أبو صفوت
فريق إشراف الملتقى العلمي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فقد كتب الدكتور الفاضل مساعد الطيار حفظه الله مقالا حول أسانيد التفسير وكيفية التعامل معها فقرأت المقال وراسلت الشيخ الفاضل عبد الله الجديع حفظه الله وطلبت منه رأيه في هذا الموضوع وأرسلت إليه رابط مقال الدكتور مساعد فقرأ الشيخ المقال وأرسل إلي بتعليقاته فأرسلت بها للدكتور مساعد فسر بها وأشار إلى أنه استفاد منها وقال إن تعليقاته نفيسة وفيها فائدة وخير كثير وأكد الشيخ مساعد علي في ضرورة نشرها لتعم الفائدة ولعل بعض الأعضاء يشارك بما يفيد.
فأسأل الله أن يحفظ الشيخين ويبارك في علمهما وينفع بهما وهذ هو رابط كلام الدكتور مساعد
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=244&highlight=%C3%D3%C7%E4%ED%CF+%C7%E1%CA%DD%D3%ED%D1
وهذه تعليقات الشيخ الجديع على المقال دون زيادة أو نقص
بسم الله الرحمن الرحيم
ملاحظات على مقال منشور في موقع (ملتقى أهل التفسير) باسم الشيخ الفاضل مساعد الطيار ومعنون بـ(صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما).
أقول أولاً وقد قرأت المقال:
صوَّر الشيخ الكريم النظر في أمر أسانيد التفسير ونقدها بين المعاصرين والسابقين، أن المعاصرين يتشددون، والسابقين لم يكونوا كذلك.
وأقول: إن عنى بالمعاصرين من اعتنى بعلم التفسير فهؤلاء فيما أعلم يستقون من جميع ما قيل قبلهم دون مراعاة للأسانيد أصلاً حتى في المرفوع في كثير من الأحيان. وإن عنى من تعرض لدراسة أسانيد التفسير فهذا ينقدها من جهة الأسانيد بحسب الصناعة الحديثية، دون التعرض غالباً إلى شأن الاعتداد بها أو عدمه في فهم القرآن، كصنيع الشيخ المحقق أحمد شاكر في نقد أسانيد "تفسير الطبري" مثلاً، ومن إخواننا الشيخ العالم سعد الحميد في تعليقه على القطعة التي نشرها من "سنن سعيد" في التفسير، والشيخ الفاضل حكمت بشير، وغيرهم.
والصناعة الحديثية تأبى أن تجعل جويبراً مثلاً ثقة، والضحاك عن ابن عباس متصلاً، هذا ما لا يصح في العلم بعد ثبوت ضده، وإنما أن يكون التسهيل في قبول تلك الأخبار واستعمالها فهذا باب آخر.
والواقع أن الجميع إذا جاء مقام التمحيص والاستدلال لا يقبل إلا ما يدل عليه عنده النظر الصحيح.
وهذه ملاحظات بدت لي حول مقال الشيخ الطيار وفقه الله:
قال: (والظاهر أن الاستفادة من هذه المرويات، وعدم التشدد في نقدها إسنادياً هو الصواب) ثم استدل لذلك بوجوه هي باختصار كالتالي:
1 - أنه لا يكاد يوجد مفسر اطرح هذه الروايات جملة بل قد يطرح بعضها لعدم صحتها عنده.
وأقول: هذا صحيح، وهو دليل على أن القبول عندما وقع فلمعنى لا يؤثر فيه جرح الناقل، كموافقة لأصل اللسان مثلاً، أو موافقة للدلالات العامة للقرآن، أو لمقاصد الدين، أو لكلام آخرين وبيانهم من المفسرين، فهو معتضد، لكنه ربما رده في حال أخرى.
وهذا القول من الشيخ ذاته دليل على أن نقد الرواية في التفسير كان مستعملاً عند أولئك المفسرين.
وإن كان التمثيل الذي مثل به كان غيره أولى منه، لأنه لا يصح أن يجعل من طريقة ابن مردويه مثلاً مقياساً لمنهج المفسرين حين وقع من مثله إيراد روايات هذا الإسناد، فمعروفٌ أن تفسير الكلبي كبير تندر آية لم يحك عنه فيها شيء، وترى ابنَ جرير لم يورد عنه إلا الحرف بعد الحرف، وفي أكثر ما يورده أن يكون قوله تابعاً، أو مرجوحاً عندَ ابنِ جرير، وهذا ابن أبي حاتم وهو أدق نظراً في الاختيار قد جانب تفسير الكلبي، فالتمثيل به ضعيف يبالغ في تسهيل شأنه، وحين سئل أحمد بن حنبل عنه قال: "من أوله إلى آخره كذب. فقيل له: فيحل النظر فيه؟ قال: لا". ويحيى بن معين كان يقول: "كتاب ينبغي أن يدفن". فتأمل!
إنما يصلح له التمثيل بروايات عطية العوفي والضحاك بن مزاحم وابن أسلم، وشبهها.
2 – ذكر أن المفسرين اعتمدوا اعتمادًا واضحًا على هذه المرويات، سواءً أكانوا من المحررين فيه كالإمام الطبري وابن كثير، أم كانوا من نَقَلَةِ التفسير كعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وهؤلاء قد أطبقوا على روايتها بلا نكير، مع علمهم التام بما فيها من الضعف. ولا يقال كما قد قال من قال: إن منهج الإمام الطبري في هذه الروايات الإسناد" إلخ.
وأقول: جملة مسلمة في صدرها، نعم خرجوا أو أوردوا تلك المرويات من قبيل ما سبق التمثيل به لا من قبيل روايات الكلبي التي ندر تخريجها أو عُدم في هذه الكتب، إنما هي الروايات التي تعود علل أسانيدها إلى الضعف من قبل الحفظ تارة كتفسير عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، وعطيَّة العوفي، أو من جهة الإرسال كتفسير الضحاك وعلي بن أبي طلحة. أما القول: (مع علمهم التام بضعفها) ففي هذا نظر أن يطلق في حق جميعهم دون تنصيص أو وقوف بين على عباراتهم المفيدة للعلم، فيمكن تسليم أن يكون الشأن كذلك في ابن أبي حاتم مثلاً، لكنه لا يسلم في عبد بن حميد الذي عرف عنه الحفظ ولم يعرف بالاعتناء بتمييز النقلة.
كذلك العبارة الأخيرة التي حكاها الشيخ عن بعضهم في أن ابن جرير كان يسند، ومن أسند فقد أحالك. فهي صحيحة في شأن أسانيد ابن جرير، فإنه لا يخفى على ناظر في الكتاب معالج له أن ابن جرير لم يكن ينتهج نقد الأسانيد، إنما كان يذكر كل ما وقف عليه من مذاهب قيلت قبله في تفسير الآية أو النص، ويسندها إلى أصحابها، ثم ينقد الرأي لا ينقد السند، ويختار من بينها ما يرجحه بالنظر والاستدلال لنفسه، لأن العبرة عنده وعند غيره ممن يستعمل الآثار بالمعاني ودلالاتها، لذا فإنه يقبل المعنى الصحيح دون مراعاة النقل ولا من قاله ممن يجوز على قوله الخطأ والصواب؛ لذا فربما رجح الرأي المنقول بالإسناد الضعيف على الرأي المنقول بالإسنادِ الصحيح. والمقصود: أن الإسناد بالنسبة له كان غير معني أصلاً بالنظر والتحقيق. ولم يكن العلم بمنهج ابن جرير هذا محتاجاً إلى التنصيص عليه من قبله ليصح القول به؛ لوضوحه من كتابه.
3 – استدل الشيخ بما جاء عن بعض أئمة الحديث في التسهل في حكاية الضعيف، وهذا لست أطيل بالتعليق برأيي فيه، إذ يمكن أن يراجع في كتابي "تحرير علوم الحديث" (2/1108) وإنما أزيد هنا القول:
لا ينبغي أن ينازع الشيخ الطيار وفقه الله في أن التشديد في نقد أسانيد التفسير لا ينبغي أن يكون كما يطلب في نقد أسانيد الحلال والحرام، لكن ذلك مشروط باعتبار نسبة الضعف التي يلغي مثلها اعتبار روايات مثل مقاتل والكلبي في التفسير.
كما ينبغي أن يراعى أن التساهل في النقل والحكاية غير الاعتماد.
وما حكاه عن الإمام يحيى القطان صواب في النقل عن هؤلاء وحكاية كلامهم، وليس فيه الاعتماد عليهم، وهؤلاء الممثل بهم في كلام يحيى ترك هو نفسه الرواية عن جميعهم، وإنما يعني أن بعض الأئمة كتب عنهم، والكتابة في مجردها ليست اعتماداً، فهذا الثوري كتب عن محمد بن السائب الكلبي ومع ذلك كان يقول: "عجباً لمن يروي عن الكلبي"، قال ابن أبي حاتم: فذكرته لأبي وقلت: إن الثوري قد روى عنه، قال: "كلا لا يقصد الرواية عنه ويحكي حكاية تعجباً فيعلقه من حضره ويجعلونه رواية عنه".
وأقول أيضاً: في عبارة يحيى القطان "هؤلاء لا يحمد حديثهم ويكتب التفسير عنهم" ما يدل على أن الذي يكتب إنما هو كلاهم هم في التفسير، لا ما يحدثون به عن غيرهم. وهذا لا إشكال فيه، فقد يكون فيه من البيان للقرآن من قبل المعتني به ما يزيل اللبس عنه، كما تعتمد مفردات اللغويين في بيان معانيه.
وليس من هذا سبب نزول، ولا قول لا يجري في مثله الاجتهاد، ولا رأي أفاد حكماً أو اعتقاداً، ولا رأي يحكى على خلاف الثابت، فهذا كله مقدوح فيه من جهة القدح في ناقله أو حاكيه، والمنقول منه بابه باب الحديث الذي يجانب فيه النقل عن هذا الصنف، وإن ذكر وجب ذكره مع البيان.
4 – ذكر الشيخ تفريق نقاد الحديث في شأن عدد من النقلة بين نقلهم للحديث واعتنائهم بعلم سواه، فيوثَّق أحدهم في فنه ويكون مجروحاً في الحديث مثلاً، وذكر أمثلة.
وجميع ما ذكره لا ينازع في صحته حتى انتهى إلى ذكر ورش الراوي عن نافع، ثم قال: (فإذا كان ذلك واضحًا في علمِ القراءةِ، فإن علم التفسير لم يوجد له كتبٌ تخصُّ طبقات المفسرين وتنقدُ روايتهم على وجه الخصوصِ، بخلاف ما وُجِدَ من علم القراءة الذي تميَّزَ تميُّزًا واضحًا عند الترجمة لأحد القراء كما تلاحظُ في الأمثلة السابقةِ. ولذا لا تجد في الكلام عن المفسرين سوى الإشارة إلى أنهم مفسرون دون التنبيه على إمامتهم فيه وضعفهم في غيره كما هو الحال في نقد القراء، وإذا قرأت في تراجم المحدثين ستجد مثل هذه العبارات: (المفسر، صاحب التفسير).
وأقول: ثم مثل بأمثلة جميعها ليس فيها غير أن الشخص كان مفسراً أو صاحب تفسير، وهذا في التحقيق لا يدل على شيء مما قدم له الشيخ أن الشخص يكون غير قوي في الحديث مع ثقته وإتقانه في فن آخر، فمجرد وصف أحدهم بكونه كان صاحب تفسير لا يعني أكثر من كونه كان له مؤلف فيه، أو أنه نقله أو نقل صحيفة فيه عن غيره. وليس في هذا تعديل ولا من وجه من الوجوه في فن التفسير. نعم هي زيادة وصف له تعني اعتناءه بهذا الفن، لكن أين في هذا ما يفيد للاعتماد عليه؟ ما هذا إلا كما يقال في آخر: (صاحب تاريخ)، فهذا لا يغني في الاعتماد عليه في التاريخ دون النظر في أهليته.
5 – قال الشيخ: (ولعلَّ مما يبيح تساهل التعامل مع أسانيد المفسرين من جهة الإسناد أن كثيرًا من روايات التفسير روايات كتبٍ، وليست روايات تلقين وحفظٍ؛ لأنك لا تكاد تجد اختلافًا بين ما رواه نقلة هذه المرويات بهذه الأسانيد).
وأقول: رواية الكتاب تحتاج إلى الثبوت كما تحتاجها رواية الحفظ سواء، والصحيفة إذا انتهت مثلاً إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فقد أتساهل مع أبي صالح كاتب الليث راويها وأقول روى كتاباً، وآخر لا يقبل في الأصل معاوية بن صالح، يتساهل معه في هذا لأنه كتاب، حتى يصل إلى علي بن أبي طلحة، فيقول: من أين له هذا عن ابن عباس، وهو لم يسمع منه؟ وكيف الصنيع بقول كقول أحمد بن صالح المصري حين سئل: "علي بن أبي طلحة ممن سمع التفسير؟ قال: من لا أحد"؟ أترى وجد تلك النسخة إن كانت كذلك عند آل ابن عبَّاسٍ؟ أم أخذها من بعض أصحابه؟ أم على قارعة الطريق؟ من بينه وبين ابن عباس فيها؟
والمقصود أن كونها نسخة لا يعطيها ميزة للقبول، إنما الكتاب الصحيح ميزة لقبول رواية من لم يكن متقن الحفظ إذا حدث منه، وليس هذا من ذاك.
6 – قال الشيخ: (اشتهر بعض هؤلاء الأعلام في التفسير إما رواية وإما دراية، ويجب أن لا ينجرَّ الحكم عليه في مجال الرواية إلى مجال الدراية، بل التفريق بين الحالين هو الصواب، فتضعيف مفسر من جهة الرواية لا يعني تضعيفه من جهة الرأي والدراية، لذا يبقى لهم حكم المفسرين المعتبرين، ويحاكم قولهم من جهة المعنى، فإن كان فيه خطأ رُدَّ، وإن كان صوابًا قُبِلَ. إذا تأمَّلت هذه المسألة تأمُّلاً عقليًّا، فإنَّه سيظهر لك أنَّ الرأي لا يوصف بالكذب إنما يوصف بالخطأ، فأنت تناقش قول فلان من جهة صحته وخطئه في المعنى، لا من جهة كونه كاذبًا أو صادقًا؛ لأن ذلك ليس مقامه، وهذا يعني أنَّك لا ترفضُ هذه الآراء من جهة كون قائلها كذابًا في الرواية، إنما من جهة خطئها في التأويلِ).
أقول: هذا الكلام دقيق غاية، وحسن جداً، وأوافق الشيخ عليه دون تردد، لكني لا أقبل وصفه من بعدِ أن مثَّل بالكلبي ومقاتل في آخرين خير منهما من ضعفاء المفسرين: (هم من أعلام مفسري السلف) فهذا وصف لا يخلو من اعتبار القدوة، ووالله ما مثل الكلبي ومقاتل يصلحان ههنا.
ومثَّل الشيخ بمثال أخذه على الشيخ حكمت بشير، وهو مثال جيد، وأنا أوافق الشيخ الطيار على ما قال.
7 – هذه النقطة السابعة أوافق الشيخ الطيار على ما ذكر فيها في أنه لا ينبغي اطراح ما في كتب التفسير من النقل تشدداً في نقل الأسانيد، لكني أقول: فيما كان من قبيل ما ذكر في الفقرة السابقة، وممن لم يوصف بالكذب من الضعفاء.
فإننا نستغني عن كلام مقاتل والكلبي ونستفيد من كلام سائر من حكي عنه التفسير من السلف، والثقات فضلاً عن الضعفاء فيهم كثر، فأين تفسير مجاهد؟ وأين الأسانيد الثابتة عن ابن عباس؟ وأين تفسير السدِّي؟ في ذلك تركة كبيرة وخير كثير. وهذا ابن جرير ما أعظم تفسيره، وما أقل ما أخرجه لصنف الكلبي؟
كذلك يجب اعتبار الفصل بين تفسير أحدهم، وبين نقله، فالنقل تجري فيه قواعد النقد، ويمكن أن يقع فيه التسهل، لكن بالنظر إلى ما يرجع إليه نوع ذلك النقل، فإن كان منتهاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفد حكماً جرت فيه شروط التخفيف في رواية الضعيف، وإن أفاد حكماً فلا والله حتى يثبت النقل دون شبهة، وإن انتهى إلى الصحابة كابن عباس وغيره فلا يخلو من أن يكون بيان لفظ فلا إشكال في قبوله ويكون من قبيل الرأي، وإن كان سبب نزول ولم يفد حكماً أمكن التسهل فيه، أما إن كان مثله لا يقال بالرأي فحكمه حكم الحديث المرفوع.
فهذا إن أتينا عليه على هذا الوجه خلص لنا منه تفسير كبير لكتاب الله، وهو الذي نجده في المأثور بحمد الله.
ثم ما ذكره الشيخ حتى الفقرة العاشرة في كلامه صحيح لا إشكال فيه.
هذه إشارات والله المستعان.
وكتب
عبدالله بن يوسف الجديع
في 17/4/1426
الموافق 25/5/2005
فقد كتب الدكتور الفاضل مساعد الطيار حفظه الله مقالا حول أسانيد التفسير وكيفية التعامل معها فقرأت المقال وراسلت الشيخ الفاضل عبد الله الجديع حفظه الله وطلبت منه رأيه في هذا الموضوع وأرسلت إليه رابط مقال الدكتور مساعد فقرأ الشيخ المقال وأرسل إلي بتعليقاته فأرسلت بها للدكتور مساعد فسر بها وأشار إلى أنه استفاد منها وقال إن تعليقاته نفيسة وفيها فائدة وخير كثير وأكد الشيخ مساعد علي في ضرورة نشرها لتعم الفائدة ولعل بعض الأعضاء يشارك بما يفيد.
فأسأل الله أن يحفظ الشيخين ويبارك في علمهما وينفع بهما وهذ هو رابط كلام الدكتور مساعد
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=244&highlight=%C3%D3%C7%E4%ED%CF+%C7%E1%CA%DD%D3%ED%D1
وهذه تعليقات الشيخ الجديع على المقال دون زيادة أو نقص
بسم الله الرحمن الرحيم
ملاحظات على مقال منشور في موقع (ملتقى أهل التفسير) باسم الشيخ الفاضل مساعد الطيار ومعنون بـ(صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما).
أقول أولاً وقد قرأت المقال:
صوَّر الشيخ الكريم النظر في أمر أسانيد التفسير ونقدها بين المعاصرين والسابقين، أن المعاصرين يتشددون، والسابقين لم يكونوا كذلك.
وأقول: إن عنى بالمعاصرين من اعتنى بعلم التفسير فهؤلاء فيما أعلم يستقون من جميع ما قيل قبلهم دون مراعاة للأسانيد أصلاً حتى في المرفوع في كثير من الأحيان. وإن عنى من تعرض لدراسة أسانيد التفسير فهذا ينقدها من جهة الأسانيد بحسب الصناعة الحديثية، دون التعرض غالباً إلى شأن الاعتداد بها أو عدمه في فهم القرآن، كصنيع الشيخ المحقق أحمد شاكر في نقد أسانيد "تفسير الطبري" مثلاً، ومن إخواننا الشيخ العالم سعد الحميد في تعليقه على القطعة التي نشرها من "سنن سعيد" في التفسير، والشيخ الفاضل حكمت بشير، وغيرهم.
والصناعة الحديثية تأبى أن تجعل جويبراً مثلاً ثقة، والضحاك عن ابن عباس متصلاً، هذا ما لا يصح في العلم بعد ثبوت ضده، وإنما أن يكون التسهيل في قبول تلك الأخبار واستعمالها فهذا باب آخر.
والواقع أن الجميع إذا جاء مقام التمحيص والاستدلال لا يقبل إلا ما يدل عليه عنده النظر الصحيح.
وهذه ملاحظات بدت لي حول مقال الشيخ الطيار وفقه الله:
قال: (والظاهر أن الاستفادة من هذه المرويات، وعدم التشدد في نقدها إسنادياً هو الصواب) ثم استدل لذلك بوجوه هي باختصار كالتالي:
1 - أنه لا يكاد يوجد مفسر اطرح هذه الروايات جملة بل قد يطرح بعضها لعدم صحتها عنده.
وأقول: هذا صحيح، وهو دليل على أن القبول عندما وقع فلمعنى لا يؤثر فيه جرح الناقل، كموافقة لأصل اللسان مثلاً، أو موافقة للدلالات العامة للقرآن، أو لمقاصد الدين، أو لكلام آخرين وبيانهم من المفسرين، فهو معتضد، لكنه ربما رده في حال أخرى.
وهذا القول من الشيخ ذاته دليل على أن نقد الرواية في التفسير كان مستعملاً عند أولئك المفسرين.
وإن كان التمثيل الذي مثل به كان غيره أولى منه، لأنه لا يصح أن يجعل من طريقة ابن مردويه مثلاً مقياساً لمنهج المفسرين حين وقع من مثله إيراد روايات هذا الإسناد، فمعروفٌ أن تفسير الكلبي كبير تندر آية لم يحك عنه فيها شيء، وترى ابنَ جرير لم يورد عنه إلا الحرف بعد الحرف، وفي أكثر ما يورده أن يكون قوله تابعاً، أو مرجوحاً عندَ ابنِ جرير، وهذا ابن أبي حاتم وهو أدق نظراً في الاختيار قد جانب تفسير الكلبي، فالتمثيل به ضعيف يبالغ في تسهيل شأنه، وحين سئل أحمد بن حنبل عنه قال: "من أوله إلى آخره كذب. فقيل له: فيحل النظر فيه؟ قال: لا". ويحيى بن معين كان يقول: "كتاب ينبغي أن يدفن". فتأمل!
إنما يصلح له التمثيل بروايات عطية العوفي والضحاك بن مزاحم وابن أسلم، وشبهها.
2 – ذكر أن المفسرين اعتمدوا اعتمادًا واضحًا على هذه المرويات، سواءً أكانوا من المحررين فيه كالإمام الطبري وابن كثير، أم كانوا من نَقَلَةِ التفسير كعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وهؤلاء قد أطبقوا على روايتها بلا نكير، مع علمهم التام بما فيها من الضعف. ولا يقال كما قد قال من قال: إن منهج الإمام الطبري في هذه الروايات الإسناد" إلخ.
وأقول: جملة مسلمة في صدرها، نعم خرجوا أو أوردوا تلك المرويات من قبيل ما سبق التمثيل به لا من قبيل روايات الكلبي التي ندر تخريجها أو عُدم في هذه الكتب، إنما هي الروايات التي تعود علل أسانيدها إلى الضعف من قبل الحفظ تارة كتفسير عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، وعطيَّة العوفي، أو من جهة الإرسال كتفسير الضحاك وعلي بن أبي طلحة. أما القول: (مع علمهم التام بضعفها) ففي هذا نظر أن يطلق في حق جميعهم دون تنصيص أو وقوف بين على عباراتهم المفيدة للعلم، فيمكن تسليم أن يكون الشأن كذلك في ابن أبي حاتم مثلاً، لكنه لا يسلم في عبد بن حميد الذي عرف عنه الحفظ ولم يعرف بالاعتناء بتمييز النقلة.
كذلك العبارة الأخيرة التي حكاها الشيخ عن بعضهم في أن ابن جرير كان يسند، ومن أسند فقد أحالك. فهي صحيحة في شأن أسانيد ابن جرير، فإنه لا يخفى على ناظر في الكتاب معالج له أن ابن جرير لم يكن ينتهج نقد الأسانيد، إنما كان يذكر كل ما وقف عليه من مذاهب قيلت قبله في تفسير الآية أو النص، ويسندها إلى أصحابها، ثم ينقد الرأي لا ينقد السند، ويختار من بينها ما يرجحه بالنظر والاستدلال لنفسه، لأن العبرة عنده وعند غيره ممن يستعمل الآثار بالمعاني ودلالاتها، لذا فإنه يقبل المعنى الصحيح دون مراعاة النقل ولا من قاله ممن يجوز على قوله الخطأ والصواب؛ لذا فربما رجح الرأي المنقول بالإسناد الضعيف على الرأي المنقول بالإسنادِ الصحيح. والمقصود: أن الإسناد بالنسبة له كان غير معني أصلاً بالنظر والتحقيق. ولم يكن العلم بمنهج ابن جرير هذا محتاجاً إلى التنصيص عليه من قبله ليصح القول به؛ لوضوحه من كتابه.
3 – استدل الشيخ بما جاء عن بعض أئمة الحديث في التسهل في حكاية الضعيف، وهذا لست أطيل بالتعليق برأيي فيه، إذ يمكن أن يراجع في كتابي "تحرير علوم الحديث" (2/1108) وإنما أزيد هنا القول:
لا ينبغي أن ينازع الشيخ الطيار وفقه الله في أن التشديد في نقد أسانيد التفسير لا ينبغي أن يكون كما يطلب في نقد أسانيد الحلال والحرام، لكن ذلك مشروط باعتبار نسبة الضعف التي يلغي مثلها اعتبار روايات مثل مقاتل والكلبي في التفسير.
كما ينبغي أن يراعى أن التساهل في النقل والحكاية غير الاعتماد.
وما حكاه عن الإمام يحيى القطان صواب في النقل عن هؤلاء وحكاية كلامهم، وليس فيه الاعتماد عليهم، وهؤلاء الممثل بهم في كلام يحيى ترك هو نفسه الرواية عن جميعهم، وإنما يعني أن بعض الأئمة كتب عنهم، والكتابة في مجردها ليست اعتماداً، فهذا الثوري كتب عن محمد بن السائب الكلبي ومع ذلك كان يقول: "عجباً لمن يروي عن الكلبي"، قال ابن أبي حاتم: فذكرته لأبي وقلت: إن الثوري قد روى عنه، قال: "كلا لا يقصد الرواية عنه ويحكي حكاية تعجباً فيعلقه من حضره ويجعلونه رواية عنه".
وأقول أيضاً: في عبارة يحيى القطان "هؤلاء لا يحمد حديثهم ويكتب التفسير عنهم" ما يدل على أن الذي يكتب إنما هو كلاهم هم في التفسير، لا ما يحدثون به عن غيرهم. وهذا لا إشكال فيه، فقد يكون فيه من البيان للقرآن من قبل المعتني به ما يزيل اللبس عنه، كما تعتمد مفردات اللغويين في بيان معانيه.
وليس من هذا سبب نزول، ولا قول لا يجري في مثله الاجتهاد، ولا رأي أفاد حكماً أو اعتقاداً، ولا رأي يحكى على خلاف الثابت، فهذا كله مقدوح فيه من جهة القدح في ناقله أو حاكيه، والمنقول منه بابه باب الحديث الذي يجانب فيه النقل عن هذا الصنف، وإن ذكر وجب ذكره مع البيان.
4 – ذكر الشيخ تفريق نقاد الحديث في شأن عدد من النقلة بين نقلهم للحديث واعتنائهم بعلم سواه، فيوثَّق أحدهم في فنه ويكون مجروحاً في الحديث مثلاً، وذكر أمثلة.
وجميع ما ذكره لا ينازع في صحته حتى انتهى إلى ذكر ورش الراوي عن نافع، ثم قال: (فإذا كان ذلك واضحًا في علمِ القراءةِ، فإن علم التفسير لم يوجد له كتبٌ تخصُّ طبقات المفسرين وتنقدُ روايتهم على وجه الخصوصِ، بخلاف ما وُجِدَ من علم القراءة الذي تميَّزَ تميُّزًا واضحًا عند الترجمة لأحد القراء كما تلاحظُ في الأمثلة السابقةِ. ولذا لا تجد في الكلام عن المفسرين سوى الإشارة إلى أنهم مفسرون دون التنبيه على إمامتهم فيه وضعفهم في غيره كما هو الحال في نقد القراء، وإذا قرأت في تراجم المحدثين ستجد مثل هذه العبارات: (المفسر، صاحب التفسير).
وأقول: ثم مثل بأمثلة جميعها ليس فيها غير أن الشخص كان مفسراً أو صاحب تفسير، وهذا في التحقيق لا يدل على شيء مما قدم له الشيخ أن الشخص يكون غير قوي في الحديث مع ثقته وإتقانه في فن آخر، فمجرد وصف أحدهم بكونه كان صاحب تفسير لا يعني أكثر من كونه كان له مؤلف فيه، أو أنه نقله أو نقل صحيفة فيه عن غيره. وليس في هذا تعديل ولا من وجه من الوجوه في فن التفسير. نعم هي زيادة وصف له تعني اعتناءه بهذا الفن، لكن أين في هذا ما يفيد للاعتماد عليه؟ ما هذا إلا كما يقال في آخر: (صاحب تاريخ)، فهذا لا يغني في الاعتماد عليه في التاريخ دون النظر في أهليته.
5 – قال الشيخ: (ولعلَّ مما يبيح تساهل التعامل مع أسانيد المفسرين من جهة الإسناد أن كثيرًا من روايات التفسير روايات كتبٍ، وليست روايات تلقين وحفظٍ؛ لأنك لا تكاد تجد اختلافًا بين ما رواه نقلة هذه المرويات بهذه الأسانيد).
وأقول: رواية الكتاب تحتاج إلى الثبوت كما تحتاجها رواية الحفظ سواء، والصحيفة إذا انتهت مثلاً إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فقد أتساهل مع أبي صالح كاتب الليث راويها وأقول روى كتاباً، وآخر لا يقبل في الأصل معاوية بن صالح، يتساهل معه في هذا لأنه كتاب، حتى يصل إلى علي بن أبي طلحة، فيقول: من أين له هذا عن ابن عباس، وهو لم يسمع منه؟ وكيف الصنيع بقول كقول أحمد بن صالح المصري حين سئل: "علي بن أبي طلحة ممن سمع التفسير؟ قال: من لا أحد"؟ أترى وجد تلك النسخة إن كانت كذلك عند آل ابن عبَّاسٍ؟ أم أخذها من بعض أصحابه؟ أم على قارعة الطريق؟ من بينه وبين ابن عباس فيها؟
والمقصود أن كونها نسخة لا يعطيها ميزة للقبول، إنما الكتاب الصحيح ميزة لقبول رواية من لم يكن متقن الحفظ إذا حدث منه، وليس هذا من ذاك.
6 – قال الشيخ: (اشتهر بعض هؤلاء الأعلام في التفسير إما رواية وإما دراية، ويجب أن لا ينجرَّ الحكم عليه في مجال الرواية إلى مجال الدراية، بل التفريق بين الحالين هو الصواب، فتضعيف مفسر من جهة الرواية لا يعني تضعيفه من جهة الرأي والدراية، لذا يبقى لهم حكم المفسرين المعتبرين، ويحاكم قولهم من جهة المعنى، فإن كان فيه خطأ رُدَّ، وإن كان صوابًا قُبِلَ. إذا تأمَّلت هذه المسألة تأمُّلاً عقليًّا، فإنَّه سيظهر لك أنَّ الرأي لا يوصف بالكذب إنما يوصف بالخطأ، فأنت تناقش قول فلان من جهة صحته وخطئه في المعنى، لا من جهة كونه كاذبًا أو صادقًا؛ لأن ذلك ليس مقامه، وهذا يعني أنَّك لا ترفضُ هذه الآراء من جهة كون قائلها كذابًا في الرواية، إنما من جهة خطئها في التأويلِ).
أقول: هذا الكلام دقيق غاية، وحسن جداً، وأوافق الشيخ عليه دون تردد، لكني لا أقبل وصفه من بعدِ أن مثَّل بالكلبي ومقاتل في آخرين خير منهما من ضعفاء المفسرين: (هم من أعلام مفسري السلف) فهذا وصف لا يخلو من اعتبار القدوة، ووالله ما مثل الكلبي ومقاتل يصلحان ههنا.
ومثَّل الشيخ بمثال أخذه على الشيخ حكمت بشير، وهو مثال جيد، وأنا أوافق الشيخ الطيار على ما قال.
7 – هذه النقطة السابعة أوافق الشيخ الطيار على ما ذكر فيها في أنه لا ينبغي اطراح ما في كتب التفسير من النقل تشدداً في نقل الأسانيد، لكني أقول: فيما كان من قبيل ما ذكر في الفقرة السابقة، وممن لم يوصف بالكذب من الضعفاء.
فإننا نستغني عن كلام مقاتل والكلبي ونستفيد من كلام سائر من حكي عنه التفسير من السلف، والثقات فضلاً عن الضعفاء فيهم كثر، فأين تفسير مجاهد؟ وأين الأسانيد الثابتة عن ابن عباس؟ وأين تفسير السدِّي؟ في ذلك تركة كبيرة وخير كثير. وهذا ابن جرير ما أعظم تفسيره، وما أقل ما أخرجه لصنف الكلبي؟
كذلك يجب اعتبار الفصل بين تفسير أحدهم، وبين نقله، فالنقل تجري فيه قواعد النقد، ويمكن أن يقع فيه التسهل، لكن بالنظر إلى ما يرجع إليه نوع ذلك النقل، فإن كان منتهاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفد حكماً جرت فيه شروط التخفيف في رواية الضعيف، وإن أفاد حكماً فلا والله حتى يثبت النقل دون شبهة، وإن انتهى إلى الصحابة كابن عباس وغيره فلا يخلو من أن يكون بيان لفظ فلا إشكال في قبوله ويكون من قبيل الرأي، وإن كان سبب نزول ولم يفد حكماً أمكن التسهل فيه، أما إن كان مثله لا يقال بالرأي فحكمه حكم الحديث المرفوع.
فهذا إن أتينا عليه على هذا الوجه خلص لنا منه تفسير كبير لكتاب الله، وهو الذي نجده في المأثور بحمد الله.
ثم ما ذكره الشيخ حتى الفقرة العاشرة في كلامه صحيح لا إشكال فيه.
هذه إشارات والله المستعان.
وكتب
عبدالله بن يوسف الجديع
في 17/4/1426
الموافق 25/5/2005