تساؤل حيرني .. القصة القرآنية بين العظة والتشريع ..

علي جاسم

New member
إنضم
01/03/2005
المشاركات
66
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم الله الرحمن الرحيم
أحبتي أساتذة الملتقى الأفاضل .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
شغلني موضوع منذ زمن بعيد, وأود بسطه بهذا المنتدى الكريم, لعلي أجد من يثلج صدري بجواب قاطع تطمئن له النفس..
هل يمكن أن نفيد حكما فقهيا من القـــصة القــــــــــــــرآنية ؟؟! .
إن القصة القرآنية كما أفهمها .. بل كما يعلِّمنا القرآن الكريم إنما جاءت للعبرة, وللنظر في سنن الله الثابتة في خلقه, والاعتبار بمصارع الأمم الغابرة, وكيف هلك هالكهم بالكفران, ونجى من نجى منهم بالإيمان, ثم هي تثبيت لقلوب المؤمنين لقوله تعالى
{وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} ..
وقال تعالى
{لقد كان في قصصهم عبرة ..}
ولكننا ننظر فنجد من فقهاءنا الأكارم من يجعل من النص القصصي دليلا على حكم فقهي, ودونك هذا المثال من كتاب الحاوي الكبير للإمام الماوردي الشافعي -وهو الكتاب الذي لم يؤلف في المذهب مثله كما قيل- ما نصه "وَاسْتَدَلَّ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ مِنَ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجْراً) {الكهف: 77) ا.ه.
فهل هذا النص جاء ليقرر جزئية فقهية أم هذا النص جزء من سياق قصصي يحكي مشهدا من تلك الرحلة العجيبة لموسى مع الخضر وما فيها من دروس إيمانية وتربوية ؟؟!!.
وفي موضوع الصداق جاء هذا الكلام
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ.
فَأَمَّا الْكِتَابُ : فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآَتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) {النساء: 4) وَفِيمَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ هَذَا الْخِطَابُ قَوْلَانِ:أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْأَزْوَاجِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَلَّكُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِدَفْعِ صَدَاقِهِنَّ إِلَيْهِنَّ.
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي صَالِحٍ وَفِي نِحْلَةً؛ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ:
أَحَدُهَا: يَعْنِي تَدَيُّنًا مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يَنْتَحِلُ كَذَا، أَيْ يَتَدَيَّنُ به.
والثاني: يطيب نَفْسٍ كَمَا تَطِيبُ النَّفْسُ بِالنَّحْلِ الْمَوْهُوبِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ نَحْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُنَّ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِلْكًا لِأَوْلِيَائِهِنَّ، وَالنَّحْلُ الْهِبَةُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا حَكَّاهُ عَنْ شُعَيْبٍ فِي تَزْوِيجِ مُوسَى بِابْنَتِهِ قَالَ: {إِنِّي أُرِيدُ أنْ أَنْكِحُكَ إِحْدَى ابْنَتَيْ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ) {القصص: 27) وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَأْجُرَهَا فَجَعَلَ الصَّدَاقَ مِلْكًا لِنَفْسِهِ دُونَهَا ..
ثم جاء في كلام قريب من هذا قوله
الْقَوْلُ فِي التَّزْوِيجِ عَلَى مَنَافِعِ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنَافِعُ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ صَدَاقًا لِزَوْجَتِهِ، مِثْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَخْدِمَهَا شَهْرًا، أَوْ يَبْنِيَ لَهَا دَارًا، أَوْ يَخِيطَ لَهَا ثَوْبًا، أَوْ يَرْعَى لَهَا غَنَمًا .
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنَافِعُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَدَاقًا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنَافِعُ الْعَبْدِ صَدَاقًا ........................................................................................................................................................................................................................................................................................
حتى قال
وَدَلِيلُنَا-انتبه قال ودليلنا-: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ حِينَ تَزَوَّجَ مُوسَى بِابْنَتِهِ {إِنِّي أُرِيدُ أنْ أُنْكُحكَ إحْدَى ابْنَتَي هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ) {القصص: 27) يَعْنِي عَمَلَ ثَمَانِي حِجَجٍ فَأَسْقَطَ ذِكْرَ الْعَمَلِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ بَيْنَهُمَا، وَالْعَمَلُ رَعْيُ الْغَنَمِ، فَجَعَلَ رَعْيَ مُوسَى ثَمَانِي سِنِينَ صَدَاقًا لِبِنْتِهِ. وَهَذَا نَصٌّ.
ولكن بعد هذا النص -وفي نفس الكتاب – ينشب خلاف حول هذا الموضوع, مما يشعر أن هذه القضية أصلا كانت محل اختلاف بين العلماء
فجاء في الحاوي .. فَإِنْ قِيلَ: فهذا في غير شريعتنا فلم يلزمنا .
قِيلَ شَرَائِعُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَازِمَةٌ لَنَا عَلَى قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلَمْ يَرِدْ نَسْخٌ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا مَنْسُوخُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صَدَاقِهَا لِنَفْسِهِ وَقَدْ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي شَرِيعَتِنَا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) {النساء: 4) قِيلَ عَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَضَافَ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ مَجَازًا لِقِيَامِهِ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مِلْكٌ لَهَا دُونَهُ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ نَسْخُ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، كَمَا لَمْ يَكُنْ نَسْخُ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ دَلِيَلًا عَلَى نَسْخِ الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَشُعَيْبٌ جَعَلَ الْمَنْفَعَةَ مُقَدَّرَةً بِمُدَّتَيْنِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي شَرِيعَتِنَا.
قِيلَ: الْمَنْفَعَةُ مُقَدَّرَةٌ بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ ثَمَانُ سِنِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى ثَمَانِي حِجَجٍ وَاجِبَةٍ وَكَانَتْ سَنَتَانِ عِدَةً مِنْهُ، فَقَضَى اللَّهُ عَنْهُ عِدَتَهُ فَأَتَمَّهَا عَشْرًا .
وفي باب الكفالة يسوق الماوردي هذا الاحتجاج
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالدَّعْوَى فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالنُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ كَهِيَ فِي الْمَالِ إِلَّا أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ ضَعِيفَةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كَفَالَةِ النُّفُوسِ، قَدْ مَضَتْ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ مُسْتَوْفَاةٌ، وأعادها المزني هاهنا لأمرين:
أحدهما: بصحة الدَّعْوَى بِصِحَّتِهَا، وَفَسَادُ دَعْوَاهَا بِفَسَادِهَا.
ثم يقول .. َالثَّانِي: لِوُجُوبِ الْيَمِينِ فِي إِنْكَارِهَا إِذَا صَحَّتْ، وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ، إِنَّ كَفَالَةَ النُّفُوسِ صَحِيحَةٌ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} [يوسف: 66] يَعْنِي كَفِيلًا بِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ بِهَا الصَّدْرَ الْأَوَّلَ، وَلِأَنَّ فِيهَا رِفْقًا بَالنَّاسِ، وَتَعَاوُنًا عَلَى الصِّيَانَةِ.
وجاء في كتاب البيان في مذهب الإمام الشافعي لابي الحسين العمراني في كتاب الإجارة
ويدل على صحتها: قَوْله تَعَالَى - في قصة موسى وشعيب -: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26] {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] [القصص: 26 - 27] . فلولا أن الإجارة كانت جائزة في شرعهم.. لما قالت: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص: 26] ، ولأنكر عليها شعيب، وأيضًا فإنه قال: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] . فجعل المنفعة مهرًا .
وهذه كما ترى سيدي الكريم نصوص قصصية .. لا نصوص تشريعية فقهية ..
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية عند باب الضمانة والكفالة
الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ قَدْ يُسْتَعْمَلاَنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَدْ يُسْتَعْمَل الضَّمَانُ لِلدَّيْنِ، وَالْكَفَالَةُ لِلنَّفْسِ. وَهُمَا مَشْرُوعَانِ أَيْضًا لِيَتَوَثَّقَ بِهِمَا الاِلْتِزَامُ. وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ يُوسُفَ: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْل بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} .
هذا وفي كتب الفقه المزيد من الاستدلال بقصة قرآنية على جزئية فقهية تشريعية والاحتجاج بها, فيا أيها الملأ قولوا لي قولا فصل, نضيجا سلسا سهل, أيصح هكذا فقه أم هو ضرب من الجهل .. هل نفيد من القصة حكما فقهيا ؟؟ .
جزيتم خيرا ..

 
الفكرة واضحة أخي الفاضل، ولكني لم أفهم وجه الإشكال فيما لو استنبطت الاستدلالات السابقة من القصص وإن كانت نازلة للعبرة، فنزولها للعبرة لا يتعارض مع كون ألفاظها ومضامنيها تشترك مع باقي آيات الكتاب الكريم في الاستدلال.
ومن الذي ذكر أن الاستدلال لا يكون إلا بآيات الأحكام؟
وتبقى مسألة (شرع من قبلنا) ذات تطبيقات محدودة لا تلغي ما سبق..
 
هل من مزيد ..

هل من مزيد ..

سيدي الكريم محمد العبادي .. أشكرك على تعليقك ..
ولكنا لو أنعمنا النظر في هذه القضية لوجدنا أننا حقا أمام معضلة لا بد من فصل القول بها ..
انا معك أن لا وجود للمشكلة .. هذا إن جعلنا النص القصصي معززا للنص التشريعي الصريح في حكم ما , بمعنى أن نفرغ من تقرير الحكم بنصوصه الصريحة الواضحة ثم نذيل تقريرنا بنص قصصي, أما أن نجعل من النص القصصي في ذاته دليلا وحجة فههنا مشكلة, لأنك تجد نصوصا تشريعية سواء من الكتاب أو السنة صريحة في حكم ما, ثم ما تلبث أن تجد نصا قصصيا يخالفها نوعا من المخالفة ..
فمثلا قال تعالى {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة .. }النساء [5] وهذا -أخي الحبيب- نص تشريعي صريح في إتيان النساء صداقهن ..
وقال تعالى {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم .... الآية } حتى قال عز وجل {فما استمتعم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} النساء [24] وهذا أيضا نص صريح في أن الأجور أو الصدقات من حق الزوجة ..
ثم ناتي لقوله تعالى {قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} القصص [27] وأضع كلمة تأجرني بين قوسين مثقلين لأن الآية هنا تقول إن الصداق جاز أن يكون لولي البنت لا لها!!! وهذا سيدي الكريم نوع تناقض بين تلك الآيات وهذه الآية وأنت خبير أن فارق الفهم بين تلك الآيات وهذه يترتب عليه اعتبارات واقعية تمس بيوتنا, ونحن أمورون بتسقيط النصوص على واقعنا ما أمكننا لذلك سبيلا, ففي النصين المتقدمين كان الصداق خالصا للبنت وهو حقها عن تمتع الزوج بها, ولا يفهم من النصين الأولين بحال أن الأب يجوز له أن يأخذ صداق ابنته, بينما نجد في النص القصصي جواز ذلك فللأب أن يأخذ صداق ابنته ولا إثم عليه ..
فبأي النصين ألتزم أنا وأي النصين أطبق في واقع حياتي ..؟؟
هذا وفي القرآن قصص بعد قد تخالف نصوصا فقهية صريحة والمسألة كما قلت -أخي الحبيب- بحاجة إلى جواب يثلج الصدر ..
أشكرك أخي العبادي
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما

الظاهر أخي الحبيب أنك اعتمدت القياس في كلامك.. ولابد أن يتناظر المتقايسين في ما يقاس به.. فقد وضعت كلمة تأجرني بين قوسين مثقلين لأن الآية هنا تقول إن الصداق جاز أن يكون لولي البنت لا لها !!! لكنه غاب عليك من يكون وليها ؟ ولي البنت هنا نبي.. أما قوله تعالى : وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ..فهذا أخي الحبيب نص تشريعي لعموم الناس صريح في إتيان النساء صداقهن .. ومثله قوله تعالى : فما استمتعم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة... فلابد من استيفاء المتقايسين ؟
ولك أن تنظر في أمر الرجل الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يزوجه.. ولم يكن عنده شيئا إلا سورة أو بعض السور من القرآن فقال له : زوجتك بما معك من القرآن ؟ ولي أن أسألك الآن : هل لمثلنا في عصرنا أن يزوج ابنته بأن يكون مع الرجل سورة من القرآن ؟ طبعا لا حتى يصح المتقايسين.. ومن صحة المتقايسين أن المرأة التي عند رسول الله كان يرضيها فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وقد لا يرضي النساء عندنا ما نفعل.. فجواز الأمر بالقياس يكون باستيفاء المتقايسين ؟ وإلا ما جاز لنا أن نقيس والله أعلم.

يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول
 
جزاكم الله خيرا.
القول والله أعلم ما قاله أخي محمد العبادي. أما تفصيل قوله فتجده في هذه الروابط:

الأصول المختلف فيها: 1- شرع من قبلنا - معهد آفاق التيسير
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
الكتب - البحر المحيط - كتاب الأدلة المختلف فيها - شرع من قبلنا - شرع من قبلنا- الجزء رقم6

وأرجو أخي علي أن تقرأ ما ورد فيها عسى أن يزول الإشكال الذي واجهك في فهم المسألة.
أما قصة موسى عليه السلام فاستشهاد أبي حنيفة رحمه الله بها هو من باب إثبات عمل العبد كصداق، وليس إثبات الصداق للولي دون المرأة. فموسى عليه السلام عِوضَ أن يقدم الصداق لشعيب نقدا، قَبِلَ أن يكون عملُه صداقا، وهذا ما ذهب أبو حنيفة إلى جوازِه والإستدلالِ بعمل موسى وشعيب من باب أن شرع من قبلنا شرع لنا، ولم يكن في كلام أبي حنيفة استدلال بالقصة على جواز دفع المهر للولي دون المرأة.
وكذلك القول في استدلال أبي الحسن العمراني في كتاب الإجارة، فإنه استشهد بالقصة على جواز اعتبار الإجارة و منفعتها صداقا لا على جواز جعل الصداق للولي دون المرأة، والله أعلم.
وأضيف في هذا الباب ما أورده البغوي في شرح السنة: "قال الله سبحانه وتعالى: {فآتوهن أجورهن فريضة} [النساء: 24]، وأراد بالأجر: الصداق.
قال الله عز وجل: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [النساء: 4]، فإن قيل: المهر عوض عن الاستمتاع، فلم سماه نحلة، والنحلة، هي العطية بلا عوض؟ قيل: أراد به تدينا وفرضا في الدين، كما يقال: فلان انتحل مذهب كذا، أي: تدين به، وقيل: سماه نحلة، لأنه بمنزلة شيء يحصل للمرأة بغير عوض، لأن الزوجين يشتركان في الاستمتاع، وابتغاء اللذة، وربما تكون شهوتها أغلب، ولذتها أكثر، فكان المهر نحلة منه لها في الحقيقة بلا عوض، وقيل: لأن المهر كان في شرع من قبلنا للأولياء دون النساء، كما قال شعيب صلى الله عليه وسلم: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني} [القصص: 27].
فاشترط العمل لنفسه لا لابنته، فلما جعل الله المهر للنساء في شرعنا، كان ذلك نحلة منه لهن، والله أعلم".
ولا أعلم في أقوال الأئمة الاربعة استدلالا بشرع من قبلنا في إثبات حكم ورد في شريعتنا خلافه، والله أعلم.
 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على حبيبنا محمد سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .. أحبتي الأكارم ..
قرأت ما كتبتم .. وأشكركم عليه الشكر الجزيل .. ولولا أني منطلق لغاية لا أريد أن يثنيني عنها شيء لطاب لي أن أنعطف معلقا على ما كتبتم, فتارة اشكركم على ما قومتم مني وتارة أصوب ما يقتضي التصويب وأصحح ما يستوجب التصحيح, ولكن آثرت أن أسير على الخط المرسوم, لكن أمر بعجالة ســــــــريعة على كلمة للأخ الكريم شندول والأخ الفاضل حسن لحاجة في النفس أقضيها..
الأخ العزيز عمارة شندول ذكرت حديث المرأة التي زوجها النبي صلى الله عليه وسلم للرجل بما معه من القرآن والحديث حجة عليك لا لك أخي الكريم,إذ أن الفقهاء اختلفوا في هذا الحديث على قولين, فقد ذكر أبو الوليد سليمان بن خلف التجيبي القرطبي صاحب المنتقى شرح الموطإ قوله"وقَوْلُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» يَحْتَمِلُ أَيْضًا وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنْ يُعْلِمَهَا مَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِقْدَارًا مَا مِنْهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ صَدَاقَهَا وَهَذَا إبَاحَةُ جَعْلِ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مَهْرًا.
وقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ هَذَا التَّفْسِيرُ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ مُضَرَ الْأَنْدَلُسِيُّ وَاحْتَجَّ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْأَعْيَانِ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْبُضْعِ.
وَقَدْ رَوَى زَائِدَةُ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ فِيهِ «انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا فَعَلِّمْهَا مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» ذَكَرَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ .
فالحديث في أظهر وجهيه يتكلم عن امرأة زوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم على صداق وقدره سور من القرآن يـُعَلِّمها الرجل ..
الأخ الحبيب حسن الأسامي ذكرت هذه الكلمة "وهذا ما ذهب أبو حنيفة إلى جوازِه والإستدلالِ بعمل موسى وشعيب من باب أن شرع من قبلنا شرع لنا" .
والقاعدة التي ذكرتها ناقصة ولوددت لو أنك نقلتها كاملة,فاجتزاء القاعدة اجتزاء للفكرة التي تحملها,وهذه القاعدة –أخي الحبيب-محل خلاف بين الأصولين قد تناولها العلماء كثيرا ومن لطيف ما قيل فيها ما جاء في كتاب الاستذكار لأبي عمر يوسف بن عبد الله القرطبي إذ قال "احْتِجَاجُ مَالِكٍ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الْمَائِدَةِ 45 دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ إِنْ كَانَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ فِي شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَلَمْ يُنَزِّلْ فِي كِتَابِنَا أَنَّهُ لَهُمْ خَاصَّةً وَلَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ لَهُمْ دُونَنَا وَلَمْ يُشْرَعْ لَنَا خِلَافَهُمْ فَهُوَ شَرْعٌ لَنَا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَرَ نَبِيَّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ إِلَّا أَنْ يُشَرِّعَ لَهُ مِنْهَاجًا غَيْرَ مَا شَرَعَ لَهُمْ . ا .هـ.
فتمام القاعدة التي ذكرت أخي الكريم أن "شرع ما قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا نسخ أو خلاف له" أما أن نسوق القاعدة مجزوءة فهذا ليس طرحا علميا بورك فيك .
أشكركم أساتذتي على ما تفضلتم به ..
والآن أرجع للغاية التي أبتغي والمقصد الذي أريد ..
وأقول قبل كل شيء أني أحمد الله تعالى مرتين ..
أولا أحمــــــده عز وجل أن هيأ أحبة كراما علقوا على ما كتبت,فأقلقوا خاطري وثوروا همتي فوجدتني ملزما أن أتناول هذا الموضوع بشيء من الجدية ..
وثـــــــــانيا أحمده تعالى إذ وصلت إلى جواب يريحني من حيرتي ويسلمني لمستقر يطمئن له القلب ..
النص القصصي لا يصح أن نستدل به ((ابتداءا))على جزئية فقهية أو أن نجعله حجة على قضية تشريعية ما لم يتقدمه نص فقهي صريح سواء نص قرآني أو نبوي, ذلك لأن القصة القرآنية إنما جاءت للعبرة والعظة, وتقرير سنن الله الثابتة في خلقه, أي إن مجالها الصحيح هو التربية الإيمانية للنبي والجماعة المؤمنة وقد قال الله تعالى
{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]
وقال عز وجل
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111]
وتعرفون سادتي أن الجانب الإيماني شيء والجانب التشريعي الفقهي شيء آخر ومن ذلك كان الاختلاف في طبيعة السور المكية والمدنية ..
ولا زلت أنقل إن الاستدلال الفقهي بالنص القصصي كان محل خلاف بين الفقهاء, فقد جاء في المنتقى شرح الموطإ قوله " وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ:إذَا قَالَ أَنَا لَك ضَامِنٌ، أَوْ كَفِيلٌ، أَوْ حَمِيلٌ، أَوْ زَعِيمٌ، أَوْ هُوَ لَك عِنْدِي، أَوْ عَلَيَّ، أَوْ قِبَلِي فَهُوَ كُلُّهُ ضَمَانٌ لَازِمٌ فِي الْحَقِّ وَالْوَجْهِ قَالَ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهَا قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَهَذَا إنْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ لَهَا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَبَيَّنَ، وَأَمَّا إنْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وجاء في فتح الباري ما يعضد هذا المعنى إذ ذكر "عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إن موسى - عليه السلام - كانَ رجلاً حيياً ستيراً، لا يرى من جلده شيء، استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستر هذا الستر إلا من عيب بجلده، إما برص وإما أدرة وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه، فخلا يوماً وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه، ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملإبني إسرائيل، فرأوه عرياناً، أحسن ما خلق الله، وأبرأه الله مما
يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضرباً - ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً -، فلذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69] .
قالَ الخطابي: وفيه من الفقه: جواز الاطلاع على عورات البالغين؛ لإقامة حق واجب كالختان ونحوه.
قلت: هذا فيهِ نظر؛ فإن موسى - عليه السلام - لم يقصد التعري عندَ بني إسرائيل؛ لينظروا إليه، وإنما قدر الله لهُ ذَلِكَ حتَّى يبرئه عندهم مما آذوه به. وقد يقال: إن الله لا يقدر لنبيه ما ليس بجائز في شرعه.
وأما الاستدلال به على جواز الاغتسال في الخلوة عرياناً، فهوَ مبني على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يأت شرعنا بخلافه.
وذكر زين الدين العراقي في طرح التثريب في شرح التقريب بَابُ بَيْعِ الْعَقَارِ وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ
[حَدِيث اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا فَوَجَدَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ]
{بَابُ بَيْعِ الْعَقَارِ وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ} عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ خُذْ ذَهَبَك مِنِّي إنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْك الْأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْك الذَّهَبَ وَقَالَ الَّذِي بَاعَ الْأَرْضَ إنَّمَا بِعْتُك الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا؛ قَالَ فَتَحَاكَمَا إلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إلَيْهِ أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا لِي غُلَامٌ وَقَالَ الْآخَرُ لِي جَارِيَةٌ قَالَ أَنْكِحْ الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا " (فِيهِ) فَوَائِدُ:
{الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ {الثَّانِيَةُ} ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي ذِكْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ جَرَتْ فِيهِمْ وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا هَلْ شَرْعٌ لَنَا أَمْ لَا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِذِكْرِهَا بَيَانَ مَنَاقِبِهِمْ وَمُسْلِمٌ أَوْرَدَهَا فِي الْأَقْضِيَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ .
وعود إلى فتح الباري وعند حديث الرجل الذي قتل مائة نفس, ودونك هذا الكلام الجميل الذي أراه يحل الإشكال كله وعن نفسي وجدته قد أثلج صدري وأراح بالي للفصل في هذه المسألة "قَالَ عِيَاضٌ وَفِيهِ أَنَّ التَّوْبَةَ تَنْفَعُ مِنَ الْقَتْلِ كَمَا تَنْفَعُ مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ خِلَافٌ لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ إِذَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا تَقْرِيرُهُ وَمُوَافَقَتُهُ أَمَّا إِذَا وَرَدَ فَهُوَ شَرْعٌ لَنَا بِلَا خِلَافٍ وَمِنَ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ فَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .ا .هـ .
أرأيتم أحبتي .. أرأيتم كيف أخَّـر النص القصصي ولم يقبله ابتداءا حتى وجد في القرآن والسنة ما يقرر هذا المعنى تقريرا صريحا واضحا لا لبس فيه ثم ألحق النص القصصي بهما,ذلك أن القصة في القرآن أو في السنة ليست للفقه بل للاعتبار والعظة والتربية الإيمانية ..
وهذا سادتي الأكارم هو المنهج الأمثل للاستدلال الفقهي بالنص القصصي, أي إذا أردنا أن نقحم القصة في ميدان الفقه, كان لزاما أن نمر بالنص القصصي على نصوص الفقه الواضحة الصريحة لنحصل على ما سنسميه (تصريح دخول)للنص القصصي لميدان الفقه,فيدخل الفقه الإسلامي معه سائق وشهيد من النصوص التشريعية الواضحة المحكمة الصريحة, أما أن نجعل من النص القصصي ابتداءا هو الدليل على الجزئية الفقهية دون أن نعرضه على الفقه القرآني أو النبوي الصريح فهذا تكلف لا تحمد عاقبته أو هو تحميل للنصص فوق ما يراد منه ..
أشكركم الشكر الجزيل .. وجزيتم خيرا على ما قدمتم ..


 
عودة
أعلى