تعدد القراءات وضعف دين النصارى

إنضم
18/12/2005
المشاركات
170
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المغرب
[اعتراض للنصارى على تعدد القراءات]

قال أبو محمد واعترضوا أيضا بأن قالوا:
" كيف تحققون نقلكم لكتابكم وأنتم مختلفون أشد الاختلاف في قراءتكم له وبعضكم يزيد حروفا كثيرة وبعضكم يسقطها, فهذا باب وأيضا فإنكم تروون بأسانيد عندكم في غاية الصحة أن طوائف من أصحاب نبيكم عليه السلام ومن تابعيهم الذين تعظمون وتأخذون دينكم عنهم قرؤوا القرآن بألفاظ زائدة ومبدلة لا تستحلون أنتم القراءة بها وأن مصحف عبد الله بن مسعود خلاف مصحفكم وأيضا فإن طوائف من علمائكم الذين تعظمون وتأخذون عنهم دينكم يقولون أن عثمان بن عفان أبطل قراءات كثيرة صحيحة وأسقطها إذ كتب المصحف الذي جمعكم عليه وعلى حرف واحد من الأحرف السبعة التي أنزل بها القرآن عندكم(...)".
[جواب ابن حزم]
قال أبو محمد: كل هذا لا متعلق لهم بشيء منه على ما نبين بما لا إشكال فيه على أحد من الناس وبالله التوفيق.
[1] أما قولهم أننا مختلفون في قراءة كتابنا فبعضنا يزيد حروفا وبعضنا يسقطها فليس هذا اختلافا بل هو اتفاق منا صحيح لأن تلك الحروف وتلك القراءات كلها مبلغ بنقل الكواف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها نزلت كلها عليه فأي تلك القراءات قرأنا فهي صحيحة وهي محصورة كلها مضبوطة معلومة لا زيادة فيها ولا نقص فبطل التعلق بهذا الفصل ولله تعالى الحمد.
[2] وأما قولهم أنه قد روى بأسانيد صحاح عن طائفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن التابعين الذين نعظم ونأخذ ديننا عنهم قرؤوا في القرآن قراءات لا نستحل نحن القراءة بها, فهذا حق ونحن وإن بلغنا الغاية في تعظيم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم وتقربنا إلى الله عز وجل بمحبتهم فلسنا نبعد عنهم الوهم والخطأ ولا نقلدهم في شيء مما قالوه إنما نأخذ عنهم ما أخبرونا به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو عندهم بالمشاهدة والسماع لما ثبت من عدالتهم وثقتهم وصدقهم وأما عصمتهم من الخطأ فيما قالوه برأي أو بظن فلا نقول بذلك ولو أنكم أنتم فعلتم كذلك بأحباركم وأساقفتكم الذين بينكم وبين الأنبياء عليهم السلام ما عنفنا كم بل كنتم على صواب وهدى متبعين للحق المنزل مجانبين للخطأ, لكن لم تفعلوا هكذا بل قلدتموهم في كل ما شرعوه لكم فهلكتم في الدنيا والآخرة.
وتلك القراءات التي ذكرتم إنما هي موقوفة على الصاحب أو التابع فهي ضرورة وهم من الصاحب والوهم لا يعرى منه أحد بعد الأنبياء عليهم السلام أو وهم ممن دونه في ذلك.
[3] وأما قولهم أن مصحف عبد الله ابن مسعود خلاف مصحفنا, فباطل وكذب وإفك.
مصحف عبد الله بن مسعود إنما فيه قراءته بلا شك, وقراءته هي قراءة عاصم المشهورة عند جميع أهل الإسلام في شرق الدنيا وغربها نقرأ بها كما ذكرنا وبغيرها قد صح أنه كله منزل من عند الله تعالى, فبطل تعلقهم بهذا والحمد لله رب العالمين.
[4] وأما قولهم أن طائفة من علمائنا الذين أخذنا عنهم ديننا ذكروا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه إذ كتب المصحف الذي جمع الناس عليه أسقط ستة أحرف من الأحرف المنزلة واقتصر على حرف منها فهو مما قلنا وهو ظن ظنه ذلك القائل أخطأ فيه وليس كما قال بل كل هذا باطل ببرهان كالشمس وهو أن عثمان رضي الله عنه لم يكن إلا وجزيرة العرب كلها مملوءة بالمسلمين, والمصاحف والمساجد, والقراء يعلمون الصبيان والنساء وكل من دب و هب, واليمن كلها, وهي في أيامه مدن, وقرى البحرين كذلك, وعُمَان كذلك وهي بلاد واسعة مدن وقرى وملكها عظيم, ومكة والطائف والمدينة والشام كلها كذلك, والجزيرة(بالعراق) كذلك ومصر كلها كذلك والكوفة والبصرة كذلك في كل هذه البلاد من المصاحف والقراء ما لا يحصى عددهم إلا الله تعالى وحده فلو رام عثمان ما ذكروا ما قدر على ذلك أصلا.
[5] و أما قولهم إنه جمع الناس على مصحف فباطل ما كان يقدر على ذلك لما ذكرنا ولا ذهب عثمان قط إلى جمع الناس على مصحف كتبه إنما خشي رضي الله عنه أن يأتي فاسق يسعى في كيد الدين أو أن يهم و هم من أهل الخير فيبدل شيئا من المصحف يفعل ذلك عمدا وهذا و هما فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال فكتب مصاحف مجتمعا عليها وبعث إلى كل أفق مصحفا لكي إن وهم واهم أو بدل مبدل رجع إلى المصحف المجتمع عليه فانكشف الحق وبطل الكيد والوهم فقط.
[6] وأما قول من قال أبطل الأحرف الستة فقد كذب من قال ذلك ... بل الأحرف السبعة كلها موجودة عندنا قائمة كما كانت مثبوتة في القراءات المشهورة المأثورة والحمد لله رب العالمين.
عن كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 2/64- 65.

[اعتراض أورده ابن حزم على النصارى]

قال أبو محمد: ومما يُعتَرض به على النصارى وإن كان ليس برهانا ضروريا على جميعهم لكنه برهان ضروري على كل من تقلد منهم الشرائع التي يعمل بها الملكيون والنساطرة واليعاقبة والمارقية قاطع لهم وهي مسألة جرت لنا مع بعضهم, وذلك أنهم لا يخلون من أحد وجهين إما أن يكونوا يقولون ببطلان النبوة بعد عيسى عليه السلام وإما أن يقولوا بإمكانها بعده عليه السلام [1] فإن قالوا بإمكان النبوة بعده عليه السلام لزمهم الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إذ ثبت نقل أعلامه بالكواف التي بمثلها نقلت أعلام عيسى وغيره عليهم الصلاة والسلام.

[2] وإن قالوا ببطلان النبوة بعد عيسى عليه السلام لزمهم ترك جميع شرائعهم من صلاتهم وتعظيمهم الأحد وصيامهم وامتناعهم من اللحم ومناكحتهم وأعيادهم واستباحتهم الخنزير والميتة والدم وترك الختان وتحريم النكاح على أهل المراتب في دينهم إذ كل ما ذكرنا ليس منه في أناجيلهم الأربعة شيء البتة بل أناجيلهم مبطلة لكل ما هم عليه اليوم إذ فيها أنه عليه السلام قال لم آت لأغير شيئا من شرائع التوراة وأنه كان يلتزم هو وأصحابه بعده السبت وأعياد اليهود من الفصح وغيره بخلاف كل ما هم عليه اليوم فإذا منعوا من وجود النبوة بعده, وكانت الشرائع لا تؤخذ إلا عن الأنبياء عليهم السلام, وإلا فإن شارعها عن غير الأنبياء عليهم السلام حاكم على الله تعالى وهذا أعظم ما يكون من الشرك والكذب والسخف فشرائعهم التي هي دينهم غير مأخوذة عن نبي أصلا فهي معاص مفتراة على الله عز وجل بيقين لا شك فيه.
عن كتاب الفصل 1/59.
---.
[اعتراض آخر عليهم]
وفي إنجيل متى أن المسيح قال لهم: أنا أقول لكم كل من سخط على أخيه بلا سبب فقد اتسوجب القتل".[ متى5:22]
و[قال أيضا]:" إن أضرت إليك عينك اليمنى فافقأها وأذهبها عن نفسك فذهابها عنك أحسن من إدخال جسدك الجحيم وإن أضرت إليك يدك اليمنى فابرأ منها فذهابها منك أحسن من إدخال جميع جسدك النار"[متى 5: 29- 30].
قال أبو محمد: وهذه شرائع يقرون أن المسيح عليه السلام أمرهم بها, وكلهم بلا خلاف من أحد منهم لا يرون القضاء بشيء منها, فهم على مخالفة المسيح بإقرارهم.
[أ] وهم لا يرون الختان, والختان كان ملة المسيح وكان مختوناً.
[ب] والمسيح وتلاميذه لم يزالوا إلى أن ماتوا يصومون صوم اليهود,ويُفصحون فِصحهم, ويلتزمون السبت إلى أن ماتوا.
وهم[يعني النصارى] قد بدلوا هذا كله.
[1] وجعلوا مكان السبت الأحد.
[2] وأحدثوا صوماً آخر بعد أزيد من مائة عام بعد رفع المسيح فكفى بهذا كله ضلالاً وكفراً. وليس منهم أحد يقدر على إنكار شيء من هذا.
فإن قالوا إن المسيح أمرهم باتباع أكابرهم.
قلنا: لا عليكم, أرأيتم لو أن بطاركتكم اليوم اجتمعوا على إبطال ما أحدثه بطاركتكم بعد مائة عام من رفع المسيح وأحدثوا لكم صياماً آخر ويوماً آخر غير يوم الأحد وفصحاً آخر, وردوكم إلى ما كان عليه المسيح من تعظيم السبت وصوم اليهود وفصحهم أكان يلزمكم اتباعهم ؟
فإن قالوا لا.
قلنا ولم ؟ وأي فرق بين اتباع أولئك وقد خالفوا ما مضى عليه المسيحُ والحواريون, وبين اتباع هؤلاء فيما أحدثوه آنفاً ؟
فإن قالوا إن أولئك لعنوا ومنعوا من تبديل ما شرعوا.
قلنا لهم وأي لعن وأي منع أعظم من منع المسيح من تبديل شيء من عهود التوراة, ثم قد بدله من أطعتموه في تبديله له, فقد صار منعُ من بعد المسيح أقوى من منعِ المسيح.
وإن قالوا نعم كنا نتبعهم, أقروا أن دينهم لا حقيقة له وأنه إنما هو اتباع ما شرعه أكابرهم من تبديل ما كانوا عليه.
ويقال لهم أرأيتم إن أحدث بعض بطارقتكم شرائع, وأحدث الآخرون منهم [شرائع] أُخَر, ولعنت كل طائفة منهم من عمل بغير ما شرعت, فكيف يكون الحال ؟
فأي دين أنتن أو أوسخ أو أضل أو أفسد من دين من هذه صفته.
ولقد كان لهم فيما أوردنا في هذا الفصل كفاية في بطلان كل ما هم عليه, لو كان لهم مُسكة عقل.
عن كتاب الفصل 2/20.
 
طبعات الفصل

طبعات الفصل

أخي الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سألتني أخي عن أفضل طبعات كتاب الفصل لابن حزم.
أخبرك أنه للأسف لم تر عيني بعد طبعة لائقة بذلك الكتاب النفيس.
هناك طبعتان عتيقتان عن مخطوطة واحدة متأخرة تعود للقرن 13 هـ أعيد طبعهما منذ 40سنة. وهناك "تحقيق" غير علمي طبع في دار الجيل عام 1985م( وعنه ظهرت طبعة مسروقة سيئة جدا في دار الكتب العلمية)
لكن العيب في هذه الطبعة أيضا كثير لأنها حققت الكتاب بالاعتماد فقط على الطبعتين القديمتين وعلى مخطوطة واحدة.
لكن الكتاب فعلا يحتاج لتحقيق جديد وجيد, وإن كنت على يقين أن الكتاب له أسرار من لم يعرفها قد يفسد الكتاب وهو لا يدري.
لعل جوابي كاف إن شاء الله.


بارك الله فيك وأحسن إليك.


والسلام عليك ورحمة الله.
 
عودة
أعلى