الشيخ مساعد -وفقه الله- جلّى المشكل في هذا الموضوع وأحسن عرضه لطلابه باختصار مفيد وبيان شاف
[align=center]النوع الثالث والأربعون: (المحكم والمتشابه) (1-3-1429هـ)[/align]
• موضوع المحكم والمتشابه يمكن أن يعد من أصعب علوم القرآن, والسيوطي نقل في بداية هذا النوع عن ابن حبيب النيسابوري ثم اعترض عليه, وكلام ابن حبيب فيه نظر, وإنما الصواب أن يقال: أنواع المحكم والمتشابه, أو المصطلحات في المحكم والمتشابه؛ لأن عندنا مصطلحات متعددة, وليست أقولاً متعارضة , لذا نقول: أنواع المحكم والمتشابه أو استخدامات العلماء في مصطلح المحكم والمتشابه, وهي :
النوع الأول: وهو ما ذكره ابن حبيب: أن القرآن كله محكم, وقوله: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ [هود : 1], فهذا الإحكام عام من أول الفاتحة إلى الناس, فهو إحكام عام بمعنى الإتقان, ويقابله: المتشابه العام, وهو المذكور في قوله :﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً ﴾ [الزمر : 23], فهو متشابه يشبه بعضه بعضاً في الإتقان والرصف فهو واحد لا يتعدد, ففيه تشابه عام كما أن فيه إحكاماً عاماً, والتشابه العام والمحكم العام ليس فيه إشكال.
النوع الثاني: أن يستخدم المحكم مقابلاً للمنسوخ, وهذا النوع سيأتي في نوع آخر من هذا الكتاب.
النوع الثالث: وهو الذي تحكيه الآية هو المشكل, وهو من أصعب علوم القرآن, والمتشابه في هذا النوع قسمان:
1. المتشابه الكلي: وهو الذي لا يعلمه إلا الله, ويشمل ثلاثة أمور:
أ. حقائق المغيبات.
ب. أوقات وقوع هذه المغيبات.
ج. بعض حكم القدر والتشريع؛ لأن بعضها قد تكون حكمته ظاهرة, وبعضها يمكن أن يدرك بالعقل, ولكن بعضًا آخر منها لا يمكن أن يُدرك ، كعِلَّة فرض الظهر أربًعا والعصر والعشاء ، وفرض المغرب ثلاثًا ، والفجر اثنتين .
وهذا النوع من المتشابه هو الذي يقول فيه ابن عباس: (من ادعى علمه فقد كذب)؛ لأنه مختص بالله, ومثاله: الدابة في آخر الزمان ذكرها الله في كتابه ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ﴾ [النمل : 82] فالدابة معلومة من حيث المعنى لكن لا يستطيع أحد أن يصفها إلا بما ورد فيها من الخبر, فلا يعرف وقت خروجها وكيفيتها إلا الله, ومن ادعى علم هذا فقد كذب .
والمقصود أن من دخل في هذه الأمور الثلاثة فقد وقع في شيء لا يثبت فيه فهو مزلة قدم؛ لأنه سيقول على الله بلا علم.
ويقابل المتشابه الكلي ـ من مصطلحات المحكم ـ : المعلوم من جهة مما أخبر الله عنه ، ويمكن أن نقول : إن المحكم : المعلوم للعباد ، ومنه معاني آيات القرآن .
وإن المتشابه : الخفيُّ الذي لا يعلمه إلا الله تعالى .
2 . المتشابه النسبي: وهو من أوسع أنواع المتشابه, وهو الذي يقع فيه الإشكال, وهو الذي بني عليه هذا العنوان, وهو ما يشتبه على قوم دون قوم, فالفرق بينه وبين الأول: أن الأول يشتبه على الكل, أما هذا فيشتبه على قوم دون قوم.
والمتشابه النسبي يقابله المحكم الذي لا يقع فيه خلاف, وهو الذي سماه الإمام أحمد بقوله: (المحكم هو المعلوم) , فإذا نظرنا إلى قوله تعالى :﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً﴾ [الملك : 3] فإنه لا يمكن أن يقع خلاف في عدد السماوات؛ لأن العدد ظاهر فهذا من المحكم, أما ما يقع الخلاف فيه فهو المتشابه.
لو أردنا أن نربط بين القسمين ( الأول والثاني ) , نقول: إن المحكم ـ المعلوم ـ المقابل للمتشابه الكلي داخلٌ في المتشابه النسبي؛ لأن المحكم ـ المعلوم ـ في هذا النوع ينقسم إلى قسمين:
1. محكم بمعنى أنه معلوم لا يقع فيه خلاف.
2. متشابه يقع فيه خلاف, والاختلاف فيه لا يُخرجه عن كونه معلومًا للخلق ؛ لأنه يدخل في حيِّز المعلوم لهم وإن كان معلومًا لبعضهم دون بعض ، وبذلك يخرج المتشابه الكلي الذي لا يعلمه إلا الله ، ولا يكون لنا به أي علاقة .
المتشابه النسبي مرتبط في أغلبه بالمعاني المدركة , , لكن ننتبه إلى
ومن هنا نقول : إن المتشابه النسبي مرتبط بالمعاني المدركة أو بالقضايا التي فيها نص من الشارع فما بينه الله من الحقائق والكيفيات والعلل فإنه داخل في المتشابه النسبي إذا وقع فيها خلاف .
وأسباب التشابه متعددة ، فلو سألنا : لماذا تشابهت هذه الآيات على قوم وعلمها آخرون؟
فإننا سنجد أسبابًا متعددة ، ومثال وقوع المتشابه النسبي ما وقع للخوارج ، وهم من أوائل الفرق التي اشتبهت عليهم بعض آيات الكتاب ، خصوصًا ما يتعلق بمسألة الحكم؛ هل يكون لغير الله ؟
فذهبوا إلى آيات فيها أن الحكم لله وألغوا حكم البشر, فاعتمدوا على جزء من الآيات, وتركوا آيات أخرى, وهي معلومة بالنسبة إلى الصحابة, ولم يقع عندهم خلاف.
• المصدر في فك التشابه عقلي ونقلي معاً, فلا بد من وجود مصدر نقلي وإعمال العقل فيه, فإذا عكسنا هذا وجعلنا الأصل هو العقل, والنقل تبعاً له فهذا يقع فيه التشابه الكبير ويقع الانحراف, وما عدا ذلك وهو ما يسمى عند بعضهم بظواهر الكتاب أو ظواهر القرآن تعتبر ظنية فيجعلون العقل محكماً وظواهر النصوص ظنية, وإذا تصادم عندهم القطعي -وهو الدليل العقلي- بالظني -وهو ظواهر النصوص- فيقدم العقل.
• وأكبر مشكلة وقعت في العلم الشرعي هي مشكلة تقديم العقل المحض على النقل, وهي مسألة فيها خلاف وجدال معروف في كتب الاعتقاد والاحتجاج , وقد ردّ شيخ الإسلام في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) على الرازي في كتابه :(أساس التقديس) في هذه المسألة المهمة ، وهي هل يقع تعارض بين النقل والعقل ؟
• ومن أمثلة من جعل الدلائل العقلية هي المحكم عبد الجبار الهمداني في كتابه (متشابه القرآن) , وقد جعل آيات الكتاب ظواهر ظنية؛ ولهذا يجمع بين الآية والآية إذا رأى أن بينهما تشابهاً, فيرد بدلالة العقل لا بظاهر النصوص.
مسألة المحكم الذي يقابل المنسوخ
سيأتي الحديث عن النسخ في نوع مستقل ، وقد كان بعض السلف يذهب بآية إلى الإحكام ، ويقصد أنها غير منسوخة ، ويذهب آخرون إلى القول بنسخها فتكون غير محكمة ، وبهذا يقع الاختلاف الذي هو ضابط الفرق بين المحكم والمتشابه النسبي ، فإذا وقع خلاف في كون الآية محكمة أو منسوخة ، فإن هذا يعني أن هذه الآية تدخل في المتشابه النسبي؛ لأن النسخ مما يعلمه قوم دون قوم ؛ إذ الإحكام هو الأصل .
مسألة الحروف المقطعة ، هل تدخل في المتشابه الكلي ؟
• الحروف المقطعة خرجت من المتشابه الكلي, والدليل على ذلك أن السلف من الصحابة والتابعين قد تكلموا فيها ووقع بينهم خلاف فيها ، ولو كانت من المتشابه الكلي الذي لا يعلمه إلا الله لما تجرَّؤا على الحديث فيها ، فلما تكلموا فيها دلَّ ذلك على خروجها عن أن تكون من المتشابه الكلي ، ودخولها في المتشابه النسبي ، والحق لا يخرج عن أحد الأقوال التي قالوه فيها .
مسألة : آيات الصفات ، هل هي من المتشابه الكلي أو من المتشابه النسبي ؟
• قول السيوطي: (من المتشابه آيات الصفات, ولابن اللبان فيها تصنيف مفرد)
نقول إن في الصفات جانبين : معانيها وكيفياتها :
أما معاني الصفات فتعتبر من المتشابه النسبي؛ لأنه وقع فيها خلاف بين طوائف الأمة, وأما كيفيات الصفات فهي من المتشابه الكلي الذي تتفق فيه جميع الطوائف على أنه لا يعلم كيفية اتصافه بهذه الصفات إلا الله تعالى .
وقد وقع خلط عند السيوطي وغيره : كابن اللبان الذي نقل عنه السيوطي في هذا الموضع من كتابه : (رد الآيات المحكمات على المتشابهات) ، ولهذا الخلط أسباب ليس هذا محل ذكرها .
وإذا قرأت في بعض كتب التفسير التي اعتنت بعلم الكلام وتوسعت فيه ، أو التي أوَّلت كلام الله الواضح للعربي إلى تأويلات عقلية لا تخطر ببال العربي الذي نزل القرآن بلغته ؛ إذا قرأت ذلك بان لك أن مساوئ علم الكلام في التفسير أسوأ من مساوئ الإسرائيليات.
تعقيب :
ـ المتشابه الكلي ليس من علوم البشر ، فضلاً عن أن يكون من علوم القرآن ؛ لأن هذا العلم مما يختص بالله تعالى ، لكن لا يصلح أن نحكم على مسألة علمية بأن هذا مما لا يعلمه إلا الله إلا بنص ظاهر .
ـ أما المتشابه النسبي فإنه يعتمد على النقل والعقل ، لذا فهذا الموضوع من الموضوعات التي يدخلها العقل ، لكن الأصل فيه النقل .
ـ وهذا النوع له علاقة بعلم التفسير ، وبمشكل القرآن ، كما أن له علاقة بعلم آخر ، وهو علم الاعتقاد .
[align=center]النوع الثالث والأربعون: (المحكم والمتشابه) (1-3-1429هـ)[/align]
• موضوع المحكم والمتشابه يمكن أن يعد من أصعب علوم القرآن, والسيوطي نقل في بداية هذا النوع عن ابن حبيب النيسابوري ثم اعترض عليه, وكلام ابن حبيب فيه نظر, وإنما الصواب أن يقال: أنواع المحكم والمتشابه, أو المصطلحات في المحكم والمتشابه؛ لأن عندنا مصطلحات متعددة, وليست أقولاً متعارضة , لذا نقول: أنواع المحكم والمتشابه أو استخدامات العلماء في مصطلح المحكم والمتشابه, وهي :
النوع الأول: وهو ما ذكره ابن حبيب: أن القرآن كله محكم, وقوله: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ [هود : 1], فهذا الإحكام عام من أول الفاتحة إلى الناس, فهو إحكام عام بمعنى الإتقان, ويقابله: المتشابه العام, وهو المذكور في قوله :﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً ﴾ [الزمر : 23], فهو متشابه يشبه بعضه بعضاً في الإتقان والرصف فهو واحد لا يتعدد, ففيه تشابه عام كما أن فيه إحكاماً عاماً, والتشابه العام والمحكم العام ليس فيه إشكال.
النوع الثاني: أن يستخدم المحكم مقابلاً للمنسوخ, وهذا النوع سيأتي في نوع آخر من هذا الكتاب.
النوع الثالث: وهو الذي تحكيه الآية هو المشكل, وهو من أصعب علوم القرآن, والمتشابه في هذا النوع قسمان:
1. المتشابه الكلي: وهو الذي لا يعلمه إلا الله, ويشمل ثلاثة أمور:
أ. حقائق المغيبات.
ب. أوقات وقوع هذه المغيبات.
ج. بعض حكم القدر والتشريع؛ لأن بعضها قد تكون حكمته ظاهرة, وبعضها يمكن أن يدرك بالعقل, ولكن بعضًا آخر منها لا يمكن أن يُدرك ، كعِلَّة فرض الظهر أربًعا والعصر والعشاء ، وفرض المغرب ثلاثًا ، والفجر اثنتين .
وهذا النوع من المتشابه هو الذي يقول فيه ابن عباس: (من ادعى علمه فقد كذب)؛ لأنه مختص بالله, ومثاله: الدابة في آخر الزمان ذكرها الله في كتابه ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ﴾ [النمل : 82] فالدابة معلومة من حيث المعنى لكن لا يستطيع أحد أن يصفها إلا بما ورد فيها من الخبر, فلا يعرف وقت خروجها وكيفيتها إلا الله, ومن ادعى علم هذا فقد كذب .
والمقصود أن من دخل في هذه الأمور الثلاثة فقد وقع في شيء لا يثبت فيه فهو مزلة قدم؛ لأنه سيقول على الله بلا علم.
ويقابل المتشابه الكلي ـ من مصطلحات المحكم ـ : المعلوم من جهة مما أخبر الله عنه ، ويمكن أن نقول : إن المحكم : المعلوم للعباد ، ومنه معاني آيات القرآن .
وإن المتشابه : الخفيُّ الذي لا يعلمه إلا الله تعالى .
2 . المتشابه النسبي: وهو من أوسع أنواع المتشابه, وهو الذي يقع فيه الإشكال, وهو الذي بني عليه هذا العنوان, وهو ما يشتبه على قوم دون قوم, فالفرق بينه وبين الأول: أن الأول يشتبه على الكل, أما هذا فيشتبه على قوم دون قوم.
والمتشابه النسبي يقابله المحكم الذي لا يقع فيه خلاف, وهو الذي سماه الإمام أحمد بقوله: (المحكم هو المعلوم) , فإذا نظرنا إلى قوله تعالى :﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً﴾ [الملك : 3] فإنه لا يمكن أن يقع خلاف في عدد السماوات؛ لأن العدد ظاهر فهذا من المحكم, أما ما يقع الخلاف فيه فهو المتشابه.
لو أردنا أن نربط بين القسمين ( الأول والثاني ) , نقول: إن المحكم ـ المعلوم ـ المقابل للمتشابه الكلي داخلٌ في المتشابه النسبي؛ لأن المحكم ـ المعلوم ـ في هذا النوع ينقسم إلى قسمين:
1. محكم بمعنى أنه معلوم لا يقع فيه خلاف.
2. متشابه يقع فيه خلاف, والاختلاف فيه لا يُخرجه عن كونه معلومًا للخلق ؛ لأنه يدخل في حيِّز المعلوم لهم وإن كان معلومًا لبعضهم دون بعض ، وبذلك يخرج المتشابه الكلي الذي لا يعلمه إلا الله ، ولا يكون لنا به أي علاقة .
المتشابه النسبي مرتبط في أغلبه بالمعاني المدركة , , لكن ننتبه إلى
ومن هنا نقول : إن المتشابه النسبي مرتبط بالمعاني المدركة أو بالقضايا التي فيها نص من الشارع فما بينه الله من الحقائق والكيفيات والعلل فإنه داخل في المتشابه النسبي إذا وقع فيها خلاف .
وأسباب التشابه متعددة ، فلو سألنا : لماذا تشابهت هذه الآيات على قوم وعلمها آخرون؟
فإننا سنجد أسبابًا متعددة ، ومثال وقوع المتشابه النسبي ما وقع للخوارج ، وهم من أوائل الفرق التي اشتبهت عليهم بعض آيات الكتاب ، خصوصًا ما يتعلق بمسألة الحكم؛ هل يكون لغير الله ؟
فذهبوا إلى آيات فيها أن الحكم لله وألغوا حكم البشر, فاعتمدوا على جزء من الآيات, وتركوا آيات أخرى, وهي معلومة بالنسبة إلى الصحابة, ولم يقع عندهم خلاف.
• المصدر في فك التشابه عقلي ونقلي معاً, فلا بد من وجود مصدر نقلي وإعمال العقل فيه, فإذا عكسنا هذا وجعلنا الأصل هو العقل, والنقل تبعاً له فهذا يقع فيه التشابه الكبير ويقع الانحراف, وما عدا ذلك وهو ما يسمى عند بعضهم بظواهر الكتاب أو ظواهر القرآن تعتبر ظنية فيجعلون العقل محكماً وظواهر النصوص ظنية, وإذا تصادم عندهم القطعي -وهو الدليل العقلي- بالظني -وهو ظواهر النصوص- فيقدم العقل.
• وأكبر مشكلة وقعت في العلم الشرعي هي مشكلة تقديم العقل المحض على النقل, وهي مسألة فيها خلاف وجدال معروف في كتب الاعتقاد والاحتجاج , وقد ردّ شيخ الإسلام في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) على الرازي في كتابه :(أساس التقديس) في هذه المسألة المهمة ، وهي هل يقع تعارض بين النقل والعقل ؟
• ومن أمثلة من جعل الدلائل العقلية هي المحكم عبد الجبار الهمداني في كتابه (متشابه القرآن) , وقد جعل آيات الكتاب ظواهر ظنية؛ ولهذا يجمع بين الآية والآية إذا رأى أن بينهما تشابهاً, فيرد بدلالة العقل لا بظاهر النصوص.
مسألة المحكم الذي يقابل المنسوخ
سيأتي الحديث عن النسخ في نوع مستقل ، وقد كان بعض السلف يذهب بآية إلى الإحكام ، ويقصد أنها غير منسوخة ، ويذهب آخرون إلى القول بنسخها فتكون غير محكمة ، وبهذا يقع الاختلاف الذي هو ضابط الفرق بين المحكم والمتشابه النسبي ، فإذا وقع خلاف في كون الآية محكمة أو منسوخة ، فإن هذا يعني أن هذه الآية تدخل في المتشابه النسبي؛ لأن النسخ مما يعلمه قوم دون قوم ؛ إذ الإحكام هو الأصل .
مسألة الحروف المقطعة ، هل تدخل في المتشابه الكلي ؟
• الحروف المقطعة خرجت من المتشابه الكلي, والدليل على ذلك أن السلف من الصحابة والتابعين قد تكلموا فيها ووقع بينهم خلاف فيها ، ولو كانت من المتشابه الكلي الذي لا يعلمه إلا الله لما تجرَّؤا على الحديث فيها ، فلما تكلموا فيها دلَّ ذلك على خروجها عن أن تكون من المتشابه الكلي ، ودخولها في المتشابه النسبي ، والحق لا يخرج عن أحد الأقوال التي قالوه فيها .
مسألة : آيات الصفات ، هل هي من المتشابه الكلي أو من المتشابه النسبي ؟
• قول السيوطي: (من المتشابه آيات الصفات, ولابن اللبان فيها تصنيف مفرد)
نقول إن في الصفات جانبين : معانيها وكيفياتها :
أما معاني الصفات فتعتبر من المتشابه النسبي؛ لأنه وقع فيها خلاف بين طوائف الأمة, وأما كيفيات الصفات فهي من المتشابه الكلي الذي تتفق فيه جميع الطوائف على أنه لا يعلم كيفية اتصافه بهذه الصفات إلا الله تعالى .
وقد وقع خلط عند السيوطي وغيره : كابن اللبان الذي نقل عنه السيوطي في هذا الموضع من كتابه : (رد الآيات المحكمات على المتشابهات) ، ولهذا الخلط أسباب ليس هذا محل ذكرها .
وإذا قرأت في بعض كتب التفسير التي اعتنت بعلم الكلام وتوسعت فيه ، أو التي أوَّلت كلام الله الواضح للعربي إلى تأويلات عقلية لا تخطر ببال العربي الذي نزل القرآن بلغته ؛ إذا قرأت ذلك بان لك أن مساوئ علم الكلام في التفسير أسوأ من مساوئ الإسرائيليات.
تعقيب :
ـ المتشابه الكلي ليس من علوم البشر ، فضلاً عن أن يكون من علوم القرآن ؛ لأن هذا العلم مما يختص بالله تعالى ، لكن لا يصلح أن نحكم على مسألة علمية بأن هذا مما لا يعلمه إلا الله إلا بنص ظاهر .
ـ أما المتشابه النسبي فإنه يعتمد على النقل والعقل ، لذا فهذا الموضوع من الموضوعات التي يدخلها العقل ، لكن الأصل فيه النقل .
ـ وهذا النوع له علاقة بعلم التفسير ، وبمشكل القرآن ، كما أن له علاقة بعلم آخر ، وهو علم الاعتقاد .