القص واللصق من كلام "شيخ الإسلام" معتمدا أياه مسلما له وكأنه القرآن المنزل. ويا ليته كان نقلا بفهم أو بكلام يفيد من محل المحاورة.
 
للأسف لقد طوّلت من غير طائل.
ولا أدري لم تنكر أن يكون الإجماع حاصلا على نبذ المعنى الفاسد الذي يظهر ولو للبعض من المعية بالحلول والاتحاد والأمكنة والجهات، مع أنه أمر لازم بناء على القول بالمعية العلمية أو بغيرها من المعاني الصحيحة. فصرت تنقل كلاما لا فائدة منه..
كلامك هذا يكفي للجزم بأنك لم تقرأ مشاركاتي السابقة ، أو أنك قرأتها ولم تفهمها ، ولذلك صرت تخترع كلاما من رأسك وترميني به .
ولا غرابة في قولك : " فصرت تنقل كلاما لا فائدة منه " لأن كلام أئمة الهدى لا يزيد الظالمين إلا خساراً .
وتلقي المبتدعة لكلام العلماء الحق شبيه بتلقي الكفار والمنافقين لكلام الله تبارك وتعالى ، قال تعالى : " وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقولأيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستكبرون ، وأما الذين ف قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون " .

وانظر - أخا السنة - إلى هذه العبارة التي يكررها الحاقدون يرمون بها أهل الحق في هذا الزمان :" يعتمدون القص واللصق من كلام "شيخ الإسلام" معتمدين أياه مسلما له وكأنه القرآن المنزل " لتعلم أي افتراء رمونا به ظلما وعدوانا.

أما عن سؤالك، الذي تكرره، فالمعية بالذات يمكن أن يراد بها المعية التي معها تجلى الله تعالى للجبل فجعله دكا، أو المعية التي معها يرى المؤمنون ربهم في الجنة، أو المعية التي معها رأى النبي صلى الله عليه وسلم الله تعالى ليلة الإسراء على أحد الأقوال، وهي معية منزهة عن الحلول والاتحاد والحيز والكون في الأمكنة والجهات تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا...
هذا كلام في غاية الغرابة ولا أظن الأشعرية يقولونه ، فهو مذهب ثالث غير قول الجهمية وقول أهل الحديث ( الذي وافقهم الأشعرية عليه ) .
فليت المدعي يأتي بالنقول عن العلماء القائلين به .
ولا أدري أين هي المعية في قوله تعالى : " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا " أو في قوله : " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة أو قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك " أي كرؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا .
أو في قوله تعالى : " ولقد رآه نزلة أخرى " فأين المعية بالذات هنا ؟!! .

وختاماً، أرى تناقضا واضحا بين هاتين العبارتين :
ولا موجب للعدول والتمجز بحمله على العلم والقطع بأن ذلك هو المراد
وهذه :
ولذلك نقول بأن الصواب هو تفسير بعض السلف للمعية بالعلم دفعا لتوهم ما لا يليق بالله تعالى، وهذا هو التأويل لقرينة من القرائن، والتأويل هنا الصرف عن بعض المعاني الباطلة خشية توهم ما لا يليق بالله تعالى

كيف لا يعدل عن الظاهر ثم يقول نؤول !! .
 
التناقض في ذهنك لا غير..
بيانه أنه لا تناقض بين العدول عن الظاهر لموجب ذلك وهو حمل بعض الجهلة المعية على معنى من المعاني الباطلة، وبين البقاء على الظاهر الصحيح مع انتفاء موجب الحمل على ذلك المعنى الصحيح إذا اقتضى الأمر ذلك.
أما استغرابك ما بينته، فلغبة الإعراض عن كل ما لم تعهد به على نفسك وذهنك، وإلا فلا يجب أن تكون عالما بكل شيء حتى تستغرب كل ما لم تسمع به.
ثم إذا كنت تبحث عن لفظ المعية في ما ذكرته لك من المعاني، فهذا لخلل في منهجك وهو أنك تربيت على عدم الإقرار وفهم إلا ما هو مسطور مكتوب أمامك، فلا تعمل ذهنك لفهم ما وراء ذلك. ولي أن أسألك: أين لفظ العلم في قوله تعالى: وهو معكم أينما كنتم؟؟
ومرة أخرى أسألك: ماذا تقصد بقولك: إنه تعالى معنا حقيقة؟؟؟ فإنك لم تجب مع أنه كلامك.
 
أرى أن الأخ نزار يحب أن يقحم إخوانه بالدخول في مناقاشات عقدية بمناسبة وبلا مناسبة !!
ولعل الموضوع الذي طرح بعنوان : فائدة نفيسة للشيخ العثيمين في الردود بين أهل العلم أقرب مثال على ذلك.

فأرجو من الأخ نزار أن يتأمل في هذا الموضوع الذي طرحه الدكتور مساعد الطيار بعنوان: النقاش الحسن في ملتقى أهل التفسير ، والله الهادي.
 
نعم ، فهو لا يأتي هنا إلا للشغب وإثارة الفوضى ..
وانظر في مشاركاته في منتديات أهل البدع المختصة بهم لتعرف حقده .
ثم إنه أتى بمذهب غريب في المعية بالذات، وزعم أن لها معنى صحيح ، ودندن حول هذا المذهب ولم يبينه جيداً ، واحتج بأدلة هي في الشرق وكلامه في الغرب ، وعندما طلبت منه أن ينقل كلام العلماء الذين قالوا بمذهبه هذا صار يرميني بالخلل في المنهج وسوء الفهم .
والمشكلة أنه لا يقرأ ما كتبته له سابقاً ، ولا طاقة لي على الإعادة والتكرار .
فاللهم ارزقنا حسن الفهم عنك وعن نبيك صلى الله عليه وسلم .
 
موضوع المعية ورد كجزئية في المشاركة وأرى الحديث اصبح كله عنه

لذا لابد ان يبقى الحديث مقتصرا على موضوع المشاركة دون الخوض في جزئيات ليست من صلب الموضوع

وأخيرا اذكر نفسي والاخوة دائما قبل ان نكتب او نردان ندعوا الله عز وجل ان يكون مانكتبه خالصا للوجهه الكريم وان لا يكون فيه انتصارا للنفس او اسكاتا للخصم وان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرنا الباطل باطلا ويزقنا اجتنابه
 
كم هو مؤسف أن ينتقل الموضوع من دراسة مسألة علمية إلى شخصنة وحب انتصار للذات وعنصرية وإقصاء، وهذا خلل في المنهج عظيم. وقد يحسب بعض الناس أنه بذلك يقدّم خدمة إلى مذهبه، لكن الحقيقة هي على العكس من ذلك تماما.

ما زلت أنقل كلام العلماء في أن الإجماع لم يكن على تعيين المعية بالعلم كمعنى لما ورد في الآية الكريمة، وإنما الإجماع كان منعقدا على الصرف عن الظاهر المحال الذي توهمه الآية، وقد قال ابن عادل الحنبلي في تفسيره "اللباب في علوم الكتاب" على وجه التقرير: "الإجماع منعقد على أنه سبحانه وتعالى ليس معنا بالمكان والحيز والجهة (ج18/ص456)

الأستاذ عمر: هل يعاب على القرآن العظيم أن أكثر آياته كانت في تقرير مسائل إيمانية بجميع أنواع التقريرات؟؟ بالإجماع لا. ولا يخلو تدبرنا لآيات الذكر الحكيم من التطرق إلى تلك المسائل الإيمانية. وإذا خلا ملتقى "أهل التفسير" من الحوار العلمي الهادئ في مسائل إيمانية فليت شعري ما الذي سيبقى من معنى التفسير سوى اسمه؟؟ فالمسائل الإيمانية تفرض نفسها ولا يتكلف الخوض فيها.

نعم هي تسبب إحراجا إذا تطرف فيها البعض واستمروا على التقليد الرديء فيها وحاولوا دفع كل ما لم يتعلموه أو يسمعوا به بجميع الأساليب والطرق بدعوى الحفاظ على "العقيدة" حتى يصلوا إلى أساليب غير علمية ألبتة، وهذا ليس من المنهج الموضوعي في شيء، وأحسب أن هذا هو ما نبه عليه الشيخ مساعد. أما تناول المسائل الإيمانية بكل موضوعية ودقة في النقل والفهم، فهي كلها خير إن شاء الله تعالى، وهي من تدبر ذكر الله الحكيم، ومما يرجى الإثابة عليه، والله الموفق.
 
المشكلة أنك تتخبط يمينا وشمالا ولا تدري ما الذي تريد أن تعترض عليه أو تقرره فضلا على أن تحسن الجواب على ما ذكرته لك .
فأنت إلى الآن لم تنقل عن عالم معتبر ان هناك معنى صحيحاً للمعية بالذات .
ثم تقول : " لا زلت أنقل .... " !! .
وبالنسبة لقضية الإجماع فقد تكلمت فيها بما يكفي .
وأحسبك إنما أتيت من العجمة كما قال الحسن البصري رحمه الله .
قال إسحاق بن راهويه : " وجهل قوم هذه المعاني - أي اختلاف التنوع في التفسير- ، فإذا لم توافق الكلمة الكلمة قالوا : هذا اختلاف وقد قال الحسن - وقد ذكر عنده الاختلاف في نحو ما وصفنا - فقال : إنما أتي القوم من قبل العجمة . نقله محمد بن نصر في كتاب السنة .
فالإجماع على كون المعية بالعلم لا يمنع أن تكون المعية أيضاً بالقدرة والإحاطة وغير ذلك من المعاني الصحيحة التي لا تناقضها ، لأن المبتدع هو الذي يحدث قولا مناقضاً لما أجمع عليه السلف لا من يأتي بمعنى صحيح زائد على ما ذكروه ما إقراره لما قرروه .
ومن العجيب أنك تتكلم عن الحوار العلمي الهادىء ولك ماض يدل على نقيض قولك عندما كنت تكتب باسم أبي عبيدة الهاني .
وأين قولك هذا من الرسالة التي بعثت بها للشيخ أبي مالك العوضي في ملتقى الألوكة ؟ .
 
أنت للأسف أنموذج من المحاور المتعصب الخارج عن الموضوع العلمي المطروح.
فيما نقلته لأبي الحيان وابن عادل الحنبلي نص على الإجماع على الصرف عن المعاني الباطلة للمعية ككونها بالحيز والجهات والاتحاد والحلول وما شابه ذلك. وهذا الإجماع الظاهر أنه لا يعجبك لمانافته ما أنت عليه من العقيدة فلذلك لا تتعرض له بالتعليق. وهذا شأنك.
والإجماع المزعوم على أن المعية بالعلم يقتضي أن من فسرها بغير العلم فقد خالف الإجماع ولو كان المعنى صحيحا؛ فإن المعية بالعلم ليست هي المعية بالقدرة وليست بالحفظ فلكل منها معنى يغاير المعنى الآخر. وهذا ظاهر إلا لمن تعنت. فلا ينبغي دعوى الإجماع على أن المقصود هو العلم لأنه يلزم من ذلك أن المفسر لها بغير العلم مخالف للإجماع، ولم يقل به عاقل.
وصدقت من حيث لم تقصد، فإن الآتي بمعنى صحيح لا يخالف ما فسره السلف لا يكون مبتدعا.
ثم كان حري بك بعد أن نطقت بكلام مبتدع لا أصل له أن تعرف قدرك من هذه المباحث الصعبة على أمثالك، فقد قلت بأن الله معنا حقيقة، وعجزت عن تفسيره أو إحالته إلى قائله، فإن لم تفسر مرادك أو تعتذر على ابتداعك هذا اللفظ الغريب فاعلم أن هذه الحوارات لا تليق بأمثالك، وأنت المقصود أصالة بالنهي عن الخوض في مثل هذه المباحث معتمدا على القص واللصدق دون فهم. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وهذا آخر الكلام معك.
 
ألم أقل لك : إنك أتيت من قبل العجمة ؟
فكونه يغايره شيء وكونه يناقضه شيء آخر .
وكلام أبي حيان وابن عادل لا علاقة له بدعواك أن هناك معنى صحيحا للمعية بالذات .
وأنا طلبت منك نقولاً في هذه المسألة ( المعنى الصحيح للمعية بالذات الذي تدعيه ) لا مسألة الإجماع هل هو على أن المعية بالعلم أو على وجوب الصرف عن المعاني الباطلة ، فقد تكلمت في هذه المسألة بما يكفي لكن يظهر أنك لا زلت تراوح في مكانك .
وأنت أردت أن ترمي شيخ الإسلام بالابتداع لكن بطريق غير مباشر ، لأنك لا تجرؤ على هذا في ملتقى أهل التفسير ، وذلك حين قلت بأن كون الله معنا على حقيقته كلام مبتدع ، قال شيخ الإسلام في الواسطية : " وَكُلُّ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ مَعَنَا حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَحْرِيفٍ ، وَلَكِنْ يُصَانُ عَنِ الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ ؛ مِثْلِ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ : ( فِي السَّمَاءِ ) ؛ أَنَّ السَّمَاءَ تُظِلُّهُ أَوْ تُقِلُّهُ ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } ، وَهُوَ { يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا } ، { وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ } ، { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ } " .

والعجيب أنك قبل قليل تقول : " ولا موجب للعدول والتمجز بحمله على العلم والقطع بأن ذلك هو المراد " ثم تنفي كونه حقيقة ، فكيف لا يكون مجازاً ولا يكون حقيقة ؟! .
هل فهمت ؟ .
وأنا أعلم ان عبارتك هذه أردت بها معنى باطلاً لكنها تفيد في إلزامك " من فمك ندنيك " .

وما زلت أنتظر نقولا عن العلماء في بيان المعنى الصحيح للمعية بالذات !! .
 
" لأن المبتدع هو الذي يحدث قولا مناقضاً لما أجمع عليه السلف لا من يأتي بمعنى صحيح زائد على ما ذكروه ما إقراره لما قرروه "

قصدتُ : مع إقراره لما قرروه . وليس : ما ...
 
الأولى بأهل العلم عند الوصول إلى هذا المنعطف الخطر أن يخفض الكل جناحه للكل ورحم الله رجلا قال فغنم أو سكت فسلم، ولا بركة في علم مشفوع بالملاحاة.
 
الأولى بأهل العلم عند الوصول إلى هذا المنعطف الخطر أن يخفض الكل جناحه للكل ورحم الله رجلا قال فغنم أو سكت فسلم، ولا بركة في علم مشفوع بالملاحاة.


نعم .. صدقت د.خضر .
رفقاً ـ إخوتي ـ أفلا يمكننا أن نتحاور بدون أن نخرج عن أدب البحث العلمي ؟!
 
" مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ لِينِ الْكَلَامِ وَالْمُخَاطَبَةِ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ : فَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ اسْتِعْمَالًا لِهَذَا ، لَكِنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ حَسَنٌ ، وَحَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِالْإِغْلَاظِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ لِبَغْيِهِ وَعُدْوَانِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ : فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِمُقَابَلَتِهِ ، لَمْ نَكُنْ مَأْمُورِينَ أَنْ نُخَاطِبَهُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَإِنَّهُ الْأَعْلَى بِنَصِّ الْقُرْآنِ . وَقَالَ : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } وَقَالَ : { إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ } { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } وَاَللَّهُ مُحَقِّقٌ وَعْدَهُ لِمَنْ هُوَ كَذَلِكَ كَائِنًا مَنْ كَانَ " .

مجموع الفتاوى (3/ 232) .
 
عودة
أعلى