تصور لعلم التحريرات قابل للمناقشة و البحث

عمر بن علي

New member
إنضم
22/02/2012
المشاركات
182
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مصر
[align=justify]
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه أجمعين ، و على أئمة القراء و المقرئين ، الذين نقلوا لنا كتاب الله كاملا محررا متقنا غضا طريا ، بغير تحريف و لا نقص ولا زيادة ، و أسأل الله لنا و لكم الإفادة ، أما بعد :
فإني قد قرأت لمشايخنا الأفاضل الكثير من البحوث و الكتابات عن علم التحريرات ، فهم بين مانع و ممجيز مطلقا ، و بين متوسط بين السبيلين ، و كل يورد أدلته و يعضدها ما استطاع إلى ذلك سبيل ، و إني لما جمعت هذا و تفكرت فيه قليلا ، توصلت إلى شئ استنتاجي ، يرد عليه الصحة و الخطأ ، فأقول و بالله التوفيق :
لن أبدأ هذه المرة كما هي العادة من مرحلة ما بعد ابن الجزري و تلاميذه و إنما أبدأ من طبقة شيوخ ابن الجزري ، و هي الطبقة التي نقل عنها ابن الجزري القراءات بمضمن الكثير من الكتب عدها البعض 36 كتابا و زاد العلامة الضباع و تبعه السمنودي كتابا و ليس هذا موضع البحث ، فأقول كيف كانت القراءات العشر تُقرأ قبل تصنيف النشر ؟
كل إمام كان يقرأ طلابه بمضمن الكتب التي قرأ بها على شيوخه إلى أن يصل إلى مصنف الكتاب و منه بأسانيده إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، و قد وقع لكثير من القراء الوهم و الخطأ في بعض الأسانيد و بعض القراءات و أوردوها كتبهم ، و قرءوا بها و أقرءوا ، ثم تصدى لتحرير هذه الطرق أئمة نقاد أعلام ، كالإمام ابن مجاهد و الداني و الشاطبي و من بعدهم ابن الجزري و غيرهم من علماء العراق و الشام و مصر و المغرب و غيرها ، فالشاهد أن تحرير الطرق و ضبط الصحيح من الضعيف ( و كتاب الكامل خير دليل كما نص ابن الجزري ) عادة قديمة ، فعلها الأئمة الأعلام لبقاء القرآن الكريم محفوظا من الضعيف و الموضوع و الشاذ ، ثم أتى الإمام ابن الجزري فقرأ على شيوخه بمضمن الكتب التي ذكرنا عددها سابقا ، فهل إذا قلنا أن الإمام ابن الجزري لم يجمع الصحيح من طرق هذه الكتب في كتابه النشر و من ثم تأليفه للطيبة ، فما الحال إذا لمن أراد أن يقرأ العشر ؟ نقول أن كان سيلزمه أن يقرأ بمضمن الكتب أو يختار كتابا يقرأ به كما فعل ابن الجزري نفسه ، سواء مر بابن الجزري أم لم يمر ، فبعض الناس يقرأ بالعنوان و بعضهم بالتذكرة و البعض بالعنوان إلى غير ذلك ، و بقى هنا أن نقول أن الطرق لا زالت لم تحرر ، و لم يثبت الصحيح منها من الضعيف من الشاذ إلى غير ذلك ، و الذي فعله الإمام ابن الجزري في حد ذاته تحرير لهذه الكتب ، حيث أنه كما قال ، ما معناه حيث أن الكتاب ليس بين يدي الآن ، " أنه قرأ بما يقارب العشرة آلاف طريق ، ثم حررها و نقحها و عمل عليها ، فتبقى له ألف طريق أو يقارب ، هي أصح الطرق التي يقرأ بها القرآن " و الشاهد من الكلام أن ابن الجزري حرر الطرق إلى ألف طريق من كل هذا العدد الذي لولا تحرير ابن الجزري لها ، لكنا إلى الآن نتخبط في جنباتها لا ندري ما الصحيح منها من الضعيف ، فلما جمع الإمام ابن الجزري هذه الطرق و ضمنها كتابه النشر ، لم ينص في كتابه على مقتضى كل طريق ، و لكنه فصل في بعض المواضع كالإدغام الكبير مع الهمز المفرد لأبي عمرو ، و غيرها من الأمثلة ، و أجمل في بعض المواضع الأخرى ، اعتمادا على تلاميذه و على من جاء بعده و على التلقي قبل كل شئ ، إلى جانب أن أصول الكتب كلها التي قرأ بها ابن الجزري كانت موجودة في عصره ، و ما بعد عصره بقليل ، و اللبس الذي حدث في علم التحريرات ( من وجهة نظري القاصرة طبعا ) ناتج عن شيئين لا ثالث لهما إما إفراط أو تفريط ، فبعض العلماء رجع إلى أصول النشر ، لإثبات كل ما صح من وجهة نظره في أصول النشر و القراءة بها و الإقراء بها ، و لم يعتبر تحرير ابن الجزري لهذه الطرق ، و أنه قد يكون سبب إهمال ابن الجزري لها ، هو تحريره لإسنادها و أنها مما يضعف عنده أو يشذ أو غير ذلك ، و هذا هو عين الإفراط ، و البعض الآخر أهمل كل ما لم يذكر ابن الجزري حتى و إن لم يثبت من طريق ، و هذا هو عين التفريط ، و التوسط في هذه المسألة من و جهة نظر الفقير ، أن الرجوع إلى أصول النشر مطلوب بل هو عين التحقيق و التحرير ، و لكن للتثبت من الطرق التي ذكرها ابن الجزري ، و لم ينص على الإطلاقات فيها أو المقيدات في كتابه النشر اعتمادا منه كما ذكرنا على التلقي و أصول الكتب وغير ذلك ، لا أن نرجع إلى أصول الكتب لإثبات طرق تركها ابن الجزري و لم يقرأ بها و لم يقرئ ، و أيضا التوقف عند حدود كتاب النشر ، قد يوقع القارئ في الخلط بين الطرق و القراءة بما لم يصح عن ابن الجزري نفسه ، فعلى سبيل المثال ، إن قلنا أن ابن الجزري لم ينص على أن أبو عمرو يمتنع له الإدغام مع تحقيق الهمز ، فمن أين لنا أن نعرف هذا إلا بالرجوع للأصول التي قرأ بمضمنها ابن الجزري ، و من قال أن ابن الجزري ضمن النشر كل الطرق بتحريرها ، فهذه دعوى يصعب إثباتها على أرض الواقع ، و قد ذكر الشيخ إيهاب فكري بعض التحريرات التي لم ينص عليها ابن الجزري و أيضا الشاطبي ، و هي ملزمة لكل من يقرأ الروايات من هذه الطرق ، فلذلك أقول : أن التحريرات التي تجنب القارئ من الخلط و التركيب في القراءات هي مطلوبة حتى و إن لم ينص عليها ابن الجزري نفسه في النشر ، و لكن يلزم على القائل بها أن يحرر الطرق و يثبت أن هذه الطرق هي عين ما اختاره ابن الجزري و ضمنه كتاب النشر ، لا أن يأتي بنص مطلق في أحد كتب النشر و يثبت عليها طريقا أو قراءة ، قد يكون ابن الجزري أهملها عمدا ، و يلزم ابن الجزري بطريق لم يختره ابن الجزري نفسه ، و هذا هو عين الكثير من كتب التحريرات التي اعترض عليها بعض الأفاضل في زماننا ، و كون بعض العلماء قد أخطأ في بعض التحريرات أو زاد على ما ذكره ابن الجزري ، فهذا خطأ يُرد على الشيخ ولا يرد العلم جملة ، لمجرد أن البعض بالغ في التحريرات ، أما التباين في أقوال بعض المحررين ، و الاختلاف بينهم في بعض مسائل التحريرات ، فهذا أمر طبيعي جدا ، لأنه مبني على الاجتهاد المحض ، و النظر في أصول النشر ، و هنا تتباين الأفهام و مقدار الاستيعاب و الحفظ ، لكن أن نرد كل هذا المجهود من عزو للطرق و تحرير لها ، و تركها بالجملة فهذا هو عين الإجحاف بحق هؤلاء الذين أفنوا أعمارهم في دراسة هذه الكتب و التثبت فيها و البحث عن دقائقها ، و أرجو الله تعالى أن أكون وفقت في عرض ما أبغي إيصاله ، و الموضوع معروض للمناقشة بين مشايخنا و علمائنا ، فإن كان فيه خلل في فهمي ، فليوقفني أحد مشايخنا على الخلل لعلي أرجع إلى الحق ، و إن كان فيه صواب أو كان صوابا فأحمد الله على ذلك ، و بالله التوفيق ، و أنتظر ردود حضراتكم و جزاكم الله خيرا .
[/align]
 
عودة
أعلى