تصور بلاغة القرآن عند المتقدمين وأثره في مسار علم التفسير وعلم البلاغة

سعاد كوريم

New member
إنضم
01/09/2012
المشاركات
11
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
[h=1]تصور بلاغة القرآن عند المتقدمين وأثره في مسار علم التفسير وعلم البلاغة[/h]د. سعاد كوريم[1]
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجه واهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد:
فقد سن الله عز وجل في هذا الكون سنة عمرانية مطردة تقضي بأن يبعث كل رسول بلسان قومه تيسيرا لترجمة الرسالة إلى عمران مشهود على أرض الواقع. ووفقا لهذه السنة فقد أنزل الله تعالى القرآن بلسان عربي مبين وجعله مدخلا لفهم النص وتنزيله على الواقع. ومن شأن اختلاف التصورات حول العلاقة بين لسان القرآن ولسان العرب أن تؤثر في المداخل المنهجية للفهم والمخرجات التفسيرية القابلة للتنزيل، وأن تحدد مسار الأدوات الإجرائية المعتمدة في الربط بين القرآن والعمران.
- أسباب اختيار البحث:
تم اختيار موضوع البحث باعتباره لبنة من مشروع فكري أكبر يتناول العلاقة بين الدرس القرآني والعمران البشري. وينطلق المشروع من قناعة مفادها أن هذه العلاقة محكومة بمجموعة من السنن والقوانين ذات الصلة بفقه الخطاب وفقه الواقع وفقه التنزيل. وتقع الصلة بين لسان القرآن ولسان العرب في صلب العلوم التي تعنى بفقه الخطاب الشرعي (كعلمي التفسير والبلاغة)؛ فعلى أساس من تصور العلماء لطبيعة تلك الصلة تتحدد لديهم مناهج فهم النص وتنزيله على الواقع. ونظرا لأن أي تقييم وتقويم للعمران المبني على القرآن لابد أن يكون مسبوقا بتقييم وتقويم يدرس المستويات الفقهية الثلاثة التي يقوم عليها، كما أن تقييم وتقويم مخرجات كل مستوى فقهي منها موقوف على تقييم وتقويم مدخلاته، فإن تقييم المسار الذي اتخذته العلوم التي تعنى بفهم النص (كالتفسير والبلاغة) رهين بتقييم تصور المتقدمين لطبيعة الصلة بين لسان القرآن ولسان العرب، ويندرج ضمن ذلك تصورهم لبلاغة القرآن.
- أهمية الموضوع:
تكمن أهمية موضوع البحث في كونه يكشف عن منابع تصور المتقدمين لبلاغة القرآن والدوافع التي دعتهم إلى اختياره دون غيره من التصورات المحتملة للعلاقة بين لسان القرآن ولسان العرب، وذلك على الرغم من أن باقي التصورات لها ما يدعمها من القرآن نفسه. ومن شأن الوقوف على جذور تصور المتقدمين وحيثيات تشكيله أن يحدد لنا بدقة العوامل المؤثرة في المسار الذي اتخذه فيما بعد علما التفسير والبلاغة ونقاط قوته ومكامن ضعفه وآفاق تحسينه؛ خاصة أنه المسار الذي حدد الأدوات الإجرائية والنهايات المعرفية للعلمين، وتأسست عليه معظم المشاريع التي تروم تشييد العمران استنادا إلى القرآن.
- حدود البحث:
يسعى هذا البحث إلى بيان أثر تصور بلاغة القرآن عند المتقدمين في مسار علمي البلاغة والتفسير. وقد وقع الاختيار من بين كتب المتقدمين على "مجاز القرآن" لأبي عبيدة معمر بن المثنى بصفته أول مؤلف في التراث العربي الإسلامي يجمع بين العناية بالتفسير وبين التأسيس لعلم البلاغة؛ مما يجعله ذا قيمة معرفية بليغة في العلمين. فهو يهتم بلسان القرآن من الناحية البلاغية ويرسم بذلك ملامح المنهج البلاغي في دراسة القرآن وتفسيره، كما أنه يؤسس لأولى دعامات علم البلاغة عند العرب بسبقه الزمني في تحديد بعض المسائل البلاغية ذات الصلة بعلم المعاني وعلم البيان وعلم البديع من خلال القرآن. وقد اقتضى الوقوف عن كثب على تصور المتقدمين لبلاغة القرآن (من خلال مجاز القرآن) أن تتم دراسة ذلك التصور عبر بيان إطاره النظري وتطبيقاته العملية لمعرفة كافة أبعاد أثره في مسار علمي التفسير والبلاغة.
- أهداف البحث:
يهدف هذا البحث إلى الكشف عن التصورات التي تتيحها آيات القرآن عن العلاقة بين لسان القرآن ولسان العرب وأثرها في التقعيد اللغوي واستخراج الدلالة، وعلى رأسها التصور الذي ساد عند المتقدمين باعتباره محددا لمسار العلوم المرتبطة بالتقعيد للسان والتقعيد للتعامل مع القرآن. ونظرا لأن بلاغة القرآن هي أحد مستويات لسان القرآن، فقد تأثرت بالتصورات السابقة من جهة وأثرت في مسار علمي التفسير والبلاغة من جهة أخرى؛ ويقتضي ذلك البحثَ عن بوادر نشأة تصور المتقدمين لبلاغة القرآن وآثاره في تفسير القرآن وتذوق بلاغته، وبناء علم البلاغة وتشييد قواعده.
- الدراسات السابقة:
تزخر المكتبة الإسلامية بدراسات عديدة اهتمت ببلاغة القرآن وأوجه الارتباط بينها وبين علمي التفسير والبلاغة. وتكاد تعود بدايات هذا الارتباط إلى بدايات التأليف في العلوم الإسلامية ذات الاهتمام بالتقعيد لمستويات التعامل مع القرآن الكريم وتناولِه بالدراسة والفهم، حيث لا تكاد تخلو مؤلفات التفسير من توظيف للدرس البلاغي ولا تكاد تخلو كتب البلاغة من استشهاد بالآيات القرآنية، مما يعكس الوعي بمحورية البلاغة القرآنية ومصدريتها لعلمي التفسير والبلاغة. وقد امتد الاهتمام بهذا الارتباط إلى كثير من المؤلفات الحديثة والمعاصرة سيرا على نهج المتقدمين في الربط بين بلاغة القرآن وتفسيره والربط بين آيات القرآن وعلوم بلاغته. غير أن هذه المؤلفات لم تعن في الغالب بسبر أغوار التصور أو التصورات التي تقف وراء رؤية الدارسين، المتقدمين والمتأخرين على حد سواء، لبلاغة القرآن ومدى تأثيرها في مسار علمي التفسير والبلاغة، كما أنها لا تقدم رؤية نسقية متكاملة تكشف عن أثر تلك التصورات في العلوم المبنية عليها وفق الارتباط السنني الحاصل بين الدرس القرآني والعمران البشري. ويتيح هذا الوضع مجالا للدراسات المستجدة كي تدلي بدلوها في موضوع البحث، خاصة أن الدراسات السابقة لم تقدم جوابا نهائيا وصورة شاملة عن الإشكالات التي يثيرها البحث.
- خطة البحث:
اقتضت طبيعة البحث أن يتم تقسيمه على النحو التالي:
المقدمة.
1. إشكالات البحث.
2. دواعي اختيار "مجاز القرآن".
3. التعريف بأبي عبيدة معمر بن المثنى.
4. التعريف بـ "مجاز القرآن".
5. العوامل المؤثرة في تصور أبي عبيدة لبلاغة القرآن.
6. تصور أبي عبيدة لبلاغة القرآن (الإطار النظري).
7. تصور أبي عبيدة لبلاغة القرآن (التطبيق العملي).
8. تقييم "مجاز القرآن" لأبي عبيدة وتصوره لبلاغة القرآن.
الخاتمة.
- منهج البحث:
جمع هذا البحث بين مناهج متعددة لكي تفي بتحقيق أهدافه. وتنوعت تلك المناهج بين وصفي واستقرائي وتاريخي وتحليلي ونقدي بحسب ما اقتضته طبيعة البحث. فقد تم الاعتماد على المنهج التاريخي لتحديد تصور المتقدمين لبلاغة القرآن والبحث عن أول مؤلف أسس له، كما تمت الاستعانة بهذا المنهج أيضا لتتبع مدى تأثير ذلك التصور على مؤلفات التفسير والبلاغة عبر التاريخ. أما المنهج الوصفي فقد تم استعماله في وصف التصور موضوع الدراسة من الناحية النظرية والتطبيقية وتحديد نوع الأثر الذي خلفه في مسار علمي التفسير والبلاغة. وقد تم توظيف المنهج الاستقرائي في تتبع مفردات الإطار النظري والنماذج التطبيقية من كتاب "مجاز القرآن" بصفته أول مؤلف في التفسير والبلاغة برز فيه تصور بلاغة القرآن عند المتقدمين. وأخيرا فقد تم استعمال المنهجين التحليلي والنقدي وما يقتضيانه من مقارنة واستنباط للوفاء بحاجات تقييم التصور المدروس وتقويمه.
[h=2]1. إشكالات البحث:[/h]لقد بث الله تعالى في الوجود سنة كلية ثابتة في تاريخ الرسالات، غايتها ترجمة الوحي المسطور إلى واقع منظور. هذه السنة هي سنة اللسان التي تقضي أن يُبعث كل رسول بلسان قومه.[2] وجريا على هذه السنة العمرانية المطردة فإن الله تعالى قد جعل الكتاب المنـزل على محمد صلى الله عليه وسلم كتابا عربيا مبينا.
وقد جاء النص على عربية القرآن في آيات كثيرة تؤكد اطراد سنة اللسان في حق القرآن، وتؤكد اعتبارها مدخلا منهجيا في فهمه وتنـزيله على الواقع. ومن هذه الآيات قوله تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"[3] وقوله تعالى: "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ".[4]
إذا كانت هذه الآيات تنص على عربية القرآن وغاياتها، فتجعل اللسان العربي مدخلا منهجيا للفهم والتعقل، فإن هناك آيات أخرى تضفي على عربية القرآن أوصافا إضافية تجعل العلاقة بين كلام الله وكلام البشر، وعلاقتهما بالجهاز اللساني[5] موضع تساؤل. مما يفتح المجال لانبثاق تصورات عديدة بخصوص تلك العلاقات، بحيث يكون لكل تصور منها مداخله المنهجية وأدواته الإجرائية ونهاياته المعرفية وأثره العمراني. من تلك الآيات:
1- قوله تعالى: " وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ."[6] فهل يعني ذلك أن اللسان الذي نزل به القرآن، وهو لسان العرب، لسان مبين؟ أم يعني أن القرآن نزل بالشق المبين من لسان العرب؟ والفرق بين المعنيين أن البيان في الحالة الأولى ليس وصفا للقرآن وحده، وإنما هو من خصائص اللسان العربي كله. أما البيان في الحالة الثانية فهو وصف للقرآن وحده، يميزه عن لسان العرب الذي يتضمن غير المبين أيضا. ولكل حالة تبعاتها المنهجية في فهم القرآن والتقعيد للسان.
2- قوله تعالى: "قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ."[7] فهل قوله تعالى "غَيْرَ ذِي عِوَجٍ" يعم اللسان كله أم يخص القرآن وحده؟ وإذا علمنا أن علم اللسان عند العرب كان موكلا إلى السليقة تبين أن الآية في حال العموم تفيد سلامة فطرة اللسان عند العرب، وإدراكَهم للمثال الفطري الكامل في الإنجاز اللساني،[8] ونزولَ القرآن على مقاسات تلك الفطرة؛ أي وفق سنن العرب في كلامهم. أما في حال الخصوص فتفيد الآية تفاوت مستويات فطرة اللسان ومقاييسها في الإنجاز البشري، وبلوغها إلى درجة الكمال المطلق (أي الحدّ الأعلى في طبيعة تركيبها) في القرآن وحده. ولكل حالة تبعاتها المنهجية في فهم القرآن والتقعيد للسان.
ينتج عن الحالتين المستخلصتين من النصين السابقين[9] تصوران مختلفان لعلاقة كلام الله بكلام البشر. وينتج عن الاختلاف في تصور العلاقة بين الكلامين اختلاف في تصور علاقتهما بالجهاز اللساني.
أما التصور الأول لعلاقة كلام الله تعالى بكلام البشر فيتمثل في أن لسان العرب لسان مبين غير ذي عوج نزل به القرآن الكريم. ومن ثم فإن "العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن (...) بسبب."[10] كما أنه "لا بد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن ثم عرف، فلا يصح أن يجري في فهمها على ما لا تعرفه، وهذا جاء في المعاني والألفاظ والأساليب."[11] وبهذا يكون الكلامان متساويين في مصدريتهما للتقعيد للسان واستنباط أحكامه، لأنهما معا كلامان مُبِينان في لسان واحد.
وأما التصور الثاني فيركز على الفروق بين الكلامين؛ فلو قارنا بين ما في القرآن من بلاغة القول وبين أحسن ما استخرجه العلماء من كلام العرب لوجدنا الفرق بين كلام الله وكلام البشر في سمو اللغة وأحكام البيان كالفرق بين النبوغ والتقليد.[12] فلما كان الكلام تابعا لمقدار صاحبه قوة وضعفا، لأنه صورته المتكلمة، كان الفرق بين كلام الله وكلام البشر كالفرق بين مقام الله ومقام البشر. وبهذا يكون مستوى كلام الله تعالى أعلى من مستوى كلام البشر، فهو لغة فوق اللغة، وهو المعيار الوحيد الذي يحتكم إليه في التقعيد للجهاز وفي تفسير كل إنجاز.
لقد ساد التصور الأول منذ بداية نظر المتقدمين[13] إلى لسان القرآن، ووجَّه دفة تاريخ التعامل مع القرآن وتاريخ التقعيد لعلوم اللسان. ولما كانت بلاغة القرآن مستوى تحليليا من مستويات لسان القرآن فإنها لم تستثن من انعكاس ذلك التصور عليها. فما هي بوادر نشأة هذا التصور في مجال بلاغة القرآن؟ وما هي الظرفية التاريخية والأسباب الموضوعية التي أفضت إلى اختياره؟ وما هي آثاره في تفسير القرآن وتذوق بلاغته، وبناء علم البلاغة وتشييد قواعده؟
تهدف هذه الدراسة إلى الإجابة عن هذه الأسئلة عبر مقاربة أبرز مظان استخراج تصور المتقدمين لبلاغة القرآن وهو "مجاز القرآن"، لأنه أول مؤلف في بلاغة القرآن وفي علوم البلاغة.
[h=2]2. دواعي اختيار "مجاز القرآن":[/h]تكمن أهمية الكشف عن تصور المتقدمين لبلاغة القرآن من خلال كتاب "مجاز القرآن" في أنه أول مؤلف يهتم بالجانب البلاغي من لسان القرآن. فهو أول تفسير يعنى بتحديد المنهج البلاغي في التعامل مع القرآن، كما أنه أول دراسة أسست لعلم البلاغة عند العرب. وقد كان "مجاز القرآن" مرجعاً للدراسات التفسيرية واللسانية والبلاغية والأدبية بعده؛ فلما حدَّدَ صاحبه القول في بعض مسائل أسلوب القرآن، صارت تحديداته مسائل للبيان العربي، ذات قيمة لسانية كبيرة في بحوث التفسير والبلاغة معا. ومما يدل على السبق الزمني لـ"مجاز القرآن":
[h=3]2. 1. الدليل الأول:[/h]يعتبر معاني القرآن للفراء (ت 207 هـ)، ومجاز القرآن لأبي عبيدة (ت 209 هـ)، ومعاني القرآن للأخفش الأوسط (ت 215 هـ)، أولى مؤلفات المنهج اللساني في التفسير. غير أن أبا عبيدة قد ألف كتاب المجاز حوالي سنة 188 هـ،[14] وهو سابق لكتاب الأخفش، لأن الأخفش اعترف بالإفادة من "مجاز القرآن" في كتابه "معاني القرآن".[15] كما أن كتاب أبي عبيدة أسبق من كتاب الفراء الذي أُلف بين سنتي 202 هـ و204 هـ.[16]
[h=3]2. 2. الدليل الثاني:[/h]تعرض مجاز القرآن إلى حملة استنكارية قامت ضده، وذلك دليل على أنه مبتدَع في مجاله. ففي البصرة كان الأصمعي يتهم أبا عبيدة بأنه فسر القرآن برأيه، فلما بلغ ذلك أبا عبيدة ذهب إليه وسأله: أبا سعيد، ما تقول في الخبز؟ قال: هو الذي تخبزه وتأكله، فقال له أبو عبيدة: فسرت كتاب الله برأيك؟ قال: قال تعالى: "إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً".[17] قال: الأصمعي: هذا شيء بان لي فقلته ولم أفسره برأيي، فقال له أبو عبيدة: وهذا الذي تعيبه علينا كله شيء بان لنا فقلناه ولم نفسره برأينا.[18] أما الكوفة فقد أنكر علماؤها على أبي عبيدة حيث قال الفراء: "لو حمل إلي أبو عبيدة لضربته عشرين في كتابه المجاز."[19]
[h=3]2. 3. الدليل الثالث:[/h]قد يمنع من اعتبار أبي عبيدة أول من اعتنى ببلاغة القرآن أن التعريف ببعض وجوه البيان جاء في مصنف سابق، هو كتاب سيبويه. ففي تأويل قوله تعالى: "وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ"[20] قال سيبويه: "فلم يُشَبَّهوا بما يَنعِقُ، وإنما شُبِّهوا بالمنعوق به، وإنما المعنى: مثَلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي لا يسمع. ولكنه جاء على سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب بالمعنى."[21] وقال أبو عبيدة: "إنما الذي ينعِق الراعي ووقع المعنى على المنعوق به وهي الغنم – تقول: كالغنم التي لا تسمع، التي ينعِق بها راعيها- والعرب تريد الشيء فتحوله إلى شيء من سببه، يقولون: (...) أدخلت القلنسوة في رأسي وإنما أدخلتَ رأسك في القلنسوة."[22] فقد وافق أبو عبيدة سيبويه في أن المعنى في التشبيه على المنعوق به، ولكن في الوقت الذي فسره سيبويه على الاختصار (الإيجاز بالحذف) فسره هو على القلب، وهذا مما يشهد بأصالته.[23]
إن الإشارات المبثوثة عند سيبويه لا تعني سبقه في التأليف في بلاغة القرآن، أو تأسيسه لعلم البلاغة. فطريقة سيبويه تعتمد على منهج التعليم والتبسيط، بواسطة الشرح وضرب الأمثلة والاستشهاد بالشعر والمروي من الكلام، وتوجيه الخطاب إلى السامع أو القارئ، دون إفراد للأمور البلاغية بالتأليف أو تعمق أصيل في معالجتها كما هو الحال عند أبي عبيدة.
[h=2]3. التعريف بأبي عبيدة معمر بن المثنى:[/h]هو أبو عبيدة معمر بن المثنى، من تيم قريش،[24] ولد في البصرة سنة 110 ه،[25] وقيل سنة 114 هـ.[26] وتذكر بعض المصادر أنه كان يدعي أن أصوله يهودية.[27] غير أن فؤاد سَزْكين محقق كتاب "مجاز القرآن" فند هذا القول مبينا أن أبا عبيدة لم يكن يقصد إلى الجِد.[28] وقد كان أبو عبيدة من أئمة العلم والأدب، حافظا للعلوم وإماما في مصنفاته،[29] كما كان ثقة بشهادة المحدثين أنفسهم،[30] وكان من كبار النحويين أيضا.[31]
كاد المترجمون لأبي عبيدة يتفقون على أنه كان من الخوارج، خاصة أنه كان ينشد أشعارهم ويفيض في الحديث عن أخبارهم ومفاخرهم.[32] ثم نسبوا إليه القول بالقدر، ولكن أبا حاتم كان يبرئه من ذلك.[33] ويميل بعض الباحثين المعاصرين إلى أن حدَّة أبي عبيدة في نقد معاصريه جعلت خصومه يميلون إلى ثلبه وتنقصه واتهامه في دينه ونَسبه.[34] وليس في كتاب المجاز ما يدل على صحة تلك التهم، إذ ليس فيه إلا ما يشهد بحسن إسلامه وغيرته على دينه. كما أشاع معاصرو أبي عبيدة أنه كان يخطئ إذا قرأ القرآن نظرا،[35] ويَلحن في قراءة الشعر.[36] وقد دافع فؤاد سَزْكين عن أبي عبيدة على نحو موضوعي رد فيه على هذه الإشاعات.[37]
توفي أبو عبيدة بالبصرة سنة 209 هـ، وقيل سنة 211 هـ، وقيل سنة 210 هـ، وقيل سنة 213 هـ رحمه الله تعالى.[38] وقد خلف تراثا ضخما في مختلف العلوم والفنون، فمن مؤلفاته كتاب "مجاز القرآن"، وكتاب "معاني القرآن"، وكتاب "غريب القرآن"،[39] وكتاب "الديباج"، وكتاب "التاج"، إلى غير ذلك من الكتب النافعة التي تعكس منزلته العلمية وثقافته الواسعة.[40]
[h=2]4. التعريف بـ "مجاز القرآن":[/h]يوهم ظاهر عنوان الكتاب "مجاز القرآن" بأنه مصنف في المجاز بالمعنى البلاغي الاصطلاحي.[41] والواقع أن أبا عبيدة كان يستعمل هذه العبارة بمعنى الدلالة الدقيقة لصيغ التعبير القرآنية المختلفة.[42] فقد أراد بالمجاز معناه الواسع الموافق للوضع اللغوي، وهو الـمَعبر والطريق؛ أي أن "مجاز القرآن" هو الطريق التي يسلكها القرآن في تعبيراته، أو طريق الوصول إلى فهم المعاني القرآنية. ويمكن القول إن المجاز بدأ مرادفا للتأويل والتفسير، فأبو عبيدة يستعمل في كتابه هذه الكلمات: "مجازه كذا" و"تفسيره كذا" و"معناه كذا" و"غريبه" و"تقديره" و"تأويله".
أورد المؤلف في الجزء الثاني من المقدمة[43] فكرة الكتاب الأساس ذات الصبغة البلاغية. فقد بين كيفية التوصل إلى فهم المعاني القرآنية؛ وهي احتذاء أسلوب العرب في الإبانة عن المعاني، وسننهم في الكلام، خاصة أن ما في القرآن هو مثل ما في الكلام العربي من وجوه الإعراب، ومن الغريب والمعاني. ولهذا كان كتاب أبي عبيدة غنيا بالمأثور من كلام العرب.
من أهم السمات المنهجية التي تميز بها "مجاز القرآن" الابتعاد عن الجدل العقلي والخلاف المذهبي. وقد تناول القضايا البلاغية على نحو دقيق موصول بالقرآن الكريم بأسلوب تطبعه السهولة واليسر. ويعمد أبو عبيدة إلى تفسير الكلمات اللغوية التي تحتاج إلى تفسير مستعينا تارة بالجملة الشارحة[44] وتارة أخرى بالمرادف المفسر،[45] سواء أكان ذلك عن طريق الحقيقة أم عن طريق المجاز بمعناه عند البلاغيين.[46]
يكثر أبو عبيدة من الأدلة السمعية ويستعمل عبارات مثل: "والعرب تصنع ذلك"[47] أو "تفعل ذلك"،[48] و"العرب تقول"[49]. ويستدل بالآيات القرآنية لتوضيح رأيه،[50] كما أنه يستشهد بالقرآن وبالمأثور من الشعر لتوضيح معنى الآية وبيان قضاياها البلاغية.[51] غير أن أبا عبيدة لا يكتفي بالأدلة السمعية، وإنما يستعين بالقياس بشكل محدود لأنه عالم مفسر لغوي، واللغويون لا يكثرون من القياس.[52] ومن أمثلة استعماله للقياس قوله: "وإنما سمي القرآن فرقانا لأنه يفرق بين الحق والباطل، وبين المسلم والكافر، وخرج تقديره على تقدير رجل قُنْعان، والمعنى أنه يَرضَى الخصمان والمختلفان في الأمر بحكمه بينهما ويقنعان به."[53]
[h=2]5. العوامل المؤثرة في تصور أبي عبيدة لبلاغة القرآن:[/h]تأثر تصور أبي عبيدة لبلاغة القرآن بالعاملين الديني والتعليمي. فالمتتبع لنمو التفكير في بلاغة القرآن ونمو الفكر البلاغي عند العرب، سيلحظ أن العامل الديني كان أهم باعث على البحث في سائر طرق البلاغة. وقد تجسدت علاقة الدين بمنهج البحث البلاغي في الدفاع عن القرآن والتماس أوجه إعجازه، وتجسدت أيضا في حاجة المسلم إلى فهم معاني القرآن، وهو فهم لا يتم إلا بتعرف أساليبه، وما تنطوي عليه تعبيراته من المعاني والمقاصد.
استحث هذا الواقع حركة تأليف واسعة، فلم يبق تذوق بلاغة القرآن حكرا على فرسان الفصاحة ممن كان لهم البيان طبعا وسليقة، وإنما أوْلت الصفوة من علماء العربية هذا البيان من ضروب العناية ما هداهم إليه تصورهم لمعناه، وتفهمهم لغايته. فتشعبت المصنفات وتنوعت خدمة لهذا الفن حتى ضبطت مسائله، واتسعت مباحثه، وتفرعت مدارسه. في إطار هذا الجو ظهر أبو عبيدة معمر بن المثنى. وقد عاصر الفترة التي بعُد فيها العهد بين المسلمين وبين العرب الخلص، مما كان سببا في خفاء بعض المعاني القرآنية عليهم، فانطلقوا يسألون عنها العارفين بالعربية وأسرارها.[54]
وإضافة إلى العامل الديني فإن تشكيل تصور أبي عبيدة لبلاغة القرآن وترجمته إلى كتاب كان بدافع تعليم الأعاجم الذين دخلوا الإسلام. فقد حاول أن يضع أمام المستعربين صوراً من التعبير في القرآن، وما يقابلها من التعبير في الأدب العربي، ويبين ما فيها من التجاوز أو الانتقال من المعنى القريب أو التركيب المعهود للألفاظ إلى معان أخرى اقتضاها الكلام.‏
[h=2]6. تصور أبي عبيدة لبلاغة القرآن (الإطار النظري):[/h]التصور الذي حمله أبو عبيدة عن بلاغة القرآن هو التصور الأول لعلاقة كلام الله بكلام البشر. ومفاده أن لسان العرب لسان مبين غير ذي عوج نزل به القرآن الكريم، وأن الكلامين متساويان من حيث المصدرية للتقعيد للجهاز اللساني واستخراج أحكامه. يتأكد وجود هذا التصور لدى أبي عبيدة من خلال مجموعة من المؤشرات النظرية وهي:
[h=3]6. 1. المؤشر الأول:[/h]دافع أبو عبيدة عن عربية القرآن وبين أن القرآن عربي مبين، وليس فيه مدخل للسان غير العربية. وبصرف اللسان العربي المبين لإفادة هذا المعنى الذي ينفي وجود ألفاظ غير عربية في القرآن يكون أبو عبيدة قد جعل لسان العرب هو نفسه لسان القرآن. يتضح هذا الموقف من قول أبي عبيدة: "أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول (...). وقد يوافق اللفظ اللفظَ ويقاربه، ومعناهما واحد، وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو غيرها (...). ففي القرآن ما في الكلام العربي من الغريب والمعاني."[55]
[h=3]6. 2. المؤشر الثاني:[/h]فسر أبو عبيدة قوله تعالى "بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ"[56] بقوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ"[57] فقال: "إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، وتصداق ذلك في آية من القرآن، وفي آية أخرى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ)[58] فلم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيَه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألوا عن معانيه، لأنهم كانوا عرب الألسن، فاستغنوا بعلمهم به عن المسألة عن معانيه."[59]
إن الربط بين نزول القرآن بلسان عربي مبين، وبين كون كل رسول أرسل بلسان قومه، يعني أن لسان قوم الرسول صلى الله عليه وسلم هو اللسان العربي المبين. ومعنى ذلك أن في القرآن مثل ما في كلام العرب من وجوه التعبير، فمن جهة كلام العرب يفهم. ولهذا السبب فقد نحا أبو عبيدة في بيان بلاغة القرآن منحى سنن العرب في كلامهم، معتبرا أن الفهم يتحقق باحتذاء أسلوب العرب في الإبانة عن المعاني، وسننهم في الكلام.
[h=3]6. 3. لمؤشر الثالث:[/h]إن مما يرجح كفة التصور الأول على التصور الثاني عند أبي عبيدة هو أن الفكرة التي كانت تراوده وهو يؤلف كتابه كانت فكرة مدرسية، حيث حاول أن يضع أمام طبقة المستعربين صوراً من التعبير في القرآن، وما يقابلها من التعبير في الأدب العربي شعراً ونثراً حتى يتمكنوا من الفهم.[60] والغرض التعليمي هو غرض تقريبي، والأسهل لخدمة التقريب هو التصور الأول لبلاغة القرآن. إذ كيف بمن ليست له سليقة في كلام العرب أن يخاطب بكلام تحدى الله به العرب؟ وكيف بمن هو أمي في لسان العرب أن يسبر أغوار ما فوق لسان العرب؟ وكيف يخاطب بالحد الأعلى مِن اللغة مَن لم يتحصل لديه غير الحد الأدنى من الفهم؟ إذن فالتصور الثاني لبلاغة القرآن تعجيزي لهؤلاء، ولا يلائم حالهم من الناحية البيداغوجية غير التصور الأول الذي يحصل لهم قدرا من الفهم الذي يحصل به التكليف.
[h=2]7. تصور أبي عبيدة لبلاغة القرآن (التطبيق العملي):[/h]لم يقف تصور أبي عبيدة للسان وبلاغة القرآن عند حدود التنظير، وإنما طبق أبو عبيدة ذلك التصور على البلاغة القرآنية. فكانت النتيجة كتابا يبرهن على صلة أسلوب القرآن بأساليب العرب، ويؤسس لعلم البلاغة عند العرب، كما يؤسس لمنهج لساني في التفسير يجعل علم البلاغة مدخلا أساسا لفهم القرآن وإدراك بلاغته. وتستدعي البرهنة على تصور أبي عبيدة والخروج بها من حيز النظرية إلى مجال التطبيق أن يتم تحديد بعض ما جاء في "مجاز القرآن" من مباحث بلاغية. وهي مباحث أعوزها التبويب والتصنيف.
في مقدمة كتابه يعدد أبو عبيدة تسعة وثلاثين مجازا من مجازات القرآن لا تعدو أن تكون في مجملها مباحث بلاغية متفرقة.[61] وقد نبه أبو عبيدة في ثنايا تفسيره على مباحث أخرى لم ترد في هذه المقدمة، وعالجها بالشرح والبيان، نذكر منها مجموعة من النماذج موزعة على مباحث علم المعاني[62] والبيان[63] والبديع.[64]
[h=3]7. 1. مباحث من علم المعاني:[/h][h=4]7. 1. 1. الاستفهام:[/h]هو طلب العلم بشيء لم يكن معلوما من قبل بأداة خاصة. وأدوات الاستفهام كثيرة منها: الهمزة وهل.[65] وقد تخرج الأدوات عن معانيها الأصلية إلى معان مجازية تفهم من السياق والقرائن. وذكر أبو عبيدة بعض المعاني الزائدة التي تحتملها ألفاظ الاستفهام، ومنها:
· الإيجاب: وهو حين لا يفيد الكلام استفهاما أو نفيا. ومثال ذلك ما جاء عند تفسير آية: "أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ"[66] حيث قال: "مجازه مجاز الإيجاب، لأن هذه الألف تكون للاستفهام وللإيجاب، فهي ها هنا للإيجاب."[67] ويشفع لذلك مقام الآية، لأن المتكلم هو الله تعالى الذي جعل جهنم مثوى للكافرين، فلا يعقل أن يستفهم عن ذلك.
· التقرير: هو حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه إثباتا ونفيا لغرض من الأغراض، على أن يكون المقرر به تاليا لهمزة الاستفهام.[68] وذكر أبو عبيدة هذا المعنى عند تفسير آية: "أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ"[69] فقال: "الألف ليست ألف الاستفهام أو الشك، إنما خرجت مخرج الاستفهام تقريرا بغير الاستفهام (...) أي: وإن كان آباؤهم."[70] ولا مانع من أن يفيد الاستفهام هنا التعجب، بمعنى: أيتبعونه ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون.
· التنبيه: وقد يكون تنبيها على الخطأ أو الباطل وضلال الطريق. وقد أشار أبو عبيدة إلى أن الاستفهام قد يفيد التنبيه فقال في تفسير قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً"[71]: "ليس هذا رأي عين، هذا تنبيه في معنى: ألم تعرف."[72] وقد أقر الزركشي هذا المعنى في دخول الهمزة على "لم"، إذ ذكر أنها تفيد معنيين: "أحدهما التنبيه والتذكير، والثاني التعجب من الأمر العظيم."[73]
· التوعد: ويسميه بعض البلاغيين التهديد، وذلك كقوله لمن يسيء الأدب: (أولم أأدب فلانا؟) إذا كان المخاطب المسيء للأدب عالما بذلك، وهو أنك أدبت فلانا، فيفهم معنى الوعيد والتهديد والتخويف فلا يحمل على الاستفهام الحقيقي.[74] وذكر أبو عبيدة هذا المعنى عند تفسير آية: "أَفَسِحْرٌ هَذَا"[75] حيث قال: "ليس باستفهام بل هو توعد."[76] ويحتمل أن تدل الآية على التقريع والتهكم الذي نبه إليه أهل التفسير.[77]
[h=4]7. 1. 2. الأمر:[/h]هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء والإلزام. ويقصد بالاستعلاء أن ينظر الآمر لنفسه على أنه أعلى منزلة ممن يخاطبه أو يوجه الأمر إليه، سواء أكان أعلى منزلة منه في الواقع أم لا.[78] ويخرج الأمر عن معناه الحقيقي للدلالة على معان أخرى يحتملها اللفظ، وتستفاد من السياق وقرائن الأحوال. وقد أشار أبو عبيدة إلى بعض منها كالآتي:
· التوعد: ويكون باستعمال صيغة الأمر من جانب المتكلم في مقام عدم الرضا منه بقيام المخاطب بفعل ما أمر به تخويفا وتحذيرا له.[79] وقد نبه إليه أبو عبيدة في تفسير آية: "اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ"[80] فقال: "لم يأمرهم بعمل الكفر إنما هو توعد."[81] والدليل أن الله تعالى قال عقبه: "إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".[82] ويدل على ذلك أيضا أن الله تعالى لا يقر على عمل الكفر.
· الدعاء: وهو الطلب على سبيل الاستغاثة والعون والتضرع والرحمة وما أشبه ذلك. ويكون بكل صيغة للأمر يخاطب بها الأدنى من هو أعلى منه منزلة.[83] وقد أشار أبو عبيدة إلى ذلك في تفسير قوله تعالى: "رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا"[84] حيث قال: "مجازه مجاز الدعاء."[85]
· التنبيه: في قوله تعالى: "انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ"[86] قال: "مثل (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ)[87]"[88] وقد قال في تأويلها: "هذا تنبيه."[89] فليست الغاية من الخطاب هي مجرد النظر إلى افترائهم، بل الغاية هي التنبه إلى الكيفية التي يفترون بها الكذب على الله تعالى.
[h=4]7. 1. 3. التمني:[/h]هو طلب أمر محبوب لا يرجى حصوله إما لكونه مستحيلا، والإنسان كثيرا ما يحب المستحيل ويطلبه، وإما لكونه ممكنا غير مطموع في نيله.[90] واللفظ الذي يدل بأصل وضعه اللغوي على التمني هو (ليت)، وقد يُتمنى بثلاثة ألفاظ أخرى لغرض بلاغي، وهذه هي (هل، لعل، لو). وإذا كان الأمر المحبوب مما يرجى حصوله كان طلبه ترجيا. وألفاظ الرجاء التي يُطلب بها الأمر المحبوب المطموع فيه والممكن حصوله هي (لعل وعسى). [91] وقد نبه أبو عبيدة على معنى بعض هذه الأدوات، ومنها:
· عسى: في قوله تعالى: "عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا"[92] يقول: "هي إيجاب من الله، وهي في القرآن كلها واجبة، فجاءت على إحدى لغتي العرب، لأن عسى في كلامهم رجاءٌ ويقين."[93] ويستفاد من هذا الكلام فائدتان؛ الأولى أن عسى تدل على الرجاء واليقين معا بالأصالة لأن كل واحد منهما لغة للعرب. والفائدة الثانية هي خصوصية الاستعمال القرآني للغة في مقابل الاستعمال البشري لها، فإذا كانت "عسى" تدل في المعهود البشري على معنيين اثنين فإنها تحيل في القرآن على معنى واحد هو الإيجاب، لأنها في القرآن كله واجبة.
· لولا: في تفسير قوله تعالى: "وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ"[94] يقول: "معناها: هَلاَّ."[95] وفيه تنبيه على أن "لولا" قد ترد بمعنى "هَلاَّ" إذا استدعى المقام ذلك، أي أنها تخرج عن معناها الأصلي وهو كونها حرف امتناع لوجود.
[h=4]7. 1. 4. التقديم والتأخير:[/h]إن تقديم جزء من الكلام أو تأخيره لا يرد اعتباطا في نظم الكلام وتأليفه، فهو عمل مقصود يقتضيه غرض بلاغي. وما يقتضي بلاغيا تقديم جزء من الكلام هو ذاته ما يقتضي تأخير الجزء الآخر.[96] أورد أبو عبيدة أمثلة عن المقدم الذي يراد به التأخير، ومن ذلك:
· في قوله تعالى: "فَرِيقاً كَذَّبُوا"[97] قال: "مقدم ومؤخر، مجازه: كذبوا فريقا. (وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ)[98] مجازه: يقتلون فريقا."[99] ومما يؤكد هذا دلالةُ الإعراب وقواعد النحو؛ حيث تعرب "فريقا" مفعولا به منصوبا مقدما، أي أنها مما قدم والنية به التأخير.
· في قوله تعالى: "مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى"[100] يقول: "مجازه مجاز المقدم والمؤخر، ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى لا لتشقى."[101] ويمكن تفسير الآية على غير التقديم والتأخير، فيكون المعنى "لتشقى: لتتعب بفرط (...) تحسرك على أن يؤمنوا. أي: ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر، ولم يكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة. (...) وتذكرة نصب على الاستثناء المنقطع الذي (إلا) فيه بمعنى (لكن)."[102]
[h=4]7. 1. 5. القلب:[/h]هو جعل جزء من أجزاء الكلام مكان الآخر والآخر مكانه على وجه يثبت حكم كل منهما للآخر.[103] وقد ذكر أبو عبيدة أمثلة للمقلوب وعدَّ فيها:
· قوله تعالى: "وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ"[104] حيث قال: "إنما الذي ينعِق الراعي، ووقع المعنى على المنعوق به، وهي الغنم. تقول: كالغنم التي لا تسمع التي يَنعِقُ بها راعيها، والعرب تريد الشيء فتحَوِّله إلى شيء من سببه، يقولون: أعرِض الحوضَ على الناقة، وإنما تُعرض الناقة على الحوض."[105]
وقد عقب ابن قتيبة على ذلك قائلا: "وهذا ما لا يجوز لأحد أن يحكم به على كتاب الله عز وجل لو لم يجد له مذهبا، لأن الشعراء تقلب اللفظ وتزيل الكلام على الغلط، أو على طريق الضرورة للقافية، (...) والله تعالى لا يغلط ولا يضطر، وإنما أراد: ومثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم كمثل الناعق بما لا يسمع، فاقتصر على قوله: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وحذف (ومَثَلُنا) لأن الكلام يدل عليه، ومثل هذا كثير في الاختصار."[106]
· قوله تعالى: "وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ"[107] إذ يقول: "أي بَلَغْتُ الكِبَر، والعرب تصنع مثل هذا."[108] ووافقه ابن قتيبة واعتبر هذا المثال من المقلوب الذي يكون بتقديم ما يوضحه التأخير، وتأخير ما يوضحه التقديم.[109]
[h=4]7. 1. 6. الالتفات:[/h]وهو التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة: التكلم والخطاب والغيبة بعد التعبير عنه بطريق آخر. وهو من أحسن الأساليب تطرية لنشاط السامع.[110] وقد نبه أبو عبيدة على هذا الأسلوب في عدة مواطن منها:
· في قوله تعالى: "إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ"[111] قال في المقدمة: "من مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد، ثم تركت وحولت مخاطبته هذه إلى مخاطبة الغائب."[112] والالتفات هنا يفيد التعجيب من فعلهم بحكاية حالهم لغيرهم إشارةً إلى أن ما يعتمدونه بعد الإنجاء – من بغي في الأرض بغير الحق- مما ينكر ويقبح.
· في قوله تعالى: "ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى"[113] قال في المقدمة: "من مجاز ما جاء خبره عن الغائب ثم خوطب الشاهد."[114]
[h=4]7. 1. 7. الحذف:[/h]وهو حين يكون ترك الذكر والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة. وشرطه أن يكون في الكلام ما يدل على المحذوف وإلا كان تعمية وإلغازا. وشرط حسنه أنه متى ما ظهر المحذوف زال ما كان في الكلام من البهجة.[115] وذكر أبو عبيدة أقساما من الحذف، نذكر منها:
· ما يكون بذكر شيئين ثم يعود الضمير إلى أحدهما دون الآخر في مثل آية: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ"[116] حيث قال: "العرب تقتصر على أحد هذين الاسمين، (...) قال عمرو بن امرئ القيس من الخزرج:[117]
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف[118]
الخبر للآخِر."[119]
· ما يكون بالحذف من أحد الأمرين لدلالة الآخر، في مثل آية: "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ"[120] حيث قال: "مجازها ولقد أوحى إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك، مجازها مجاز الأمرين اللذين يخبَر عن أحدهما ويكَفُّ عن الآخر وهو داخل في معناه."[121] ولو سألنا: كيف قال "لئن أشركت" والموحى إليهم جماعة؟ فالجواب: إن المعنى (أوحى إليك لئن أشركت ليحبطن عملك، ومثل ذلك أوحاه إلى الذين من قبلك.)
[h=3]7. 2. مباحث من علم البيان:[/h][h=4]7. 2. 1. التشبيه:[/h]هو إلحاق أمر (المشبه) بأمر (المشبه به) في معنى مشترك (وجه الشبه) بأداة (الكاف، كأن، وما في معناهما) لغرض (فائدة). وأركانه هي: المشبه والمشبه به، وهما الطرفان، ووجه الشبه، والأداة.[122] وذكر أبو عبيدة هذا اللفظ الذي صار فيما بعد مصطلحا بلاغيا في مواضع منها تفسير قوله تعالى: "فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى"[123] قال: "شُبه بالعُرى التي يُتمسك بها."[124]
ولا يكتفي أبو عبيدة أحيانا بالتنبيه على التشبيه الواقع في الآية، وإنما يعمد إلى:
· بيان وجه الشبه كما في قوله تعالى: "وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ"[125] حيث قال: "ومجازه من شدة سواد كثرة الماء ومعظمه، قال النابغة الجعدي وهو يصف البحر:
يُماشيهِنَّ أَخضر ذو ظلالٍ على حـافاته فِلـَقُ الدِّنانِ[126]"[127]
· تعيين طرفي التشبيه، المشبه والمشبه به كما في تفسير قوله تعالى: "مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ"[128] حيث يقول: "مجازه: مثل أعمال الذين كفروا بربهم كمثل رماد."[129]
[h=4]7. 2. 2. الاستعارة التصريحية:[/h]الاستعارة هي ادعاء الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه مع طرح ذكر المشبه.[130] ويقسمها البلاغيون إلى تصريحية ومكنية. والتصريحية هي ما صرح فيها بلفظ المشبه به أو ما استعير فيها لفظ المشبه به للمشبه.[131] ولم يذكر أبو عبيدة الاستعارة بمعناها الاصطلاحي، لكن إدراكه لمعناها يتضح من خلال بعض النماذج التي نذكر منها:
· التنبيه على ما جرت فيه الاستعارة بين وسائل مختلفة للإدراك كقوله تعالى: "وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا"[132] حيث قال: "أي يعلم، وليس برؤية عين."[133]
· التنبيه على استعارة المحسوس للمعقول: كقوله تعالى: "وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ"[134] حيث قال: "أي جعلنا."[135]
[h=4]7. 2. 3. الاستعارة في الحرف:[/h]الاستعارة في الحرف استعارة تبعية. والاستعارة التبعية تكون في الأفعال والمشتقات والحروف. وذكر أبو عبيدة الاستعارة في الحرف في "مجاز الأدوات اللواتي لهن معان في مواضع شتى، فتجيء الأداة منهن في بعض تلك المواضع لبعض تلك المعاني."[136] ومن نماذج ذلك:
· قوله تعالى: "وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ"[137] فقد قال: "مجازها: وفي الفلك تحملون."[138] وليس في الآية ما يحمل على القول بالاستعارة في الحرف، لأن الفلك وإن كان فيها معنى الوعاء كقوله تعالى: "قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ"[139] فإن فيها معنى الاستعلاء أيضا، لأن الفلك وعاء لما فيها وحمولة لمن عليها.
[h=4]7. 2. 4. الاستعارة المكنية:[/h]وهي ما حذف فيها المشبه به أو المستعار منه، ورمز له بشيء من لوازمه.[140] وقد أدرك أبو عبيدة معنى الاستعارة المكنية وإن لم يخصها بتسمية:
· ففي قوله تعالى: "جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ"[141] قال: "وليس للحائط إرادة ولا للموات، ولكنه إذا كان في هذه الحال من ربه فهو إرادته، وهذا قول العرب في غيره، قال الحارثي:
يُريد الرمحُ صدرَ بني بَرَاءٍ ويَرغَب عن دماء بني عقيل[142]
ومجاز (أَنْ يَنقَضَّ) مجاز (يقع)، يقال: انقضت الدار إذا انهدمت."[143]
وقد تأثر ابن قتيبة بهذا التفسير عند رده على الطاعنين في المجاز فقال: "ولو قلت للمنكر كيف كنت قائلا في جدار رأيته على شفا انهيار: رأيت جدارا ماذا؟ لم يجد بدا من أن يقول جدارا يهم أن ينقض أو يكاد أن ينقض، (...) وأيّا ما قال فقد جعله فاعلا (...) وأنشدني السجستاني عن أبي عبيدة في مثل قول الله (يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ): يريد الرمح... (البيت)."[144]
[h=4]7. 2. 5. إجراء لفظ من يعقل على الجماد وما لا يعقل:[/h]يسميه أبو عبيدة: "مجاز ما جاء من لفظ الحيوان والموات على لفظ خبر الناس"[145]، وله نماذج كثيرة نذكر منها:
· في الضمير: كقوله تعالى: "فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ"[146] حيث قال: "فهذا من الموات وخرج مخرج الآدميين، بمنزلة قوله: (رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)[147]."[148] فالذي سوغ إجراء ضمير ما لا يعقل على حد من يعقل في هذه الآيات هو أنه أخبر عن هذه الأشياء بأخبار الآدميين، كالنطق والسجود، فأنزلها منزلتهم.
· في الإشارة: كقوله تعالى: "كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً"[149] إذ قال: "خرج مخرج ما جعلوا الخبر عنه والعدد كالخبر عن الآدميين وعلى لفظ عددهم إذا جمعوا وهو في الكلام: كلُّ تلك."[150] وما سوغ مخاطبة من لا يعقل بخطاب من يعقل في الضمير والإشارة واحد.
[h=4]7. 2. 6. المجاز المرسل:[/h]المجاز اسم لما أريد به غير ما وضع له لمناسبة بينهما.[151] أما المجاز المرسل فتكون العلاقة فيه غير المشابهة، وسمي مرسلا لأنه لم يقيد بعلاقة المشابهة أو لأن له علاقات شتى.[152] ومن نماذج ما ذكره أبو عبيدة في ذلك:
· في قوله تعالى: "وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً"[153] يقول: "مجاز السماء هاهنا مجاز المطر، يقال: ما زلنا في سماء، أي في مطر، وما زلنا نطأ السماء، أي: أثر المطر، وأنَّى أخذتكم هذه السماء؟"[154] والعلاقة في هذا المثال هي علاقة المحلية.
[h=4]7. 2. 7. المجاز العقلي:[/h]ويكون في الإسناد، أي في إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له.[155]ومن نماذج ما ذكره أبو عبيدة في ذلك:
· إسناد ما بني للفاعل إلى المفعول كما في تفسير قوله تعالى: "فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ"[156] إذ قال: "مجاز مَرضِيَّة، فخرج مخرج لفظ صفتِها [أي اسم الفاعل] والعرب تفعل ذلك إذا كان من السبب في شيء، يقال: نام ليلُه، وإنما ينام هو فيه."[157]
[h=4]7. 2. 8. الكناية:[/h]هي التعبير عن شيء بلفظ غير صريح في الدلالة عليه لغرض من الأغراض كالإبهام على السامع.[158] وقد أشار أبو عبيدة إلى الكناية في مواضع عديدة نذكر منها:
· الكناية عن الصفة في مثل قوله تعالى: "أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ"[159] حيث قال: "كناية عن حاجة ذي البطن."[160] وفي كلامه هنا دلالة على أنه أورد لفظ الكناية واستعمله على النحو الذي عرف عند البلاغيين لاحقا.
[h=3]7. 3. مباحث من علم البديع:[/h]لم يتناول أبو عبيدة من ألوان البديع إلا القليل، ولعل مرد ذلك إلى عدم معرفته بها. وقد أشار إلى هذا أحمد عبد الواحد فقال: "وفي معاني الفراء (...) مباحث لم يعرف بها أبو عبيدة، من مثل ما عرف في البلاغة بالمجاز المرسل المركب، وبعض ألوان البديع."[161] وقد أمكن العثور في مجاز القرآن على نموذج هو:
[h=4]7. 3. 1. المشاكلة:[/h]وهي المماثلة، ومعناها ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا.[162] وقد لامس أبو عبيدة هذا المبحث في مواضع نذكر منها:
· في قوله تعالى: "لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً"[163] حيث قال: "مجازه مجاز (أكلت خبزا ولبنا) واللبن لا يؤكل، فجاز إذا كان معها شيء يؤكل، والتأثيم لا يسمع، إنما يسمع اللغو."[164] فالتأثيم لما ذكر مصاحبا للغو عومل معاملته وإن كان لا يُسمع في الحقيقة.
[h=2]8. تقييم "مجاز القرآن" لأبي عبيدة وتصوره لبلاغة القرآن:[/h][h=3]8. 1. تقييم "مجاز القرآن":[/h]كانت لأبي عبيدة قدرة كبيرة على التخريج ورؤية خاصة في تحليل لسان القرآن فنيا وجماليا، مما أزعج بعض العلماء، لأنه تجاوز في نظرهم حدوداً لا يمكن تجاوزها. وقد تمنى الفراء أن يضرب أبا عبيدة لمسلكه في هذا التفسير،[165] وحرّم أبو حاتم السجستاني قراءة "المجاز".[166] غير أن هذا النقد لا يحط من القيمة العلمية لـهذا الكتاب، ومن مظاهرها:
1- أن محورية البلاغة القرآنية في "مجاز القرآن" وطبيعةَ تصور أبي عبيدة أفضت إلى إيجاد نمط جديد من التفسير هو تفسير الأعراب. وعنه يقول أبو عمر الجَرْمِي[167]: "أتيت أبا عبيدة بشيء منه [أي مجاز القرآن] فقلت له: عمن أخذت هذا يا أبا عبيدة؟ فإن هذا خلاف تفسير الفقهاء. فقال لي: هذا تفسير الأعراب البوالين على أعقابهم."[168]
لقد كان تفسير الأعراب فاتحة لنمط دراسي ينهل من أدوات إجرائية مستمَدةٍ من تفاعل بلاغة القرآن وبلاغة العرب. ذلك التفاعل الذي بموجبه يكون النمط القرآني في التعبير هو النمط عينه الذي في أسلوب العرب. وقد كانت الوسيلة الأساس المدعمة لذلك التفاعل هي الاستعانة بمكونات التعبير العربي من خلال الاستشهاد بنصوص من لسان العرب.
يستثمر تفسير الأعراب هذا التفاعل في استجلاء غوامض القرآن، والكشف عن خصوصيته من خلال المقابلة بين لسان العرب ولسان القرآن. وقد مكنت هذه المقابلة من الوصول إلى أن القرآن من جنس كلام العرب، ومن جهته يُفهم، وأنه إبداع داخل اللسان المعهود وليس إبداعا خارجه. ومن ثم فإن خصوصية القرآن في العدول عن الاستخدام المعياري، تقابلها خصوصية في اللسان العربي تُمكن من فهم ذلك العدول. وقد جسد تفسير الأعراب في "مجاز القرآن" هذه الخاصية الأسلوبية المهمة، حيث نوع أبو عبيدة وقفاته عند نماذج قرآنية تمثل ألواناً من الصياغة والدلالة، وأعقبها في كل مرة بنماذج تفسيرية من معهود العرب.
ويعلي من قيمة تفسير الأعراب أيضا أنه لما بيَّن بشكل عملي أن الدراية بأساليب القرآن لا تقيمها إلا الدراية بأساليب العرب، فقد أسدى للتراث اللساني خدمة كبيرة تتمثل في توثيقه وصيانته. إذ لولا التأكيد العملي على الصلة التفسيرية بين الأسلوبين لما قامت للدراسات اللسانية العربية قائمة، ولأُهمِل سَنن العرب في كلامهم، و"لتبدَّلت لغاتهم بالاختلاط الذي وقع ولم يكن منه بد، حتى تنتقض الفطرة وتختبل الطباع، ثم يكون مصير هذه اللغات إلى العفاء لا محالة، إذ لا يخلفهم عليها إلا من هو أشد منهم اختلاطا وأكثرُ فساداً، وهكذا يتسلسل الأمر حتى تستبهِم العربية فلا تبِين - وهي أفصح اللغات - إلا بضرب من إشارة الآثار."[169]
2- أن التصور الذي يحمله أبو عبيدة عن علاقة كلام الله وكلام العرب بالجهاز اللساني، (وهو أنهما كلامان مُبِينان في لسان واحد)، دفعه إلى التعزيز الفعلي لمصدرية القرآن في علم البلاغة. فقد جعل أبو عبيدة القرآن أحد أصلي التقعيد للجهاز اللساني، مستثمرا بذلك الخصائص الداخلية للنص في تحديد منهج فهمه، ومتمسكا بروح العربية الأصيلة المأخوذة عن القدماء، ومعتمدا على حسه اللساني في استقراء مناحي المجاز، دون تقيد بالقواعد الحديثة للمدرستين البصرية والكوفية اللتين كانتا في طور التكوين.
3- أن مقاربة بلاغة القرآن في "مجاز القرآن" كانت شمولية تكاملية توظف مستويات عديدة من الدرس اللساني لأجل فهم وتذوق أفضل للقرآن وبلاغته. فسبر أغوار البلاغة عموما، وبلاغة القرآن خصوصا، يستدعي استحضار أكثر من بعد واحد من أبعاد التحليل اللساني. يظهر ذلك من خلال تحليل أبي عبيدة لـ"مجازات" القرآن باعتبارها هي طريقة التعبير البلاغي في القرآن. والمجازات التي درسها أبو عبيدة، وذكرها في المقدمة، تبلغ تسعاً وثلاثين حالة تتوزع على علوم البلاغة، وعلم النحو، وما أشكل من الألفاظ على الفهم. وقد أسست هذه المجازات لنمط إجرائي يقنن لتناول القرآن بالدراسة، متجها نحو التقعيد ووضع الأسس.
4- أن "مجاز القرآن" أثر في الكتب التي جاءت بعده ورامت الرجوع إلى الأساليب العربية المستعملة، وفهم آي التنـزيل التي نزلت على طريقة العرب في التعبير.‏ فهو من أوائل المؤلفات التي فتحت آفاق هذا النمط من المعالجة الذي طوره الدارسون فيما بعد بالإسهام النظري والإجراء العملي. ولهذا السبب صار "مجاز القرآن" منهلاً لكثير من الدارسين كالبخاري (255 هـ)، وابن قتيبة (276 هـ)، والطبري (310 هـ)، وابن دريد (321 هـ)، وابن النحاس (333 هـ)، والأزهري (370 هـ)، والجوهري (391 هـ) وابن حجر العسقلاني (852 هـ)،[170] وغيرهم ممن استشهدوا بما تطرق إليه من مباحث لغوية وبلاغية في مجاز القرآن.[171]
[h=3]8. 2. تقييم تصور أبي عبيدة لبلاغة القرآن:[/h]لا يتجه التقييم هنا إلى تصور أبي عبيدة لبلاغة القرآن، وإنما يتجه إلى التصور الأول بشكل عام، فيمتد ليشمل المؤلفِين الذين بعد أبي عبيدة أيضا، مما يمكن من الوقوف على عطاءات التصور وآثاره المعرفية وكفايته المنهجية.
ومهما كانت النتائج الإيجابية التي وصل إليها "مجاز القرآن" فإن ذلك لا ينبغي أن يحجب عنا حقيقة قصور التصور الذي بُني عليه الكتاب. فالتصور الأول للعلاقة بين كلام الله وكلام البشر، وعلاقتهما بالجهاز اللساني، قد انحرف قليلا فيما بعد عن مساره الإيجابي المرصود في تقييم "مجاز القرآن"، لأنه كان يحمل في طياته إرهاصات الخروج عن ذلك المسار.
تتمثل تلك الإرهاصات في كون التصور الأول يعتبر أن القرآن جاء على نفس نمط التعبير لدى العرب؛ أي أن الكلامين مبينان ومتساويان في التقعيد للجهاز اللساني. وينتج عن ذلك مقولتان منهجيتان هما أن القرآن ليس وحده مصدر التقعيد للسان، وأن القرآن ينبغي أن يُفهم من جهة لسان العرب. وبصرف النظر عن صحة هاتين المقولتين نظريا فإنهما تفتحان المجال لاعتبار لسان العرب هو معيار قياس صواب التعبير القرآني وتحديد قصده، مما يفضي إلى تبعات سلبية تخرج بسنة اللسان عن وظيفتها العمرانية.
يتحدد حجم التبعات السلبية بالاحتكام إلى جملة من المعايير. فالتصور الإيجابي الذي يُمكِّن سنة اللسان من أداء وظيفة الانتقال السليم من القرآن إلى العمران، هو ذاك الذي:
- يجعل لسان القرآن مصدرا للتقعيد، ويضع ضمانات لبقائه كذلك.
- يجعل علوم اللسان الناتجة عن التقعيد جسرا يبدأ عنده الذوق، لا قيدا يكبل الذوق.
- يجعل العلوم الشرعية المعنية بفهم الخطاب مؤَمنة لإدراك القصد على سبيل الجزم أو التقريب والتغليب، ومانعة من ضياعه.
- يجعل العلوم الشرعية المعنية بالامتثال للخطاب قادرة على ترجمة مراد الله من البشر إلى سلوك ملموس في حياة البشر، وهذا هو معنى بناء العمران على أساس من القرآن.
حين يجعل التصورُ الأول لسانَ العرب مقياس صواب التعبير القرآني وتحديد قصده، فإنه:
- يُحوِّل لسان القرآن وبلاغته من مصدر للتقعيد إلى شاهد على التقعيد.
- يُحوِّل علوم اللسان، بما فيها علم البلاغة، من جسر للذوق إلى سقف للذوق.
- يُحوِّل علوم فهم الخطاب الشرعي من مؤَمِّن لإدراك القصد إلى مرتع لضياع القصد. وهذا نتيجةٌ حتمية لتحول لسان القرآن إلى شاهد للبرهنة على مصداقية حركة التقعيد، بدل أن يستمر في كونه مصدرا يواكب تلك الحركة.
- يجعل علوم الامتثال للخطاب الشرعي تنـزل بالنص إلى مستوى الواقع بدل أن ترتفع بالواقع إلى مستوى النص. وهذا التحول نتيجةٌ لاتساع رقعة ما لا نعرف قصد الشارع فيه، ونتيجة لتلاحق النوازل المستجدة، ونتيجة أيضا لكون مواقف التصور الأول تحجب نور القرآن بدل أن تكشفه، أو بالأحرى تحجب أعين الناس عن رؤية نور القرآن من حيث تريد لها أن تنبهر بذلك النور. ويفضي ذلك إلى اتساع الهوة بين النص والواقع، فيصير الحل العملي للالتزام بالدين هو تفصيل أحكام القرآن على مقاسات العمران بدل بناء العمران على أساس القرآن.
وفيما يلي تفصيل في نتيجة العنصرين الأولين من التقييم؛ بلاغة القرآن وعلوم البلاغة:
[h=4]8. 2. 1. بلاغة القرآن: من مصدر التقعيد إلى شاهد التقعيد:[/h]إن من أبلغ ما يعبر عما آلت إليه بلاغة القرآن هو ما ذهب إليه الرافعي من أن "القرآن كان علم البلاغة عند العرب، ثم صار بعدهم بلاغة هذا العلم"،[172] فتحول من غاية إلى وسيلة. وسبب ذلك هو تركيز التصور الأول على معيارية لسان العرب في قياس صواب التعبير القرآني، مما أفضى إلى التحول من اعتبار لسان القرآن ولسان العرب مصدرين متساويين في التقعيد إلى تغليب كفة لسان العرب في المصدرية للتقعيد. كما أفضى بعد استواء علم البلاغة على سوقه إلى تناسي مصدرية القرآن، وتحوله من مصدر للقواعد إلى مصدر للشواهد.
وقد كانت لهذا التحول آثار وخيمة على منهج التفسير وعلم البلاغة، نذكر منها:
1. التعامل التجزيئي مع النصوص: يستدعي التعاملُ مع بلاغة القرآن باعتبارها شواهد أن تُقتطع النصوص المستشهد بها من سياقاتها. وهذا النوع من التعامل يشجع على سيادة النظرة التجزيئية في تحليل الخطاب بدل النظرة الكلية التي تحدد دلالته. كما أن هذا النوع من التعامل يعتبر أول خطوات تضييع القصد الثاوي في الخطاب الشرعي.
2. ظهور الخلاف البلاغي: يُعد تهميش بلاغة القرآن في عملية التقعيد من العوامل المسؤولة عن الخلاف بين البلاغيين. ولا ينعكس الخلاف البلاغي على مسيرة علم البلاغة فحسب، وإنما ينعكس على علم التفسير أيضا؛ فاعتبار علوم البلاغة من روافد علم التفسير يجعل الاختلاف في قواعدها مفضيا إلى الاختلاف في قواعده. وحين تختلف القواعد تختلف المعاني التي تكشف عنها عملية التفسير بالضرورة.
3. تطويع البلاغة لخلفيات البلاغيين: ازدادت حدة الخلاف البلاغي بسبب تعدد خلفيات البلاغيين التي أسهم في تشعبها ضياع القصد الناتج عن اعتماد النظرة التجزيئية. وقد أسفر ذلك عن ظهور قضايا مثل الموقف من المجاز، وثنائية اللفظ والمعنى، وتقسيم المحسنات إلى معنوية ولفظية. ومن أخطر النتائج السلبية لتطويع علم البلاغة لتلك الخلفيات نتيجتان هما:
- أن اتخاذ آيات القرآن شواهد لعلم البلاغة مطيةٌ إلى إكساب خلفيات البلاغيين مشروعية وإعطائها مصداقية بحيث تبدو وكأنها امتداد طبيعي للسان القرآن نفسه.
- أن اعتبار علم البلاغة رافدا لعلم التفسير يضفي مشروعية على تسلل تلك الخلفيات إلى أعمال المفسرين، ويضمن تأثيرها في توجيه المعنى وتعيين القصد.
4. الفصل بين علوم اللسان بدل وصلها: أفضت العوامل السابقة إلى تضخم علم البلاغة وابتعاده عن الغاية التي نشأ لأجلها، مما اقتضى فصله عن باقي العلوم التي كانت تشاركه في خدمة بلاغة القرآن. وقد ساعد على التعجيل بذلك الفصل نضج كل واحد من تلك العلوم واكتمال تقعيده،[173] مما قضى على النظرة التكاملية في تحليل بلاغة القرآن.
[h=4]8. 2. 2. علوم البلاغة: من جسر الذوق إلى سقف الذوق[/h]حين يعتبر التصور الأول أن بلاغة القرآن جاءت على نمط التعبير لدى العرب فإنه يجعل مدخل فهمها وتذوقها هو لسان العرب؛ أي أن اللسان هو معيار تحديد قصد القرآن ومقياس جمالية أسلوبه. والتصور الأول -في هذه الحدود- لا يحجر على الفهم ولا يُنمط الذوق، ولكنه اتخذ ذلك المنحى شيئا فشيئا حين تحول علم البلاغة إلى قواعد تحدّ العمل الأدبي بعد أن كان ظواهر جمالية تنتج عن العمل الأدبي نفسه. ونتيجة لذلك ابتعد علم البلاغة عن دوره في الإحساس بالإعجاز والنهوض بالذوق، ليصير سقفا لا يُسمح بتجاوز حدوده في الذوق.
ومما يكرس تحول علم البلاغة من جسر للذوق إلى سقف للذوق هو الانتقال التدريجي لبلاغة القرآن من كونها مصدرا للتقعيد إلى صيرورتها تطبيقات له. ذلك أن "الجري خلف القواعد والفنون من شأنه أن يلحق حاسة الذوق بالضمور، وذلك لأن البلاغي منهمك في إحكام القاعدة أولا، وهو إحكام عقلي صرف، وتبقى النصوص غائبة، فلا يساعد القارئ على تذوقها واستشعار جماليتها، وليس للذوق حياة إلا بانتهاج سبيل التحليل، وجعل القواعد مجرد وسائل مساعدة."[174] ويزداد الوضع سوءا حين تصطبغ البلاغة بخلفيات المشتغلين في مجالها، فتتأثر بسلبيات طريقة المتكلمين والفلاسفة في درس البلاغة، ليصير السقف الواحد الذي وضعه علم البلاغة آنفا أسقفا متعددة بتعدد الدارسين لذلك العلم.
[h=2]خاتمة:[/h]إن التصور الأول، في شكله الذي آل إليه، لم يعد قادرا على النهوض بالذوق البلاغي؛ فهو يحمل في ثناياه أسباب انحرافه عن المسار الذي وضعه له البلاغيون الأوائل، والمتمثلِ في مدارسة بلاغة القرآن لإدراك سر إعجازه أو للاقتراب من ذلك السر. وقصورُ التصور الأول في هذه الناحية كان من أسباب بُعد المسافة بين كلام الله وتطبيقه في حياة البشر.
غير أن قصور التصور الأول لا يعني تعميم الحكم عليه بالخطأ، أو إقصاءه من التصورات المعتبرة في مقاربة بلاغة القرآن. كما لا يعني ذلك القصور عدم صلاحية المؤلفات المبنية على التصور الأول لأنْ يستفاد منها في مجال من مجالات التعامل مع بلاغة القرآن. ومن ثم يصير المجال مفتوحا، لمواجهة ذلك القصور، أمام ثلاثة إمكانات هي: إكمال التصور الأول، أو إبدال التصور الأول بالثاني، أو إحداث تصور جديد.
ينتج الخياران الثاني والثالث عن موقف يرى أن الحل لتجاوز الأخطاء المعرفية والمنهجية التي أفرزها التصور الأول - بعدما انحرف عن مساره - هو تعويضه بتصور مغاير. وبصرف النظر عن مدى جدوى هذا الموقف في الاستئصال النهائي لتلك الأخطاء فإنه يفضي إلى إهمال كل ما أنتجه التراث العربي الإسلامي وكان التصور الأول هو المشكِّل لإطاره النظري، سواء أكان ذلك التراث مما حصلت فيه أخطاء منهجية بالفعل – كالمؤلفات البلاغية المتأخرة التي طغى فيها الإحصاء والتصنيف – أم لم يكن كذلك.
أما الخيار الأول فلا ينحو نحو القطيعة المعرفية مع عطاءات التصور الأول، وإنما يروم تعزيز التصور الأول بدعامات نظرية ومنهجية تصحح مساره وتضمن عدم انحرافه عن مساره الجديد، فاتحا المجال بذلك أمام جعل علم البلاغة مجددا "أداة فعالة تهدي المتلقين إلى تمثل أسرار بيان القرآن، واكتناه وجه معتبر من أوجه إعجازه الخالدة بخلوده في الزمان والمكان."[175]
إن مما يمكن اقتراحه لتصحيح المسار النظري للتصور الأول، هو إعادة صياغة المسلمة التي ينطلق منها على نحو ينبه إلى محورية القرآن ومكانته المصدرية في التقعيد لعلم البلاغة. يتم ذلك عبر التحول من المسلمة التي تقضي بأن كل ما هو موجود من أساليب البلاغة في القرآن فهو موجود أيضا في كلام العرب، إلى المسلمة التي تقضي بأن كل ما هو موجود في كلام العرب من أرفع أساليب البلاغة فهو موجود - في صورته الكاملة – في القرآن. وبموجب هذه المسلمة الجديدة يتم الحفاظ على مصدرية القرآن في التقعيد لعلم البلاغة، كما لا يتعدى ذلك العلم مقامه المتمثل في كونه وسيلة لتذوق بلاغة القرآن واستشعار إعجازه.
يفضي تعديل المسلمة التي ينطلق منها التصور الأول إلى إلحاق محددات إضافية بالعلاقة بين الكلامين الإلهي والبشري، وعلاقتهما بالجهاز اللساني؛ وهي محددات تنطلق من كون الكلامين مُبِينَين على نحو يؤهلهما للتقعيد للجهاز، مما يعني وجود جهاز لساني واحد هو المستعمل في كلام الله ولسان العرب. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن كل ما هو موجود في كلام العرب من أرفع أساليب البلاغة فهو موجود - في صورته الكاملة – في القرآن، فإن النتيجة ستكون هي القول بكمال الجهاز اللساني والكلامين الإلهي والبشري. ومعنى ذلك أن الجهاز اللساني، الموجود بالقوة في انتظار أن يخرجه التقعيد إلى حيز الوجود بالفعل، جهاز كامل يستعمله العربي استنادا إلى فطرته اللسانية، فينتج عن ذلك إنجاز بشري مبين بحسب ما تسمح به أقصى درجات الكمال البشري. بينما يستعمله القرآن استعمالا يليق بكماله، فتكون النتيجة كلاما إلهيا مبينا ومعجزا في الآن نفسه.
إن الجهاز اللساني المعتمَد في الكلامين واحد، لأن الكلام الإلهي "لو خرج عن ذلك لخرج من أن يكون معجزاً في جهة من جهاته ولاستبانَ فيه ثمة نقص يمكن أن يكون في موضعه ما هو أكمل منه وأبلغ في القصد والاستيفاء."[176] غير أن استعمال ذلك الجهاز في القرآن كان أعلى من مستوى استعماله في كلام العرب؛ فلما أريد بالقرآن وضعٌ معجز في نسق ألفاظه وارتباط معانيه فقد جرى على أصول الجهاز في أرقى ما تبلغه الفطرة اللسانية.[177]
من هذا المنظور يؤول التصور الأول إلى القول بكمال الجهاز اللساني والكلامين الإلهي والبشري. وبالمقارنة بين كمال كلام الله وكمال كلام البشر يتبين إلى أي حد ينبغي أن يرتفع التقعيد إلى مقام التسليم النظري والعملي بمصدرية بلاغة القرآن، وإلى أي حد ينبغي أن ينـزل علم البلاغة إلى حدود كونه جسرا فقط للفهم والذوق.
أما تأسيس التقعيد على بلاغة القرآن فهو ضرورة منهجية لأن كمال كلام الله أعلى من كمال كلام البشر، مما يجعل بلاغة القرآن هي "المثال الفطري الكامل الذي تُقاس إليه القدرةُ والعجزُ (...) قياساً لا يلتاث ولا يختلف"،[178] بدل أن يكون المثال الذي يقاس عليه هو كلام العرب، الذين كانوا قبل نزول القرآن "على حال يتوهم فيها كل قبيل منهم أنه أسلمُ فطرة في اللغة وأبينُ مذهباً في البيان، لأنهم لا يجدون من ذلك إلا أمثلة ترجع إلى فطرتهم وتختلف باختلاف حظوظهم منها."[179] ولما كان هذا حال كلام العرب فالذي يقيس عليه في التقعيد، مغفلا مصدرية بلاغة القرآن، "لا بد مخطىء تعيين المراتِب في المقدار الفاضل، وتعيين ما يقابلها في المقدار المفضول، ثم مخطىء في تمييل الحكم بين المقدارين، (...) لأن قياس مثل ذلك من الفطرة لا يتهيأ إلا بعمل يحتوي كل دقائقها وما يمكن أن تبلغ إليه من الكمال المطلق الذي هو الحدّ الأعلى في طبيعة تركيبها، ومثل هذا لا يكون البتة من إنسان ينـزل على حكم هذه الفطرة نفسها."[180]
وأما بقاء علم البلاغة في حدود كونه جسرا لفهم وتذوق بلاغة القرآن، دون أن يتحول مع الزمن إلى سقف لهما، فيضمنه (في الصيغة المعدَّلة من التصور الأول) الوعيُ بعلو كلام الله على كلام البشر علوا معجزا لجميع البشر. ذلك أن استحضار جانب الإعجاز أثناء التعامل مع القرآن يفرض التعامل مع سر الإعجاز في بلاغة القرآن باعتباره سرا مكنونا يتكشف باستمرار، مما يبقي التذوق دائما في مجال الشوق ولا يُدخله إلى حيز الإحاطة والامتلاك. ومن ثم تكون علوم البلاغة طريقا إلى فهم وتذوق بلاغة القرآن ولا تكون هي نهاية الطريق.
ويضاف إلى هذه الضمانة ضمانة أخرى، وهي مصدرية بلاغة القرآن في التقعيد لعلم البلاغة. ذلك أن جعل كلام الله بصفته المعجزة مصدرا يقعَّد على أساسه لعلم البلاغة سيُبقي المجال مفتوحا في ذلك العلم لمزيد من التقعيد بحسب ما يتكشف من مكنون الإعجاز في كل عصر، ومن شأنه أيضا أن يضمن الانفتاح المنهجي لعلم البلاغة على كل ما يمكن أن يسهم في الكشف عن سر الإعجاز، بما في ذلك ما يمكن أن يسهم به ما تأكدت فعاليته من مناهج التحليل المعاصرة. وبانفتاح أفق التقعيد للذوق يزول خطر التحجير على الذوق.


[1] [email protected].

[2] قال الله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ." سورة إبراهيم، من الآية 4.

[3] سورة يوسف، الآية 2.

[4] سورة الزخرف، الآية 3. ومن ذلك أيضا قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً". سورة طه، الآية 113. وقوله تعالى: "وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ." سورة الأحقاف، الآية 12.

[5] الجهاز اللساني هو "مجموع القواعد والإمكانات التي يختزنها متكلم اللغة المثالي في دماغه، وبواسطتها يستطيع أن ينتج ويفهم عددا لا متناهيا من الجمل التي لم تخطر على باله من قبل، ويفهم ويركب جملا صحيحة نحويا، ويكشف عن الجمل المبهمة."
Oswald Ducrot, Tzvetan Todorov, “Langue et Parole” in Dictionnaire encyclopedique des sciences du langage, (Seuil, 1972), p. 158.

[6] سورة الشعراء، الآيات 192 – 195.

[7] سورة الزمر، الآية 28.

[8] الإنجاز اللساني هو: "طريقة استعمال المتكلم لكفايته اللغوية بهدف التواصل في ظروف زمكانية محددة وآنية."
Ducrot, Todorov, “Langue et Parole” in Dictionnaire encyclopedique des sciences du langage, p. 158.

[9] سورة الشعراء، الآيات 192 – 195. وسورة الزمر، الآية 28.

[10] ابن فارس، أبو الحسين أحمد، الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، تحقيق: السيد أحمد صقر، (القاهرة: مكتبة البابي الحلبي، د.ط، د.ت)، ص 50.

[11] الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، (مصر: مكتبة محمد علي صبيح، د.ط، د.ت)، ج 2، ص 56.

[12] الرافعي، مصطفى صادق، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، (بيروت: دار الكتاب العربي، د.ط، 1425 هـ/2005 م)، ص 174 بتصرف.

[13] المراد بالمتقدمين في هذا المقام هم العلماء المشتغلون بلسان القرآن الكريم منذ بدأ تدوينهم للعلوم العربية الإسلامية.

[14] يقول ياقوت الحموي:‏ "قال أبو عبيدة: أرسل إلي الفضل بن الربيع إلى البصرة في الخروج إليه سنة 188 هـ، فقدمت إلى بغداد واستأذنت عليه فأذن لي، ودخلت وهو في مجلس له (...) ثم دخل رجل في زي الكتَّاب له هيئة فأجلسه إلى جانبي. وقال له: أتعرف هذا؟ قال: لا. قال: هذا أبو عبيدة علامة أهل البصرة. أقدمناه لنستفيد من علمه، فدعا له الرجل وقرظه لفعله هذا. قال لي: إني كنت إليك مشتاقاً وقد سئلت عن مسألة أفتأذن لي أن أعرفك إياها؟... قلت: هات. قال: قال الله تعالى: (طلعها كأنه رؤوس الشياطين). وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف مثله، وهذا لم يعرف، فقلت: إنما كلم الله العرب على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرئ القيس:
أيقتلني والمشرفيُّ مضاجعي* ومسنونة زرق كأنياب أغوال‏
وهم لم يروا الغول قط، ولكنه لما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به، فاستحسن الفضل ذلك، واستحسنه السائل، واعتقدت من ذلك اليوم أن أضع كتاباً في القرآن لمثل هذا وأشباهه، ولما يحتاج إليه من علم. فلما رجعت إلى البصرة عملت كتابي الذي سميته المجاز." الحموي، ياقوت، معجم الأدباء، (الأردن: طبعة دار المأمون، د.ط، 1355 هـ/1936م)، ج 7، ص 166.

[15] أعلن الأخفش عن تأثره بكتاب المجاز وإفادته منه في كتابه معاني القرآن. فقد "قال أبو حاتم: كان الأخفش قد أخذ كتاب أبي عبيدة في القرآن فأسقط منه شيئاً وزاد شيئاً، وأبدل منه شيئاً، قال: أبو حاتم: فقلت له: أي شيء هذا الذي تصنع؟ من أعرف بالغريب أنت أو أبو عبيدة؟ فقال: أبو عبيدة، فقلت: هذا الذي تصنع له ليس بشيء، فقال: الكتاب لمن أصلحه، وليس لمن أفسده". الزبيدي، أبو بكر محمد بن الحسن، طبقات النحويين واللغويين، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، سلسلة ذخائر العرب: عدد 50، (القاهرة: دار المعارف. ط 2، د.ت)، ص 73.

[16] يقول أبو عبد الله محمد بن الجهم بن هارون السِّمَّرِي عن معاني القرآن للفراء: "هذا كتاب فيه معاني القرآن، أملاه علينا أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء - يرحمه الله – عن حفظه من غير نسخة، في مجالسه أول النهار من أيام الثلاثاوات والجُمع في شهر رمضان وما بعده من سنة اثنتين، وفي شهور سنة ثلاث، وشهور من سنة أربع ومائتين." الفراء، أبو زكريا يحيى بن زياد، معاني القرآن، (بيروت: عالم الكتب، ط 3، 1403هـ/1983م)، ج 1، ص 1.

[17] سورة يوسف، من الآية 36.

[18] الحموي، معجم الأدباء، مرجع سابق، ج 19، ص 159.

[19] المرجع السابق.

[20] سورة البقرة، من الآية 171.

[21] سيبويه، عمرو بن عثمان، الكتاب، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، (القاهرة: مكتبة الخانجي، ط 3، 1408هـ/1988 م)، ج 1، ص 212.

[22] ابن المثنى، أبو عبيدة معمر، مجاز القرآن، تحقيق: محمد فؤاد سَزْكين، (القاهرة: مكتبة الخانجي، د.ط، د.ت)، ج 1، ص 63- 64.

[23] عبد الواحد، أحمد، الدراسات البيانية في المصنفات الأولى في معاني القرآن، (جامعة أم القرى: مطبوعات نادي مكة الثقافي، عدد 66، مكة: مطابع الصفا، د.ط، د.ت)، ص 28- 30.

[24] ابن النديم، أبو الفرج محمد بن إسحاق، الفهرست، (بيروت: دار المعرفة، د.ط، د.ت)، ص 79. وانظر ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين، وفيات الأعيان، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، (مصر: مطبعة السعادة، د.ط، 1367هـ/ 1948م)، ج 5، ص 235.

[25] البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي الخطيب، تاريخ بغداد، (بيروت: دار الكتب العلمية، د.ط، د.ت)، ج 13، ص 252.

[26] ابن النديم، الفهرست، مرجع سابق، ج 2، ص58.

[27] قال أبو العيناء: "قال رجل لأبي عبيدة: يا أبا عبيدة قد ذكرت الناس وطعنت في أنسابهم، فبالله إلا عرفتني من كان أبوك وما أصله؟ فقال حدثني أبي أن أباه كان يهوديا بباجروان، قرية في ديار مضر بالجزيرة." انظر ابن خلكان، وفيات الأعيان، مرجع سابق، ج 2، ص 157. وانظر الحموي، معجم الأدباء، مرجع سابق، ج 19، ص156.

[28] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، مقدمة الناشر، ج 1، ص 9.

[29] ابن العماد، أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، (القاهرة: مطبعة القدس، د.ط، 1350 هـ)، ج 2، ص 24-25.

[30] ابن خلكان، وفيات الأعيان، مرجع سابق، ج 5، ص 235.

[31] أبو الطيب اللغوي، عبد الواحد بن علي، مراتب النحويين، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، (القاهرة: دار النهضة، د.ط، 1394 هـ)، ص86.

[32] ابن خلكان، وفيات الأعيان، مرجع سابق، ج 2، ص 157-158.

[33] الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين، مرجع سابق، ص 175.

[34] راجع بروكلمان، كارل، تاريخ الأدب العربي، نقله إلى العربية رمضان عبد التواب، (القاهرة: دار المعارف، د.ط، 1975م)، ج 2، ص 144. وراجع ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، مقدمة الناشر، ج 1، ص 10- 11.

[35] المرجع السابق، ج 2، ص 155. وانظر الحموي، معجم الأدباء، مرجع سابق، ج 19، ص 156.

[36] الحموي، معجم الأدباء، مرجع سابق، ج 19، ص 157.

[37] يقول فؤاد سزكين: "وليس هناك شك في أن أبا عبيدة كان يلحن حين يتحدث، فالحديث اليومي العادي أيام أبي عبيدة لم يكن من سلامة البنية بحيث يُلتزم فيه الإعراب، وشأن أبي عبيدة في هذا شأن غيره من المتحدثين الذين كانوا يكرهون التزام الإعراب وسلوك سبيل التقعير في حديثهم العادي. أما أنه كان يلحن [في الشعر] فمرده ضعف الملكة التطبيقية عند أبي عبيدة، وهو أمر مألوف غير غريب حين تتسع الفروق وتعظم بين لغة الحياة اليومية ولغة العلم والأدب. أما ما رآه أبو عبيدة من آراء نحوية وخالفه فيها النحاة وخطَّأوه فهو الأمر الذي يجب أن يكون له محمل يليق بمكانة أبي عبيدة العلمية، فقد كان يعتمد على حسه اللغوي الخاص في إعراب آيات أو أشعار بدون أن يقدر ما كانت تؤسسه المدرسة النحوية في عهده من قواعد تلتزم السير عليها ولا تتعداها، ومن هنا جاء نكيرهم عليه. وأبو عبيدة التفت إلى أبواب من سر العربية حال دون الاستفادة منها مسلك النحاة بما أحكموا من قواعد وأسسوا من أسس." ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، مقدمة الناشر، ج 1، ص 14- 15.

[38] ابن النديم، الفهرست، مرجع سابق. ج 2، ص 59.

[39] معاني القرآن وغريب القرآن اسمان كانا يطلقان على مجاز القرآن أيضا.

[40] من تلك الكتب أيضا: كتاب "الحدود"، وكتاب "خراسان"، وكتاب "الموالي"، وكتاب "القرائن"، وكتاب "الخيل"، وكتاب "الدلو"، وكتاب "الشوارد"، كتاب "الشعر والشعراء"، وكتاب "مكة والحرم"، وكتاب "مآثر العرب"، وكتاب "فتوح الأهواز". انظر ابن خلكان، وفيات الأعيان، مرجع سابق، ج 5، ص 238، 239. وانظر ابن النديم، الفهرست، مرجع سابق، ج 2، ص 59.

[41] المجاز بالمعنى الاصطلاحي هو: "استعمال اللفظ أو التركيب في غير المعنى الذي وضعته له العرب لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي في المجاز اللغوي، أو إسناد الشيء إلى ما ليس حقه أن يسند في المجاز العقلي أو المجاز الإسنادي." انظر طَبَانة، بدوي، البيان العربي: دراسة في تطور الفكرة البلاغية عند العرب ومناهجها ومصادرها الكبرى، (بيروت: دار الثقافة، ط 5، 1406 هـ/ 1986م)، ص22.

[42] ضيف، شوقي، البلاغة تطور وتاريخ، (مصر: دار المعارف، ط 2، د.ت)، ص29.

[43] المرجع السابق، ج 1، 8- 19.

[44] ومن ذلك قوله: "(وريشا) وهو ما ظهر من اللباس والشارة." ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، 213.

[45] ومن ذلك قوله: "(المس) من الشيطان، والجن، وهو اللمم، وهو ما ألم به، وهو الأولَق، والألْسُ، والزُّؤد." ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 83. وقوله أيضا: " (لكل جعلنا منكم شرعة) أي سنة." ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، 168.

[46] ومن ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) "مجازه وسل أهل القرية، ومن في العير." انظر ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 8. وقوله أيضا في تفسير قوله تعالى: (وأرسلنا السماء عليهم مدرارا): "مجاز السماء ها هنا مجاز المطر، يقال: ما زلنا في سماء، أي في مطر، وما زلنا نطأ السماء، أي أثر المطر، وأنَّى أخذَتكم هذه السماء؟" ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 186.

[47] انظر مثلا ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 83.

[48] المرجع السابق، ج 1، ص 108، 122.

[49] المرجع السابق، ج 1، ص 88، 103، 112. ويستعين أبو عبيدة بلغات العرب في التفسير على صورتين؛ إحداهما أن يذكر اللغة دون أن يعزوها إلى أصحابها، كأن يقول مثلا: "(عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [سورة الصافات، الآية 44.] مضموم الأول والثاني، وبعض العرب يفتحون الحرف الثاني." ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 169. أما الصورة الثانية فهي أن يذكر اللغة وينسبها إلى القائل بها كما في تفسير قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ" سورة الزخرف، الآية 26. حيث قال: "مجازها بلغة عُلْوية يجعلون الواحد والاثنين والثلاثة من الذكر والأنثى على لفظ واحد، وأهل نجد يقولون: أنا برئ وهي بريئة ونحن براء للجميع." ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 203.

[50] ففي بيان قوله تعالى: "وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ" سورة البقرة، من الآية 25. قال: "واحدها زوج، الذكر والأنثى فيه سواء. (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ). [سورة البقرة، من الآية 35.]" ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 34.

[51] ومثال ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى: "وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ" سورة يس، الآيتان 34- 35. حيث قال أبو عبيدة: "مجاز هذا مجاز قول العرب، يذكرون الاثنين ثم يقتصرون على خبر أحدهما وقد أشركوا ذاك فيه، وفي القرآن (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [سورة التوبة، الآية 34.] وقال الأزرق بن طرفة بن العمرِّد الفَراصي من بني فَراص من باهلة:
رماني بأمر كنتُ منه ووالدي بَرِئا ومن أجل الطَّوِيِّ رماني
اقتصر على خبر واحد وقد أدخل الآخر معه." ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 161. والأزرق بن طرفة هو جد قديم من أجداد العرب في الجاهلية، يتصل نسبه بالعمالقة من العرب البائدة. انظر الزركلي، خير الدين، الأعلام: قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، (بيروت: دار العلم للملايين، ط 12، 1997م)، ج 1، ص 281. والبيت من الطويل، وهو منسوب في الكتاب إلى ابن أحمر، ونسبه مؤلف شرح شواهد الكشاف إلى الفرزدق. انظر سيبويه، الكتاب، مرجع سابق، ج 1، ص 75. وانظر أفندي، محب الدين، تنزيل الآيات على شواهد الأبيات شرح شواهد الكشاف، (بولاق، د.ط، 1281هـ)، ص311.

[52] أنظر محمد، السيد أحمد علي، قضايا المذكر والمؤنث في مجاز القرآن لأبي عبيدة، (القاهرة: مكتبة الزهراء، د.ط، 1410هـ/1990 م)، ص 26- 27.

[53] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 3. وانظر أيضا المرجع السابق، ج 1، ص 4،315.

[54] ومن ذلك ما يذكر من أن أبا عبيدة معمر بن المثنى كان في مجلس الفضل بن الربيع، فاستفسره بعض من كان في المجلس عن قول الله عز وجل: "طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ" [سورة الصافات، الآية 65.] قائلا: وإنما يقع الوعد والإيعاد بما عرف مثله، وهذا لم يعرف. فقال أبو عبيدة: إنما كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرئ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي مسنونة زرق كأنياب أغوال
وهم لم يروا الغول قط، ولكنهم لما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به، فاستحسن الفضل ذلك، واستحسنه السائل. وعزم أبو عبيدة من ذلك اليوم أن يعد كتابا في القرآن في مثل هذا وأشباهه، وما يحتاج إليه من علمه. فلما رجع إلى البصرة ألف كتابه الذي سماه "مجاز القرآن". انظر الحموي، معجم الأدباء، مرجع سابق، ج 19، ص 159. والفضل بن الربيع هو الفضل بن الربيع بن يونس بن محمد، وكان حاجب هارون الرشيد ومحمد الأمين. وكان أبوه حاجب المنصور والمهدي. انظر البغدادي، تاريخ بغداد، مرجع سابق، ج 12، ص 343. أما بيت امرئ القيس فهو من الطويل، وهو البيت الثامن والعشرون من القصيدة التي مطلعها:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يَعِمَن من كان في العُصُر الخالي
والقصيدة من رواية الأصمعي من نسخة الأعلم. انظر ديوان امرئ القيس، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، سلسلة ذخائر العرب 24، (القاهرة: دار المعارف، ط 5، د.ت)، ص 33.

[55] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 17– 18.

[56] سورة الشعراء، الآية 195.

[57] سورة إبراهيم، من الآية 4.

[58] المرجع السابق.

[59] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 7.

[60] المرجع السابق.

[61] انظر ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 18- 19.

[62] علم المعاني: "وهو علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال." القزويني، الخطيب، الإيضاح في علوم البلاغة: المعاني والبيان والبديع، وضع حواشيه: إبراهيم شمس الدين، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1424 هـ/2003 م)، ص 23.

[63] علم البيان: "هو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه." انظر القزويني، الإيضاح، مرجع سابق، ص 163.

[64] علم البديع: "هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام، بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال ووضوح الدلالة." القزويني، الإيضاح، مرجع سابق، ص 255.

[65] عتيق، عبد العزيز، علم المعاني، (بيروت: دار النهضة العربية، د.ط، 1405هـ/1985م)، ص 96. ويقول السكاكي في تعريف الاستفهام: "الاستفهامُ لطلب حصول في الذهن." السكاكي، أبو يعقوب يوسف، مفتاح العلوم، ضبطه وكتب هوامشه وعلق عليه: نعيم زرزور، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 2، 1407 هـ /1987 م)، ص 303.

[66] سورة العنكبوت، من الآية 68.

[67] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 118.

[68] عتيق، علم المعاني، مرجع سابق، ص108.

[69] سورة البقرة، من الآية 170.

[70] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 63.

[71] سورة النساء، الآية 49.

[72] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 129.

[73] الزركشي، بدر الدين، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، (صيدا-بيروت: المكتبة العصرية، ط 2، 1391هـ/ 1972م)، ج 4، ص 179.

[74] عتيق، علم المعاني، مرجع سابق، ص 115.

[75] سورة الطور، من الآية 15.

[76] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 231.

[77] انظر الزركشي، البرهان، مرجع سابق، ج 2، ص 338.

[78] عتيق، علم المعاني، مرجع سابق، ص81- 83. ويقول السكاكي في تعريف الأمر: "أما الأمر (...) فلطلب الحصول في الخارج، (...) حصول ثبوت [متصور] كقولك في الأمر قم (...) فإنك تطلب (...) حصول قيام صاحبك." السكاكي، مفتاح العلوم، مرجع سابق، ص 304، بتصرف.

[79] عتيق، علم المعاني، مرجع سابق، ص 87.

[80] سورة فصلت، من الآية 40.

[81] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 197.

[82] سورة فصلت، من الآية 40.

[83] عتيق، علم المعاني، مرجع سابق، ص83.

[84] سورة سبأ، من الآية 19.

[85] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 147.

[86] سورة النساء، من الآية 50.

[87] سورة النساء، من الآية 49.

[88] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 129.

[89] المرجع السابق.

[90] عتيق، علم المعاني، مرجع سابق، ص 122. يقول السكاكي في تعريف التمني: "أما النوع الأول من الطلب فهو التمني. أو ما ترى كيف تقول: ليت زيدا جاءني، فتطلب كون غير الواقع فيما مضى واقعاً فيه مع حكم العقل بامتناعه، أو كيف تقول: ليت الشباب يعود، فتطلب عود الشباب مع جزمك بأنه لا يعود، أو كيف تقول: ليت زيدا يأتيني، أو ليتك تحدثني، فتطلب إتيان زيدا أو حديث صاحبك في حال لا تتوقعهما ولا لك طماعية في وقوعهما، إذ لو توقعت أو طمعت لاستعملت: لعل أو عسى." السكاكي، مفتاح العلوم، مرجع سابق، ص 303.

[91] عتيق، علم المعاني، مرجع سابق، ص 123.

[92] سورة النساء، من الآية 84.

[93] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 134.

[94] سورة الزخرف، الآية 31.

[95] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 203.

[96] عتيق، علم المعاني، مرجع سابق، ص149.

[97] سورة المائدة، من الآية 70.

[98] المرجع السابق.

[99] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 173.

[100] سورة طه، الآيتان 2- 3.

[101] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 398.

[102] الزمخشري، جار الله محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل، رتبه وضبطه وصححه: مصطفى حسين أحمد، (بيروت: دار الكتاب العربي، د.ط، 1407هـ)، ج 3، ص 50-51.

[103] المراغي، أحمد مصطفى، علوم البلاغة: البيان والمعاني والبديع، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1414هـ/1993م)، ص 145.

[104] سورة البقرة، من الآية 171.

[105] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 63-64.

[106] ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم، تأويل مشكل القرآن، تحقيق: السيد أحمد صقر، (القاهرة: دار التراث، ط 2، 1393 هـ/ 1973م)، ص 198- 203.

[107] سورة آل عمران، من الآية 40.

[108] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 92.

[109] ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، مرجع سابق، ص 195.

[110] انظر ابن المعتز، عبد الله، البديع، اعتنى بنشره وتعليق المقدمة والفهارس عليه: اغناطيوس كراتشقوفسكي، (لندن، لينينغراد: منشورات Messrs. Luzac and CO.، د.ط، 1935م)، ص 58.

[111] سورة يونس، من الآية 22.

[112] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 11.

[113] سورة القيامة، الآية 33-34.

[114] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 11.

[115] المراغي، علوم البلاغة، مرجع سابق، ص105.

[116] سورة البقرة، الآية 45.

[117] عمرو بن امرئ القيس من بني الحارث بن الخزرج، جاهلي. انظر المرزباني، أبو عبد الله محمد بن عمران، معجم الشعراء، شرح كرنكو، (القاهرة، د.ط، 1354هـ)، ص233.

[118] البيت من المنسرح، وهو من الأبيات المختلف في عزوها، فقد نسبه أبو عبيدة إلى عمرو بن امرئ القيس، ونسبه سيبويه إلى قيس بن الخطيم [انظر سيبويه، الكتاب، مرجع سابق، ج 1، ص 29]. وقد صحح العباسي في معاهد التنصيص نسبته إلى ابن الخطيم. [انظر العباسي، عبد الرحيم بن أحمد، معاهد التنصيص على شواهد التلخيص، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، (بيروت: عالم الكتب، د.ط، د.ت،) ج 1، ص 99.]

[119] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 39.

[120] سورة الزمر، الآية 65.

[121] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 191.

[122] المراغي، علوم البلاغة، مرجع سابق، ص 259. ويعرفه الطوفي في الإكسير بأنه: "إلحاق أدنى الشيئين بأعلاهما في صفة اشتركا في أصلها، واختلفا في كيفيتها قوة وضعفا." الطوفي، سليمان الصرصري، الإكسير في علم التفسير، تحقيق: عبد القادر حسين، (القاهرة: مكتبة الآداب، د.ط، د.ت،) ص 168.

[123] سورة البقرة، الآية 256.

[124] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 79.

[125] سورة لقمان، من الآية 32.

[126] البيت من الوافر، وقد ذكره الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1407هـ)، ج 21، ص 49.

[127] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 128- 129.

[128] سورة إبراهيم، من الآية 18.

[129] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 338.

[130] الجرجاني، علي بن محمد بن علي، التعريفات، تحقيق: إبراهيم الأبياري، (بيروت: دار الكتاب العربي، ط 1، 1405هـ)، ص35.

[131] المراغي، علوم البلاغة، مرجع سابق، ص 177. وعتيق، عبد العزيز، علم البيان، (بيروت: دار النهضة العربية، د.ط، 1405هـ/ 1985م)، ص 327. وعرف السكاكي الاستعارة تصريحية بـ "أن يكون الطرف المذكور من طرفي التشبيه هو المشبه به." السكاكي، مفتاح العلوم، مرجع سابق، ص 176.

[132] سورة البقرة، من الآية 165.

[133] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 62.

[134] سورة المائدة، من الآية 64.

[135] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 171.

[136] المرجع السابق، ج 1، ص 14.

[137] سورة غافر، من الآية 80.

[138] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 195.

[139] سورة هود، من الآية 40.

[140] المراغي، علوم البلاغة، مرجع سابق، ص 177. وعتيق، علم البيان، مرجع سابق، ص327. يقول القزويني في تعريفها: "قد يضمَر التشبيه في النفس فلا يصرح بشيء من أركانه سوى لفظ المشبه، ويُدل عليه بأن يُثبَت للمشبه أمر مختص بالمشبه به، من غير أن يكون هناك أمر ثابت حسا أو عقلا أُجري عليه اسم ذلك الأمر؛ فيسمى التشبيه استعارة بالكناية، أو مكنيا عنها." القزويني، الإيضاح، مرجع سابق، 234.

[141] سورة الكهف، من الآية 77.

[142] البيت من الوافر، وقد ذكره الطبري، تاريخ الأمم والملوك، مرجع سابق، ج 15، ص 171.

[143] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 410- 411.

[144] ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، مرجع سابق، ص200.

[145] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 19.

[146] سورة الأنبياء، من الآية 63.

[147] سورة يوسف، من الآية 4.

[148] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 40.

[149] سورة الإسراء، من الآية 36.

[150] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 380.

[151] الجرجاني، التعريفات، مرجع سابق، ص 257.

[152] عتيق، علم البيان، مرجع سابق، ص143- 144. عرف القزويني المجاز المرسل بأنه "ما كانت العلاقة بين ما استُعمل فيه وما وُضع له ملابسة غير التشبيه." القزويني، الإيضاح، مرجع سابق، ص 205.

[153] سورة الأنعام، من الآية 6.

[154] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 186.

[155] عتيق، علم البيان، مرجع سابق، ص 143- 144. عرف القزويني المجاز العقلي بأنه "هو إسناد الفعل، أو معناه، إلى ملابس له، غير ما هو له، بتأوُّل. وللفعل ملابسات شتى، يلابس الفاعل، والمفعول به، والمصدر، والزمان، والمكان، والسبب." القزويني، الإيضاح، مرجع سابق، ص 32.

[156] سورة الحاقة، الآية 21.

[157] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 268.

[158] الجرجاني، التعريفات، مرجع سابق، ص240.

[159] سورة النساء، الآية 43.

[160] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 128.

[161] عبد الواحد، الدراسات البيانية في المصنفات الأولى في معاني القرآن، مرجع سابق، ص215.

[162] المراغي، علوم البلاغة، مرجع سابق، ص385. وعتيق، عبد العزيز، علم البديع، (بيروت: دار النهضة العربية، د.ط، 1405هـ/ 1985م)، ص99. وانظر السكاكي، مفتاح العلوم، مرجع سابق، ص 424.

[163] سورة الواقعة، الآية 25.

[164] ابن المثنى، مجاز القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 249.

[165] البغدادي، تاريخ بغداد، مرجع سابق، ج 13، ص 255.

[166] الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين، مرجع سابق، ص 176.

[167] هو صالح بن إسحاق البجلي، أبو عمر الجرمي، أخذ عن الأخفش وأبي عبيدة والأصمعي وطبقتهم، كان ذا دين وورع، وله كتب في النحو ككتاب الأبنية. توفي سنة 225 للهجرة. انظر الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين، مرجع سابق، ص 74–75. والقفطي، أبو الحسن علي بن يوسف، إنباه الرواة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، (القاهرة: دار الفكر العربي، ط 1، 1406 هـ)، ج 2، ص 80–83.

[168] الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين، مرجع سابق، ص 176.

[169] الرافعي، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مرجع سابق، ص 58 – 59.

[170] أرحيلة، عباس، "مجاز القرآن لأبي عبيدة: محاولة رائدة في مرحلة التأسيس"، مجلة الدارة، (دارة الملك عبد العزيز، سنة 12، عدد 3، ربيع الآخر 1407 هـ / ديسمبر 1986م)، ص245.

[171] انظر الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، جامع البيان في تأويل آي القرآن، (دمشق: دار الفكر، د.ط، 1405هـ)، ج 7، ص 171، ج 12، ص 182، ج 22، ص 128، ج 30، ص 296، وغيرها من المواضع كثير.

[172] الرافعي، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مرجع سابق، ص 177.

[173] عن إسهام التقعيد في إحداث ذلك الفصل يقول محمد إقبال عروي: "بعدما كان البلاغيون ينطلقون في جهودهم من الخطاب، أخذوا يصدرون عن القواعد، وقد كان لهذا الشأن تأثير كبير على مسيرة البلاغة، حيث انفصلت مباحثها عن التحليل والتفسير، وأضحت علما مستقلا قائم الذات، مستوي الأركان، مثل حقول علوم الآلة الأخرى كالنحو والصرف والعروض." عروي، محمد إقبال، بديع القرآن: دراسة تاريخية نقدية، (الكويت: إدارة الثقافة الإسلامية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط 1، 1430هـ/2009م)، ج 1، ص 344.

[174] عروي، بديع القرآن، مرجع سابق، ج 1، ص 344.

[175] المرجع السابق، ج 1، ص 12.

[176] الرافعي، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مرجع سابق، ص 178.

[177] المرجع السابق، ص 178، بتصرف.

[178] المرجع السابق، ص 58.

[179] المرجع السابق، ص 58، بتصرف.

[180] المرجع السابق، ص 58.
 
أصل البحث منشور بمجلة وحدة الأمة، مجلة علمية عربية دولية محكمة نصف سنوية يصدرها مجمع حجة الإسلام، الجامعة الإسلامية دار العلوم وقف ديوبند، الهند، العدد 7، شهر ربيع الأول 1438.
 
Abstract

Abstract

[h=1]The early scholars' conception of the rhetoric of the Quran and its impact on Exegesis and Rhetoric[/h]:Abstract

This research reveals the sources of the conception that early scholars had of the rhetoric of the Quran. It also unravels the motives behind the scholars’ choice of that particular conception among other possible perceptions of the relationship between the language of the Quran and Arabic Language. This would help identify the factors that influenced the shaping of Exegesis and Rhetoric, and were responsible for their strengths and weaknesses. It would also shed light on possible prospects for improvement and development of these Sciences. The sample studied in this research is “Majaz al’Quran”, a book written by Abu Obaidah Muammar ibn al – Muthanna, who is considered to be one of the early founders of both Exegesis and Rhetoric.


Available from: https://www.researchgate.net/public...Quran_and_its_impact_on_Exegesis_and_Rhetoric [accessed Aug 29, 2017].​
 
عودة
أعلى