بسم الله الرحمن الرحيم
شغلني موضوع منذ زمن بعيد, وأود بسطه بهذا المنتدى الكريم, لعلي أجد من يثلج صدري بجواب قاطع تطمئن له النفس..
هل يمكن أن نفيد حكما فقهيا من القـــصة القــــــــــــــرآنية ؟؟! .
إن القصة القرآنية كما أفهمها .. بل كما يعلِّمنا القرآن الكريم إنما جاءت للعبرة, وللنظر في سنن الله الثابتة في خلقه, والاعتبار بمصارع الأمم الغابرة, وكيف هلك هالكهم بالكفران, ونجى من نجى منهم بالإيمان, ثم هي تثبيت لقلوب المؤمنين لقوله تعالى
{وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} ..
{لقد كان في قصصهم عبرة ..}
فهل هذا النص جاء ليقرر جزئية فقهية أم هذا النص جزء من سياق قصصي يحكي مشهدا من تلك الرحلة العجيبة لموسى مع الخضر وما فيها من دروس إيمانية وتربوية ؟؟!!.
وفي موضوع الصداق جاء هذا الكلام
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ.
فَأَمَّا الْكِتَابُ : فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآَتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) {النساء: 4) وَفِيمَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ هَذَا الْخِطَابُ قَوْلَانِ:أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْأَزْوَاجِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَلَّكُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِدَفْعِ صَدَاقِهِنَّ إِلَيْهِنَّ.
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي صَالِحٍ وَفِي نِحْلَةً؛ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ:
أَحَدُهَا: يَعْنِي تَدَيُّنًا مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يَنْتَحِلُ كَذَا، أَيْ يَتَدَيَّنُ به.
والثاني: يطيب نَفْسٍ كَمَا تَطِيبُ النَّفْسُ بِالنَّحْلِ الْمَوْهُوبِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ نَحْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُنَّ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِلْكًا لِأَوْلِيَائِهِنَّ، وَالنَّحْلُ الْهِبَةُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا حَكَّاهُ عَنْ شُعَيْبٍ فِي تَزْوِيجِ مُوسَى بِابْنَتِهِ قَالَ: {إِنِّي أُرِيدُ أنْ أَنْكِحُكَ إِحْدَى ابْنَتَيْ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ) {القصص: 27) وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَأْجُرَهَا فَجَعَلَ الصَّدَاقَ مِلْكًا لِنَفْسِهِ دُونَهَا ..
ثم جاء في كلام قريب من هذا قوله
الْقَوْلُ فِي التَّزْوِيجِ عَلَى مَنَافِعِ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنَافِعُ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ صَدَاقًا لِزَوْجَتِهِ، مِثْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَخْدِمَهَا شَهْرًا، أَوْ يَبْنِيَ لَهَا دَارًا، أَوْ يَخِيطَ لَهَا ثَوْبًا، أَوْ يَرْعَى لَهَا غَنَمًا .
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنَافِعُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَدَاقًا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنَافِعُ الْعَبْدِ صَدَاقًا ........................................................................................................................................................................................................................................................................................
حتى قال
وَدَلِيلُنَا-انتبه قال ودليلنا-: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ حِينَ تَزَوَّجَ مُوسَى بِابْنَتِهِ {إِنِّي أُرِيدُ أنْ أُنْكُحكَ إحْدَى ابْنَتَي هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ) {القصص: 27) يَعْنِي عَمَلَ ثَمَانِي حِجَجٍ فَأَسْقَطَ ذِكْرَ الْعَمَلِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ بَيْنَهُمَا، وَالْعَمَلُ رَعْيُ الْغَنَمِ، فَجَعَلَ رَعْيَ مُوسَى ثَمَانِي سِنِينَ صَدَاقًا لِبِنْتِهِ. وَهَذَا نَصٌّ.
ولكن بعد هذا النص -وفي نفس الكتاب – ينشب خلاف حول هذا الموضوع, مما يشعر أن هذه القضية أصلا كانت محل اختلاف بين العلماء
فجاء في الحاوي .. فَإِنْ قِيلَ: فهذا في غير شريعتنا فلم يلزمنا .
قِيلَ شَرَائِعُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَازِمَةٌ لَنَا عَلَى قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلَمْ يَرِدْ نَسْخٌ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا مَنْسُوخُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صَدَاقِهَا لِنَفْسِهِ وَقَدْ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي شَرِيعَتِنَا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) {النساء: 4) قِيلَ عَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَضَافَ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ مَجَازًا لِقِيَامِهِ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مِلْكٌ لَهَا دُونَهُ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ نَسْخُ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، كَمَا لَمْ يَكُنْ نَسْخُ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ دَلِيَلًا عَلَى نَسْخِ الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَشُعَيْبٌ جَعَلَ الْمَنْفَعَةَ مُقَدَّرَةً بِمُدَّتَيْنِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي شَرِيعَتِنَا.
قِيلَ: الْمَنْفَعَةُ مُقَدَّرَةٌ بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ ثَمَانُ سِنِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى ثَمَانِي حِجَجٍ وَاجِبَةٍ وَكَانَتْ سَنَتَانِ عِدَةً مِنْهُ، فَقَضَى اللَّهُ عَنْهُ عِدَتَهُ فَأَتَمَّهَا عَشْرًا .
وفي باب الكفالة يسوق الماوردي هذا الاحتجاج
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالدَّعْوَى فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالنُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ كَهِيَ فِي الْمَالِ إِلَّا أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ ضَعِيفَةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كَفَالَةِ النُّفُوسِ، قَدْ مَضَتْ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ مُسْتَوْفَاةٌ، وأعادها المزني هاهنا لأمرين:
أحدهما: بصحة الدَّعْوَى بِصِحَّتِهَا، وَفَسَادُ دَعْوَاهَا بِفَسَادِهَا.
ثم يقول .. َالثَّانِي: لِوُجُوبِ الْيَمِينِ فِي إِنْكَارِهَا إِذَا صَحَّتْ، وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ، إِنَّ كَفَالَةَ النُّفُوسِ صَحِيحَةٌ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} [يوسف: 66] يَعْنِي كَفِيلًا بِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ بِهَا الصَّدْرَ الْأَوَّلَ، وَلِأَنَّ فِيهَا رِفْقًا بَالنَّاسِ، وَتَعَاوُنًا عَلَى الصِّيَانَةِ.
وجاء في كتاب البيان في مذهب الإمام الشافعي لابي الحسين العمراني في كتاب الإجارة
ويدل على صحتها: قَوْله تَعَالَى - في قصة موسى وشعيب -: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26] {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] [القصص: 26 - 27] . فلولا أن الإجارة كانت جائزة في شرعهم.. لما قالت: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص: 26] ، ولأنكر عليها شعيب، وأيضًا فإنه قال: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] . فجعل المنفعة مهرًا .
وهذه كما ترى سيدي الكريم نصوص قصصية .. لا نصوص تشريعية فقهية ..
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية عند باب الضمانة والكفالة
الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ قَدْ يُسْتَعْمَلاَنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَدْ يُسْتَعْمَل الضَّمَانُ لِلدَّيْنِ، وَالْكَفَالَةُ لِلنَّفْسِ. وَهُمَا مَشْرُوعَانِ أَيْضًا لِيَتَوَثَّقَ بِهِمَا الاِلْتِزَامُ. وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ يُوسُفَ: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْل بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} .
هذا وفي كتب الفقه المزيد من الاستدلال بقصة قرآنية على جزئية فقهية تشريعية والاحتجاج بها, فيا أيها الملأ قولوا لي قولا فصل, نضيجا سلسا سهل, أيصح هكذا فقه أم هو ضرب من الجهل .. هل نفيد من القصة حكما فقهيا ؟؟ .
جزيتم خيرا ..