عبدالرحمن الحمد
New member
- إنضم
- 02/05/2010
- المشاركات
- 1
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
الأمر بتعاهد القرآن لكل المسلمين
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها".متفق عليه.
قال عبد العزيز بن مرزوق الطريفي حفظه الله في شرحه لهذا الحديث من كتاب المحرر لابن عبد الهادي ، ورقم الحديث 1233 ص 661-662 ، وكان ليلة الثلاثاء 14/4/1431هـ بجامع عبد الله بن مسعود في حي الغدير بالرياض :
تعاهدوا القرآن ؛ لتكونوا من أهل حداثة العهد به ، من القراءة والاستذكار لما فات من محفوظه ومعناه .
جاء في القرآن والسنة منـزلة أهل القرآن .
وجاء بيان حال من ترك القرآن ونسيه أو تناساه ، وفيه جملة من أحاديث الوعيد –سيأتي الكلام عنها-.
التعاهد لمن كان على معرفة به من : أبواب الحفظ ، أو المعاني .
ومن لم يكن على معرفة به فعليه المبادرة إلى ذلك ؛ ليكون على قرب من رحمة الله، فقد وصف الله القرآن بأنه رحمة فقال :{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس/59].وفضل الله الإسلام ورحمته القرآن ؛ لما جعل فيه من الحجة والبيان ، وهو محفوظ إلى قيام الساعة ، كما قال تعالى :{ إِنَّا نَحْنُ نـزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر/9] . فهو محفوظ من العبث والتحريف ونحو ذلك .
والقرآن من الله بدأ وإليه يعود ، فهو كلام الله على الحقيقة ، ويعود إليه آخر الزمان إذا رفع من الصدور والسطور.
والأمر بتعاهد القرآن منصرف إلى : الوجوب ، أو الاستحسان بحسب العارض ، وقد شكا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه هجران قومه فقال :{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا }[الفرقان/30].
والهجران على نوعين :
الأول : هجران المعاني ، وعدم معرفتها ، أو السماع بها وعدم الحرص عليها وعلى فهمها ، وكذا عدم فهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يبين العام من الخاص والمجمل من المبين ونحو ذلك .
والثاني : هجران حروفه ، والتقصير في قراءته .
وقد جعل الله لقارئ القرآن من المنـزلة ما يحتوي على النوعين .
وأعظمهما النوع الأول ؛ بدليل وصفه بأنه نسي آيات الله تعالى :{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) }[طه124-126] .
وحكم النوع الأول : محرم باتفاق العلماء ، على حسب المهجور ، فإن كان من أصول الدين ، أو من فروعه ...
فإذا عرف ما وجب عليه ثم تركه فقد ارتكب محرما ، وإن كان نسيه حقيقة تعمداً ؛ لأن نسيانه بسبب الإهمال ، وهذا عند عامة السلف.
وحكم النوع الثاني : هجران الحروف بعدم قراءة القرآن ، جاء في السنة تحديده بشهر وفي رواية أربعين يوماً .
ففي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما :"اقرأه في شهر..."ثم ذكر سبع ، ولا تزد على ذلك ، وفي رواية في ثلاث ولا تزد على ذلك .
ويؤخذ منه كراهة قراءته في أقل من ثلاث ، كما جاء عن ابن مسعود :"من ختم القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز".
وبعض العلماء يستثني ما كان في الأزمنة والأماكن الفاضلة ، ويحمل عليه ما جاء عن السلف كما قرأ عثمان القرآن في ليلة ، وكذا عن تميم الداري ، وأبي بن كعب أنه قرأه في ليلتين ، وروي عن سعيد بن جبير وأبي الأسود ، وعطاء بن السائب .
جاء في بعضها تقييد بالأزمنة والأمكنة الفاضلة ، وأحيانا اللفظ مطلق .
مثال الأول المقيد : ما جاء عن عثمان :"أنه ختم في ركعة واحدة عند البيت" .
ومثال المطلق : ما جاء ذكر ختمه للقرآن في ليلة في قصة حصاره ومقتله ، لما قيل: كيف تقتلون رجلا يقرأ القرآن في ركعة ؟!.
وعن إبراهيم النخعي : أن ابن مسعود ختم في أقل من ثلاث ، رواه غير واحد ، وهذا فيه إشارة إلى مسائل منها :
ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ولا تزد على ذلك" ، فهو إذا كان مع عدم الفهم ، كما في سنن أبي داود :"ما فقه من قرأ القرآن فيما دون ثلاث "، وفي رواية توضيح أنك لا تفقه .
قال بعض العلماء : فإذا تحقق أنه يفهم القرآن كما في حال من يختم في شهر ثم ختمه في ثلاث ، وهذا لا يتحقق في المتأخرين وقد سرت فيهم العجمة ، فقد لا يدرك من المعاني من ختمه في أكثر من ذلك .
واستدل مجاهد بقوله تعالى :{ وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنـزلْنَاهُ تَنـزيلًا }[الإسراء/106]. قال : على تروٍّ من غير عجلة .
وما أنـزل القرآن إلا للتدبّر والفهم ..، ويستثنى من ذلك ما يكون لضبط الحروف فكل حالة تقدر بقدرها .
وقراءته مع التدبر ولو قلّ أولى من غيره .
وأما ضبط القرآن فيجهل كثيرا من المعاني ؛ ولهذا ذكر من حال السلف أنهم كانوا يعلّمون صبيانهم من غير معرفة لمعانيه .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة ونهيه عن هجرانه محتمل للمعنيين السابقين .
وهجر المعاني تحريمه على حسب المعاني ، فالقصص وتفاصيلها لا يلزم من التفريط في فهمها الذم إلا أنه يتأكد فهم المعنى .
وأما نسيان القرآن نسيان حروفه وحفظه ، فجاءت أحاديث عن سعد بن عبادة وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك ولا يصح منها شيء .
وجاءت روايات موقوفة ومقطوعة منها :"عرضت علي ذنوب أمتي حتى القذاة فلم أجد أعظم ممن أوتي سورة حفظها الرجل ثم نسيها "وهو حديث معلولٌ ؛ للإرسال من حديث ابن جريج عن المطلب بن عبد الله عن أنس ، والمطلب لا يعرف له سماع من أنس.
وجاء عن رجل عن سعد بن عبادة بنحوه .
وجاءت مقطوعات كما في الزهد لأحمد عن رفيع بن مهران :"كنا نعدّ تعلم القرآن وتركه من أعظم الذنوب ".
وهذا لا يشمل نسيان حروف القرآن وإنما يشمل معاني القرآن .
عن ابن سيرين :"كانوا يكرهون نسيان القرآن "رواه الدارمي وغيره .
وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال :"فلم أر ذنبا أعظم ..."حمله بعضهم على نسيان المعاني ، صوبه ابن تيمية وجماعة ، وهو الصواب .
وأقل أحوال نسيان القرآن –نسيان حروفه- الكراهة .
ومن نظر لأقوال السلف وجد أنهم لا يحرمونه ، ليس كما اشتهر عند المتأخرين، وما جاء من الآثار فهو منقول عن المعاني كما هو ظاهر القرآن .
وتدبر القرآن على أنواع :
آيات متعلقة بالتوحد بأنواعه الثلاثة . وآيات متعلقة بالأحكام الحلال والحرام . وآيات متعلقة بالقصص والأمم الغابرة والمتأخرة .
فينبغي أن يرتب المعاني التي يتعلمها بحسب ترتيب الأنواع الماضية ، ويستفصل المراد بها من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم .
لقد اعتنى الأئمة بجمع آيات الأحكام ومنها : كتاب القاضي أبي يعلى من الحنابلة، والجصاص من الحنفية ، والإمام الشافعي ، وأبي بكر ابن العربي من المالكية . وغيرهم .
وثمّة مصنفات في آيات الأحكام لا تلزم مذهبا معينا كأحكام القرآن لإسماعيل القاضي المالكي .
فينبغي الاهتمام بهذا النوع من الآيات .
وقد انتشر بين طلاب العلم جمع الأدلة من السنة النبوية في المسألة الفقهية ، ولا يذكر لها دليلا من القرآن ، مع أن دليل القرآن ظاهر ، وهذا نوع من الجهل الذي لا ينبغي .
ومن أوجه القصور عند طلاب العلم آيات العقائد ، فلم يعتن بجمع الآيات على حسب مسائل العقيدة كما فعل بآيات الأحكام ، ولا تكاد تجد مؤلفات تجمع أدلة القرآن والسنة على مسائل الاعتقاد وأنواع التوحيد ونحو ذلك .
ونسيان المعاني أعظم .
وينبغي تدرج طالب العلم عل حسب الأهمية في هذه الموضوعات الثلاث ، وقد تيسرت كتب كثيرة ووسائل حديثة في تتبع العلم والوصول إليه ، ولكن قل الحرص من طلاب العلم في الاستفادة منها وقراءتها والعناية بها .
بل لقد انتشر الجهل والشرك في المسلمين في العصر الحاضر مع وجود الكتب والعلوم مما يدعوا إلى نشر العلم بحرص .
ينبغي الاعتناء بالقرآن قراءة واستحضار عقل .
عن ابن مسعود رضي الله عنه :"من قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة ..." الحديث ، والمراد بالحروف الكلمات ، وليس الحرف المصطلح عليه ..فليس كما يقول المتأخرون ؛ ولذلك قال :{ألـم} ولم يقل :{ألم تر} ..
وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته .
وفي القرآن أسرار خاصة ، وهو غائي له عمومات يستنبط منها على قدر وسعه كما يليق بكل عصر من الأحكام .
وجعله الله رحمة تناسب العصور إلى قيام الساعة :{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا }[يونس : 58] ورحمة الله هي القرآن .
جاء في فضل حفظ القرآن قدر كبير من النصوص :
من كلام الله تعالى فمن ذلك قوله تعالى :{ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ }[العنكبوت : 49] فعُنِيَ بالصدور ما حفظ .
وفي السنة :"يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله .."والمقصود به المعاني .
فالقراءة إذا أطلقت هو بلفظ اللسان من غير نظر إلى مسطور ، وإلا كان زائدا عن معنى القراءة وإن كان اللفظ ينصرف إليه .
ومن ذلك حديث :"يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منـزلتك عند آخر آية تقرؤها".
جاء عن عائشة رضي الله عنها :أن مراتب الجنة أكثر من ستة آلاف درجة .
وفي قوله : " اقرأ وارتق "معلوم أنه لا يقصد به القراءة نظراً ، وإنما هي قراءة من حفظه فقط .
جاء عن غير واحد من السلف :"من حفظ القرآن لا تمسه النار".
جاء عند أحمد عن عقبة بن عامر مرفوعا :"لو أن القرآن في إهاب فألقي في النار ما مسته النار".قال أحمد : إن هذا الأديم هو الإنسان الذي حفظ القرآن .
والقرآن حجة لك أوعليك .
جاء في مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه :أول من تسعر بهم النار ثلاثة "ثم قال: " ورجل قرأ القرآن ..."الحديث " قال : كذبت إنما قرأت ليقال : قارئ..."
ومن اهتدى بالقرآن واقتدى به رفعه الله .
عن عمر مرفوعا :"إن الله ليرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين".
وكلهم قد عرف القرآن : فبعضهم عمل به فرفعه ، والآخر سمع هدايته فتنكبها.
في المسند من حديث الفزاري :"ما من أحد يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا أدخله الله النار كائناً من كان ..."
وهذا ينطبق على سائر الفروع والأحكام :
من سمع أن الله أنـزل حكما في شيء ثم لم يستمع له ، أو لم يتعلم هذا الحكم فإن الله يضعه بحسب هذا الإعراض .
ومما يدل به على منـزلة الحافظ : ما جاء في الصحيح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله الكتاب فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار..."الحديث
يقوم به آناء الليل هي مظنة القراءة من غير أنوار ، وهو الحفظ .
وجاء في بعض الآثار أن الله تعالى لا يردّ حافظ القرآن إلى أرذل العمر:
كما رواه ابن أبي شيبة عن عبد الملك بن عمير : " من حفظ القرآن لا يرده الله إلى أرذل العمر". وجاء نحوه عن بعض السلف من الصحابة والتابعين.روي عن عكرمة وابن عباس كما رواه أبو عبيد وغيره .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : "فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً "
أي : أشد من تفلت القرآن من صدور العباد .
وهذا التفلت يشمل : تفلت المعاني وتفلت الحفظ ، وينصرف آخراً إلى الحفظ. فالأصل المعاني.
فكما يسر الله {الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر/17و22و32و40] فكلّ ما تيسر الحصول عليه فإنه ينصرف عنه بيسر وسهولة .وهذا من مبدأ المقابلة .
والأثمان العظيمة والقيم الجليلة إذا ملكها الإنسان ولم يتشبث بها بحفظ فهي أسرع ذهابا من غيرها لنفاستها .
ولهذا لما جعل الله القرآن أغلى ما يملكه المسلم فهو أشد تفلتا من صدور العباد من الإبل في عقلها ، فليحرص المسلم عليه بمزيد عناية وليعطه حقه .
الإبل المعقّلة أقرب إلى الانفلات من غيرها في حال ربطها ؛ لأنها قوية سريعة الحركة فإن لم يتعاهدها صاحبها انفلتت .
فينبغي تعاهد القرآن بحفظ القرآن مفهومه ومعناه على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويغتنم ذلك ففي الأزمنة الفاضلة يعتني بالقراءة ، كما ذكر عن الشافعي كما رواه ابن عساكر والبيهقي من طرق : أنه كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة ، أي : في كل يوم مرتين .
قال النووي : هو متعلق بفهم الإنسان ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :"لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث".والله أعلم.
انتهى تقريره من الدرس بقلم عبد الحكيم القاسم ،
وقد أذن الشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي بنشره
-فجزاه الله خير الجزاء -.
وقد أذن الشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي بنشره
-فجزاه الله خير الجزاء -.