أخي أبا مجاهد العبيدي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا من أخ صالح رحب الصدر يتسع حلمه لمحاورات إخوانه ويعمل على التخفيف من معاناتهم ولا يفتأ أن يربطنا بالقرآن وحلاوته ولو كان ما يكتبه مجرد رسالة يطيب بها خاطر أخ له في الله
وإني يا أخي الكريم لأشد على يدك الكريمة في الدعوة إلى رد المطاعن ودرء الشبه عن أغلى نعمة أنعم الله بها علينا وهي نعمة الإسلام كما أشد علي يديك أيضا في شأن اقتراحك طرح موضوع " منهج القرآن في مواجهة خصومه " على بساط الحوار والمناقشة ويبدو أنك لا تحب أن تضيع وقتا ولذا جررتنا إلى التعايش مع موضوعك هذا على الفور وذلك حين عرضت لنا هذه الآيات من سورة الفرقان: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا 4 وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا 5 قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا 6 وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا 7 أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا 8 انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا 9}
وذكرت أنها تشير إلى منهج قرآني في عرض الشبه والرد عليها وهو منهج الإيجاز أو الإغفال.
أخي الكريم لقد نظرت إلى هذه الآيات بنظري الضعيف فلم أشعر بأي إغفال من قبل القرآن الكريم لما أوردته الآيات من شُبَه كل ما في الأمر أنها ماضية على النهج القرآني في طرح موضوعاته المكررة في أكثر من موضع جدلية كانت هذه الموضوعات أو غير ذلك حيث لا يتناولها في كل المواضع بنفس الأسلوب ولكن بأسلوب مغاير إن بالتصريح وإن بالتلميح إن بالإشارة وإن بالعبارة ..........وحتي لا نتيه سنحصر أنفسنا داخل إطار هذه الآيات المذكورة فلو أننا نظرنا إليها فسوف نجدها قد تناولت أربع شبه هي كالتالي:
الأولى - ادعاء أن هذا القرآن من اختلاقه صلى الله عليه سلم بمعونة آخرين هؤلاء الآخرون قد جاء ذكرهم مع رد الفرية في قوله تعالى: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } تصور ما لو أردنا نحن أن نرد نفس الفرية بنفس ما رد به القرآن بالأسلوب البشري ما كنا سنصل إلى هذه النتيجة إلا عبر مقدمات عدة هذا رد لقولهم { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ } وأما الجزء الأول { إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ } فالرد عليه في آيات كثيرة منها قوله تعالى: { وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } وقوله:{ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ } وقوله: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا } فكيف تكون لديه قدرة على التأليف وهو الذي لم يكن يوما قارئا كاتبا ولم يجلس يوما إلى معلم وقد ضمن ذلك كله في كلمة جامعة وصف بها صلى الله عليه وسلم هي كلمة { الأمي }
والثانية - دعوى أن هذا القرآن من أساطير الأولين التي أملاها عليه من كان يجلس معهم من المعلمين وهذه دعوى منقوضة في نفس السياق وفي خارجه أما النقض من جهة السياق نفسه ففي قوله جل شأنه: { قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي لو كان هذا القرآن من أساطير الأولين وهو الذي اشتمل على الأسرار التي لم تكن معروفة قبل نزوله ومحمد هو بينكم وهو من تعرفون وصفه من جهة الصدق والأمانة وسائر الفضائل أي أنه لن يَكْذِبَكم والأهم من ذلك هو أمي لم يقرأ كتب السابقين إذن فهو حين يأتيكم بهذه الأسرار التي لا يمكن أن تكون من تلقاء نفسه فهذا دليل على أن هناك أمرا غير عادي قد عرف هو عن طريقه هذه الأسرار التي تتعالى فوق ما يعرفه خبراء الأساطير وهو يقول: إنه الوحي فلابد إذن من تصديقه لأن المقدمة إذا ما صلحت صلحت بصلاحها النتيجة بلا ريب.
ولنتأمل تأكيدا لهذا المعنى قوله: { الذي يعلم السر } فلم يقل: أنزله الله أو غير ذلك
لأن المقصود هنا الرد على الفرية من جهة وإعلان التحدي من جهة أخرى لخبراء الأساطير وتابعيهم الذين يعظمونهم ويجلون أساطيرهم إلى الدرجة التي يرتقون بها لأن يكون القرآن جزءًا منها فهيا جيئونا بمثل هذه الأسرار التي جاءكم بها رسولنا صلى الله عليه وسلم وهي كلها حقائق ولذلك دعاهم القرآن في غير ما آية إلى السير في الأرض للتحقق من ذلك ولأخذ العبرة مما حدث لأهل التجبر في غابر الأزمان
وأما الرد على هذه الفرية من الخارج ففي سائر الآيات التي تنفي عنه القراءة والكتابة والجلوس إلى المعلمين بما فيهم خبراء الأساطير
الثالثة – نقض رسالته صلى الله عليه وسلم بدعوى أنه بشر مثلهم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق { وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ } وهي دعوى لسنا ننكرها لأنه صلى الله عليه وسلم لم يدع يوما أنه غير بشر { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ } فإذا كان هذا النبي بشرا مثلكم وهو لم يدع غير ذلك فلماذا تعيبون عليه أكل الطعام والمشي في الأسواق وهذه سمة بشرية لديكم جميعا ؟
ثم نازلتهم القرآن الكرين إلى أرض الواقع والواقع المشاهد خير دليل فالناس يختلفون حول الأدلة العقلية لكن الأدلة الحسية فمن ذا ينكرها ؟ حاكمهم القرآن إلى الواقع في هذه المسألة في السورة نفسها وفي خارجها فقال في سورة الفرقان: { وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ } وقال في سورة الأنبياء {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ } وفي سورة المائدة: { مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ }
الرابعة – نقض الرسالة لأنه ليس ملكا أو لم ينزل معه ملك ليخاطب الناس معه وينذرهم { .... لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا } وسواء كان نزول الملك استقلالا بالرسالة أو معضدا للرسول البشري فلن تطيقوا التعامل مع ملك بصفاته الملائكية المشتملة على القوة الجسمية والروحانية بما لا يتناسب وقدراتكم البشرية فلو حدث هذا لكانت هناك هوة واسعة بين كل من الملقي والمتلقي ، المرسل والمستقبل وهنا لا تستقيم الأمور وأنتم الذين ستعترضون وتقولون: لِمَ لمْ ترسل إلينا رسولا من جنسنا يا رب نأنس به ونأخذ عنه ويكون بيننا نرجع إليه كلما احتجنا إليه كل هذه المعاني وغيرها قد عالجها القرآن الكريم في آيات كثيرة بأكثر من طريقة فيقول في تقرير حكم أنهم لن يطيقوا الملك الرسول في سورة الأنعام: { وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ 8 وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ 9 وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ 10 } وفي سورة الإسراء: { قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً 95 }
وفي تقرير الإنعام عليهم بإرسال البشر الرسول يقول في سورة آل عمران: { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ 164 } وفي سورة التوبة: { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } ولأجل أن الحكمة تقتضي إرسال البشر الرسول وليس الملك الرسول فإن الأنبياء لم يجدوا ضيرا في أن ينفوا عن أنفسهم الملائكية عندما طلبوا منهم ما هو فوق طاقة البشر ففي سورة الأنعام جاء قوله تعالى أمرا لرسولنا صلى الله عليه وسلم:{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } وعلى لسان نوح عليه السلام كما في سورة هود: { وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ }
الخامسة – قولهم: { أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } وتقرير هذه الشبهة والرد عليها جاء في سورة الإسراء في قوله سبحانه: { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا 90 أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا 91 أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً 92 أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً 93}
السادسة – دعواهم أنه صلى الله عليه سلم مسحور أي اختلط عقله بتأثير السحر فيه فكأن " مسحور " هنا تعادل " مجنون " وقد جاء الرد القرآني على هذه الفرية في عقبها { انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا 9 } وعرضت مع الرد عليها أيضا في سورة الإسراء : { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا 47 انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً 48} أي تعددت أمثالهم معك فهم قد مثلوك مجنونا ، ساحرا ، مسحورا ، كاهنا ، شاعرا ....مع أنهم أول من يعرفون بُعد هذه التهم جميعها عنك ورغم ذلك يكررونها بقصد الإلباس على الآخرين لتحصينهم من الإسلام وفي ذات الوقت ليوهموا أنفسهم بأن لهم في عدم الإيمان حججا لكنهم في حقيقتهم كانوا يعلمون صدقه صلى الله عليه وسلم وصدق ما جاء به كما يدل لذلك موقف الوليد بن المغيرة الذي لا يخفى على أمثال قرائنا الكرام حين قال عن القرآن أمام قومه بعد أن سمعه: والله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي يقوله شيئا من هذا والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو وما يعلى .
وقد روى ابن اسحاق في السيرة عن محمد بن مسلم بن شهاب عن الزهري أنه حدث أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف بني زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله ص وهو يصلي بالليل في بيته ; فأخذ كل واحد منهم مجلسا يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا حتى إذا جمعتهم الطريق تلاوموا فقال بعضهم لبعض لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا وجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قاله أول مرة ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق ; فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتي أبا سفيان بن حرب في بيته فقال أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد قال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها قال الأخنس وأنا والذي حلفت به قال ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته ; فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد قال ماذا سمعت قال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه قال فقام عنه الأخنس وتركه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا من أخ صالح رحب الصدر يتسع حلمه لمحاورات إخوانه ويعمل على التخفيف من معاناتهم ولا يفتأ أن يربطنا بالقرآن وحلاوته ولو كان ما يكتبه مجرد رسالة يطيب بها خاطر أخ له في الله
وإني يا أخي الكريم لأشد على يدك الكريمة في الدعوة إلى رد المطاعن ودرء الشبه عن أغلى نعمة أنعم الله بها علينا وهي نعمة الإسلام كما أشد علي يديك أيضا في شأن اقتراحك طرح موضوع " منهج القرآن في مواجهة خصومه " على بساط الحوار والمناقشة ويبدو أنك لا تحب أن تضيع وقتا ولذا جررتنا إلى التعايش مع موضوعك هذا على الفور وذلك حين عرضت لنا هذه الآيات من سورة الفرقان: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا 4 وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا 5 قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا 6 وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا 7 أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا 8 انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا 9}
وذكرت أنها تشير إلى منهج قرآني في عرض الشبه والرد عليها وهو منهج الإيجاز أو الإغفال.
أخي الكريم لقد نظرت إلى هذه الآيات بنظري الضعيف فلم أشعر بأي إغفال من قبل القرآن الكريم لما أوردته الآيات من شُبَه كل ما في الأمر أنها ماضية على النهج القرآني في طرح موضوعاته المكررة في أكثر من موضع جدلية كانت هذه الموضوعات أو غير ذلك حيث لا يتناولها في كل المواضع بنفس الأسلوب ولكن بأسلوب مغاير إن بالتصريح وإن بالتلميح إن بالإشارة وإن بالعبارة ..........وحتي لا نتيه سنحصر أنفسنا داخل إطار هذه الآيات المذكورة فلو أننا نظرنا إليها فسوف نجدها قد تناولت أربع شبه هي كالتالي:
الأولى - ادعاء أن هذا القرآن من اختلاقه صلى الله عليه سلم بمعونة آخرين هؤلاء الآخرون قد جاء ذكرهم مع رد الفرية في قوله تعالى: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } تصور ما لو أردنا نحن أن نرد نفس الفرية بنفس ما رد به القرآن بالأسلوب البشري ما كنا سنصل إلى هذه النتيجة إلا عبر مقدمات عدة هذا رد لقولهم { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ } وأما الجزء الأول { إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ } فالرد عليه في آيات كثيرة منها قوله تعالى: { وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } وقوله:{ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ } وقوله: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا } فكيف تكون لديه قدرة على التأليف وهو الذي لم يكن يوما قارئا كاتبا ولم يجلس يوما إلى معلم وقد ضمن ذلك كله في كلمة جامعة وصف بها صلى الله عليه وسلم هي كلمة { الأمي }
والثانية - دعوى أن هذا القرآن من أساطير الأولين التي أملاها عليه من كان يجلس معهم من المعلمين وهذه دعوى منقوضة في نفس السياق وفي خارجه أما النقض من جهة السياق نفسه ففي قوله جل شأنه: { قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي لو كان هذا القرآن من أساطير الأولين وهو الذي اشتمل على الأسرار التي لم تكن معروفة قبل نزوله ومحمد هو بينكم وهو من تعرفون وصفه من جهة الصدق والأمانة وسائر الفضائل أي أنه لن يَكْذِبَكم والأهم من ذلك هو أمي لم يقرأ كتب السابقين إذن فهو حين يأتيكم بهذه الأسرار التي لا يمكن أن تكون من تلقاء نفسه فهذا دليل على أن هناك أمرا غير عادي قد عرف هو عن طريقه هذه الأسرار التي تتعالى فوق ما يعرفه خبراء الأساطير وهو يقول: إنه الوحي فلابد إذن من تصديقه لأن المقدمة إذا ما صلحت صلحت بصلاحها النتيجة بلا ريب.
ولنتأمل تأكيدا لهذا المعنى قوله: { الذي يعلم السر } فلم يقل: أنزله الله أو غير ذلك
لأن المقصود هنا الرد على الفرية من جهة وإعلان التحدي من جهة أخرى لخبراء الأساطير وتابعيهم الذين يعظمونهم ويجلون أساطيرهم إلى الدرجة التي يرتقون بها لأن يكون القرآن جزءًا منها فهيا جيئونا بمثل هذه الأسرار التي جاءكم بها رسولنا صلى الله عليه وسلم وهي كلها حقائق ولذلك دعاهم القرآن في غير ما آية إلى السير في الأرض للتحقق من ذلك ولأخذ العبرة مما حدث لأهل التجبر في غابر الأزمان
وأما الرد على هذه الفرية من الخارج ففي سائر الآيات التي تنفي عنه القراءة والكتابة والجلوس إلى المعلمين بما فيهم خبراء الأساطير
الثالثة – نقض رسالته صلى الله عليه وسلم بدعوى أنه بشر مثلهم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق { وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ } وهي دعوى لسنا ننكرها لأنه صلى الله عليه وسلم لم يدع يوما أنه غير بشر { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ } فإذا كان هذا النبي بشرا مثلكم وهو لم يدع غير ذلك فلماذا تعيبون عليه أكل الطعام والمشي في الأسواق وهذه سمة بشرية لديكم جميعا ؟
ثم نازلتهم القرآن الكرين إلى أرض الواقع والواقع المشاهد خير دليل فالناس يختلفون حول الأدلة العقلية لكن الأدلة الحسية فمن ذا ينكرها ؟ حاكمهم القرآن إلى الواقع في هذه المسألة في السورة نفسها وفي خارجها فقال في سورة الفرقان: { وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ } وقال في سورة الأنبياء {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ } وفي سورة المائدة: { مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ }
الرابعة – نقض الرسالة لأنه ليس ملكا أو لم ينزل معه ملك ليخاطب الناس معه وينذرهم { .... لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا } وسواء كان نزول الملك استقلالا بالرسالة أو معضدا للرسول البشري فلن تطيقوا التعامل مع ملك بصفاته الملائكية المشتملة على القوة الجسمية والروحانية بما لا يتناسب وقدراتكم البشرية فلو حدث هذا لكانت هناك هوة واسعة بين كل من الملقي والمتلقي ، المرسل والمستقبل وهنا لا تستقيم الأمور وأنتم الذين ستعترضون وتقولون: لِمَ لمْ ترسل إلينا رسولا من جنسنا يا رب نأنس به ونأخذ عنه ويكون بيننا نرجع إليه كلما احتجنا إليه كل هذه المعاني وغيرها قد عالجها القرآن الكريم في آيات كثيرة بأكثر من طريقة فيقول في تقرير حكم أنهم لن يطيقوا الملك الرسول في سورة الأنعام: { وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ 8 وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ 9 وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ 10 } وفي سورة الإسراء: { قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً 95 }
وفي تقرير الإنعام عليهم بإرسال البشر الرسول يقول في سورة آل عمران: { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ 164 } وفي سورة التوبة: { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } ولأجل أن الحكمة تقتضي إرسال البشر الرسول وليس الملك الرسول فإن الأنبياء لم يجدوا ضيرا في أن ينفوا عن أنفسهم الملائكية عندما طلبوا منهم ما هو فوق طاقة البشر ففي سورة الأنعام جاء قوله تعالى أمرا لرسولنا صلى الله عليه وسلم:{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } وعلى لسان نوح عليه السلام كما في سورة هود: { وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ }
الخامسة – قولهم: { أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } وتقرير هذه الشبهة والرد عليها جاء في سورة الإسراء في قوله سبحانه: { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا 90 أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا 91 أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً 92 أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً 93}
السادسة – دعواهم أنه صلى الله عليه سلم مسحور أي اختلط عقله بتأثير السحر فيه فكأن " مسحور " هنا تعادل " مجنون " وقد جاء الرد القرآني على هذه الفرية في عقبها { انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا 9 } وعرضت مع الرد عليها أيضا في سورة الإسراء : { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا 47 انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً 48} أي تعددت أمثالهم معك فهم قد مثلوك مجنونا ، ساحرا ، مسحورا ، كاهنا ، شاعرا ....مع أنهم أول من يعرفون بُعد هذه التهم جميعها عنك ورغم ذلك يكررونها بقصد الإلباس على الآخرين لتحصينهم من الإسلام وفي ذات الوقت ليوهموا أنفسهم بأن لهم في عدم الإيمان حججا لكنهم في حقيقتهم كانوا يعلمون صدقه صلى الله عليه وسلم وصدق ما جاء به كما يدل لذلك موقف الوليد بن المغيرة الذي لا يخفى على أمثال قرائنا الكرام حين قال عن القرآن أمام قومه بعد أن سمعه: والله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي يقوله شيئا من هذا والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو وما يعلى .
وقد روى ابن اسحاق في السيرة عن محمد بن مسلم بن شهاب عن الزهري أنه حدث أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف بني زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله ص وهو يصلي بالليل في بيته ; فأخذ كل واحد منهم مجلسا يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا حتى إذا جمعتهم الطريق تلاوموا فقال بعضهم لبعض لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا وجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قاله أول مرة ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق ; فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتي أبا سفيان بن حرب في بيته فقال أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد قال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها قال الأخنس وأنا والذي حلفت به قال ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته ; فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد قال ماذا سمعت قال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه قال فقام عنه الأخنس وتركه.