أبو خالد السلمي
New member
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فإن تعريف ( القراءات ) تعريفا يسلم من الانتقادات أمر عسير ، للتداخل بين القراءات ذاتها وبين (علم القراءات) كعلم له اصطلاحاته وحدوده ، ولأن علم القراءات مشتمل على بعض العلوم كالتجويد ، وعلى أبواب ومباحث كثيرة من شتى علوم القرآن وعلوم اللغة العربية ، وغيرها
القراءات لغة : جمع قراءة ، وهي مصدر الفعل قرأ ، وقرأت الشيء أي جمعته وضممت بعضه إلى بعض ، قال ابن الأثير : كل شيء جمعته فقد قرأته ، وسمي القرآن قرآنا لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض . (1) وقال الرازي : قرأ الكتاب قراءة وقرآنا بالضم ، وقرأ الشيء قرآنا بالضم أيضا جمعه وضمه ، وقوله تعالى : ( إن علينا جمعه وقرآنه ) (2) أي قراءته ، وفلان قرأ عليك السلام وأقرأك السلام بمعنى . (3)
وأما تعريف القراءات اصطلاحا فقد عرفها جماعة من الأئمة ، ومن أبرز التعريفات ما يلي :
1- تعريف أبي حيان الأندلسي فقد عرفها بأنها : "علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن " (4)
2 - تعريف بدر الدين الزركشي ، قال : " القرآن هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز ، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفياتها من تخفيف وتثقيل وغيرها " (5)
3 - تعريف ابن الجزري ، قال : " علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة " (6)
4 - تعريف عبد الفتاح القاضي ، قال : " علم يعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية ، وطريق أدائها اتفاقا واختلافا ، مع عزو كل وجه إلى ناقله . " (7)
وخلاصة هذه التعريفات وما قاربها أن علم القراءات علم يشتمل على ما يلي :
1 - كيفية النطق بألفاظ القرآن .
2 - كيفية كتابة ألفاظ القرآن .
3 - مواضع اتفاق نقلة القرآن ، ومواضع اختلافهم .
4 - عزو كل كيفية من كيفيات أداء القرآن إلى ناقلها .
5 - تمييز ما صح متواترا أو آحادا مما لم يصح مما روي على أنه قرآن .
ويلاحظ على هذه التعريفات أن بعضها عرف القراءات بنفس تعريف علمي التجويد والرسم ، مع أن الصواب هو أن علم القراءات يشتمل على أكثر مباحث علمي التجويد والرسم فهو أعم منهما ، وكذلك يلاحظ عليها الخلط بين القرآن بقراءاته وبين القراءات كعلم ، ولأجل هذا قصرت بعض التعريفات القراءات على مواضع الاختلاف كتعريف الزركشي ، بينما شملت التعريفات الأخرى مواضع الاتفاق ومواضع الاختلاف ، ولعل هذا هو الصواب ، لأنك عندما تقول قراءة نافع أو قراءة عاصم لا تعني بها المواضع التي خالف فيها غيره فقط ، وإنما تعني بها قراءته للقرآن كله ما وافق فيه وما خالف ، وكذلك يلاحظ على هذه التعريفات أنها لم تميز بين التقسيمات الاصطلاحية لنقلة القرآن المتعارف عليها بين القراء ، فمنهم من يسمى نقله قراءة ، ومنهم من يسمى نقله رواية ، ومنهم من يسمى نقله طريقا ، ومنهم من يسمى نقله وجها .(8)
هذا، وقد أورد فضيلة الدكتور محمد بن عمر بازمول عددامن تعاريف القراءات ، وبعض الملاحظات التي مر ذكرها ، ثم حاول هو أن يعرف القراءات تعريفا يسلم مما لوحظ على تعريفات السابقين فعرّف علم القراءات بثلاثة تعريفات فقال : " تعريف القراءات كعلم مدون هو :
1- مجموع المسائل المتعلقة باختلاف الناقلين لكتاب الله تعالى ، في الحذف والإثبات ، والتحريك والإسكان ، والفصل والوصل ، وغير ذلك من هيئة النطق والإبدال من حيث السماع
2- أو : مجموع المسائل المتعلقة باختلاف الناقلين لكتاب الله تبارك وتعالى من جهة اللغة والإعراب ، والحذف والإثبات ، والفصل والوصل ، من حيث النقل
3- أو : مجموع المسائل المتعلقة بالنطق بالكلمات القرآنية، وطريق أدائها اتفاقا واختلافا مع عزو كل وجه لناقله ".(9)
قلت _ وبالله التوفيق _ : يلاحظ على التعريفين الأولين اقتصارهما على مواضع الاختلاف ، وأن التعريف الأول لم يصن عن الإسهاب فقد فصل بعض أوجه الاختلاف ثم قال : وغير ذلك ، فلم يكن لما فصّله داع ٍ، وفي التعريف الثاني حصر أوجه الاختلاف في اللغة والإعراب والحذف والإثبات والفصل والوصل ، وفي رأيي أن هذا التعريف غير جامع ، لأن أوجه الاختلاف لا تنحصر فيما ذكره ، فمنها المد والقصر ، فإن قيل المد والقصر داخل في اللغة والإعراب ، فكذلك الحذف والإثبات والفصل والوصل داخل في اللغة والإعراب ، وأما التعريف الثالث فغير مانع من دخول علوم اللغة العربية كالنحو والصرف في تعريف علم القراءات ، والتعريف المختار للقراءات من وجهة نظري _ وأطرحه أمامكم للمناقشة طمعا في الفوز بتوجيهكم وتعقباتكم عليه حتى نحاول الوصول إلى أسلم التعريفات _ هو :" علم يبحث في كيفية النطق بألفاظ القرآن وكتابتها ومواضع اتفاق نقلتها ومواضع اختلافهم مع عزو ذلك إلى ناقله وتمييز متواتره من آحاده وصحيحه مما لم يصح مما روي على أنه قرآن" . والله أعلم
___________________________________
(1) النهاية في غريب الحديث 4/30
(2) القيامة : 17
(3) مختار الصحاح 220
(4) البحر المحيط 1/14
(5) البرهان 1/318
(6) منجد المقرئين 3
(7) البدور الزاهرة 7
(8) انظر البدور الزاهرة 10
(9) القراءات وأثرها 1/112
فإن تعريف ( القراءات ) تعريفا يسلم من الانتقادات أمر عسير ، للتداخل بين القراءات ذاتها وبين (علم القراءات) كعلم له اصطلاحاته وحدوده ، ولأن علم القراءات مشتمل على بعض العلوم كالتجويد ، وعلى أبواب ومباحث كثيرة من شتى علوم القرآن وعلوم اللغة العربية ، وغيرها
القراءات لغة : جمع قراءة ، وهي مصدر الفعل قرأ ، وقرأت الشيء أي جمعته وضممت بعضه إلى بعض ، قال ابن الأثير : كل شيء جمعته فقد قرأته ، وسمي القرآن قرآنا لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض . (1) وقال الرازي : قرأ الكتاب قراءة وقرآنا بالضم ، وقرأ الشيء قرآنا بالضم أيضا جمعه وضمه ، وقوله تعالى : ( إن علينا جمعه وقرآنه ) (2) أي قراءته ، وفلان قرأ عليك السلام وأقرأك السلام بمعنى . (3)
وأما تعريف القراءات اصطلاحا فقد عرفها جماعة من الأئمة ، ومن أبرز التعريفات ما يلي :
1- تعريف أبي حيان الأندلسي فقد عرفها بأنها : "علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن " (4)
2 - تعريف بدر الدين الزركشي ، قال : " القرآن هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز ، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفياتها من تخفيف وتثقيل وغيرها " (5)
3 - تعريف ابن الجزري ، قال : " علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة " (6)
4 - تعريف عبد الفتاح القاضي ، قال : " علم يعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية ، وطريق أدائها اتفاقا واختلافا ، مع عزو كل وجه إلى ناقله . " (7)
وخلاصة هذه التعريفات وما قاربها أن علم القراءات علم يشتمل على ما يلي :
1 - كيفية النطق بألفاظ القرآن .
2 - كيفية كتابة ألفاظ القرآن .
3 - مواضع اتفاق نقلة القرآن ، ومواضع اختلافهم .
4 - عزو كل كيفية من كيفيات أداء القرآن إلى ناقلها .
5 - تمييز ما صح متواترا أو آحادا مما لم يصح مما روي على أنه قرآن .
ويلاحظ على هذه التعريفات أن بعضها عرف القراءات بنفس تعريف علمي التجويد والرسم ، مع أن الصواب هو أن علم القراءات يشتمل على أكثر مباحث علمي التجويد والرسم فهو أعم منهما ، وكذلك يلاحظ عليها الخلط بين القرآن بقراءاته وبين القراءات كعلم ، ولأجل هذا قصرت بعض التعريفات القراءات على مواضع الاختلاف كتعريف الزركشي ، بينما شملت التعريفات الأخرى مواضع الاتفاق ومواضع الاختلاف ، ولعل هذا هو الصواب ، لأنك عندما تقول قراءة نافع أو قراءة عاصم لا تعني بها المواضع التي خالف فيها غيره فقط ، وإنما تعني بها قراءته للقرآن كله ما وافق فيه وما خالف ، وكذلك يلاحظ على هذه التعريفات أنها لم تميز بين التقسيمات الاصطلاحية لنقلة القرآن المتعارف عليها بين القراء ، فمنهم من يسمى نقله قراءة ، ومنهم من يسمى نقله رواية ، ومنهم من يسمى نقله طريقا ، ومنهم من يسمى نقله وجها .(8)
هذا، وقد أورد فضيلة الدكتور محمد بن عمر بازمول عددامن تعاريف القراءات ، وبعض الملاحظات التي مر ذكرها ، ثم حاول هو أن يعرف القراءات تعريفا يسلم مما لوحظ على تعريفات السابقين فعرّف علم القراءات بثلاثة تعريفات فقال : " تعريف القراءات كعلم مدون هو :
1- مجموع المسائل المتعلقة باختلاف الناقلين لكتاب الله تعالى ، في الحذف والإثبات ، والتحريك والإسكان ، والفصل والوصل ، وغير ذلك من هيئة النطق والإبدال من حيث السماع
2- أو : مجموع المسائل المتعلقة باختلاف الناقلين لكتاب الله تبارك وتعالى من جهة اللغة والإعراب ، والحذف والإثبات ، والفصل والوصل ، من حيث النقل
3- أو : مجموع المسائل المتعلقة بالنطق بالكلمات القرآنية، وطريق أدائها اتفاقا واختلافا مع عزو كل وجه لناقله ".(9)
قلت _ وبالله التوفيق _ : يلاحظ على التعريفين الأولين اقتصارهما على مواضع الاختلاف ، وأن التعريف الأول لم يصن عن الإسهاب فقد فصل بعض أوجه الاختلاف ثم قال : وغير ذلك ، فلم يكن لما فصّله داع ٍ، وفي التعريف الثاني حصر أوجه الاختلاف في اللغة والإعراب والحذف والإثبات والفصل والوصل ، وفي رأيي أن هذا التعريف غير جامع ، لأن أوجه الاختلاف لا تنحصر فيما ذكره ، فمنها المد والقصر ، فإن قيل المد والقصر داخل في اللغة والإعراب ، فكذلك الحذف والإثبات والفصل والوصل داخل في اللغة والإعراب ، وأما التعريف الثالث فغير مانع من دخول علوم اللغة العربية كالنحو والصرف في تعريف علم القراءات ، والتعريف المختار للقراءات من وجهة نظري _ وأطرحه أمامكم للمناقشة طمعا في الفوز بتوجيهكم وتعقباتكم عليه حتى نحاول الوصول إلى أسلم التعريفات _ هو :" علم يبحث في كيفية النطق بألفاظ القرآن وكتابتها ومواضع اتفاق نقلتها ومواضع اختلافهم مع عزو ذلك إلى ناقله وتمييز متواتره من آحاده وصحيحه مما لم يصح مما روي على أنه قرآن" . والله أعلم
___________________________________
(1) النهاية في غريب الحديث 4/30
(2) القيامة : 17
(3) مختار الصحاح 220
(4) البحر المحيط 1/14
(5) البرهان 1/318
(6) منجد المقرئين 3
(7) البدور الزاهرة 7
(8) انظر البدور الزاهرة 10
(9) القراءات وأثرها 1/112